أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - هويدا طه - الجسور تبقى والحكام يرحلون















المزيد.....


الجسور تبقى والحكام يرحلون


هويدا طه

الحوار المتمدن-العدد: 1951 - 2007 / 6 / 19 - 11:42
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


أمران شغلا الرأي العام في مصر في الأيام الأخيرة فيما يتعلق بعلاقة مصر والسعودية، مسألة مشروع الجسر علي البحر الأحمر لربط البلدين ومسألة التنافس علي (دور الوسيط) في المنطقة، وحتي نعرف كيف يري كل طرف منهما الطرف الآخر أو تأثير ما يجري في الضفة الشرقية للبحر الأحمر علي ضفته الغربية والعكس..
ليس علينا ــ كخطوة أولي في دراسة ماضي ومستقبل علاقة البلدين ــ سوي متابعة ما قاله الإعلام في الفترة الأخيرة في الجهتين، ما قاله الناس العاديون البسطاء، ما قاله المفكرون والسياسيون والمثقفون، وما تقوله (إسرائيل) وما يقوله أيضا المجتمع الدولي.. وقبل ذلك فإنه من المثير حقا أن نتتبع هذه العلاقة بين أهل ضفتي البحر الأحمر.. كيف هي؟ في المسألة المصرية السعودية بالذات.. تلاحظ دائما أننا ندور في فلك الماضي عند تقييم اللحظة الآنية بينما لا نتوقف كثيرا أمام المستقبل.. صحيح أن ذلك الماضي هو الذي بدأ الطريق إلي اللحظة الحالية ولن يتواري ونحن نتطلع إلي المستقبل.. لكن المستقبل أيضا بالنسبة لكثيرين يعني (التغيير) بمعناه الشامل.. تغيير أحوالنا ونظم الحكم لدينا وتغيير ثقافتنا وعلاقتنا بالعالم وحتي تغيير ما نسميه ثوابتنا إن لزم الأمر.. لهذا نجد أنفسنا أمام سؤال صعب: هل يمكن أن ينجح حدوث تغيير شامل في مصر- الضفة الغربية للبحر الأحمر- مع استمرار النظام السعودي بحالته الراهنة علي ضفته الشرقية؟! وهل يمكن أن يتغير الحال في مملكة القهر والخوف علي الضفة الشرقية للبحر مع استمرار ذلك النظام الضعيف المهترئ في مصر؟ وهل يعني ذلك أن المصريين عندما يحلمون بالتغيير في بلدهم يجب عليهم أن (يناضلوا) من أجل التغيير في الضفة الشرقية؟! علي سبيل المثال.. في القرن التاسع عشر حاول محمد علي إقامة تجربة نهضة وتحديث في مصر وفي القرن العشرين حاول عبد الناصر مرة أخري.. وفي التجربتين كانت الرياح القادمة من الضفة الشرقية للبحر الأحمر هي معول هدم.. المسألة أن السعودية ليست فقط مجرد (الكفيل الكريه) بالنسبة إلي بسطاء المصريين والبترودولار بالنسبة إلي النخبة في مصر ومصدر الإسلام الوهابي الغارق في ظلام القرون الوسطي والحليف لأمريكا في إعاقتها نماذج التغيير في المنطقة ككل ومن بينها مصر.. إنها كل ذلك في حزمة تمثل عنصرا مؤثرا في الطريق إلي حلم التغيير هنا.. فعندما نحلم بتغيير جذري في مصر أملا في تحقيق التقدم والتطور لبلادنا فإن أرضنا ليست فقط هي ميدان النضال.. بل حتي أرض الضفة الشرقية للبحر الأحمر هي ميدان نضال من أجل التغيير الشامل.. وعلي غرابة الفكرة.. فكرة أن نناضل من أجل التغيير في