أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهدى بندق - الكاتب في عصر العولمة















المزيد.....

الكاتب في عصر العولمة


مهدى بندق

الحوار المتمدن-العدد: 1966 - 2007 / 7 / 4 - 11:52
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


" آخر مسرحية شعرية في الطريق "
تلك جملة ملتبسة، قد يفهم منها أن آخر مسرحية شعرية – وقد أتمتها – في الطريق الآن الى النشر أو العرض. بيد أنني ما قصدت الى هذا المعنى بل الى غيره. عذري أن اللغة ملتبسة وملبسة في آن. وإلا ما احتاج النص المكتوب – أى نص – الى تفسيرات وتأويلات تستدعي بدورها تفسيرات وتأويلات وشروحاً أخرى وأخرى الى ما لا نهاية.
فلأصحح إذن هذه الجملة، معيداً كتابتها على النحو التالي :
" في الطريق العام أتممت أخر مسرحياتي الشعرية "
ذلك أنني – شأن كل كاتب معاصر – فقدت نعمة الجلوس تحت شجرة يانعة
(أين هى ؟!) أتأمل الكون وجلاله، وأصغي الى صوت الطبيعة الساحرة (لا يوجد أمامنا إلا مراعي الأسمنت وغابات الحديد المسلح وشطآن الغائط!) وبفقدان هذه النعمة غابت عني فرحة الانتماء الى جنس الإنسان العظيم، الإنسان الذي يتفنن في قتل أخيه بأرقى أدوات القتل، وتعذيبه بأروع آلات التعذيب، وسلبه بأذكى وسائل الاستلاب العقلي المقنعة!
ولأنني فقدت نعمة الجلوس المتأمل تلك، فلقد كان على – ككاتب محترف – أن أجد سبيلاً جديداً للكتابة. سبيلاً يتسق والوقت الذي يتسرب من بين أيادينا كالهواء البارد..
محو ثان.. لنقل كزفيف البوارح الملتهبة كما أرادها لنا وزراء الأوزون في الدول الصناعية الكبرى، فكان السبيل الوحيد المتاح أمامي أن أبتاع آلة الكمبيوتر النقال، أسجل عليها ما تجود به القريحة لحظة أن تتوقف السيارة أمام إشارة ضوئية حمراء ( وهو توقف قد يمتد الى نصف الساعة بفضل روعة الزحام الشديد) وتلك نعمة للكاتب ذى الكمبيوتر النقال تعوض نعمة الجلوس تحت الشجرة. وقد يأتي الإلهام للكاتب بينا هو منتظر دوره في عيادة التأمين الصحي، حينئذ فلسوف يظفر الكاتب المريض ذو الكمبيوتر النقال بساعتين كاملتين يمارس فيهما دوره ككاتب محترف غير مبال بضجيج المرضى وضيق الأطباء. فأما إذا كان لديه موعد مع صديق فعليه أن يفيد بجهازه ذاك في تخطيط فصل كامل في انتظار حضور الصديق وتلك نعمة ثالثة نختص بها نحن المصريين المزارعين القدماء.
قبل أن أحضر الى هنا، وزعت وقتي يومي بين قضاء حاجات الأسرة، وبين البحث عن جهاز لتكييف الهواء القومي الملتهب، جهاز يكون رخيصاً رخص الإنسان في بلادنا، بلا صوت يسمع مثل دبلوماسيينا في أروقة الأمم المتحدة، معادياً لفاتورة الكهرباء عداءنا لشارون، قادراً على التنقل بين الغرف قدرة عرفات على التنقل بين العواصم يعرض عليها مأساة شعب تضافرت دول العالم جميعها على ظلمه وقهره. وبينما كان البائعون يشرحون لى مزايا أجهزتهم المحققة لمطالبي، كنت أنا أضرب على مفاتيح الكمبيوتر موهماً إياهم أنني أسجل ما يقولون في حين كنت أكتب مشهد الختام في مسرحيتي "الشريفة بنت صاحب السبيل".
