أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - سامر أحمد موسى - الحماية الدولية للمدنيين في الأقاليم المحتلة .... رسالة ماجستير ....الجزء الخامس















المزيد.....



الحماية الدولية للمدنيين في الأقاليم المحتلة .... رسالة ماجستير ....الجزء الخامس


سامر أحمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 1967 - 2007 / 7 / 5 - 13:54
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


الفصل الثاني
واقع وحدود الآليات الدولية المعنية بضمان حماية المدنيين في الأقاليم المحتلة
بعد أن تبين لنا أن الحماية المدنيين في الأقاليم المحتلة، تم تكريسها قانونا على المستوى الدولي، وبعد استعراضنا لمضمون الحماية، وجدنا من الضروري البحث عن الأجهزة أو الوسائل أو الضمانات المقررة لضمان تنفيذ قواعد هذه الحماية وذلك بتبيان واقعها وحدودها، لأنه بالفعل يصدق الاستنتاج القائل بأن قواعد الحماية الدولية الإنسانية في هذا الشأن لا تحضى بالاحترام غالبا، لأن المسألة لم تعد مسألة نقص فقط في قواعد قانون الاحتلال الحربي، بقدر ما هي مشكلة أخطر من ذلك بكثير، إذ تتعلق بوضع هذه القواعد موضع التنفيذ.
ويجب التنبيه قبل الدخول في صلب هذا الموضوع بأننا سوف نتكلم عن واقع وحدود الآليات الدولية المعنية أو (الخاصة) على حد تعبير الدكتورة رقية عواشرية هذه الآليات التي تختص لتنفيذ قواعد القانون الإنساني بالذات، وذلك تميزا لها عن نظام المسؤولية الدولية الذي يعد آلية عامة يمكن تحريكها متى توافرت شروطها سواء تعلق الأمر بمسائل القانون الدولي الإنساني أو غيره من فروع القانون الدولي العام الأخرى، وعليه لن نتكلم عن نظام المسؤولية الدولية كآلية في هذه الدراسة، وستكون دراسة هذه الآليات الدولية المعنية بتطبيق القانون الدولي الإنساني في الأقاليم المحتلة محور المباحث الثالث التالية:
المبحث الأول:ضمانات الإشراف والرقابة على التنفيذ في اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافي الأول.
المبحث الثاني: دور مجلس الأمن في تنفيذ قواعد حماية المدنيين.
المبحث الثالث: دور الأجهزة القضائية الجنائية الدولية في تنفيذ قواعد حماية المدنيين.

المبحث الأول
ضمانات الإشراف والرقابة على التنفيذ في اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافي الأول
حاولت اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافي الأول الملحق بها خلق بيئة مواتية لاحترام القانون الدولي الإنساني وضمان تطبيق قواعده تطبيقاً أفضل، بغية تحقيق الغرض الإنساني منه.
فمنحت اللجنة الدولية للصليب الأحمر دوراً بارزاً في الإشراف على تطبيق وتطوير هذه القواعد، وسوف نتكلم عن هذا الدور كأول ضمانة بوصفها (اللجنة الدولية للصليب الأحمر) الأسبق ظهوراً تاريخيا في هذا المجال كما وضعت الاتفاقية مجموعة من القواعد لعمل ودور الدولة الحامية في الأقاليم المحتلة، وجاء البروتوكول الأول ليزيد من هذه الضمانات الخاصة بالنص على اللجنة الدولية لتقصي الحقائق، فالسؤال المطروح ما هو دور هذه الضمانات في تطبيق القانون الدولي الإنساني في الأقاليم المحتلة؟ وإلى أي مدى حققت ذلك؟
هذه الأمور ستكون محور الدراسة هنا من خلال الثلاثة مطالب التالية:
المطلب الأول
اللجنة الدولية للصليب الأحمر وتنفيذ قواعد حماية المدنيين
يرجع الفضل في تأسيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر"C.I.C.R" إلى النداء الرسالي الذي وجهه هنري دونان Henri Dunant سنة 1826 من خلال كتابه " نداء سولفارينو" هذا الذي دون فيه الشواهد الأليمة عن الحرب بين الجيش الفرنسي والنمساوي 1895 التي خلفت في نهاية الساعات الستة عشر منها 40.000 ضحية بين قتيل وجريح، إضافة إلى تسعة آلاف جريح عسكري قد تركوا بدون عناية بهم، حيث كان بالإمكان إنقاذهم.
على اثر هذا النداء اجتمع حول هنري دونان خمسة من الرجال السويسريين في مقدمتهم المحامي جوستاف موانييه G. Moynier رئيس جمعية جنيف للمنفعة العامة، هذا الذي دعا هذه الأخيرة للانعقاد سنة 1863 لمناقشة مقترحات دونان وترجمتها على أرض الواقع وتحقيقا لذلك قرر تشكيل لجنة تتكون من خمسة أشخاص هذه التي قررت مواصلة عملها كلجنة دولية دائمة باسم اللجنة الدولية لإغاثة الجرحى والتي سميت فيما بعد باللجنة الدولية للصليب الأحمر، والتي وضعت لممارسة دورها مبادئ عامة أمكنتها من النجاح في الميدان، وهذا ما سوف نتعرف عليه من خلال الفرعين التاليين:
الفرع الأول
الوضع القانوني الدولي للجنة ومبادئ عملها
تجدر الإشارة إلى أن اللجنة الدولية للصليب الحمر تتشكل مما لا يزيد عن خمسة وعشرين مواطناً سويسريا يتم اختيارهم تبعاً لقدراتهم الذاتية ونزعتهم الإنسانية، لمدة أربع سنوات بالاقتراع السري وبأغلبية ثلثي الأعضاء، وهو الأمر الذي يسمح لهم بتفادي الضغوط الخارجية ويجعلهم أحراراً في أداء وظائفهم وليس هذا الأمر فقط ما يساعدها على أداء دورها، بل هناك وضعها المميز في القانون الدولي بالإضافة إلى المبادئ المتفق عليها في عملها، وهذا ما سنتكلم عنه تبعاً:
أولا: الوضع القانوني الدولي للجنة الدولية للصليب الأحمر.
