أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - توفيق أبو شومر - إسرائيل أكبر مهدد للديموقراطية في الشرق الأوسط !















المزيد.....


إسرائيل أكبر مهدد للديموقراطية في الشرق الأوسط !


توفيق أبو شومر

الحوار المتمدن-العدد: 1971 - 2007 / 7 / 9 - 11:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هل يمكن اعتبار دولة إسرائيل ( واحة) الديموقراطية في الشرق ، كما اقتضت الخطة العالمية أن تكون؟
وهل كان تأسيسها لمواجهة التطرف والأوتوقراطية و(البربرية) العربية ؟
أم أنها مرآة الغرب في الشرق والمبشرة بشعارات الثورة الفرنسية : " حرية إخاء مساواة" ؟
أم أنها حاضنة الرأسمالية العالمية ، ووسيطة الشركات متعدية الجنسيات ؟
أم أنها الوسيطة الروحية الدينية التي تمرّ عبرها كل الأديان السماوية والمعتقدات ؟
أسئلة كثيرة وإجابات قليلة ، ويعود سبب قلة الإجابات إلى ان كثيرين يحجمون عن إزعاج إسرائيل حتى لا يدخلوا ضمن معادي السامية ، كما أن الدول العربية أبقتْ الديموقراطية مجرد شعارات ترددها إذاعاتها الموجهة للأخرين على الرغم من أن أكثر تلك الدول بقيت تنظر بريبة لا للمبشرين بالديموقراطية ، بل إنها ظلت تعتبرهم مأجورين وطابورا خامسا يهدف لتقويض أنظمة الحكم في تلك الدول .

كان برنامج دولة إسرائيل منذ بداية تأسيسها يقوم على الأركان التالية :
الأول: تمثيل الدور الديموقراطي ببراعة وتقنية واحتراف في مؤسسات الحكم والتشريع في إسرائيل .
والثاني: إخفاء التطرف الإسرائيلي الذي يسيء للديموقراطية بكل أقسامه، الديني والعرقي والإثني من الواجهة الإسرائيلية.
والثالث: تضخيم الممارسات غير الديموقراطية للعرب والفلسطينيين، ونشرها وتوزيعها على العالم أجمع!
أما عن الركن الأول فقد نجحت إسرائيل ببراعة في إقناع العالم بأنها تستحق لقب [ الدولة الديموقراطية الوحيدة] في الشرق عندما أسست نظام حكمها كنظام برلماني مستمد من الغرب ، وذلك عبر الوسائل الديموقراطية التالية :
ففي الاجتماع الأول بزعامة بن غريون بعد إعلان دولة إسرائيل في 15/ مايو/ 1948 وعقد هذاالاجتماع في تل أبيب أعلن البيان المبادئ التالية :
" فتح ابواب إسرائيل للمهاجرين اليهود (فقط) لتأسيس دولة (يهودية) على أرض فلسطين .. وأكد البيان على تطوير فلسطين لمصلحة جميع السكان ، وأن إسرائيل ستطبق الحرية والعدالة والسلام وضمان المساواة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع السكان بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنس ، مع التأكيد على حرية الدين واللغة والتعليم والثقافة ، وحماية الأماكن المقدسة لكل الأديان ، والالتزام بمواثيق الأمم المتحدة ، مع استعداد إسرائيل للتعاون مع المنظمات الدولة لتنفيذ قرار التقسيم ، ودعا البيان السكان العرب في إسرائيل للحفاظ على السلام والمشاركة في بناء الدولة على أسس المواطنة الكاملة والمتساوية "
كتاب دليل إسرائيل العام مؤسسة الدراسات الفلسطينية 2004 ص 12
جاء هذا الإعلان بديلا عن الدستور الذي لم يُقرّ حتى الآن ، وقد تم تجميده بسبب الهجمة الأصولية على الدستور لأن فيه مفردات علمانية كالحرية والعدل والمساواة
وقد بني النظام السياسي الإسرائيلي وفق النظام البرلماني ، مع إتاحة الفرصة لكل الأحزاب بأن تمارس دورها المجتمعي .
