أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل عباس - النفاق السياسي والأصولية ومأساة الشعب الفلسطيني















المزيد.....



النفاق السياسي والأصولية ومأساة الشعب الفلسطيني


كامل عباس

الحوار المتمدن-العدد: 1972 - 2007 / 7 / 10 - 11:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


اذا أردنا استخلاص تاريخ فلسطين القديم من الكتب السماوية بعد استبعاد الجانب الأسطوري منها , لقلنا أنها كانت بلاد تفيض عسلا ولبنا , وربما لهذا السبب بالذات أراد بنو اسرائيل الهاربين من بطش فرعون مصر التوجه اليها , ومع أنهم تاهوا في الصحراء أربعين عاما ’ الا أنهم دخلوها بالنهاية بنفس الطريقة الهمجية التي كانت تتم في القرن العاشر قبل الميلاد بين القبائل والممالك المتحاربة , منذ ذلك التاريخ بدأت مسيرة اليهود في فلسطين, والتي شهدت نهوضا كبيرا في عهد ملكهم داود وابنه سليمان الذي بنى لهم معبدا في القدس ’ وقد ظل حالهم فيها كذلك حتى السبي البابلي المعروف بقيادة نبوخذ نصر الذي دمّر معبدهم واسر الكثيرين منهم , وهو ما يعرف في تاريخ اليهود بالخراب الأول الذي تم في القرن السادس قبل الميلاد , لكن ملك الفرس قورش أعادهم اليها , وازدهرت أحوالهم فيها من جديد , حتى جاءهم الخراب الثاني على يد القائد الروماني تيطوس الذي احتل القدس وخرب المعبد وشتتهم في كل أصقاع الأرض حوالي عام 70 م , فمنهم من شد الرحال الى داخل الأمبراطورية الرومانية ومنهم من ذهب الى ممالك الخزر المطلة على بحر الخزر ومنهم من رحل الى الجزيرة العربية , بعد ذلك كادت فلسطين ان تنسى اليهود ودينهم وتأثيرهم القوي عليها , تفوّق في التأثير , الدين الاسلامي والمسيحي داخل فلسطين على الدين اليهودي قرابة 1200 عام , أما الاسلام فقد أعطاها هويتها القومية بعد فتح المسلمين لها في عهد خلافة عمر , تماما كما أعطى الاسلام لمصر هويتها الجديدة بعد تاريخها الفرعوني العريق , اما الدين المسيحي فقد ظل يُذّكِر فلسطين به من خلال حنين كرادلته وبابواته الى مهد المسيح والذي ترجم من قبلهم بالحروب الصليبية , وظل الأمر كذلك حتى جاء وعد بلفور المشئوم ليعود الدين اليهودي فيأخذ الصدارة في التأثير داخل فلسطين , وكان أهم أوجه ذلك التأثير رحلة الشتات الفلسطينية , ليحلوا محل اليهود بين ظهراني الدول التي تقبل استضافتهم ’ وليعود اليهود الى أرض أجدادهم وأنبيائهم القدامى , منذ ذلك التاريخ عانى ويعاني أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات من ثلاثة أصوليات رافقها قدر هائل من النفاق السياسي لقادة الدول في القرن العشرين .
الأصولية اليهودية :
استمدت تعاليم الديانة اليهودية قوتها من حجم الاضطهاد الذي لحق باليهود عبر التاريخ , وهي كأي تعاليم دينية تصبح مقدسة لدى أبنائها وتنتقل من جيل الى آخر عبر العادات والتقاليد والتراث ,, الخ , ومن صلب تعاليم دينهم , الوعد بمجيء منقذ مخلص لهم في المستقبل يوحدهم بعد تفرقهم وانشقاقاتهم ويعيد أمجاد ملكهم داود وسليمان , والمُخلِص كما وصفه لهم نبيهم دانيال يجب ان يكون من القوة والمجد والسلطان ما يجعل الأمم تخضع له وعلى يديه تتحقق مملكة الله على الأرض المتمثلة بدولتهم الجديدة , ولما جاء المسيح بتعاليمه الموجهة لليهود اولا ولكل البشر ثانيا , وفي وقت اشتد الظلم والاضطهاد عليهم , ظن العديد منهم انه المخلص الموعود , ولكن عندما تبين لهم حقيقة دعوة المسيح القائمة على التسامح والمحبة بين الناس كفروا به واضطهدوه , فمخلصهم الموجود في أذهانهم لايمكن ان يكون بهذا الضعف والجبن , وليس فيه من صفات القائد العسكري الموعود شيئا .