اللجنة الدولية للصليب الأحمر لا تعد شخصاً من أشخاص القانون الدولي، لأنها لم تتأسس بمقتضى اتفاقية دولية، بل تعتبر منظمة غير حكومية تتمتع بشخصية قانونية وفقاً للقانون المدني السويسري، وهي مستقلة عن الحكومة السويسرية، إلا أنه عهد إليها بمقتضى اتفاقيات جنيف الأربعة بدور دولي، لهذا منحها المجتمع الدولي في أكتوبر عام 1995 كمؤسسة محايدة ومستقلة صفة مراقبة في منظمة الأمم المتحدة بموجب قرار وافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع في دورتها الخامسة والأربعين وللجنة الدولية الحق في إبرام اتفاقيات المقر مع الدولة لتسهيل عملها من خلال منحها الحصانات والامتيازات التي تمنح عادة للمنظمات الحكومية الدولية، فالواقع إن المركز القانوني الدولي الذي تحظى به اللجنة الدولية يجعلها أشبه بالمنظمات الحكومية الدولية منها إلى المنظمات غير الحكومية.
ثانيا: مبادئ عمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
أعلن المؤتمر الدولي العشرون للصليب الأحمر الذي عقد في فيينا عام 1965 عن سبعة مبادئ
يقوم عليها عمل اللجنة وقد صنف الفقه الدولي هذه المبادئ إلى ثلاثة فئات نذكرها في ما يلي:
‌أ. المبادئ الأساسية: والتي تتمثل بمبدأ الإنسانية ومبدأ عدم التحيز، فالإنسانية من حيث الجوهر مّد يد العون لكل الضحايا دون استثناء من خلال نشر التفاهم المشترك والصداقة بين جميع الشعوب أما مبدأ عدم التحيز فيقوم باتخاذ اللجنة الموقف ذاته تجاه جميع أطراف النزاع دون تميزٍ أياً كان أساسه، مع إعطاء الأولوية لأشد الحالات عوزا للإغاثة.
‌ب. المبادئ المشتقة: ويقصد بها مبدأي الحياد والاستقلال، وهما وسيلتان لتطبيق المبادئ الأساسية عامة، كما تكفل للجنة الدولية للصليب الأحمر ثقة جميع الأطراف وقد نصت ديباجة النظام الأساسي لحركة الصليب و الهلال الأحمر الدولي على هذين المبدأين.
‌ج. المبادئ التنظيمية: وتشمل ثلاثة مبادئ وهي:
 مبدأ التطوعية: فإن الحركة الدولية للهلال والصليب الأحمر منظمة تطوعية للإغاثة لا تدفعها لإتمام عملها بأي حال من الأحوال رغبة الربح.
 مبدأ الوحدة: ونصت عليه ديباجة النظام الأساسي على أنه "لا يمكن أن توجد في أي بلد سوى جمعية واحدة للهلال والصليب الأحمر..." نظراً لأن وجود أكثر من جمعية وطنية يؤدي إلى الارتباك في العمل.
 مبدأ العالمية: فإن الهلال الأحمر والصليب الأحمر حركات عالمية النطاق تتمتع فيها كل الجمعيات بحقوق متساوية، وتقع عليها مسؤوليات وواجبات متساوية في مساعدة بعضها البعض وهذا ما عبرت عنه ديباجة النظام الأساسي للحركة وعليه فالعمل وفقا لمبادئه السابقة الذكر لتنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني يستهدف التخفيف من ويلات وآلام الحرب وما يترتب عليها، وهذا الدور سيكون محلاً للدراسة في الفرع التالي.
الفرع الثاني
دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الرقابة على تنفيذ قواعد حماية المدنيين
لإبراز هذا الدور الإنساني للجنة لابد من التوقف عند أكثر من ناحية نتكلم عنها تبعاً:
أولا: الأساس القانوني الذي تتحرك بموجبه اللجنة.
تستمد اللجنة الدولية للصليب الأحمر مشروعية نشاطها وحقها في التدخل والمبادرة لصالح الضحايا والمدنيين من منطلق عملها التقليدي وتواجدها الميداني من خلال شبكة مندوبيها، فشغلها الشاغل رعاية ودراسة تطبيق القانون الدولي الإنساني، فهي بهذا ليست بالتأكيد ضامنة لتنفيذ هذا القانون لأنها ليست هيئة تحقيق أو تحكيم فهي دائما تؤكد طابعها الإنساني.
في واقع الأمر فقد أقرت اتفاقيات جنيف الأربعة والبروتوكولان الإضافيان الملحقين بها، بالدور المحوري للجنة الدولية للصليب الأحمر في حماية المدنيين وهذا ما تضمنته المواد 9 - 9 - 9 - 10 المشركة بين الاتفاقيات التي منحت لها حقها التقليدي في المبادرة، أما المواد 10- 10- 10-11 من الاتفاقيات الأربعة فتضمنت دورها من منطلق كونها بديلا محتملا للدولة الحامية وهذا ما أكدته المادة 05 من البروتوكول الإضافي الأول.
فضلاً عما سبق، فقد نصت المادة 05 فقرة 02 (ج) من النظام الأساسي للحركة على إحدى أهم المهام الأساسية الموكلة للجنة بما يلي«الاضطلاع بالمهام التي تسندها إليها اتفاقيات جنيف والعمل على التطبيق الدقيق للقانون الدولي الإنساني الواجب التطبيق أثناء النزاعات المسلحة وتلقي أية شكاوي بشأن ما يزعم وقوعه من انتهاكات لذلك القانون» وبناء على هذه المادة فإن دور اللجنة هنا يتحدد بتذكير الأطراف المتنازعة بالقواعد الأساسية للقانون الدولي الإنساني، وذلك عن طريق إرسال مجموعة من النداءات إليهم قبل وأثناء وبعد النزاع، إضافة إلى قيامها بدور الوسيط المحايد من خلال مساعيها الحميدة وذلك بهدف إقامة نوع من الاتصال بين مختلف أطراف النزاع باقتراح حلول أخرى غير اللجوء إلى العنف، إضافة إلى تلقي الشكاوي بشأن الانتهاكات المزعومة للقانون الإنساني، وأخيراً المساهمة في عقد المؤتمرات لاعتماد وتطوير قواعد القانون الدولي الإنساني.
ثانيا: الوظائف المنوطة باللجنة:
ليس من السهل إدراك الوظائف والجوانب المتنوعة لدور اللجنة الإنساني وتفصيلها ورسمها بوضوح في تسلسل منطقي، لأن بعض وظائفها تتداخل معاً، ومع ذلك يمكن وضع تصنيف كما يلي:
- وظيفة الرصد: تقوم هذه الوظيفة بإعادة التقييم بصفة مستمرة للقواعد الإنسانية لضمان أنها توجه لتتناسب مع واقع أوضاع النزاع وإعداد ما يلزم لمواءمتها وتطويرها عندما يكون ذلك ضروريا.
