أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ميثم الجنابي - عقيدة الثأر السياسي في العراق - من الحركة المختارية الى الحركة الصدرية 3















المزيد.....

عقيدة الثأر السياسي في العراق - من الحركة المختارية الى الحركة الصدرية 3


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1977 - 2007 / 7 / 15 - 10:45
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لقد كان شعار "يا لثارات الحسين" الخطوة السياسية الكبرى الأولى التي رافقت رجوع المختار إلى الكوفة بعد فراق دام حوالي خمس سنوات. وإذا كان رجوعه من الناحية الزمنية والسياسية قد ترافق مع موت يزيد بن معاوية، فان مضمونه التاريخي يكشف عن طبيعة التحول الروحي والفكري في موقفه من السلطة. فقد أدى موت يزيد بن معاوية إلى استفحال الصراع من اجل السلطة داخل البيت الأموي من جهة، وبينه وبين القوى المعارضة من جهة أخرى. وهي قوى كانت متركزة آنذاك في شخصية عبد الله بن الزبير، التي أعطى لها موت يزيد شرعية كبيرة في الادعاء بحق الإمارة أو الخلافة.
لكن الصراع افرز أبعادا وقوى جديدة كانت تتراكم في مجرى عقود من الزمن. وهو تراكم كان يحتوي في أعماقه على وعي وانكسار قيم الإسلام الأول وتاريخ خلافة الراشدين في مآسي الزمن المتكررة للعنف والاستبداد المميز للأموية. وهي قوى كانت تتمثل قيم الإسلام الكبرى ورؤيته التوحيدية بأبعادها الفكرية والروحية والاجتماعية والإنسانية من جانب، وتتمثلها عبر موشور الرؤية السياسية لمآسي مرحلة الانتقال من الخلافة إلى الملك، ومن الدولة العربية إلى الإمبراطورية الإسلامية، من جانب آخر.
وقد مثل المختار بشخصيته وحركته إحدى الصيغ النموذجية لهذين الجانبين. فقد عايش المختار مرحلة الانتقال التاريخية الكبرى من الخلافة إلى الملك ومن الدولة العربية إلى الإمبراطورية الإسلامية بمعايير الانتماء الروحي والسياسي للتيار العلوي، بوصفه التيار الأعمق والأصدق تمثيلا آنذاك لفكرة الحق والعدل والمساواة.
وبما أن الأموية قد جسدت في كل أقوالها وأفعالها ونواياها وهواجسها مختلف أساليب ما يمكن دعوته بزمن المآسي، من هنا توسع وتعمق فكرة الثأر بمختلف أشكالها ومستوياتها. وهي الحالة التي أتقن المختار توظيفها السياسي عندما جعل منها شعار الانتفاضة الكبرى للعراق ضد الحكم الأموي بعد موت يزيد بن معاوية. وهو شعار كان يستجيب لمزاج أهل العراق عموما وأهل الكوفة خصوصا. كما انه التوظيف الذي يكشف عن شخصيته السياسية وأبعادها العملية.
