أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نوال السعداوي - خلايا العقل المظلمة















المزيد.....

خلايا العقل المظلمة


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 1977 - 2007 / 7 / 15 - 10:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


* هل تنتظرون موت طفل كما ماتت بدور حتى تحرِّموا ختان الذكور أيها السادة؟! *
رأيت صورتها فوق شاشة الإنترنت، صورة "بدور"، الوجه المضيء بالأمل في المستقبل، يشبه وجهي حين كنت طفلة في عمرها، منذ ستين عامًا وأكثر، حين أمسكتني أربع نساء من الفتوات، ذوات الأصابع الحديدية، قبضوا على ذراعي وساقي، وكتفوني مثل الدجاجة قبل الذبح، ثم قطعوا بالموسى الصدئ العضو الآثم الملعون، المخلوق بالطبيعة بين فخذي، وكانت أمي واقفة وراءهم "ترمقني بابتسامة مريرة، تعرف أنهم يبترون من جسدي ما بتروه من جسدها وهي طفلة، تعرف أنها لم تعرف في حياتها معنى السعادة، أو اللذة الجسمية، أنها تزوجت وأنجبت تسعة من البنات والأولاد دون أن ترتعش فيها خلية واحدة باللذة، التي كانت تغمر زوجها وتجعله ينتفض بالنشوة، وكانت تحسده، وفي أعماقها تلعن أمها وأباها وجميع أفراد العائلتين الكبيرتين، في الريف والمدينة، الذين تعاونوا معًا من أجل حرمانها من السعادة.
ويقول لها الرجال ممن يخطبون في الراديو والمساجد، وأطباء وطبيبات من أتباع الخطباء، وضعوا الحجاب على عقولهم: "إن السعادة لا علاقة لها بذلك العضو الآثم الملعون، بل السعادة هي التخلص منه، والتفرغ لخدمة الزوج والأطفال، والصوم والصلاة وزيارة قبر الرسول قبل الموت".
وماتت أمي في ربيع شبابها، وقبل أن تموت قالت لي: اغفري لي يا ابنتي، لقد فعلت بك ما فعلوه بي دون أن أدري، عشت حياتي داخل الخوف والجهل، وأموت اليوم بالخوف والجهل".
كلمات أمي كانت الضوء، لنزع الغشاوة عني، لم أعد أصب اللعنات على أمي ولا أبي ولا الخطباء في المساجد، ولا الأطباء والطبيبات.
حوَّلت الغضب في أعماقي إلى الخارج، جعلته طاقة جديدة لكتابة عمل جديد، يكشف زيف الخطباء، وتخلف الموروثات، وصدر لي كتاب يفضح عمليات الختان، ويكشف مضارها الطبية والاجتماعية.
كان ذلك في منتصف القرن الماضي، وما إن صدر الكتاب حتى انتشر رجال البوليس في الشوارع يجمعونه من المكتبات، قالوا عنه كتاب من وحي الشيطان، إن غدة الشيطان تفرز هذه الأفكار المعادية للدين والأخلاق، وكان وزير الصحة مثل غيره من الأطباء يعيش الخوف والجهل، فأصدر قرارًا بإعدام الكتاب، وعقاب المؤلفة بالفصل من عملها، وتشويه صورتها في الصحف والإعلام، باعتبارها خارجة عن تعاليم الطب السليم والدين الحنيف.
إلا أن عمري امتد وطال لأعيش وأقرأ أن وزير الصحة يصدر قرارًا يحرم ختان البنات، بل أغرب ما أشهده في حياتي، أن يعلن مفتي الديار أن ختان البنات حرام، وقد سبقه رجال دين وأكثر من مفت، وأكثر من شيخ أكبر، يؤكدون أن عدم ختان البنت إثم وضلال وتشجيع علي الفسق والانحلال.
أكان يجب أن تموتي يا بدور حتى يتسرب بعض الضوء إلى خلايا العقل المظلمة، أكان يجب أن تدفعي حياتك الغالية ثمنا حتى يتعلم الأطباء شيئًا بديهيا؟ أكان يجب أن تنزفي آخر قطرة من دمك الطاهر الطفولي حتى يتعلم رجال الدين، أن الدين الصحيح لا يقطع أعضاء الأطفال بالموسى حفاظًا على العفة والأخلاق؟
إن الاخلاق سلوك يتدرب عليه الإنسان وليس مشرطًا يقطع أعضاءه. وكم من طفل نزف حتى الموت علي يد حلاقي الصحة في الريف، ويد الأطباء في المدن إلا أن موت هؤلاء الأطفال الذكور يندثر في العدم، ولا يصل إلى الإعلام، كما وصلت حالة "بدور" وكشفها الناس.
وهل تنتظرون موت طفل كما ماتت بدور حتى تحرموا ختان الذكور أيها السادة؟!
منذ سنين طويلة أرسلت رسالة إلى وزير الصحة وإلى نقابة الأطباء، وإلى أصحاب الضمائر في بلادنا، قلت فيها إن ختان الذكور عملية ضارة للأطفال جسديا ونفسيا واجتماعيا، وبينت ذلك في كتاب لي صدر منذ سنوات.
وصدرت كتب أخرى تفضح مضار ختان الأطفال ذكورًا وإناثًا، إلا أن أحدًا لا يهتم، بل تكال الاتهامات لكل من تصدى لهذه العمليات الخطيرة، أقلها الاتهام بالكفر أو معاداة الإسلام.
مع أن ختان الإناث أو الذكور لم يرد في القرآن، ولم يرد في الإنجيل.
هناك فقط آية في التوراة توجب ختان الذكور على بني إسرائيل فقط، نظير الأرض الموعودة التي منحها الله لهم، أرض كنعان أو فلسطين.
واليوم لم يعد أحد عاقل في العالم كله يقدم على ختان أطفاله البنات أو الأولاد، حتى بنو إسرائيل الذين يؤمنون بالتوراة، قد كفوا عن إجراء هذه العمليات الضارة لأطفالهم، رغم نص التوراة، ذلك لأنهم يتبعون عقولهم، والمنطق الصحيح، ويراعون المصلحة والصحة وليس النص.
وعندنا مدرسة عريقة في الإسلام، تقول: إذا تعارض النص مع المصلحة غلبت المصلحة لأن النص ثابت والمصلحة متغيرة.
أخذ بنو إسرائيل هذه الفكرة اللامعة من هذه المدرسة الإسلامية العريقة الخلاقة، لكن أغلب المسلمين في بلادنا لم يعرفوا شيئًا عن هذه المدرسة الإسلامية، ولا يزالون يتبعون الشيخ الشعراوي رحمه الله، الذي قال إن قطع بظور النساء واجب ديني حتى إذا ركبت المرأة دابة فإنها لا تثار جنسيا، بسبب احتكاك البظر بظهر الدابة.
أذكر أنني كتبت مقالاً بمجلة "المصور"، ردًا على هذا المنطق العجيب للمرحوم الشيخ الشعراوي، وقلت إن عضو الرجل يحتك أيضًا بظهر الدابة، فهل نأمر بقطع أعضاء الذكور؟
وقلت أيضًا إن ركوب الدواب قد اختفى مع اكتشاف العجلة والسيارة والطيارة.
وقلت أيضًا إن الإثارة الجنسية مصدرها العقل في الرأس وليس العضو أسفل البطن.
وقلت الكثير، واتهمني المرحوم الشيخ الشعراوي بأنني حليفة الشيطان، وأعمل من أجل ابليس، أما فضيلته فهو يعمل من أجل الله.
من هذه المسافة البعيدة يا "بدور"، من وراء البحار والمحيطات أقول لك: أجل كان يمكنك بعقلك الخلاق أن تكوني كاتبة عظيمة، أو موسيقية، أو عالمة فضاء، أو باحثة عن علاج للأمراض الجسمية والعقلية المستعصية في بلادنا.
أجل يا "بدور" لقد أمسكوك وكتفوك كالدجاجة، وذبحوك، قربانًا لخزعبلاتهم، وجهلهم، وخوفهم، ورعبهم، من ذلك العضو الصغير في جسدك، الذي يهدد عروشهم الواهية التي بنوها على مدى الأعوام من الأوهام.
وأقول لأسرة "بدور" أن يجعلوا من دم ابنتهم المراق شعلة تضيء العقول، ألا يركنوا إلى الصمت والنسيان، تحت أي إغراء، أو تحت أي تهديد، أن يرفعوا أصواتهم عالية حتى السماء، ألا يركنوا إلى النوم أو الراحة، حتى تكون قضية بدور هي القضية، ليست أقل من قضايا تحرير الأرض والوطن، لأن أي وطن بلا عقل يندثر في التاريخ، وأي أرض بلا إنسانية تذهب وتضيع.




