أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - الحكي كإبداع للوعي .. قراءة في ما لا نراه ل محمد جبريل















المزيد.....

الحكي كإبداع للوعي .. قراءة في ما لا نراه ل محمد جبريل


محمد سمير عبد السلام

الحوار المتمدن-العدد: 1958 - 2007 / 6 / 26 - 06:55
المحور: الادب والفن
    


من خلال فعل الحكي ، يتشكل الوعي بالوظائف الإبداعية للأحداث التاريخية ، و اليومية ، و الواقعية ، في مجموعة " ما لا نراه " للأديب محمد جبريل – صدرت مؤخرا في سلسلة أصوات عن هيئة قصور الثقافة المصرية – يصير – إذا – فعل الحكي عند محمد جبريل مفتتحا للتأويل ، و الأداء معا في سياق الصورة السردية للواقع ضمن تداخله الأساسي مع الوعي الإبداعي المنتج للحكاية المؤثرة في صناعة سياق واقعي – تخيلي متجدد ؛ فالوحدات الكثيفة للسرد تحمل صخب الشخوص التاريخية ، و آثار من اللوحات الفنية مصحوبة بفاعلية جديدة مؤولة في عوالم المتكلم الداخلية ، و كذلك الأساطير التي تكشف عمق لغة الحكي التسجيلية ؛ إذ إنها لغة مزدوجة بين التقرير من جهة ، و استشراف ما فوق الواقع ضمن وحداته الجزئية من جهة أخرى .
في نص " ما لا نراه " يرصد السارد شخصية الأم ، ذات النبوءات ، و المعرفة الإشكالية بأحداث المستقبل ، و وسائطها لبلوغ هذه المعرفة هي ؛ الأحلام ، و العناصر الكونية ، و تقلبات المناخ ، و الكسوف ، و الخسوف ، و ما إلى ذلك ؛ فقد تنبأت بوفاة الشيخ عبد الصمد رغم صحته الجيدة ، لأن نجمه قد خفت ثم يرى السارد أخاه قد عاد من جنازة الرجل عقب النبوءة ، و يظل السارد في حالة تتبع للمسار المعرفي للأم ، و يحاول أن يجعل توقعاتها تتوافق مع ما يهمه .
تتضارب مستويات المعرفة في شخصية الأم ، و من ثم يضعنا النص أمام التساؤل المتكرر حول المعرفة الأولى ، و معنى الحقيقة المتضارب أيضا ، فمن الواضح أن الأم ترتكز على حدس نسبي في نبوءاتها ، بينما يوحي خطاب المتكلم بتطابقها مع نتائج الواقع . إنها الخبرة الفردية التي يحولها إلى تمثيل سردي معرفي متحول في روايته عن الأم ، إذ تتحول الأخيرة إلى حكاية تعمل من خلالها الأطياف ، و الشخصيات المخيلة في وعيه ، كأنه يقاوم قوتها المعرفية التي أثبتها في البداية من خلال التوظيف الإبداعي – النسبي لما لا يراه ، و ما لا يراه المتلقي أيضا .
و في نص " لماذا يتحدون ضدي ؟ " يعاين السارد تجربة نسخ الاسم بوصفها حقيقة ، ذات أصل مخيل يكمن في أصل الوجود الواقعي نفسه ، فعقب وفاة الشيخ عبد الرحيم ، و تنازع مجموعة من الورثة على أراضي الوقف قام بمحاكاة الشيخ ، و استبداله بأن وضع اسمه في كشف الورثة .
هل يحمل البطل رغبة لا واعية في قتل رمز الجد عبد الرحيم ، و احتلال موقعه المقدس في نفوس العائلة ؟ إنه يعيد تمثيل الملكية من خلال صورة الأصل التي ينفيها بينما يحاول الانتماء إليها من خلال الإجراءات المعقدة أيضا ، إنه يطارد مدلول النقاء الأول ليحرف النخبوية من خلال آليات الحفاظ على الهوية ، باتجاه هوية أخرى مخيلة .
تتوتر وظائف الحكي كموضوع في بعض نصوص المجموعة مثل محو الذاكرة ، و الانتظار ، و الإشارة ، و لقاء ، و مواجهة بين تشكيلها للمعرفة الإبداعية التي تكثف الحدث التاريخي المتكرر في وظائفه التأويلية ، و الانفصال أحيانا عن الالتحام المباشر في الحدث مما يجعلها مصدرا للهدم ، لا الإبداع في الوجود .
في نص " محو الذاكرة " تستبدل قوة الحكي الهادئة ، سلطة المحو المباشرة لدى السلطان الذي يملك قوة سحرية تخفي الكلمات ، و الصور ، و التواريخ ؛ فحكايات الجدات من السير ، و الملاحم يمكن تلقينها ، و استعادتها لتحيا من خلالها المعرفة ، و تمتد في الزمن رغم المحو .
لقد تحولت الحكاية هنا إلى موضوع للحكي تتجسد فيه الحياة التاريخية ، و الفكر ، و التاريخ عقب تبلورها كنقطة للبدء المتكرر ، رغم وقفات المحو .
تظل الحكايات بعيدة عن التأثير السحري لعين السلطان ، عن المواجهة . لكنها تحول الماضي إلى مستقبل كثيف متجدد ، فالفاعل الذي قام بالمحو تم استلاب بطولته في حكي المحو ، و توليد الذاكرة من خلاله .
و في نص " الانتظار " ينتقل المستوى المعرفي بقدوم عبدة النار في وعي السلطان من الحكي ، إلى الواقع ، وكأن الحكاية استنفدت نفسها من الحلم للواقع الذي صار حلميا في الانتظار ، و كذب المنجمين على السلطان .