فقد تضمن شعار "يا لثارات الحسين" واحتوى في أعماقه على وحدة البساطة والعمق. ففيه جرى اختصار تاريخ المعاناة من الظلم الأموي. كما عبّر فيه المختار عن أهمية الانتفاض وطاقة الاقتصاص المكبوتة في أعمق أعماق النفس الأخلاقية. بمعنى انه تمثل كل تاريخ الامتداد الروحي والمعنوي للإمام علي والحسين وحركة التوابين ومئات الآلاف من الأتباع والمؤيدين الين ذاقوا مختلف أصناف العذاب والمهانة. من هنا تحول هذا الشعار إلى مغناطيس الكسب المادي والمعنوي. والسبب بسيط للغاية، وهو أن الشعار كان اقرب إلى حقيقة ما يدور في خلد العراقيين وعقولهم وأفئدتهم وأرواحهم وأمزجتهم تجاه السلطة الأموية. من هنا التفاف الأغلبية حوله والانجذاب نحوه بطريقة هائلة أرعبت وأرهبت بقدر واحد القوتين المتناحرتين آنذاك، الأموية والزبيرية. وهو التفاف كان محكوما بفكرة الحق والعدالة والرجوع إلى مضمون الإسلام الأول والإبقاء على جذوته المشتعلة في العقل والضمير. وهو السبب الذي يفسر استقطابه للنخبة السياسية والعسكرية والروحية والاجتماعية المتربية بتقاليد الانتماء الفكري والروحي والعقائدي للإسلام الأول. وليس مصادفة أن تتراكم في آراء وممارسات المختار السياسية الأبعاد الكونية التي أخذت تذلل، على الأقل من الناحية النظرية، طبيعة التضييق الذي فرضته الأموية الأولى على فكرة الإسلام والعروبة. وهي فكرة كانت محكومة في اغلب مكوناتها بالعرقية القبلية والتقاليد الارستقراطية، أي كل ما كان يعادل معنى الجاهلية بالمفهوم الإسلامي.
وضمن هذا السياق، كان صراع المختار مع الأموية يحتوي في أعماقه، من حيث كونه إمكانية ونموذج واعي كما هو جلي في برنامجه السياسي، على نقيض لها. وهو نقيض كان يعمل، شأن كل حركات الاحتجاج والمعارضة الكبرى ضد الأموية، على توسيع هموم الأفراد والجماعات وإدراجها ضمن الهموم الكبرى. وهي هموم أدت في مجرى عقود طويلة من الاحتراب والتضحية إلى جعل الأهداف الكبرى أسلوب وجودها ونشاطها ومصدر مصداقيتها، ومن ثم مرجعيتها بالنسبة لاستقطاب القوى الجديدة. وهو استقطاب سوف تتكشف أبعاده السياسية الخاصة في مجرى الانتفاضة الكبرى التي قادها المختار ضد السلطة الأموية والزبيرية على السواء.
فقد تمثلت حركة المختار المكونات الجوهرية لخلل الحركة الزبيرية، من عدم الاستجابة لمقتل الحسين وقتلته، ومبدأ العدل والمساواة. بعبارة أخرى، لقد تمثل المختار في رؤيته للصراع والآفاق والبدائل القضايا الجوهرية التي كان بإمكانها استقطاب العراقيين في الصراع ضد الأموية والزبيرية على السواء، ولكن من خلال أولوية وجوهرية المبادئ العامة المتعلقة بالاقتصاص من قتلة الحسين بوصفه انتماءا عقائديا ووجدانيا، وتوزيع عادل للثروة بوصفه مبدأ اقتصاديا سياسيا، ودعوته للمساواة من خلال دمج الموالي المستضعفين بوصفه مبدأ اجتماعيا وإسلاميا وإنسانيا عاما. ذلك يعني انه ربط في برنامجه الجديد الجانب السياسي والاجتماعي والروحي والقومي والإسلامي العام.
وهو ربط سوف تبرز ملامحه النظرية والعملية في وحدة شعار الثار للحسين والعدالة في توزيع الثروة ومساواة أفراد المجتمع من خلال إلغاء فكرة "الموالي" و"الأشراف" الأموية بإعلاء شأن "المستضعفين" واتخاذهم قاعدة اجتماعية لتحقيق أهدافه السياسية. بمعنى انه ربط المكونات الكبرى للفكرة الاجتماعية العربية الإسلامية عبر تأسيسها بمقومات الرؤية الإنسانية. وهي الذروة التي وجدت انعكاسها في سعيه لتحرير الأمة والخلافة من فكرة الاستعباد والاسترقاق، بما في ذلك تذليل فكرة "الموالي" بوصفها الصيغة الأولية والجنينية للغزو والحرب. وهي ممارسة كانت تحتوي في أعماقها على فكرة الحرية بأبعادها الدولتية والإنسانية.
