أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - سامر أحمد موسى - الحماية الدولية للمدنيين في الأقاليم المحتلة .... رسالة ماجستير ....الجزء السادس















المزيد.....



الحماية الدولية للمدنيين في الأقاليم المحتلة .... رسالة ماجستير ....الجزء السادس


سامر أحمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 1968 - 2007 / 7 / 6 - 07:50
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


المبحث الثاني
دور مجلس الأمن في تنفيذ قواعد حماية المدنيين
لا أحد يستطيع أن ينكر أهمية السلم والأمن للبشرية جمعاء، خاصة بعد أن ذاقت الآلام العظام خلال حربيين عالميتين في أقل من أربعة عقود مع بداية القرن الماضي، حيث انهار خلالها السلم والأمن الدوليين، وسقط الملايين من الضحايا والجرحى والمشردين، ناهيك عن أولئك الذين وقعوا تحت نير الاحتلال القاتل.
كل ذلك دفع الدول الكبرى إلى إنشاء منظمة الأمم المتحدة التي كانت من أول أهدافها العمل على حفظ السلم والأمن الدوليين وقد حصر تحقيق هذا الهدف داخل جهاز صغير واضح الأهمية تتمتع داخله هذه الدول الكبرى بالعضوية الدائمة وبنظام تصويت من شأنه تمكين كل منها من الحيلولة – عند اللزوم - دون إصدار أي قرار يتعارض وما ترى الحفاظ عليه من مصالح آلا وهو "مجلس الأمن"، والذي صدق بحق الأستاذ الدكتور محمد عزيز شكري حين سماه - بعد التحليل السياسي النهائي له - بنادي الكبار.
كما نعلم ينعقد الاختصاص لمجلس الأمن بحل النزاعات المسلحة بالطرق السلمية، بمقتضى الباب السادس من ميثاق الأمم المتحدة، وإلى جانب هذا الاختصاص هناك اختصاص آخر غاية في الأهمية، وهو اتخاذ المجلس كل التدابير اللازمة في حالات تهديد السلم أو الإخلال به أو وقوع عدوان، وذلك لحفظ الأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه وذلك بمقتضى الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة هذه التدابير التي تتمثل في حق مجلس الأمن بتوقيع الجزاءات الدولية التي ستكون محلاً للدراسة في المطلب الأول، أما المطلب الثاني فنتناول فيه عمليات حفظ السلام العالمي وذلك كما يلي:

المطلب الأول
الجـــــزاءات الدوليــــة
إذا كان من المعلوم أن الإحاطة بموضوع الجزاءات الدولية يحتاج إلى بحث مستقل، فإن دراستي مع ذلك سوف تقتصر على الرغم من ذلك على الاضطلاع بدراسة عامة لهذا الموضوع، وذلك على النحو الذي يخدم بحثي من خلال التعرض لمفهوم وإشكال هذه الجزاءات الدولية كمرحلة أولى ثم استعراض مدى جدوى هذه الجزاءات في تنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني كمرحلة ثانية، وذلك على النحو الآتي:
الفرع الأول
مفهوم وأشكال الجزاءات الدولية
لبيان مضمون هذا الفرع نتوقف عند نقطتين هما:
أولا: مفهوم الجزاء الدولي في الفقه والاتفاقيات الدولية والقضاء الدولي.
عندما نتعرض لتعريف الجزاء الدولي بشكل عام نجد أنفسنا إزاء عدة تعريفات تدور جميعها حول فكرة واحدة مفادها أن الجزاء الدولي ذو طبيعة عقابية يمارس كأثر مترتب على فعل غير مشروع دولياً، أي تصرف يشكل خرقاً أو انتهاكا لأحكام القانون الدولي العام العرفية والتعاقدية، وعليه يعرف الدكتور محمد سامي عبد الحميد الجزاء الدولي بأنه:"ضـرر يلحـق بالـدول أو المنـظمة الـدولية متى أخلت بحكم قاعدة انتهت الفئة المسيطرة على المجتمع الدولي إلى مناسبة سنها" ويذهب الأستاذ جورج سل G.Scelle في تعريفه الجزاء الدولي بقوله «هو كل إجراء يتخذ لتحقيق احترام القانون ولمنع انتهاكاته».
مما تقدم، نرى أن هناك من الفقهاء من ذهب إلى أن اصطلاح الجزاء الدولي ينصرف إلى إجراء محدد يطبق من أجل تأمين وضمان الطاعة والامتثال للقانون، بينما ذهب رأى آخر إلى أنه إجراء ينطوي على إكراه يتخذ ضد من يرتكب فعلا غير مشروع، غير أن الجزاء في مفهومه الواسع « هو مجموعة الإجراءات والوسائل التي تستهدف إزالة آثار التصرف غير المشروع ».
إذا دققنا النظر نجد أن جميع هذه التعريفات تجمع فيما بينها عناصر مشتركة وهي: قاعدة قانونية دولية، إخلال بأحكام تلك القاعدة، إجراء قسري يطبق على المخل بهذه الأحكام.
أما المعاهدات والاتفاقيات الدولية الشارعة والثنائية قد أكدت المفهوم الردعي للجزاء، فنص على النهج القسري للجزاء ميثاق الأمم المتحدة في مادة 2/5 منه وكذلك بالفصل السابع منه، وأخذت اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية بهذا المفهوم العقابي للجزاء في قرار الجمعية العامة 210 أ(د.3) المؤرخ في ديسمبر 1984، والقضاء الدولي يؤكد المفهوم الردعي أو العقابي للجزاء، بهذا المفهوم قضت محكمتا نورمبرغ وطوكيو لمحاكمة مجرمي الحرب العالمية الثانية من العقوبات الردعية مثل الإعدام والسجن مدى الحياة، وأكدت محكمة العدل الدولية على الأخذ بهذا المفهوم العقابي القسري للجزاء الدولي عند تصديها لمشكلة لوكيربي في حكمها الصادر في 14 أفريل 1992.
