أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - حسام أبو حامد - -حركة حماس: المراجعات وزمن الفتوح الإسلامية... ونهاية -الحقبة المكية















المزيد.....


-حركة حماس: المراجعات وزمن الفتوح الإسلامية... ونهاية -الحقبة المكية


حسام أبو حامد

الحوار المتمدن-العدد: 1961 - 2007 / 6 / 29 - 11:40
المحور: القضية الفلسطينية
    


(( لا يطلبون الحكم لأنفسهم، فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قراني فهم جنوده وأنصاره وأعوانه، وإن لم يجدوا فالحكم بمنهاجهم. وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله))
حسن البنا
يشكل الانقلاب المسلح الذي نفذته حركة " حماس" في قطاع غزة، سابقة خطيرة في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة، ونقطة تحول مفصلية يقف عندها مشروع التحرر الوطني الفلسطيني بكل إنجازاته وإخفاقاته أمام مصير مجهول، من الصعب فض كنهه إلا بعملية مراجعة فكرية شاملة لكل الاستراتيجيات المتبعة حتى الآن في النضال الوطني الفلسطيني. يناط بهذه العملية أيضاً تقصي الأسباب والنتائج للتغيرات والتحديات التي أفرزها انقلاب "حماس" في غزة، وما استتبعه من فصل فعلي لقطاع غزة عن الضفة الغربية.
وربما عبر القلق المصري بخصوص الأحداث الأخيرة في غزة عن قراءة أولية، وعميقة مع ذلك، لأفق التحولات القادمة و خطورة الوضع القائم في غزة. وكانت مصر قد سارعت إلى سحب الوفد الأمني من غزة كأول خطوة احتجاجية، تلتها خطوات أخرى كإعلانها الدعم لحكومة الطوارئ برئاسة سلام فياض، واعتبرت أن ما جرى في غزة هو انقلاب عسكري على الشرعية الفلسطينية. وقامت كذلك بنقل بعثتها الدبلوماسية من القطاع إلى الضفة الغربية. كما صرحت المصادر المصرية أن "سياسة إيران" في المنطقة تشكل خطرا على الأمن القومي المصري.
يأتي حدث غزة في الوقت الذي بدأت فيه السلطات المصرية الإفراج عن حوالي الألف معتقل من أعضاء " الجماعة الإسلامية" وعشرات من معتقلي حركة "الجهاد الإسلامي"، وتنوي السلطات المصرية الإفراج عن أعداد أخرى لم تحدد بعد. و تأتي عملية الإفراج عن هؤلاء المعتقلين بعد مراجعات عقائدية وفكرية قامت بها "الجماعة الإسلامية" في فترة ماضية. وبعد مراجعات مماثلة قامت بها حركة "الجهاد" بقيادة سيد إمام عبد العزيز الشريف، ترافقت مع إعلان الحركة نبذ العنف. كما وأن السلطات المصرية تخوض صراعاً سياسياً وانتخابياً، بل وأمنياً في كثير من مراحله، مع "جماعة الإخوان المسلمين" كبرى الحركات الأصولية في مصر. والمعروف أن "جماعة الإخوان المسلمين " كانت أول من دشن تقليد في الفكر الأصولي مفهوم "المراجعات" كوسيلة لرفع الحظر عنها والسماح لها بممارسة نشاطاتها الدعوية والاجتماعية والسياسية، و ذلك من خلال كتاب المرشد العام للحركة حسن الهضيبي تحت عنوان ( دعاة لا قضاة)، أعلنت عبره الجماعة نبذ العنف و التخلي عن سياسة التآمر لإسقاط نظام الحكم. وأن مهمة أعضاء الجماعة هي الدعوة وليس لها أن تكفر أحداً. وحددت موقفها من النظام المصري على أنها معارضة شرعية تعد من صلب النظام.