وعندما انتصرت المسيحية وتحول المسيح على يد الكنيسة الرومانية من يهودي الى اله يأكل المسيحي من لحمه ويشرب من دمه في القربان المقدس كي يتحقق له الخلود , وحاولت الكنيسة فرض تعاليمها بالقوة في مناطق نفوذها ومن لا يعتنق دينها عد هرطوقيا يجب إحراقه وهو حي بعد إدانته من قبل محاكم التفتيش المنشاة لهذا الغرض صمد اليهود وتحملوا من التعذيب ما يفوق الوصف (( كان الغرض من محكمة التفتيش ان ترهب جميع المسيحيين المحدثين والقدامى على السواء ليتمسكوا بالسنة الظاهرة على الأقل , على أمل ان يقضى على الهرطقة في مهدها وان الجيل الثاني او الثالث من اليهود المعمدين سوف ينسون يهودية اسلافهم ........
في 30 مارس عام 1492 وقع فرديناند وايزابيلا مرسوم نفي اليهود و تحولت بعده مباشرة مدافن اليهود الى مراع , وذاب في شهور قليلة الجانب الأكبر من ثروات اليهود الأسبان و التي كدسوها خلال قرون , وقَبِِل خمسون الف يهودي التنصر , وسمح لهم بالبقاء وترك أسبانيا اكثر من مائة الف يهودي في موكب خروج طويل كئيب , وقبْل رحيلهم زوجوا جميع أطفالهم الذين فوق الثانية عشرة , وساعد الصغار الكبار , وأعان الأغنياء الفقراء , وسار الحجيج على متون الخيل او الحمير وفي العربات أو على الأقدام , وناشد المسيحيون الطيبون , المنفيين عند كل منعطف ان يذعنوا للتعميد ,فقابل اليهود ذلك بان أكدوا لأشياعهم بان الله سيهديهم الى ارض الميعاد و وذلك بان يفتح لهم معبرا في البحر كما فعل لآبائهم في القديم )) (1) , لقد وعى ماركس كمناضل ومنظر خطورة تطور القضية اليهودية في أوروبا , وارتأى أن تتم مساعدتهم في الاندماج بمحيطهم الاجتماعي عن طريق إنتاج وعي نظري وسياسي يدرس بعمق خصوصية اليهودي مع دينه والظرف الذي أنتج هذا الدين , كأنه كان يقرا بعيني نبي مستقبلهم مع المحرقة النازية على يد هتلر , ولكن لنين بعده كان أكثر واقعية حيث في الممارسة العملية نظر اليهم كأقلية قومية وليست دينية فقط , والدليل على ذلك قبول الحزب لاشتراكي الديمقراطي بزعامة لينين تمثيل البوند – اتحاد العمال اليهودي الروسي – بتسعة أعضاء في أول مؤتمر للحزب وهذا يعني اعترافا ضمنيا بأنهم أقلية قومية .