وضمن هذا السياق يمكننا القول، بان الانقلاب الذي أحدثه المختار بهذا الصدد كان يحتوي على إمكانية هائلة بالنسبة للمبادئ والمفاهيم العملية المتعلقة بالموقف من السلطة والماضي وقيم العدالة. وهو تحول يمكن رؤية ملامحه الواضحة في مجموعة المبادئ الخمس الكبرى، التي صرح بها للمرة الأولى في أول خطبة له في الكوفة بعد الاستيلاء عليها. حيث وضعها في عبارة واحدة تقول "تبايعوني على كتاب الله وسنة نبيه والطلب بدماء أهل البيت وجهاد المحليّن والدفاع عن الضعفاء، وقتال من قاتلنا، وسلم من سالمنا والوفاء ببيعتنا لا نقيلكم ولا نستقيلكم".
ومن هذه العبارة تتضح معالم المبادئ الكبرى الخمسة هي: أولا، أن تكون شروط المبايعة للحكم مقيدة بالشرع الإسلامي (القرآن وسنّة النبي محمد فقط). ثانيا - مبدأ الاقتصاص من قتلة آل البيت بوصفها جريمة تاريخية وأخلاقية، على أن يكون الاقتصاص جهادا دائما مفتوحا ضد كل أولئك الذي احلوا المحرمات (الحقوق والواجبات) وجعلوا من انتهاكها أسلوبا لوجودهم. ثالثا - مبدأ المساواة المقيدة بالحق والحقوق عبر الدفاع عن حقوق المستضعفين بوصفهم عماد الأمة وقاعدتها وقوتها الضرورية. رابعا - مبدأ شرعية القوة ضد القتلة والمجرمين والتزام السلام مع المسالمين. خامسا - أن علاقة الولاة بالمجتمع هي علاقة موزونة بالعهد المشترك بينهما ومعقودة بالالتزام بجميع مبادئه العامة.
وهي مبادئ تعطي لنا إمكانية القول، بوجود منظومة فكرية سياسية لها مبادئها الواضحة والجلية، ولحد ما أولوياتها. وفي وحدتها ترتقي إلى ما يمكن دعوته بالعقيدة السياسية للمختار أو الفرقة المختارية بوصفها تيارا سياسيا. وهي عقيدة يمكن اعتبار ما فيها بداية الفكرة السياسية المتحررة من تقاليد الماضي. أنها تستعيد من حيث الرؤية العامة عقيدة الإمام علي بن أبي طالب تجاه النفس والمجتمع والدولة والسلطة، لكنها بالخلاف عنه رفعت قضية الثار السياسي إلى أسلوب الإدارة العامة للصراع الاجتماعي والسياسي. فإذا كان الإمام علي يعتبر أخر الدواء الكيّ، فان المختار جعل منه الجرعة الأولى الضرورية للشفاء. وهو خلاف المرحلة والشخصية. فقد كان الإمام علي يقاتل من اجل الأمة والدولة والفكرة، بينما كان المختار يقاتل إلى جانب ما هو مذكور أعلاه من اجل الإمام علي وآل بيته أيضا، أي من اجل إعادة الاعتبار لمكونات التاريخ الروحي الفعلي للخلافة كما فهمها هو.
