أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - سامر سليمان - دعوة للحوار















المزيد.....



دعوة للحوار


سامر سليمان

الحوار المتمدن-العدد: 601 - 2003 / 9 / 24 - 01:56
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


 

     لن نختلف كثيراً على أن المرحلة السياسية الراهنة تتطلب إجراء حواراً واسعاً بين كل من يهتم بالشأن العام من أجل الإجابة على سؤال ما العمل الآن. موضع الخلاف يكمن بالأحرى في مع من نتحاور، كيف نتحاور، وعما نتحاور. نحن مجموعة من اليساريين المهتمين بالشأن العام. لن نذهب أكثر من ذلك في توصيف أنفسنا. نحن يساريين بالمعنى الواسع والفضفاض للكلمة. لا نعرف ما نشترك فيه وما نختلف حوله بدقة. ولكن نعلم بكل تأكيد أننا من أنصار النظام الديمقراطي، من المتشيعين لتنمية العدالة في توزيع ثروات المجتمع، ومن المدافعين بقوة عن العلمانية وعن شرف الإنسان. نحن نشترك في هذه الميول، ولكننا نتقاسم نقطة أخرى تميزنا عن يساريين أخرين وهي أننا لا ننتمي إلى أي أحزاب أو تنظيمات سياسية. نحن نعمل بالسياسة بالمعنى الواسع للكلمة ولكننا لم نجد أنفسنا في أي من الأشكال الموجودة، لذلك نحن نقف خارجها ونسأل أنفسنا ما العمل؟ هذا ما يميزنا عن بقية اليساريين. نحن نمثل الأغلبية العظمى لليسار، ولكننا لا نبدو على السطح كثيراً لأننا مجموعة أفراد مبعثرين. إننا الأغلبية الصامتة كما يقولون. وكما هو الحال تكون الأقلية المنظمة دائماً هي الأعلى صوتاً. كيف يمكن لنا، نحن الأغلبية الصامتة، أن نكف عن الصمت لكي نتكلم؟ هذا هو السؤال.
   الأغلبية الصامتة ليست كياناً متجانساً ولكنها زاخرة بالتيارات والمشارب المختلفة. نقطة البداية إذن هي أن نعرف ما نتفق عليه وما نختلف حوله, ولكن وقبل كل شئ أن نتعرف على ما نجهله وعلى ما لا نجد إجابة واضحة وشافية عليه. هذا أيضاً ما يميزنا عن اليساريين المنتمين إلى أحزاب وتنظيمات: نحن نعترف أننا لا نمتلك برنامجاً سياسياً، وأننا لا نعرف الطريق الأصوب لتحقيق الأهداف والمبادئ العامة التي نتفق عليها. وهذه هي نقطة قوتنا الرئيسية: اعترافنا بضعفنا وتقبلنا لفكرة أننا نحمل أسئلة أكثر مما نمتلك إجابات. وهذا طبيعي جداً في إطار المرحلة الإنتقالية التي نعيشها. وهنا تكمن الإجابة على سؤال ما العمل؟ العمل هو تقليص عدد الأسئلة وتنمية عدد الإجابات. كلنا يفعل ذلك بشكل أو بأخر، بدرجة أو بأخرى، ولكنه يفعل ذلك منفرداً أو مع دائرته الضيقة. ولكن ماذا لو فعلنا ذلك بشكل جماعي؟ ماذا لو اشتركنا في طرح الأسئلة وفي الإجابة عليها؟ من المؤكد أننا سوف نخرج من هذه المرحلة الانتقالية أكثر استعداداً للمشاركة في التغيير الاجتماعي وفي تحقيق الأهداف العامة التي نأمل أن تعرفها مصر في أقصر وقت ممكن. إن تطور الفكر والعمل يأتي دائما بالحوار وبالجدل.
مع من نتحاور؟
      إذن الهدف من الحوار مع الأخر ليس إقناعه برأي ما، ولكن الهدف هو التعرف على رأيه والاشتراك معه في محاولة الرد على الأسئلة الصعبة المطروحة. ولكي يتحقق هذا الهدف يجب البحث عن أفضل شروط للحوار، لكي يكون الحوار ممتعاً ومجدياً، لكي يخرج كل منا من الحوار وهو يشعر أنه قد أضاف لنفسه وللآخرين بعض الإجابات. وهذا بحيلنا إلى سؤال أساسي هو مع من نتحاور؟ لن يكون الحوار مفيداً إذا كان أحد أطراف الحوار ليس داخلاً فيه من الأصل، إذا كان قد أتى ليس للحوار ولكن لإقناع الطرف الأخر برأيه. لذلك فالحوار يجب أن يكون بين أطراف تسمح لأفكار جديدة أن تدخل في منظومتها الفكرية، لأطراف تتميز بالتواضع الذي يتيح لها تقبل فكر جديد بدون حساسية. إذن الحوار لن يكون مجدياً إذا اشتركت فيه أطراف تدعي الحكمة، لأنها سوف تنقل العدوى إلى الآخرين.فليس هناك من يحب أن يعترف بمحدودية فكره في مواجهة من يعتقد في نفسه الحكمة. يجب أن نشجع أنفسنا على الحرية الفكرية والمغامرة النظرية مع أناس يمارسون ذلك. أي أننا مرحبين بالحوار مع كافة الأطراف، داخل وخارج اليسار، شرطنا الوحيد هو أن يكون الحوار مع أطراف تتميز بالمرونة الفكرية وباحترام آداب النقاش. وفي هذا السياق نتمنى أن ننجح في بث روح جديدة في النقاش ما بين قوى اليسار المختلفة لأن طريقة الحوار السائدة الآن تصيبنا بالضيق، بما تحتويه من اتهامات شخصية وأخلاقية أكثر منها سياسية.
عما نتحاور؟
     المواضيع التي تستحق الحوار متعددة ولكن من المرجح أن الأغلبية العظمى، بحكم تكوينها الفكري، تعتقد أن السؤال الأساسي الذي يجب جميع الأسئلة هو: ما العمل لكي نصنع من مصر مجتمعاً يعترف بالحرية، يتقبل الديمقراطية ويحترم شرف الإنسان. لسنا الوحيدين الذين نطرح سؤال ما العمل. ولكن يمكن أن نكون الوحيدين في طريقة الإجابة عليه. الطريقة هي معرفة الواقع المصري بكل أمانة وشجاعة لاكتشاف إمكانياته وحدوده.    يجب أن نتكشف الإمكانيات الكامنة في المجتمع المصري لكي نحققها، ولكن يجب أيضاً أن نتبين أيضاً حدوده في اللحظة الراهنة كي لا نضيع الوقت والجهد في معارك خاسرة.
الكثيرون يتحدثون عن الإمكانيات ولكن القليلون يذكرون الحدود. لماذا؟ هل لأن الإمكانيات كثيرة والحدود قليلة؟ بالطبع لا. الكل يتجنب الحديث عن الحدود لأن ذلك مسكوت عنه، لأنه تابو، لأنه ليس من السهل على المرء مواجهة اتهامات التخاذل والضعف التي سيطلقها من يعتقدون أنهم يملكون برنامجاً للتغيير في مواجهة من يقول أنه لا يشعر بأن إمكانيات الواقع المصري هائلة، كل من لا يعتقد أن الواقع جاهز للتغيير ولكن كل ما ينقصه هو التنظيم، وفقط التنظيم. إننا لسنا من عبدة التنظيمات، وهذا ما يميزنا عن بعض رفاقنا.
