أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمود كرم - في العلاقة ما بين الأفكار والوقت















المزيد.....

في العلاقة ما بين الأفكار والوقت


محمود كرم

الحوار المتمدن-العدد: 1952 - 2007 / 6 / 20 - 07:06
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كم من الوقت نحتاج لكي نبرهن لأنفسنا إننا قادرون على الإمساك بأفكارنا التي ما تنفك أن تهرب منا في لحظة ضجر أو ضعف أو اهتزاز أو تراجع ، وهل مساحة رحبة من الوقت تصبح ضرورية لكي تمنحنا تواصلاً خلاقاً وعميقاً مع أفكارنا التي نشتهي أن تكون عاكسة للحظات التجلي حينما تنتابنا على حين غرة بين الفينة والأخرى .؟

في الحقيقة لا أعرف ما علاقة الأفكار بالوقت تحديداً ، وأعترف أني في سبيل أن أجد مخرجاً من ورطتي هذه التي بالتأكيد قد علقت فيها ، ولكن في كافة الأحوال ، ربما تناول فكرة جديدة بمثابة مغامرة لا تخلو من متعة اجتراحها مدفوعين بغواية التفكير والبحث والتأمل ..

ما أعرفه أن هناك أفكاراً لا تتنفس وجودها الطبيعي في حيز الواقع التداولي ، إلا حينما نمنحها وقتاً كافياً بالاصطراع فيما بينها في دواخلنا ، فلربما في هذه الحالة تخرج الأفكار منا معلنةً تصالحاً مريحاً مع ذواتنا ، ولربما في حالة أخرى قد يقع التصدام والتنافر بين ذات الفرد وأفكاره حتى لو كان الوقت الكافي لتهيئتها وولادتها قد استوفى شروطه كاملاً ، فهناك في النهاية شيءٌ في داخلنا يخبرنا بأننا دائماً سنكون على موعدٍ مع حالة من هذه أو تلك ..

ويقيناً أن الأفكار عموماً لا تتنزل على الإنسان من فوق ، ولا تتقاطر عليه من السماء ، بل يبحث عنها طويلاً في محاولة منه لإثبات حقيقة تخصه أولاً وأخيراً ، مفادها أنه قادرٌ على تلبية احتياجاته الذاتية والنفسية والشعورية والعملية من خلال اجتراحه المتواصل للأفكار والتصورات ، وأيضاً لكي يُثبت أن الأفكار إنما تتوالد عبر علاقة حميمة مع خاصية التفكير الخلاق فيه ، وبغير قدرته على امتصاص جنوحه المغامر وربما المضطرب في أحيان أخرى إلى عالم الأفكار الكثيرة التي تحتدم في داخله من خلال فسحة عميقة من الوقت يمنحها لنفسه ولأفكاره قد لا يصل ربما إلى حالة الحياد في علاقته التداولية مع الأفكار ، ومن هنا ربما علينا أن نتأكد إننا نقف على الحياد حينما نخوض غمار الأفكار في محاولة للتماهي معها أو في محاولة للتماثل العملي معها ، سواء أكانت أفكاراً ذاتية أم أفكاراً تسبح في الفضاء المزدحم ، ففي كلتا الحالتين ربما يصبح الحياد ضرورياً في تناولنا للأفكار إلى أن يصل الوقت بنا إلى تيقن الذات من معرفة ما يلائمها أو ما يتوافق معها أو ما تنشد إليه أو ما بصدد الوصول إليه ..

ولذلك ربما حينما نكون على خط التماس الفعلي مع أفكارنا أو أفكار الآخرين ، علينا أن نجيد فن الإصغاء بعمق لذواتنا حينما تستنطق فينا أصواتها الخفيضة واحتياجاتها المشروعة ومتطلباتها العملية وما يلهم فيها التفكير والشك ، وما يُشبع فيها أيضاً بدرجة أساسية نهم الارتواء المعرفي ، وفي بعض الأحيان تهوى الذات المنتجة للأفكار أن تجد نفسها بين تموجات الأصوات المختلفة والكثيرة التي تنشأ هنا وهناك ، لا لشيء سوى لأنها تريد أن تتأكد من مدى قدرتها على اجتراح صوت مميز من بين تلك الأصوات من دون أن تصاب بالتفكك أو الاهتزاز أو التراجع ، أو أن تتأكد أيضاً من مدى استعدادها الطبيعي للتعايش مع ما حولها من أصوات مغايرة من دون أن تصاب بهوس التوجس أو بهواجس الذوبان والتلاشي ، ولكن في أغلب الأحيان تبقى الذات المنتجة لأفكارها الخاصة تميل بقوة إلى الاصغاء لنداءاتها وأعماقها الداخلية ، لأن ذلك يمنحها القدرة على اختيار ما هو أفضل لها ، وقد نتفق تماماً في هذا الصدد مع ( وديع سعادة ) حينما قال : أريد أن أتكلم ، أن أصنع جسراً من الأصوات يوصلني لنفسي ..