وهو استنتاج يمكن رؤية ملامحه العلنية والمستترة في عدم إعلان المختار نفسه واليا أو خليفة، بل مجاهدا باسم آل البيت ومحمد بن الحنفية بشكل خاص. وهي حالة كانت تحتوي في أعماقها على مشاريع شتى. فقد كان المختار من أنصار الفكرة التي مثلها سليمان بن صرد. والأخير كان معارضا للحسن لتركه الخلافة، ومناصرا للحسين، ومقاتلا ومقتولا من اجله. والمختار سار في نفس الطريق ولكن من خلال مبادئ نظرية وعملية مترابطة وواضحة. مضمونها التقيد بأحكام القرآن والسنة النبوية، والرجوع إلى نموذج الإمام علي بن أبي طالب في الموقف من الإمامة والأمة (السلطة والمجتمع)، وضرورة تحقيق العدالة والمساواة بين المسلمين وطرد الأموية والزبيرية من العراق. لكنها مبادئ لم يكن بإمكانها التحرر، في ظل الفتنة والصراع العنيفين وكمية ونوعية الاستبداد وحجم عذابات أهل العراق، من إغراء التشفي العارم. وهو الشيء الذي تحسسه وأدركه ووظفه المختار بطريقة نموذجية. وهو توظيف يتسم بقدر كبير من الواقعية والضرورة، بوصفه رد الفعل المناسب على تاريخ الاستبداد وخلل بنية "الأشراف" أو الارستقراطية الجديدة. وبالتالي لم تكن عبارة "يا لثارات الحسين" شعارا لقتل المجرمين والمستبدين، بقدر ما كانت شعار العقيدة السياسية لثأر التحدي والبدائل. وذلك لأنها مبادئ كانت تؤسس من الناحية التاريخية والروحية لفكرة الجمعية الثقافية التي شارك في تأسيسها كل مثقفي الاحتجاج الفكري والروحي والسياسي. أما المختار فقد وحّد في ذاته مختلف مكونات وصيغ هذا الاحتجاج، بحيث جعل منه بالفعل احد أوائل المثقفين العرب المسلمين الكبار الذين أرسوا أسس ما أدعوه بالمثقف المجاهد.
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقيدة الثأر السياسي في العراق - من الحركة المختارية الى الحر ...
- عقيدة الثأر السياسي في العراقي - من الحركة المختارية الى الح ...
- مراقد الأئمة – مواقد الثأر الهمجي
- غجر الثقافة في العراق
- أهرامات الجسد العربي ودهاليز الروح العراقي
- المختار الثقفي - فروسية التوبة والثأر
- الحلم الأمريكي وديمقراطية العبيد
- صرخة الضمير المعّذب وحشرجة الإعلام المهّذب
- تعزية صدام - طائفية أزلام وأعراف قبائل
- العراق ومهمة البحث عن دولة -عباسية- معاصرة
- العراق - شبح التاريخ وزيف المعاصرة
- أدب السيرة السياسية في العراق – أدب الصورة المصطنعة
- أدب السيرة السياسية الكبرى – أدب الأرواح
- أموية أقزام
- عبرة الدجيل! لكي لا يظهر دجال أصغر من صدام
- قبر صدام أو القبور الجماعية للحق والحقيقة؟ من يرعب من؟
- صراخ السلطة ولغة العقل الوطني
- السيدة بيل + السيد بريمر= قدر التاريخ التعيس وقدرة التأويل ا ...
- المثقف المؤقت وظاهرة -الارتزاق الثقافي-!3-3
- المثقف المؤقت وظاهرة -الارتزاق الثقافي-! 2-3


المزيد.....




- في دبي.. مصور يوثق القمر في -رقصة- ساحرة مع برج خليفة
- شاهد لحظة اصطدام تقلب سيارة عند تقاطع طرق مزدحم.. واندفاع سا ...
- السنغال: ماكي سال يستقبل باسيرو ديوماي فاي الفائز بالانتخابا ...
- -لأنها بلد علي بن أبي طالب-.. مقتدى الصدر يثير تفاعلا بإطلاق ...
- 4 أشخاص يلقون حتفهم على سواحل إسبانيا بسبب سوء الأحوال الجوي ...
- حزب الله يطلق صواريخ ثقيلة على شمال إسرائيل بعد اليوم الأكثر ...
- منصور : -مجلس الأمن ليس مقهى أبو العبد- (فيديو)
- الطيران الاستراتيجي الروسي يثير حفيظة قوات -الناتو- في بولند ...
- صحيفة -كوريا هيرالد- تعتذر عن نشرها رسما كاريكاتوريا عن هجوم ...
- برلمان القرم يذكّر ماكرون بمصير جنود نابليون خلال حرب القرم ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ميثم الجنابي - عقيدة الثأر السياسي في العراق - من الحركة المختارية الى الحركة الصدرية 3