     إذن فنقطة الانطلاق هي معرفة الواقع المصري بإمكانياته وحدوده. هناك مقولة شائعة عن اليسار المصري تصنفه كمجموعة من المثقفين المهتمين بالعمل الفكري أكثر من العمل السياسي المباشر. وهذه المقولة خاطئة من الأساس. الإنتاج الفكري لليسار المصري نادر جداً. كم كتاب يساري صدر عن آليات عمل النظام السياسي المصري؟ صفر. كم كتاب يساري ظهر عن تطور الرأسمالية المصرية في السنوات الأخيرة؟ قليل جداً. كم دراسة يسارية صدرت عن تجربة التنظيمات اليسارية الحديثة؟ نادر. كيف يمكن لنا إذن العمل في ظل واقع نجهله؟ إن الخطاب اليساري المصري هو في معظمه خطاب مستورد من الخارج وتم تمصيره. ومن العجيب حقاً أن الخطاب المستورد لم يحقق نجاحاً يذكر في مجتمعاته. إذا كان ولابد من الاستيراد فلماذا لا نستورد المنتجات الجيدة التي حققت نجاحاً في سوقها المحلي؟ وإذا كانت نقطة البداية هي الانطلاق من الواقع المصري فهذا يعني بالتحديد أن المرحلة ليست مرحلة تنظيم ولكنها مرحلة اكتشاف وفهم وتحليل. ولكن هناك نقطتان تحتاجان إلى الإيضاح لقطع الطريق على أي لبس.
      أولا: قضية الحزب والتنظيم يجب أن تظل في قلب اهتماماتنا, ولكن ليس بمنطق بناء تنظيم، فلن نفيد مصر شيئاً إذا أضفنا لها حزباً أو تنظيماً جديداً ينضم إلى قائمة المؤسسات العاجزة التي تزخر بها. ولكن يجب أن نعالج مسألة التنظيم كموضوع للفهم والتحليل. معظمنا كان في أشكال سياسية وخرج منها. لماذا؟ يجب أن نجيب على السؤال الأتي: لماذا لا نجد أنفسنا في الأشكال السياسية الموجودة؟ لماذا لم ننضم لحزب التجمع؟ لماذا لا ننضم للأشكال السياسية القائمة، العلنية والسرية؟ لماذا فشلت كل التجارب التنظيمية في مصر؟ كلنا تحدثنا في ذلك بشكل أو بأخر، ولكن معظم ما قلناه في ذلك لم يتجاوز كثيراً النميمة على المقاهي.
      ثانياً: نحن لا نرفض فكر ما باعتباره مستورد، فنحن مع استيراد الأفكار، ولكن الأفكار الناجحة فقط. ونحن مع استيراد الأفكار، ولكن مع تعدد مصادرها. التجارب السياسية المهمة التي من الممكن الاستفادة منها منتشرة في كل قارات العالم وليس فقط في القارة الأوروبية التي نصوب لها أنظارنا دائماً. التطلع لفهم خبرات الحركات السياسية في مجتمعات مختلفة وليس في أوروبا فقط. هذا ما يميزنا عن معظم الرفاق اليساريين.
كيف نتحاور؟
     من الواضح أننا في مرحلة بدائية لا يزال فيها عددنا قليل. وهذا يعني أن التعامل المباشر، بالكلمة المنطوقة والمكتوبة، هو أفضل وسائط الحوار في هذه المرحلة. ولكن إذا أنعم علينا الواقع بأعداد متزايدة سوف يكون علينا أن نعتمد على وسائل أكثر تعقيداً للحوار، كأن نؤسس مجلة أو دورية على سبيل المثال، أو أن ننشئ موقعاً على الانترنت. هذا عن الحوار الداخلي بين بعضنا البعض. ولكن إذا شعرنا في لحظة ما أن هذه الحوارات يمكن أن تضيف شيئاً للمجتمع الواسع، إذا نجح حوارنا في أن يطرح أسئلة جديدة أو أن يجيب عن أسئلة قديمة فهنا لابد وأن نتوجه للمجتمع الواسع بما توصلنا إليه. ولكن قبل ذلك ليس من الحكمة في شئ تأسيس مطبوعة لا تضيف أي قيمة للحوار المجتمعي.
محاور للنقاش:
       سوف نبدأ هنا بعرض بعض الأفكار حول ثلاثة قضايا هامة نعتقد أنها تصلح لأن تكون نقطة الانطلاق في الحوار الذي ندعو إليه. القضية الأولي تتعلق بالتوازن المفقود بين الاهتمام بالقضايا الداخلية والسياسة الخارجية والقضية الثانية تتعلق بالمشاركة في قضية التنمية وليس فقط انتظار انهيار النظام الرأسمالي والقضية الثالثة هي السلطة السياسية والتفرقة بين الحكومة والدولة.
في العلاقة بين السياسة الداخلية والخارجية: مصر أولاً!
نحن ننطلق من هاجس أساسي نستشعره منذ تنامي الحركة المناهضة للغزو الأمريكي للعراق، بل وقبل ذلك. هذا الهاجس استشعرناه أيضاً مع الهجمات البربرية على نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر لسنة 2001. نحن نشعر بالقلق من نمو اتجاهاً قومجياً وشعبوياً في الحركة اليسارية. لن نذيع سراً إذا قلنا أن بعض الرفاق احتفوا بالهجوم الهمجي
على نيويورك. ولن نضيف شيئاً إذا ذكرنا أن البعض وصل إلى القول بأن أسامة بن لادن
معاد للإمبريالية! نعم، لقد كان المزاج الشعبي العام متعاطفاً بشدة مع العمليات التي قام بها ابن لادن. ولكن هذا لا يبرر على الإطلاق أن يهادن اليسار مثل هذا المنهج السياسي الانتحاري الرجعي. إذا كنا نقف موقف العداء للديكتاتورية المحلية وللإمبريالية الأمريكية فإننا لا يجب أن نهادن بأي حال من الأحوال الرجعيات القوموية والدينية. وفي هذا الإطار نحن لا نفهم كيف تخرج مظاهرات تندد بالإمبريالية الأمريكية ولا تندد بصدام حسين؟ ماذا كان المطلوب منا؟ أن نجهض الغزو الأمريكي للعراق ثم ينعم صدام حسين بحكم العراق هو وأبناءه لعدة عقود أخرى. إن هناك خطوطاً حمراء من المبادئ السياسية لا يجب الحيدة عنها من أجل اعتبارات التكتيك السياسي القصير الأجل. ثم ماذا كانت نتيجة المرونة السياسية التي جعلتنا نضحي بنقدنا الجذري لنظام صدام حسين من أجل العمل المشترك مع القوميين؟ ماذا كانت النتيجة؟ النتيجة كانت، وكما كان متوقعا،ً هزيمة نكراء لصدام حسين وخسارة مؤكدة للتيارات القومية.