حقا ان خصوصية الدين اليهودي جعلت اليهود ينظرون الى أنفسهم نظرة خاصة يعيشون في غيتوات معزولة ويحاولون أن يكونوا متميزين عن اقرأنهم , وهو ما تم فعلا في كثير من البلدان الأوروبية حيث كان العلماء وارباب المال من اليهود , ومن اهم خصوصية هذا الدين تعامله مع الاله( يهو) وكأنه واحد منهم يخطئ ويصيب مثلهم (( فقال الرب لموسى اذهب انزل , لأنه قد فسد شعبك الذي أصعدته من ارض مصر , وقال الرب لموسى رأيت هذا الشعب واذا هو شعب صلب الرقبة , فالآن اتركني ليحمى غضبي علهم وأفنيهم فاصيرك شعبا عظيما , فتضرع موسى امام الرب الهه , وقال لماذا يارب يحمى غضبك على شعبك الذي أخرجته من ارض مصر بقوة عظيمة ويد شديدة , لماذا يتكلم المصريون قائلين أخرجهم بخبث ليقتلهم في الجبال ويفنيهم عن وجه الأرض , ارجع عن حمو غضبك واندم على الشر بشعبك , فندم الرب على الشر الذي قال انه يفعله بشعبه )) (2) والخصوصية الأهم في هذا الدين التوحيدي المحارب للأديان الوثنية- شانه شان الدين المسيحي والدين الاسلامي – مع الاختلاف عن الأخيرين بكونه قومي وليس اممي فهو يقوم على ركيزتين أساسيتين – ارض الميعاد وشعب الله المختار - وتلك الركيزتين سهلتا العمل للأصوليين اليهود والمنافقين السياسيين كي يشردوا شعب فلسطين في القرن العشرين , ولولاهما لما شذ تاريخ فلسطين عن تشكل بقية الدول التي أخذت هويتها القومية واستقرت ملامحها كأرض ودولة قبل القرن العشرين , كل التجمعات البشرية الأولى شهدت نوعا من حروب همجية قضت على حضارات عريقة جدا في زمان ومكان محددين , وان كانت الحرب لم تقض على الفريقين وكان هناك غالب ومغلوب ’ فقد تم تمثل ثقافة الغالب من قبل المغلوب أحيانا , او تمثل ثقافة المغلوب للغالب أحيانا أخرى , أو تهجنت الثقافتان لتتطور بشكل مشترك وتعطي ملامح قومية جديدة أعطت هوية تلك الدولة القومية , يصح هذا الجدل على كل الدول باستثناء فلسطين ,
الأصولية البروتستانتية :
من مفارقات التاريخ ان يكون الكاثوليك من أبناء الدين المسيحي ارحم بالفلسطينيين من البروتستانت , مع أن الكاثوليكية طائفة مسيحية متزمتة جدا والبروتستانتية حركة اصلاحية في المسيحية ’ ولكن اذا عرف السبب بطل العجب , فالكاثوليكيون يعتقدون ان غضب الله حل على بني اسرائيل بسبب جرائمهم المتكررة عبر تاريخهم وآخرها رفضهم لملخص منهم ومحاولة قتله وهو المسيح عليه السلام , وبسب ذلك استحقوا الطرد من فلسطين , والكنيسة المسيحية حسب المعتقد الكاثوليكي تجسد مملكة الله على الأرض وتوازي اسرائيل الجديدة التي تنبأ بها العهد القديم , وبالتالي لم يشجعوا على هجرة اليهود الى فلسطين , وظل الأمر كذلك طيلة خمسة عشر قرنا حتى ظهرت الحركة الاصلاحية البروتستانتية بوجه الكنيسة الكاثوليكية وامميتها ,اعتبرت البروتستانتية ان البابا غير معصوم عن الخطأ وهو شخص مثله مثل كل المسيحيين ولا يحق له ولرجاله التابعين وحدهم تفسير الكتاب المقدس كما يحلو لهم وسن الضرائب وجبايتها من كل مسيحي في العالم على هواهم , والكتاب المقدس يجب ان يترجم ليصبح كل مسيحي في أي بلد قادر على التعرف عليه , والكتاب المقدس وحده المعصوم عن الخطأ ويجب تفسيره حرفيا لارمزيا كما يفعل البابا وكرادلته , وهنا كانت الطامة الكبرى بالنسبة للفلسطينيين وخاصة مع التفسير الحرفي لسفر