أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سلام عبود - الثقافة بين الإرهاب وديموقراطية الاحتلال















المزيد.....

الثقافة بين الإرهاب وديموقراطية الاحتلال


سلام عبود

الحوار المتمدن-العدد: 1977 - 2007 / 7 / 15 - 10:51
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


الديموقراطية مفهوم غامض ونسبي, ربما لا يصلح للاستخدام كمقياس قيمي أو معيار عند الحكم على الظواهر الفنية. لأن هذا التعبير يشبه سلة الحاوي , يمكن أن نضع فيها الجميع, من المسيح الى يهوذا, ومن غاندي الى رامسفيلد, فكلهم مثقفون ديمقراطيون, كما يعتقدون! أما الإرهاب فيحصر البعض مفهومه في الغالب بالجماعات السرية العنيفة التي تنشط خارج مؤسسة الدولة, أو خارج مؤسسة القوة الدولية, حتى وإن كان في هيئة دولة. بيد أن الإرهاب في حقيقته تطرف في استخدام العنف ضد المغاير أو الآخر, الخصم والمختلف. لذلك لا ينحصر الإرهاب في الجماعات الدينية السلفية أو اليسارية, كما يُشاع زورا في الإعلام. الإرهاب فعل يمارسه الأفراد وتستخدمه الجماعات والمؤسسات والدول والكتل الدولية. وأوسع أشكال الإرهاب هو إرهاب الدولة, سواء أكانت شمولية ديكتاتورية, أو شمولية أوليغاركية, أو ما يعرف بالقوة العظمى الديموقراطية. وفي هذا الإطار يُعدّ الإحتلال والغزو أعلى وأبشع أشكال الإرهاب في المقاييس والشرائع كلها من دون استثناء. فإذا كان الإرهاب التكفيري يحصر الحق , بما في ذلك حق القتل, في ذاته, فإن إرهاب المحتلين يقوم بـ "دمقرطة" الإرهاب, وتعميمه على الجميع. فلا فرق لديهم بين بعثي وشيوعي وسني وشيعي وكردي وعربي وعلماني أو غير علماني إلا في مقدار اقتراب وابتعاد الآخر عن أهدافهم الأساسية. إن الحديث عن مواجهة الإرهاب ثقافيا يعني بالضرورة الحديث عن الحرية بأبعادها الفردية والاجتماعية والوطنية. وهي أبعاد غير قابلة للتجزئة. إذ لا يمكن للفرد أن يكون حرا وهو يسكن في قوقعة حزبية أو عرقية أو طائفية قائمة على مبادئ الإكراه والتكفير, ولا يمكن له أن يكون حرا وهو يعمل خادما في جهاز احتلال, مهما كانت درجة "ديموقراطيته", وكذلك الحال عند الحديث عن مثقف "ديموقراطي" يعمل في خدمة نظام ديكتاتوري أو مؤسسة للعنف السياسي والحربي ويتبنى أو يروج مفاهيمها. لأن هذا الجمع الشاذ ينطوي على تناقض داخلي, جوهري, يتعارض مع مفهوم الحرية ومحتواه الإنساني. لهذه الأسباب أرى أن من الأصلح الحديث عن ثقافة إنسانية في مواجهة ثقافة العنف والإلغاء, سواء أكانت ثقافة دينية أو غير دينية.
إن صناعة تقاطب زائف بين الإرهاب والديموقراطية على المستويين الثقافي والسياسي يعني, من الناحية المبدئية, خلق صيغة تضليلية تهدف الى ابتلاع مساحة واسعة من العنف السائد في المجتمعات التقليدية القائمة: الديكتاتوريات, النظم الأسرية والعشائرية, القيادات العسكرية, التركيبات الطائفية والدينية والعرقية. وربما يكون العراق خير مثال على هذا التقاطب الزائف. إن بقايا النظام الديكتاتوري السابق ومروجي ثقافته هم المستفيدون الأساسيون من الخلل الجدي في هذه المعادلة المفبركة اجتماعيا وثقافيا. وهي معادلة مجلوبة من خارج المجتمع بشقيها, السياسي: كمشروع للمصالح الأميركية الأجنبية, والميداني: كساحة للنشاط العنفي الدولي. أما هدفها النهائي فهو القفز على حقبة ظالمة ومأساوية من تاريخ الشعب, من دون إعطاء المجتمع فرصة لدراسة تجربته المظلمة وتحليل جوانبها الروحية والاجتماعية المدمرة. إن إغراق المجتمع في عنف طرفاه الإرهاب والإحتلال, وانقسام المجتمع العراقي سياسيا, على ضوء هذا التقاطب وانخراطه طوعا أو كرها فيه, لا يعني سوى المحافظة على تقاليد العنف واستمرار وديمومة وجودها, ولكن تحت مسميات جديدة.