السلطان وظيفة مؤجلة في انتظار متكرر للتدمير الجماعي ، هكذا تقرأ الحروب في قوة الحكاية كإمكانية مجددة ، و متجددة للانتظار ، و التدمير .
و في نص " الإشارة " تتحقق الخسارة عندما ينفصل الحكي عن امتداده الزمني – الواقعي ، فالغريب يؤجل المعركة في وعي الناس عن طريق حكايات عن السندباد ، و الشاطر حسن ، و السفيرة عزيزة ، و البساط السحري حتى يغرق الحاضرون في النوم ، فيعطي إشارة بتوقف الحكي .
السارد الأول يحكي ليقاوم زيف حكايات الغريب الانفصالية ، كأنه يفجر حكايته بحكي آخر يلتحم بتأويل التاريخ ، من خلال استعادة الأداء في صورته الحكائية ، لا الحكاية معزولة عن سياق التأويل .
و في نص " لقاء " يزدوج العبث ، بحلم العدالة في وعي الفلاح عندما يقرر أن يشكو جابي الضرائب للسلطان فيجد الوجه نفسه متكررا دون نهاية .
لقد تشكل السلطان من وظيفة التشابه مع الآخر المولد من خلاله ، فصار محاكاة له تكتسب هامشيته التكوينية من خلال الحكي ، فسطوة العبث تنفجر في تشابه علامات القوة ، كأن اللقاء مؤجل ، أو لم يحدث ، فقد وقعت الحكاية في موقع عبثي مضاد لهذا اللقاء الذي أنتجته .
و في نص " مواجهة " يكثف السارد صراعا فريدا ينتجه الديك الأبيض لعلي حمدون ، قوامه الدفاع المباغت عندما يشتد الألم .
لقد أعاد الراوي إنتاج المواجهة في تأجيل الصراع ، و اختفاء المواجهة حينما تتجاوز نفسها في الحكاية إلى ما بعد الصراع ، ما بعد الحرب ، و هو استباق الموت في ضربة ما قبل المواجهة الفعلية في صراع الديوك ، تلك التي يتحقق فيها الاختفاء دون صراع حقيقي ، لكنه حكائي تأويلي لعبث المواجهة الحقيقية .
و تبلغ درجة الإنتاجية الإبداعية للحكاية عند محمد جبريل ذروتها في نصي حقائق الجدار ، و أطياف ، إذ نعاين علاقات التداعي الحاملة لتداخل الحكاية مع الواقع بحيث تكشف عن أصالة المحاكاة في وظائفه ، و وحداته .
في نص " حقائق الجدار " يقوم الحكي بتفجير الوظائف التخيلية الخفية خلف سكون المكان ، بحيث يبدو جموده الظاهر سرديا في أصله ، غير المنفصل عن السرد حين يصير مستقبلا ديناميكيا يحاكي الماضي من خلال أطياف المكان / الجدار ، و قد توقفت كثيرا عند العنوان : حقائق الجدار ، ما الحقائق ؟ هل هي مادة الحكاية الأولى الأسبق من الكلام ؟ أم أنها القوة المخيلة السردية للعلامات الكونية الساكنة ؟ أم أنها تداعيات إبداعية للحكاية فيما يؤولها من علامات ما يسمى بالواقع ؟
يتذكر البطل حكايات جدته عن الشاطر حسن ، و السندباد ، و طائر الرخ ، و أبي رجل مسلوخة ، و يتزامن تذكره مع حركة تكوينات نشع الجدار ، و سقف الغرفة ، تلك التي تتلاقى ، و تتباعد ، و تتجسد كأنها توشك على مغادرة الجدار ، و تتجه نحوه بأعين تقدح شررا . يقول :
" اختفت الأشكال المتداخلة ، حلت بدلا منها أشكال أشبه بالمسدسات ، و القنابل اليدوية ، اعتدلت في موضعي بحيث واجهت الباب المغلق ، حركت إصبعي كأني أضغط على زناد ، علا صوت انطلاق رصاصة ، توالى تحريك إصبعي ، تعالت أصوات الرصاص ، و الصيحات " .
لقد تجسد الصوت المتعالي من مادة الحكي الهوائية ، فصار حقيقة لا تنفصل عنها ، إذ إن الحقيقة تختلط بالحكاية فتستبدل الوعي بالمكان ، بسرد المكان الأدائي في لعبة ، أو مسرحية ترتكز على أولية التغير ، و الاختلاف .
و في نص " أطياف " تتحول مناقشات السارد مع صديقه سالم المغرم بالتاريخ ، إلى إعادة تكوين الوعي بالواقع وفق تداعيات التاريخ الإبداعية .
لقد تحث سالم عن تاريخ عمان ، و الصراع مع البرتغاليين ، و دفن الموتي في أماكن قتلهم ، ثم يحدثه عن أطياف الموتى التي تغادر القبور ، ثم يسمع السارد خشخشة يعقبها انبثاق لعدد لا نهائي من الأطياف بعضها دون رأس تحمل بنادق ، أو طبول ، ثم تتكاثر ، و يخرج من أحدها دف ، و يبدأ الرقص .
لقد ازدوج المرح بذكرى موت متجدد في لعبة الحكي الممزوجة بفانتازيا الوجود ، حيث يصير أثر الحقيقة التاريخية تأويلا إبداعيا لها ، ضمن منطق التداعي ، و تداخل آثار الماضي مع مستقبل قيد التشكل يؤوله ، و يعيد قراءته وفقا لمرح الحكي رغم أنه يحمل في الوقت نفسه مأساة التاريخ .