أرض الآخرين.. فإن الشواهد تقول إنه نضال في النهاية لصالحنا.. ولصالح التغيير في كل المنطقة العربية.. فمنذ نحو ثلاث سنوات عقدت «مؤسسة الفكر العربي» في المغرب مؤتمرا تحت عنوان «ثقافة التغيير وتغيير الثقافة في العالم العربي»، وبغض النظر عما توصل إليه المشاركون في هذا المؤتمر، فإن الحديث الذي لا ينقطع عن التغيير في العالم العربي في السنوات الأخيرة، يدور في فلك عدة أزواج من الأسئلة: هل ينتظر العرب التغيير من الخارج، أم يبدأ التغيير من الداخل؟ هل يختص التغيير فقط بالنظم السياسية، أم يشمل"تغيير الثقافة العربية"؟ أيهما يكون أولا: انتشار ثقافة التغيير، أم تغيير الثقافة السائدة؟ هل التغيير المأمول ذو نهج ديني، كما كان ديدن التغيير في المنطقة منذ فجر التاريخ، أم هو تغيير علماني يفرضه العصر فرضاً؟ هل هو شعبي جماهيري، أم نخبوي؟ كيف يبدأ، ومن أين؟ هل التغيير يأتي عن طريق «عملية إصلاح»، أم عن طريق «عملية هدم» لما هو قائم؟ ومن المرشحون لبدء أي من العمليتين؟ وهل التغيير في سبيله لأن يبدأ، أم أنه بدأ فعلاً؟ إلي آخر تلك الأزواج من التساؤلات، التي وإن أشارت إلي شيء ما، فهي تشير إلي لحظة (قلق حضاري) تعيشها المنطقة ككل، والقلق الحضاري يشمل ضمن عناصره ليس فقط السياسة ونظمها، بل يشمل كل أوجه الوجود الإنساني، الثقافة والمعرفة كماً ونوعاً، وحركة التفاعل مع الموجودات الأخري من حولنا، وامتداد الماضي إلي الحاضر وتداخلهما مع المستقبل، والرؤية التي نري بها أنفسنا ونواجه بها العالم، والقوي المادية والبشرية المتاحة، وغيرها من عناصر الوجود الإنساني. لكن.. ربما كان التساؤل الأكثر إلحاحا- في رأي البعض- هو: من (أين) يبدأ التغيير؟ أين تلك (الحلقة الأضعف) التي تنكسر عندها سلسلة الجمود المهيمن علي المنطقة العربية؟. صحيح أن تلك المنطقة ليست كلاً واحدا متماثل الأجزاء، لكن العناصر الأساسية التي تشكل وجودها هي بالفعل واحدة، أهمها العقلية القبلية والدينية، والتخلف العلمي ومن ثم الاقتصادي، والتخلف الاجتماعي/ القيمي/ الثقافي كنتيجة للعناصر الأخري. وكلها مظاهر لمنظومة (منظومة تخلف متكاملة)! مظاهر لثقافة سائدة يجب أن تتغير، فأين هي (مراكز إشعاع التخلف) في العالم العربي؟! أين تلك الحلقة الأضعف؟ التي إذا كسرت، نقول حينها ها هي قد هبت بالفعل.. رياح التغيير؟
(1) مملكة من العصور الوسطى
عندما أجريت انتخابات بلدية في المملكة السعودية، كان المشهد بكل عناصره مضحكاً! الأسلوب والتوقيت والدافع، وغير ذلك مما يتعلق (بأمرٍ كهذا) غريب عليهم وعلينا!