أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد جمول - بيان ضد الديمقراطية














المزيد.....

بيان ضد الديمقراطية


محمد جمول

الحوار المتمدن-العدد: 1968 - 2007 / 7 / 6 - 12:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



عمي، الذي عرف الحكم العثماني في طفولته ، وسمع الكثير من ويلات تلك الفترة على ألسنة كبار السن كان دائما يتحدث بإعجاب شديد عن فرنسا خلال احتلالها لبلاده. كان يحدثنا دائما عن المستشار الذي يتحدث مع الناس العاديين ويعدهم بحل مشكلاتهم. وبالمقابل كان يتحدث طويلا عن الشرطي العثماني الذي لا يتردد لحظة عن إطلاق النار على من يريد ليرديه قتيلا وكأنه عصفور في رحلة صيد عادية. لكن عمي قلما كان يذكر أن المستشار ذاته أمر بحرق عدد من بيوت قريته وحرق أحد رجالها حتى الموت في أكوام الحطب المشتعلة أمام أبناء القرية وعدد من القرى التي تعرض أبناؤها لعقوبات مماثلة.

كان عمي حتى وفاته على قناعة أن الظروف خانت المستشار وحكومته، حسبما فهم من المختار الذي كان يمثل صلة الوصل بين الأهالي والمستشار. ولولا ذلك لكانت حياة الناس في البلاد تحولت إلى جنة على الأرض.

نحن جيل الأبناء والأحفاد أكثر ارتباكا وحيرة من جيل عمي الذي انتقل إلى جوار ربه من دون أن يعرف كيف ينعم بخيرات الخلافة الإسلامية التركية أو الديمقراطية الفرنسية أو يعرف كيف يحل مشكلاته التي تداعى كل الغرباء للاستفادة منها بحجة العمل على حلها. لكنه أخيرا وجد الأمل على يد الرئيس الأميركي الذي يعده منذ سنوات بالديمقراطية والحرية والعسل واللبن. أصبحت النماذج جاهزة و لا تحتاج إلى شرح وتوضيح: العراق وأفغانستان .لقد وعد السوريين والإيرانيين بأن دورهم حان لينعموا بما ينعم به العراقيون والأفغان . واللبيب يفهم بأقل من الإشارة هنا كم هي النعم والخيرات التي تنتظره. والمحظوظ من سيكون دوره بعد هذين الشعبين.
إذن علينا أن نستعد لجني ثمار ديمقراطية العم بوش. أصحاب الحظ السعيد عليهم أن يبدأوا منذ الآن بالبحث عن البلد الذي يستضيف من ينجو من القصف الأولي من عائلاتهم كمهاجرين طوعيين. ولا بأس أن يسجلوا أسماءهم منذ الآن لدى وكالة غوث اللاجئين ومنظمات حقوق الإنسان كي تضمن لهم المشاركة في الانتخابات التي سينظمها العم بوش ضمن ثورته القادمة التي سيختار لها اللون المناسب، كالبرتقالي أو البنفسجي أو الأرجواني، ويقدمها للعالم دليلا على نجاحاته وحصول الشعوب على حقوقها وحل جميع مشكلاتها. ومن يصر على التمسك بوطنه ويرفض الهجرة أو يعجز عنها، فليستعد لانقطاع الطعام والماء والدواء والكهرباء لأن ديمقراطية العم بوش تحتاج إلى التضحيات كي تنتج لنا إنسانا جديدا يعيد اكتشاف الحياة وصنعها من جديد كما فعل أجداده قبل آلاف السنين. ولا بأس أن يستعد منذ الآن بالتدرب على الأشكال الحضارية المتطورة من التعذيب والإهانة والإذلال التي تعرض لها أشقاؤنا في أبو غريب أو الإبادة الجماعية كما في القلعة الأفغانية. طبعا هذا لمن هم الأقل حظا الذين لن ينعموا بركوب الطائرة والسفر مجانا إلى غوانتانامو أو أحد السجون السرية في مكان ما من العالم.

ولمن هم أقل حظا من هؤلاء جميعا، سيكفيهم فخرا أن وسائل الإعلام الغربية والمحلية ستنشر صورهم وأسماءهم والنتائج التي ستصدرها لجان التحقيق عن أسباب قتلهم خطأ أو دفاعا عن النفس. وستكون أرواحهم أكثر رضى وسعادة بعد صدور الاعتذارات عن الخطأ الذي أودى بحيواتهم. وهؤلاء بالتأكيد لا يعرفون أنهم أفضل حظا ممن ظلوا على قيد الحياة يحملون راية ديمقراطية العم سام وينعمون بأشعتها المنبعثة دائما عن اليورانيوم المنضب الذي قدمه هدية لهم ولأحفادهم.

كنت دائما أختلف مع عمي على المعنى الصحيح لما كان يسميه " الأخلاق العالية" عند الفرنسيين وكنت أنا أسميه الديمقراطية الغربية المتحيزة لخدمة مصالح هؤلاء الغربيين من أصحاب المشاريع غير الخيرية. وكنت دائما أحلم بديمقراطية حقيقية يصنعها الناس بأيديهم ويدافعون عنها في وجه أي معتد عليها. لكن ما رأيته وحرم عمي منه هو هذه الديمقراطية الأميركية المنفرة التي جعلتني أصرخ : أنا ضد الديمقراطية، لأني لا أريد أن أعيش مرعوبا أكثر مما أنا مرعوب الآن. ولا أريد أن أموت مشوها تجمع أشلائي عن الطريق وأنا عائد من الفرن حاملا الخبز لأطفالي. لذلك أنا ضد هذه الديمقراطية.



#محمد_جمول (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة مستعجلة ومتأخرة إلى بان كيمون
- الحلم الجميل وتجربة الهنود الحمر
- الصندوق
- نظرية المؤامرة
- أسئلة في زمن الرعب والهذيان


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد جمول - بيان ضد الديمقراطية