أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سرغي نوفيكوف - الماركسية ونزاع الشرق الأوسط















المزيد.....

الماركسية ونزاع الشرق الأوسط


سرغي نوفيكوف

الحوار المتمدن-العدد: 1978 - 2007 / 7 / 16 - 11:00
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


(نزاع الشرق الأوسط، وما الذي تصمت في شأنه البرجوازية؟)
1- من يا ترى الإرهابي؟
الأحداث الدامية التي جرت عام 2006 بدايةً في قطاع غزة، ثم في لبنان، هزت أركان العالم بأسره إذ أعادت إلى الأذهان من خلال الضحايا الجديدة التي سقطت هشاشةَ التسوية السلمية في الشرق الأوسط وعجز صانعي السلام القدامى منهم (في الشرق الأوسط بالذات جرِّبت لأول مرة عام 1973 دبلوماسية وزير الخرجية الأميركي هنري كيسنجر المسماة بـ"الدبلوماسية "المكوكية") والجدد تحت يافطة "الرباعي الدولي" المؤلف من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا والولايات المتحدة. فكل محاولاتهم البائسة لصنع السلام كانت مجرد أوهام خلّبية. فهم لم يستطيعوا لا تدارك حصول النزاع، ولا حتى إخماد الحريق بعد أن استعر وأكل الأخضر واليابس. وما سبب هذا العجز الكارثي لما يسمى المجتمع الدولي بكل ما يحويه من مؤسسات تمتدَح ليل نهار إلا في كون هذا المجتمع إياه يتحاشى الإجابة الصريحة عن سؤال: من هو المحق يا ترى في هذا النزاع، ومن هو المذنب؟ واضعاً الأمور في أطر سطحية من مثل: من كان البادئ، وكيف العمل لجعل المتنازعين يتقاتلون أقل ويتحاورون أكثر. وإن مشاهد العنف الدامي التي حيرت العالم كله لم تقسم الشرق الأوسط وحسب، بل العالم أجمع إلى ثلاثة معسكرات: معسكر من يرى في إسرائيل الإرهابي الأول والرئيس، ومعسكر من يعتبر حركتي "حماس" و"حزب الله" مثابة الإرهابيين الرئيسيين، ومعسكر من يلقي اللوم على كلا الطرفين. ووجهة النظر الأخيرة التي يتشاطرها معظم الدول، بل ربما معظم سكان كوكبنا، هي أهم عامل من عوامل النزاع لأنها تشل كل محاولة فعلية لا لوقف القتال وحسب، بل لإزالة أسباب هذا النزاع المستمر منذ 60 عاماً. فما هو يا ترى أساس هذا النزاع؟ إن في أساسه استيلاء دولة إسرائيل على أراض عربية مجاورة وطرد ملايين الفلسطينيين من هذه الأراضي ليعيشوا حتى الآن في أراضي الدول العربية المجاورة في مخيمات للاجئين. فماذا كان سيفعل والحال هذه أي شعب آخر؟ إنه كان سيفعل شيئا واحداً فقط: سيحاول استعادة الأراضي المحتلة. وهذا بالذات ما تفعله حركة "حماس" و"حزب الله" حين يعالجان مهمة دحر المحتلين، وهي مهمة تحرير وطني بامتياز. رب معترض بالقول أن دولة إسرائيل كانت هي الأخرى منذ اليوم الأول لقيامها ضحية عدوان العرب عليها وأن حروب أعوام 1956 و1967 و1973 بدأتها الدول العربية إياها، وأن "حماس" و"حزب الله" يواصلان اليوم أيضا اعتماد أساليب الإرهاب معرضين للخطر السكان الآمنين. هذه الحجج جدية والمقاربة الماركسية تستدعي الاستفاضة في مقارعتها. وهي تستحق مثل هذه الاستفاضة لأن الشكل والمضمون فيهما تم الخلط بينهما عمداً. فسؤال: "من المحق ومن المذنب" يستعاض عنه بسؤال: "من البادئ بالحرب"، ومسألة الحق في الكفاح من أجل التحرر الوطني يستعاض عنها بالسؤال حول أشكال هذا الكفاح وطرائقه وأساليبه، أي حول الذي يطلق النار أكثر من غيره ومن يقتل من. وليس بأقل أهمية السؤال عن كنه دولة إسرائيل وعما إذا كانت هذه الدولة خيراً لليهود أو لا.