- وظيفة الحفز: أي التنشيط وذلك في إطار مناقشة الخبراء للمشاكل الناشئة والحلول الممكنة لها سواء كانت هذه الحلول تنطوي على إجراء تغييرات في القانون أو غير ذلك.
- وظيفة التعزيز: أي مناصرة القانون والمساعدة في نشره وتعليمه.
- وظيفة الملاك الحارس: أي الدفاع عن القانون الإنساني ضد التطورات القانونية التي تتغاضى عن وجوده أو التي تقلل من فاعلية.
- وظيفة العمل المباشر: أي القيام بإسهام مباشر وعملي لتطبيق القانون في أوضاع النزاع المسلح.
- وظيفة المراقبة: أي الإنذار بالخطر أولاً بين الدول والأطراف الأخرى المعنية مباشرة في النزاع المسلح وبعد ذلك المجتمع الدولي ككل أينما حدثت انتهاكات خطيرة للقانون.
فإن مجمل هذه الوظائف تشكل لدينا دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الرقابة على تنفيذ قواعد الحماية للمدنيين في الأقاليم المحتلة، وخصوصا في إطار عملية الرقابة على التنفيذ، وبناءاً على ما تقدم نستطيع أن نبرز دور اللجنة في الأقاليم المحتلة، هذا الذي يعتبر جزء من ذلك الكل المبين أعلاه.
ثالثا: دور اللجنة كهيئة إنسانية تعمل لصالح المدنيين في الأقاليم المحتلة.
إن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعمل لصالح السكان المدنيين في الأراضي المحتلة من خلال السهر على مراقبة تطبيق الاتفاقية الرابعة من قبل دولة الاحتلال، وبتقديمها خدماتها الإنسانية والإغاثية عبر مندوبيها الميدانين للمدنيين في الأقاليم المحتلة، وتجتهد على الأخص في تحسين ظروف حياة المدنيين وكذلك المعتقلين والأسرى لدى دولة الاحتلال بتدخل اللجنة الدائم لتحقيق التحسينات اللازمة في ظروف الاعتقال والسجن، وعلاوة على ما تقدم فلها الدور في تلقي الشكاوي ضد الخروقات الخطيرة للقانون الإنساني المرتكبة من قبل دولة الاحتلال ومن الأنشطة الهامة الأخرى التي تقوم بها اللجنة لصالح المدنيين هي البحث عن المفقودين ونقل الرسائل العائلية بين الأشخاص الذين فصلتهم الأحداث، ونقل مواد الإغـاثة إلى السكـان الذيـن يتعرضون للمجاعة بسبب الحـرب، وبمعنى أخر فاللجنة الدولية تكون في كثير من الأحيان الجهة الوحيدة التي تستطيع اجتياز الأسلاك الشائكة وعبور الحصار أو التنقل بحرية في المناطق المحتلة.
واقع الأمر فإن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تتدخل لصالح الضحايا على أساس ما تضمنت المادة العاشرة من الاتفاقية الرابعة بقولها «لا تكون أحكام هذه الاتفاقية عقبة في سبيل الأنشطة الإنسانية التي يمكن أن تقوم بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو أية هيئة إنسانية أخرى غير متحيزة، بقصد حماية الأشخاص المدنيين وإغاثتهم، شريطة موافقة أطراف النزاع المعنية»، فيخضع نشاط اللجنة إلى موافقة أطراف النزاع، فيتعين على هذه الأطراف دراسة طلب اللجنة بحسن نية وأن يكون الرفض المحتمل لذلك الطلب مسبباً، لهذا فقد أورد البروتوكول الإضافي الأول ضمن مادته الخامسة الفقرة الرابعة النص الأتي«يجب على أطراف النزاع إذا لم يتم تعيين دولة حامية رغم ما تقدم، أن تقبل دون إبطاء العرض الذي تقدمه اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو أية منظمة أخرى تتوفر فيها كافة ضمانات الحياد والفعالية بأن تعمل كبديل بعد إجراء المشاورات اللازمة مع هذه الأطراف ومراعاة نتائج هذه المشاورات، ويخضع قيام مثل هذا البديل مهامه لموافقة أطراف النزاع...».
فالنص وإن جاء مدعما للدور المحوري الذي تلعبه اللجنة ومؤكدا على ضرورة الاستجابة دون تعطيل للعرض الذي تتقدم به اللجنة الدولية للصليب الأحمر لممارسة مهامها الأصلية أو مهامها كبديل عن الدولة الحامية هذه المهام التي تتسع كثيرا في حال عدم وجود الدولة الحامية، بينما في حال وجودها فتعمل اللجنة بموازاة معها وعلينا أن نضع أيدينا على ما يمكن وصفه بالعراقيل التي تعترض عمل اللجنة في ممارسة مهامها في الأقاليم المحتلة، هذه العراقيل لتي تتمثل في الخرق الدائم لقوات الاحتلال لاتفاقيات جنيف، وعدم إحترامها للحماية الممنوحة لمندوبي اللجنة ميدانيا.
أخيرا يمكن القول بأنه إذا كانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مسؤولة بصورة خاصة عن الحفاظ على سلامة القانون الدولي الإنساني وعن تعزيز إنقاذه وتطويره، غير أنها لا تقع على عاتقها فقط هذه المسؤولية، بل على عاتق الأسرة الدولية بصفة عامة وعلى قوة الدور الذي تلعبه الدولة الحامية في الإقليم المحتل، هذا الدور الذي سيكون محلاً لدراستنا في المطلب الثاني من هذا المبحث.