الرؤيا في العهد الجديد ومكانة أورشليم واليهود فيها (( ثم جاء الي واحد من السبعة الملائكة الذين معهم السبعة جامات المملوءة من السبع الضربات الأخيرة وتكلم معي قائلا هلّم فاريك العروس امرأة الخروف , وذهب بي بالروح الى جبل عظيم عال واراني المدينة العظيمة اورشليم المقدسة نازلة من السماء من عند الله , وكان لها سور عظيم وعال وكان لها اثنا عشر بابا وعلى الأبواب اثنا عشر ملاكا وأسماء مكتوبة هي أسماء أسباط بني اسرائيل الاثني عشر )) (3) والعهد الجديد يبشر بعودة المسيح الثانية بعد الف عام ليقيم مملكة الله على الأرض في اورشليم بالذات , ومن اجل ان تتحقق العودة يجب ان يسبقه اليهود اليها , وحتى تكتمل المأساة فقد ترافقت الحركة الاصلاحية البروستانتية باكتشاف امريكا واعتناق القارة المذهب البروتستنتي ليلتقي النفاق السياسي بالأصولية ’ (( كان كل من الرؤساء الامريكيين السابقين جون آدامز (1797 – 1801م ) وتوماس جفرستون (1801 – 1809 ) عضوين في لجنة تأسست عام 1776م لغرض انتقاء شعار للأمة الأمريكية الجديدة , فأوصى كلاهما ان يكون الشعار صورة للنبي موسى وهو يقود اليهود الهاربين من فرعون مصر ! وفي مناسبات عديدة أبدى جون آدامز رغبته المخلصة لإعادة اليهود الى ارض يهوذا – فلسطين – كأمة مستقلة ’ ومن جهته رأى بنيامين فرانكلين الدبلوماسي الأمريكي أن يكون الشعار صورة موسى وهو يشق البحر الأحمر بعصاه )) (4) .
الأصوليون اليهود يريدون العودة الى فلسطين عملا بتعاليم دينهم كي يعيدوا أمجادهم فيها ويحققوا مملكة الله على الأرض ويخضعوا الشعوب المجاورة لها بالقوة , والمنافقون السياسيون في امريكا والغرب يريدون دولة صهيونية مدججة بالسلاح وبالعنصرية لكي يبقى الشرق الأوسط في دائرة نفوذهم , اختلط النفاق بالأصولية في أمريكا لدرجة ان الرمز المعبر عنها وهو الرئيس لم يعد يعرف ان كان ما يطرحه براغماتية سياسية ام قناعة والتزام صادرين عن مؤمن ملتزم بتعاليم البروتستانتية , وهكذا حلم رونالد ريغان بعودة المسيح الثانية في فترة رئاسته كما حلم قبله بطرس بعودته في فترة حياته أيضا , المسيحيون البروتستانتيون في امريكا وجمعياتهم ومؤسساتهم الدينية تعيش في ماضي الشرق الأوسط وتتطلع إليه أكثر من أصولييه الاسلامين والقوميين , ونشاطهم متعدد الوجوه لمساعدة اليهود في العودة الى ارض الميعاد ’ وهو الذي فرخ ما يعرف بالسفارة المسيحية العالمية (( في 27 /8 /1985 عقدت السفارة المسيحية العالمية مؤتمرها المسيحي الأول في بازل بسويسرا , لمضاهاة المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقده تيودور هرتزل في نفس المدينة في العام 1897م بل في القاعة نفسها التي استخدمها هرتزل , وقد حضر المؤتمر كل من مدير السفارة المسيحية العالمية جوهان لوكهوفJohann Luckhoff وهو من جنوب افريقيا والناطق بلسانها فان در هوفن Van der hoeven وهو من هولندا وممثلها قي واشنطن ريتشارد هيلمان Richard Hellman , والدكتور جورج جياكوماكيس George Giacumakis الرئيس السابق لمعهد دراسات الأرض المقدسة في القدس , وقد حث المؤتمر يهود العالم على ترك مواطنهم الحالية والهجرة الى اسرائيل والعيش فيها , كما قرر المجتمعون ان القدس – التي هي مدينة داود يجب ان تبقى الى الأبد عاصمة موحدة لإسرائيل ...