، بدا الأمر وكأن العائلة المالكة في السعودية تبتلع دواءً مراً ينهرها طبيبها كي تتجرعه! فالمملكة السعودية ومنذ نشأتها.. قامت علي قمع الناس وسوقهم كالقطيع، لا علي استشارتهم في أمرهم! وهي دولة تتخذ (السيف) شعارا لها! السيف مرسوم وسط العَلم وعلي رأس الأوراق الرسمية، وعلي أغلفة الكتب المدرسية والدينية، وعلي بوابات مبانيها الوزارية وبنوكها ومختلف مؤسساتها، فإذا كان السيف هو (حسام) الأمر بين العائلة المالكة ورعاياها داخل المملكة، فإن ثلاثة أشياء أخري مكنت تلك المملكة من أن تكون أكبر مركز لإشعاع التخلف خارجها، الدعم الأمريكي للنظام القائم هناك، وأموال البترول المركزة في يد العائلة، والمكانة الدينية بوجود المقدسات الإسلامية علي أراضيها، فالدعم الأمريكي بسكوته عمدا ولمصالحه الخاصة، عن هذا الانتهاك الصارخ للكرامة البشرية، والعداء المروع لقيم التحضر والتقدم الإنساني، ظل مساندا لذلك النظام الوحشي، وحتي بعد (غزوتي نيويورك وواشنطن) استمر داعما- وإن مكشراً عن أنيابه قليلا- بعد بدء مراجعة الولايات المتحدة لأسباب الإرهاب، ربما الجديد كان سعي أمريكا لمحاربة الإرهاب (علي طريقتها الخاصة، بمحاربة الشعوب) بمحاولتها الضغط علي العائلة المالكة كي تظهر أو تدعي شيئا من المرونة، تجاه شعبٍ كّل ومّل من عائلة تمتص دمه وتهين كرامته، فقط مرونة تسمح بشيء من التنفيس، يمنع انفجارا قد لا يأتي علي هوي كلا الطرفين.. العائلة الحاكمة في السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، وفي إطار هذا التنفيس السطحي جاءت تلك الانتخابات المضحكة، ولأن الشعب السعودي لم يعد كله كما كان منذ مئة عام، وقت تأسيس المملكة، بل تكونت فيه نخبة مثقفة واعية، تتمرد علي هذا النمط من الحكم الخارج عن سياق حركة التاريخ، فإن بعض المثقفين السعوديين خارج أسوار مملكة القهر(ففي الداخل يسكت السيف الحسام صوت أشجع المثقفين) ما زالوا يحاولون كشف الواقع المزري للإنسان المسجون وراء أسوار تلك القلعة، بالسبل المتاحة في أيديهم، من صحافة أو إنتاج أدبي متمرد أو ما تسمح لهم به الفضائيات أو غيرها، وفي ظل غياب حركة شعبية عربية شاملة، فإن مأزقهم الذي يواجهونه، يمثله تساؤل: من يدعمهم؟ فالولايات المتحدة مازالت تدعم العائلة التي ترهبهم، وهم مازالوا فرادي بغير قوة كافية لتحريك الوضع هناك، والطرف الذي استطاع إشاعة شيء من التوتر وحلحلة الوضع هو جماعة القاعدة ومشتقاتها، وهي تطرح مشروعا أشد قسوة وقهرا لحرية الإنسان، ولو كانت آفات هذا النظام منصبة علي شعبه فقط، لكانت مشكلة محلية لا تؤثر في الآخرين بدرجة أو بأخري، لكن الدور السعودي يتعدي شعبه إلي (العرب) كلها، وأدق تعبير عن هذا ما قاله الأمير بندر لمجلة نيوزويك عام واحد وتسعين (وتصريحه المنقول هنا، نقلته ــ نصا ــ عن مقالٍ لكاتبٍ سعودي ذكر المصدر المذكور ونص التصريح وتاريخه) وعنوان المقال الأصلي في مجلة النيوزويك ــ حسب المقال السعودي المنقول عنه هنا هو: «أمير سعودي يرسم دوراً ملكياً جديداً»، حيث قال الأمير: «العرب يبدون مثل المرأة التي تنام معك في الفراش، لكنها لا تريد أن تخلع ملابسها، لذا فإن شخصاً ما يجب أن يساعد الطرفين ليفهما بعضهما بعضاً»!! النظام السعودي إذن يساعد العرب علي خلع ملابسهم أمام الأمريكان!