وإذا كانت الحرية هي الشرط الأساسي لتحقق إنسانية الفرد, فالثقافة الحرة هي الشرط الأول لتحقيق الثقافة الإنسانية. لكن الحرية بقدر ما هي مسؤولية إجتماعية هي قضية فردية بالدرجة الأولى. إن المبدأ الجوهري للاقتراب من ضفاف الحرية الثقافية هو أن يؤمن الفرد إيمانا تاما بحريته كفرد وكإنسان, ويخلص لها ويصونها ويحصنها. إن الإخلاص للذات والضمير هو الشرط الأول لممارسة الحرية الثقافية. أما الشرط الثاني فهو ارتباط الحرية الفردية بالحدود الجماعية لممارسة الحرية, وهو الشرط العام, الاجتماعي. بدون هذين الشرطين لا توجد حرية ثقافية, وبالتالي لا يملك المرء إمكانية الانفلات من سيطرة المؤسسة الثقافية. فبدون تلك الحرية ينقلب الفرد الى مجرد ذيل تابع للمؤسسة السياسية والحزبية والعرقية, المحلية أو الأجنبية.
إن امتلاك الحرية, كشرط للاستقلال الذاتي, لا يعني مساواة البشر في المزاج والسلوك والمسؤوليات, كما يظن البعض. بل تعني الانعتاق من تأثير المؤسسة كلي الجبروت, والتحرر من أبوتها وعبوديتها. إن التوازن الدقيق بين الحرية الفردية والمؤسسة نجده في قول الحسن البصري في الواقفين على أبواب الحكام من طلاب العلم : " والله لو زهدتم فيما عندهم, لرغبوا فيما عندكم, ولكنكم رغبتم فيما عندهم, فزهدوا فيكم".
إن هذه الدعوة المبكرة, التي رافقت نشوء الدولة العربية الاسلامية, تدل على أن معادلة السلطة -الثقافة, الحاكم -المثقف, قديمة وعميقة ومحسوسة الأثر منذ أزمان بعيدة في الثقافة العربية.
ربما يقول البعض: لكل تابع متبوع. نعم, هذه سنّة الحياة, ومن ينكرها يكون بحكم الأعمى. ولكن, ما حدود وطبيعة هذه التبعية؟ ذلك أمر يختلف فيه الناس. فالمديح مثلا يكون صفة مذمومة أو مقبولة ليس لذاتها, وإنما لدرجة انطباقها على واقع الممدوح. وحتى المديح التكسبي, أو المديح الكاذب- وهو مرذول - لا يحمل خطورات جسيمة, كالمديح الذي يقوم به "جيش الوشاة", الذين يتولون في كل العصور مسايرة مشاريع القوة والسلطة (ديكتاتور, احتلال, مؤسسة حكم, صاحب نفوذ). فهناك اختلاف عميق بين أن يتملق الشعراء ومقدمو البرامج حاكما كالشيخ زايد حيا وميتا, وبين أن تمجّد شخصا كصدام. والأمر لا يتعلق هنا بالمميزات الشخصية, كالدور السلمي النهضوي البنّاء والتوحيدي, الذي حققه الشيخ زائد لشعبه, وما صاحبه من بساطة وترفع عن الصغائر, واستقامة, مقارنة بالهدم والتدمير والالغاء التام لدور المواطن والمجتمع وما صاحبه من صلف وغرور كاذب ونزعة ثأرية قائمة على الحقد والعنف والوشايات, مورست ضد الجميع, بمن فيهم أقرب أقرباء صدام. ومثله ينطبق على كافور وأحمد حسن البكر والجنرال مود وبرسي كوكس أو بريمر وغيرهم. الاختلاف الجوهري هنا لا يتعلق بالمزايا الشخصية للفرد أو المؤسسة. إن الاختلاف يكمن في نقطة محددة, دقيقة, في الحرية الإجتماعية ومغزاها العام. فممجدي العنف يمجدون خصالا رذيلة بالمقاييس الإنسانية كافة. فتمجيد العنف والقتل وشعارات الحرب والتعبئة العسكرية والبطش والغزو والاحتلال لا يدخل ضمن مصطلح المديح, لأنه يحتوى على مغزى اجتماعي - سياسي يتجاوز حدود الممدوح, ويتعداه الى حياة المواطنين عامة, الذين هم ضحايا لشرور هذه الخصال موضع المدح. ما صلة المديح بشاعر يطلب من الشعب أن تُسمّد أرض العراق بالجثث في سبيل حرب الممدوح؟ أو أن يتغنى شاعر بقادة الجند أو بالعرفاء القناصة؟ أو أن يمجد جهاز الغزو؟ مثل هذا السلوك لا يدخل ضمن باب المديح إلا تجاوزا. إنه جزء من مرض الإذلال الاجتماعي. إن المديح العابر, يذهب دائما الى النسيان, ولا يخلد منه إلا ما هو طريف فنيا. بيد أن تمجيد العنف والقتل, يتحول, في الممارسة الاجتماعية الفكرية مع طول ممارسته, الى بنية ثقافية داخلية حيّة, تظل تفعل فعلها, تحت طبقات اللاوعي الجمعي, حتى حينما تزول مسبباته. وهنا تكمن الخطورة, في الصفة التاريخية والإجتماعية للعنف, التي تغدو نسيجا ثقافيا, أو مزاجا ثقافيا, كامنا, يمكن له أن ينهض, ويصحو من غفوته, حالما يجد الظروف العامة التي تبيح له ذلك. لذلك ينشأ استعداد دائم عند الفرد للتحول الى مصانع, جاهز الإعداد. وحالما يجد النفاق الفكري والسياسي تأييدا إجتماعيا أو حكوميا يمنح المادح الحصانة القانونية والأخلاقية, التي تبيح له الولوغ في دم الآخرين, يصبح المديح خطرا اجتماعيا حقيقيا, ويغدو جزءا عضويا متمما لمؤسسة العنف, وهذا ما اسميته بـ "بثقافة العنف".
هل حقا أن كل أديب وفنان هو أداة جاهزة للمصانعة والكذب, في ظروف الاستبداد؟ وكل شاعر هو مشروع طبيعي للنفاق السياسي؟
هذا ما يروجه دعاة العنف الثقافي. فالإذلال الثقافي هو الوجه الآخر للعنف الثقافي. فلا عنف من غير إذلال, ولا إذلال من غير عنف. هذا قانون شامل يسري على الثقافة وعلى المجتمع بفروعه كافة.
إن المشكلة الثقافية والأخلاقية الكبرى التي نعاني منها تكمن في أننا نعلي من شأن الجوانب الرديئة في تاريخ البشر. فثقافتنا رفعت من تناقضات المتنبي مثلا, وهو أعظم شعراء العرب, الى مستوى المثل الأعلى, من دون تمييز بين صالحها وطالحها, وكادت تجعل من بعض جوانب الضعف في سلوكه المتناقض وسقطاته, صورة ايجابية, نموذجية, باسم التنزيه الكاذب للنموذج الأعلى. وخلال السنوات العصيبة المنصرمة حاول بعض مروجي السياسة الأميركية في العراق العودة الى ما هو أبعد تاريخيا, بجهل وضعة مطلقين, رافعين سقطة امرئ القيس التاريخية: الذهاب الى الروم, بصرف النظر عن كونها حقيقة أم أسطورة, على أنها مثال عربي أصيل لتبرير الخيانة الوطنية. وهناك من الحمقى من جعل من طلب الرسول محمد من بعض المسلمين الذهاب الى الحبشة, درسا يوازي طلب السياسين العراقيين من بوش احتلال العراق. في ظل الاحتلال لا يفقد الأفراد حسب حريتهم, بل يفقد التاريخ أيضا حريته, يفقد حرمته وطهارته. وقد وصلت صفاقة تنزيه الإرهاب الدولي حدودا مبالغا فيها حينما بدأ حاملو ثقافة الغزو التشكيك في بعض جوانب واقعة تدمير المغول لمكتبات بغداد, تزلفا للمحتلين وتبريرا لعنف الغزاة وصلتهم بالتدمير الثقافي القائم الآن, وسعى الفريق نفسه الى تلميع صورة رموز غازية أخرى من التاريخ القريب كبيل جرترود، السكرتير الشرقي للمندوب السامي في العراق (سلطة الاحتلال البريطاني), ومنهم