أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إدريس ولد القابلة - هكذا ننتج المعارضين الجذريين عندنا















المزيد.....

هكذا ننتج المعارضين الجذريين عندنا


إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)


الحوار المتمدن-العدد: 1961 - 2007 / 6 / 29 - 11:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عندما اطلعت على مقال "توماس فريدمان"، المعنون "النفط الإسرائيلي"، تجلت أمامي، من جديد، صورة التعامل مع الإنسان و"الصفة الإنسانية" عندنا، فكيف يتم التعامل مع الإنسان عندهم؟ وكيف نتعامل مع الإنسان عندنا؟
يقول الكاتب والمحلل السياسي الأمريكي، توماس فريدمان، في مقاله للأسبوع الماضي، أخبرني أحد أبرز الخبراء الإسرائيليين في مجال الطاقة الحرارية بأنه يريد إعلامي بأن إسرائيل اكتشفت بئرا من النفط لا ينضب.. وعندما حضرت إلى جامعة "بن جوريون"، أشار إلى قاعة مليئة بطلبة إسرائيليين في السنة الأخيرة من كلية التقنية العليا، وقال لي: هؤلاء هم آبار النفط التي نملكها".. ويضيف الكاتب، كان المشهد مثيرا بالفعل، إذ يعرض طلبة هذه الجامعة العبرية، مرة كل سنة، ومن جميع الاختصاصات التقنية، في هندسة الطب الحيوي وهندسة البرمجيات والهندسة الكهربائية وهندسة الحسابات الآلية، مبتكراتهم الجديدة التي اخترعوها كجزء من مشاريع التخرج.. "هذا هو النفط الإسرائيلي الذي لا ينضب".. إذا كنت تريد أن تعرف لماذا تحقق سوق الأسهم الإسرائيلية ومبيعات السيارات، فيها أرقاما قياسية، بينما تشهد الحكومة شللا حقيقيا بسبب الفضائح والحرب مع "حماس".. فلأنها تتوفر على نظام متكامل من المخترعين الشباب من جهة والرأسماليين المتطلعين للاستثمار في التكنولوجيا الجديدة من جهة أخرى؛ ففي العام الماضي (2006) قام الرأسمال الإسرائيلي بضخ حوالي 1.4 مليار دولار (14 مليار درهم) في الشركات المبتدئة لتصبح إسرائيل في مصاف الدول الرائدة. هكذا يفكرون؟ وهكذا يعاملون الإنسان ببلادهم، كآبار نفط لا تنضب، فكيف نعامل عندنا الإنسان؟
عند هؤلاء يبتعد القائمون على الأمور مما يثير الشبهات، أما عندنا ليس هناك ما يثير الشبهات إلا وكانت له علاقة ما بشخصيات وازنة، وفي هذا الصدد يمكن الوقوف على حالات كثيرة جدا.
ولعل آخر نازلة طفت على السطح في هذا المضمار، نازلة تقديم أربع هكتارات ونصف بالمدار السياسي بمدينة تارودانت على طبق من ذهب وبثمن رمزي بخس، لمدير الكتابة الخاصة للملك، منير الماجدي، ولم تكن هذه النازلة ممكنة التحقيق لولا تواطؤ جهات مسؤولة وتدخلها بهذا القدر أو ذاك. هذا في الوقت الذي لا زال العديد من المغاربة يعيشون في فضاءات وشروط لا تسمح باحترام كرامة الإنسان وصيانتها، حتى أن الشباب عندنا يهاجرون هربا على متن قوارب الموت فيما ترتمي فتياتنا بين أحضان شيوخ الفجور والرذيلة... ومع تكريس هذا الواقع وتناسل النوازل الشبيهة بنازلة أرض تارودانت ساد اعتقاد قوي في صفوف أوسع الفئات، مفاده أن القائمين على الأمور لا تهمهم المحن التي تتخبط فيها هذه الأخيرة، من فقر وبطالة واستشراء الفساد والارتشاء وغياب محاسبة المتلاعبين والمفسدين إلى حد التساؤل: هل نحن نعيش الآن في واقع ينطبق عليه المثل القائل: "حاميها حراميها"؟
فعلا، لدينا أشخاص لا يمكن انتقادهم ولو ضلعوا في نهب البلاد وحطموا أحلام أجيال بكاملها.. وذلك على اعتبار أن نهج التدبير عندنا ما زال ينبني على نفس نهج النهب والتحايل السائد بالأمس، وكلما اضطر المتضررون إلى التنديد بالواقع المتردي، كانت طريقة التصدي لهم هي الهراوات؛ وهذا، أمر لا زال قائما إلى حد الآن، أراد من أراد وكره من كره.
لعل آخر دليل على هذه الكيفية التي ووجهت بها مظاهرة سكان الكاريان بالدار البيضاء، الذين توجهوا في مسيرة نحو عمالة البرنوصي لتنديدهم بالتلاعبات التي طالت المشروع الإسكاني الذي موّله أحد المحسنين لتخلصيهم من السكن الذي لا يضمن الكرامة، لاسيما عندما لاحظوا أن القائمين على الأمور، المحليين، أدمجوا ذويهم ومعارفهم في لوائح المستفيدين من المشروع المراد انجازه بواسطة أحد المحسنين للمساهمة في التصدي للسكن غير اللائق، فكان جزاء المتظاهرين الهراوات، رغم أن أغلبهم من النساء "طحنوهم عصا" قبل وصولهم إلى مقر العمالة، فماذا كان سيقع لو تركوهم يقومون بوقفتهم الاحتجاجية لإثارة انتباه المسؤولين ليحققوا في الأمر، اللهم إذا كان هناك ما يراد التستر عليه؟ وقس على ذلك نهج التعاطي والتعامل مع حاملي الشهادات المعطلين الذين أخذوا نصيبا من هراوات رجال الشرقي اضريص، أكثر مما ناله "غاندي" من هراوات الانجليز.