فكيف نصم آذاننا عنه وكأنه لا يعنينا، شئنا أم أبينا، لابد لنا أن نهتم بما يجري وراء تلك الأسوار، شئنا أم أبينا فإن (التغيير) في بلدنا يرتبط بالتغيير علي الضفة الشرقية للبحر الأحمر، التي يحكمها نظام يملك ــ إضافة للدعم الأمريكي ــ ثروة تتدفق بين يديه بسبب النفط، وهو ما جعل البعض يصف العقود الأخير ة في القرن الماضي بأنها (الحقبة السعودية)، حيث تمكن هذا المال في يد العائلة.. بلا رقيب شعبي عليه.. أن يشتري ذمم أفراد كثر من النخب العربية في كل أرجاء العالم، بدرجات تبدأ من الأنظمة الحاكمة وحتي الأدباء والشعراء والصحفيين والباحثين ورواد الإعلام والتعليم والبيزنيس وغير ذلك، وساعد في ذلك تلك المكانة الرفيعة التي تحتلها (الأراضي المقدسة) في مخيال كل مسلم في العالم، فصار للوهابية التي يستند إليها النظام السعودي أذرع تمتد وتتمدد في كل أرجاء العالم العربي، يحملها العاملون لسنوات في المملكة إلي أوطانهم بعد عودتهم، عن وعي بها أو عن غير وعي، باعتبارها (قيم الأراضي المقدسة)، ففي مصر مثلا- البلد الأشد تأثرا بما يجري في الضفة الشرقية- وبعد حوالي أربع عقود من عمل ملايين المصريين بالمملكة في مختلف القطاعات، صار الرداء السعودي الأسود زيا منتشرا بين النساء المصريات، وصارت الجلاليب السعودية واللحي الطويلة مظهر التدين الوهابي الأول بين المصريين، وحتي في العادات اليومية المصرية المستقرة منذ مئات السنين (فالمصريون منذ الأزل كانوا يحتفلون بمرور أسبوع علي مولد الطفل في مناسبة يسمونها «السبوع»، فإذا بها تتحول علي أيدي العائدين من الأراضي المقدسة إلي شيء آخر!)، وتحول المصريون وغيرهم في بلدان عربية أخري عن الحماس لما يمكن وصفه بأنه (ثقافة الإنتاج) التي غرستها حركات التحرر من الاستعمار في ستينيات القرن الماضي.. إلي (ثقافة الريع)، وكلنا نعرف كيف أعرض العائدون من المملكة عن صناديق الادخار واتجهوا إلي شركات (توظيف الأموال)، التي انكشف بعد فوات الأوان أنها كانت شركات (نهب الأموال) باسم الدين، وغير ذلك من مظاهر تأثير الحقبة السعودية في بقية العرب، الدين إذن والمقدسات هي أداة في يد نظام قمعي، تدعمه القوة العظمي في العالم والتدفق المالي البترولي، نظام ينشر التخلف والخنوع والكسل والاستسلام، والإغراق في متاهات غيبية عن حياة ليست هنا علي الأرض، نظام يتعهد علنا بمساعدة العرب... لكن في خلع ملابسهم! كيف بالله عليكم نأمل في تغيير جذري في مصر وإلي جوارنا هذا المركز المشع للتخلف الهادم لمحاولات سابقة وأي محاولة قادمة للتحديث السياسي والثقافي؟
(2) الديكتاتورية المصرية الغاشمة الجهول
الديكتاتورية المصرية الغاشمة الجهول، هو وصف دقيق معبر لحالة (الدولة) المصرية منذ نشأتها قبل آلاف السنين علي الضفة الغربية للبحر الأحمر، وهو وصف يعود إلي الدكتور جمال حمدان، عالم الجغرافيا الراحل، الذي أورثنا موسوعته عن (شخصية مصر)، وبداية ً، فإن علوم الاجتماع وتاريخ الحضارات تعلمنا أنك عندما تتحدث عن (الدولة) فإنك تتحدث عن (نظام) للعلاقات بين الناس، اتفقوا عليه في عقد اجتماعي يلقي قبولهم- كما في البلدان الديمقراطية- أو