فرئيس الدولة ينتخب من قبل الكنيست باقتراع سري ويحصل على 61 صوتا على الأقل ويبقى لمدة خمس سنوات ، كما أن لكل مواطن إسرائيلي يستوفي الشروط الحق في ترشيح نفسه لهذا المنصب .
ومن المعلوم بأن رئيس الدولة هو رئيس فخري ليست له صلاحيات كثيرة ، ومن صلاحياته العفو عن المساجين وتعيين رئيس نجمة داود الحمراء وتكليف رئيس الحكومة بتشكيلها بعد فوز كتلته البرلمانية ، وتعيين القضاة بناء على توصيات لجان متخصصة ، ويصادق على تعيين الدبلوماسيين في الخارج ، ويتسلم أوراق اعتماد السفراء ، ويوقع المعاهدات التي أقرتها الكنيست .
ويعتبر الكنيست هو البرلمان الإسرائيلي ، وهو السلطة التشريعية ، وهو مركز النظام السياسي الإسرائيلي يسير وفق قانون 1958 م ويضم 120 عضوا ، ينتخبون وفق النظام النسبي ، ومقر الكنيست القدس ، وتستمر الدورة في الكنيست أربع سنوات ، ويحق للكنيست أن يحل نفسه قبل أربع سنوات وفق قانون خاص مع تحديد موعد للانتخابات التالية .
تكون القرارات بأغلبية الحضور ، ويمكن أن يعقد بدون توفر النصاب ، وجميع جلساته مفتوحة إلا إذا نُصَّ على إغلاقها ، ويعقد الكنيست دورتين سنويا ، صيفية وشتوية ، ويجتمع الكنيست ثلاثة أيام في الأسبوع "الاثنين والثلاثاء والأربعاء"
وأهم أعمال الكنيست إصدار القوانين ، ويمكن إصدار القوانين الرسمية بواسطة وزراء الحكومة ، أما القوانين الخاصة فيتولاها الكنيست .
يحق لمن بلغ سن 18 أن يدلي بصوته لانتخابات الكنيست ، ويحق لمن بلغ الحادية والعشرين أن يرشح نفسه لها ، وتعتبر الدولة دائرة انتخابية واحدة ، وتخوض الانتخابات قوائم الأحزاب التي تستوفي الشروط
أما الحكومة فهي أداة الحكم الفعلية في إسرائيل ، ولا بد أن يكون رئيسها عضوا في الكنيست ، وهو رئيس الحزب الفائز في الانتخابات ، وقد أجريت تغييرات تقضي بانتخاب رئيس الحكومة من الشعب مباشرة عام 1996 بعد تعديل القانون الأساسي ، غير أن الكنيست أعادت الصيغة القديمة عام 2001 .
وأسست إسرائيل نظاما جديدا لمغازلة الأنظمة الاشتراكية والشيوعية في العالم ، وهو نظام الكيبوتس ، وجعلت من الكيبوتسات مراكز لبث الفكر الصهيوني عبر الزيارات الشبابية لمنظومة الكيبوتس الفريدة كان الكيبوتس يلاقي إعجابا كبيرا وسط الشباب المتحرر في العالم أجمع .
وكان هذا النظام مقنعا للعالم أجمع بأن إسرائيل هي الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط ، على الرغم من أن كل القوانين الصادرة كانت تنص على أنها دولة [ يهودية] وليست دولة ديموقراطية ، فحق العودة لليهود فقط ، وحق التجنيس لأبناء اليهوديات فقط ، وحق استئجار الأراضي الحكومية لليهود فقط ، وحق الوظائف الحكومية الرئيسة لليهود فقط .