وهناك نازلة عائلة الشهيد الكولونيل محمد كينزي، وهو من أبطال حرب الرمال والمسيرة الخضراء وحرب الصحراء، وقد وشح الملك الحسن الثاني صدره في أكثر من مناسبة، إلا أن مآل عائلته كان الضياع، إذ إنها عوملت بطرق غير مقبولة، لعل أبشعها طردها من المسكن الوظيفي واضطرارها للعيش في "كراج".
وتظل قضية محمد بوكرين من أهم القضايا التي تبين بجلاء كيف يؤدي سوء التدبير والتعاطي مع المشاكل القائمة إلى تضخيم المشكل وإنتاج معارضين جذريين للعبة السياسية القائمة بالمغرب! وهذا أمر ليس بالهين وإنما له دلالات عميقة، بالنظر لتداعياته المستقبلية التي غالبا ما تغيب عن القائمين على الأمور عندنا.
محمد بوكرين، أحد المغاربة المناضلين المخضرمين الذين بالتطوع – لقناعته بجملة من المبادئ الحقوقية الكونية – على امتداد عهد 3 ملوك، خبر السجن وشروط الاعتقال على امتداد هذه المرحلة التاريخية الطويلة، وها هو الآن في طور أن يصبح معارضا جذريا في عهد الملك محمد السادس، بفعل عقلية التعامل المسكونة بالمقاربة الأمنية دون سواها.. وفي هذا الصدد قال قائل: بوكرين خبر الاعتقال والسجون على خلفية أمور سياسية في ظل الملوك الثلاثة، فهل هي مجرد صدفة، أم أن الأمر يدعو إلى طرح، السؤال المستدام من جديد: هل المغرب تغير؟ وهل يمكنه فعلا أن يتغير؟
إن نهج العقلية التي لازالت مسكونة بالمقاربة الأمنية، والتي جعلت أغلب المغاربة متهمين سلفا بالمؤامرة والتآمر، حولت محمد بوكرين من متظاهر محتج على تردي الأوضاع، إلى معارض جذري للعبة السياسية برمتها، كما تم بالأمس بخصوص مئات المغاربة، منهم الصحراويون أيضا، حيث تحولوا إلى معارضين جذريين، على اعتبار أن التناقض جوهري وحيوي لا يمكن حله إلا بانتفاء أحد الطرفين، وهذا ما أدخل المغرب في متاهة طويلة من عهد الجمر والرصاص، والتي مازال المغاربة يؤدون فاتورتها إلى حد الآن.
كان محمد بوكرين مجرد متظاهر محتج في إطار اللعبة السياسية القائمة على بلادنا وذلك ضد تردي الأوضاع، لكنه بفعل تلك العقلية أضحى الآن يقدم كمعارض جذري مع إثارة خلفية تجربته النضالية على الستينيات والسبعينيات وسلسلة الاعتقالات التي أصبحت تكلل تاجا على رأسه المشتعل شيبا.. وكذلك بفعل عدم الحكمة والتروي في التعاطي مع النازلة، إذ لم يبق أمام القائمين على الأمور إلا التصعيد أو التراجع عن المسار الذي ساروا فيه، دون احتساب التداعيات، لأنه لا مندوحة أن نازلة محاكمة معتقلي الفاتح ماي وتوابعها ستوسع دائرة التضامن معهم وستفتح الباب من جديد للخطاب المعتمد على أفكار ومصطلحات، حسبنا أنها اندثرت من قاموس المساهمين في اللعبة السياسية من قبيل التصدي للاستبداد والطغيان وما شابه ذلك، كما أن هذه الإجراءات ستفتح ثانيا مسار تجميع الشروط لتبرير الإصرار على المطالبة بالإقرار بدستور ديمقراطي شكلا ومضمونا وما يتبع ذلك من جدال عن مصدر الشرعية والسيادة، وكذلك الدعوة للانخراط في معركة الكرامة ومواجهة أشكال القمع والفقر والإقصاء.. هكذا يتضح كيف يمكن لسوء التدبير في التعاطي مع نوازل الحياة اليومية أن يؤدي إلى خلق مشاكل كبيرة يمكنها أن تتحول إلى معضلات لا يمكن التحكم في تطورها، كما هو الشأن بخصوص أصحاب "رسالة إلى التاريخ"، وقبلها التعاطي مع نازلة الصحفي علي المرابط و... و...، لاسيما وأن هناك نوازل شبيهة بأخرى أكثر منها خطورة لكن تم التعامل معها برزانة أحيانا وبغض الطرف أحيانا أخرى، وهنا يتضح أن التدبير والتسيير لا يتطلب أشباه دمى متحركة يتم التحكم فيها عن بعد، وإنما لعقول واعية بمسؤوليتها بخصوص أي قرار تتخذه ويمكنها أن تحاسب بصدده.
هذه مجرد أمثلة لتبيان كيف يمكن لسوء التدبير والتعاطي مع النوازل اليومية أن يؤدي إلى خلق إشكالية ثم إلى معضلة تنتشر تداعياتها على امتداد البلاد وتدفع الكثير من المغاربة إلى اعتبار أن لا شيء في الحقيقة قد تغير لأن درجة التغيير لا تلاحظ بالتمني والخطابات، وإنما بالتدبير اليومي للشأن العام ونهج التعاطي معه.