المطلب الثاني
الدولة الحامية كضمانة للإشراف على تنفيذ قواعد حماية المدنيين
لم يكن نظام الدولة الحامية نظاماً مستحدثاً في إطار اتفاقيات جنيف الإنسانية، وإنما هو تكريس لممارسة عرفية ترجع إلى القرن السادس عشر وتم تقنين هذا النظام لأول مرة في التاريخ ضمن المادة 86 وما يليها من اتفاقية جنيف لعام 1929 الخاصة بأسرى الحرب، فعرف هذا النظام دوراً في الحرب العالمية الثانية حيث كانت سويسرا في أواخر هذه الحرب دولة حامية لخمسة وثلاثين دولة وطور هذا النظام في اتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافي الأول، ولكن يبقى السؤال مطروحا هل تطور هذا النظام جعل منه أداة مناسبة للرقابة والإشراف على تنفيذ دولة الاحتلال لالتزاماتها اتجاه المدنيين؟ وللإجابة على هذا السؤال يتطلب الوقوف على تعريف الدولة الحامية وبدائلها في الفرع الأول، وأما الفرع الثاني فنخصصه لواجبات ومهام الدولة الحامية في الأقاليم المحتلة وذلك كما يلي:
الفرع الأول
تعريف الدولة الحامية وبدائلها
الدولة الحامية The Protecting Power حسب تعريف الدكتور محي الدين عشماوي هي «دولة محايدة تختارها الدولة المحتلة أراضيها لتتولى حماية مصالحها ورعاياها في الأراضي المحتلة وكذا للمعاونة والإشراف على تطبيق أحكام الاتفاقية الرابعة فيما يتعلق بحماية الأشخاص المدنيين المقيمين في الأراضي المحتلة» أما الأستاذ إيف ساندو فيعرفها بما يلي «هي دولة تكلفها دولة أخرى (تعرف باسم دولة المنشأ) برعاية مصالحها ومصالح مواطنيها حيال دولة ثالثة (تعرف باسم دولة المقر)» وبمعنى آخر فهي قبول دولة ما رعاية مصالح دولة أخرى ومصالح رعاياها لدى دولة ثالثة وتسمى الدولة الأولى الدولة الحامية، وتسمى الدولة الثانية الدولة الأصلية، وتسمى الدولة الأخيرة دولة الإقامة أو الدولة الحاجزة.
يستشف مما تقدم، أنه يتطلب لتعيين الدولة الحامية موافقة أطراف ثلاثة وهي الدولة الحامية والدولة المحتلة أراضيها ودولة الاحتلال التي يجب أن توافق على قيام الدولة الحامية بمباشرة نشاطها في داخل الأقاليم المحتلة، بمعنى آخر يتعين لقيام الدولة الحامية اتفاق مزدوج بين هذه الدول، ونتيجة لأهمية دور الدولة الحامية أكد المؤتمر الدبلوماسي لسنة 1949 على ضرورة شمول جميع الاتفاقيات التي يضعها لدور الدولة الحامية في الإشراف الإجباري على تطبيق أحكامها، مع النص على ضرورة وجود بديل يقوم بأعمال الدولة الحامية في حالة غيابها، وسنعرف ذلك بالتفصيل على النحو التالي:
أولا: الأساسي القانوني لأنشطة الدولة الحامية.
جاءت اتفاقية جنيف الرابعة لتأخذ بنظام الدولة الحامية من أجل المساعدة على تطبيق أحكامها ومراقبة ذلك التطبيق، حيث نصت المادة التاسعة من الاتفاقية على أن «تطبق هذه الاتفاقية بمعاونة وإشراف الدول الحامية التي تكون من واجبها ضمان مصالح أطراف النزاع...وعلى أطراف النزاع تسهيل مهمة ممثل أو مندوبي الدول الحامية إلى أقصى حد ممكن...»، وبتفسير نص المادة التاسعة- الذي يعتبر الأساس القانوني الدولي لأنشطة الدولة الحامية- نجد أنه يتضمن الأحكام الأساسية التالية:
- الدور الإلزامي للدولة الحامية، حيث أن جميع أطراف الاتفاقية ملتزمون بقبول الوظيفة الإشرافية لدولة الحامية التي تؤديها عبر ممثليها الدبلوماسيين والقنصليين أو غيرهم.
- عدم امتناع دولة الاحتلال عن تقديم كل التسهيلات لدولة الحامية حتى تستطيع الاضطلاع بمهامها.
- تقيد الدولة الحامية عند أداء نشاطها بعدم تجاوزها لحدود مهامها ومراعاة مقتضيات الأمن الضروري بالنسبة لمصالح قوات الاحتلال.
لكن مع هذا كله، فقد أثبتت تجارب الحرب العالمية الثانية أوجه قصور هذا النظام وعلى الخصوص من زاوية عدم اعتراف الدولة الحاجزة (المحتلة) بالدولة الحامية هذا من ناحية، ومن ناحية
أخرى عدم رغبة أغلب الدول المحايدة قبول هذا الدور، وذلك راجع حسب المهتمين لغياب المحفزات التي تجعل الدول المحايدة تتحمس لهذا الدور، وبالإضافة إلى تحاشيها الوقوع في المشاكل السياسية والقانونية التي يمكن أن تصادفها جرًّاء قبولها لدور الدولة الحامية لهذا كان لابد من وجود بدائل لهذه الدولة الحامية في حال غيابها.
ثانيا: بدائل الدولة الحامية.
كان واضعو اتفاقيات جنيف على وعي كبير بالصعوبات العملية التي يمكن أن تظهر في إطار تعيين دولة حامية، ومن هنا كان من الحكمة النص على إمكانية تعيين من يحل محلها، أي تعيين بدائل للدولة الحامية، والنص الوارد في المواد 10- 10- 10-11 من الاتفاقيات الأربعة على الترتيب يقضي بأنه «للأطراف السامية المتعاقدة أن تتفق في أي وقت على أن تعهد إلى هيئة تتوفر فيها كل ضمانات الحياد والكفاءة بالمهام التي تلقيها هذه الاتفاقية على عاتق الدول الحامية، وإذا لم ينتفع الأشخاص المحميون أو توقف انتفاعهم لأي سبب كان بجهود الدولة الحامية أو هيئة معينة وفقاً للفقرة الأولى أعلاه، فعلى الدولة الحاجزة أن تطلب دولة محايدة أو هيئة من هذا القبيل أن تضطلع بالوظائف التي تنيطها هذه بالدولة الحامية التي تعينها أطراف النزاع، فإذا لم يمكن توفير الحماية على هذا النحو، فعلى الدولة الحاجزة أن تطلب إلى هيئة إنسانية كاللجنة الدولية للصليب الأحمر، الاضطلاع بالمهام الإنسانية التي تؤديها الدولة الحامية...لا يجوز الخروج عن الأحكام المتقدمة في أي اتفاق خاص يعقد بين دول تكون إحداها مقيدة الحرية في التفاوض...وعلى الأخص في حالة احتلال كل أراضيها أو جزء منها».
