(2) شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة - السفر الأول - محمد والصحابة

مصطفى حقي

الحوار المتمدن-العدد: 1975 - 2007 / 7 / 13 - 11:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

بعد هذا المدخل السريع ، نأتي لتعريف الصحابة :
هذا التعريف كان موضع خلاف واختلاف كبيرين ، لم يحظ لفظ أو تعريف بمثلهما ، والخلاف والاختلاف لم ينشبا بين المحدثين والأصوليين فحسب ولكن بين علماء كلٍ وبين علماء علوم دينية أخرى مثل الفقهاء والمفسرين ....إلخ . ونبدأبـ :
1- المحدثون :
الصحابي عندهم كل من رأى رسول الله – ص – (10) أما البخارى فيذهب إلى أنه ( مَن صحب النبي- ص – أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه ) (11) في حين أن أحمد بن حنبل يرى أن ( كل من صحبه سنة أو شهراً أو يوماً أو ساعة أو رآه فهو من الصحابة ) (12) ويربط ابن الصلاح بين صفة الصحابة وبين التحديث أي رواية الحديث فيقول ( بلغنا عن أبي المظفر السمعاني المرزوي أنه قال : أصحاب الحديث يطلقون اسم الصحابة على كل من روى عنه حديثاً أو كلمة) (13) ولكنه بعد ذلك يضيف ( ويتوسعون حتى يعدون من رآه رؤية (فهو) من الصحابة وهذا لشرف منزلة النبي – ص – أعطوا كل من رآه حكم الصحابة ) (14) ولكن هناك من يرى ضرورة الجمع بين الرؤية والرواية ( وقال آخرون لابد من إطلاق الصحبة مع الرؤية أن يروي حديثاً أو حديثين ) (15) ؛ ولكن سعيدبن المسيب له رأي آخر : ( الصحابة لانعدهم إلاّ من أقام مع رسول الله – ص – سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين ) ( 16) ويشترط الوافدي إدراك الحلم إذ قال :( ورأيت أهل العلم يقولون : كل من رأى رسول الله – ص – ولو ساعة من نهار ) (17) ولكن هذا التعريف لا يلقى قبولاً لأنه يخرج عدداً من الصحابة يعز على المسلمين ألا يتمتعوا بهذه الصفة منهم : الحسن والحسين وعبدالله بن العباس وعبد الله بن الزبير وغيرهم لأنهم لم يدركوا الحلم في حياة محمد وبعضهم روى العديد من الأحاديث ولذلك قال العراقي ( والتقيد بالبلوغ شاذ) (18) أما ابن كثير فيرى أن ( الصحابي مَنْ رأى رسول الله – ص – في حال إسلام الراوي وإن لم تطل صحبته وإن لم يرو عنه شيئاً ، هذا قول جمهور العلماء خلفاً وسلفاً قد نص على أن مجرّد الرؤية كافٍ في إعلان الصحبة : البخاري وأبو زرعة وغير واحد ممن صنف في أسماء الصحابة ) (19) .
أما ابن حجر العسقلاني صاحب ( فتح الباري بشرح صحيح البخاري ) ففي نطاق تعريف الصحابي قال ( أصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي : مَنْ لقي النبي – ص – مؤمناً به ومات على الإسلام فيدخل فيه من لقيه ، من طالت مجالسته أو قصرت ومن روى عنه أو لم يرو ، ومن غزا معه أو لم يغزُ ، ومن رآه رؤية ولم يجالسه ومَنْ ولم يره لعارض ) (20) كالعمى أو ضعف البصر . ثم يبين ( أنه يدخل في قوله مؤمناً به : كل مكلف من الجن والإنس وإنه يخرج من التعريف من لقيه كافراً ... وهذا التعريف مبنى على الأصح المختار من المحققين) (21) .
أما الحافظ محيي الدين النواوي فيؤكد الاختلاف على التعريف وينتهي إلى أن ( المعروف عند المحدثين أنه كل مسلم رأى رسول الله – ص - ) (22) ويشرح السيوطي هذا التعريف بتوسع ويورد في ثنايا شرحه الاختلاف حول شرط البلوغ ثم يقرر أنه (لايشترط البلوغ على الصحيح وإلا لخرج من أجمع على عده من الصحابة كـ : الحسن والحسين وأبي الزبير وغيرهم ) (23) ولكنه اشترط في الرؤية أن تكون في عالم الشهادة لا في عالم الغيب كمن رآه من الملائكة والنبيين ( في الإسراء والمعراج ) ولكنه توقف عند الجن إذ ( قد استشكل ابن الأثير مؤمني الجن في الصحابة دون من رآه من الملائكة والنبيين وهم أولى بالذكر من هؤلاء ، قال : وليس اتلأمر كما زعم لأن الجن من جملة المكلفين الذين شملتهم الرسالة والبعثة فكان ذكر من عرف اسمه ممن رآه حسناً بخلاف الملائكة ) (24) أي أن من رأيه أن مؤمني الجن الذين رؤا محمداً يعتبرون من الصحابة لأنهم من جملة المكلفين بخلاف الملائكة الذين رأوه لأنهم غير مكلفين .