#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكتابة بين الذكورة والأنوثة وهوية النص .
- الحرب والنساء
- حجاب العقل.. أخطر
- المرأة العربية تعيش من أجل الجنس فقط و المسيار أفضل من الزوا ...
- د.نوال السعداوي: مصر لا تستحقني.. وأنا -قرفانة- من الجنس
- النساء ضحايا الاستغلال الاجتماعي
- المراوغة في فكر النخب المصرية السائدة
- ما يستحيل أن نعرفه ما يستحيل البوح به ،
- حروب ضد العقل يخوضها قتلة .. والضحايا نساء وأطفال
- هل كانت سيمون دوبوفوار متحررة ؟!
- من هن أقوى نساء العالم ؟
- أنا أفكر، إذاً أنا لا أصلح رئيس دولة!
- برنامج الدكتورة نوال السعداوي الانتخابى فى الترشيح لرئاسة ال ...
- الحوار المبتور عن المرأة والدين والسياسة
- الطيران فى الحلم
- إجهاض الثورة
- ورقة لم تقدم في مؤتمر المرآة والإبداع
- الباحثة عن الحب - أوراقى حياتى : الجزء الثالث
- من مفكرتى السرية عام 1947
- تضامن النساء


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نوال السعداوي - خلايا العقل المظلمة