قوبلت "المراجعات" ولا تزال بمواقف وردود فعل متباينة، ففي الوقت الذي اعتبرها البعض بمثابة تقّية ومناورة مكشوفة طلبا للسلامة والحفاظ على الذات، يرى فيها آخرون خطوة أولى على طريق دمج الحركات الأصولية في النسيج السياسي باعتباره الضمانة الوحيدة لاعتدالها. لكن "المراجعات" لا تروق للحركات الموصوفة بـ"الجهادية" و"السلفية". بل قوبلت من قبلها بالاستنكار والإدانة. فاعتبر أيمن الظواهري في كتابه ( فرسان تحت راية النبي) أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر وبعد عملية المراجعات : (( في الوقت الذي تنمو فيه تنظيمياً تنتحر عقائدياً وسياسياً)). (1)
تعتبر حركة "حماس" نفسها جناحاً من أجنحة "الإخوان المسلمين". وقد قررت المادة الثانية من ميثاق الحركة أن: (( حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين. وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي وهي كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث)). وإذا بدا أن حركة حماس لا تشكل امتدادا تنظيمياً هيكلياً مباشراً لجماعة "الإخوان المسلمين" فإنها بلا شك تمثل الامتداد العقائدي والأيديولوجي لها. وتقوم هذه الأيديولوجيا على اعتبار الإسلام ديناً ودولة وأن القران والسنة هما أساس الحياة بكافة جوانبها. ويمثل هدف إقامة الدولة الإسلامية خطوة على طريق الخلافة الإسلامية. حيث تلعب فكرة "الحاكمية" دوراً محوريا وركيزة أساسية في فكر "الإخوان المسلمين". يقول مؤسس الجماعة حسن البنا موصفاً الجماعة بأنهم: (( لا يطلبون الحكم لأنفسهم، فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قراّني فهم جنوده وأنصاره وأعوانه، وإن لم يجدوا فالحكم بمنهاجهم. وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله)) [ التشديد مني ح. أ. ح. ]. وقد اختارت جماعة "الإخوان المسلمين" في صراعها مع الأنظمة القائمة شكلاً تنظيمياً خاصاً اختارت له صيغة دولية مما جعلها تخوض معارك طاحنة مع أكثر من نظام عربي وإسلامي، الأمر الذي جعلها حركة محظورة في أكثر من بلد هنا وهناك. ويرى "الإخوان المسلمون" أن الصراع مع "اليهود" هو معركة وجود، لذلك ترفض الجماعة كل المبادرات والمؤتمرات الدولية لحل القضية الفلسطينية والقائمة على قرارات الأمم المتحدة. وترى أن سبب هزيمة العرب المستمرة هو تخليهم عن الشريعة الإسلامية وعن المنهج الإلهي في الحكم. وتؤكد المادة (13) من ميثاق حركة "حماس" على رفض التسوية السياسية وترى أن لا حل للقضية الفلسطينية إلا بالجهاد. وبناء عليه تحدد المادة (32) الموقف من النظام المصري. فترى أن مصر قد أخرجت من: (( دائرة الصراع إلى حد كبير جداً باتفاقية كامب ديفيد الخيانية، وهي تحاول أن تجر دولاً أخرى إلى اتفاقية مماثلة لتخرج من دائرة الصراع (...) فالخروج من دائرة الصراع مع الصهيونية خيانة عظمى، ولعنة على فاعليها))
في نظر "الإخوان المسلمين" يشكل المسلمون أمة واحدة حيثما كانوا، وأن الإسلام كدين ذو رسالة عالمية لا يعرف اختلافات عنصرية ولا حدوداً جغرافية. ولا يخفي ميثاق "حركة المقاومة الإسلامية- حماس" الرغبة في تصدير الحركة إلى الساحتين العربية والإسلامية: (( في دائرة الصراع مع الصهيونية العالمية، تعتبر حركة المقاومة الإسلامية نفسها رأس حربة أو خطوة على الطريق (...) ويبقى أن تتبع ذلك خطوات على مستوى العالم العربي والإسلامي)) (المادة32). وجاء في المادة العاشرة: (( وحركة المقاومة الإسلامية حماس وهي تشق طريقها، سنداً لكل مستضعف، ونصيراً لكل مظلوم، بكل ما أوتيت من قوة، لا تدخر جهدا في إحقاق الحق وإبطال الباطل بالقول والفعل في هذا المكان وفي كل مكان يمكنها أن تصل إليه وتؤثر فيه)).