محمد سمير عبد السلام – مصر



#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معرفة كونفوشيوس
- توهج النهايات عند صمويل بيكيت
- المحظور و التمثيلي و العوالم الافتراضية .. عن الأنوثة في قصص ...
- العمل ، و إبداع العالم
- الغياب في فضاء المحاكاة .. قراءة في فكر جان بودريار
- العبث ، و أحلام التجدد
- أحلام الأم المقدسة عند نوال السعداوي
- الأسئلة الارتدادية للفن
- القصيدة التفاعلية ، أو الامتداد الكوني للقصيدة - قراءة في لو ...
- صخور السماء .. أنشودة الجسد
- الأنا و تمثيل الآخر / الثقافي
- نشوة التجزؤ .. قراءة في حالات الروح
- كتابة أورهان باموك .. و خروج الهامشي من هامشيته
- أولية التحول في الفوتوغرافيا و الشعر ... قراءة في شجن ل .. ع ...
- جماليات الغياب .. قراءة في رشحات الحمراء ل .. جمال الغيطاني
- نجيب محفوظ ... وهج بدء متكرر
- تناثر المرآة و اللعب بالقصيدة .. قراءة في ديوان فوق كف امرأة ...
- طفرة الخروج ... التجاوز و التجديد في قصيدة النثر المعاصرة
- نهاية النموذج .. قراءة في كسبان حتة ل .. فؤاد قنديل
- الاستباق و التحول - التفاعل المعاصر بين التراث الثقافي و الع ...


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - الحكي كإبداع للوعي .. قراءة في ما لا نراه ل محمد جبريل