يتضح من كل ما سبق ذكره أن المفهوم القسري العقابي للجزاء الدولي هو المفهوم السائد في المجتمع الدولي سواء لدى الفقه الدولي أو في الاتفاقيات الدولية وأيضا القضاء الدولي.
ثانيا: أشكال الجزاءات الدولية.
لقد حفلت الحياة الدولية بالعديد من الممارسات التي تعكس أشكالاً متعددة للجزاءات الدولية، هذه التي اختلفت أنواعها وتباينت فلسفتها وأهدافها من مرحلة إلى مرحلة أخرى في حياة الأمم، فأخذت هذه الجزاءات أو العقوبات شكلاً اكثر تنظيما مع التطور الذي لحق بالعلاقات الدولية وهنا سوف نبين هذه الأشكال بنوع من الإيجاز:
‌أ. الجزاءات أو العقوبات الاقتصادية:
تعرف العقوبات الاقتصادية بأنها« إجراء قسري دولي تتخذه المنظمات الدولية، أو مجموعة من الدول، أو دولة في مجال العلاقات الدولية الاقتصادية ضد دولة ما، لمنعها من ارتكاب عمل مخالف لأحكام القانون الدولي، أو لحملها على إيقافه إذا كانت قد بدأته وذلك بغية الحفاظ على السلم والأمن الدوليين ».
فإن لهذا الجزاء جانبيين أحدهما وقائي يهدف إلى منع الدولة المرتكبة للمخالفة الدولية من الاستمرار في فعلها، أما الجانب الثاني فهو عقابي يهدف إلى إيقاع الضرر بالدولة لردعها وتتنـوع

ألوان وصور هذا الجزاء بين ما يلي:
1. الحظر أو الحصار: يقصد به منع وصول الصادرات إلى الدولة التي اتخذ ضدها هذا الإجراء، وقد يقتصر هذا الحظر أو الحصار على السلع العسكرية الحيوية أو حتى الغذائية لأن الأمر يترك دائما لتقدير المنظمة والدول، وقد طبق هذا الجزاء نتيجة لحرب أكتوبر 1973 بحظر البترول العربي على العالم الغربي.
2. المقاطعات الاقتصادية: يقصد بها تعليق كل التعاملات الاقتصادية والتجارية مع دولة ما لحملها على احترام قواعد القانون الدولي، فقد تكون المقاطعة فردية أو جماعية من عدت دول، وقد تأتي المقاطعة بصورة سلبية بمنع التعامل مع الدولة المرتكب ضدها الجزاء، وقد تأخذ صورة إيجابية كما حدث من منع الدول العربية في أوائل الستينات من تدفق رؤوس الأموال أو الخبرة على إسرائيل ومنع الشركات الأجنبية العاملة في أراضيها من استخدام آلات إسرائيلية الصنع.
3. عقوبة عدم المساهمة (الاقتصادية): ذلك بقيام منظمة دولية بإصدار قرارات إدارية تنطوي على عدم إمكانية استخدام الدول المخالفة لحقوقها داخل المنظمة والحرمان من التمتع بامتيازاتها، وذلك إما بالحرمان من المشاركة في التصويت أو الحرمان من المشاركة في النشاطات الاقتصادية التي تمارسها المنظمة، وكذلك إيقاف أو منع أو تجميد أوجه التعاون الدولي بين أعضاء المنظمة الدولية والدولة المخالفة أو حتى إيقاف العضوية ذاتها أو إنهائها.
‌ب. الجزاءات الدولية السياسية والدبلوماسية:
يمكن تعريفها بأنها «الأثر ذو الطابع السياسي الذي يوقعه أحد أشخاص القانون الدولي على شخص دولي نتيجة إخلال هذا الأخير بإحدى قواعد القانون الدولي للجزاء » ومن صور هذا الجزاء الاستياء والاستنكار والاحتجاج وتعليق العلاقات الدبلوماسية أو إيقافها مؤقتا أو قطعها بصورة نهائية.
تتخذ هذه الجزاءات من قبل المنظمات الدولية أو الإقليمية، أو مجموعة من دول، أو دولة واحدة نتيجة لعدم رضاها على وضع ما ارتكبته أو انتهجته دولة أخرى، و من تطبيقاته ما قامت به فرنسا من تخفيض مستوى بعثاتها الدبلوماسية مع كل من إنجلترا وبوليفيا والاتحاد السوفيتي، وذلك لاعتراف هذه الدول بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في سبتمبر 1958، والجمعية العامة للأمم المتحدة مارست هذه الجزاء في التوصية رقم 1511(17) في سنة 1962 وذلك بقطع العلاقات الدبلوماسية ضد حكومة جنوب أفريقيا بسبب اتباعها سياسية التفرقة العنصرية.
‌ج. الجزاءات الدولية العسكرية:
يمكن تعريفها بأنها « الاستخدام المشروع للقوة المسلحة كأثر لانتهاك أحد أشخاص القانون الدولي للقواعد المتعلقة بالأمن والسلم الدوليين شريطة إخفاق سائر الجزاءات الدولية الأخرى غير العسكرية ».
لقد أقر ميثاق الأمم المتحدة هذا الجزاء في المواد من 42 إلى 50 من الفصل السابع، فمن خلال استقراء محتوى هذه المواد نجد أنه يمكن اللجوء إلى الجزاءات العسكرية في حالتين، فالحالة الأولى هي حالة انتهاك جسيم لا يمكن إعادة السلام والأمن الدوليين معه إلى نصابهما دون اللجوء إلى الجزاءات العسكرية، أما الحالة الثانية فهي بفشل الجزاءات الأخرى غير العسكرية في حسم النزاع ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أن اللجوء للقوة العسكرية أمر متروك للسلطان المطلق لمجلس الأمن يقرر ما يشاء من الجزاءات – دون ترتيبٍ معينٍ – التي سوف يتخذها حسب معيار جسامة الانتهاك.
لعل من أبرز التطبيقات الجزائية الدولية العسكرية في الوقت القريب هي حالة حرب الخليج الثانية بسبب غزو العراق للكويت في سنة 1990 وذلك عبر قرار مجلس الأمن رقم 678 الذي رخص للدول المتحالفة مع الكويت بأن تستخدم جميع الوسائل لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بانسحاب العراق من الكويت.