أخضعوا له بالقوة والقمع كما في معظم بلدان العالم الثالث، وهو ما يعني أن جمال حمدان عندما وصف (الدولة) المصرية بأنها كانت علي مر التاريخ ومازالت.. ديكتاتورية غاشمة جهول، فقد كان يعبر عن طبيعة (النظام) الذي خضع له المصريون قهراً وقسراً منذ بدء التاريخ الإنساني المسجل، هذا فقط توضيح لسياق استخدام هذا التعبير، ومصر بموقعها الجغرافي وهبات أرضها ومناخها وعوامل طبيعية أخري.. وما نتج عن ذلك من زخم تاريخها الإنساني والحضاري، مرت تاريخياً بمراحل كانت فيها (مركز إشعاع) للحضارة والتقدم، بما أمكن لها من تراكم علوم الهندسة والكيمياء والفلك ومختلف الفنون (والمؤسف أن كل تلك الفنون والإبداعات تجلت في نهاية المطاف فقط في.. فن حفظ المومياوات وهندسة القبور قديما! ومزار السياح حديثا!) لكنها صارت- أو صار نظامها- في نهايات القرن العشرين.. المركز الثاني للإشعاع العكسي في المنطقة بعد المملكة السعودية، مركز لإشعاع التخلف، صارت مركزاً لإجهاض المشاريع التقدمية قبل أن تولد، ذلك أن النظام المصري الحالي أصبح معبراً عن (الديكتاتورية المصرية الغاشمة الجهول) في أقصي مراحل تطورها!، داخلياً: انتهاك صارخ ــ بل اغتيال ــ لحقوق الإنسان وكرامته، وخارجياً: صارت عاملاً نشطاً في تخريب أي أمل إقليمي للتنمية والتقدم، قد يدفع هذا لطرح تساؤلات عدة، علي رأسها.. لماذا حدث هذا التحول السلبي في مصر؟ وما السبيل إلي إعادة الإشعاع المصري إلي طريقه الإيجابي.. لنفسها وللمنطقة ككل؟ ليس إعادته فقط.. بل تصويبه، حتي يكون إشعاعاً أكثر عصرية.. إشعاعاً أفضل حتي مما كان عليه في الفترة التي توصف بأنها كانت (بدايات عصر النهضة) المصرية، لا شك أن هذا التصويب لابد وأن يبدأ من تصحيح (نظام العلاقات) بين الناس الذي يسمي بالدولة، أي أن التغيير في المنطقة العربية يبدأ بتغيير نظام العلاقات بين المصريين داخل مصر! ولهذا السبب المفهوم ضمنياً علي المستوي الدولي، يتابع العالم بحذر وترقب.. شبهة (الحراك السياسي) في مصر في السنوات الثلاث الماضية، فقد كان المصريون علي مدي العقدين الماضيين يخرجون إلي الشوارع احتجاجا علي ضرب أفغانستان وتقسيم تيمور إلي شرقية وغربية! كان هناك (تشوهاً) في أولويات الشارع المصري، كان الاحتجاج علي مصيبتهم الداخلية غائباً، لكن هذا الحراك السياسي لن يقابل- في ظل تصاعده أو في حال المزيد من تصاعده- بصمتٍ وتجاهل من قبل نظام قمعي كنظام مبارك وأسرته، وهو ما يعني أن صداماً مروعاً ووحشية ضارية سوف يلقاها المصريون- إذا ما استمروا في الصراخ- في المرحلة المقبلة، فكل الحالات التاريخية المشابهة مر فيها النظام في أيامه الأخيرة بأقصي حالات التوحش والافتراس لمعارضيه. لكن التغيير داخل مصر لا يقتصر علي (نظام الدولة) وحسب، رغم أنه الأهم حاليا، فالبُعد الثاني للتغيير يتعلق (بثقافة) المجتمع المصري، التي زادت خرابا علي خراب وظلاما علي ظلام علي مدي عقود هيمنت فيها قوي لاعقلانية علي النفس المصرية، قوي هاربة من الماضي من زمن الكهنة والسحرة، إلي حاضر تحدث فيه معجزات أيضاً.. لكن علي يد علماء الطبيعة وليس.. علماء الكلام!