بتفسير المادة السابقة، نرى في الواقع أنها لا تنص على بديل واحد بل تطرح مجموعة كاملة من الاختيارات، وهكذا يمكن لأطراف النزاع أولا أن تعيين منظمة بديلة شريطة أن تتوفر فيها كل ضمانات الحياد والكفاءة مفضلة إياها على الدول المحايدة، الأمر الذي يتيح للأطراف اختيارا وليس مجرد إمكانية بديلة لا تنطبق إلا في حالة الفشل في العثور على دولة حامية وثانيا تفرض هذه المادة على الدول الحاجزة واجب المطالبة بدولة محايدة أو منظمة وذلك في حالة ما لو لم يعد هؤلاء الأشخاص المحميين ينتفعون فعليا من أنشطة الدولة الحامية أو أي هيئة من هذا القبيل الإنساني، وعليه يكون هذا الاختيار الثاني هو فعليا إمكانية بديلة لا يمكن التفكير فيها إلا في حالة عدم تطبيق المادة التاسعة من الاتفاقية أو الفقرة الأولى من مادة 11 من هذه الاتفاقية، فهذا الاختيار على اختلاف الاختيار الأول.
أما آخر هذه الاختيارات فانه في حين لا تجد الدولة الحاجزة دولة محايدة أو هيئة محايدة تتوافر فيها المواصفات اللازمة، لابد أن تكون الدولة الحاجزة مستعدة لأن تتحمل هذه المسؤولية وعليها أن تطلب " هيئة إنسانية " أو " أن تقبل " عند الاقتضاء عرض الخدمات التي قد تقدمها مثل هذه الهيئة للاضطلاع بالمهام الإنسانية التي تنص عليها اتفاقيات جنيف، على أن يقتصر ذلك على المهام ذات الطابع الإنساني الواضح، إلا أنه من الصعب تبيان الحد الذي تنتهي عنده هذه المهام.
فيما يتصل ببدائل الدولة الحامية، أدخلت الفقرة الرابعة من المادة الخامسة من البروتوكول الإضافي الأول بعض التعديلات على اتفاقيات جنيف، على أن ننوه إلى أن إمكانية تعين بديل للدولة الحامية ظل ممكنا بموجب البروتوكول الإضافي الأول، وإن لم يذكر ذلك صراحة فهو أيضا لم يستبعد هذه الإمكانية، إلا أنه قوى من صيغة التزام أطراف النزاع بأن تقبل دون إبطاء العرض الذي تقدمه منظمة تتوافر فيها كافة ضمانات الحياد والفعالية بأن تعمل كبديل إذا لم تحقق إجراءات تعيين دولة حامية أية نتيجة ولكن بشرط موافقة أطراف النزاع دائما.
يبقي القول قبل الانتقال إلى بيان واجبات ومهام الدولة الحامية في الأقاليم المحتلة، أن تعيين الدولة الحامية أو قبولها وبدائلها لا يؤثر على المركز القانوني لأطراف النزاع أولا في إقليم خاضع للاحتلال، كما أنه وعلى أساس ما سبق ليس في الاتفاقية الرابعة نص يقرر تعليق إنفاذ أحكام الاتفاقية الرابعة على شرط وجود أو تعيين الدولة الحامية أو قبولها وبدائلها، لأن الدولة الحامية هي عامل مساعد يراقب تطبيق الاتفاقية، لهذا فإن حجة إسرائيل وتعليلها عدم تطبيق أحكام الاتفاقية الرابعة على الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة واهية ولا صحة لها وذلك لعدم تعيين دولة حامية في فلسطين فتعين دولة حامية أو عدمه لا يؤثر على إنفاذ اتفاقية الرابعة.
الفرع الثاني
مهام وواجبات الدولة الحامية في الأقاليم المحتلة
تقوم الدولة الحامية طبقا لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة بعدة مهام تعدو جميعها حول هدف واحد وهو دعم ومراقبة تنفيذ الالتزامات المترتبة على أحكام الاتفاقية، فجاء النص على ذلك في مجموعة من المواد المتفرقة من الاتفاقية الرابعة سنحاول الوقوف عند أهم هذه المهام والواجبات فيما يلي:
أولا: المعاونة في تسوية الخلافات بين أطراف النزاع لمصلحة الأشخاص المحميين.
فيمكن إيجاد الأساس القانوني لمثل هذا العمل الذي تقوم به الدولة الحامية في نص المادة 12 من الاتفاقية الرابعة، هذا النص العام الذي يقابله نص المواد11 من الاتفاقيات الثلاث الأخرى، والذي بموجبه تملك الدولة الحامية حق المبادئة في الدعوة إلى تنظيم اجتماعات بين ممثلي أطراف النزاع للاتفاق على تسوية الخلافات بينهم على أسس إنسانية، تهدف أساسا إلى تحسين أحوال المدنيين المقيمين في الأراضي المحتلة وإن كانت هذه الاجتماعات تعقد لحل الخلافات بين أطراف النزاع الناشئة عن تفسير الاتفاقية.
ثانيا: واجبات الدولة الحامية بالنسبة لوقاية السكان ضد بعض عواقب النزاع أو الحرب.
تحقق الدولة الحامية هذا الدور الوقائي بأكثر من طريقة، منها المعاونة في تسهيل إنشاء مستشفيات وأماكن مأمونة في الأراضي المحتلة، حيث تقرر هذا بموجب المادة 14 من الاتفاقية الرابعة والتي تلزم الدولة الحامية واللجنة الدولية للصليب الأحمر بتقديم كل معاونة ممكنة في سبيل إنشاء هذه المستشفيات والمناطق المأمونة التي تساعد على حماية الأشخاص المدنيين في الأراضي المحتلة.
أما الطريقة الأخرى لا تقل أهمية عن الأولى، وهي مراقبة توزيع الرسائل الطبية والمواد الغذائية والملابس على الأشخاص المنتفعين في الأراضي المحتلة، وجاء تقرير هذا الدور للدولة الحامية في المادة 23 من الاتفاقية الرابعة لجنيف حيث قالت«يجوز للدولة التي تسمح بمرور الرسالات المبينة في الفقرة الأولى من هذه المادة أن تعلن تصريحها بشرط أن يكون التوزيع على الأشخاص المنتفعين تحت المراقبة المحلية للدولة الحامية، ويجب أن تسلم مثل تلك الرسالات بأسرع ما يمكن...».
ثالثا: واجبات ومهام الدولة الحامية لحماية حقوق المدنيين في الأقاليم المحتلة.
إذا كان هذا الدور من أهم الأدوار التي تقوم به الدولة الحامية على الإطلاق، لهذا فإنه يشمل مجموعة من المهام والواجبات تتمثل فيما يلي ذكره:
- الالتزام بتقديم التسهيلات والمساعدات الروحية أو الإغاثية للأشخاص المحميين (المادة 30).
- تلقي طلبات الأشخاص المحميين وشكاويهم (المادة 30).