بعدها أحسست بجوع بدائي شرس، فكان أن عرجت على ماكدونالدز ألتهم شطائر الهامبورجر وأجترع الكوكاكولا مفكراً في أنني قد أصبحت مواطناً في عالم "ماك" المتحضر بعد أن نسيت الفول والطعمية، وما أنسانيهما إلا الشطان الأمريكي أن أذكرهما، فاتخذا سبيلهما الى العشوائيات عجباً .. فالويل لى ولأمثالي مقلدي شكل الحداثة، ممن يتوهمون الأوهام غير مدركين أن عذاب آخر الشهر قريب.
بيد أنني – ناصحاً أريباً – أسرعت أفر من حالة الـ Monetary هذه مستبدلاً بها التفكير في المعنويات الأبقى. مثلاً : غلاف الكتاب وكيف يكون ؟ ومن من أصدقائي الفنانين التشكيليين سوف يتبرع بتصميمه دون مقابل ؟ وأى مدح (!) سأحصله من الناشر نظير التأليف ؟ وكيف سيكون رد فعل النقاد ؟ وكم من القراء سوف يرضى عن هذه المسرحية الشعرية التى تدور أحداثها في العصر الفاطمي إبان المجاعة المستنصرية. وتتعرض لجذور الجرح الغائر في العلاقة بين المسلمين والأقباط الذي اتفقوا معاً على شئ واحد : خلاصته أن مجئ المهدي المنتظر قد صار وشيكاً شريطة أن يبلغ الشر مداه بذبح طفل برئ. ولولا امرأة (هى الشريفة بنت صاحب السبيل) لذبحوا هذا الطفل الذي تصادف أن كان قبطياً. فماذا سيقول القراء الذين حيل بينهم وبين قراءة تاريخهم الحقيقي؟
المؤكد أن أبي المرحوم ما كان حرياً بأن يقبل هذه المسرحية بسهولة – نظراً لما تربى عليه من أفكار غنوصية تسللت الى الفكر الإسلامي عبر القابال اليهودي والغنوصية المسيحية ( وأساسها الأفلاطونية المحدثة ) وبالتالي فإن التخلي عن أسطورة المهدي المنتظر كان خليقاً بأن يزعجه إيما ازعاج، بعكس ابنه الكاتب الذي يرى أن عصر العولمة سوف يعصف بفكرة المخلص الفردي، آخر معاقل البورجوازية الصغيرة على المستوى الأيديولوجي.
فما هو عصر العولمة هذا ؟! وما هو دور الكاتب فيه إن كان له دور؟
عند هذا الحد من التفكير كنت قد وصلت الى حالة من الهياج العقلي جعلتني استبعد تعريفات أرسطو (بالحد أو بالرسم) عن بحثي عمن يكون الكاتب. فالمعلم الأول كان يعيش في عصر الجلوس تحت الأشجار وممارسة التأمل الهادئ في حضن الطبيعة الساحرة وما وراء الطبيعة القادرة. فكان طبيعياً أن يتصور عصر أرسطو أن هرمس (رسول الآلهة) هو من يملى الأفكار على الكُتّاب. ومن ثم بدا أن الكاتب – بالضرورة – يعرف أكثر مما يعرف قراؤه. وإلا فلماذا يقرأون له؟ !
اليوم يصعب على المرء أن يفرق بين الكاتب والقارئ. فالكاتب نفسه قارئ بالدرجة الأولى. وما كتاباته بأكثر من تناص Intertextuality على كتابات سابقيه، الذين كانت كتاباتهم أيضاً تناصاً على ما كتبه أسلافهم.. وأسلاف أسلافهم .. الى أن نصل لكتاب الطبيعة لنكتشف أنه بدوره لا يخلو من ثقافة ذاتية مورست قبل ظهور الجنس البشري عبر التطور الخالق " البرجسوني" أو عبر المادية الجدلية حسب أنجلز.
