أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - حزب العمال التونسي - مشروع وثيقة من أجل بديل ديمقراطي وشعبي















المزيد.....



مشروع وثيقة من أجل بديل ديمقراطي وشعبي


حزب العمال التونسي

الحوار المتمدن-العدد: 1084 - 2005 / 1 / 20 - 10:37
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


بمناسبة المهزلة الانتخابية
أكتوبر ‏‏2004‏
مشروع وثيقة من أجل بديل ديمقراطي وشعبي
حزب العمال الشيوعي التونسي

انتهت المهزلة الانتخابية ليوم 24 أكتوبر 2004 على النحو الذي كان متوقعا. فالتزوير الشامل والمنهجي قاد إلى بقاء بن علي في الحكم لولاية رابعة تفتح له باب الرئاسة مدى الحياة على مصراعيه. كما أنه أمّن للتجمع الدستوري الديمقراطي مواصلة الهيمنة على المؤسسة التشريعية وعلى الحياة العامة. وبهذه الصورة يجد الشعب التونسي نفسه بعد نصف قرن حوالي نصف قرن من حكم الحزب الدستوري محروما من ممارسة سيادته واختيار من يحكمه.
ومن المعلوم أن ترشح بن علي للرئاسة لم يكن ممكنا دون الانقلاب على الدستور الذي كُرس بواسطة استفتاء صوري في ماي 2002. كما أن استمرار هيمنة "التجمع" على الحياة العامة ما كان ليتحقق لولا توظيفه للدولة بكامل أجهزتها لذلك الغرض.
إن نتائج المهزلة الأخيرة جاءت لتؤكد مرة أخرى أن المسألة الديمقراطية لم تزل مطروحة برمتها وأنه من الوهم الاعتقاد بإمكانية حلها عن طريق الدكتاتورية النوفمبرية أو بالتعاون معها.
إن الهدف من هذا العمل الذي نقدمه إلى القراء هو إبراز الطابع غير الشرعي وغير المشروع لبقاء بن علي في السلطة وإظهار النتائج الحقيقية لـ17 سنة من حكمه وتوضيح السبيل، من وجهة نظرنا، لتغيير الوضع في مجتمعنا وبلادنا لما فيه مصلحة الطبقة العاملة والشعب التونسي عامة.