يبقى لنا أن نذكر بأن هناك أنوعا من الجزاءات الدولية – لم نتعرض إليها بالتفصيل هنا – آلا وهي الجزاءات الدولية المدنية والإدارية والتأديبية، فالجزاءات المدنية هي عبارة عن إلغاء أو إيقاف التصرفات الدولية كالاتفاقيات والمعاهدات الدولية ومن أهم صورها عدم الاعتراف بالأوضاع الإقليمية غير المشروعة، أما الجزاءات الإدارية التأديبية وهي مجموعة الإجراءات أو التدابير ذات الطابع التأديبي التي ترتبها إحدى المنظمات الدولية اتجاه أحد أعضائها نتيجة إخلاله بإحدى قواعد المنظمة ومن أشهر هذه الجزاءات هي الطرد أو الفصل من المنظمة أو الوقف الكلي أو الجزئي من ممارسة هذه الحقوق والمزايا التي تمنحها المنظمة.
عند هذا الحد نكون قد أوضحنا بصورة عامة مفهوم وأشكال الجزاءات الدولية، فتجدر الإشارة لبيان الأساس القانوني لمجلس الأمن الذي يسمح له باتخاذ هذه الإجراءات قبل دراسة جدواها، يجد مجلس الأمن أساس سلطته في فرض هذه الجزاءات بالباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة وعلى الأخص في المواد من 41 إلى 50 منه، فإن التدابير التي تضمنتها هذه المواد جاءت على سبيل المثال لا الحصر فلمجلس الأمن أن يتخذ بعضها أو كلها أو شيئاً غيرها.
كما أنه لم يورد في الباب السابع أية إشارة لطرق تنفيذ هذه التدابير، أو حتى سبيل مراقبة صحة التطبيق، أو مراقبته أصلاً مشروعية اتخاذ هذه الجزاءات ومدى تحقيقها لأهداف المجتمع الدولي في عصر المعلوماتية، لهذا يوصي الدكتور السيد أبو عيطة بضرورة وجود آليات قضائية وإدارية ودستورية دولية لمراقبة عملية إصدار واتخاذ وتطبيق الجزاءات الدولية لأن ميثاق الأمم المتحدة يترك الأمر لحسابات الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ولهيمنتهم وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، مما يفتح الباب واسعاً نحو التعسف والتسلط الدولي، لهذا فالسؤال الذي يطرح نفسه هو ما مدى جدوى العقوبات الدولية – وخصوصاً الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية – كآلية لتنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني؟ خاصة في ظل ما يثار من خلافات حول مدى توافق هذه العقوبات وخصوصا الاقتصادية مع المبادئ الإنسانية لهذا القانون.
الفرع الثاني
مدى فعالية الجزاءات الدولية في تنفيذ القانون الدولي الإنساني
تنطلق دراستنا لبيان مدى فعالية وجدوى الجزاءات الدولية في تنفيذ قواعد حماية المدنيين بالنزاعات المسلحة الدولية – ومنها الأقاليم المحتلة – من مقدمة منطقية مفادها أنه إذا كانت فكرة الجزاء الدولي أحد أهم آليات المجتمع الدولي والقانون الدولي والتنظيم الدولي في تحقيق أهدافه بحفظ الأمن والسلم الدوليين، وذلك من خلال دور مجلس الأمن، هذا المجلس الذي يعمل حاليا في ظل ما يسمى بالنظام العالمي الجديد الذي تتزعم الولايات المتحدة الأمريكية قيادته، والتي تمارس التسلط الدولي وفق المعايير الانتقائية التي تعمل على إزاحة الشرعية الدولية أو محاصرتها لصالـح عالميـة " مفهوم الشرعية الأمريكية " من خلال هيمنتها على مجلس الأمن وتطويع وتوجيه قراراته لصالح تحقيق المصالح والأهداف السياسية للإدارة الأمريكية.
لإثبات صحة القول المتقدم لابد من الحديث عن ممارسة دولية في هذا في هذا الشأن باعتبارها مؤشرا على صحة القول بهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على مجلس الأمن، فأجد الكثير من الحالات ولكن حالة فلسطين المحتلة من قبل دولة حليفة لأمريكا وهي إسرائيل أكبر دليل على صدق القول المتقدم، فإن مجلس الأمن قد احتاج نحو ست شهور لكي يجبر العراق على الانسحاب من الكويت، وبضعة شهور أخرى للتدخل في الكوسوفا، بينما افتقر المجتمع الدولي إلى الحد الأدنى من الإرادة السياسية اللازمة لتنفيذ قرارات مضى على صدور بعضها أكثر من نصف قرن، بداية من قرار تقسيم فلسطين رقم 181 لعام 1947 وقرار عودة اللاجئين الفلسطينيين رقم 194 لعام 1948 وقرار 242 لعام 1967 المتضمن جلاء قوات الاحتلال الإسرائيلي عن الضفة الغربية والقدس والجولان، فهذه القرارات وثيقة الصلة بتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره بنفسه وهي أكبر ضمان لحماية المدنيين وذلك بإنهاء الاحتلال.
فالحقيقة إن المجتمع الدولي لم ينجح في وقائع أخرى أحدث زمنيا وأقل مأساوية من حالة فلسطين، مثل إجلاء الصين من التبت أو تركيا من قبرص، ولكن المؤكد أن كلتا الدولتين لم تتمتعا بحماية استثنائية في مجلس الأمن من دول العالم التي تتصدر واجهة الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية، وبالأحرى لم يجرأ تقديم أي منهما باعتبارها واحة للديمقراطيـة مثلما يحدث مع إسرائيل فلم يسبق لمجلس الأمن أن صبر كل هذا الزمن على ابتزاز دولة واحدة تهدد السلم والأمن الدوليين، وتشن الحروب، وتحتل أراضي الغير، وتقوم بأعمال العدوان بشكل شبه يومي، فضلاً عن أنها نظمت منذ بدء النزاع العربي الإسرائيلي عدة مذابح جماعية وأعمال تطهير عرقي- باعتراف مسئوليها السياسيين وشهادة مؤرخيها الأكاديميين – أدت إلى تشريد ملايين اللاجئين، دون أن يجرؤ مجلس الأمن على إخضاعها لنفس معايير المحاسبة التي يطبقها على بقية دول العالم وخصوصا العربية والإسلامية.