أما عن الركن الثاني التي اعتمدته إسرائيل لإبراز ديموقراطيتها في وجه الأنظمة العربية فهو : إخفاء أو إرجاء التطرف الديني اليهودي ، ووضع ستارعلى اللوحة الحريدية الأرثوذكسية حتى تتمكن الدولة من إحكام بناء كل أجهزتها لتصبح هي الأقوى في منطقة الشرق الأوسط ، وتمكنت إسرائيل منذ تأسيسها وحتى عام 1977 من إخفاء الأصولية اليهودية في هيكلها السري المقدس ، فقد كان حزب العمل وأحزاب اليسار هي المهيمنة على سدة الحكم ، وكان التيار الديني الصهيوني المتمثل في حزب المفدال [ديكورا] دينيا لحزب العمل وأحزاب اليسار ، إلى أن حان الوقت لإبراز حقيقة الدولة بأنها هي [ الدولة اليهودية] التي صممها الحريديم ، عندما انتصر التيار الحريدي في صورة الليكود عام 1977 وانضم إليه حزب المفدال بعد أن تخلى عن تبعيته لحزب العمل واليسارفيما سمي بالانقلاب الديني .
وشرع الحريديم في تصميم برنامجهم الأصولي ، الذي لا يتناقض مع الديموقراطية فقط ، ولكنه يعتبر الديموقراطية خروجا وانتهاكا للدين اليهودي ، فالعالم عند الحريديم قسمان :
الحريديم وأتباعهم ، وهم المميزون الجديرون بالحياة .
والقسم الثاني هم الأغيار وفق درجات متعددة ، منهم من يكون من الأغيار وهو يهودي في الوقت نفسه، بالإضافة إلى جميع المسيحيين ، وجميع المسلمين ومن لهم عبادات أخرى وكل هؤلاء في النهاية غير جديرين بالحياة وفق الأصوليين اليهود أو الحاريديم .
وأدرك كثير من الكتاب الأجانب ، بما فيهم اليهود خطر هذه الأصولية على العالم كله ، ومنهم الكاتب (دافيد هيرست) الذي قال في كتابه البندقية وغصن الزيتون :
" إن الأصولية اليهودية هي أكبر مهددات الديموقراطية في العالم ، وهذه الأصولية يجب أن تلفت نظر العالم ، وتبلورت هذه الأصولية في ربع القرن الأخير ، ويبلغ مؤيدوها أكثر من ربع سكان إسرائيل ، إنها شديدة العداء للآخر ، وهي أكثر بكثير من نسبة المتطرفين المسلمين .
وإذا نجح الأصوليون اليهود حينئذٍ لن تصبح إسرائيل واحة للديموقراطية في الشرق الأوسط ، كما يحلو للأمريكيين أن يصفوها ، لأنها ستطبق السيادة الإلهية المملوءة بالقسوة والغضب ، وسوف تُخضع الجميع لسلطة الهلاخاه( الشريعة) ، وسيقتصر تفسير الشريعة على الحاخامات ، وسيحكم البلاد ملك يختاره الحاخامات ، وسيتم الفصل بين الرجال والنساء ، وسيقتل الزناة ، وسيرجم كل من يقود سيارته يوم السبت ، وسيتم القضاء على الوثنية المسيحية "
من كتاب البنقية وغصن الزيتون لدفيد هيرست ص54 "
ونظرا لمعرفة إسرائيل بخطر هذه الأصولية ، فإنهم يتجاهلونها ويغضون النظر ويتجاهلون أحياء ومناطق سكن الأصوليين في إسرائيل ولا يرحبون بالسائحين إذا أرادوا زيارتها ، فأحياء هارنوف ومائة شعاريم في القدس وحي بني براك في تل أبيب نموذج صارخ للتفرقة العنصرية وانتهاك كل أنواع الديموقراطيات ، ففي يوم السبت تمارس أبشع العنصريات ضد من يخرقون السبت ويسافرون بسياراتهم حتى ولو كان ذلك للعلاج ، فترمى السيارات بالحجارة ، أما عن قمع الحريات فحدث ولا حرج ، فللحريديم صحافتهم الخاصة ، ولا تدخل الصحف الإسرائيلية العلمانية ولا توزع في الأحياء الثلاثة ، فللحريديم صحفهم وطريقة حياتهم حتى أنهم يتحكمون في شكل الأفراح والحفلات التي تجري في أحيائهم ويحددون عددا من الزائرين والمحتفلين في كل احتفال ،لا يتجاوزونهم .