بعد هزيمة عام 1967 وتراجع المد القومي برحيل الرئيس جمال عبد الناصر، عاد الإخوان إلى المسرح السياسي بعد تسلم أنور السادات مقاليد الحكم في مصر. وبدأ العمل على إحياء دور الجماعة في غزة. واستندت في عملياتها على عدد من الجمعيات والمؤسسات الدينية، كالمجمع الإسلامي والجامعة الإسلامية، وغيرها من الجمعيات التي أسستها الجماعة في أماكن متفرقة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقد حصلت تلك المؤسسات على كل التراخيص اللازمة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي وذلك على خلفية ما عرف بـاستراتيجية "القيادة البديلة" لمنظمة التحرير الفلسطينية. وتعزز موقع التيار الإسلامي في أكثر من بلد عربي في مطلع الثمانينات بعد ما عرف بـ "الثورة الإسلامية" في إيران. وبدأ نشاط "الإخوان المسلمين" في فلسطين يتعاظم من خلال الجامعات والمساجد والجمعيات الخيرية محاربين علمانية منظمة التحرير الفلسطينية.
عقب اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987 , بدأ "الإخوان المسلمون" بممارسة ما يعرف بـ"الإسلام الجهادي" وقد ساعدت على ذلك ظروف الانتفاضة. وأعلن في 18 آب 1988 عن ميثاق" حركة المقاومة الإسلامية ـ حماس" ومن ثم الإعلان عن تشكيل جناحها العسكري. ومنذ البداية طرحت حركة حماس نفسها كبديل لمنظمة التحرير الفلسطينية وكفصيل مستقل في الساحة الفلسطينية. ووضعت نفسها موضع المنافسة القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة " قاوم" حين راحت تدعو لإضرابات منفصلة عن الإضرابات التي دعت إليها "قاوم". وبالرغم من أن ميثاق حركة حماس في مادته(27) اعتبر أن منظمة التحرير الفلسطينية: (( من أقرب المقربين إلى حركة المقاومة الإسلامية)) إلا أنها رأت فيها أيضا النقيض الأيديولوجي: (( وتأثراً بالظروف التي أحاطت بتكوين المنظمة، وما يسود العالم العربي من بلبلة فكرية، نتيجة للغزو الفكري الذي وقع تحت تأثيره العالم العربي منذ اندحار الصليبيين، وعززه الاستشراق والتبشير والاستعمار، ولا يزال، تبنت المنظمة فكرة العلمانية وهكذا نحسبها. والفكرة العلمانية مناقضة للفكرة الدينية مناقضة تامة، وعلى الأفكار تبنى المواقف والتصرفات، وتتخذ القرارات)). وكانت حركة "حماس" قد وضعت شروطاً صارمة للدخول في منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني. فرداً على الدعوة التي وجهت لها للمشاركة في أعمال اللجنة التحضيرية لإعادة تشكيل المجلس الوطني، وجهت حماس بتاريخ 6/4/1990 مذكرة إلى رئيس المجلس عبد الحميد السائح وضعت فيها شروطها وتصوراتها للمشاركة في عضوية المجلس، كان من أبرزها، إلغاء القرارات الصادرة عن المجلس والمتعلقة بعملية التسوية والحلول الدبلوماسية للقضية الفلسطينية، خصوصاً قرارات الدورة 19 في الجزائر عام 1988، واشترطت أن تحوز على نسبة تمثيل تتراوح بين 40ـ50 في المائة من الأعضاء.