وأما القاري – بمعنى الكلمة – فيستحيل عليه أن يتحول في لحظة معينة الى كاتب، فالقراءة المنتجة لا تكون كذلك إلا إذا انتقلت من طور المطالعة السلبية الى طور التعليق فالتسجيل فالتفسير فالتأويل وصولاً الى المرحلة العليا: مرحلة النقد.
وهكذا ظهر ما يسمى بنقد استجابة القارئ (راجع مثلاً كتاب From Formalism to Post Structuralism لجين تومبكنج) حيث يخاطب الكاتب في قارئه لا قناعاته ورضاءه بل قلقه وهواجسه، واضعاً إياه أمام مسئولياته في اختيار المناهج والمذاهب والفلسفات القائمة، وربما في المساعدة على تطويرها وتغييرها.
قبل هذه الطفرة في تعريف الكاتب، كنا قد أسقطنا التعريف "السارتري" الذي زايد بالقول : إن الكاتب مسئول عما قال وما لم يقل ". نعم أسقطنا هذا التعريف. رغم جلاله بعد أن تبين لنا أن صاحب "نقد العقل الديالكتيتكي" قد ناقض نفسه بإحجامه عن إدانة جريمة القرن العشرين : إسرائيل خوفاً من الإرهاب الصهيوني (الذي سيطال فيما بعد روجيه جارودي وناعوم تشومسكي، وفينيسيا رد جريف) أستأسد سارتر أمام الذئب الجريح ديجول خلال ثورة آيار 68 ثم ارتد الى تيس مذعور بعد اخفاق الثورة وانتصار البورجوازية (كالعادة منذ 1848 الى 1871) فراح يسبح بحمد إسرائيل مطلقاً عليها اسم "واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط" وكأن الديمقراطية محفل انتخابات وتبادل لمقاعد الحكم ! ناسياً قيلته التى استعراها من ماركس : إن شعباً يستعبد شعباً آخر لابد أن يكون هو نفسه مستعبداً.
فمن يكون الكاتب إذا رفضنا سارتر صديق فرانز فانون وتلميذ ادموند هرسرل وأستاذ ميشيل فوكوه ؟!
أيكون " جاك دريدا " الذي أخذ على عاتقه مهمة تقويض بنية المركزية الأوربية، بل ومركزية الكلمة ذاتها Logo-Centrism محيلاً كل البنى الثقافية الى رماد أشقر يذكرنا برفات الفاتنة مارلين مونرو؟!
كل صلب يذوب، كل شئ يتبخر في الهواء. تلك خلاصة التقرير الذي وضعه الفيلسوف الفرنيس – الماركسي سابقاً. فرانسوا ليوتار ردا على طلب حكومة كوبيك الكندية المتسائل عن الفلسفة المناسبة لنظم التعليم الحديثة. فكتب ليوتار كتابه "الوضع ما بعد الحداثى " Post - Madren يقسم فيه التاريخ الثقافي أقساماً ثلاثة :
الأول يغطي المرحلة القبائلية.. المعرفة فيها أساسها الخرافة والأسطورة، ووسيلتها النقل من السلف الى الخلف. أما القسم الثاني فهو مرحلة الحداثة Modernity ومنبعها الحكايات الكبر Master-Recites أو ما وراء المحكيات Meta-Recites تتجسد في الأيديولوجيات السياسية والنظرية الفلسفية المفروضة من قبل الدولة بواسطة المؤسسات التعليمية ووسائل الميديا، ووظيفة هذه المحكيات الكبرى تبرير السلطة. ومع أن هذه المحكيات (قل الأيديولوجيات) محض ألعاب لغة إلا أنها تحاول أن تصطبغ بصبغات علموية، والعلم منها براء.