2- الإرهاب والمقاومة
إن كل من فرض علينا ما يسمى النظام العالمي الجديد، نظام هيمنة الإمبريالية الأميركية، ومن يعارض بوجل هذا النظام لا لكونه إمبريالياً، بل فقط لأنه يريد أن يرى نفسه مهيمناً ويقيم نظامه بدلا من نظام الإمبريالية الأميركية، أعني الطبقات البرجوازية من كلا الاتجاهين، يبغي تعويدنا على فكرة أن الإرهاب هو دوماً أمر سيء، لأن الناس يموتون والدم يراق من جرائه. وبهذا يريدون أن يقولوا لنا إن أي سلام، حتى أشده ظلماً وعسفاً هو أفضل من الحرب. وإنْ هذا إلا مغالطة خبيثة وضارّة إذ إن انتباه ملايين الناس يصرَف عن مسألة عدالة الكفاح أو لاعدالته من حيث مضمونه إلى مسألة أخرى هي شكل الكفاح: أهو كفاح عسكري (إرهابي) أم هو كفاح سلمي، أي، بكلام آخر، عن مسألة: مَن ومن أجل ماذا يقاتل إلى مسألة: كيف وبمَ يقاتل. وهكذا بدلا من تحديد هوية كل من المعتدي وضحيته يُعرض علينا تقسيم مضلِّل في أساسه إلى إرهابي ولاإرهابي. وضرر هذه المغالطة وخطلها الحقوقي يكمن بادئ ذي بدء في أنها تثبت مواقع النظام العالمي القائم مانعةً الشعوب من تغيير وسائلها الثورية حسبما تقتضي الضرورة التاريخية. ثمة من يعارضنا بالقول أن من الممكن تغييرها إلى وسائل سلمية برلمانية غير إرهابية. بيد أن هذه الإمكانية لم تجد لها في التاريخ طريقا إلى الوجود إلا كاستثناء، وليس كقاعدة، ولذا لم ياخذ الماركسيون الثوريون السائرون على خطى ماركس ولينين يوماً عهداً على أنفسهم بأنهم لن يمارسوا الإرهاب الثوري عندما تبرره حاجات وواقع النضال الطبقي. وهذا يميز بخاصة زماننا الحاضر إذ إن استخدام كل الآليات غير العسكرية من أجل تغيير محسوس حقاً في ظل الهيمنة شبه الكاملة للإمبريالية الأميركية لا يصب في غير مصلحة هذه الإمبريالية وفرضها مشيئتها على البشر، ويبقى في إطار قواعد اللعبة التي تؤمن لها وحدها ربح المعركة. ولذا يذكرنا كل من يحاول اليوم أن يعيش فقط ضمن إطار هذه القواعد بذاك الذئب الذي يطارده الصياد بواسطة البيارق الحمراء. فهو في معمعان خوفه من القفز عبر هذه البيارق الحمر أكثر من خوفه من الموت يقع في مرمى نار الصياد، وكذلك تقع حركات التحرر والأحزاب والشعوب التي تدعم هذه الحركات في الفخ الذي تنصبه لها الإمبريالية أي في فخ العمل ضمن الأطر الدستورية ووسائل النضال البرلمانية التي لا مخرج منها اليوم إلى سوى الهزيمة وخداع الكادحين بالجملة بأن هناك نضالاً يخاض وليس هذا بالنضال. وفي هذا بالذات الانتهاك الشامل للحق والعدل الذي لا يريد أن يلحظه المجادلون، ألا وهو: من هو الإرهابي الرئيسي، ذلك أن الإرهاب ليس سوى شكل، وسيلة، أداة تكون فعل عدوان وقرصنة في حالة والطريقة الوحيدة للدفاع عن النفس أو عن الحرية في حالة أخرى. فحين تهاجَم لا يكون تصديك للمهاجم بأي شكل من الأشكال مسموحاً به وحسب، بل يكون أيضا ضرورياً. وإن هذا إلا أحد المبادئ الأساسية للقانون الدولي الذي لا يحظر بل يُحِق حق الشعب في الانتفاض على حكومة مناهضة للشعب وحقه في شن حرب تحرير على المعتدي والمحتلّ. من وجهة النظر الحقوقية هذه يفرغ كل جدل حول الإرهاب من مضمونه ومغزاه، إذ إن الإرهاب ما