ونجحت إسرائيل في دحر هذه الصورة القاتمة والتركيز على الصورة الأخرى صورة إسرائيل بإذاعاتها وقنوات بثها المتحررة ، إسرائيل التي تشجع السياحة العالمية ، وتمارس كل أنماط الحريات !
هذه إذن الصورة [ المشرقة] التي تريدها إسرائيل ، على الرغم من أن نسبة اليساريين والمتحررين آخذة في التناقص ، ونسبة [ التائبين] من العلمانيين ممن يعودون إلى حظيرة الدين كما يسميهم الحريديم تزداد يوما بعد يوم ، فقد انصاع جيش الدفاع الإسرائيلي لفتاوى الحريديم وأصبح حاخامات التطرف هم المسيطرين على كثير من كتائب الجيش ، وأصبح الجنود ينفذون وصاياهم ، فقد أحل كثيرٌ من حاخاماتهم سرقة الزيتون الفلسطيني ، وأحلوا قتل ومطاردة وهدم بيوت عائلات الفلسطينيين الذين ينفذون العمليات في إسرائيل ، كما أن هناك دعوات كثيرة من الحاخامات تدعو الجنود أن يلفوا أجساد المقاتلين الفلسطينيين القتلى بجلود الخنازير حتى لا يدخلوا الجنة كما يعتقدون !
كتاب الصراع في إسرائيل لتوفيق أبو شومر 295
أما عن مصادرة الأراضي الفلسطينية فقد جعلوها أساسا لعقيدتهم كما هو الحال في تنظيم غوش إيمونيم ويشع الاستيطانية ! وما مشروع بناء جدار الفصل العنصري الكبير سوى تأثيرٍ مباشر من تأثيرات الحريديم الذين غيروا شعارهم من [ دولة لليهود ] إلى [ دولة اليهود] لا غير ، وليس الجدار سوى خطوة في هذا الطريق ترمي لترحيل المليون وربع المليون من الفلسطينيين الصامدين في أرضهم منذ عام 1948 خارج الدولة اليهودية النقية .
أما عن الركن الثالث الذي تسعى إسرائيل لترسيخه في أذهان العالم حتى تحافظ على أكذوبة " إسرائيل هي الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق " فهو يقوم على أساسين :
الأول : تشجيع الممارسات غير الديموقراطية عند الفلسطينيين بوسائل عديدة أهمها :
جعل الاقتصاد الفلسطيني تابعا من توابع الاقتصاد الإسرائيلي ، فقد حافظ الإسرائيليون على تقليد قديم يصب في هذا المجرى ، وهو حظر تأسيس بنية اقتصادية فلسطينية مستقلة ، وجعل الاقتصاد الفلسطيني [ خادما] للاقتصاد الإسرائيلي مما يحول دون بناء المؤسسات والشركات المستقلة التي تساعد على بناء الديموقراطية ، ومن هنا فقد عززت إسرائيل إبقاء الأراضي الفلسطينية سلة الخضروات لإسرائيل منذ أمد طويل ، مع إبقاء التصدير والاستيراد بيد الإسرائيليين واحتكاره ، وعملت إسرائيل على إنهاك التربة الفلسطينية واستنزاف مائها لمصلحة الاستهلاك الإسرائيلي ، وظلت تحتفظ بخبرتها في إنتاج الزراعات المتطورة التي تغني ميزان المدفوعات الإسرائيلي ، وضنتْ على الفلسطينيين بالخبرات اللازمة لتطوير أرضهم ، وحافظت إسرائيل على إبقاء الأراضي الفلسطينية سوقا [ لنفايات] بضائعها .