ويؤكد شذوذ الوافدي في اشتراط البلوغ؛ ثم تحدث عن عدالة الصحابة وما حدث بينهم من فتن وهل يؤثر ذلك في عدالتهم ، وهذا يخرج عن مجال كتابنا هذا لأن مسألة العدالة تتعلق برواية الحديث ونحن نتناول الصحابة كفاعلين اجتماعيين مشاركين في التجربة الإسلامية التي انبثقت في الربع الأول من القرن السابع الميلادي وعن مدى الهالة اللدنّية التي أحاطت بهم والهالة القدسانية التي توجتهم .
ثم نثني بـ :
2 – الأصوليين :
( وعن أصحاب الأصول أوبعضهم أنه (=الصحابي) من طالت مجالسته عن طريق التبع) (25) هذا قول النواوي ويقوم السيوطي بشرحه (التبع له والأخذ عنه بخلاف من وفد عليه وانصرف بلا مصاحبة ولامتابعة ، قالوا : وذلك معنى الصحابة لغة ورد بإجماع أهل اللغة أنه مشتق من الصحبة لا من قدر مخصوص وذلك يطلق على كل مَنْ صَحبَ غيره قليلاً كان أو كثيراً يقال : صحبت فلاناً حولاً وشهراً ويوماً وساعةً ، وقول المصنف(=النواوي) أو بعضهم من زيادته لأن كثيراً منهم موافقون لما تقدم نقله من أهل الحديث ، وصححه الآمدي وابن الحاجب وعن بعض أهل الحديث موافقة ما ذكر عن أهل الأصول ) (26) .
القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني واحد من أعلام المتكلمين لدى أهل السنة والجماعة وهو تابع للشعري في منحاه الكلامي أما مذهبه الفقهي فمالكي ، وعاش في القرن الرابع الهجري وتوفي في أوله وتتلمذ في علم الكلام على أصحاب الشعري مثل الباهلي وابن مجاهد وتصدى لمخالفي أهل السنة مثل المعتزلة والمجسّمة والروافض لذا أطلق عليه بعضهم مجدد القرن الرابع (الهجري) ، (قالأبو بكر الباقلاني338/403هـبعد أن عرّف الصحابة لغة : وكذلك يقال: صحبت فلاناً حولاً ودهراً وسنةً وشهراً ويوماً أو ساعةً وذلك يوجبُ في حكم اللغة لإجراء هذا على مَنْ صحب النبي ولو ساعة من نهار ، وهذا هو الأصل في اشتقاق الاسم ، ومع هذا فقد تقرر للأمة عرف في أنهم لا يستعملون هذه التسمية إلا فيمن كثرت صحبته واتصل لقاؤه ، ولا يجرون ذلك على من لقيه ساعة ومشى معه خُطاً وسمع منه حديثاً فوجب لذلك ألا يجري هذا الاسم في عرف الاستعمال إلا على مَنْ هذه حاله ) (27)
ونأتي لرأي أصولي آخر هو الشيخ سيف الدين الآمدي (551/631هـ) أي من علماء القرنين السادس والسابع الهجريين ولد في مدينة آمد وتوفي في دمشق ، بدأ الفقه حنبلياً وانتهى شافعياً وبرع في الأصوليين وترك مؤلفات تبلغ العشرين منها
( الإحكام في أصول الأحكام) وعنه ننقل في تعريف الصحابي( والجواب عن الشبهة الأولى أنّا لانسلم أن اسم الصاحب لا يطلق إلا على المكاثر الملازم ولا يلزم من صحة إطلاق اسم الصاحب على الملازم المكاثر في الصور المستشهد بها امتناع إطلاقه على غيره بل يجب أن يقال بصحة إطلاق ذلك على المكاثر وغيره حقيقة نظراً إلى ما وقع به الاشتراك نفياً للتجوز والاشتراك من اللفظ وصحة النفي إنما كان لأن الصاحب في أصل الوضع وإن كان لمن قلّت صحبته أو كثرت غير أنه في عرف الاستعمال لمن طالت صحبته ) (28) .
فهنا نرى الآمدي بعد أن ناقش المناحي كافةً في التعريف انتهى إلى ضرورة توفر شرط (طول الصحبة) شأنه في ذلك شأن أضرابه من الأصوليين من الطائفتين : أصول الدين وأصول الفقه .
ولكن ما هي مدة (طول الصحبة) التي يشترطها أصحاب الأصول ؟
( مسألة عند جمهور الأصوليين : مسلم طالت صحبته مع النبي – ص – متبعاً إياه والأصح عدم التحديد للطول وقيل سنة أو غزوة وعلى هذا يخرج حسان بن ثابت وجرير بن عبد الله البجلي مع أنهما صحابيان بالإجماع فإن حساناً لم يغزُ مع رسول الله – ص – وجرير أسلم قبل موته – ص – بأربعين يوماً ) (29) .
( من كتاب – شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة –السفر الأول – محمد والصحابة
الكاتب ، خليل عبد الكريم – الناشر سينا للنشر – القاهرة )
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
10- مقدمة ابن الصلاح نقلاً عن كناب السنة قبل التدوين د. محمد عجاج الخطيب – الطبعة الخامسة
1401هـ/1981م – دار الفكر بمصر .
11- صحيح البخارى .
12- الكفاية وتلقيح الفهوم نقلاً عن السنة قبل التدوين – مصدر سابق .
13- مقدمة ابن الصلاح ، وفتح المغيث – نقلاً عن المصدر السابق .
14- المصدر السابق .