ورغم ما تمر به الذات المفكرة في بعض الأحيان من رتابة الأشياء فيها أو من حولها وافتقاد تلك الأشياء تالياً لبريق الغوايات المثيرة والجاذبة ، إلا إنها أي الذات تعرف جيداً أن هناك دائماً في الأفق شيء يستحق البحث عنه أو يستحق العناء من أجله ، وربما في هذه الحالة من نزوع الذات نحو تجلي الأفكار الجديدة والمثيرة في الأفق الأبعد وفي أعماقها يتدخل الوقت كعامل مُلهم ليمنح الذات قدراً كافياً للتعايش معها في محاولةٍ للتأكد من صلابة تلك الأفكار ، أو ربما على العكس من ذلك تماماً للتأكد من هشاشتها أوضبابيتها ..

وإذا ما عرفنا بأن الأفكار في واحدةٍ من أكثر مهماتها ديناميكية وحيوية هي العمل على تفكيك المعاني والمفاهيم ، وسعيها الحثيث لفهم الألغاز الكثيرة وقراءة رمزيات الأشياء المتنوعة ، تصبح الأفكار في هذه الحالة معنية بتكوين علاقة متينة ووثيقة مع الوقت ، لأنها بحاجة كبيرة إلى فسحة من الوقت لكي يمنحها هدوءاً عميقاً لاستيعاب وهضم تحولات المعاني والمفاهيم ، ويمنحها في مقابل ذلك أيضاً استعداداً زمنياً مقبولاً يؤهلها للدخول إلى عالم الرمزيات والألغاز ، ولذلك أجد أن الإنسان إنما يتلمس طريقه نحو التحولات الفكرية والمعرفية التي عادةً ما تتأسس على التفكيك والفهم والبحث والنقد والقراءة العميقة ، عندما يعي أهمية أن يكون الوقت عاملاً مهماً وربما ملهماً لبناء تحولاته الفكرية الواعية ..

وكما أن الإنسان عندما يجترح أوقاتاً استثنائية على الصعيد الذاتي في التفكير والتأمل وخلق الفكرة وقولبتها ومعايشتها بعمق ، فأنه بالتأكيد يكون قد ذهبَ بعيداً إلى الحدود القصوى لتلك المدارات الفكرية والفلسفية محلقاً وباحثاً وربما مزهواً بانتصار ما ، ومَن يغرمُ بمعايشة هذه اللحظات الاستثنائية ويهواها ويهيم بها تعلقاً وعلى هذا النحو من التحليق البعيد والعميق ، فأنه ربما يفكر بشكل مغاير عن الآخرين ، وينصهر توحداً مع تخلقاته الإبداعية والفكرية ، ويجد ذاته معجونة بتلك اللحظات مستحضراً بمزاجية رائقة أبعاد كينونته الإنسانية ، وربما يصبح الوقت الذي يلتحم تلقائياً بتلك اللحظات الباهرة ، وقتاً استثنائياً هو الآخر ، لأنه الوقت الذي لا يجد متعته الحقيقية في الالتحام إلا حينما ترافقه طقوس معينة ، شديدة الخصوصية وشديدة التفرد ..

وإذا ما اتفقنا مع الفيلسوف البريطاني ( برتراند راسل ) في قوله حينما أكّد على أنه ليس لديه أي استعداد للموت من أجل أفكاره ، لأنه يعتقد أنه ربما قد يكون مخطئاً ، نستطيع أن نقول أنه في هذه الحالة من اشتغال الذات على انتاج ما تتوصل إليه من أفكار معينة ، إنما تفعل ذلك لأنها في سعي دائم نحو تحقيق نوعٍ من المقاربة الموضوعية مع حقيقة الأشياء في داخله أو من حوله ، وربما ذلك يجعل الذات المفكرة المنتجة لأفكارها تهوى دائماً أن تبقى متحفزة لكي تجد نفسها في حدود متاخمة للحقيقة ولكن من دون أن تقع أسيرةً لفكرة ما ، أو من دون أن تتلبسها يقينية المطلق من صحةِ أو حقيقة أية فكرة تنتجها أو تتماهى معها ، وتكون الذات في كل تلك المراحل مسكونة بهواجس البحث والشك والتفكير ، وعليه ربما يكون محقاً ( راسل ) حينما يقول : مشكلة العالم ، أن الأغبياء متيقنون ، والأذكياء متشككون ..!! وما التحام الذات بتفاصيل اللحظات الوقتية التي ترافق تلك المراحل الفكرية في رحلة البحث عن تخوم المقاربة مع الحقيقة إلا استحضاراً شهياً لغواية الوقت حينما يجيد لعبة المراوغات الممتعة في أدق تفاصيله الزمنية الحاسمة ، ليتسع الوقت أكثر أمام توهجات الأفكار ، ومحتضناً في الآن نفسه كثافة التركيز الذهني على فكرةٍ ما قد تبرق في لحظةٍ خاطفة ..

قد أصل هنا إلى نتيجة مفادها ، أن الذات حينما تكون مسكونة دائماً بتأسيس صداقة تتفرد بالاحساس الحميمي والمترف والعميق مع الوقت ، فإن الصداقة تلك تتمخض عن أفكار خلابة وصانعة للحياة ، وحينما تهوى الأفكار أن تخامر لحظاتها الوقتية بعشق وانصهار وتلذذ ، تصبح الأفكار في هذه الحالة عاكسة فعلية لذاكرة الإنسان المتحركة والمستنطقة ، تلك الذاكرة التي تتخلق في كثافة الوقت الفعلي وربما في الوقت التخيلي أيضاً في أحيان أخرى ، وتنغمس تلقائياً في تفاصيله وتسير به ومعه ..



#محمود_كرم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أشخاص ومواقف 1
- الحياة أصغر بكثير
- الانفتاح صفة المجتمعات الخلاقة
- لمحات من كتاب أزمنة الحداثة
- أطفالنا بين بشاعة العنف وثقافة الكراهية
- العُمر وبريق الغوايات
- سلطة الموروث الديني
- الهدّامون
- الإبداع .. نزعة الإنسان الجوهرية
- حوار في المشهد المعاصر 2 / 2
- حوار في المشهد المعاصر 1 / 2
- خطورة أن يهيمن الديني على المدني
- لذة المغفرة
- الداهية غارفيلد
- مَن يسرق الدهشةَ منا !؟
- إليكِ .. في يوم الحب
- الأنثى وفتنة المؤامرة
- الاستبداد صناعة عربية
- الواعظ وثقافة الوعظ الديني
- الكتابة .. وعي الإرادة وانتصار الحرية


المزيد.....




- أحد قاطنيه خرج زحفًا بين الحطام.. شاهد ما حدث لمنزل انفجر بع ...
- فيديو يظهر لحظة الاصطدام المميتة في الجو بين مروحيتين بتدريب ...
- بسبب محتوى منصة -إكس-.. رئيس وزراء أستراليا لإيلون ماسك: ملي ...
- شاهد: مواطنون ينجحون بمساعدة رجل حاصرته النيران داخل سيارته ...
- علماء: الحرارة تتفاقم في أوروبا لدرجة أن جسم الإنسان لا يستط ...
- -تيك توك- تلوح باللجوء إلى القانون ضد الحكومة الأمريكية
- -ملياردير متعجرف-.. حرب كلامية بين رئيس وزراء أستراليا وماسك ...
- روسيا تخطط لإطلاق مجموعة أقمار جديدة للأرصاد الجوية
- -نتائج مثيرة للقلق-.. دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت
- الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف أهداف لحزب الله في جنوب لبنان ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمود كرم - في العلاقة ما بين الأفكار والوقت