استمرت حركة حماس في طرح نفسها كبديل أيديولوجي ووطني لمنظمة التحرير الفلسطينية ولاحقاً للسلطة الوطنية الفلسطينية، وبدا ذلك جلياً عقب الانسحاب الإسرائيلي من غزة وتفكيك المستوطنات إذ سارعت حركة "حماس" إلى المطالبة بتقاسم الأراضي التي انسحبت منها إسرائيل مع السلطة الوطنية الفلسطينية تحت شعار "شركاء الدم شركاء القرار". وبالرغم من أن الحركة قد رفضت المشاركة في الانتخابات الرئاسية إلا أنها اتخذت قرارها المشاركة في الانتخابات المحلية والبلدية، وخاضتها فعلاً، لتخوض بعد ذلك الانتخابات التشريعية وتفوز فيها. وبعد جدل سياسي طويل وخلافات حادة بين الحكومة والرئاسة، وتهديد الرئيس باللجوء إلى الاستفتاء قبلت حركة حماس بـ" وثيقة الوفاق الوطني" التي استندت على وثيقة الأسرى، وكان معنى ذلك قبول الحركة بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني والاعتراف بالمواثيق الدولية وقبول مبدأ الدولة في حدود الرابع من حزيران عام1967 وعاصمتها القدس الشرقية. كما عنى أيضاً قبولها بمبدأ التفاوض باعتباره أحد أشكال النضال على أن تتولاه منظمة التحرير الفلسطينية. بدا حينها لبعض المراقبين والمحللين والكتاب أن هذا التحول هو انقلاب في توجهات حركة "حماس" وتجاوزاً لكثير من بنود ميثاقها. وبدأت تظهر في وسائل الإعلام وعلى لسان العديد من المحللين عبارات من نوع (براغماتية حركة حماس) و (الواقعية السياسية لحماس)... ونحوها. لكن الانقلاب العسكري الذي شرعت به الحركة في غزة وما أرتكب بحق الشعب الفلسطيني ورموزه ومؤسساته الوطنية والعلم الوطني الفلسطيني، أكدت مجدداً أن ما بدا على أنه مرونة سياسية وتحولاً باتجاه الواقعية لم يكن إلا نوع من المراوغة وكسب الوقت بل والتقّية السياسية والتي لم تختلف كثيراً عن تقّية غيرها من الحركات الأصولية، لاسيما وأن الحركة كانت في طور ما نظّر له في الفكر الأصولي بـ "الحقبة المكية" التي تستدعي الحذر والحيطة والمهادنة وتجنب الصدام ريثما تتمكن "الدعوة" من أعدائها.
سيلحظ المتتبع للدوريات ومواقع الانترنت العديدة التابعة لحركة"حماس" وما تفرع عنها من منتديات ابتداء من لحظة الانقلاب العسكري، والتي جميعها تعكس إلى حد كبير أدبيات الحركة لاسيما في المرحلة الراهنة، سيلحظ كثافة استخدام مصطلح " الحقبة المكية". وعلى سبيل المثال لا الحصر، يكتب أحدهم وهو أسامة أبو رشيد مقالاً بعنوان: (حماس تدشن بداية نهاية "الحقبة المكية" في التفكير الإخواني). وقد نشره عديد من المواقع أبرزها موقع المركز الفلسطيني للإعلام و موقع شبكة فلسطين للحوار. رأى أبو رشيد في انقلاب "حماس" في غزة خطوة (( قد تدفع بالإخوان المسلمين إلى التفكير بطرق "خلاقة" لمواجهة القمع والكبت الممارس عليهم وعلى شعوبهم من قبل الأنظمة))، ورأى أنه إذا كان العنف قد يسبب خسارة لهم على اعتبار أن الوضع في غزة يختلف عنه في فروع جماعة "الإخوان المسلمين" في البلدان العربية المختلفة (( لكن على الأقل فإنهم قد يلجأون إلى تغيير قواعد اللعبة مع الأنظمة ونقل التوتر معها إلى الشارع في صورة عصيان مدني واسع، وهو أمر ينبغي أن تفكر فيه الجماعة في مناطق نفوذها))، ويعلن صراحة أنه (( قد دق مسمار اۤخر في نعش" الحقبة المكية" في التفكير الاخواني التي طالت، ولعله من المفارقة أن " الحقبة الكية" زمن الرسول صلى الله عليه وسلم قد دامت 13 عاماً في حين انهت حماس هذه الحقبة في قطاع غزة، وإن مؤقتاً، بعد 13 عاما أيضاً من دخول السلطة الفلسطينية