وفي العام 1988 عقدت السفارة المسيحية العالمية مؤتمرها المسيحي الثاني , وهذه المرة في القدس احتفالا بالذكرى الأربعين لانشاء دولة اسرائيل )) (5)

الأصولية الاسلامية :
يصح وصف الحركات الاسلامية المتاجرة بالدين الاسلامي بالسلفية والتكفيرية أكثر مما يصح وصفها بالأصولية , وذلك لأنهم لايدعون للعودة للنموذج الأصلي وهو دولة الاسلام الأولى التي قامت في عهد الرسول ولا الى تعاليم الاسلام الأولى فالإسلام الأول كان احد أهم أسباب انبعاثه هو محاربة حكم السلالات المرزول عند الفرس والروم , والاسلام يجيز لكل مسلم ان يصبح خليفة شرط الاجماع عليه , وقاعدة الحكم هي الشورى , في حين تحالف المنافقون من رجال الدين الاسلامي مع الاستبداد ودعموا حكم السلالات المرزول أكثر من ألف سنة وما زالوا يدعمونه , وما يهمنا هنا الأصولية الاسلامية تجاه اليهود وما يتفرع عنها من مآس تصيب الشعب الفلسطيني , وهم هنا ايضا لا يستلهمون النموذج الأصلي وهو سلوك الرسول ومن حوله من المسلمين تجاه اليهود طيلة الدعوة , بل يأخذون آيات بعينها معزولة عن سياقها في زمانها ومكانها لتكون مادة في التحريض على اليهود بعد مضي قرابة 1500 عام على الصراع بين اليهود والمسلمين أيام دعوة الرسول (( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم لُعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما انزل إليك من ربك طغيانا وكفرا والقينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين ))(6) .
كانت دعوة الرسول العربي في البداية موجهة الى القبائل العربية الوثنية التي تعبد الأصنام , اما القبائل التي كانت تدين بالمسيحية واليهودية ’ فقد اعتبرها الرسول حليفا له في صراعه مع المشركين وعاملهم دائما كمؤمنين بما يدعو اليه من اجل عبادة واحد احد هو الله تعالى ’ وعندما جاهر بدعوته وناله الأذى من قريش هاجر الى المدينة حيث كان اليهود يتمتعون بنفوذ قوي بسبب تواجد قبائل عربية يهودية عريقة فيها مثل قبيلة بني قريظة وقبيلة بني النضير وقبيلة بني قينقاع ,على عكس المسيحيين الذين كانت قوتهم بين قبائل عربية تسكن بلاد الشام , وقد آخى الرسول العربي بين المهاجرين والأنصار وعقد حلفاً مع اليهود أقر فيه لهم بالحفاظ على دينهم وأموالهم (( بسم الله الرحمن الرحيم , هذا كتاب من محمد النبي (ص) بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم وجاهد معهم , إنهم امة واحدة من دون الناس ....... وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس ’ وأن من تبعنا من اليهود فان له النصر والأسوة ,غير مظلومين ولا متناصر عليهم , وان سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله الا على سواء وعدل بينهم .... )) (7) . ولكن اليهود غدروا بالمسلمين - كعادتهم المعروفة في التاريخ والتي تشكلت كرد فعل سلبي على ما لحقهم من اضطهاد وما كرست تعاليم دينهم بأذهانهم , كونهم صفوة المجتمع في كل زمان ومكان - ولما رأوا ان الدعوة الجديدة يمكن ان يكتب لها النصر , وعندها سيتضعضع مركزهم الديني ’ انقلبوا على الرسول وتحالفوا مع مشركي قريش, ووصل ببعضهم الحقد حد التخطيط لاغتيال الرسول , مما اضطره للرد عليهم فغزاهم في غزوة مشهورة تسمى غزوة بني قريظة , وقتل منهم في ليلة واحدة سبعمائة شخص ودفنهم في خندق واحد كما تقول الروايات التاريخية , وهذه الحادثة في سياقها التاريخي لا تشذ عن عصر الحروب الأولى بين القبائل التي كان يتم قيها القتل والسبي وتوزيع الغنائم وقد اضطر الرسول اليها كما اشرنا , في حين بقي على عهده ووفائه للمسيحيين
(( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم للذين ءامنوا الذين قالوا انا نصارى ذلك ان منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون )) (8)
ينسى رجال الدين الاسلامي المنافقين تلك السيرة وتعامل الرسول الحسن مع اليهود , لينفخوا في العداء التاريخي بين الشعبين من اجل مكاسب ضيقه لهم غير عابئين بما يسببه ذلك الشحن والعودة الى الأصول من خراب بيت الفلسطينيين , فنجد فتاواهم في كل مكان تحض على العمليات الانتحارية التي لا تميز بين مدني وعسكري ولا بين امرأة وطفل وشيخ مسن , ويصبح الصراع بين المسلمين واليهود صراع على الوجود لايمكن حله الا بأن يقضي احدهم على الآخر ’ وبالتالي المفروض قذف اليهود بالبحر وتدمير دولتهم عن بكرة أبيها .
