أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلام عبود - يـوميات عربـيـة في أسـوج مـن الثورة الـمؤدبة الى الثورة الخجولة















المزيد.....


يـوميات عربـيـة في أسـوج مـن الثورة الـمؤدبة الى الثورة الخجولة


سلام عبود

الحوار المتمدن-العدد: 600 - 2003 / 9 / 23 - 04:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


 

للثورات صفات معلومة، حالها كحال الاشياء الاخرى. فعلى يد تروتسكي شاع مصطلحا الثورة الدائمة والمغدورة. وهناك من الثورات ما نعتت بالسلمية واخرى بالعنيفة. وهناك ثورات زهرية كثورة القرنفل. هناك ثورات خضر وبيض، ومخملية كثورة فاتسلاف هافل واخرى ناشفة كثورة الجياع، ومكبوتة كالثورة الصامتة، وهناك ثورات مسروقة، هناك ثورات وثورات. فالنفس لها ثورتها، وللبراكين ثورتها، وحتى النحل والنمل له ثوراته، ووحده الذي يتوجب عليه ان لا يثور هو الفلسطيني، واذا بلغ به الضيم اقصاه واراد ان يرمي حجرا، فيتوجب عليه ان يرمي حجرا مرخصا له دوليا خاليا من الاذى. وحبذا لو كان رحيما، مطاطيا، كالرصاص الاسرائيلي. واذا ما تحتم عليه ان يثور فيتوجب عليه ان تكون ثورته   مؤدبة فنحن مقبلون على عصر التأديب الدولي.

أسوج...

الثورة الجسدية! أهو اسم الثورة الفلسطينية في مرحلة ما بعد ثورة الحجار؟ ام انها الثورة اللولبية؟ هل اختار الفلسطيني شكل ثورته ام انه دُفع دفعا نحو ذلك الاختيار الاجباري؟

الخيال الشعري الفلسطيني المشبع بالتحدي والعناد والصدمات كان اول من ابتدع حرب الجسد. فالشاعر كان سباقاً على السياسي في تحويل الجسد آلة للقتال. فما كان شعرا اصبح واقعا. وما كان شعرا يعبّر عن الامل، اصبح واقعا يعبّر عن ضياع الامل. ولكن، بماذا نضربهم لو فشل نضال الاجساد المقنبلة؟ لا اظن خيال الشعراء قادرا على اختراع جواب عن هذا السؤال الاسود.

* * *

خطرت هذ الافكار السود على بالي، عصر يوم ماسخ، من ايام ستوكهولم المعتادة. حدث ذلك في ميدان سيرغل، الذي يتخذه الناس موقعا تاريخيا للاحتجاج السياسي، والذي شهد يوما ما مسيرات العداء لأميركا خلال حرب فيتنام. انه مركز العاصمة التجاري ايضا. بعضهم يقصده للتسوق، او لشراء لفة حشيشة، فهو موقع المدمنين كذلك، حسب رأي الشرطة واليمين الاسوجي الذين يصرون على ازالة الميدان، للتخلص من رائحة المخدرات وايام فيتنام وسحنات المهاجرين التي تملأ ارجاءه.

رائحة الدم هي التي جذبتني الى ميدان سيرغل. دم الشعب الفلسطيني طبعا. فقد كان الدم العراقي النازف حينذاك يسيل صامتا الى الداخل، الى جوف المقابر السرية. كانت الساحة منقسمة على نفسها قسمين: في الخلف تعزف فرقة شبابية بمكبرات صوت عالية، الحانا شديدة الصخب، جاذبة انتباه المارة، وفي الجزء الامامي يتجمهر مئات من العرب الغاضبين تشاركهم جماعات محدودة  من الاسوجيين، اغلبهم من اليساريين والسنديكاليين والفوضويين. ورغم اليأس، يأس الشيخوخة والاذلال الابدي، فقد ايقظ غضب المحتجين جذوة كانت غافية في النفس، وحينما سرى همس بأن المتجمهرين سيتوجهون سرا الى السفارتين الاسرائيلية والاميركية، ارتعش جذر كان قد يبس في القلب من قبل.

