عايد سعيد السراج
الحوار المتمدن-العدد: 1954 - 2007 / 6 / 22 - 11:20
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
محمد وآيات الخمر
كيف نزلت آيات الخمر وهل حُرِّم الخمر : وكيف ؟
( 00ومن هذا القبيل الآيات النازلة في تحريم الخمر , فإن الخمر لم تحرم دفعة واحدة وإنما حرمت بالتدريج تبعاً لمقتضى المصلحة وظهور الحاجة إلى التحريم , ولنذكر سير الوحي في تحريمها ومنه تعلم صحة ما نقول , نزلت في الخمر أربع آيات فالأولى : ( ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ) (4) ( والسكر بفتحتين الخمر وكل ما يسكر ) , وهذه نزلت بمكة فكان المسلمون يشربونها وهي لهم حلال , ثم أن النبي لما قدم المدينة كان الناس يشربون الخمر ويأكلون القمار , فسأله نفر من الصحابة وقالوا : يا رسول الله , أفتنا في الخمر فإنها مذهبة للعقل مسلبة للمال , فنزلت : ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من / 247/ نفعهما ) (1) فشربها قوم لمنافعها وتركها آخرون لإثمها 0
ثم أن عبد الرحمن بن عوف صنع طعاماً وشراباً , ودعا نفراً من أصحاب رسول الله والخمر لم نزل مباحة , فأكلوا وشربوا , فلما ثملوا وجاء وقت صلاة المغرب قدموا أحدهم ليصلي بهم , فقرأ : قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون وأنتم عابدون ما أعبد 0 فنزلت الآية : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) (2) 0 فكانوا لا يشربونها في أوقات الصلاة , فإذا صلوا العشاء شربوها فلا يصبحون إلا وقد ذهب عنهم السكر وعلموا ما يقولون 0
ولم نزل الخمر مباحة حتى حدث ما اقتضى تحريمها بتاتاً , فمن ذلك ما جاء في البخاري أن حمزة شرب الخمر يوماً وخرج فوجد ناقتين لعلي بن أبي طالب فعلاهما بالسيف وبقر خواصرهما , ثم أخذ من أكبادهما وجب سناميهما 0 قال علي : فنظرت إلى منظر أفظعني فأتيت النبي وعنده زيد بن حارثة فأخبرته الخبر, فخرج ومعه زيد فانطلقت معه فدخل على حمزة فتغيظ عليه , فرفع حمزة بصره وقال : هل أنتم إلا عبيد لأبي , فرجع النبي يتقهقر حتى خرج (3)0
ومما حدث أيضاً أن عتبان بن مالك دعا قوماً فيهم سعد بن أبي وقاص فلما سكروا افتخروا وتناشدوا فأنشد سعد شعراً فيه هجاء الأنصار فضربه أنصاري بلحي بعير فشجّه موضحة ( هي الشجة التي تبدي وضح العظام ) فشكا إلى رسول الله وكان عمر حاضراً , فقال عمر : اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً , فنزلت : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) إلى قوله : ( فهل أنتم منتهون ) ) (4) فقال عمر : انتهينا يا رب وكف الناس عن شربها (5) / 248/0
فانظر كيف تدرج في تحريم الخمر حسبما اقتضته المصلحة وطلبته الحاجة , ففي المرة الأولى ذكر إثمها الكبير ومنافعها ولم يزد على ذلك شيء , وكأنه بعد أن ذكر إثمها ومنافعها ترك الحكم فيها للناس , فتركها قوم لإثمها وشربها آخرون لمنافعها حتى أن بعض الشعراء المحدثين قال في ذلك :
وما غرّني فيها وأعلم إثمها سوى قوله فيها منافع للناس