انطلاقا مما سبق لابد على مجلس الأمن أن يتحمل كافة مسئولياته في التصدي لجرائم الحرب الإسرائيلية وما ألحقته من أضرار فادحة بالسكان وذلك في إطار أعمال أحكام الفصل السابع من الميثاق، حتى وإن كانت كل المعطيات السياسية الدولية الحالية توحي بأنه من المستحيل تطبيق عقوبات أي كان شكلها على إسرائيل، فإنه يجدر على الدول العربية تسليط الضوء على المقترحات المؤدية إلى إصلاح شأن مجلس الأمن إلى ما يخدم العدالة والسلم العالمي في دور الإعلام العربي والعالمي من ناحية ومن ناحية أخرى لابد على كل الدول المحبة للسلام أن تناصر الحق الفلسطيني من خلال قيامها بإجراءات القسر ضد إسرائيل.
إن الوضع الحالي في فلسطين يدعو مجلس الأمن أن يفرض العقوبات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية الجزئية اللازمة لإجبار إسرائيل على احترام وتنفيذ الشرعية الدولية ذات الصلة وخصوصا اتفاقية جنيف الرابعة وتصفية المرتكزات المؤسساتية للنظام العنصري الإسرائيلي وفق ما اتبع مع النظام العنصري السابق في جنوب أفريقيا.
لكن السؤال المطروح ما مدي تلاؤم الجزاءات الدولية – وخصوصا الاقتصادية – مع مبادئ وأهداف القانون الدولي الإنساني؟ إذا كانت العقوبات الاقتصادية تنطوي على استخدام التجويع كأداة للضغط على السلطة الحاكمة سواء كانت سلطة احتلال أو سلطة حاكمة في مواجهة دولة أخرى أو متمردين عليها، فإن هذا الاستخدام يتنافى مع روح اتفاقيات جنيف لأنها – أي العقوبات الاقتصادية – في التحليل النهائي سلاح عشوائي في آثاره ذات الطابع الانتقامي إذ يمس المدنيين بالدرجة الأولى، مما يستدعي الأمر إعادة النظر في فكرة العقوبات الاقتصادية فيما يتعلق بالحصار الغذائي على وجه التحديد لأن ما حدث في العراق إبان الحصار الكلي مأساة حقيقية.
مع هذا، فلا أرى أي حرج في أنه من واجب مجلس الأمن – وإن كانت العقوبات الاقتصادية الدولية تتنافى مع روح اتفاقيات جنيف – أن يطبق العقوبات السياسية أو الدبلوماسية أو حتى عسكرية على إسرائيل بدلا من المساعدة والمساهمة في مؤامرة الصمت ضد حقوق الشعب الفلسطيني الذي يمد يده إلى السلام ولكن إسرائيل رافضة له، فآن الأوان للمجتمع الدولي وعلى رأسه الاتحاد الأوروبي والصين للتحرك باتجاه الحل الإنساني الوحيد الذي يمثل المخرج الصحيح لدوامة الحرب والعنف المقيم في المنطقة الشرق أوسطية، وهو تطبيق آليات العمل السلمي الدولي للأزمات، هذا الحل الذي اختبر في أكثر من مكان في العالم من قبل الأمم المتحدة، وعلى رأس هذه الآليات إرسال قوات حفظ السلام تحل محل قوات الاحتلال من أجل حماية الشعب الفلسطيني وهذه آلية ستكون محلاً للدراسة في المطلب التالي.
المطلب الثاني
عمليـــات حفــظ الســـلام الدوليـــة
قبل بيان دور عمليات حفظ السلام الدولية كآلية لحماية السكان المدنيين في النزاعات المسلحة وفي الأقاليم المحتلة، لنا أن نذكر بأمرين غاية في الأهمية، أولهما هو عدم تعرض اتفاقيات جنيف ولا البروتوكوليين الإضافيين الملحقين بهما لأنشطة قوات حفظ السلام الدولية، وفي المقابل فإن ميثاق الأمم المتحدة لم يتعرض من قريب أو بعيد للقانون الدولي الإنساني وإن كان قد نص على أهمية تحقيق الحماية لحقوق الإنسان في ديباجته أما الأمر الثاني فيتمثل في فشل مجلس الأمن بترجمة نظرية الأمن الجماعي الواردة في الباب السابع إلى واقع ملموس كان وراء تطور نظرية المحافظة على السلام عبر قوات الطوارئ الدولية، ويرجع كل المهتمين فشل نظرية الأمن الجماعي بسبب الأوضاع الغير العادية التي صاحبت الحرب الباردة، فكان على مجلس الأمن والأمم المتحدة أن يبذلا قصارى جهودهما للالتفاف على المأزق الناتجة عن الحرب الباردة عن طريق تطوير نمط من عمليات حفظ السلام غير منصوص عليه في الميثاق الأممي، وقد أدى نجاح المنظمة في أزمة السويس إلى بلورة نظام لتدخل الأمم المتحدة في النزاعات الدولية لا يقوم أساسا على استخدام القوة العسكرية وإنما يستند على تواجد الأمم المتحدة تواجدا ماديا عبر قوات الطوارئ الدولية والمراقبون الدوليون فقد أدى انتهاء الحرب الباردة إلى آثار زاهية على عمل هذه القوات التي يحكمها نظامٌ قانونيٌ معينٌ، كل هذه الأمور سنفُصل القول فيها عبر الفرعيين التالين لنصل إلى إجابة على سؤال مهم وهو هل نجحت المنظمة العالمية في أن تكون عبر قوات حفظ السلام الدولية أداة لمنع صب الزيت على النار في النزاعات المسلحة الدولية ؟
الفرع الأول
المهام التقليدية والمستحدثة لقوات حفظ السلام الدولية
يمكن للمحلل القانوني أن يلاحظ مرحلتين هامتين في تطور عمليات حفظ السلام الدولية وبالتالي تطور مهامها بظهور الجيل الأول والثاني من هذه العمليات والتي سنتوقف عندها بنوع من الاختصار فيما يلي:
أولا: الجيل الأول من عمليات حفظ السلام الدولية.