من اندفع أبعد حينما سعى الى تنظيف صورة أكبر رموز الدم في تاريحنا: الحجاج. فإذا كان الديكتاتور يجيّر الثقافة لمصلحة مشروعه الحربي المحلي, فإن ثقافة الاحتلال تجيّر كل القيم الروحية الفاسدة لمصلحة استمرار الهيمنة الأجنبية بشقيها الروحي والمادي. مثل هذه الإضافات التاريخية البائسة والمشينة أخذت تتحول الى خصال ثقافية ايجابية, في زمن انهيار القيم, التي رافقت انهيار بنية ثقافية دكتاتورية وصعود بنية ثقافية لا إنسانية, هي مزيج مشوه من خلائط و إرادات متصارعة محلية وأجنبية. فبدلا من مواجهة ثقافة الديكتاتورية بثقافة إنسانية, وطنية, بديلة, جرت صناعة ثقافة ملفقة تساير وتغذي قيم الغزو والاحتلال والعنف. فعلى جسد ثقافة الديكتاتور والإرهاب المحلي جرى تعميم الإرهاب باسم الديموقراطية, في صورة جيوش أجنبية وعصابات محلية ومستوردة متخصصة في القتل الجماعي, رافقه سيل من القيم والمفاهيم المعادية للانسان. ففي ظل ديموقراطية الإرهاب تغدو الخيانة والعمالة المكشوفة وبيع الوطن, والعنف الوحشي, وتزوير التاريخ صفات محببة أخلاقيا, ومقبولة قانونيا, كما كانت مصانعة الجلاد وتأييد ثقافة الخراب والعنف وأغاني العرفاء صفات "للزهو الجميل" في ثقافة مرحلة الديكتاتورية. ( ينكر كتاب الاحتلال على منتقديهم حق نعتهم بمصطلحات العمالة والخيانة الوطنية, كما لو أن أميركا تجيز لكتابها أن يقبضوا مرتباتهم من جهاز إطلاعات! مروجو "ديموقراطية الاحتلال" يجهلون أن أشهر مراسل تلفزيوني حربي في العالم "بيتر آرن" تعرض الى عقوبات من قبل الإدارة الأميركية بسبب جريمة " المساس بالمثل الوطنية وشروط المواطنة", حينما أجرى مقابلة تلفزيونية "علنية" مع مسؤول حكومي عراقي, بدون إذن من المخابرات الأميركية. ولم ينقفذه من العقاب الشديد سوى تعهده بأن يتقيد بقوانين " المواطنة" ولا يقترف ما يمس "المصالح الوطنية"!). إن مواجهة الذات مواجهة ناقدة هي الأداة الضرورية الوحيدة الممكنة لخلق ثقافة حرة, معادية للعنف. وكلما كبرت موهبة الفنان والأديب, وعظمت المشكلة الثقافية, ازدادت المسؤوليات الأخلاقية, نظرا لازدياد حجم الحرية الشخصية التي يتمتع بها المثقف حقيقة أو افتراضا. وفي هذا الموضع لا يوجد من هو فوق النقد, أو من هو مستثنى منه. فلا الجواهري أو الرصافي أو المتنبي أو عنترة بن شداد فوق النقد. لا أحد. على العكس, إن الأديب الفاعل يستحق من النقد أكثر من غيره حينما يسيئ استخدام حريته , وبالتالي فهو يتحمّل أكثر من غيره وزر المساءلة التاريخية فنيا وأخلاقيا.
أسوق هذه الأمثلة, لأن بعض الذين ارتبطت بأذهانهم مدائح وهجائيات المتنبي لكافور مثلا, المدمنين على المديح والجوائز والتكسب, يجهلون شخصا, على قدر عظيم من الشجاعة, تخزي كثيرين لفرط استقلالها وقوة فرديتها, اسمه الفرزدق. وهو شاعر يتوجب على كل من يريد السير في درب الثقافة أن يبدأ حياته بتعلم سيرته, قبل أن يكتب حرفا واحد.
والفرزدق, همام بن غالب بن صعصعة التميمي( 641- 732 ), شاعر مولود في البصرة. قضى حياته كلها في المدح والهجاء. وخلّده تاريخنا كأكبر الهجّائين.