هو إلا الشكل. وما دام العالم يؤثر هذا الشكل على المضمون ويمنحه الأولوية، فإنه لن يسعه أن يحل أيا من النزاعات أبداً، لأن الحق والعدل لا يمكنهما أن ينتصرا في ظل الظلم والعدوان، والعسف والطغيان، إلا من خلال كفاح مسلح، عنفي على الأرجح، قد تعتبره وجهة النظر السطحية إرهاباً. وهكذا، إذا كان الأمر يتعلق بكفاح من أجل التحرر الوطني وفي سبيل العدالة الاجتماعية، فإن ضحايا العدوان أو الاضطهاد لا يمكنهم إلا أن يكونوا إرهابيين في شكل النضال الذي يمارسونه. زد على ذلك أن الإرهاب كأسلوب يُعتمد ليس على الأغلب، تبعاً لأهداف هذا الكفاح وظروفه، بجريمة، بل هو الأسلوب الوحيد الممكن لبلوغ التغيير الثوري لصالح العدالة الاجتماعية والتحرر القومي. في هذه الحالة لا يكون الإرهاب الذي تمارسه الضحية ضد المعتدي والمظلوم ضد الظالم جديراً بالإدانة بقدر ما يكون جديراً بالتضامن معه ومساندته، لا سيما إذا قصدنا بذلك المضمونَ التاريخي الواقعي للكفاح، لا شكله الديني أو القومي. (الجزء الثاني من البحث يتبع لاحقاً)


- مَن الضحية إذن؟
المأساة تتمثل في أن الصهاينة ليسوا وحدهم من يعتبر أن الضحية الأولى هي طبعاً إسرائيل، بل معهم الكثيرون من الناس السطحيين. والحجج التي يسوقونها جدية. فهم يزعمون أن إسرائيل كانت دوماً تهاجَم، ولم تكن تفعل سوى أن تدافع عن نفسها. وأن إسرائيل قدمت لاحقاً، بعد توقيع اتفاقات السلام في أوسلو، عدداً من التنازلات الإقليمية من أجل هذا السلام، بينما لم يتركها "الإرهابيون" العرب (الفلسطينيون) حتى وقتذاك تعيش بهدوء. فراحوا يطلقون الصواريخ عليها ويفجرون أماكن اللهو الليلية والحافلات فيها. فقتل من قتل من الناس الآمنين والأطفال. ووصل بهم الأمر إلى اختطاف جنود من الجيش الإسرائيلي. أفليس هذا مبرراً لوضع حد نهائي لهذا الإرهاب ولو تطلب الأمر اللجوء إلى أعنف الأساليب؟ فالروس مثلا عندما اصطدموا بدايةً بالإرهاب، ثم بالعدوان المباشر من قبل إرهابييهم في الشيشان، لم يصبروا هم أيضا على الضيم فغزوا الشيشان لا أقل من مرتين خلال السنوات العشر الأخيرة، وخيراً فعلوا لأن لا مجال لفعل غير ذلك مع المسلمين! ويقولون: لو أراد هؤلاء المسلمون السلام فعلا لحصلوا عليه من إسرائيل منذ زمن بعيد لقاء هذه أو تلك من التنازلات. غير أن لب المسألة هو في أن هؤلاء المسلمين لا يريدون السلام، بل تدمير دولة إسرائيل، يريدون رميها في البحر. وهذا ما يبرر أية أساليب تتخذها دفاعاً عن نفسها. هذا هو على وجه التقريب ما يروج اليوم له العديد من وسائل الإعلام في مسعى منها لكسب المعركة الدعائية.
ولكن تعالوا نخوض في هذه المسائل ونحاول فهمها الفهم السليم.
أجل، إن قرار الأمم المتحدة في شأن إقامة دولتين على أرض فلسطين: فلسطينية (عربية) وإسرائيلية (يهودية) قد خالفته البلدان العربية. ولكن إسرائيل أيضا انتهكته. وهي انتهكته لدرجة أن دولة إسرائيل هي اليوم ضمن حدود تفوق أضعافاً حدود الأراضي التي خصصتها لها الأمم المتحدة عام 1948، فيما لا وجود للدولة الفلسطينية الموعودة، وحتى ما يسمى بالحكم الذاتي للفلسطينيين ليس سوى حكم ذاتي ضمن قوام دولة إسرائيل.