ثم تأتي بعد ذلك المرحلة الثالثة : ما بعد الحداثة Post-Madernism وتلك هى مرحلة العلم الذي لا غش فيه – بحسب ليوتار – حيث يستمد العلم مشروعيته من المعلومات المتدفقة المتسارعة عبر الآلات الذكية : ولا تتحكم في هذه المشروعية أية أوهام، ولا تخضع لأية أيديولوجيات. وللفرد فيها أن يخترع لنفسه ما شاء من حكايات صغرى Petit Recites فهى الشكل الملائم – قل الوحيد – للبارالوجيا أى للخطاب الهامشي الذي يبيح كل فعل مزيحاً كل كابح أخلاقي أو ديني ، مثله في ذلك مثل الخطاب العلمي الذي لا يعرف العيب ولا الحرام ، وإنما النجاح فحسب.
أتراك قد أدركت من خلاصة تقرير الفيلسوف ليوتار معنى العولمة ؟ فإن كنتَ في شك مما أفضى به الرجل من أغراضها فسل الذين يقرأون الكتب المؤلفة.. سل الوقح الصريح توماس فيريدمان مؤلف "السيارة لكساس وغصن الزيتون؛ يروج فيه لفكرة غريبة مفادها أن محلات ماكدونالدرز المنتشرة الآن في إسرائيل والدول العربية (وطبعاً في سائر دول العالم) كفيلة بمنع الحرب ! كيف يا مولانا ؟! لأن الطبقات الوسطى القادرة على التعامل مع هذه المحلات ستملى – بحكم مصالحها – ثقافة السلام على شعوبها (هل نتذكر قول السادات الشهير بأن الصراع العربي الإسرائيلي أساسه سيكولوجي ؟! ) والمسكوت عنه في كلام فريدمان الوقح هو دعوة هذه الطبقات الوسطى (البورجوازيات يقصد) الى إسقاط العامل النفسي عبر آلية الـ Takeaway المشتركة وصولاً الى قمع من هم دونها (الفقراء آكلى الفول والطعمية) وإجبارهم على القبول بالسلام الإسرائيلي Pax Israeli الخارج من معطف السلام الأمريكي Pax Americana.
سل أيضاً – على الجانب المقابل – بول هيرش وجراهام تومبسون في كتابهما – The international Econany And the Passibities of Governance فيه يحذرانك أن تستسلم لأغراض العولمة الخبيثة التى لا تعدو أغراض الرأسمالية الأمريكية وتوابعها الغربيات. وسل ثالثاً مايك فيذرستون صاحب كتاب Global Culture يكاد فيه أن يحرضك تحريضاً على إقامة وحدتك العربية ذات الثقافة الواحدة والمصالح المشتركة قبل أن تلتهمك ثقافة العولمة الـ .... ما بعد حداثية المتوحشة.
ولأن ما بعد الحداثة هى الفلسفة التى تتمظهر فيها العولمة فكرياً، لأن دور الكاتب كما تريد لـه أن يكون – لا شك سينحصر في تأليف قصص التسلية البوليسية أو الغرامية أو روايات الخيال العلمي الخالي من أى مغزى أخلاقي أو ديني (قلنا تلك ألعاب لغة آن أوان إجرائها!) والمؤكد أن الشعر في ظل هذه العولمة ميت لا محالة. وآية ذلك أن الشعر – بما هو جوهر – ليس مجرد نظم أبيات أو سطور ، ولا هو محض تشبيهات واستعارات. الشعر – بما هو جوهر – فصيل متقدم للبشر يشنون به هجومهم المضاد على فيالق الشر المادي والدمامة النفسية والقبح الروحي. وبغير هذا الهجوم المضاد فلا شعر ولا جمال ولا خير.
فإذا تخلى الشعر عن دوره هذا فهو ميت ميتة راعى الضأن في جهله، أو إذا تنطع فهو ميت ميتة جالينوس في طبه (ما الفارق ؟!) وهذا بالضبط ما تريده العولمة للكاتب في عصرها.