- التدخل عند رفض طلب الأشخاص المحميين لمغادرة الأراضي المحتلة، إلا أن هذا التدخل مقيد دائما بدعوى الضرورة الأمنية (المادة 35).
- تسليم الإعانات المالية للأشخاص غير القادرين على الكسب (المادة 39/3).
- التدخل في حالات الاعتقال الاختياري للأشخاص المحميين (المادة 42/2).
- معرفة أسماء المعتقلين من الأشخاص المحميين وإبلاغ حكومات دولهم بموقفهم (المادة 43).
- الإشراف على تطبيق أحكام الاتفاقية الرابعة بالنسبة للأشخاص المحميين الذين تنقلهم دولة الاحتلال إلى دولة أخرى طبقا لأحكام المادة 45 من الاتفاقية.
- مراقبة عمليات النقل والإخلاء التي تقوم بها دولة الاحتلال للأشخاص المدنيين والتأكد من توافر الشروط القانونية الإنسانية لهذه العمليات (المادة 49).
- تلقي طلبات وشكاوى العمال في الأراضي المحتلة، والتدخل لحمايتهم من سلطات الاحتلال التي تتولى تشغيلهم (المادة 52).
- التفتيش على حالة المؤن الغذائية والطبية والتأكد من كفايتها للمدنيين في الإقليم المحتل.
- رقابة الإجراءات القضائية التي تتخذها دولة الاحتلال ضد الأشخاص المدنيين المتهمين، وذلك من خلال حضور ممثلي الدولة الحامية محاكمة هؤلاء الأشخاص وتعيين محام لهم (المادة 74).
- زيارة مندوبي الدولة الحامية للأشخاص المعتقلين أو المحجوزين في المعتقلات والسجون في الأراضي المحتلة، والتفتيش على هذه المعتقلات والتأكد من توافر الشروط القانونية فيها، وتلقي شكاوي المعتقلين ومعرفة احتياجاتهم، وضمان نقل البريد ورسالات الإغاثة لهم، جاء ذلك بموجب المواد 76-83-143-96-89-111 من الاتفاقية الرابعة.
كما تجدر الإشارة إلى أن دور الدولة الحامية ليس محصورا في المهام المبينة في تلك المواد أعلاه، حيث يتم تعيين دولة حامية واحدة بصفة خاصة، فمبدأ المعاونة على الصعيد التطبيقي ومهمة الفحص الدقيق الموكلة إلى الدولة الحامية هي مهمة عامة - تعطيها حقا ولا تفرض عليها واجبا - فلها التدخل في حالات غير تلك التي تندرج ضمن الحالات الخاصة، على أن يكون القيد الوحيد على نشاطها هو الضرورة الحربية هذه التي لابد أن تكون حسب الأصل استثنائية ومؤقتة.
خلاصة القول، فإن لدور الدولة الحامية وبدائلها أهمية كبيرة في تحقيق الحماية للمدنيين في أقاليم المحتلة، وذلك عن طريق تحقيق احتياجاتهم الإنسانية، ولكن واضعي البروتوكول الإضافي الأول كان لديهم الوعي بأن الوظيفة الإشرافية للدولة الحامية قد تنحصر لسبب أو لآخر لهذا استحدثوا نظاماً أخر للتحقيق في الخروقات الخطيرة المرتكبة ضد حقوق الإنسان في الأقاليم المحتلة - إذا صح التعبير – آلا وهو اللجنة الدولية لتقصي الحقائق، وهذه آلية تكون محلاً للدراسة في المطلب الثالث من هذا المبحث.
المطلب الثالث
اللجنة الدولية لتقصي الحقائق وتنفيذ قواعد حماية المدنيين
لقد نصت اتفاقيات جنيف الربع في المواد 52و53و132و149 بالترتيب على إجراءات التحقيق فقالت بأنه « يجري بناء على طلب أي طرف في النزاع، بطريقة تتقرر فيما بين الأطراف المعنية تحقيق بصدد أي إدعاء بانتهاك هذه الاتفاقية، وفي حالة عدم الاتفاق على إجراءات التحقيق، يتفق الأطراف على اختيار حكم يقرر الإجراءات التي تتبع..».
كما نرى، فإن عملية التحقيق بكاملها تخضع لموافقة الأطراف المتحاربة، وهذا السبب شكل أحد أهم الأسباب التي يرجع إليها عدم تحقيق هذا الإجراء أي نجاح يذكر إضافة إلى أن واقع النزاع المسلح لا يلائم إمكانية إجراء تحقيق بطلب من الخصم، ولهذا لم يكن لهذه الطريق من طرق فض النزاعات من أثر ملموس رغم كثرة النزاعات المسلحة وما أفرزته من انتهاكات ويضاف إلى هذا القصور تحفظ اللجنة الدولية للصليب الأحمر بخصوص لعب دور المحقق في انتهاكات القانون الدولي الإنساني وهذا لما قد ترتبه سلبا نتائج التحقيق على علاقات اللجنة بالدولة الحاجزة.
فحرصاً على تلافي نقائص الطريقة أعلاه في اتفاقيات جنيف، خاصة بعد تجارب واقع العلاقات بين أطراف النزاع، حاول المؤتمر الدبلوماسي 74/1977 بعث جهاز تحقيق بموجب نص قانوني، تم له إقرار المادة 90 من البروتوكول التي تحدثت عن اللجنة الدولية لتقصي الحقائق، فحددت طبيعتها ووظائفها وسير عملها على النحو التالي الذي سيكون شرحه في الفرعيين التاليين:
الفرع الأول
الطبيعة القانونية للجنة وتكوينها
للوقوف على مضمون هذا الفرع لابد أن تتوقف عند نقطتين غاية في الأهمية وهما:
أولا: الطبيعة القانونية للجنة الدولية لتقصي الحقائق.
تعتبر اللجنة الدولية لتقصي الحقائق آلية جديدة للإشراف على تنفيذ القانون الدولي الإنساني في النزاعات المسلحة الدولية فقط، اعتمادها البروتوكول الإضافي الأول، فلم تكن اتفاقيات جنيف تنص سوى على مفهوم التحقيق الذي لم يطبق قط ميدانياً، ورغم هذا فإن إجراء تقصي الحقائق لم يحل محل إجراء التحقيق في اتفاقيات جنيف ولكنه يأتي مكملاً له.