أصوليات دينية بالجملة عاني منها الشعب الفلسطيني في هذه اللحظة الحرجة من تاريخية غذتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة ,ولم يكتف نفاق تلك الإدارات السياسية بالتحالف مع الأصولية البروتستانتية ’ بل له دور كبير في تغذية الأصولية الاسلامية التي تجعل المسافر هذه الأيام قلق على مصيره سواء جعل سفره في البر او البحر او الجو ,كم كانت حسابات تلك الادارات قصيرة النظر حين تحالفت مع الوهابية في السعودية وكل الأصوليين المسلمين , وصرفت الأموال الطائلة من اجل مدارس تحفيظ القرآن في الباكستان وافغانستان ومصر وسوريا وتركيا وكل البلدان الاسلامية ’ كي تخرج جهاديين ضد الكفار الشيوعيين ’ وآيات القرآن تزين للمسلم الجهاد بالنفس والمال وترغبه في الآخرة التي هي خير وأبقى من الدنيا ’ وفيها يتمتع المجاهد بأنهار من عسل محفوفة بالحور والولدان (( انفروا خفاقا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون )) (9) والكفار يسعون في الأرض فسادا لأنهم لا يؤمنون بقول الله عز وجل – المال والبنون زينة الحياة الدنيا – ويعتقدون ان الراسمالية ليست خالدة وان الحساب والعقاب هو في هذه الحياة ولذلك (0 انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون قي الأرض فسادا ان يقتلوا ويصلبوا وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف او ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ))(10) , وبفضل المال السعودي والعبقرية الأمريكية , نشا وترعرع الجهاديون الأفغان وهم من كل الجنسيات الاسلامية , ودحروا الكفار عن أرض الأفغان , لابل ان كثيرا منهم يعتقد ان دوره أساسي في سقوط كل الدول الشيوعية الملحدة وفي مقدمتها الاتحاد السوفياتي , وقد ساعدهم على ذلك دعوات السعوديين في صلواتهم التي تتكرر خمسة مرات في اليوم كخاتمة للصلاة – اللهم اخذل الشيوعيين ومن شايعهم والنصارى ومن ناصرهم واليهود ومن هاداهم - والآن جاء دور النصارى واليهود بعد ان استجاب الله لدعواتهم وخذل الشيوعيون , لم يحسب الأمريكان حسابا لتلك الطريقة من تحفيظ القرآن في المدارس التي ستجعل في مقدمة الذاكرة الآيات التي تحض على الجهاد ضد النصارى بعد خذلان الشيوعيين وتطالبهم ألا يجعلونهم أولياء عليهم مثل الآية التالية (( ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم ان الله لا يهدي القوم الظالمين ((11) والنصارى الأمريكان أولياء السعوديين في كل المؤسسات النفطية الموجودة في السعودية ’ فهل يجب ان يتفاجأ الأمريكان بالسعوديين وهم يتصدرون الارهابيين في 11 يلول وفي بريطانيا وفي أسبانيا وفي العراق وفي لبنان , وكلهم قنابل بشرية جاهزة للانفجار ضد المصالح الأمريكية !!