مهام الجيل الأول من عمليات حفظ السلام الدولية تبدأ بعد وقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة وتنحصر مهامها في مراقبة الحدود والمناطق العازلة ووقف إطلاق النار والإشراف على اتفاقيات الهدنة، ونشير على سبيل المثال إلى هيئة مراقبة الهدنة في فلسطين التابعة للأمم المتحدة والتي كان يطلق عليها اسم ONUST .
فأظهر أداء هذه المهام من خلال الجيل الأول نوعين من العمليات، أما النوع الأول فيتجلى بالمراقبين الدوليين الذين يكلفون بمراقبة وضع ما في دولة ما وإرسال التقارير عنه، ويتم إرسال المراقبين الدوليين عبر نمطين، النمط الأول يتجلى بتقرير مجلس الأمن إرسال مراقبين دوليين إلى نقطة نزاع ساخنة ويجد هذا النمط الأول مثاله بقرار مجلس الأمن رقم 72 بوضع مراقبين دوليين عسكريين على امتداد منطقة النزاع الاستعماري بين هولندا وإندونيسيا والمراقبين الدوليين في كشمير وجامو بقرار مجلس الأمن رقم 211 الصادر في 20 سبتمبر 1965، أما النمط الثاني فيتجلى بتكليف منظمة الأمم المتحدة بموجب اتفاقية دولية بإرسال مراقبين لمراقبة أوضاع محددة، ومثال ذلك قرار مجلس الأمن الصادر في 11 جوان 1963 الذي استجاب لاتفاقية فك الاشتباك بين القوات المصرية واليمنية من جهة والقوات السعودية من جهة أخرى.
أما النوع الثاني من عمليات حفظ السلام فيتجلى في إرسال قوات الطوارئ الدولية والتي انحصر تواجدها العسكري في منطقة الشرق الأوسط وفيما يتصل بالنزاع العربي الإسرائيلي من ناحية، ومن ناحية كان لها تواجد في قبرص، وذلك عبر قرار مجلس الأمن رقم 186 الصادر في 04 مارس 1964، هذه القوات التي كانت تقوم بمهام عسكرية ومدنية وتقديم المساعدات الإنسانية إلى اللاجئين القبارصة اليونانيين وكذلك الحال بالنسبة لقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان التي شكلت بموجب القرار رقم 425 الصادر عن مجلس الأمن سنة 1978 وكلفت هذه القوات بمهمة التأكد من انسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان وتنفيذ مهام إدارية وإنسانية لصالح السكان المدنيين في لبنان الأمر الذي أدى إلى مواجهات بين القوات الدولية وجيش الاحتلال الإسرائيلي آنذاك أدت إلى قتل مئة وتسعة وثمانين جنديا دوليا في جنوب لبنان ما بين عام 1978 إلى 1993.
لكن نتيجة للاستقطاب الدولي قبل عام 1990 والانحياز السافر لكل من الاتحاد السوفيتي سابقا والولايات المتحدة الأمريكية، لأصدقائهم أدى إلى شلل مجلس الأمن حيال أغلب النزاعات في العالم، وهذا ما تبرزه الدراسات من تناقص قدرة الأمم المتحدة في إدارة عمليات حفظ السلام الدولية، أما ومنذ بداية التسعينات من القرن الماضي فقد شهدت القوات الدولية للسلام إصلاحات أدت إلى تطور كمي وكيفي في عمليات أطلق عليها عمليات الجيل الثاني.
ثانيا: الجيل الثاني من عمليات حفظ السلام الدولية.
يتزامن ظهور هذا الجيل الثاني من انتهاء الحرب الباردة وشيـوع لغـة الوفاق الدولي من جهة، ومن جهة أخرى أصبحت المسائل المتعلقة بتطبيق القانون الدولي الإنساني أكثر إلحاحا منذ التسعينات فبعد هذا التطور في عمليات حفظ السلام اتسعت مهام القوات الدولية للسلام لتشمل مساعدة عمليات المصالحة وإعادة تشيد البنية الأساسية الاجتماعية والاقتصادية والإدارية من خلال مراقبة الانتخابات وتصفية الوضع العسكري للأطراف المتصارعة، وتشكيل قوات شرطة، وتوصيل مواد الإغاثة الإنسانية وهذا بالإضافة إلى تكملت وتأصيل النوعيين السابقين الذكر لعمليات حفظ السلام من خلال المحافظة على المهام التقليدية لها إلى جانب المهام الجديدة، حيث أصبحت تبدأ في الجيل الثاني عمليات حفظ السلام أثناء النزاع المسلح بين الأطراف من أجل وقف هذا النزاع وفرض وقف إطلاق النار والالتزام به، كما شعبت هذه المهمة في نواحي عديدة أخرى لم تكن معروفة في إطار عمليات الجيل الأول فنذكر منها ما يلي:
1. المراقبون المكلفون بالإشراف على عمليات انتخابية:
لقد عبرت عن هذه المهمة الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في التوصية رقم 47/130 الصادرة في 18 ديسمبر 1992، بترحيبها بالإشراف على الانتخابات في حالات معينة منها حالة حق الشعوب في تقرير مصيرها السياسي في إطار تصفية الاستعمار أو بناء على طلب رسمي من دولة معينة.
2. المراقبون المكلفون بحماية حقوق الإنسان:
باستثناء قوات السلام الدولية التي أرسلت إلى كمبوديا لم تتضمن أجندة القوات الدولية مهاما لحماية حقوق الإنسان، إلا أن ذلك لم يمنع من إنشاء طاقم عمل من المراقبين لحماية حقوق الإنسان في رواندا التي تشرد فيها المدنيون في كل اتجاه خوفا من الموت.