     لقد دأبت الأجيال الجديدة من الماركسيين على النقد القاسي للأجيال السابقة التي انتهت بالانضواء في المشروع القومي الناصري وتخلت عن مشروعها المستقل. إننا نعيد إنتاج هذا الخطاً الفادح ولكن بدون العذر القوي الذي تلفحت به الأجيال السابقة: لقد عملت هذه الأجيال في ظل مد وصعود قومي جارف كان من الصعب مقاومته. ولذلك فمن الممكن استماحة بعض العذر لهذه الأجيال إذا تحلينا بقدر ما من التسامح. ولكن كيف نستميح العذر لأنفسنا الآن ونحن نهادن النزعة القوموية في ظل الإفلاس التام للتيار القومي وانصراف "الجماهير" عنه. كيف لم نشعر بالقلق الشديد ونحن نجد أنفسنا في نفس المظاهرة مع أناس على شاكلة مصطفي بكري؟ مع أناس لم يعد لهم أي حياء يمنعهم من القول على صفحات جرائدهم بأن صدام حسين هو القائد العربي الوحيد الذي نزل وسط شعبه!! فلنقلها بصراحة وبدون مراوغة: إن التيار الذي استلم البلد الوحيد في العالم العربي الذي يمتلك كل الموارد تقريباً، النفط والماء وكفاءات علمية وتقنية ماهرة، وذهب به إلى الجحيم لا يستحق منا أي مهادنة. إنه تيار أكثر خطورة وتدميراً من الديكتاتورية التي تحكمنا.
     نعم كان المزاج العام لقطاعات واسعة من الشعب المصري قومياً في أثناء العدوان على العراق. ولكن منذ متى ونحن نترك أنفسنا لكي ننقاد للنزعات السائدة؟ إن هناك مساحة
كبيرة بين عدم التعالي على "الجماهير" وتفهم حالتها المزاجية وبين الانقياد لاندفاعاتها اللحظية. أضف إلى ذلك أن قطاعات أخرى من "الجماهير" لم تبد حماسة كبيرة للالتحاق بخط "بالروح بالدم نفديك يا عراق". لم نسمع عن مظاهرة واحدة خرجت من مصنع أو من حقل تندد بالعدوان الأمريكي. كانت المظاهرات دائماً منحصرة أما في الجامعة، أو في الأزهر أو في ميدان التحرير. أي أنها كانت محصورة في الطبقة الوسطى. ليس هناك أي عيب في التوجه للطبقة الوسطى ولكن هناك مشكلة كبيرة في نزعة المزايدة التي سرنا فيها حتى نكسب أفئدة القطاعات القوموية من هذه الطبقة. لقد وصل بنا الحال إلى رفع شعارات من نوع "اللي هايضرب في العراق، بكرة هايضرب في الوراق". ولكن وكما كان متوقعاً لم يصدق أحد من سكان الوراق أنهم في نفس المعركة مع العراق. وبعد أن جفت حلوقنا من ترديد "بالروح بالدم نفديك يا عراق" عاد كل واحد إلى منزله لينام قرير العين! ليس لليسار أن يطرح شعارات تتميز بالمبالغة والمزايدة. نحن ننتظر من الذي يقول أنه سوف يفدي العراق بالروح وبالدم أن يذهب للدفاع عن العراق, وليس أقل من ذلك.
     المسألة ليست خلافاً حول التفاصيل، أو حول الشعارات التي يجب أن تقال. المسألة أعمق من ذلك بكثير، إنها تتعلق بالأوليات التي يجب أن نضعها على أجندة اليسار والتي سوف ترتب بالضرورة تحالفتنا السياسية وطريقة عملنا. يجب أن تكف القضايا القومية عن أن تكون محور حركتنا. يجب أن يعيد اليسار التوازن المفقود بين اهتمامه بقضايا السياسة الداخلية والسياسة الخارجية. ليس من الطبيعي أن يخرج المصريون إلى الشارع للدفاع عن
العراق وعن فلسطين ولا يخرجون بنفس القوة للدفاع عن حقهم في لقمة العيش، وفي الكرامة وفي الحرية. لقد خرج الناس في أماكن كثيرة في العالم للتضامن مع العراق ومع فلسطين، وكان ذلك تعبيراً عن روح تعاطف أممي ليس بوسعنا إلا الانحناء لها. ولكنهم حينما خرجوا للتضامن مع الشعوب الأخرى لم ينسوا قط أن يتضامنوا مع أنفسهم، لم يتقاعسوا عن أن يخرجوا للدفاع عن حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. يجب أن نخرج للدفاع عن فلسطين والعراق بنفس الروح، بروح التضامن مع شعوب أخرى. بالطبع نحن معنيين أكثر بما يحدث في الشرق الأوسط باعتبارنا نعيش فيه، ولكن يجب أن يظل التعاطي مع القضايا القومية باعتبارها قضايا سياسة خارجية وليست سياسة داخلية.
 إن الأهم من نقد مركزية القضايا القومية في الحياة السياسية المصرية هو فهم مصادرها وتبين أية إمكانية موضوعية لتجاوزها. هذا موضوع معقد ويحتاج لدراسة مستفيضة، لأن القضية ليس وليدة اليوم ولكن فيها بعد تاريخي واضح.  ولكن من الأكيد أيضاً أن مركزية القضايا القومية هي صناعة محلية تحمل ختم نظامنا السياسي. هل ينكر أحد أن الإعلام الحكومي لعب دوراً هائلاً في إثارة مشاعر المصريين مع فلسطين والعراق. والدافع هنا ليس فقط "تزييف وعي الجماهير" وإلهائها عن قضياها الحقيقية. الأمر يتعلق بحرب ضروس بين عدة أجنحة أو شلل في السلطة، وهذه الحرب تدور رحاها على أرضية القضايا الوطنية، ولكن موضوعها أكبر من ذلك بكثير! ولكن لأن موضوعها لا يجب أن يظهر للعيان فيجب أن ينحصر الصياح في السجال حول الهوية والقضايا القومية بين القومجية وبين دعاة الواقعية. إنها حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل كيساريين يهدفون قبل كل شئ لتغيير الواقع المتردي الذين يعيشون فيه. أما لماذا  تقبل أطراف غير حكومية أن تنخرط في هذا الصراع فهذا يرجع أما لمصلحة أكيدة أو لحسابات خاطئة. قولوا لنا بالله عليكم ما الذي يدفع مثقفين وكتاب "مستقلين" في أن ينخرطوا في الهجوم الدامي على الصهيونية المتوحشة، وفي الدفاع المستميت عن شعبنا في فلسطين والعراق، دون أن يرفعوا أصابعهم مرة واحدة للدفاع عن شعبنا في مصر. لا شك أن القضية القومية هي المجال الأساسي للبطولات المجانية، إنها ساحة مثالية للنضال ضد الظلم والعسف بدون أن تدفع ثمناً لذلك، بل على العكس هي قضية كلها منافع، إذا لم تأت بمنافع مادية فعلى الأقل سوف تأتي بمنافع معنوية: هاجم شارون وارفع قضية ضده في المحاكم المصرية أو اصنع مسلسلاً يهاجم اليهود وسوف تكتب عنك الصحف وتدعوك القنوات التلفزيونية والفضائية للحديث عن بطولتك الاستثنائية. هذا عن أصحاب المصالح أما عن أصحاب الحسابات الخاطئة فهم دفعوا بالتأكيد ثمناً لمواقفهم القومية الراديكالية، لقد تكسرت عظامهم وتم سحلهم في الشوارع وفي الزنازين. ولكن ماذا كانت النتيجة؟ لقد نجح النظام في أن يفرض ساحة المعركة، ولكنه ترك المواقف فيها تبعاً لاجتهادات كل طرف: من الممكن أن تؤيد عرفات أو ترفضه، من المباح دعم العمليات الاستشهادية أو رفضها، ولكن المهم هو أن يظل موضوع الحوار هو القضايا الخارجية. والمسألة ليست فقط مبنية علي القسر: إذا تحدثت في قضايا داخلية سوف نكسر عظامك، الأمر فيه جانباً كبيراً من "الإقناع". لقد أعد الإعلام الحكومي و"المستقل" الناس للتفاعل مع القضايا القومية. فالناس يرون كل يوم على شاشات التليفزيون ما يحدث في فلسطين، ويبكون مع ألام هذا الشعب. لذلك إذا ذهبت للتحدث معهم في ذلك الموضوع فسوف تجد أذانا صاغية، ولكن إذا تحدثت معهم في ألام أخوتهم في مصر فالنتيجة ليست مضمونة.