لكن السؤال المطروح، ما المقصود بمصطلح تقصي الحقائق من الناحية القانونية؟ يرى في هذا الشأن الدكتور: عمر سعد الله، بأنه عبارة عن اتخاذ قرار يقوم على الوقائع التي تقدمها الأطراف المتواجهة، وفي هذه الحالة لا تنتقل اللجنة إلى الأماكن لإجراء التحقيقات، وهي عموماً لا تطلب من هيئات أخرى إجراء التحقيقات لها، ولتقصي الحقائق صورة قانونية أخرى تتمثل في الإجراءات التي تقضي بتدخل هيئة استقصاءات تذهب إلى الأماكن المعنية لإجراء تحقيق على أساس ادعاءات أجهزة خارجية، ومن الأمثلة على تلك التحقيقات التي أجراها ممثلون خاصون للأمين العام للأمم المتحدة بشأن استخدام الغازات السامة في نزاع إيران والعراق.
فاللجنة الدولية لتقصي الحقائق هي جهاز دائم محايد وغير سياسي وليس قضائي، وهي مفتوحة أمام الدولة فحسب، تتولى التحقيق في الوقائع المتعلقة بأي إدعاء يتصل بانتهاك جسيم على المعني الوارد في الاتفاقيات الأربعة والبروتوكول الإضافي الأول، والعمل على إعادة احترام هذه المواثيق من خلال مساعيها الحميدة.
ثانيا: بنية اللجنة البشرية.
لضمان قيام اللجنة الدولية لتقصي الحقائق بالدور المناط بها على أحسن وجه، تتوفر لهذا الغرض على بنية متطورة تتركز على وجود خمسة عشر (15) عضواً موزعين توزيعاً جغرافيا عادلاً، ومتمتعين بدرجة عالية من الخلق الحميد، ومشهود لهم بالحيدة والنزاهة، وقادريين على البت في الأفعال التي تشكل انتهاكات جسيمة لاتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافي الأول لتلك الاتفاقيات ولذلك فإن أعضائها هم من بين القانونيين الدوليين المؤهلين في المجالات العلمية والطبية والعسكرية وينتخب هؤلاء الأعضاء لفترة خمس سنوات عن طريق الاقتراع السري، ولقد وقع تشكيل اللجنة على عاتق أمانة إيداع البروتوكول الإضافي الأول وهو " مجلس الاتحاد السويسري " حسب المادة 93 من البروتوكول الإضافي الأول، حيث تولى بنفسه الدعوة لعقد اجتماع ممثلي الأطراف السامية المتعاقدة التي قبلت اختصاص تلك اللجنة، وهناك تم انتخاب كامل أعضاء اللجنة التي تعقد كافة الاجتماعات الضرورية لأداء تفويضها وذلك في مقرها الكائن بالعاصمة السويسرية (برن)، على أن تجتمع مرة في السنة على الأقل وذلك بتوفر النصاب القانوني بحضور ثمانية أعضاء من اللجنة وتكون هذه الاجتماعات أو الجلسات سرية وكذلك المداولات.
الفرع الثاني
اختصاص اللجنة وإجراءات التحقيق
أولا: اختصاص اللجنة الدولية لتقصي الحقائق.
نحاول لبيان اختصاص اللجنة الإجابة على سؤالين مهمين هما:
ما هو الجديد في النص على عمل اللجنة الدولية لتقصي الحقائق بالبروتوكول الإضافي الأول عنه بإجراءات التحقيق في اتفاقيات جنيف الأربع؟ أما السؤال الثاني فهو متى ينعقد الاختصاص لأعضاء هذه اللجنة بالنظر فيما يطرح عليهم؟
يتمثل التجديد الرئيسي الذي أتى به هذا الإجراء والذي يتعين أن تتبعه هذه اللجنة في أن عليها التحقيق في أي زعم بوقوع مخالفة جسيمة أو غير ذلك من الانتهاكات الخطيرة للاتفاقية أو البروتوكول الإضافي الأول، بموافقة أو بدون موافقة الطرف الموجه إليه الاتهام، ومع ذلك فإن الأطراف المتعاقدة بالبروتوكول ليست ملزمة بإتباع هذا الإجراء ما لم تصدر بيانا أو إعلانا رسمياً تعترف فيه باختصاص اللجنة في التحقيق في المزاعم التي أعلنها طرف أصدر بياناً مماثلاً.
بمعنى آخر، فاللجنة مختصة في التحقيق في أي ادعاء يرفع إليها من طرف كل طرف قبل باختصاصها، أو من أي طرف آخر لم يقدم اعترافه باختصاصها إذا ما قبل الطرف الآخر ذلك وتختص اللجنة في التحقيق بالوقائع المتعلقة بأي ادعاء بانتهاك جسيم للقانون الدولي الإنساني، وما عدا هذه الانتهاكات الجسيمة فإنه يشترط اتفاق الأطراف المعنية على ذلك، كما تتولى هذه اللجنة من خلال غرفة التحقيق وبعد التحقيقات الحثيثة دعوة الأطراف لمساعدتها وتقديم الأدلة على ادعاءاتهم حيث تقوم بعرضها على كل طرف من أطراف النزاع لأجل التعليق أو الاعتراض عليها، وتعرض نتائج التحقيقات على الإمضاء مشفوعة بتوصياتها ولا يتم نشر تقريرها إلا إذا وافق أطراف النزاع.
فعليه، فإن اختصاص اللجنة ينحصر فقط في التحقيق وإصدار التوصيات وإعداد التقارير بخصوص نزاع يقع بين أطراف معترفة باختصاص اللجنة، وأنه ليس ثمة شيء آخر يدخل في نطاق اختصاصها وهذا ما يدعو للأسف على أن صلاحيات اللجنة محدودة نسبياً في ظل الوضع الراهن للنظام العالمي وإن كان من السابق لأوانه الحكم على فاعلية عمل اللجنة واختصاصاتها، إلا أن الملاحظ هو أن حركة قبول اختصاص اللجنة لا تزال بطيئة فوافقت عليها حتى عام 1997 تسع وأربعين دولة فقط، إضافة وحتى التاريخ السابق لم يحصل بعد التوجه إليها من قبل أي طرف، علما بأن الانتهاكات الصارخة التي أفرزتها الحروب الحديثة تتطلب إجراء تحقيق فيها أو حتى أكثر من ذلك.