إلى جانب ما سبق ذكره، فقد كانت عمليات حفظ السلام محلا لتطور كيفي تمثل بما جاء في أجنده السلام التي قدمها الأمين العام السابق لمنظمة الأمم المتحدة السيد بطرس غالي إلى مجلس الأمن في 30 جوان 1992 التي تضمنت بالإضافة إلى عمليات حفظ السلام أنماطا مختلفة من العمليات الأممية وهي كما يلي:
- الدبلوماسية الوقائية: وتعرف الدبلوماسية الوقائية « بأنها تلك الإجراءات التي تهدف إلى منع وقوع خلاف أو تحول الخلاف إلى نزاع مسلح » وكان تدشين الدبلوماسية الوقائية بقرار مجلس الأمن الصادر سنة 1992 والذي اقتطع عناصر من قوات الحماية الدولية في كرواتيا وإرسالها إلى جمهورية مقدونيا بعد أن أبدت السلطات المقدونية مخاوفها من احتمال انتقال النزاع إلى إقليمها.
- تعزيز وتقوية السلام: وتنسحب مكونات هذا المفهوم في نزع أسلحة المتحاربين وفرض النظام وجمع وتدمير الأسلحة وإعادة توطين اللاجئين والإشراف على الانتخابات وإزالة الألغام، وامتحن هذا النمط في النزاع بكمبوديا وهايتي.
- فرض السلام: ويكون متى فشلت الوسائل السلمية لحل الخلافات، فمجلس الأمن يجب أن يستخدم القوة لفرض السلام، لهذا اقترح السيد بطرس غالي تشكيل وحدات تسمى وحدات فرض السلام تحدد مهامها بشكل مسبق من قبل مجلس الأمن، وفشل هذا المفهوم في فرض السلام وإعادة الأمل في الصومال خلال ثلاث سنوات ونصف من تواجد هذه الوحدات في الصومال وذلك لأسباب لا داعي لذكرها هنا.
- التدخل الإنساني: لقد أدى إدراج أهداف إنسانية في تفويض قوات حفظ السلام الدولية إلى جعل التدخل الإنساني سمة جديدة في حل النزاعات المسلحة، ذلك لأن تقديم المساعدات الإنسانية إلى السكان المدنيين يشكل حلقة من عمليات واسعة لإعادة السلام، والجدير بالذكر أن عمليات حفظ السلام لم تكن قبل عام 1992 تحتوي على تكليف للقوات الدولية بأدوار إنسانية، إلا أنه تطور حدث سنة 1992 في ميكانيكية عمليات حفظ السلام الدولية، حيث شاركت القوات الدولية في ثلاث مهام إنسانية في يوغسلافيا سابقا، وموزنبيق والصومال، حيث طلب مجلس الأمن في قراره رقم 824 الصادر سنة 1993 من القوات الدولية توفير الحماية للسكان المدنيين في ست مدن بوسنية من هجمات القوات الصربية.
عند هذا الحد نكون قد أوضحنا بصورة عامة المهام التقليدية والمستحدثة لقوات حفظ السلام الدولية المرسلة من مجلس الأمن، هذا المجلس الذي حتى هذه الساعة يلتزم الصمت إزاء أصوات طلب الإغاثة من المدنيين الفلسطينيين وحتى القيادة الفلسطينية التي تطالبه بإرسال مثل هذه القوات إلى الأراضي الفلسطينية، لأن الوضع الإنساني هناك أصبح من الضروري له وجود مثل هذه القوات حتى تحافظ قدر الإمكان على أرواح وممتلكات المدنيين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وحتى تعمل على فرض السلام هناك ولكن مجلس الأمن وتحت الهيمنة الأمريكية دائما يرفض هذا الطلب الفلسطيني، لهذا من الضروري أن نتكلم عن النظام القانوني لقوات حفظ السلام الدولية، مع دراسة مدى انطباق القانون الدولي الإنساني على هذه القوات الدولية في أماكن تواجدها؟ وذلك في الفرع الثاني.
الفرع الثاني
النظام القانوني لقوات حفظ السلام الدولية
نتناول مضمون النظام القانوني لقوات حفظ السلام الدولية فيما يلي من خلال الوقوف على قواعد تشكيلها وتنظيمها ومدى انطباق القانون الإنساني عليها.
أولا: قواعد تشكيل وتنظيم قوات حفظ السلام الدولية.
تجدر الإشارة في البداية بأن الفقيه الفرنسي فيرالي Virally وصف عمليات حفظ السلام الدولية بأنها «تحفظية وغير قسرية (أي سلمية) تقوم بها منظمة الأمم المتحدة بناء على موافقة الأطراف » نستطيع من هذه العبارة أن نستشف قواعد تشكيل قوات حفظ السلام الدولية، فعندما يقرر مجلس الأمن تشكيل قوات سلام دولية يدخل الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة في مفاوضات مع الدول الأعضاء في تلك المنظمة لتزويد القوات المقرر تشكيلها بوحدات عسكرية، فمثلا بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 622 في 31 أكتوبر 1988 الخاص بإنشاء قوة حماية في أفغانستان بعد انسحاب القوات السوفيتية منها، قام الأمين العام للمنظمة الدولية بتوقيع اتفاقيات مع الدول التي وافقت على إرسال وحدات إلى قوة الحماية الدولية.
نلاحظ أن في الفترة الزمنية الحديثة أخذ عدد الدول المهتمة بالمشاركة في عمليات حفظ السلام الدولية يزداد، فمثلا بدأت هولندا تشارك في عمليات حفظ السلام منذ سنة 1978، وكذلك المملكة الأردنية منذ سنة 1944 حيث أرسلت المملكة الأردنية قوات وجنود لحفظ السلام إلى هايتي وكمبوديا ومقدونيا، إذن نستطيع القول أننا أمام حالة تراكمية مرشحة للازدياد فيما يتعلق بمشاركة الدول في عمليات حفظ السلام.