 هناك أساس مادي للمحورية غير العادية للسياسة الخارجية في مصر. حينما يقول مبارك أنه يقضي سبعين من المائة من وقته "لخدمة" القضية الفلسطينية فإن ذلك لا يمكن تفسيره في إطار النزعة الإنسانية للنظام المصري. الموضوع بكل بساطة أن النخبة المصرية تعلمت منذ عصر عبد الناصر أن الاستثمار في السياسة الخارجية هو أمر مربح بالحسابات الاقتصادية البحتة. لماذا كانت مصر تحصل على أعلى النسب من المساعدات الاقتصادية في العالم منسوبة للناتج المحلي الإجمالي؟ لأن ما يحدث في مصر لا يخص مصر وحدها ولكن يمتد تأثيره على الدول العربية المجاورة. كان درس عبد الناصر هو: كلما زاد تأثير مصر الإقليمي، كلما زادت المساعدات الخارجية الممنوحة لها. لقد ذهبت الكثير من "الثوابت" الناصرية أدراج الرياح، ولكن الذي بقي بلا شك هو الاستثمار في السياسة الخارجية. لم يتراجع السادات ومبارك عن ذلك الخط ولكنهم غيروا فقط التحالفات الاستثمارية من الشرق إلى الغرب، ومن الاتحاد السوفييتي إلى الولايات المتحدة. محورية السياسة الخارجية في مصر إذن مبنية في جزء كبير منها على هذه المعادلة المادية. ولكن على ما يبدو أن هذه المعادلة قد أصابها الكثير من العطب في الفترة الأخيرة. كيف؟ لنبدأ من النهاية، كما كانت النسبة الاستثنائية للمعونات التي تحصل عليها مصر هي الدليل الأمثل على أهمية الدور المصري، فإن تدهور هذه النسبة في الفترة الأخيرة هو أيضاً الدليل الأمثل على أفول هذا الدور.

 

 

 


       أضف إلى ذلك إلى ذلك إلى أن الفوائد التي تدرها علاقات مصر الإقليمية آخذة في التدهور. أنظر على سبيل المثال إلى الانخفاض الشديد الذي لحق بنسبة تحويلات المصريين العاملين المصريين في الخارج، نتيجة لسياسات التوظيف الجديدة في الدول العربية الثرية.
      أضف إلى ذلك أيضاً أن اعتماد الحكومة على الاستدانة من الخارج قد قلت كثيراً بالمقارنة باعتمادها على الدين الداخلي الذي تخطى 250 مليار جنيه. كل ذلك يؤكد نتيجة أساسية: الاستثمار في السياسة الخارجية لم يعد يأتي بالأرباح التي كان يدرها في الماضي. ولكن لماذا لم ينعكس ذلك على الأجندة السياسية في مصر؟ ربما لأن المسألة تأخذ وقت لكى تؤتي ثمارها، لكي ترحل نخبة تربى وعيها السياسي وتفهمها لدور مصر على هذه المعادلة، لأن هذه النخبة لا تمتلك حلولاً أخرى لمحدودية الموارد المصرية التي تشل مشروعاتها في "التحديث" غير المقايضة بدور مصر الإقليمي للحصول على منافع اقتصادية. وغالباً لأن اعتبارات السياسة الداخلية، كما قلنا من قبل، تدفع بعض الأطراف إلى اللعب بقوة بورقة المسألة القومية. ولكن هذه لحظة لا يجب أن نتمسك بها.
فمن المرجح أن يصحح الواقع المادي المسألة ويدفع الوعي السياسي للنخبة صوب تقليل الانغماس في المسألة القومية. بالطبع المسألة ليست اقتصادية بحتة ولكن الأساس الاقتصادي المادي فيها هام جداً. أضف إلى ذلك ما يعرفه الجميع الآن من أن استراتيجية الولايات المتحدة تتأسس حالياً على التدخل المباشر في الشرق الأوسط أكثر من الاعتماد على وكلاء محليين. إننا نطرح هنا فرضية للنقاش وهي أن محورية السياسة الخارجية قد فقدت جزءاً من أساسها المادي بحيث أن المجال مفتوح الآن في الأجل المتوسط والطويل لإقامة علاقة متوازنة بين القضايا الداخلية والخارجية.
 لطالما اعتبر اليسار أن القضية الفلسطينية هي المدخل الأساسي الذي من خلاله يمكن التسلل للجماهير في مصر لكي نحدثها عن القضايا الطبقية وقضايا الحرية السياسية. لقد فشل هذا التكتيك، لقد فشل حتى عندما كان اليسار في فلسطين هو رأس رمح النضال الفلسطيني طوال السبعينات. والآن؟ الآن تسيطر على الساحة الفلسطينية قوتان، التيار الواقعي (عرفات وأبو مازن) والتيار الراديكالي الديني (حماس والجهاد). ليست هناك في فلسطين تيارات سياسية قوية من الممكن أن تلهمنا كيساريين. نحن نتعاطف بلا شك مع حماس والجهاد ضد الاحتلال الصهيوني بالرغم من اختلافنا الجذري معهم في كل شئ. ولكن كقوة تسعى لتحرير الإنسان المصري ليس لنا أن نعتبر أن القضية القومية هي قضيتنا
الأولى. الصراع الفلسطيني الإسرائيلي محمل برموز دينية صعب تجاوزها في ظل وعي الناس الآن. الأغلبية العظمى من المصريين تتعاطى مع المسألة من منظور ديني (صراع بين (المسلمين واليهود). من الصعب أن نستميل "الجماهير" إلى قضايا الديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان على أرضية القضية الفلسطينية والقومية. نعم يجب أن نحاول تصحيح قراءة الناس لهذا الصراع. ولكن الأهم والأكثر فاعلية هو أن نوجه أنظارهم إلى قضايا أخري تبتعد بهم عن مستنقع الصراعات الدينية التي تستخرج من نفوسهم كل ما هو بدائي ورجعي. بعبارة أخرى، ليست القضية الفلسطينية هي المدخل المناسب لكن نتحدث للناس عن الديمقراطية والتوزيع العادل لثروات المجتمع. لقد آن لنا أن ندخل في هذه الموضوعات مباشرة ودون مراوغة. ليس لنا أن نزايد على السلطة وعلى الإسلاميين في القضية القومية. ماذا عن مصر والمصريين؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن نقذفه في وجه كل من يصدعنا بالحديث عن القضايا القومية. ماذا تريد لمصر؟ ما هو مشروعك لكن يتحرر الشعب المصري من الفقر ومن الديكتاتورية؟ الطريق إلى الحرية في مصر لا يمر عبر فلسطين والعراق، ولكنه يمر من الاسكندرية شمالاً إلى أسوان جنوباً ومن السلوم غرباً إلى طابا شرقاً.
