|
من أجل مداواة الجروح
حسن مدن
الحوار المتمدن-العدد: 1960 - 2007 / 6 / 28 - 12:08
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
(1) كلما تأخر حل المشاكل، أية مشاكل، أدى الأمر إلى تفاقمها أكثر فأكثر. وبصدد الملف المعروف بملف ضحايا مرحلة قانون أمن الدولة، فان الأمر لا يختلف، بل لعله هنا يبدو جليا أكثر مما هو في أي ملف آخر، نظرا للجوانب الإنسانية المعذبة في هذا الملف، التي تتطلب بالضرورة مقاربة إنسانية لها. وهذه المقاربة لا تنطلق من مشاعر الرأفة والشفقة، ولا من مشاعر الانتقام والتشفي، وإنما من منطلق إغلاق هذا الملف بطريقة مشرفة وضامنة للكرامة، هدفها مداواة الجروح الغائرة لضحايا التعذيب وذويهم. لقد شكل العفو العام الذي أصدره جلالة الملك في مطالع المشروع الإصلاحي عن جميع المعتقلين والسجناء السياسيين خطوة مهمة، أدت إلى خلق مناخ آخر مختلف في البلد التي عاشت نحو ثلاثة عقود مثقلة بقيود قانون أمن الدولة ومحكمته، وما جره ذلك على البحرين وشعبها من آلام وأضرار. لكن ملفا بضخامة ملف ضحايا تلك المرحلة الممتدة له جوانب وآثار كثيرة بحاجة إلى تسوية، وقلنا مرارا إن هذه الفترة لا تقتصر على التسعينات وحدها كما يجري الإيحاء أحيانا، وإنما تشمل الفترة الممتدة منذ تطبيق هذا القانون الجائر. وعلى سبيل المثال فان المشاركين في ورشة الإنصاف والمصالحة أمس الأول استمعوا إلى شهادات ضحايا تعود إلى الثمانينات وما قبلها، بينها الشهادة المؤثرة للسيدة إيمان شويطر زوجة الشهيد الدكتور هاشم العلوي الذي استشهد في عام ٦٨٩١، عن ظروف اعتقال ووفاة زوجها. إن من بين أهداف التسوية المشرفة التي نطالب بها لهذا الملف هو إنصاف المتضررين وذويهم لما وقع عليهم من أذى جسدي ومعنوي، وتعويضهم ماديا جراء ذلك، ولن يتم ذلك إلا عبر إقرار الدولة بأنها مسؤولة عن تورط بعض أجهزتها في إلحاق هذا الأذى. ولا تنطلق هذه الدعوة من رغبة في الثأر ولا الإساءة إلى المناخ الذي تحقق في البلد بعد المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، وهو مناخ نحن شديدو الحرص على صونه والحفاظ عليه وتطويره، وإنما تنطلق من الرغبة في استخلاص العظة والعبرة مما عاشته البلاد في المرحلة السابقة، حتى لا تنشأ مجددا ظروف العودة إلى تلك الممارسات التي أدانها جلالة الملك في كلمة له وجهها منذ سنوات في اليوم العالمي لمكافحة التعذيب. وهناك تجارب دولية وعربية لا يتعين علينا استنساخها، ولكن يمكننا الإفادة منها وتطبيقها بشكل خلاق على ظروف البحرين الملموسة، خاصة بالنظر إلى المفاعيل الايجابية الكثيرة التي تركتها هذه التجارب على مسار التحول الديمقراطي في بلد عربي شقيق هو المغرب. إن المسؤولية الرئيسية في هذا المجال تقع على عاتق الدولة المطالبة بمبادرة شجاعة تقر فيها بالمشكلة القائمة، وتسعى عبر الشراكة مع الهيئات الحقوقية المعنية لبلوغ حل بشأنها، بما يجعل بالإمكان ترسيخ الذاكرة الوطنية والنظر إلى تاريخنا نظرة متوازنة منفتحة، وهذا ما سنأتي عليه في حديث سابق.