إلى جانب قاعدة المفاوضات مع الدول الأعضاء في المنظمة الدولية، هناك قاعدة أساسية أخرى لنجاح القوات الدولية آلا وهي موافقة الأطراف في النزاع على نشر هذه القوات على إقليمها، فعلى سبيل المثال رفضت إسرائيل بعد العدوان الثلاثي على مصر استقبال هذه القوات على أراضيها فكانت النتيجة أن هذه القوات رابطت على الأراضي المصرية فقط لموافقة مصر على وجودها، ومن الأمثلة الحديثة لم يوافق صرب البوسنة على نشر القوات الدولية في البوسنة وحاولوا تعطيل عملها، وكانت النتيجة أن سعت قوات السلام الدولية إلى الحصول على حد أدنى من التوافق بين فرقاء النزاع يتجلى بتامين حرية المرور في المناطق الآمنة، ثم حماية هذه المناطق، فتحولت عملية السلام في البوسنة إلى مهمة إنسانية.
فإن موافقة الدول المضيفة لقوات حفظ السلام الدولية على انتشارها يعتبر أمرا ضروريا وقد ظهرت ضرورة هذه الموافقة منذ أوائل مهام بعثات المراقبة في اندونيسيا عام 1948، ولكن في حالة الإبقاء على هذه القاعدة فليس هناك دولة احتلال سوف توافق على نشر مثل هذه القوات، منها إسرائيل فهي دائما ترفض وجود هته القوات في أراضي الفلسطينية المحتلة، وحتى في أراضي الحكم الذاتي، لهذا لابد من التخفيف من شدة هذه القاعدة بالاكتفاء فقط بموافقة طرف من أطراف النزاع بتواجد القوات الدولية على الأقاليم التي تقع تحت سيطرته فعلى سبيل المثال موافقة السلطة الفلسطينية تكفي لتحريك مجلس الأمن لهذه الآلية لحماية المدنيين في الأراضي الفلسطينية المتمتعة بالحكم الذاتي خصوصا في الوقت الذي أخذ إرهاب الدولة الإسرائيلية أشكالا متطورة كان ذروتها اغتيال الشيخ احمد ياسين ذلك الشيخ الذي يعاني الإعاقة والطاعن في السن لهذا يستنكر كل أبناء العالم المحب للسلام هذه العملية الإرهابية التي حدثت بتاريخ 22 مارس 2004 .
إذا كان من الجدير بالذكر أنه حين تشكل قوات السلام الدولية يجب احترام مبدئيين وهما:
- المبدأ الأول: عدم مشاركة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بهذه القوات، وهذا المبدأ أدخله الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة " روغ هرشلد " لأول مرة حين شكلت قوات السلام الدولية الأولى في سيناء 1956 وطبق على تشكيل القوات الدولية في الكونغو، فإن هذا المبدأ كأصل عام انسحب على مجمل عمليات الجيل الأول فقط، ما عدا حالة قبرص ولبنان شاركه فيها وحدات من بريطانيا وفرنسا، أما في عمليات الجيل الثاني فأصبح هذا المبدأ لا محل له، فمثلا بريطانيا أرسلت كتيبة طبية إلى كرواتيا، كما أرسلت كتيبة أخرى إلى البوسنة في عام 1992.
- المبدأ الثاني: توخي التوزيع الجغرافي العادل في مشاركة الدول بهذه القوات، وهذا المبدأ طرحته نيجيريا لأول مرة في 29 أفريل 1965 خلال أعمال اللجنة الخاصة بعمليات حفظ السلام وطبق هذا المبدأ في عمليات الجيل الأول والثاني.
أما بالنسبة للقواعد المتعلقة بتنظيم قوات السلام فنذكرها كما يلي:
- انتفاع قوات حفظ السلام بنظام الحصانات والامتيازات الواردة في اتفاقية حصانات وامتيازات منظمة الأمم المتحدة، وفي اتفاقية حماية موظفي منظمة الأمم المتحدة المبرمة في 14 ديسمبر1994.
- وجود نظام القيادة لهذه القوات الذي يأتي في مقدمته الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة ثم يليه قائد القوات الدولية وأخيرا القادة الوطنيون للوحدات المشاركة في قوات السلام.
- خضوع هذه القوات لنظام تأديبي، فيملك قادة الوحدات الوطنية صلاحية الإجراءات التأديبية على أفراد قواتهم الذين يخضعون إلى القوانين العسكرية للدول التي أرسلتهم.
ثانيا: مدى تطبيق القانون الدولي الإنساني على قوات السلام الدولية.
لقد ترددت الأمم المتحدة سنوات عديدة في الاعتراف بانطباق القانون الدولي الإنساني على قوات حفظ السلام الدولية، وأثارت لذلك حججا قانونية وسياسية وعملية لرفض تطبيق هذا القانون كما هو، فقد ذكرت أولا أن الأمم المتحدة ليست طرفا في اتفاقيات جنيف، وأنه لم يرد في هذه الاتفاقيات نص بشأن التصديق عليها من جانب المنظمات، ومن جهة أخرى فإنه لا يمكن تشبيه وضع الأمم المتحدة بوضع أي طرف في النزاع – حتى عندما تستعمل القوة العسكرية – أو بوضع أية قوى أخرى بالمعنى المقصود في اتفاقيات جنيف، كما أنه لا يتصور تطبيق بعض نصوصها على الأمم المتحدة بوجه خاص العقاب الجنائي على مخالفتها.
لذا لم تتضمن النظم الخاصة بالعمليات الأولى لحفظ السلام في الشرق الأوسط والكونغو وقبرص سوى بند واحد بشأن مراعـاة مبادئ وروح الاتفاقيات التي تطبق على الموظفين العسكريين، لكن هذا لم يتضمن النص على المسؤولية المباشرة للأمم المتحدة في فرض احترام القانون الدولي الإنساني، ولكن إزاء تزايد بعثات حفظ السلام وضخامة حجمها وإزاء الشك فيما يتعلق بانطباق اتفاقيات جنيف على الموظفين المشاركين فيها وإزاء التزايد الخطير في عدد الهجمات التي تعرض لها هؤلاء الموظفون ظهر موضوع تطبيق القانون الدولي الإنساني على قوات السلام الدولية حين عرضت اتفاقية أمن موظفي الأمم المتحدة لسنة 1995، التي اختارت حلا براغماتيا يتجلى في نص المادة 20 التي تقول بأنه «...ليس في هذه الاتفاقية أي نص يؤثر على انطباق القانون الإنساني..وعلى واجب هؤلاء الموظفين احترام القانون...»، ومن ثم فإن انطباق القانون الدولي الإنساني على القوات التابعة للأمم المتحدة قد جاء النص عليه هنا صريحا تماما، وأدى هذا إلى قبول الأمم المتحدة تحمل المسؤوليـة عن الالتـزام بفـرض احتـرام القـوات الدولية الخاضعة لإشرافها للقانون الإنساني.