 دعونا نتضامن مع أنفسنا مرة واحدة. دعونا نؤسس لجنة شعبية للتضامن مع الشعب المصري  كما أسسنا لجنة شعبية للتضامن مع الشعب الفلسطيني. نحن نستطيع التأثير على الأوضاع في مصر أكثر بكثير من قدرتنا على توجيه مسار القضية الفلسطينية. بالله عليكم قولوا لنا ماذا كانت نتيجة جهود المقاطعة الاقتصادية التي قمنا بها ضد إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا. هل انهارت هذه الدول؟ ماذا تمثل الصادرات الأمريكية إلى مصر من إجمالي صادرات الولايات المتحدة للعالم؟ لا شئ تقريباً. ماذا كانت نتيجة رفع شعار"طرد السفير الإسرائيلي". لا شئ بالطبع. ولنفترض أن مصر طردت السفير الإسرائيلي، هل ستركع إسرائيل وتهرول إلى مصر طالبة عودة سفيرها إلى القاهرة فنستطيع هنا أن نفرض
عليها مطالبنا في الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني؟ بالطبع لا. ولكن الكل يعلم ذلك، الكل يعلم أن ذلك لن يفيد الشعب الفلسطيني كثيراً، ولكن المقصود هو المزايدة على السلطة وفضح موقفها "الواقعي" والمتخاذل من القضية الفلسطينية. ولكن ماذا بعد؟ البعض يعتقد أن المسألة ليس بهذه البساطة لأن خبرة التنظيم هي هدف في حد ذاته، لأنه من المفيد أن تنتظم الناس في أشكال تعبوية تتعلم من خلالها الحركة. فإذا كانت الناس تتحرك اليوم من أجل فلسطين، فستتحرك غداً من أجل أنفسها. إننا نضع هذه المقولة موضع المسائلة: هل نستطيع أن نفصل الغاية عن الوسيلة؟ هل نصل في عبادتنا للتنظيمات إلى ممارسة الشعارات النازية التي تقول أن "الحركة هي كل شئ والهدف لا شئ." ثم ماذا كانت نتيجة كل هذه المراوغات التي دخلنا فيها مع "الجماهير"؟  دعونا ندخل معارك حقيقية نستطيع التأثير فيها بل ونستطيع أن نربحها. دعونا من المهام الهائلة التي  تنوء بحملها الجبال مثل القضاء على الإمبريالية. فلنتحدث على مستوى قدراتنا: نحن لا نستطيع حتى الآن أن نختار رئيس جمهوريتنا، فهل نستطيع هزيمة الإمبريالية؟ القضية لأولى والثانية والثالثة هي التغيير في مصر وليست الصراع ضد الإمبريالية. ولكن لنفي أي التباس منذ البداية، ليست هذه دعوة لإغفال الدور الهام الذي تلعبه المتغيرات الدولية والإقليمية على مصر، فنحن بلا شك نعيش في منطقة ملتهبة تقذفنا طوال الوقت باللهب. المقصود هو إعادة النظر في الرابطة بين السياسة الداخلية والخارجية، المقصود هو النظر إلى السياسة الخارجية انطلاقاً من مشروعنا في التغيير داخل مصر. المقصود هو تغيير معايير تصنيف الناس، من مع أو ضد التطبيع، مع أو ضد طرد السفير الإسرائيلي، إلى معايير أخرى مثل مع أو ضد الانتخاب الحر والمباشر لرئيس الجمهورية، مع أو ضد زيادة ميزانية الصحة والتعليم، مع أو ضد القضاء على الظلم الذي يعاني منه الصعيد، مع أو ضد حق العمال في الإضراب، مع أو ضد حق المرأة في الطلاق. إذا طبقنا هذه المعايير لن نجد أنفسنا في مظاهرة واحدة مع مصطفي بكري وأمثاله.
التغيير وليس الحفاظ على المكتسبات: التنمية الاقتصادية، القضية الغائبة
      لقد أصبح اليسار قوة محافظة في المجتمع المصري! ليس هذا جلداً للذات ولكنها مسألة لغوية بحتة. المحافظ هو من يريد الحفاظ على الوضع القائم. اليسار يرفع شعارات شديدة الراديكالية مثل الثورة والتغيير الجذري للمجتمع، ولكن كل عاقل يدرك جيداً أن ذلك ليس مطروحاً على الأجندة اليوم. ما يمكن طرحه على الأجندة الآن هو "الحفاظ على مكتسبات الجماهير". هكذا وقف اليسار (الرسمي والتحتي) ضد الخصخصة وضد المعاش المبكر...الخ. ولكن الخصخصة استمرت، والمعاش المبكر طبق بالفعل. أقصى تأثير يمكن أن نعطيه لليسار هو أن نقول أنه نجح في إبطاء وتيرة الخصخصة. وحتى هذا مشكوك فيه، لأن دور تيارات وقوى أخري لم يكن أقل أهمية في ذلك من اليسار! المهم أن إبطاء وتيرة الخصخصة لم يكن فقط مفيداً للعمال في القطاع العام، ولكنه كان وقبل كل شئ عظيماً للبيروقراطية الفاسدة التي تتحكم فيه. إذن علينا أن نعترف بكل صدق أننا حينما نناضل ضد الخصخصة وننجح في إبطاء وتيرتها فإننا في الوقت ذاته ندافع عن مصالح البيروقراطية المتحكمة في القطاع العام وليس فقط مصالح العاملين فيه. تلك حقيقة موضوعية واضحة وضوح الشمس ولكن الكل (التجمع واليسار الراديكالي) لا يستطيع الاعتراف بها. لماذا؟ لأن النتيجة العملية لهذه الحقيقة غير مأمونة. ما العمل في هذه الحالة؟ هل نكف عن النضال ضد الخصخصة؟ هل نترك الحكومة تشرد العمال دون أن نخوض معهم المعركة حتى ولو كانت خاسرة؟ الموضوع شائك وشديد التعقيد.