(2)
على صلة بحديثنا أمس حول ضرورة مداواة جروح الماضي، الذي خلصنا في نهايته إلى أن للأمر في أحد جوانبه علاقة بالذاكرة الوطنية وبالتاريخ الوطني المشترك الذي يجب كتابته برصانة وبروح موضوعية متوازنة، أود الإشارة اليوم إلى محاضرة قيمة قدمها الباحث البحريني محمد ديتو في مقر المنبر التقدمي منذ نحو عشرة أيام تناول فيها هذا الموضوع بالاستفادة من واقع تجربة الشعوب الأخرى. فالذاكرة الوطنية بصفتها مكونا هاما من مكونات وعي الشعوب بهويتها، كما يذهب إلى ذلك الباحث، تسهم بصورة كبيرة في تأكيد حضور قيم المجتمع ومثله العليا سواء للأجيال الحاضرة أم القادمة. وفي مسار عملية الانتقال إلى الديمقراطية في المجتمعات ذات الإرث الصعب من الاستبداد وانتهاكات حقوق الإنسان فان الدور المناط بهذه الذاكرة في تعزيز هذا المسار مرتبط إلى حد كبير بإرساء قواعد الثقة والتفاهم بين مختلف المجموعات المكونة للشعب المعني. وحتى يكون هناك تفاهم لابد من وجود حقيقة يتم التفاهم حول معناها لذلك فان قول الحقيقة وكشفها عملية ذات مردودين ايجابيين: المساهمة في تعافي المجتمع من هذا الماضي الصعب، والثانية دعم تشكيل الثقة بين أعضاء هذا المجتمع وتعزيز إيمانهم بالديمقراطية كأسلوب لإدارة شؤون حياتهم. وإعادة صياغة الذاكرة الوطنية خلال مراحل الانتقال لتشمل كل الجوانب المضيئة والمظلمة من تاريخ الشعب قد تكون أحد المداخل المهمة لتحقيق توافق ووحدة وطنية قائمة على تعدد الهويات، تعدد يشبه قوس قزح بتعبير احد الدارسين يعرف بـ »فوران« الذاكرة التي تظهر بصورة اضطرابات غاضبة تعكس حالة من عدم الرضا في أوساط ضحايا المرحلة السابقة. وتهيئ ظروف التحول من مناخات القمع والإرهاب والأحكام الاستثنائية نحو الديمقراطية فرصة ثمينة أمام إعادة تشكيل الذاكرة الوطنية وهي فرصة قد تضيع إذا لم تجر فرصة استثمارها، وهذا ما يبدو ماثلا اليوم أمام مجتمعنا البحريني، حيث يتعين على الدولة في المقام الأول الإقرار بالحقيقة التي كانت إما مخفية أو تم إنكارها في السابق، وان التلكؤ في ذلك لن يؤدي إلا إلى المزيد من تفاقم المشكلة وتكريس مناخ عدم الثقة والريبة. قلنا أمس إن الأمر بالنسبة لنا لا ينطلق من الرغبة في الانتقام أو الثأر، وإنما من الرغبة في مداواة جروح الضحايا، واستخلاص العبر والدروس الضرورية من التجربة المريرة التي مر بها مجتمعنا في عقود سابقة. وذكرنا محمد ديتو في محاضرته بتجربة جنوب أفريقيا، حيث أن عملية كشف الحقيقة وإعادة الاعتبار للضحايا هناك أكدت أنها غير مرتبطة بالضرورة بالعقاب، بل قد تؤدي إلى شفاء الأمة من جرحها لذلك لم يكن من قبيل المصادفة أن أطلق الأسقف »توتو« رئيس لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا على عملية كشف الحقيقة اسم »العدالة الشافية«. وكان من أبرز قرارات لجنة الحقيقة والمصالحة عقد مؤتمر » شفاء وتعافي الذاكرة « في إشارة إلى الدور الهام جدا الذي تلعبه الذاكرة في تحقيق المصالحة الوطنية.
#حسن_مدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليست مسألة شكلية
-
يوجد بديل !
-
التجربة النيابية بين مرحلتين
-
هل ما ينقص البحرين الدعاة؟
-
الفئات الوسطى
-
إصلاح النظام الانتخابي.. لماذا؟
-
ما يعطى بيد يؤخذ بأخرى!
...
-
شكراً للسادة النواب !!
-
نساء من سنوات الجمر
-
أبعد من نقص الشفافية!
-
مصير القوى الصغيرة والمتوسطة
-
الرياح الساخنة للطائفية
-
إعدام صدام
-
بعيدا عن الأوهام
-
مرشحو البديل الديمقراطي
-
المجلس السابق المجلس القادم
-
كلمة الدكتور حسن مدن الأمين العام للمنبر الديمقراطي التقدمي
...
-
إضراب »ألبا«
-
خطورة أن يكون المجلس القادم من
...
-
المقابلة التي أجرتها جريدة الوسط مع الأمين العام للمنبر الدي
...
المزيد.....
-
فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
-
الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
-
طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
-
آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات
...
-
RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
-
نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
-
البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا
...
-
إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد
...
-
تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس
...
-
مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي
...
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|