من الجدير بالذكر أيضا أن وزارة الشؤون الخارجية الكونفدرالية للاتحاد السويسري قامت بوضع صيغة عملية يتم من خلالها اعتراف، الدول باختصاص تلك اللجنة، لأن هذه الدول هي وحدها التي تبدي قبولها بواسطة إعلان أو بيان تصدره من حيث المبدأ وقت السلم قبل أن تدعو الحاجة إلى إجراء تحقيق ويمثل هذا الإعلان وثيقة قانونية تعلن بموجبه الدول اعترافها اعترافا واقعياً وبدون اتفاق خاص، قبل أي طرف سام متعاقد آخر يقبل الالتزام ذاته باختصاص اللجنة الدولية لتقصي الحقائق في التحقيق بادعاءات مثل هذا الطرف الأخر.
ثانيا: إجراءات سير التحقيقات.
لما كان أي تحقيق جزائي يتطلب مجموعة من الإجراءات المنظمة له من حيث الشكل والموضوع حتى يخرج بصورة قانونية، فتحقيقات اللجنة الدولية لتقصي الحقائق شأنها شأن أي تحقيق جزائي في القانون الوطني تتطلب في بداية الأمر رفع طلب للتحقيق إلى أمانة اللجنة (مجلس الاتحاد السويسري)، هذا الطلب الذي لابد أن يثبت فيه كل الوقائع ووسائل إثبات المخالفة المزعومة حسب رأي الطرف المتقدم به، وترسل الأمانة هذا الطلب إلى الطرف الآخر لبيان موقفه، وبعد ذلك تقوم اللجنة بفحص الطلب وتخطر أطراف النزاع بفتح التحقيق.
بعدها يسند أمر التحقيق إلى غرفة التحقيق التي تتكون من سبعة أعضاء من غير رعايا أطراف النزاع، خمسة منهم من أعضاء اللجنة وعضوان يتم تعيين كل منها من قبل كل من طرفي النزاع، وإذا لم يتم تعيين أحدهما أو كليهما يتولى رئيس اللجنة تعيين عضوا أو عضوين حتى يكتمل العدد المطلوب، ولكل طرف تقديم الأدلة اللازمة، لكن يجوز للجنة البحث عن أدلة أخرى والقيام بالتحقيق في عين المكان حسب القاعدة 27 من النظام الأساسي للجنة وتعرض الأدلة على الأطراف التي من حقها التعليق أو الاعتراض عليها، واستناد إلى تحقيق الغرفة ترفع اللجنة تقرير إلى الأطراف المعنية يتضمن نتائج التحقيق والتوصيات التي تراها مناسبة، أما إذا لم تتوفر الأدلة الكافية للغرفة مما يتعذر معه التوصل إلى نتائج فإن اللجنة تعلم الأطراف المعنية بالأسباب، وتسدد المصاريف الإدارية للجنة من اشتراكات الدول التي اعترفت باختصاصها ومن المساهمات الطوعية، على أن يتحمل طالب أو طالبو التحقيق نفقات عمل غرفة التحقيق، على أن يسدد الطرف المدعى عليه أو الأطراف المدعى عليهم نصف هذه النفقات، وبذلك يكون السداد مستحقا على الطرف الذي يقبل اختصاص اللجنة بمجرد الادعاء عليه سواء ثبتت هذه الادعاءات أو الادعاءات المضادة أو لم تثبت.
كما تجدر الإشارة أيضا إلى أنه تم تشكيل هذه اللجنة فعلاً بعد تحقيق الشرط المطلوب وهو موافقة عشرين دولة من الدول الأطراف في البروتوكول الإضافي الأول على اختصاصها، وعقد اجتماع انتخاب أعضائها في سويسرا بتاريخ 25/06/1991، وبعد سنة من هذا التاريخ انعقد الاجتماع التأسيسي للجنة في (برن) العاصمة السويسرية وتم على إثره إقرار النظام الداخلي للجنة.
بناءا على ما تقدم، نرى أن واضعي البروتوكول الإضافي الأول قد وفقوا إلى حد بعيد في إقرار آليات لمتابعة تنفيذه حين استحدثوا نظام اللجنة الدولية لتقصي الحقائق، ولكن وإلى جانب النواقص التي تعتري هذا النظام، فإن الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها دائما سلطات الاحتلال في الأقاليم المحتلة لا تدعي فقط مثل هذا الإجراء الإشرافي التحقيقي المقيد بموافقة الأطراف السامية المتعاقدة على الاعتراف باختصاص اللجنة، بقدر ما هو بحاجة إلى آلية دولية أقوى تستطيع معها الأسرة الدولية المتمدنة وقف هذه الانتهاكات ومحاسبة من يرتكبها، لأن تفاقم الوضع بفعل هذه الانتهاكات المستمرة في الأقاليم المحتلة خصوصاً في فلسطين يشكل –وبحق- تهديدا للسلم والأمن الدوليين عندئذ لابد لمجلس الأمن أن يحرك كل الآليات التي يملكها لضمان حماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية، ومنهم المدنيون في الأقاليم المحتلة.
لكن السؤال المطروح هل هذا التحرك لمجلس الأمن الذي - يتأتى تطبيقا لنظرية الأمن الجماعي ونظرية المحافظة على السلام العالمي - يؤدي إلى نتائج حسنة لحماية المدنيين في ظل الوضع الدولي الراهن؟ وهنا لا نستطيع الحكم مسبقا لهذا أقترح أن يكون دور مجلس الأمن في تنفيذ قواعد حماية المدنيين عنوانا للمبحث الثاني من هذا الفصل.



#سامر_أحمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحماية الدولية للمدنيين في الأقاليم المحتلة .... رسالة ماجس ...
- الحماية الدولية للمدنيين في الأقاليم المحتلة .... رسالة ماجس ...
- الحماية الدولية للمدنيين في الأقاليم المحتلة .... رسالة ماجس ...
- الحماية الدولية للمدنيين في الأقاليم المحتلة .... رسالة ماجس ...
- أوجه الالتقاء والاختلاف بين القانون الدولي الإنساني وحقوق ال ...
- مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني المحلية في مخيمات لبنان
- تعريف الإضراب في القطاع العام والخاص وأشكالة
- التطور التاريخي للإضراب في فلسطين


المزيد.....




- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...
- حماس: لا نريد الاحتفاظ بما لدينا من الأسرى الإسرائيليين
- أمير عبد اللهيان: لتكف واشنطن عن دعم جرائم الحرب التي يرتكبه ...
- حماس: الضغوط الأميركية لإطلاق سراح الأسرى لا قيمة لها
- الاحتلال يعقد اجتماعا لمواجهة احتمال صدور مذكرات اعتقال لعدد ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - سامر أحمد موسى - الحماية الدولية للمدنيين في الأقاليم المحتلة .... رسالة ماجستير ....الجزء الخامس