التغيير إذن في المنطقة العربية يرتهن بالتغيير حول ضفتي البحر الأحمر، حيث يتمترس نظامان جعلا من بلديهما مركزين لإشعاع التخلف في المنطقة كلها، وإذا كان حراس العالم في الولايات المتحدة ينشدون في مصر والسعودية تغييرا (مفصلاً) لخدمة مصالحهم.. لا لإخراج الشعوب العربية من ظلامها الحالك.. فلا هذا يهمهم، ولا نحن يحق لنا أن نطالبهم به!، وإن كانوا قد أدركوا بما يجندون من مراكز دراسات استراتيجية وجيوش الباحثين، أن تغيير هذين النظامين هو(مفتاح) التغيير في المنطقة، فإن صعوبة الأمر علي الشعوب العربية ــ ونخبها ومثقفيها ومفكريها ــ ليس أنها ترفض التغيير، وإنما كيف تستجيب للمساعدة الخارجية، بأقل قدر من الخسارة (المتوقعة بسبب اللجوء للخارج)، فقد بات واضحاً أن السعوديين والمصريين وإن صرخوا، وإن صمدوا، أمام وحشية العائلتين في قمع صراخهم، لن يتمكنوا من إزاحتهما دون (غض طرف) بل ومساعدة من قبل حراس العالم في الولايات المتحدة، وهذه هي (المعادلة الصعبة) التي طالما قاومت النخبة- المصرية خاصة- فكرة تطبيقها، تغيير بمساعدة من الخارج مع ما تفرضه من ثمن الدخول في دورة جديدة من التبعية، أم محاولات داخلية تنتهي دائما بقمعها؟ لكن استمرار فساد (الدولة) حول ضفتي البحر الأحمر، واستمرار تعنتها وعدم إقرار رجالها بأن العالم (يتغير)، وأنهم أصبحوا خارج حركة التاريخ، وأن من كان يدعمهم طوال تلك العقود سينقلب عليهم كما فعلها مع أمثالهم في أماكن أخري من العالم ، كل ذلك يدفع عجلة التغيير الآن- شئنا أم أبينا- في اتجاه (محاولة داخلية، بغض طرف خارجي)، فالمواطن المصري والسعودي البسيط، لا يملك جيشا ولا قوات شرطة ولا آبار بترول ولا أجهزة متكاملة للإعلام، وفرصته ستأتي عندما يغضب حراس العالم علي جلاديه، بعد أن خلعوا كل ملابسهم.. حتي القطعة الأخيرة!
(3) الجسر بين الضفتين
نعود إلي مسألة الجسر الذي ثارت ضجة مؤخرا حول خبر وضع الملك عبد الله ملك السعودية حجر أساسه في الجانب السعودي، وقول مبارك إن ذلك (شائعة)، لكن وبلا تشنج.. هذا الجسر علي البحر الأحمر بين مصر والسعودية هو ضرورة مستقبلية اقتصادية وسياسية وثقافية.. وليس فقط مجرد مشروع اقتصادي لتقليل عدد الغرقي المصريين! وسائل الإعلام المصرية والسعودية والدولية دهشت لتعليق مبارك المتشنج وقوله لجريدة المساء: «أرفض تماما إقامة الجسر أو أن يخترق مدينة شرم الشيخ وهذا مبدأ»، وكذلك إشارته إلي أن: «اختراق الجسر لمدينة شرم الشيخ معناه إلحاق الضرر بالعديد من الفنادق والمنشآت السياحية، وإفساد الحياة الهادئة والآمنة هناك، مما يدفع السياح إلي الهروب منها.. وهذا لن أسمح به أبداً». ربما يكره مبارك (تكدير المدينة التي يعيش فيها في عالم خيالي) بحسب تعبير محمد حسنين هيكل! وربما يرفضه لاعتبارات أمنية كما قيل خوفا من استغلال إرهابيي القاعدة له لضرب سيناء، وربما يرفضه ضيقا بما يتردد