لعلنا انتقلنا – عبر التمفصل الطبيعي بين الكاتب ودوره – من تعريف الكاتب الى تعريف العولمة. فما هى العولمة إلا أن تكون أعلى مراحل الرأسمالية ؟! رأسمالية الشركات عابرة القارات والتى تعمل على تحجيم دور الدولة القومية (مثل تحجيم دور الكاتب سواء بسواء) حتى لا يبقى من وظائفها إلا وظيفة الشرطي حافظ النظام العولمي الجديد.
إن سؤالاً عن حجم المبادلات التجارية العالمية. قد يرد عليه بالأرقام هكذا : خلال تسعينات القرن المنصرم بلغ حجم التبادلات السلعية 30 ألف مليار دولار سنوياً، في حين بلغ حجم التدفقات المالية 100 ألف مليار دولار كل عام. ثمة 70 ألف مليار نقداً تم تبادلها وهى ليست سلعاً ! فيكف حدث هذا ؟! ذلك أن النقود ذاتها، ومنذ بداية العصر الرأسمالي التقليدي – قد أصبحت سلعاً ، وأصبحت تحقق أرباحاً أعظم بما لا يقاس حين يجرى تبادلها في البورصات العالمية. وهذا أكبر دليل على عمق أزمة النظام الرأسمالي من الناحية الاقتصادية البحتة (ناهيك عن أزماته السياسية) وهو ما عبر عنه برناردوشو بسخرية رائعة حين قال : الرأسمالية كلحيتى وصلعتي ، غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع.
ومنذ انتهيت الحرب الباردة بين نظام الرأسمالية التقليدية (دول الغرب) وبين نظام رأسمالية الدولة المسمى خطأ الاشتراكية (أعني الاتحاد السوفيتي السابق) بهزيمة الأخير، حتى أصبح العالم بأسره، رأسمالياً ذا سوق واحدة. وبدلاً من الحروب بين دوله المتقدمة، راح الرأسماليون الجدد يعيدون توزيع الغنائم وتقسيمها (أى عالم الجنوب التعس) من ناحية بتناسي نصوص معاهدة وستفاليا 1648(التى تعترف بالدول القومية)، ومن أخرى باستنساخ روح الاتفاق الودي بين انجلترا وفرنسا عام 1904، ومن ثالثة بتوليد البنك الدولى 1945، ثم شقيقه صندوق النقد الدولى عام 1946، ومن رابعة يتبنى طفلة شريرة (اسمها الحركي اتفاقيات الجات) حتى إذا بلغت رشدها بعد سقوط الاتحاد السوفيتي. رأينا فيها صورة لـ هند آكلى الأكباد تتقدم إلينا باسم منظمة التجارة العالمية W.T.O عام 1994 ولوضع صيغة العولمة موضع التنفيذ بدأت المؤتمرات تترى بين الدول الصناعية الكبرى Seven Plus One أى الدول السبع زائد روسيا، فكان أشهر هذه المؤتمرات هو مؤتمر سياتل عام 1999 ثم مؤتمر واشنطون 2000 ثم مؤتمر جنوه عام 2001، ولهذه المؤتمرات جميعاً غاية واحدة : تقسيم العالم إلى دول لوردات ودول أقنان. بالمعنى الحرفي للكلمة – حيث توضع الآن القواعد القانونية المقيدة لهجرة أناس العالم الثالث الى العالم الأول السعيد. وعلى من يرفض الانصياع لهذا النظام الأوحد أن يخرج من تحت سمائه وأن يبحث له عن آلهة أخرى !