وما الفرق هنا أبدأت إسرائيل الحرب أم بدأها العرب؟
لقد حاول مزور التاريخ المعروف "ريزون" Rezun الذي اتخذ لنفسه الاسم المستعار "سوفوروف" Suvorov (قائد عسكري روسي فذ خاض حروباً مظفرة ضد جحافل نابوليون الزاحفة لاحتلال روسيا في القرن التاسع عشر– المحرر)، تبييض صفحة الفاشية الهتلرية باعتبار أن ستالين، حسب زعمه، كان يخطط للمبادرة إلى الهجوم على هتلر. ولئن تركنا جانباً الوقائع فإن المرء يجب أن يفكر في ما إذا كان من السوء أو اللاعدل أن يقوم ستالين بمثل هذه المبادرة. فهل إن طبيعة الفاشية العدوانية اللاإنسانية كانت ستكون غير لو أن الحرب الغادرة على الاتحاد السوفياتي لم تبدأها ألمانيا الفاشية، بل بدأها السوفيات؟ إن أي إنسان غير متحامل يعرف اليوم أن البشرية ما كان وضعها سيكون أسوأ لو هوجمت ألمانيا الفاشية على حين غرة ودحِرت بسرعة أكبر، ما كان أسهم في تحاشي سقوط هذه الملايين العديدة من الضحايا، ومن ضمنها العدد الكبير من الغجر واليهود في معسكرات الموت الهتلرية. فكون ستالين لم يستبق هجوم هتلر ولم يهزمه بقليل من الدم يُهرَق ليس بالفضيلة بقدر ما هو نقيصة، أو على الأصح، مأساة من مآسي ستالين الذي لم يستطع المبادرة إلى بدء الحرب بسبب أنه لم يكن مستعداً لها الاستعداد الكافي. وبخلاف الاتحاد السوفياتي بدأت الدول العربية وعلى رأسها مصر وسوريا حروبها من دون استعداد كاف لها، فدفعت ثمن عدم الاستعداد هذا هزيمة أمام إسرائيل على الرغم من أنها خاضت حروباً عادلة تماماً.
ولا أساس أيضا أبداً لما يساق من اتهامات ضد المقاتلين العرب تزعم أنهم يقتلون السكان الآمنين ويستخدمون في ذلك الاستشهاديين. فإبان الحرب الوطنية العظمى التي خاضها السوفيات ضد المحتلين (خلال الحرب العالمية الثانية) لم يكن الجنود أو الفدائيون السوفيات، أو أي وطني، يفرقون بين "آمنين" و"غير آمنين". فقد كان واضحاً لهم أن المطلوب الآن هو القضاء على كل من جاء بالسيف والحديد والنار إلى الأرض السوفياتية. ولئن دفع الجنود والفدائيون حياتهم ثمن هذا كما يفعل اليوم الفدائيون الاستشهاديون العرب الفلسطينيون، فإنهم كانوا يوصفون بالأبطال. ولم يكن أحد يصف المحتلين الهتلريين بأنهم "ضحايا الإرهاب". فما الذي حصل لنا اليوم؟
نعم، إن المقاتلين العرب يقاتلون بطريقة أخرى. ولكن هل بوسعهم أن يقاتلوا بطريقة غير هذه الطريقة دون أن تكون لهم غابات كغابات بريانسك وبيلوفيجييه التي كان يمكن لفصائل المقاومة أن تختبئ فيها، ولا حتى الدولة التي بوسعها أن تقاتل مستخدمة الطائرات والمدفعية وغيرها من الأسلحة التي تميز الحروب بين الدول؟ تصور مثلا أننا نحن الروس بقينا في سياق الحرب الوطنية العظمى من دون الدولة السوفياتية ومن دون غاباتنا!! فهل كنا جديدرين بالعيش على هذه الأرض لو سلّمنا كشعب سوفياتي بالعدوان وتخلينا عن المقاومة في كل أشكالها، حتى تلك التي يستخدمها اليوم مقاتلو "حماس" و"حزب الله"!! إن علينا اليوم لا أن ندين الاستشهاديين المسلمين، بل أن ندهَش ونُعجَب لرجولتهم وتفانيهم. وكل من يطالب العرب بأن يسلكوا السبيل السوي ويكونوا "أوادم" و"معتدلين" يطالبهم في الحقيقة بالاستسلام أمام إسرائيل الصهيونية وبخيانة قضيتهم والتخلي عن أرضهم وأهلهم وبني قومهم الباقين في الأراضي المحتلة.
إنه ليدهشني خاصة ما يقوله المدافعون عن إسرائيل والصهيونية في محاولتهم للتشهير بالمناضلين الفلسطينيين متهمين إياهم بأنهم ينفقون المال الذي يحصلون عليه من الأمم المتحدة لا من أجل ترتيب أمور العيش لشعبهم، بل من أجل شراء السلاح. تعالوا نتخيل للحظة أن مشاريع هتلر نفِّذت لا في العام 1991، بل في العام 1941 أو العام 1942، وأنه تمكن آنذاك من الاستيلاء على كل أراضي الاتحاد السوفياتي الواقعة غربي جبال الأورال ومن أن يفرض على القيادة السوفياتية شروطه. فهل كان بوسع السوفياتيين أن ينفقوا المال بهدوء واطمئنان على المأكل والسيارة وهم يعلمون حق العلم أن أرضهم واقعة تحت جزمة المحتل الغاصب، وأن السوفياتيين القابعين في ظل الاحتلال يتعرضون للاستغلال والاضطهاد القومي والإبادة المباشرة؟ في ظل ظروف كهذه سيلحق، لعمري، العار بكل من رفض التضحية بآخر قرش في جيبه من أجل شراء دبابة أو طائرة أو مدفع رشاش يمكّن من الانتصار على العدو.