منذ شهر نيسان/ابريل 1994)). ولم يوفر أبو رشيد أحدا، حتى المتعاطفين مع "حماس" من يساريين وعلمانيين فإنهم، كما رأى، يتعاطفون معها من حيث هي "حركة مقاومة" ولكنه يؤكد أنهم خصوم أيديولوجيون. ويرد على من عتب منهم على "حماس" لما فعلته في غزة بأن هؤلاء ((اعتادوا على الأنموذج الاخواني الذي يقبل أن يتعرض للسحق دونما مقاومة)) وأنهم (( ليسوا على استعداد لهذا التغيير في منطق التفكير الاخواني (والذي يبقى خصماً لهم على الصعيد الأيديولوجي) فهم يريدون للإخوان أن يبقوا أسارى فكر المحنة والاستسلام القدري، وهو الأمر الذي دشنت حماس بداية نهايته في هذا الفضاء الفكري الواسع)). ويختم أبو رشيد أنه من الخطأ الجزم ((بأن أيام حماس قد أصبحت معدودة، فاحتمالات تفجير المنطقة ككل لا تزال مفتوحة، وهي بلا ريب ستفيد كل قوى الممانعة فيها، ومن ضمنهم حماس)).(2)
شاءت المصادفة أنه في الوقت الذي كنت أضع فيها اللمسات الأخيرة على هذا المقال ،ذ بي استمع عبر التلفاز إلى كلمة رئيس الوزراء المقال السيد إسماعيل هنية. ويستطيع كل من تابع معي هذه الكلمة المطولة أن يلمس تأكيداً في كلام هنية على مفهوم " الحقبة المكية". فحركة حماس،كما قال السيد هنية، تحملت كل الأذى من حصار وتجويع وعرقلات على الحواجز ومحاولات إفشال لحكومتها ومحاولات للقضاء عليها، وغيرها، وقد صبرت الحركة إلى أن نفذ صبرها فاضطرت للقيام بانقلابها العسكري. وقد تلا السيد هنية بعض من آيات الصبر في القران الكريم والتي نزلت في الحقبة المكية من الدعوة الإسلامية والتي طالبت المسلمين والرسول صلى الله عليه وسلم بالصبر على الأذى مع الوعد بالنصر القريب. ومنها (إن لم تخني ذاكرتي) الاية127 من سورة النحل ﴿ واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولاتك في ضيق مما يمكرون﴾ . كما سيلحظ المتابع للكلمة ما رددته الحشود في القاعة من عبارات، لاسيما العبارة: (( جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)) وهي العبارة التي رددها النبي صلى الله عليه وسلم بعيد فتح مكة حين طاف بالكعبة يحطم أصنامها.
الفاتحون الجدد للأسف لم يجدوا من الأصنام في غزة أصناماً، بل رؤوساً لمناضلين عجزت قوات الاحتلال الإسرائيلي أن تنال منهم، وربما كان الصنم الوحيد الذي وجدوه نصب الجندي المجهول بكل ما يرمز له من تاريخ نضالي طويل للشعبين الفلسطيني والمصري. فلم لا يحطم؟ طالما أن العناية الإلهية لم تشأ لهم أن يشاركوا في تاريخ كهذا، ربما لأنه ملوث بعلمانية الشيطان، أو هكذا حسبوا، ولم لا يحطم؟ والتاريخ لابد أن يبدأ من طهرانيتهم ( من طهارة) ونورانيتهم، كما لابد له أن ينتهي عندهم طالما قد بلغوا الرسالة وقد حان للرب أن يشهد.
لكن "حماس" لا تزال تؤمن بالحوار، فصدقوها. كيف لا؟ وهي كما يقول ميثاقها (( حركة عالمية، وهي مؤهلة لذلك لوضوح فكرتها، ونبل غايتها، وسمو أهدافها، وعلى هذا الأساس يجب أن ينظر إليها، ويقدر قدرها، ومن اغمطها حقها، وضرب صفحاً عن مناصرتها أو عميت بصيرته فاجتهد في طمس دورها، فهو كمن يجادل القدر، ومن أغمض عينيه عن رؤية الحقائق بقصد أو بغير قصد، فسيفيق وقد تجاوزته الأحداث وأعيته الحجج في تبرير موقفه، والسابقة لمن سبق)) (المادة 7) . أما بخصوص الفكرة والهدف والغايات، فقد وضحت الفكرة ونبل الغاية وسمو الهدف، أما بخصوص الأعين والعيون فعيون الشعب الفلسطيني (عشرة على عشرة) ، أما بخصوص التقدير فهي مسألة متروكة للتاريخ. أما بخصوص المبررات فلن أجادل القدر.