مؤخرا عن محاولة الملك عبد الله أن يكون (زعيما عربيا يسحب البساط من مصر).. لكن كل هذه الأسباب تعود إلي (شخص) الحاكم في كلا البلدين.. فلا الملك السعودي سيكون يوما قائدا بحجم عبد الناصر أبدا ولا مبارك ومنتجعه الحالم الخيالي الذي يخاف عليه من رعاع المسافرين سيعيش دهرا! ببساطة.. عبد الناصر كان زعيما لأنه كان يطرح مشروعا مستقبليا تقدميا صادقاــ بغض النظر عن حجم النجاحات- ولم يكن عبد الناصر في مشروعه يقوم بدور (الوسيط) بين العرب لخلع ملابسهم ـ بحسب تعبير الأمير بندر.. وهو جزء من النظام والعائلة المالكة السعودية ويصف دورها! ولأن مشروع الجسر بين مصر والسعودية إذا أنشئ سوف يستمر بعد أن يرحل الرجلان ويتحلل نظامهما.. وتبقي جدواه التي لا تعني فقط مجرد تسهيل التجارة بين أفريقيا وآسيا ولا مجرد تسهيل التدفق الإنساني بين البلدين.. وإنما أيضا تعني أن رباطا تجاريا بريا بين ضفتي البحر الأحمر سوف تنشأ بسببه (ثقافة جديدة) تقاوم الثقافة الوهابية المتخلفة الظلامية.. وربما تقضي عليها ونخلص! وإن كان هذا في الأفق البعيد وليس في اللحظة الآنية المتهالكة، وسبب الدهشة من موقف مبارك أن مشروع الجسر لم يفاجأ العالم يوم الإعلان عن نية وضع حجر الأساس.. بل سبقته سنوات من الدراسة والنقاش، فقد قال اللواء فؤاد عبد العزيز رئيس هيئة الطرق لجريدة «المصري اليوم» إن: «الجسر أعدت له سابقا دراسات جدوي اقتصادية وتكنولوجية وقومية وإنه ضرورة لا خلاف عليها»، وهذا رأي متخصص من الجانب المصري، لكن بالطبع ليست فقط مخاوف مبارك من تطلعات الملك السعودي أو خوفه علي (أناقة شرم الشيخ) من فلاحي وبسطاء المصريين من المسافرين هي المخاوف الوحيدة.. هناك المخاوف (الإسرائيلية) وكذلك مخاوف بعض شركات الملاحة الدولية العملاقة.. وهي مخاوف عندما تطرح في ظل الحالة العربية الراهنة من الضعف والتبعية فإن صوتها سوف يعلو فوق صوت (الضرورة المستقبلية) لضفتي البحر الأحمر العربيتين، أيضا هناك صوت مصري متشنج علا بسبب هذا الجسر عندما كتب أحدهم أنه لا يتمني أبدا هذا الجسر لأنه تسهيل لقيام السعوديين بأنشطة دعارة في مصر وينشر الثقافة الوهابية المتخلفة ويكرس الاحتلال السعودي لمصر! وهذا كلام (انفعالي) فالجسور في كل أنحاء الدنيا تسهل الحركة بين الشعوب وعندما تعمل علي تلاقي ثقافاتها تنتصر الثقافة المتطورة دائما.. والوهابية انتشرت في مصر بدون وجود جسر وعلي أيدي مصريين.. والدعارة لا تنتظر إنشاء الجسور حتي تنشأ في أي مجتمع.. بل وهذه المخاوف الانفعالية هي في جوهرها تسليم بأن المصريين حتي في المستقبل البعيد سوف يستمرون (بلا إرادة)، وهذا ضد قوانين التاريخ.. في المستقبل البعيد نسبيا سيكون واجبا علي المصريين والسعوديين التقدميين النضال المشترك لإسقاط مركزي إشعاع التخلف حول ضفتي البحر الأحمر، أي أن الجسر المعنوي وليس فقط الجسر المادي فوق البحر هو ضرورة.. فبعد