لذا يجب القول إن كل من يريد للفلسطينيين اليوم أن يسلموا باحتلال أرضهم ويعيشوا عيشة اللاجئين والصعاليك ويتخلوا عن الكفاح المسلح يكون كمن يعرض عليهم التخلي طواعية عن تحرير بلادهم. هذا التسليم سيكون أيضا أفظع انتهاك للقانون الدولي، والمدافعون عن مثل هذا الانتهاك ليسوا البتة بأفضل ممن كان سيقترح على الاتحاد السوفياتي الذي هزمه هتلر مؤقتاً أن يقر بالهزيمة ويتخلى عن الحق في تحرير الأرض وأهلها ممن وقع في براثن الاحتلال.
فمن عساهم يكونون، يا ترى، هؤلاء المقاتلون الفلسطينيون؟
تعالوا نتذكر أن الأمم المتحدة، بعد حرب عام 1967 الكارثية على الفلسطينيين، هذه الحرب التي ضُمت فيها القدس إلى منطقة الاحتلال، والقدس بالنسبة إليهم بأهمية موسكو بالنسبة إلينا، اتخذت القرار 338 القاضي بأن تنسحب إسرائيل من الأاراضي التي احتلتها في تلك الحرب. فماذا كان؟ لقد تجاهلت إسرائيل تدعمها الولايات المتحدة هذا القرار مستفيدة من بعض الدقائق اللغوية التي اكتنفت نصه. ولكن بينما سلّمت الأمم المتحدة وكل المجتمع الدولي الذي تمثله آنذاك بهذا التجاهل الإسرائيلي راح الإرهابيون الفلسطينيون بالذات يطبقون القرار إياه بأساليبهم الإرهابية. والذنب هنا يقع لا على الإسلام، بل على دناءة وخيانة ورياء المجتمع الدولي إياه الذي أقر بحق الفلسطينيين قولاً ولم يستخدم فعلاً لا المقاطعة ولا الحصار الدبلوماسي ضد المعتدي. فماذا كان يبقى، يا ترى، لملايين الناس الذي ولدوا في مخيمات اللاجئين ونشأوا وترعرعوا وبلغوا سن الرشد تحدوهم فكرة العودة إلى ديارهم والعيش فيها كمواطنين كاملي الحقوق؟ هؤلاء المقاتلون الأشاوس الموصومون بأنهم متعصبون وإرهابيون صاروا إذاً ذاك الذي بدأ فعلاً لا قولاً تنفيذ قرار الأمم المتحدة بطرد الغزاة الصهاينة من أرضه المحتلة.
وهكذا بقي الحق والعدل كل هذه السنوات الستين الماضية إلى جانب الفلسطينيين وإخوانهم العرب. وهم لا يزالون اليوم أيضا يشكلون حركة تحرر وطني الحق إلى جانبها أياً تكن أساليب الكفاح التي يستخدمونها. وإذا هم استخدموا أساليب العنف أو الإرهاب فهذا حق لهم وفضيلة وليس بالأمر الذي يستحقون عليه الملامة.
أما وضع علامة مساواة بين الفلسطينيين "الإسلاميين" والشيشانيين "الإسلاميين" فليس سوى كلاء هراء كالكلام عن الإرهاب حين يتعلق الأمر بالمقاومة المشروعة. فـ"الإرهاب" الفلسطيني ما هو إلا رد على أعمال الإبادة الصهيونية بينما لا علاقة البتة للعصابات الشيشانية وتعصبها الكاذب للإسلام بحركات التحرر الوطني، إذ لا يجوز تبرير ما تفعله لا بالمساواة التي كان الشيشانيون يعيشون في ظلها خلال العهد السوفياتي، ولا بما آل إليه وضعهم في ظل روسيا يلتسين بعد العاشر من كانون الأول/ ديسمبر عام 1994.
ولكن هل يعني هذا أن الفلسطينيين محقون في كل شيء، وأن إسرائيل لا؟ فلا "حماس" ولا "حزب الله" رغم اختلافاتهما في وارد الاعتراف فعلاً بحق دولة إسرائيل في الوجود. لنحاول أن نتناول هذا الأمر أيضاً.
(يتبع)



#سرغي_نوفيكوف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سرغي نوفيكوف - الماركسية ونزاع الشرق الأوسط