وهذا جعل الفلسطينيين يسيرون وهم يتكئون على العصا الإسرائيلية ، فما إن تُغلق إسرائيل حدودها حتى ينهار السوق الفلسطيني ، وترتد آثار الانهيار على مستوى الديموقراطية والحرية في فلسطين!
أما عن أخطر ممارسات إسرائيل غير الديموقراطية في فلسطين ، والتي نحتاج إلى سنوات طويلة لإزاله آثار هذا الخطر المدمر وهو مواظبتها على إفساد النظام التعليمي والتربوي ، وتعيين ضابط ركن عسكري إسرائيلي ليشرف على هذا النظام .
وهذا يحتاج في حد ذاته إلى بحث مستقل يحلل أسباب انصراف ابنائنا عن التعليم ، بعد أن فتحت إسرائيل أبوابها لعمل الأطفال والشبان الفلسطينيين بقصدٍ وخطة مسبقة في داخل إسرائيل ليتسربوا من مدارسهم ومعاهدهم على الرغم من أن القوانين الإسرائيلية تحظر تشغيل الأطفال والشباب الإسرائيليين ممن هم دون الثامنة عشرة في أي عمل من الأعمال ، مضافا إلى ذلك تحكمها في المناهج التربوية وإزالة ما تعتقد أنه يسيء إلى أمنها ، وتعيين المدرسين الذين ترضى عنهم السلطات الإسرائيلية ، وإتاحة الفرصة لتخريب الشهادة الثانوية بواسطة الغش ، ومتابعة التخريب في الجامعات والمعاهد وظللنا نعاني من تخريب اليوم الدراسي حتى الآن ،
ومن أخطر الممارسات الإسرائيلية كذلك مطاردة أبنائنا المتفوقين والمبدعين وتهجيرهم بقصد وخطة حتى يظل الوطن فارغا من العقول ، وكذلك سجن الآلاف من أبنائنا في السجون الإسرائيلية وممارسة التعذيب بحقهم ووضع الخطط النفسية وإخضاعهم للأبحاث والدراسات حتى يقوم كثير منهم بمحاكاة دور المحتل وسط أبناء شعبهم ، مما يفسد البنية الرئيسة للديموقراطية في المجتمع الفلسطيني .
وبالإضافة إلى ما سبق فإن الدولة [ الديموقراطية] الإسرائيلية! ظلت مواظبة على إفقار شعبنا وتجويعة بواسطة فرض حظر التجول ومنع كل أبواب الرزق واحتكار تصاريح العمل وكل ذلك حتى لا يتعلم أبناؤتنا الديموقراطية ، وليبقوا مشغولين بتأمين لقمة خبزهم !
ولا يجب أن ننسى بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي أدركت منذ اليوم الأول لاحتلالها للأرض الفلسطينية ، بأن تحظر استيراد المكونات الديموقراطية ،وتتمثل هذه المكونات الديموقراطية في الثقافة بمفهومها الشامل ،الذي يضم الفنون بمختلف أشكالها ، فقامت إسرائيل منذ بداية الاحتلال بمطاردة [ الكتاب] الثقافي واعتبرته محرضا ودليل اتهام ،لذلك فقد اعتقلت كثيرين وزجتهم في السجون سنوات بسبب كتاب (مشبوه)، لذلك فقد اعتاد الفلسطينيون أن ينظروا للكتب نظرة ريبة ، ومنعت إسرائيل تأسيس المجلات والجرائد إلا إذا التزم أصحابها بالقوانين الاحتلالية التركية وقوانين جيش الدفاع التي تنص على إخضاع كل المواد للرقيب .
ومن المعروف أن الكتب والصحف مسؤولة عن تأسيس البنية الأولى للديموقراطية ، وحظرت الفنون بمختلف أشكالها وأنواعها لأنها تساعد على التمرد والمطالبة بالحريات الديموقراطية .