تجربتين في القرنين الماضيين لتحديث مصر ساهمت في تدميرهما رياح التخلف الشرقية أصبح من الضروري أن نؤمن في تجربة ثالثة قادمة (شراكة وجسورا نضالية) بين الشعبين.. بدون شوفينية تعطي لأي أحد في هذا العالم أن يقول بعنصرية بغيضة إنه (الأفضل)، هل يظن أحد مثلا أن تجربة مستقبلية لتحديث مصر وإخراجها من التخلف سياسة وثقافة واقتصادا يمكن أن تنجح وتستمر.. بينما هذا المركز الذي يشع تخلفا مازال رابضا علي الضفة الشرقية للبحر؟! دعونا نتطلع إلي (جسر) بين الضفتين ليس فقط لفوائده الاقتصادية.. ولكن أيضا من أجل التطلع إلي نشوء (ثقافة نضالية مشتركة) بين التقدميين في الجهتين.. نقاوم هناك ثقافة القرون الوسطي فنحد من قدرتها علي إعاقة مشروع التغيير المستقبلي هنا.. وفي نفس الوقت نقاوم هنا.. الديكتاتورية المصرية الغاشمة الجهول!





#هويدا_طه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أعزائي في الداخلية وأمن الدولة:شكرا للتعاون وإلى اللقاء في ع ...
- الناس على دين فنانيهم.. لكن أي فنانين؟
- هي دي مصر يا عبلة
- صراخ فقراء العرب وعلمانية الأتراك
- الاختيار بين نفاق الشعوب أو خض سكونها
- إوعوا تقولوا للشعب إن الأرض تدور
- مرارة بطعم النفط: عضة كلب أمير
- خراب يا مصر (2): خليني في حالي!
- قناة الحوار وتساؤلات عن التمويل وهموم الناس في البرامج
- خراب يا مصر!
- غضب المصريين على الفيلم الإسرائيلي أخطأ الطريق
- !يعني أفلح القوم عندما ولوا أمرهم ذكرا
- التفاوت الطبقي في مصر مشروع انفجار
- شوية هموم بتوع كل يوم
- دستوركم يا اسيادنا
- عبدالكريم نبيل سليمان مثالا: الشغف بقتل المختلفين في مجتمع م ...
- إنقاذ المصريين من الهيافة
- فتيات هالة وفساتين هيفاء
- يا فرحة العادلي برجالته في الشرطة وفي التليفزيون
- برلمانيون لكن ظرفاء


المزيد.....




- -انتهاك صارخ للعمل الإنساني-.. تشييع 7 مُسعفين لبنانيين قضوا ...
- لماذا كان تسوس الأسنان -نادرا- بين البشر قبل آلاف السنوات؟
- ملك بريطانيا يغيب عن قداس خميس العهد، ويدعو لمد -يد الصداقة- ...
- أجريت لمدة 85 عاما - دراسة لهارفارد تكشف أهم أسباب الحياة ال ...
- سائحة إنجليزية تعود إلى مصر تقديرا لسائق حنطور أثار إعجابها ...
- مصر.. 5 حرائق ضخمة في مارس فهل ثمة رابط بينها؟.. جدل في مو ...
- مليار وجبة تُهدر يوميا في أنحاء العالم فأي الدول تكافح هذه ا ...
- علاء مبارك يهاجم كوشنر:- فاكر مصر أرض أبوه-
- إصابات في اقتحام قوات الاحتلال بلدات بالضفة الغربية
- مصافي عدن.. تعطيل متعمد لصالح مافيا المشتقات النفطية


المزيد.....

- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد
- تشظي الهوية السورية بين ثالوث الاستبداد والفساد والعنف الهمج ... / محمد شيخ أحمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - هويدا طه - الجسور تبقى والحكام يرحلون