#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -أفريكوم- وسيلة لمحاربة -الإرهاب- وتأمين الموارد النفطية لأم ...
- البصري يسلم أسراره لابنه لحمايته
- حوار مع الباحث محمد الحنفي
- هل القاعدة أضحت تهدد الملك محمد السادس؟
- دركي مغربي يعلن اكتشاف أكبر حقل للبترول في العالم بالمغرب
- مغاربة سبتة ومليلية يطالبون بتحرير المدينتين السليبتين
- مؤشر -الرغبة في مغادرة- المنطقة.. يتنامى!
- المغرب: لا أعرفه
- النظام الملكي في المغرب صمام أمان لا بديل عنه
- في أي مغرب نعيش؟
- الثقافات، اللغات والمعتقدات هوّيات مغربية في تحول
- نكسة حزيران 1967
- ملوك الدعارة
- مات بنزكري.. فكلنا -إدريس بنزكري- الإنسان
- مغرب حق وقانون ومؤسسات حقيقية أم مجرد وهم؟
- -اختطاف- ومحاصرة إدريس البصري
- الحكم الذاتي وخطر الانزلاق
- غضب الملك يجب أن يندرج ضمن ثقافة المحاسبة والمساءلة والعقاب
- مسؤولون فجروا غضب الملك محمد السادس
- لا يمكن الحديث عن غضب الملك ما دامت الحكومة ملتزمة بالخطة غي ...


المزيد.....




- برق قاتل.. عشرات الوفيات في باكستان بسبب العواصف ومشاهد مروع ...
- الوداع الأخير بين ناسا وإنجينويتي
- -طعام خارق- يسيطر على ارتفاع ضغط الدم
- عبد اللهيان: لن نتردد في جعل إسرائيل تندم إذا عاودت استخدام ...
- بروكسل تعتزم استثمار نحو 3 مليارات يورو من الفوائد على الأصو ...
- فيديو يظهر صعود دخان ورماد فوق جبل روانغ في إندونيسيا تزامنا ...
- اعتصام أمام مقر الأنروا في بيروت
- إصابة طفلتين طعنا قرب مدرستهما شرق فرنسا
- بِكر والديها وأول أحفاد العائلة.. الاحتلال يحرم الطفلة جوري ...
- ما النخالية المبرقشة؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إدريس ولد القابلة - هكذا ننتج المعارضين الجذريين عندنا