ثم ظهرت الحاجة إلى تحريمها في الصلاة من أجل الغلط الذي وقع في قراءة القرآن , فنهاهم عن أن يصلوا وهم سكارى حتى يعلموا ما يقولون , ثم تبين بما وقع للسكارى من المشاغبات والمشاحنات أنها تهيج الشر وتوقع العداوة والبغضاء بين الناس , فظهرت الحاجة إلى تحريمها بتاتاً, واقتضت المصلحة ذلك فحرمها , وهذا يدل بوضوح على أن الوحي ليس إلا نتيجة تفكير واجتهاد فيما يوافق المصلحة وتقتضيه الحاجة, وأن جبريل في أمر الوحي ليس إلا آلة وسنداً للإيمان والتصديق 0 وإذا تتبعت أسباب النزول في القرآن رأيت من هذا شيئاً كثيراً 0 وإذا شئت أن تعرف ما لجبريل من التأثير في إيمان القوم وإخلاصهم , فأصغ إلى ما يقوله أنس بن مالك ففي البخاري عن أنس : وإني لقائم أسقي أبا طلحة وفلاناً وفلاناً أي أبا أيوب وأبا دجانة ومعاذ بن جبل وسهيل بن بيضاء وأبي بن كعب وأبا عبيدة بن الجراح إذ جاء رجل وقال : هل بلغكم الخبر ؟ قالوا : وما ذاك ؟ قال : حرمت الخمر , فقالوا : اهرق هذه القلال يا أنس , فاهريقت وفي لفظ قال أنس : فقمت إلى مهراس فضربتها بأسفله حتى تكسرت (1) 0 ولولا جبريل لما رأيت هذا الإخلاص في طاعة القوم , أوليس حكومة أميركا قد حرمت الخمر في عصرنا هذا بقانون وضعته / 249/ لتحريمها , فصار الناس يهربون الخمور ويشربونها خفية , وما ذاك إلا لأن هذا القانون لم يأت به جبريل من الله 0ومن هذا القبيل أيضاً ما نزل من الوحي في فرض الصيام , وذلك أن محمداً كان قبل فرض رمضان يصوم هو وأصحابه ثلاثة أيام من كل شهر , وهي الأيام البيض التي هي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر 0 فعن ابن عباس كان رسول الله لا يفطر الأيام البيض في حضر ولا سفر وكان يحث على صيامها (2) 0وأيضاً كان يصوم يوم عاشوراء , وهو اليوم العاشر من شهر الله المحرم ؛ ففي البخاري عن ابن عمر صام النبي عاشوراء , فلمّا فرض رمضان ترك صوم عاشوراء (3) 0 والظاهر أنه كان يصوم عاشوراء موافقة لما كانت عليه قريش في الجاهلية , فإنهم كانوا يصومون عاشوراء 0 ففي الترمذي عن عائشة قالت : كان عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية , وكان رسول الله يصومه موافقة لهم , قالت : فلما قد المدينة صامه وأمر بصيامه فلما فرض رمضان كان رمضان هو الفريضة وترك عاشوراء , فمن شاء صامه ومن شاء تركه (4) 0وكانت اليهود تصوم يوم عاشوراء أيضاً وتعظمه إلا أنه لا يتقيد عندهم باليوم العاشر من محرم , لأن الحساب عند اليهود بالسنة الشمسية فهو ثابت عندهم لا يدور 0أما العرب فهو بالسنة الهلالية فيوم عاشوراء عند العرب يدور في السنة ولا يثبت في وقت واحد 0 ) يتبع 0000
* من كتاب الشخصية المحمدية للكاتب – معروف الرصافي 0
(1) سورة الأنفال , الآية : 7 0
(2) سورة النساء , الآية : 95 0
(3) السيرة الحلبية , 1/257 ؛ تفسير القرطبي , تفسير الآية 95 من سورة النساء 0
(4) سورة النحل , الآية : 27 0
(1) سورة البقرة , الآية : 219 0
(2) سورة النساء , الآية : 43 0
(3) صحيح البخاري , كتاب المساقاة الحديث رقم : 2202 0
(4) سورة المائدة , الآية : 90 0
(5) مثله في صحيح مسلم , فضائل الصحابة , الحديث رقم : 4432 ؛ تفسير القرطبي , تفسير سورة المائدة ,
(1) صحيح البخاري , كتاب تفسير القرآن , الحديث رقم : 4251 ؛ صحيح مسلم , كتاب الأشرية , الحديث رقم : 3663 0
(2) سنن النسائي , كتاب الصيام , الحديث : 2305 0
(3) صحيح البخاري كتاب الصوم , الحديث رقم ( 1759 0
(4) صحيح البخاري , كتاب الصوم رقم : 1863 ؛ سنن الترمذي , كتاب الصوم , الحديث رقم 684 0
#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