"يا للعظمة! ربما سنرمي حجرا على حائط اسرائيلي!" قلت لصديقي الثوري القديم والوحيد الذي تكرم، لسبب مجهول، بالحضور الى الميدان. نظر الرجل اليّ بتعقل عجيب وقال بصوت محتضر، خارج من سراديب الايديولوجيات المنهارة: "لكن الجماعة ماكو عندهم رخصة من الشرطة للتحرك من الساحة!". قلت له وانا أوشك على الاستفراغ تقززا: "هل سمعت بآخر نكتة: قيل ان يهوديا ذهب الى هتلر مرة وطلب منه تصريحا لغرض قذف الرايخساغ بالحجار". نظر اليّ صديقي الثوري البائس بتجهم وابتعد مسرعا، وهو يتلفت حوله، خشية ان يكون احد جنود اسرائيل المبثوثين في الفضاء مثل الغبار قد سمع حوارنا.

حينما توجهنا نحو سفارة اسرائيل لم نجدها. فبدلا منها وجدنا صنوفا متنوعة من قوات مكافحة الشغب، من طوابير السيارات المجهزة بالاسلحة، الى الخيالة والكلاب واجهزة التصوير والمتاريس. قذفنا حجاراً على جدران تبعد مئات الامتار عن الشارع الذي يسبق الشارع الذي توجد خلفه سفارة اسرائيل. قذفت مثل اي طفل حجرتين صغيرتين. رأيتهما تطيران في الهواء ثم تحطان مثل ذبابتين على الرصيف المجاور. كنت مزهوا بنفسي، وانا اشعر ان الغصة التي حاصرتني بفعل مشاهد القتل العلني للفلسطينيين قد خفت وطأتها. فها هي حجاري تسقط على بعد كيلومترات من سور بناية سفارة اسرائيل!

في طريق عودتي الى البيت، فتحت مذياع السيارة، فدهمني صوت المذيعة المنفعل في اذاعة اسوج يقول: "الفلسطينيون ينقلون العنف الى شوارع العاصمة ستوكهولم. فلسطينيون يهاجمون سفارة اسرائيل بالقنابل الحارقة. سقوط جريحين واحراق عدد من السيارات. الشرطة تصد هجوم مسببي العنف والشغب".

كنت على الطريق الدولي السريع. على طريق لا محطة فيه للتوقف. طريق يرغمك على ان تتقيأ دما على نفسك. طريق معوج الضمير، يشبه تستر العالم المتحضر على مجزرة ترتكب امامه. مجزرة متواصلة تنقلها للتسلية محطات التلفزيون عن موت علني مع سبق الاصرار، موت على طرق سريعة، طرق مرسومة على خرائط كاذبة.

انهم يسلبوننا حتى حق ان نرمي حجرا على جدار يبعد مئات الامتار عن سفارة دولة محتلة. فكم هي مقدسة حيطان اسرائيل!

ومن يتكرم بمنح الثوريين العرب رخصة رشقها بالحجار!

* * *

معجب عراقي لا اعرفه شخصيا اهداني مطبوعات ادبية مقرونة برسائل مديح طوال صدّرها بالعبارات الآتية: "ايها الروائي المبدع، والكاتب الفذ". طلب مني هذا الصديق المجهول بضعة اشياء ثقافية لا تتوافر لديّ. اعتذرت منه، وزيادة في الاعتذار شرحت له وضعي النفسي المضطرب من جراء مشاهدة ابنائنا يُقتلون في فلسطين. قلت له في لحظة عاطفية عامرة بالود القومي البدائي، اصف فيها حالي وخيبتي الشخصية: نحن محاصرون مثل "حشرات صغيرة" على يد الاعلام المعادي.

* * *

الاعلام الاسوجي كان مستعدا مهنيا وعقليا ونفسيا لمواجهة الانتفاضة الفلسطينية، كما لو كان مشاركا في التحضير لقمعها.

فالخبر التلفزيوني هنا يبدأ هكذا: "رد الجنود الاسرائيليون اليوم على الفلسطينيين، على اثر هجمات قام بها الفلسطينيون على المستوطات اليهودية"، "جرح الخميس الماضي مستوطن يهودي على يد قناصة فلسطينيين، وعلى اثرها قام الجنود الاسرائيليون...".