   اليسار الراديكالي يعتقد أنه متجاوز لهذه الاشكالية لأنه لا يناضل ضد الخصخصة من أجل إبقاء القطاع العام تحت سيطرة الدولة، ولكن لكي يصبح تحت سيطرة المنتجين الحقيقيين. حسناً، ولكن المشكلة أن ذلك يعني ببساطة تكوين سوفييتات من العمال لإدارة المصانع. هل يستطيع اليسار الراديكالي أن يطرح في مصر شعار "كل السلطة للسوفييتات"؟ بالطبع لا، هذا  مؤجل إلى لحظة المد الثوري، ولكن المهمة الآنية للثوريين اليوم هي الحفاظ على مكتسبات العمال. هكذا أصبح اليسار قوة محافظة. ولكن الذي يدفع ثمن ذلك هو المجتمع كله، خاصة فقراءه. حينما تستنزف شركة الحديد والصلب من ميزانية الدولة ملايين الجنيهات كل سنة فإنه من الجريمة السكوت على ذلك بحجة عدم المساس بمصالح العاملين فيه. ولكن لا. فلتذهب ملايين الجنيهات من دم الشعب المصري إلى الجحيم، فلتظل عصابات الفساد تنهب في شركة الحديد والصلب وموازنة الشعب هي التي تسد العجز، حتى لا تُخصخص الشركة ويتم تشريد العاملين فيها.  فلتظل شركة الحديد والصلب تحت إدارة عصابات المافيا وليحرم المجتمع من ملايين الجنيهات كان من الممكن استخدامها لزيادة برامج مكافحة الفقر والبطالة والمرض. إننا نعتقد هنا أنه من الجرم الاستمرار في خداع الذات الذي يعمينا عن الحقيقة الواضحة التي لا يمكن أن ينكرها أحد: حينما ناضل اليسار ضد الخصخصة فإن النتيجة العملية لنضاله لم تكن فقط حماية العمال في القطاع العام ولكن أيضا بيروقراطيته الفاسدة.
       ما العمل إذن؟ هل ندافع عن الخصخصة؟ هل نقف منها موقف الحياد ونركز على الدفاع فقط عن مصالح العمال كأن نناضل من أجل زيادة قيمة المعاش المبكر؟ الأسئلة معقدة وشائكة ولكنها تحتاج إلى شجاعة ومغامرة للوصول إلى إجابات حقيقية وغير تقليدية. لكن من المؤكد أنه من المهم أن نحاول الفصل بين مصالح عمال القطاع العام ومصالح البيروقراطية الفاسدة المسيطرة عليه. ليس من الأخلاقي السكوت على هذه المسألة بحجة أن وظيفتنا ليست هي البحث عن حلول للرأسمالية الفاشلة، أو بحجة أن ليست كل شركات القطاع العام خاسرة، وأن بعضها يحقق بالفعل أرباح، كما تدعي جرائد اليسار الرسمي الناصري.
      القضية لا تنحصر فقط في الخصخصة، فما ذلك إلا مثال عملي يبين كيف أصبح اليسار من الناحية العملية مدافعاً بقوة عن الحفاظ على الوضع القائم، بغض النظر عن أي خطاب راديكالي يطالب بالتغيير. القضية هي أيضاً هل يناضل اليسار فقط لكي يحافظ العمال على نصيبهم من كعكة الدخل القومي، أم يناضل أيضاً للحفاظ على هذه الكعكة وتنميتها؟ الحقيقة أن اليسار الآن شبه غائب تماماً عن قضية التنمية. اليسار الراديكالي يتجنب هذه المسألة بدعوى أنه ليس هناك أي أمل في تنمية الكعكة، لأن الرأسمالية مأزومة
وبأن المهمة الآن هي القضاء عليها. وبالتأكيد هم يستقبلون أنباء تفاقم الكساد الاقتصادي بكل حفاوة (عكس بقية بني وطنهم!) لأن ذلك يؤكد نظريتهم بأنه ليس هناك أي حلول إصلاحية وأن الرأسمالية أفلست تماما في قضية التحديث والتصنيع. ولكنهم كانوا يقولون نفس الشيء قبل الكساد، حينما كانت معدلات النمو الاقتصادي مرتفعة، وسوف يقولون نفس الشيء لو وصل معدل النمو الاقتصادي إلى عشرين بالمائة وزادت قيمة الصادرات عن مائة مليار دولار. سوف يقولون نفس الشيء لو هاجروا إلى الصين التي تشهد نمواً اقتصادياً استثنائياً على المستوى العالمي، لأن المسألة ببساطة تتعلق بالتداعي المنطقي لأفكارهم: الثورة الاشتراكية مطروحة الآن على أجندة العمل السياسي في مصر (ينقصنا فقط التنظيم) وذلك جزئياً لأن الرأسمالية في مصر عاجزة عن القيام بالتنمية الرأسمالية. لذلك يجب أن تكون الرأسمالية عاجزة عن القيام "بمهامها التاريخية". أما اليسار الرسمي المعتدل فمساهمته في قضية التنمية لا تستحق الكثير من النقاش لأنها مساهمة بائسة بكل المقاييس، لا تزيد عن الخطاب الذي تجاوزه الزمن عن التنمية المستقلة "المتمحورة حول الذات بمشاركة الرأسمالية الوطنية المنتجة في مواجهة الكمبرادور والاحتكارات في المراكز الرأسمالية الكبرى". إذن علينا أن نناضل مع الرأسمالية المصرية كي تحتكر السوق المصري وتعتصر المستهلكين عصراً. وهذا اليسار الرسمي يستقبل بكل حفاوة (عكس بقية بني وطنهم!) أنباء تدهور معدلات تدفق الاستثمارات الأجنبية على مصر لأن ذلك يحمي مصر من استغلال الرأسمالية الاحتكارية. وليذهب العاطلون الذين ينتظرون فرصة عمل إلى الجحيم. ولا مانع في هذا الإطار من الهجوم على الاستثمارات الأجنبية باعتبارها رأس مال يهودي صهيوني يحاول السيطرة على الآلة الإنتاجية المصرية العظيمة، التي لو تركت لنفسها لقامت بقفزة تكنولوجية هائلة سوف تهدد بلا شك الكيان الصهيوني. هكذا!
     لا نريد أن ننغمس في نقاش حول ما إذا كان النمو الرأسمالي في مصر ممكناً أم لا. من الصعب أن نجيب على ذلك لأنه سؤال يتعلق بالمستقبل, كما أنها مسألة تتوقف على اعتبارات سياسية كما بمتغيرات اقتصادية محلية ودولية. ما نريد قوله هنا هو أننا لا نستبعد إمكانية النمو الرأسمالي في مصر، حتى وإن كانت مؤشرات ذلك قد تضاءلت في السنوات الأربع الأخيرة مع سقوط الاقتصاد المصري في الكساد. وفي هذا الإطار نحن نحتفي بكل أنباء عن الخروج من الكساد الاقتصادي، كل أنباء عن زيادة الصادرات، أو عن زيادة تدفقات الاستثمارات الأجنبية، ليس فقط لأنها تعني مزيد من فرص التوظيف للعاطلين, ولكن أيضاً لأننا مع كل ما يؤدي إلى زيادة حجم كعكة الدخل القومي في مصر، حتى ولو كانت قسمة هذه الكعكة مازالت فادحة الظلم للعمال ولقطاعات أخرى. لأن يوم الحساب العسير سوف يأتي حتماً، وحينئذ سوف تكون هناك قسمة أخري للدخل القومي في مصر. أضف إلى ذلك أن الاحتفاء بالتدهور الاقتصادي والسياسي في كل أشكاله هو تعبير عن سذاجة وجهل بالتاريخ، لأن التدهور في بعض الأحيان لا يؤدي إلى الثورة وإنما إلى الانحطاط السياسي والاقتصادي. وهذا ما نعيشه في مصر الآن على الأغلب. إن الثورة حدث نادر في التاريخ، ومعظم المجتمعات قد انقلبت رأساً على عقب دون أن تعرف ثورة واحدة.