وإذا أضفنا إلى ما سبق تقصير الفلسطينيين في وضع استرايجيات نضالية لبناء الوطن ، فإننا نكون قد وصلنا إلى المخطط الإسرائيلي الرامي إلى إبعاد الفلسطينيين عن الديموقراطية .
وللحقيقة فإننا نسجل بأن البرنامج النضالي الفلسطيني كان مقصرا في وضع أسس بناء وطن فلسطيني ، فقد اقتصرت برامج الأحزاب والتيارات الفلسطينية على أمر واحد فقط وهو [ النضال العسكري] فانشغلت الأحزاب والتيارات والكتل بتأسيس فئة من المناضلين الحربيين أكثر من انشغالها بتأسيس بناء الوطن الفلسطيني ، فلا نرى في برامج كثير من الأحزاب القوانين الاقتصادية ، أو البرامج التعليمية ، أو حاجة المجتمع الفلسطيني من القوانين التي تعزز الديموقراطية . ولم تشتغل كثير من الأحزاب الفلسطينية في مجالات التثقيف الأساسية للأجيال الفلسطينية ، بل إن بعض الأحزاب كانت تفضل أن تظل الأجيال الفلسطينية في مستوى ثقافي متدنٍ حتى تسهل السيطرة عليهم لينفذوا البرامج الحزبية التي تهدف في نهاية الأمر إلى [ السيطرة] على الوطن مع عدم قدرة تلك الأحزاب على إبداع آليات لتلك السيطرة .
وليس من قبيل المبالغة القول بأن نتائج هذا التقصير جعل بعض الأحزاب تتحول إلى ميليشيات مسلحة ، أو مجموعات من المنتفعين على حساب الوطن ، وما سبق هو الذي أوصلنا إلى المأزق الراهن .

أما عن الركن الثالث الذي اعتمدته إسرائيل لكي تظل هي [ واحة] الديموقراطية في الشرق الأوسط بلا منازع كان يتمثل في تعزيز عدم وجود الديموقراطية في العالم العربي وتعزيز [ الديكتاتوريات] العربية ، والمحافظة على [ الشائعة] التي تقول : " الوطن العربي والديموقراطية قطبان متنافران "
فاستعملت إسرائيل مخزوناتها من [الأسلحة] الإعلامية لتنفيذ تلك الغاية ، وخصصت برامجها الإعلامية لترسيخ هذه الخطة.
فشنت أولا حربا على دعاة القومية العربية ، وتمكنت بوسائلها من المساهمة في إفساد الوحدة العربية ، وجندت لأجل ذلك عملاءها ومواردها لكي تحافظ على صورتها الديموقراطية بوسيلة رخيصة ، وهي إظهار استحالة وجود الديموقراطية بين أمة العرب لهدف إبقاء صورة الديموقراطية في إسرائيل وحدها ، مع أن الديموقراطية كلٌ متكامل ونظامٌ حياتي شامل .
وعمدت إسرائيل كذلك إلى شغل الساحة العربية بأحداث تتنافى والديموقراطية ، كاغتيال السفير البريطاني في مصر في الأربعينيات من القرن الماضي 1943وهو اللورد موين، وكان الهدف إظهار العرب كأمة إرهابية ، وقد كشف الستار بأن منظمة شتيرن الإرهابية هي التي قامت بتصفيته .
وحاول عملاء إسرائيل أيضا الاعتداء على سفارة أمريكا في مصر لهدف إقناع العالم بأن مصر بلد غير آمن وغير ديموقراطي !
وما أكثر الحوادث التي جرت من أجل الغرض السابق .