لقطة تلفزيونية صامتة: جندي اسرائيلي وديع، تحاصره عصابة من الفلسطينيين الشرسين والحاقدين، الذين يلوذون بالفرار بعد ان يضربهم الجندي بحجر. التلفزيون الاسوجي لا يتابع الحجر حتى لحظة سقوطه على الارض، بل يقطع المشهد مكتفيا بمشهد الجندي الاسرائيلي الشاب المحاصر.

ولكن حينما يسقط الحجر الاسرائيلي في الفيلم الحقيقي، غير الممنتج، تتطاير اعمدة الدخان واللهب. لم يكن الاسرائيلي يبادل الاطفال الفلسطينيين حجرا بحجر، كان يبادلهم قنبلة بحجر، طبقا لقوانين اوسلو وكمب ديفيد وخريطة الطريق.

هذا الجهاز المخادع، الذي اسمه التلفزيون، يؤرخ لحجارنا الارهابية، كدليل اتهام، ويبتلع قنابل اسرائيلية كأنها حلوى مقدسة.

* * *

اليهود كانوا معنا في ستوكهولم. شاركوا في غير تظاهرة. قال لي مثقف عربي يساري: "ذلك مكسب للحق العربي". بدت مطاليبهم لا غبار عليها: "فقط عدم شتم اليهود وعدم ذكر ازالة دولة اسرائيل". كان هذا مطلبهم في التظاهرة الاولى. في التظاهرة التالية طالبوا بمنع شتم الصهيونية وفازوا بفرض هذا الحق على الجميع، خاصة على العرب، عدا الصبية اليساريين الاسوجيين. وفي فترة الاعداد للتظاهرة الثالثة اعلنت رئيسة الجمعية اليهودية في اسوج: "ان حق العودة، الذي يتحدث عنه الفلسطينيون، أمر لا معنى له، وإن القدس عاصمة إسرائيل الأبدية". خلال شهرين فقط جردوا المتظاهرين من حق التنديد بالصهيونية، ثم من حق إدانة سياسة الاحتلال، ثم أعلنوا جهاراً منع التصريح بحق العودة والقدس. فماذا يبقى لدينا من حقوق بعد سنة من التحالف على أرصفة ستوكهولم. وإذا كانوا يجردوننا من حقوقنا ونحن في ستوكهولم، فأيّ حقوق يبقون لنا حينما نكون معهم في شوارع القدس؟

* * *

ممثل الحكومة الأسوجية العائد تواً من إسرائيل، يجيب التلفزيون الأسوجي، الذي يسأله عن حقيقة وجود إمكان لإنهاء هذه المشكلة العويصة (مشكلة فلسطين)، يقول: لكل مشكلة حل ولكل بداية نهاية. وإذا كنا لا نستطيع التأثير على أطراف النزاع عسكرياً وسياسياً، فإننا من دون شك نستطيع التأثير مالياً. كيف؟ الفلسطينيون يحصلون على أموال ضخمة من الغرب لقاء اتفاقات السلام، وإذا أصروا على عدم احترامها فسيخسرون مالياً على الأقل.

إنهم يهددون القيادات بأموالهم، ولا أحد يعرف الى أيّ مدى يستطيعون المضي في تهديداتهم والى أيّ مدى يستجيب متلقّو تلك الأموال. لكن الذي لم أفهمه حتى الآن، كيف يمكن تهديد طفل من أطفال غزة الحفاة مالياً؟

* * *

"إسرائيل ترد بالقصف على مواقع حزب الله المتحالف مع إيران". هكذا يصفون قصف لبنان. حيث يختزل لبنان الى حزب. وزيادة في الإيضاح يوضع لهذا الحزب حليف هو الشيطان الأكبر. ثم ينطق اسم الحزب بفحيح خاص: "الللللههههه". وما تبقى من الحدث يتركونه للمخيلة الحرة، الثرية، لمتلقي الخبر الأوروبي.

في المعركة الدائرة على أرض فلسطين، تحولت فلسطين من وطن مغتصب وشعب مشرد ومستباح الى مبنى للشرطة، وتحولت البيوت والمزارع والمدارس الى قوات الـ،17 وأصبح المواطن، حتى البالغ من العمر ثلاثة أشهر تابعاً لقوات الـ،17 أو محتمياً بجدرانها، لذلك وجب قتله علناً. لقد اختزل الناتو الشعب اليوغوسلافي بميلوسيفيتش، والشعب العراقي بصدام، وها هو يختزل الشعب الفلسطيني ببناية للشرطة الخاصة، لم يبق منها حجر لم تفتته صواريخهم. ففي زمن العولمة تجري عولمة اللامنطق، وتجري عولمة موت الشعوب باختزالها الى أفراد، لا يبكي أحد على موتهم.

* * *

بعد تدمير جهاز الـ،17 ظهر بديل جديد لا يبكي عليه أحد، حتى المثقفون العرب الذين يحبون البراءة الغربية، ناصبوه العداء: الإرهابيون!

لذلك لم يعد أحد يجرؤ على القول أنا معارض إلاّ إذا كان من عصابات إبن لادن و"طالبان". ماذا نفعل بأحاسيسنا كضحايا؟ وأين ندفن غضبنا على الطغيان والظلم والاحتلال إن وجد. ألا يحق لنا أن نكون جمهوريين وديموقراطيين كالأميركان؟ ألا يحق لنا أن نطلق عياراً نارياً من دون إذن مسبق من صدام؟ أكتب علينا أن نكون لصوصاً ووهابيين ولادنيين وصداميين إذا سوّلت لنا أنفسنا أن نعارض قتل طفل بريء أو حرق حقل أو هدم بيت أو مصنع، أو سرقة وطن؟

* * *

أسوج في فترة رئاستها الموقتة للبرلمان الاوروبي، لعبت دوراً أساسياً في تجريد الفلسطينيين من أسلحتهم لصالح إسرائيل. هذا ما لم يفهمه العرب حتى الآن. العم سام يبدو مشغولاً بأمور أقل تفاهة من قضية الاحتلال  والإرهاب الإسرائيلي. صحيفة "افتون بلادت" تنشر عنوانا كبيرا على صدر صفحتها الأولى، عقب انفجار النادي الليلي الاسرائيلي، يقول: "الجميع في انتظار الثأر الاسرائيلي".

رئيس الوزراء الاسوجي الذي تكفل خلال فترة رئاسته للمجلس الاوروبي سحق الفلسطينيين صمتا، واطلاق يد اسرائيل لتسويتهم بالارض، دان العمل البربري الفلسطيني، واضاف: "ان اسرائيل تظهر قدرا عاليا من الحكمة لأنها تتجرع مرارة عدم الثأر".

تخيّلوا: "مرارة عدم الثأر". تخيّلوا. رؤساء حكومات أوروبية، ديموقراطيون حتى العظم، يتحدثون بلغة القبائل البدائية، يتحدثون عن الثأر ومرارته. ففي مواجهة الفلسطيني يرتد كل شيء الى أصله، يرتد الحجر الى سلاح، ويرتد الساسة الى قادة قبائل، ويرتد الصحافيون الى لصوص صور وكلمات تافهين، ويرتد ملوك الديموقراطيات الذين طالما بهرونا بدفاعهم عن حقوق البشر الى مبشرين بالقتل. هكذا صرحت سيلفيا، ملكة أسوج، التي رأت أن سبب استمرار الانتفاضة عدم وجود رحمة في قلوب الأمهات الفلسطينيات اللواتي يدفعن أبناءهن الى الموت.

حين طالبت سيلفيا البرلمان الأسوجي، في العام الفائت، باتخاذ إجراءات عقابية ضد مغتصبي الأطفال، هاجمتها الصحافة الأسوجية بأبشع صورة، قائلة لها: حتى مغتصب الأطفال مواطن، يجب أن تشمله رعايتك، لا دعوتك له بالعقوبة، فأنت ملكة الجميع، كما يُفترض. سيلفيا التي تدين الأمهات الفلسطينيات، لم تسمع من يقول لها: وماذا عن قلوب أمهات الجنود الإسرائيليين الذين يقتلون الأطفال الأبرياء.

بيد أن رويدة عدنان، العضو القيادي في حزب البيئة الأسوجي، وقفت بجرأة علناً وقالت لسيلفيا ما لم يقله مناصرو الأطفال وحقوق الإنسان، قالته في خطاب أمام مسيرة كبيرة. لكنها بعد أسبوعين فقط وجدت نفسها على الصفحات الأولى للجرائد اليومية وعلى شاشات التلفزيون على لائحة سارقي أموال الشعب. صحيفة  "سفسنسكا داغ بلادت" وضعت صورتها الى جوار صورة رئيسة البوسنة السابقة.

بعد خمسة أشهر من هذا التاريخ، سقطت أهم شخصية نسائية يسارية أوروبية: غدرون شيمان. سبب سقوطها المدوي والفاضح أنها لم توثق شهادة الإقرار الضريبي بدقة، مما جعلها تخطىء بمبلغ يقرب من ألفي دولار. كانت تلك كارثة لليسار، خاصة لبرنامجه الانتخابي، الذي وضع قضية الضرائب في المقدمة. هكذا فسر الناس الخبر، لكنهم وهم يبتلعون خبر سقوط شيمان، ابتلعوا معه حقائق أساسية: إنها قائدة الاتجاه المعارض للوحدة النقدية الأوروبية الذي بدأ التصويت له في الرابع عشر من أيلول، وهي وجه بارز من وجوه الاتجاه المعارض لاحتلال العراق، وهي في الأخير صاحبة الرأي المحرج للسياسة الأسوجية: لماذا يحق لإسرائيل المدللة، اللعب بالسلاح علناً، حتى النووي منه؟

* * *

إذا كان الفلسطيني، حتى ابن الثانية من العمر، يقتل على أنه من عناصر الـ17 أو من الانتحاريين أو من "الجهاد" أو من "حماس"، فإن العراقي الذي يقاوم الاحتلال الأميركي هو أحد عنصرين: لص أو مقاتل من جماعة فدائيي صدام من سكان المثلث السني. فمن يجرؤ على رفع راية المقاومة ولو في شكلها السلمي والمدني والديموقراطي؟ ترى، هل يطلق التاريخ على ثورتنا ضد المحتل، لو أخذت طابعها الشعبي، يوماً ما، تسمية الثورة المثلثة؟ ربما يسمّيها البعض الثورة الخجولة. فكثيرون يصيبهم الخجل وهم يسمعون الطلقات الموجهة الى المحتلين. ولا أحد يعرف أهو خجل العار، أم خجل التردد، أم خجل الحكمة العجيبة، التي تصر  إصراراً مريباً على منح صدام، حتى بعد اقتلاعه، بطولة مجانية، كان الأولى أن تكون من نصيب الشعب؟

هل كتب علينا أن يحكمنا صدام وهو رئيس مطلق اليدين، ويتحكم بحيائنا ومشاعرنا وهو مختبىء في جحر الأميركان؟ متى ننهي عقد الارتباط السري بيننا وبينه؟

* * *

11 سبتمبر، يوم اسود. عصر يوم امس (10 سبتمبر)  طُعنت أنّا ليند وزيرة خارجية اسوج حينما كانت تتسوق في احد متاجر العاصمة. كرر الاطباء الجراحون اقوالهم عن حالتها الحرجة في نشرات الاخبار الصباحية نشرة تلو نشرة حتى الساعة التاسعة. رئيس الوزراء أجّل مرتين ظهوره على شاشة التلفزيون. في التاسعة والربع اعلن نبأ موت ليند، وفي ثنايا الخبر عرف الناس انها ماتت في الخامسة وتسع وعشرين دقيقة صباحا. انهم يعتصرون الموت اعتصارا كي يستخرجوا منه آخر قطرة مفيدة تخدم حياتهم السياسية. فليند هي ابرز وجوه التيار المؤيد للوحدة النقدية. وهو تيار لا يملك حظا كبيرا في الفوز في الانتخابات التي عقدت في 14 ايلول في اسوج حول الانضمام الى الوحدة النقدية. وقبل اعلان نبأ موتها اخذت شاشات التلفزيون تردد بدون انقطاع السؤال الآتي: هل سيخدم موتها انصار الوحدة النقدية؟ ربما. فقد خسر معارضو الوحدة النقدية بعض اصواتهم. بيد ان ما لم يقله الاعلام المحلي ان الخاسر الاعظم هو نحن، وخصوصا الفلسطينيين. فأنّا ليند هي آخر بقايا الحرس الايديولوجي في صفوف الاشتراكيين. من جيل المجددين الاشتراكيين، المتحدرين من اسرة اولوف بالمه الروحية. خسارتهم كبيرة. اما خسارتنا فأكبر. فبعد اغتيال اولوف بالمه، وبعد ابتعاد وزير الخارجية السابق ستين اندرسون عن دائرة الحكم، لن يتبقى الكثير من مناصري القضية الفلسطينية الحميمين الكبار. كانت أنّا ليند صوت اسوج الشاب، المعتدل والعادل. بموتها فقد الفلسطينيون والعرب وشعوب كثيرة صديقاً اتهم خصمه بالصراحة والمباشرة. كانت ليند اول من بادر من السياسيين الى التعليق على استقالة ابو مازن قائلة بصراحتها ومباشرتها المعهودة: "ان حكومة اسرائيل تتحمل مسؤولية الاستقالة بسبب تعنتها".

* * *

حاولت ان اربط ما كتبتُه عن فلسطين بما يحدث الآن في العراق، لكنني فشلت.

حدثان هامشيان صغيران وتافهان مزّقا حبال افكاري، عودة سفير بريطانيا الى بغداد ورسالة جديدة من المعجب العراقي بكتاباتي.

عودة السفير البريطاني الى بغداد التي سبقت تشكيل حكومة عراقية اصابتني بالحيرة. لمن يقدّم سعادة السفير اوراق اعتماده؟ هل يقدّمها لاحقا بأثر رجعي للرئيس العراقي القادم؟ ام ان الرئيس العراقي القادم سيقدّم اوراق اعتماده الى سيادة السفير السابق؟

شدة الكارثة جعلتني لا اقوى على معرفة ايهما اسبق: البيضة ام الرئيس!

* * *

اليوم وصلتني رسالة غاضبة من صديقي بالمراسلة، المعجب بكتاباتي، يرد فيها على عدم ارسالي له ما اراده مني في رسالته السابقة. صدّر صديقي المعجب رسالته بالعبارة الآتية:

"ايها الحشرة الصغيرة!".

انها العولمة، عولمة الهزيمة الروحية. عولمة الاذلال والاستعباد والاحتلال والوضاعة.



#سلام_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الـشــاعـرة الأســـوجـيــة اديـث ســودرغــران تـكـســر جــلـ ...
- مــن يـكـون -الـروائـــي- صـــدام حـســــيـن؟ عـن -زبــيــبـ ...
- إعــادة إعـمـــار الـثــقـــافـــة فـي الـعــــراق الـبــعــ ...
- الـمــــوت يـمـشـــي فـي نــومـــه
- أقــنـعـــة الـفـــرهـــــود
- هل استقر مهد الحضارات في بطون الدبابات؟
- ســقـط الـديـكــتـاتـور صـعـد الـيـانـكـي: تهـانـيـنـا
- المسألة العراقية بين خيار أسوأ الاحتمالات و خيار المبدئية ال ...
- الرهينة - من القصة القصيرة الى الرواية-


المزيد.....




- -التعاون الإسلامي- يعلق على فيتو أمريكا و-فشل- مجلس الأمن تج ...
- خريطة لموقع مدينة أصفهان الإيرانية بعد الهجوم الإسرائيلي
- باكستان تنتقد قرار مجلس الأمن الدولي حول فلسطين والفيتو الأم ...
- السفارة الروسية تصدر بيانا حول الوضع في إيران
- إيران تتعرض لهجوم بالمسّيرات يُرَجح أن إسرائيل نفذته ردًا عل ...
- أضواء الشفق القطبي تتلألأ في سماء بركان آيسلندا الثائر
- وزراء خارجية مجموعة الـ 7 يناقشون الضربة الإسرائيلية على إير ...
- -خطر وبائي-.. اكتشاف سلالة متحورة من جدري القرود
- مدفيديف لا يستبعد أن يكون الغرب قد قرر -تحييد- زيلينسكي
- -دولاراتنا تفجر دولاراتنا الأخرى-.. ماسك يعلق بسخرية على اله ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلام عبود - يـوميات عربـيـة في أسـوج مـن الثورة الـمؤدبة الى الثورة الخجولة