     وحتى لو افترضنا أن الثورة هي طريقنا الوحيد في التغيير، فمن الأغلب أن الانحطاط
الاقتصادي وتفشي البطالة والتهميش والفقر لا يؤدي إلى ثورة اشتراكية. هل من الأسهل صناعة ثورة في مجتمع حديث وصناعي ذو طبقة عاملة كبيرة وحديثة أم في مجتمع متخلف يغلب عليه القطاع غير المنظم وينتشر فيه جيش جرار من المهمشين؟ إذا كانت النوع الأول من المجتمعات هو الأسهل للثورة، فما العمل إذن؟ على التيار الراديكالي أن يجيبنا على هذا السؤال؟ خلاصة القول أن اليسار يجب أن يكون مخلصاً لقضيتين في آن واحد: تنمية حجم الكعكة وإعادة توزيعها لصالح المنتجين. الاقتصار على الدفاع فقط عن مكتسبات العمال يحول اليسار من قوة تطمح إلي تحديث وتقدم المجتمع إلى نقابة فئوية تدافع عن بعض المصالح المباشرة للعمال.  إنها قضية تحتاج إلى نقاش لا يصادر النتائج
منذ البداية لانه يخشى من الموقف العملي الذي يترتب عليها.
قضية السلطة السياسية: التفرقة الغائبة بين الحكومة والدولة:
     لقد شبع اليسار نقاشاً حول طبيعة السلطة في مصر ولكن الأمر يحتاج لمزيد من النقاش.
فمعظم النظريات التي أسست مفاهيم اليسار عن الدولة قد أكل عليها الدهر وشرب النظرية اللينينية ونظرية التبعية... الخ . أما عن المعرفة الملموسة بالدولة في مصر فهي محدودة جداً. على أن القضية الأساسية التي يغفلها النقاش هي التفرقة بين مفهوم الحكومة والدولة. ليس هنا المكان المناسب لاستعراض النظريات والمفاهيم المختلفة عن الدولة. في كلمة واحدة نقول أن هناك فارق جوهري بين مركز شباب الجزيرة ومديرية أمن القاهرة، بين قصر ثقافة أسيوط ومؤسسة الرئاسة، بين جمعيات النيل الاستهلاكية ووزارة الدفاع. كل هذه الجهات هي مؤسسات عامة، تنفق عليها الدولة، ويعد العاملين فيها من موظفيها. ولكن الفارق بين وظائفها وتأثيرها واضح للعيان. من يتخذ القرارات في المجتمع ليست مؤسسات عامة مثل قصر ثقافة أسيوط. لذلك عندما نقول "قررت الدولة كذا وكذا" فإننا نوحي أن هناك كيان موحد يسمى الدولة، يستطيع أن يفكر ويقرر، وهذا لا يمت للواقع بصلة. الحكومة فقط هي التي تستطيع أن تفكر وتقرر. إنها مؤسسات مثل الرئاسة والجيش والشرطة والقضاء ومجلس الشعب ومجلس الوزراء التي تتخذ القرارات في المجتمع، إنها الحكومة بالمعنى الواسع للكلمة، ولكن مهما وسع مفهومها فهو لا يمكن أن يضم موظف صغير في المجلس المحلي لحي الدويقة على سبيل المثال، لأن هذا الموظف لا يستطيع أن يقرر شيئاً ذا شأن.
    الدولة هي إذن مجموعة من المؤسسات العامة تقع الحكومة في القلب منها. الحكومة تدير الدولة ولكنها لا تسيطر عليها سيطرة مطلقة. فلنأخذ مثل: إذا كانت الدولة هي السيارة
فإن الحكومة هي قائد السيارة في هذه الحالة. السيارة ليس لها اتجاه، إنما القائد هو الذي يدير دفتها. فإذا هامت السيارة على وجهها وباتت تصطدم بالمارة وبالسيارات الأخرى، فالمشكلة هنا إما جهل وعدم كفاءة السائق، أو سوء حالة السيارة. المشكلة في مصر تكمن في الطرفين: السائق فاشل والسيارة حالتها تدعو للرثاء. إذن فالاقتصار على الحديث عن السائق فقط يهمل الطرف الأخر من المعادلة. لأن في حالة التخلص من هذا السائق الفاشل، سوف نجد أنفسنا أمام نفس السيارة، يمكن أن نجري لها "عمرة موتور" ولكن من شبه المستحيل أن نلقي بها في النيل ونبحث عن سيارة أخرى، على الأقل في الأجل القصير والمتوسط. من السذاجة والجهل بالتاريخ أن نتصور أننا نستطيع التخلص من الدولة القائمة في غمضة عين. كل الثورات التي نجحت ورثت مؤسسات سابقة عليها، وهذه المؤسسات تفاعلت مع النظام الثوري لتنتج مركب جديد.  إذن لا مكان لإهمال الفهم العميق والواقعي للدولة بحجة أننا سوف ندمرها عن أخرها. إننا نرى ذلك في العراق جلياً: لم يكن أمام الأمريكيين إلا الاعتماد على مؤسسات الدولة العراقية حتى ولو كانت تعشش فيها عناصر بعثية. نحن معنيين إذن بفهم ومتابعة ما يحدث في الدولة:
     تركيبة المؤسسات، العلاقات بينها، الثقافة السائدة فيها، الخ. إن الأخطر من وجود دولة مترهلة ومحدودة الكفاءة مثل الدولة المصرية، هو انهيار الدولة بالكامل وسقوط المجتمع في الفوضى. والنموذج العراقي أيضاً كاشف جداً، لقد رأينا كلنا على شاشات التلفزيون ماذا كانت نتيجة انهيار الدولة هناك. النتيجة كانت حالة من البربرية تم بمقتضاها تحطيم المؤسسات والملكيات العامة وحتى المكتبات والمتاحف التي تضم منتجات حضارة قدمت أرفع مساهمات للبشرية.
     بيان الحدود بين الدولة والحكومة ليس بالأمر اليسير، لأن هناك مساحة رمادية كبيرة.ولكن المهم هنا هو أن نفكر في الأمر جيداً: هل نحن نريد تحطيم الحكومة أم الدولة أيضاً؟ وإذا قررنا السعي لتحطيم الدولة، ما هو البديل لكي لا يسقط المجتمع في مستنقع الفوضى والبربرية؟ فإذا اتفقنا على أننا نريد تغيير الحكومة مع الإبقاء على الدولة وإصلاحها، لا يمكن في هذه الحالة أن يقتصر تفكيرنا على قضية تغيير الحكومة  مع الإهمال التام لقضية إصلاح وتطوير الدولة، لأننا بذلك نكون قد فرطنا في نصف المعادلة، وهو نصف أكثر من هام في تطور وتقدم المجتمعات. إن تطور المجتمعات لا يحدده فقط شكل الحكومة أو النظام السياسي وإنما أيضاً تركيبة الدولة ومؤسساتها. إذا كانت كوريا الجنوبية تقف اليوم في موضع مختلف تماماً عن مصر من ناحية التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، فذلك مرده جزئياً الفرق بين تركيبة وقوة الدولة في الحالتين. ليس هناك فائدة كبيرة من الحديث عن دولة "بورجوازية" في مصر. لأن لو طبقنا معايير تصنيف الدول التي يستخدمها الرفاق، فلن تكون هناك دولة غير بورجوازية في العالم الذي نعرفه الآن. الدولة في كوريا "بورجوازية" والدولة في مصر بورجوازية" ولكن الفارق في النتيجة هائل. هذه دولة حققت مستوى هائل في التصنيع، وتلك دولة ما زالت تتعثر. لا نريد هنا أن نطرح كوريا كمثل يحتذى، الغرض هو فقط  تبيان حقيقة هامة وهي أن ما يحدد تطور المجتمعات هو تركيبة دولها وليس فقط طبيعة حكوماتها.
 هذا يحيلنا إلى قضية تالية: الشعار الذي طرحه بعض الرفاق: "مع الإسلاميين أحياناً وضد الدولة كل الوقت". هذا الشعار مرده فكرة رومانسية بسيطة وهي أن الدولة هي أصل كل الشرور في المجتمع. لذلك في حالة الصراع بين المجتمع والدولة يجب أن نقف مع الأول ضد الثاني. نحن نريد أن نشكك في هذه النظرة الرومانسية للمجتمع. الاستغلال والاضطهاد موجود بفعل الدولة وبفعل المجتمع أيضاً. فلماذا نركز على جانب الدولة ونهمل جانب المجتمع؟ هل ننسى ما حدث أبان قانون الخلع: لقد كان المجتمع في معظمه ضد هذا القانون، بل أن بعض نواب الحزب الوطني الذي لم يضبطهم أحد مرة واحدة في تاريخهم يقولون لا لقانون تتقدم به الحكومة قد واتتهم الشجاعة الفائقة والفحولة النادرة لكي يصوتوا ضد القانون. نعم قانون الخلع ليس القانون الذي يعبر عن أمانينا في حقوق المرأة، ولكن من السذاجة عدم الاعتراف بأنه خطوة للأمام (على الأقل رمزية) بحجة أنه لا يفيد إلا الميسورين من النساء. علينا أن لا ننسى أنه في بعض الأحيان، تسبق القوانين الواقع الاجتماعي، بل وتدفعه إلى الأمام. هل ننسى أيضاً ما حدث في حالة رواية حيدر حيدر؟ لقد وقف المجتمع في معظمه هنا ضد الدولة. موجز القول هو أن المجتمع المصري في مجمله ليس متقدماً عن الدولة والحكومة طوال الخط. لو كان مجتمعنا قد تخطى الحكومة من حيث التطور لكان قد أجهز عليها. الدولة المصرية هي أحد الإنجازات الحديثة للشعب المصري حتى و كان مؤسسها جندي ألباني لا يتحدث العربية هو محمد علي. هل ننسى أن مفهوم المواطنة قد وفد إلى مصر فقط مع هذه الدولة؟ هل ننسى ما كان عليه المجتمع المصري قبل تأسيس هذه الدولة: مجتمع طوائف وحرف. إذا كان مفهوم المواطنة غير متأصل في ممارسات الدولة المصرية، فهو شبه غائب في المجتمع المصري.
فهل نقف هنا مع المجتمع ضد الدولة؟
 الهدف من ذلك كله هو التعبير عن هاجس يؤرقنا وهو أن اليسار لم يستطع حتى الآن أن يصل إلى المعادلة المتزنة للعلاقة مع الحكومة، مع الدولة ومع المجتمع. بعض الأطراف قد انضوت تماماً تحت عباءة الحكومة حتى ولو كانت ترفع شعارات يسارية. هذه الأطراف لا ترغب من الأصل في الديمقراطية، لأنها تخشى المجتمع. وأطراف أخرى تقف على طول الخط ضد الحكومة وضد الدولة ولكن تهادن المجتمع بتياراته الرجعية. وأطراف ثالثة تبحث عن طريق ثالث (ليس طريق توني بلير) يقيها شر الانضواء في عباءة الحكومة وتبرير دمويتها تجاه الإسلاميين من ناحية كما يقيها في نفس الوقت سلبية اتخاذ موقف المتفرج من المفكرين الذين تم سحلهم من قبل الإسلاميين بحجة أنهم فقط مفكرين "علمانيين".
      نحن ننتمي إلى الطرف الثالث ونريد أن نطور النقاش حتى نتوصل للعلاقة المتزنة مع الحكومة، مع الدولة ومع المجتمع بتياراته المختلفة. فهل من مجيب؟
 وبعد، الوقت قد جاء للبحث عن طريق جديد يضع اليسار في قلب الأحداث، ينقله من مقاهي المتفرجين إلى ساحات صناع التاريخ. لا نريد أن نكتفي بظهورنا الموسمي في مظاهرات قوموجية لكي نهتف ضد الحكومة ثم تستمر الأوضاع على ما هي عليه. لا نريد أن نقتصر على بعض المقاعد في برلمان بائس لكي نصوت دائماً ضد قوانين الحكومة ثم تصدر هذه القوانين رغم كل شئ. إن الحساب الختامي لإنجازات اليسار في مصر ضعيفة بكل المقاييس رغم التضحيات بالعرق والدم التي قدمتها أجيال متعاقبة منه. لا نريد أن تذهب تضحياتنا هباء. نريد أن نشارك في تغيير مجتمعنا إلى الأفضل في ظل الإمكانيات
المتوفرة والحدود المفروضة. ولكن السؤال هو هل نستطيع أن ندفع الثمن؟ الثمن هنا ليس فقط الاعتقال والتنكيل، ولكنه أيضاً اتهامات التراجع والتخاذل التي سيكون لنا نصيب وافر منها. فهل لنا من بعض الشجاعة النظرية والأمانة الفكرية التي تجعلنا نواجه ببأس هذه الاتهامات؟ إن نماذج تطور اليساريين في مصر تخيفنا: أما أن تلتحق بالحكومة وتمارس الانتهازية حتى النخاع، أما أن تنزوي في مجموعات صغيرة سرية تأكل في بعضها وتصبح كارهاً ورافضاً لكل شئ، أما أن تمارس عملك وحياتك اليومية ولكن بدون أي مساهمة فعلية في الحياة العامة. نريد طريق جديد يسمح لنا بالنمو والتحقق والتطور، طريق يحترم خصوصية وفردية كل واحد منا، كما يعطي لهذه الفردية والخصوصية تربة خصبة تسمح لها بالنمو والإشباع في إطار مشروع جماعي تضامني، مشروع يعترف بكل أمانة إننا قبل كل شئ أفراد لنا احتياجات ومصالح خاصة. هناك العديد من اليساريين الذين يشاركونا في هذه الحالة المزاجية، إن لم يكن في بعض هذه الأفكار. علنا ننجح في استثارة اهتمامهم.
  بعبارة واحدة نريد تأسيس يسار جديد في مصر. والخطوة الأولى هي النقد ثم النقض ثم
البناء.
   ملحوظة: كل ما قيل أعلاه هو مجرد "تفتيح" للنقاش. والكرة الآن في ملعب كل من يريد
أن يتدخل في الحوار بالإضافة أو بالنقد. كل ما نرجوه هو الالتزام بالروح الطيبة التي يجب أن تسود بين كل أبناء اليسار المصري.




#سامر_سليمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو رؤية يسارية للمسألة الديمقراطية


المزيد.....




- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟
- كوريا الشمالية تختبر -رأسا حربيا كبيرا جدا-
- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - سامر سليمان - دعوة للحوار