15- فتح المغيث ، والباعث الحثيث نقلاً عن- المصدر سابق
16- الكفاية ، والباعث الحثيث نقلاً عن - المصدر سابق .
17- تلقيح فهوم الآثار ، والكفاية ، وفتح المغيث نقلاً عن السابق .
18- فتح المغيث نقلاً عن المصدر السابق .
19- الباعث الصحيحفي شرح اختصار علوم الحديث- الحافظ ابن كثير – أحمد محمد شاكر ص151،
ص153 – الطبعة الثالثة 1399هـ/1979م- دار التراث بمصر .
20- المصدر السابق هامش الصفحة نفسها .
21- المصدر السابق هامش الصفحة نفسها.
22- تدريب الراوي في شرح تقريب المناوي للسيوطي تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف الجزء الثاني
- الطبعة الثانية 1392هـ/1972م مكتبة دار التراث بمصر .
23- المصدر السابق ص 208.
24- المصدر السابق ص 210. .
25- المصدر السابق.ص 209.
26- المصدر السابق نفس الصفحة.
27- الكفاية وفتح المغيث نقلاً عن كتاب السنة قبل التدوين سابق .
28- الإحكام في أصول الأحكام سيف الدين الأمدي – الجزء الثاني ص82/83- طبعة 1387هـ
/1967م نشر مؤسسة الحلبي وشركاه بمصر.
29- فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت لعبد العلي محمد بن نظام الدين الأنصاري – المجلد الثاني
- ص158دون تاريخ نشر – د.ت.ن. دار إحياء التراث العربي – بيروت – على هامش كتاب
المستصفى من علم الأصول للغزالي ، مصور من الطبعة الأولى بالمطبعة الأميرية ببولاق المحمية 1324هـ

#مصطفى_حقي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات