أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عبد الحسين شعبان - صراع خارج المكان















المزيد.....

صراع خارج المكان


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 1967 - 2007 / 7 / 5 - 13:54
المحور: القضية الفلسطينية
    


أعادني الاحتراب بين الفصيلين الفلسطينيين " حماس" و" فتح"، الى استذكار ادوار سعيد، وكتابه "خارج المكان". المكان الذي ظلّ حلماً وبدا وهماً، يستدّل عليه أو يتم تعويضه بالذاكرة والبحث عن الهوية والمفقود!
حكومة الانقلاب الحمساوية المتشبثة بالانتخابات الديمقراطية، والتي أرادت التمسك بإمارة أو دوقية في غزة، لم تدرك أنها بددت الخيار الديمقراطي المدني الشعبي، واستبدلته بالخيار العسكري الانقلابي الارادوي، وحكومة الطوارئ الفتحاوية المتشبثة باسم " منظمة التحرير الفلسطينية" أرادت استعادة " السلطة المفقودة" من يد حماس، حتى وإن كان في " مقاطعة" أو "كانتون" الضفة. أما منظمة التحرير الفلسطينية وهي الاطار الشرعي التاريخي الواسع لمكوّنات الشعب العربي الفلسطيني منذ أكثر من 40 عاماً، فقد أُخضعت لمتطلبات السلطة منذ اتفاقيات أوسلو عام 1993.
اتفاق مكة الذي حال دون انزلاق الازمة الى حدود الانفجار، أصبح في خبر كان، لأن المُضمر أو المخفي كان مثل النار تحت الرماد، وذهبت أدراج الرياح الوساطة السعودية والمتابعة المصرية والمناشدات العربية، لأن الطرفين كانا يؤجلان أو يتجنبان المعركة " مؤقتاً"، لكنهما لا يستبعدان اندلاعها أو التحضير لخوضها، ولم يعد الحكم برأسين أو الجلوس على مقعدين ممكناً، في مكان بدأ يضيق على من فيه، خصوصاً باستمرار الحصار الاسرائيلي ومحاولات العزل الامريكية والاوروبية والضغوط الدولية.
لم تكن حماس مستعدة للتنازل أو المرونة بشأن " السلطة الموعودة"، ومهما حاولت تقديم قدمٍ وتأخير أخرى، فإن حلم " السلطة الموهوبة" أصبح يسيطر عليها ويوازي المكان ذاته، بل انها بشكل واعي أو غير واعي أصبحت تضاهي القضية برمتها. أما فتح فإن شعورها بالفقدان وضياع المواقع والمستقبل المجهول لم يجعلها التسليم بالواقع، بل دفعها بكل السبل الى استعادة " السلطة المفقودة" أو "المسلوبة"، واضطرّت في البداية على مضض أن تتجرّع كأس " الهزيمة" الانتخابية- الديمقراطية، لكنها ظلّت تتحيّن الفرصة للانقضاض ولو على مقاطعة أو كانتون تعويضاً عن " المكان".
وبدلاً من وحدة الضفة والقطاع، الذي حاول جدار الفصل العنصري أن يقطّع أوصالها مع بقية أجزاء الوطن الفلسطيني، استمرت اسرائيل بتحدّي العالم وتجاهل الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في لاهاي، في حين زاد الاحتراب الفلسطيني – الفلسطيني الطين بلّة وكشف هزال وعدم الشعور بالمسؤولية إزاء المكان والمستقبل، ناهيكم عن الحاضر وهو ما حصل ميدانياً على الأرض بسقوط مئات الضحايا قتلى وجرحى وتخريب ونهب الممتلكات والمباني والمنشآت العامة والخاصة.
وبغض النظر عن مبررات وحجج الفريقين، والنقد الشديد الذي تعرّضت له خطوة الانقلاب على " الشرعية" بالافتقاد الى الشرعية، وكذلك خطوة حكومة الطوارئ بضعف التسويغ القانوني، أقول بغض النظر عن المبررات فإن كيانين فلسطينيين متنازعين قد أقيما في جزء من المكان، الذي لا يزيد عن 22% من فلسطين المتخيّلة وبخاصة ما بعد عدوان اسرائيل 1967 والمفصولة في أكثر من موقع ومكان بجدار عازل.
ولكن هل يمكن فصل ما حصل في قطاع غزة عمّا حصل في الضفة الغربية، وما جرى لفلسطينيّ العراق عمّا يجري لفلسطينيّ نهر البارد؟ أهو المكان الذي تحدث عنه أدوار سعيد، والذي يشكل الهاجس لكل الفلسطينيين، الذين تؤرقهم الهوية والذاكرة: حلماً وأخرى أملاً وثالثة وهماً ورابعة كابوساً، ولعل هذا ما يعيشه الفلسطينيون أو ما يشعرون به بعد حرب حماس- فتح، في ظل تشظي القضية وغياب الحلم- المكان بعد اتفاقيات أوسلو.
لقد استطاع ادوار سعيد وهو أحد أبرز المثقفين العرب الموسوعيين في القرن العشرين أن يخاطب العقل الآخر. ولعل قيمة كتابه الشيّق والممتع " خارج المكان" لا تأتي من السرد الوجداني وحبكته الدراسية، وليس من مضمونه أيضاً رغم أهميته الكبرى، وإنما لكونه يجسّد إحدى الشهادات المهمة لعصرنا، خصوصاً عن حدث بالغ الأهمية والتأثير على المستوى العالمي وما زال يوخز الضمير الانساني.
وتتحدث شهادة خارج المكان كيف تم اقتلاع شعب من أرضه ورميه " خارج المكان"، في محاولة لمحو ذاكرته ومصادرة تاريخه وإقصاء مستقبله. من هنا كانت شهادة البروفسور سعيد الأخطر على الحركة الصهيونية، منذ صدور كتابه "الاستشراق" عام 1978، حين أعاد طرح القضية على نحو مختلف في مواجهة "العقل الغربي" المتنفّذ.
بحث سعيد في التفاصيل الصغيرة، في العوالم والذكريات والأمكنة والحارات والبيوت، وهي في العادة تلك الجزئيات، التي يستعيدها المنفيّون واللاجئون، خصوصاً حين يتم الإجلاء قسراً وتصبح العودة الى مسقط الرأس وأماكن الطفولة والصبا نوعاً من العقاب المستمر، خصوصاً استحالة العودة الى المكان، فما بالك وهو يتشظى أو ينقسم!
البحث عن الهوية يمثل العلاقة المركبة والمزدوجة بين الوطن والمنفى، بين الانسان والمكان، بين الانسان وذاكرته، فقد كان سعيد يستعيض أحياناً عن فلسطين بمصر ومصايف لبنان، لكن فلسطين تبقى تمثّل الفضاء الذي تسبح في سمائه الذكريات الاخرى.
حاول المفكر الامريكي من أصل ياباني فرانسيس فوكوياما في مقالته الشهيرة " نهاية التاريخ" عام 1989 التي عاد وطوّرها في كتاب عام 1993، أن يقارب مسألة اللاجئين ولكن من زاوية أخرى، فهو يعتقد وبعيداً عن الجوانب الانسانية، ان العالم المعاصر بعد انتصار الليبرالية كنظام سياسي واقتصادي بانهيار الكتلة الاشتراكية، يواجه تحدّيات أساسية في مقدمتها: مسألة اللاجئين (من الجنوب الفقير الى الشمال الغني) والإرهاب الدولي، الذي يمكن أن يهدد البشرية، والنفط، الذي هو بحاجة الى "عقلانية" في الإنتاج والاستهلاك والأسعار، ناهيكم عن القوى التي يمكن أن تتحكّم بهذه السلعة الناضبة.
في روايته الشهيرة " ليلة لشبونة" سجّل الروائي الألماني أريش ماريا ريماك على نحو واقعي وبأسلوب فني وأدبي رفيع المستوى، حياة المنفيين واللاجئين الألمان الفارّين من النازية والحرب العالمية الثانية. وعلى رغم مرور عدّة عقود على صدور هذه الرواية، فما زال موضوعها راهنياً من خلال معاناة اللاجئين وهواجسهم وهمومهم فثمت مشتركاً بين سيكولوجية المنفيين وشكوكهم وأوهامهم وانكساراتهم وأحلامهم، والأكثر من كل ذلك بحثهم المستمر عن هوية أو مكان جديد تعويضاً عن المكان الاصلي.
وفي خضم البحث عن العام من خلال الخاص وفي قراءة معمّقة لموازين القوى الاقليمية والدولية، حاول سعيد ان يرسم صورة الفلسطيني ومعاناته من خلال بحثه في الذاكرة والهوية والمكان، ليكون جسراً بين ماضي لا يمكن أن يُنسى وبين حاضر لا يمكن أن يدوم، وبينهما انعكاسات وانفعالات وأحداث ومؤامرات وحروب آمال.
لعل أحد مظاهر الانحلال والتخندق المتقابل، هو الفقدان، وعلى حد تعبير المفكر عزمي بشارة: فانه يتجلّى في مظهر من مظاهر الصراع داخل معسكر اعتقال محاصر، والكل وكأنهم رعايا لدى اسرائيل " خارج المكان" وربما خارج الذاكرة!
نشرت في صحيفة البيان الاماراتية(أبو ظبي) – بتاريخ 1/7/2007
كاتب ومفكر عراقي
د. عبدالحسين شعبان*




#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعقيب على تعقيب باقر ابراهيم
- عام على حكومة المالكي
- القرآن والجواهري
- الاحتلال الأميركي والفساد والميليشيات تفتت العراق
- أزمة الماركسية هل هي واقع أم مجرد دعاية سوداء!!؟
- ما يحدث في العراق ارهاب منفلت من عقاله (الجزء الاول والثاني ...
- بن لادن مجرم وعار على العرب والاسلام
- الاحتفال التكريمي الخاص ب الشخصية العربية البحرينية الكبيرة ...
- ما يحدث في العراق ارهاب منفلت من عقاله
- الارهاب الدولي وحقوق الانسان : رؤية عربية
- الفلسطينيون في العراق: الحماية المفقودة
- من دفتر الذكريات - على هامش حركة حسن السريع
- السيستاني أو ولاية الفقيه غير المعلنة!
- الحديقة السوداء في محطّات شوكت خزندار - الشيوعية - !
- الحكم الصالح والتنمية المستدامة
- الحكم الصالح (الراشد) والتنمية المستدامة
- حكومة المالكي عاجزة عن حل الميليشيات ومهددة بالانهيار
- احتمالات الحرب الاهلية في العراق
- خيارات الرئيس بوش في العراق
- الائتلاف والاختلاف في ستراتيجيات وتاكتيكات المقاومة العربية! ...


المزيد.....




- لم يسعفها صراخها وبكاؤها.. شاهد لحظة اختطاف رجل لفتاة من أما ...
- الملك عبدالله الثاني يمنح أمير الكويت قلادة الحسين بن علي أر ...
- مصر: خلاف تجاري يتسبب في نقص لبن الأطفال.. ومسؤولان يكشفان ل ...
- مأساة تهز إيطاليا.. رضيع عمره سنة يلقى حتفه على يد كلبين بين ...
- تعويضات بالملايين لرياضيات ضحايا اعتداء جنسي بأمريكا
- البيت الأبيض: تطورات الأوضاع الميدانية ليست لصالح أوكرانيا
- مدفيديف: مواجهة العدوان الخارجي أولوية لروسيا
- أولى من نوعها.. مدمن يشكو تاجر مخدرات أمام الشرطة الكويتية
- أوكرانيا: مساعدة واشنطن وتأهب موسكو
- مجلس الشيوخ الأمريكي يوافق على حزمة من مشاريع القوانين لتقدي ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عبد الحسين شعبان - صراع خارج المكان