وتمكنت إسرائيل خلال القرن الماضي من إقناع أكثر دول العالم بأن حروبها ضد العالم العرب حروب مبررة ، وذلك لأن تلك الحروب تجيء في إطار رد إسرائيل الديموقراطية على العرب غير الديموقراطيين ، مع أن المؤرخين الجدد في إسرائيل وعلى رأسهم آفي شلايم وإيلان بابيه وسمحا فلابان قالوا بأن كل حروب إسرائيل ضد العرب لم تكن شرارتها الأولى عربية ، بل هي إسرائيلية.
وقد وصل الأمر بأن إسرائيل نجحت في جعل طردها للسكان الفلسطينيين عام 1948 وطمس قرار التقسيم مُبرَّرا أتى ردا على تحدي الجيوش العربية لوجودها كدولة ديموقراطية ، وأنست العالم أجمع ممارسات المنظمات الإرهابية شتيرن وليحي والهاغاناه ، حتى أنها كرمت زعماء تلك العصابات بأن جعلتهم رؤساء وزارات كشامير ومناحم بيغن وشارون وغيرهم وظلت تحتفظ بصورتها كدولة ديموقراطية وحيدة في الشرق الأوسط .
وكانت إسرائيل تسعى أيضا لتهجير اليهود من البلاد العربية وفق خطتها السابقة لتبرز للعالم بأنها الحاضنة الرئيسة للديموقراطية في الشرق الأوسط كله ، ولم تدرك كثير من الدول العربية عاقبة هذا الأمر مع أن كثيرا من المهاجرين اليهود أنفسهم ممن غُرر بهم وهاجروا من البلاد العربية أدركوا زيف الادعاء الإسرائيلي بأن البلاد العربية كانت غير ديموقراطية ، وقد أشار إلى ذلك آرية درعي زعيم شاس السابق الذي ظل يشيد بديموقراطية العرب في المغرب حيث كان يعيش ، وكان ثمن صدقه أنه سجن مدة عامين .
ولم يتمكن كثير من العرب من الرد على الادعاءات الصهيونية بأن اليهود كانوا يتعرضون للقمع في بلاد العرب ، ولم يستطيعوا حتى كشف التفجيرات الغامضة التي حدثت في كنائس اليهود في العراق في بداية تأسيس إسرائيل ، وقد كشف كتابٌ إسرائيليون يساريون بأن هذه التفجيرات نفذها الإسرائيليون أنفسهم لهدف دفع اليهود للهجرة من العراق وفق نظرية هرتسل الذي قال قبل تأسيس المنظمة الصهيونية :
" لو كنت أملك أن أُطارد اليهود في كل مكان يسكنونه بصفتي غير يهودي لطاردتهم قائلا : " أيها اليهود القذرون اغربوا عن وجوهنا عودوا إلى وطنكم القدس "!!

وخلاصة القول بأن إسرائيل ظلت تمثل أكبر عقبة في طريق الديموقراطية في الشرق الأوسط كلة وذلك للأسباب الآتية:
بقي العرب كلهم خلال القرن الماضي مشغولين بتقوية أنفسهم عسكريا ، خوفا من إسرائيل مما عطّل كل الخطط التي كانت ترمي إلى بناء المؤسسات الديموقراطية ، بل إن بعض الدول العربية اعتبرت المؤسسات الأهلية خلايا جاسوسية في العالم العربي ، تقف وراءها إسرائيل ، وليس من قبيل المبالغة القول بأن إسرائيل كانت ترمي إلى تعزيز بعض الأنظمة الديكتاتورية والقمعية في العالم العربي للمحافظة على فرادة صورتها الديموقراطية .
لم يتمكن العرب والفلسطينيون من وضع الخطط للتعامل مع المخططات الإسرائيلية كجبهة واحدة مشتركة ، فقد تمكنت إسرائيل من اللعب بين الطرفين الفلسطيني والعربي ، فانشغل كثير من الفلسطينيين في لوم العرب وتقصيرهم في حق القضية الفلسطينية ، حتى أن معظم الفلسطينيين ما يزالون يعتقدون بأن سبب ضياع فلسطين يعود إلى العرب أنفسهم وتدخلهم في الشأن الفلسطيني . وقام كثير من الفلسطينيين بتقسيم العرب إلى فئات وطوائف وجماعات ، فهناك عرب تقدميون ، وآخرون رجعيون ، وعرب متحضرون وآخرون متخلفون ، وهناك دول الممانعة والرفض ، ودول المطاوعة والموافقة ، ووصل الأمر إلى اعتبار بعض الدول العرب دولا عميلة للكيان الصهيوني تنفذ خططه !