فما هو دور الكاتب في هذا العصر ؟ هل يصمت ؟ هل ينتحر ؟ هل يساير ؟ وهل حين يساير يستمر في نظر نفسه كاتباً؟ فأين الشعر ؟! وأين الهجوم المضاد على قلاع الشر والاستغلال وتشيئ الروح وتبليد النفوس؟
أسئلة تقود الى أسئلة. فهل من إجابة تضئ في نهاية النفق المظلم؟! وهل ينصت الكاتب الى صوت الجماهير (العالمية) الغاضبة من "سياتل" مروراً بـ "نيس" و "براغ" و "استكهولم" وصولاً الى جنوه 2001 مطالبة باسقاط ديون العالم الثالث. وإنهاء فرض سياسيات ما يسمى بـ "الإصلاح الاقتصادي" الذي انهك الشعوب ، ومحاكمة المستفيدين منها، وهم أعضاء طبقة الكومبردور (أى عملاء الغرب) باعتبارهم ملاحظي العبيد الجدد. ومطالبة أيضاً بضرورة تمثيل الدول الفقيرة في مجلسى إدارة الصندوق والبنك الدوليين على قدم وساق مع الدول الغنية. فضلاً عن المطالبة بدفع تعويضات للشعوب التى تضررت من سياسات المجتمعات الرأسمالية الظالمة.
هل ينصت الكتاب لأصوات الجماهير المستنيرة هذه ؟! وهم يشمرون سواعد الجد لأداء دورهم في تنوير شعوبهم فكرياً وثقافياً ؟! أم يستمر شعراؤهم في كتابة القصائد الغامضة المنكبة على أجسادهم وهمومهم الذاتية ، أو في تدبيح قصائد الغزل لفتيات سوف يهجرونهم الى أول لورد يشير إليهن بسبابته الناعمة، ومحركاً الإصبع المجاورة تجاه الكتاب الخاسرين على سبيل الإغاظة والشماتة ؟!
من نافلة القول إن لكل ظاهرة وجهين، كذلك العولمة، فأما وجهها السلبي فقد عرفناه. ولكن يبقى أن نتفرس في الوجه الايجابي، عندئذ سنرى مزايا غالبت صانعيها أصحاب الأيديولوجيات العولمية أنفسهم حتى غلبتهم. يتمثل بعض هذه المزايا في الانجازات العلمية الهائلة وآليات المعلوماتية المرنة، وشيتمثل بعضها الآخر في ازدياد قدرة النخب الثقافية على توطين التكنولوجيا في مجتمعاتهم النامية ، ويتمثل البعض الثالث في توسيع رقعة حقوق الإنسان وتقييد أيدي الحكام المستبدين عن التصرف في مصائر مواطنيهم تصرف راعي القطيع في قطيعه، يذبح منه ، ما يشاء ، ويحبس منه ما يشاء.
وفي هذا المجال الايجابي قد يجد الكتاب – الحقيقيون – السند في طرح مشكلات أوطانهم بغير تأجيل أو وجل.
فهل يتفاعل كتابنا إذن مع هذه المتغيرات- السلبي منها والايجابي – لكى يكونوا كتاباً بحق ؟!



#مهدى_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفكيك العقاد العقاد مفككاً
- إلى أن تطل عيون المطر.
- الأصولية تلتهم الحداثة
- رفع الالتباس بقراءة ميثاق حماس
- ساعات بين الكتب
- احسان عبد القدوس وشمس اللبرالية الغاربة
- التراث المجهول
- حوارات مهدي بندق – 7 - مع أدونيس
- في رماد المحو
- استقالة من ديوان العرب
- مواسم الجفاف
- حوارات مهدي بندق - 6 - مع قطب اليسار أبو العز الحريري
- حوارات مهدى بندق - 5 - مع الدكتور مجدى يوسف
- حوارات مهدى بندق -4 -مع الناقد د.صلاح فضل - القسم الثاني
- حوارات مهدى بندق - 3 - مع الناقد الأدبىّ د. صلاح فضل
- حوارات مهدى بندق -2 - مع السيد ياسين
- والدولة أيضاً محاصرة في مصر
- حوارات مهدي بندق - 1 - مع جابر عصفور
- البلطة والسنبلة -5- المصريون واشارات الخروج من الحصار
- ريا وسكينة بين صلاح عيسى وميشيل فوكوه


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهدى بندق - الكاتب في عصر العولمة