اعتاد دارسو الأدب والمربّون أن ينقلوا عن هذا الشاعر "نقائضه" مع خصمه جرير, كنموذج فتّان لفن الهجاء. لكنهم قلّما تحدثوا عن شجاعته الفريدة, التي تخرس الألسن. ففي روايات متواترة, ثبت لنا التاريخ واقعة تصديه للحاكم الأموي هشام بن عبد الملك, حينما رأى الأخير جمعا يتدافعون ويتزاحمون قرب الكعبة, فسأل عن سبب ذلك, فقيل له إنهم يتزاحمون لرؤية علي بن الحسين ( زين العابدين), خصم الأمويين التقليدي. فما كان من الخليفة إلاّ أن تجاهل مكانته, فأجابه الفرزدق شعرا:
وليس بقولك من هذا بضائره العرب تعرف من أنكرت والعجم
هذا الذي أحمد المختار والده صلى عليه إلهي ما جرى القلم
فغضب هشام من قول الفرزدق, ثم طلب منه أن يمدحه بمثل الذي قاله في زين العابدين :" ألا قلت فينا مثلها!"
فرد عليه الفرزدق: "هات جدا كجده, وأبا كأبيه, وأمّا كأمّه, حتى أقول فيكم مثلها!"
فأمر الخليفة بحبسه. وحينما بلغ ذلك علي بن الحسين (زين العابدين) بعث اليه باثني عشر الف درهم, لكن الفرزدق ردها عليه و أصر على عدم قبولها, لأنه لم يقل كلمته مقابل مال!
ولم يكن ذلك غريبا على رجل, كالفرزدق, لم يكن يجلس لوجبة طعام وحده أبدا، ورث الشهامة عن جده صعصعة محيي الموؤودات في الجاهلية.
في هذه الواقعة, التي يجيد تاريخنا العربي إهمالها, نكتشف أن شاعرا مادحا, هجاء, كالفرزدق, يستطيع أن يقف منفردا في مواجهة حاكم متكبر كهشام بن عبد الملك, من دون خوف, ويصر على مقارنته بخصمه, لصالح خصمه, ويتقبل العقوبة, ويرفض الجائزة. هذا تاريخ شعري أيضا. تاريخ مهمل عن قصد. إنه الجزء المحتجب من ثقافتنا.
ذلك درس من التاريخ أيضا, لكنه درس في الحرية واحترام الذات والترفع عن الصغائر. إنها الحرية الشخصية, حرية الضمير واستقلاله, التي تتمرد على قسوة السلطة وعنف المؤسسة, فلا يقوى المال أو السوط أن يفرّغ من أعماقها شحنة الكبرياء, التي تختزنها.
ذلك هو الدرس الأول في معادلة الحرية والعبودية, معادلة الديموقراطية والإرهاب.
من لم يتعلم هذا الدرس بعد, عليه أن يفكر فيه مليّا قبل أن يتعلم فن الكتابة. ومن عرفه, لكنه يصرّ على رفضه وتجاهله, عليه أن يكف عن الحديث عن وطن وشعب ومجتمع, ويخلص لعبوديته وأنانيته وبؤسه الروحي, لكي يكون منسجما مع ذاته ومع نوازعه الشريرة.



#سلام_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زورق الأزل! من أساطير عرب الأهوار في جنوب العراق
- شهداء للبيع! البحث عن رفات الشهيد كاظم طوفان
- من أوراق مثقف عراقي من سلالة اليانكي
- حنين الى زمن أغبر! رد على نقد ثقافة العنف المنشور في صحيفة ا ...
- مشكلة كركوك أم مشكلة الحرب على العراق؟
- الجنس بين الرقيب الداخلي والرقيب الرسمي
- من زعم أن العراقيين لا ينتحرون؟ - دعوة رسمية لحضور حفلة انتح ...
- اجتثاثا البعث بين الحقيقة والوهم
- هل التربة العراقية صالحة لإنبات ثقافة مقاومة العنف؟
- اغتصاب الزوجات وانعكاسه في النص الأدبي
- هل العراقيون مؤهلون لخلق حركة ثقافية معادية للعنف؟
- تناقضات سياسة الاحتلال الأميركي المستعصية في العراق
- جواز سفر عيراقي, ولكن لغير العراقيين!
- هل كان الرصافي طائفيا؟
- نيران خفيّة: ما لم تقله جوليانا سيغرينا
- لقد سقط صدام, ولكن باتجاه السماء
- مقدمة لدراسة الشخصية العراقية
- جيش الوشاة.. شعراء السيد القائد.. شعراء السيد العريف
- نوبل على مائدة هادئة
- خرافة اجتثاث البعث في التطبيق


المزيد.....




- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سلام عبود - الثقافة بين الإرهاب وديموقراطية الاحتلال