على هذا أصدرت الأمم المتحدة الكتـاب الـدوري للأمـين العام في 06 أوت 1999 بعنـوان " احترام قوات الأمم المتحدة للقانون الدولي الإنساني " والذي تضمن ما يلي:
- يطبق هذا الكتاب الدوري فقط على العمليات التي تخضع لقيادة الأمم المتحدة وتتم تحت إشرافها، وكذلك على الوحدات الوطنية المشاركة في مثل هذه القوات إذا رخص مجلس الأمن بموجب الباب السابع من الميثاق إلى دولة أو مجموعة دول القيام بإحدى العمليات عندما تشارك هذه القوات في المعارك التي تدور في نطاق نزاع مسلح دولي أو داخلي.
- والمادة الخامسة من الكتاب الدوري ذكرت بالمبدأ الأساسي الخاص بالتمييز بين المدنيين والعسكريين وحظر الأعمال الانتقامية، وكذلك المادة السادسة أكدت بأن اختيار وسائل وأساليب الحرب ليس خيارا مطلقا لهذه القوات، فمـن المحظور عليها استخدام كل الأسلحـة المحظورة دوليـا، ونصت المواد السادسة والسابعة والثامنة والتاسعة لاحترام الحماية المقررة للأسرى والنساء والأطفال والجرحى والمرضى والتعامل معهم بأسلوب إنساني دون تميز ضار بهم.
من ثم فإن مؤشرات نجاح الجماعة الدولية في حماية المدنيين بالنزاعات المسلحة كان ملموسا في أكثر من نزاع مسلح في العالم، وذلك من خلال إرسال أصحاب الخوذات الزرقاء لإقرار السلم والأمن الدوليين، ولكن لم نرى هذا النجاح في فلسطين المحتلة وخصوصا في هذا الوقت الذي أخذت فيه أوراق السلام تتمزق واحدة تلو أخرى جرًّاء العمليات الإرهابية للحكومة إسرائيل ضد المدنيين هناك، فالسؤال هل لا يرى الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن هذه الانتهاكات؟ والإجابة بالنفي مؤكدة لأن المجتمع الدولي يرى ما يحدث في فلسطين المحتلة ولكن مجلس الأمن لن يتحرك طالما بقي خاضعا للهيمنة الأمريكية السافرة المنحازة لإسرائيل.
هكذا نكون عند هذا الحد قد أوضحنا بصورة عامة دور مجلس الأمن في تنفيذ قواعد حماية المدنيين في النزاعات المسلحة الدولية، لهذا ننتقل للوقوف على جوهر آخر آلية سطرنا لها آلا وهي دور الأجهزة القضائية الجنائية الدولية في حماية المدنيين بالنزاعات المسلحة الدولية وفي الأقاليم المحتلة، على أن نذكر بأن لمجلس الأمن دورا خلاقا في هذا الصدد وذلك عندما أدت الأزمات الإنسانية الحديثة إلى خروج مجلس الأمن عن دوره المعتاد في الاهتمام فقط بالنزاعات المسلحة الدولية ليتعدى إلى المنازعات المسلحة غير الدولية ومواجهة الانتهاكات التي تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين من خلال إنشاء المحكمتين الجنائيتين الدوليتين الخاصتين بيوغسلافيا سابقا ورواندا، فعليه إن السؤال المطروح ما مدى فعالية العدالة الجنائية الدولية في حماية المدنيين بالنزاعات المسلحة الدولية ؟ هذا ما سنبحثه في المبحث الأخير من هذه الرسالة.



#سامر_أحمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحماية الدولية للمدنيين في الأقاليم المحتلة .... رسالة ماجس ...
- الحماية الدولية للمدنيين في الأقاليم المحتلة .... رسالة ماجس ...
- الحماية الدولية للمدنيين في الأقاليم المحتلة .... رسالة ماجس ...
- الحماية الدولية للمدنيين في الأقاليم المحتلة .... رسالة ماجس ...
- الحماية الدولية للمدنيين في الأقاليم المحتلة .... رسالة ماجس ...
- أوجه الالتقاء والاختلاف بين القانون الدولي الإنساني وحقوق ال ...
- مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني المحلية في مخيمات لبنان
- تعريف الإضراب في القطاع العام والخاص وأشكالة
- التطور التاريخي للإضراب في فلسطين


المزيد.....




- كيف تستعد إسرائيل لاحتمال إصدار مذكرة اعتقال دولية لنتنياهو؟ ...
- منظمة التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بش ...
- الأمم المتحدة: الطريق البري لإيصال المساعدات لغزة ضرورة
- الداخلية التركية تعلن اعتقال 23 مشتبها بانتمائهم لـ-داعش- بع ...
- تقرير كولونا... هل تستعيد الأونروا ثقة الجهات المانحة؟
- قطر تؤكد اهتمامها بمبادرة استخدام حق الفيتو لأهميتها في تجسي ...
- الكويت ترحب بنتائج تقرير أداء الأونروا في دعم جهود الإغاثة ل ...
- كيان الاحتلال يستعد لسيناريو صدور مذكرات اعتقال بحق قادته
- سويسرا تؤجّل اتّخاذ قرار حول تمويل الأونروا
- السودان: خلاف ضريبي يُبقي مواد إغاثة أممية ضرورية عالقة في م ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - سامر أحمد موسى - الحماية الدولية للمدنيين في الأقاليم المحتلة .... رسالة ماجستير ....الجزء السادس