وإلى جانب ذلك بقي كثيرٌ من العرب مؤمنين بأن ما حدث للفلسطينيين إن هو إلا ناتج عن تهاونهم في حق وطنهم ، فهم قد [ باعوا] أرضهم لليهود وأخذوا ثمنها ، وهم فاسقون فاسدون يستحقون ما حل بهم من كوارث ومصائب لتهاونهم في أمر دينهم ودنياهم !
وظل السجال بين الطرفين قائما حتى اليوم ، ولم يتمكنوا من الخروج منه إلى أفق جديد وخطة جديدة ، ترسي قواعد للتعاون بين الطرفين على أسس مستقبلية ، تضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني .
وكما أسلفت سابقا لم يتمكن الفلسطينيون من توظيف نضالهم المشروع لإنجاز مشروع ديموقراطي فلسطيني بإجماع فلسطيني ، فقد ظلت فكرة الدولة الفلسطينية الديموقراطية حبيسة الأطر الحزبية الفلسطينية ، وظللنا عاجزين عن تسويق فكرتنا عالميا بالوسائل الإعلامية الحديثة !
ولم نفلح في إبعاد قضيتنا الفلسطينية عن تهمة الإرهاب ، ولم نتمكن من وضع أسس النضال الفلسطيني وقواعده حتى لا يختلط نضالنا بالإرهاب العالمي ، وحتى نحافظ على الصبغة الديموقراطية لنضالنا الفلسطيني المشروع .
وأخيرا يمكننا أن نقول بأن إسرائيل بتوجهاتها العسكرية أكبر مهددات الديموقراطية في الشرق الأوسط ، فهي بؤرة التوتر والنزاع الدائمة في هذا الشرق ، وهي التي تقوم بقتل كل بذور الديموقراطية التي يمكن أن تنمو في هذا الشرق ، بخطط مدروسة وسياسة متقنة يقوم على تنفيذها مجموعُ الخبرات الإسرائيلية المتعددة والكفؤة والمتجددة ، وفق خطة مدروسة ومحكمة .
وإذا نجحنا في إقناع العالم بأن إسرائيل هي جدار الفصل بين الشرق الأوسط والديموقراطية فإننا نكون قد وضعنا أقدامنا على أول درجات الخطة الفلسطينية والعربية إن وُجدت الرغبة في وضع هذه الخطة !!
غزة



#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إسرائيل أكبر مهددة للديموقراطية في الشرق الأوسط
- أوهام السلام الإسرائيلي
- انتهاك الديموقراطية في فلسطين
- اغتيال النشء الفلسطيني
- العملاء واغتيال الروح الفلسطينية
- رسالة من غزة إلى حفيدي
- رسالة إلى حفيدي
- الغيرة وما أدراك ؟!!
- هل هناك مؤامرة على الترجمةإلى اللغة العربية ؟
- من فنون اللجوء الفلسطيني
- عجائب ثقافية
- بلاد الفرز ... والحراسات
- ابتسم .. أنت في غزة
- وجادلهم ..... بالمتفجرات
- علاقة الأحزاب الفلسطينية بمنظمات المجتمع المدني
- هل الإحباط مرض عربيٌ ؟
- هل أنظمة الاختبارات التقليدية إرهاب ؟
- المرأة بين الحقيقة والخيال
- المبدعون قرون استشعار
- إحراق الكتب في فلسطين


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - توفيق أبو شومر - إسرائيل أكبر مهدد للديموقراطية في الشرق الأوسط !