ولماذا لم يتساءل فلاسفة ومنظري الادارات الأمريكية عن خطر تلك الأصولية في فلسطين التي تحض على الجهاد ضد اليهود وتستحضر الماضي الذي يأخذ حيزا كبيرا من القرآن ليصف الصراع بين الفلسطينيين واليهود (( قالوا يا موسى ان فيها قوما جبارين وانا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فان يخرجوا منها فانا داخلون -----قالوا ياموسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب انت وربك فقاتلا انا ها هنا قاعدون )) (12) وهل يحتاج الطالب المسلم الفلسطيني وغير الفلسطيني الموجود في مدارس تحفيظ القرآن ’ الى الكثير من الذكاء ليستخلص ان السياسة الأمريكية قاتلت عن اليهود وأخرجت الفلسطينيين من ديارهم ثم شجعت الهجرة الى فلسطين؟
يزيد في طنبور معاناة الفلسطينيين نغما ربما كان الأكثر تعاسة ومدعاة للحزن والتأمل في تاريخهم , ألا وهو الصراع الجاري بين فتح وحماس في الأرض المحتلة , والتي تلام فيه فتح أكثر من حماس حسب ما اعتقد , وحتى لايتصيدني احد في الماء العكر أقول : إنني مع اتفاقية اوسلو و وقد رأيت وما زلت , ان مهندسها من الجانب الفلسطيني وهم الفتحاويون , كانوا حكماء سياسيون فيها وقد قرؤوا اللوحة السياسية جيدا وفهموا ميزان القوى وعملوا بواقعية من اجل شعبهم , لكنهم لم يكونوا كذلك في الأرض التي بسطوا سلطتهم عليها , واعرف أيضا ان السلطة مفسدة للثوار ’ لكن ان تكون المفسدة بهذه الدرجة وهم محاصرون , ليزكم فسادهم وفساد اجهزتهم الأنوف مثل فساد أجهزة الدول العربية ’ فذلك لم يكن متوقعا منهم , وماذا يمكن ان يقول أمثالي لأطفالهم عندما يسألونهم عن السبب الذي دعاهم لترك وظائفهم وأسرهم وحملهم السلاح الى جانب الفلسطينين من اجل نصرة قضيتهم ؟ وهاهم الآن يذبحون بعضهم بعضا في صراع دام على سلطة لاتتجاوز 10% من اراضي الفلسطينية , وكيف سيكون الحال عندما تصبح القدس عاصمة لدولتهم !! ( لقد قاتلت مع الفلسطينيين في عيناتا وحملت السلاح لى جانب فتح والجبهة الشعبية عام 1977 وما زلت أعاني من آثار ذلك أنا وأطفالي ) لا شبيه لقتال فتح مع حماس في ظل الحصار والتجويع الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني سوى قتال مجموعتين داخل سجن كبير كل مجموعة تستقطب جهة من القاووش وتحاول عن طريقها فرض خوتها على إدارة السجن , وذلك ما دفع ويدفع أبناء الشعب الفلسطيني الطيبين لتسليم أمرهم لله تعالى والاتجاه نحو تعاليم الدين ربما يجدون فيها بعض الطمأنينة والسلوى لوضعهم الحالي , ليقعوا في اسر الأصوليين الإسلاميين من جديد المتمثلين بالجهاد الاسلامي وفتح الاسلام وجيش الاسلام وما شابه .
.........................................................................................