هي قدرنا إذا. لم لا؟ وقد اختيرت من قبل العناية الإلهية، فوطنية حماس وطنية من نوع خاص فإذا كانت (( الوطنيات المختلفة ترتبط بأسباب مادية وبشرية وإقليمية، فوطنية حركة المقاومة الإسلامية لها كل ذلك، ولها فوق ذلك وهو الأهم أسباب ربانية تعطيها روحاً، وحياة، حيث تتصل بمصدر الروح وواهب الحياة. رافعة في سماء الوطن الراية الإلهية لتربط الأرض بالسماء برباط وثيق)) (المادة12). فلا يحزنن أحد بعد اليوم على تنكيس العلم الفلسطيني، طالما أن الراية الإلهية قد رفعت مكانه.
بقي أن نتساءل هل يمكن لمن يقدم نفسه على أنه قضاء وقدر أن يقبل بالحوار كوسيلة لا على أنه غاية في ذاته، وأن يعترف بالآخر المشارك في الوطن، وهو الذي قدم نفسه منذ البداية بديلا وطنيا وحيداً؟ وهل له أن يؤمن بالتعددية السياسية وصناديق الاقتراع ولأكثر من مرة، لاسيما في هذه المرحلة بالذات، مرحلة ما بعد "الحقبة المكية" وتحرير غزة؟ وهل كان الحوار في ما مضى وخلال أشهر عديدة مضيعة للوقت؟ أم أن دعوات اليوم للحوار هي محاولات جديدة لكسب الوقت؟ وهل ستكون الخطوة القادمة في الضفة الغربية؟ أم هناك بعض من حقب مكية أخرى؟

* كاتب فلسطينيي

هوامش ____________________________________________________________
1) انتقد أيمن الظواهري أيضاً حركة حماس بعد انخراطها في العملية السياسية لاسيما بعد اتفاق مكة وقد أشار إسماعيل هنية في خطابه الأخير إلى هذه الانتقادات دون أن يسمي الظواهري بالاسم. وأعتبر هنية أن ما قامت به "حماس" في غزة يؤكد عدم تخليها عن ثوابتها ونهجها. وكان الظواهري قد أثنى على حركة"حماس" وأيد انقلابها في غزة عبر تسجيل صوتي على الانترنت تناقلته وسائل الإعلام في 25/6/2007.
2) أعلن ما يسمى "تنظيم القاعدة في مصر" عن تأييده لما قامت به حركة "حماس" في غزة. كما دعا أيمن الظواهري أهل سيناء إلى مساندة حماس بحكم تواصلهم الجغرافي. الأمر الذي تنظر له السلطات المصرية بقلق بالغ.





#حسام_أبو_حامد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثقافي والسياسي... وسرير بروقرسطس
- ثقافة - البسطة- وأزمة اليسار العربي
- أيديولوجيا الموت واغتيال عمر المختار
- التأويل ومسألة اليقين..والعلاقة بين المعرفي والأيديولوجي
- حق العودة وأزمة الخصوصية اللبنانية
- أبو حيان التنوحيدي: إغتراب المثقف بين باب الله وباب السلطان
- من النص القراني إلى الفلسفة العربية الإسلامية... ملاحظات منه ...
- المثقف العربي : من سياسة تدبير العوام و تدبير المتوحد إلى سي ...
- حركة -حماس- واستحقاقات مرحلة ما بعد الانسحاب الإسرائيلي من غ ...


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - حسام أبو حامد - -حركة حماس: المراجعات وزمن الفتوح الإسلامية... ونهاية -الحقبة المكية