من جهة أخرى ان السبب الرئيسي للنفير العام الذي يدعو اليه الأصوليون الاسلاميون في الشرق الأوسط , يكمن باهتزاز الأرض تحت أقدامهم , ان المشروع الكوني المجبر على ان يكون للانسان وحقوقه حضور فيه بعد انتهاء الحرب الباردة , لم يعد قادرا على تسويق الجهاد ضد الكفار , فالأولوية أصبحت لحرية الرأي والمعتقد حتى ولو غير المرء دينه أو كفر بالله تعالى فهذا شانه مادام لايتعدى على حقوق الآخرين , وتلك الرياح العالمية تهب باتجاه الشرق الأوسط الذي تعود المنافقون الأصوليون المسلمون فيه على التحالف مع الدولة وترويع المواطنين باسم الله تعالى وإدخال كل من ضبط يأكل نهارا منهم في رمضان الى السجن واقتسام الأوقاف الاسلامية والمتاجرة بمشاعر المسلمين في جمعيات لاحصر ولا عد لها ’ وفي وظائف تدر عليهم مالا وجاها مثل خطباء وائئمة وحراس الجوامع, وهم على هذا الحال منذ الف عام , والآن مكاسبهم مهددة , لكن هذا يجب الا يدعونا لارتكاب الحماقة تلو الأخرى- كما تفعل الادارة الأمريكية الحالية – ونقلل من شانهم وأهميتهم باسم الحتمية التاريخية , فنزيد من معاناة جماهيرنا ونطيل في أسرها من قبلهم , ان الكيل بمكيالين من قبل الهيئات الدولية تحت ضغط الادارة الأمريكية في الشرق الأوسط وتحديدا بالنسبة للقضية الفلسطسينة هو الذي يقوي نفوذهم ويجعلهم قادرين على تفخيخ أجساد شبابنا وتفجيرها في كل مكان, على سبيل المثال لا الحصر فان تتشكل محكمة دولية - لمحاكمة قتلة شخص سياسي مهما علت قامته ويناط بتنفيذها للبند السابع ويتأهب مجلس الأمن لتنفيذ القرار , في حين ينسى قرارات تطال احتلال عنصري يقتل الشجر والحجر والانسان ويزج في سجونه شعب كامل فيه الكثير منهم توازي قامتهم قامة رفيق الحريري مثل مروان البرغوثي - لايخدم حتى أمريكا على المدى البعيد
من جهتي أتمنى من كل قلبي ان تستوعب الادارة الأمريكية القادمة أخطاء الادارة الحالية وتنظر الى مصالحها في الشرق الأوسط نظرة موضوعية بعيدة عن الانحياز لعدو العرب التقليدي ’ وعلى أحرار العالم ان يساعدوها على ذلك لكي نبني مستقبلا آمنا بعيدا عن الارهاب الاسلامي الذي يتغذى من الانحياز الأمريكي لدولة اسرائيل .

نعم ان استعمال البند السابع من قبل الأمم المتحدة لإجبار إسرائيل كي تنصاع لقرارات الشرعية الدولية خير بداية لتجفيف منابع الإرهاب في الشرق الأوسط
كامل عباس – اللاذقية
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&

هوامش
1- قصة الحضارة , تاليف ول ديورانت , ترجمة عب الحميد يونس ج 23 ص 93
2- العهد القديم ’ سفر الخروج , الاصحاح 32
3- العهد الجدد , سفر الرؤيا , الاصحاح 21
4- المسيحية والاسلام والاستشراق , تاليف المهندس محمد فاروق فارس الزين و توزيع دار الفكر بدمشق ص 283
5- المرجع السابق ص 291
6- سورة المائدة الآية 64
7- النص الكامل للحلف موجود في سيرة ابن هشام ج2 ص 119 – 123
8- سورة المائدة , الآية 82
9- سورة التوبة الآية 41
10- سورة المائدة الآية 33
11- سورة المائدة ,الآية 51
12- سورة المائدة , الآيتان 22 – 24




#كامل_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النفاق السياسي والأصولية
- المسيحية والشيوعية
- الاسلام والبلشفية
- امسح واربح
- هواجس حول الإصلاح الديني وضرورته الحالية في بلادي
- حضارة الاستهلاك وأثرها في الصحوة الدينية الحالية
- الجرح العراقي والملح الأمريكي
- الصيام الأكبر
- من أجل يسار لبرالي عربي جديد
- اللبرالية والوضع الراهن في سوريا
- اللبرالية في التاريخ السوري - خالد العظم نموذجٌ
- اللبرالية في التاريخ السوري - الكواكبي رائداً
- اللبرالية والعلمانية
- اللبرالية وعلاقتها بالديمقراطية
- اللبرالية ومسيرة التطور الاجتماعي
- نجيب محفوظ في ذمة التاريخ
- عماد شيحا في روايته الثانية - غبار الطلع -
- شرق أوسط جديد بفوضاه !!
- تعريف برابطة العمل الشيوعي في سوريا
- اليسار السوري والتحرر الجنسي


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل عباس - النفاق السياسي والأصولية ومأساة الشعب الفلسطيني