لا شرعية لسلطة مؤسسة على التزوير
لقد مثّل الجانب الرئاسي من المهزلة الانتخابية الأخيرة الرهان الأساسي الذي سعت الطغمة النوفمبرية إلى كسبه بكل الوسائل لا فقط لكون الرئاسة هي المؤسسة التي تسيطر صلب النظام القائم على كافة المؤسسات الأخرى مما يجعل المسك بها مسكا بالسلطة ككل كما هو الحال في سائر أنظمة الحكم الفردي المطلق، بل كذلك لإضفاء الشرعية على بقاء بن علي في الحكم والحال أنه مدعو إلى الرحيل لانتهاء الولايات الثلاث المسموح له بها حسب الدستور الذي كان نقحه بنفسه إثر انقلابه على بورقيبة في نوفمبر 1987.
وقد حاولت هذه الطغمة تمرير هذا الموقف اعتمادا على مبررين اثنين: أولهما "قانوني" وهو أن ترشح بن علي لولاية رابعة "شرعي" باعتباره تم على أساس تحوير للدستور "اِستُفتِيَ" فيه الشعب في ماي 2002 وزكّاه بأغلبية تقارب الـ100%. وثانيهما "سياسي" وهو يتمثّل في ما حققه بن علي من إنجازات مزعومة في كافة الميادين تجعله "خيار المستقبل" و"الضامن للنجاح"، وبالتالي فلا يجوز تخليه عن الحكم أو حسب عبارة بعض المرتزقة التي يستعيرونها من ميدان الرياضة:"الفريق الذي يربح لا يقع تغييره". وقد اعتبرت السلطة حصول بن علي في مهزلة 24 أكتوبر الماضي على نسبة الـ95% من الأصوات المزعومة نتيجة منطقية لـ"التفاف الشعب حوله".
I. التلاعب بالدستور لا يكسب ترشّح بن علي وبقاءه في الحكم أية مشروعية المشروعية:
إن ترشح بن علي لولاية رابعة غير شرعي لأن الاستفتاء الذي بُني عليه هذا الترشح غير شرعي وذلك لسببين اثنين: أولهما يهم الظروف السياسية التي جرى فيها استفتاء 26 ماي 2002 وهي ظروف تتسم بغياب كلي للحريات السياسية وبقمع منهجي وشامل لكافة أشكال النقد والمعارضة وبتبعية الإدارة التامة للحزب الحاكم وبخضوع الجهاز القضائي للسلطة التنفيذية خضوعا مطلقا. ومن البديهي أنّ استفتاء يُنظّم في ظروف كهذه لا يمكن أن يعبّر بأي شكل من الأشكال أو بأي درجة من الدرجات عن الإرادة الشعبية إذ أن الشعب لا يمكن أن يمارس سيادته إلا إذا توفرت له الشروط الضرورية وفي مقدمتها الحرية السياسية وبالخصوص حرية التعبير والتنظّم. إن الدكتاتورية النوفمبرية لم تسمح لأي طرف معارض لهذا الاستفتاء أو حتى متحفّظ عليه من التعبير عن رأيه حتى لو كان معترفا به قانونا (الحزب الديمقراطي، حركة التجديد، …) رغم أن نسبة المشاركة في الاستفتاء كانت ضعيفة للغاية بشهادة عديد الملاحظين (17%). فقد زوّرتها ورفعتها إلى أكثر من 90% لإضفاء الشرعية على قرار سياسي طُبخ في مكاتب قرطاج. ومما يؤكد الطابع الصوري لهذا الاستفتاء أن بن علي وفريقه لم يحترما فيه حتى أبسط الشكليات القانونية. فالدّعوة إلى تنظيمه تمت بأمر رئاسي بينما كان من المفروض أن تتم بمقتضى قانون أي عن طريق السلطة التشريعية. وهو ما يجعله باطلا حتى من الناحية الشكلية.
أما السبب الثاني فيهمّ مضمون الاستفتاء. إن الجميع يتذكّر أن بن علي عندما أزاح بورقيبة وأخذ مكانه في نوفمبر 1987 صرّح بأن "لا رئاسة مدى الحياة مستقبلا" ونقّح الفصل 39 من الدستور لِئلاّ يتجاوز عدد ولايات رئيس الدولة الثلاث والفصل 40 لئلا تتعدى السن القصوى للمرشح للرئاسة الـ70 سنة. واعتبر هذا التنقيح "عودة بالجمهورية إلى أصولها" وحاول أن يجعل منه مبررا لانقلابه على بورقيبة ويصنع منه شرعيّة لنفسه. ولكنه ما أن شارفت ولايته الثالثة والأخيرة على النهاية حتى سعى إلى إلغاء ما كان أقرّه بالأمس فحوّر من جديد الفصل 39 لإلغاء مبدأ تحديد عدد الولايات والفصل 40 لرفع سن الترشّح إلى 75 سنة وهو ما يمكّنه من الترشّح لا لانتخابات 2004 فحسب بل كذلك لانتخابات 2009. وبما أن الانتخابات في بلادنا صورية فمعنى ذلك أن بن علي ينوي البقاء في الحكم إلى سنة 2014 على الأقل. ولا شيء ينفي إمكانية تلاعبه بالدستور مجددا لإلغاء السقف العمري المحدد حتى يبقى في الحكم بعد ذلك التاريخ. وما هذا في الواقع إلا رئاسة مدى الحياة.
ولم يكتف بن علي بتنقيح الفصلين المذكورين لضمان بقائه في السلطة بل إنه أضاف فقرة جديدة إلى الفصل 41 تمتعه بالحصانة القضائية أثناء ممارسة مهامه وبعد انتهاء مباشرته لها حتى لا يحاسب على كل ما ارتكبه هو وحاشيته وأعوان نظامه من جرائم على حساب الشعب. كما حوّر بعض الفصول الأخرى (الفصل 48 مثلا) لتعزيز صلاحياته على حساب السلطة التشريعية التي هي من الأصل مقزّمة بل مجرّد صدى لما يقرّره. وهكذا يمكن القول إن مضمون الاستفتاء يتلخص في ما يلي: رئاسة مدى الحياة مقرونة بحصانة قضائية مدى الحياة. مما يعني تكريسا واضحا للحكم الفردي المطلق. وأخيرا وليس آخرا وتحسبا لكل طارئ ترك بن علي باب الترشح للرئاسة مغلقا حتى لا ينافسه أحد بل إنه خوّل لنفسه بواسطة تنقيح جديد أدخله سنة 2003 على الفصل 40 من الدستور، اختيار من "ينافسه" أو بالأحرى من يقوم له بدور التيّاس لإضفاء تعددية زائفة على انتخابات رئاسية مزوّرة من الأساس.
إن تحديد عدد الولايات في الأنظمة الرئاسية في الديمقراطيات البورجوازية مثلا يهدف إلى الحيلولة دون تحوّل الرئاسة إلى حكم ملكي مُقَنّع. كما أن تحديد آليات لمراقبة أداء الرئيس لمهامه ومحاسبته ومقاضاته أو عزله عند اللزوم هو
ركن آخر من أركان الجمهورية التي يعلو فيها القانون على الجميع وهو ما يميّزها عن الحكم الفردي المطلق الذي لا رقيب عليه ولا حسيب. وفي نفس الوقت فإن ضمان حرية الترشح لمنصب الرئاسة لكافة المواطنات والمواطنين لا يمثّل احتراما لحق أساسي من حقوق المواطنة فحسب وهو الحق في الترشح للمناصب العامة ولكنه أيضا مقومة أساسية من مقومات ممارسة الشعب لسيادته مما يجعله قادرا على الاختيار الحر لمن يمثله أو يحكمه. ولا بد من التذكير بأن النظام الرئاسي لا يمثل رغم هذه التقييدات أكثر النظم ديمقراطية في الجمهورية البورجوازية لما يمنحه من سلطات للرئيس الفرد.
إن انتهاك بن علي للمبادئ التي ذكرناها وتقنين هذا الانتهاك عبر استفتاء مزور من الأساس لينزع عن هذا الاستفتاء كل مشروعية لا من زاوية المبادئ الديمقراطية العامة فحسب بل حتى من زاوية الدستور التونسي على نواقصه ورغم افتقاده لأية قيمة بسبب التلاعب المستمر به. فالفصل 76 من هذا الدستور لئن أعطى رئيس الدولة وثلث أعضاء مجلس النواب على الأقل الحق في تقديم مشاريع لتنقيح الدستور فإنه اشترط صراحة أن لا تمس هذه المشاريع بـ"النظام الجمهوري للدولة" ولا نخال الرئاسة مدى الحياة وتمتيع الرئيس بحصانة قضائية أثناء مباشرته لمهامه وبعدها ومنع حرية الترشح للرئاسة من أسس النظام الجمهوري بل إنها تعزيز سافر لحكم فردي مطلق قائم في تونس منذ عهد بورقيبة.
وفي الواقع فإن بن علي كرر ما كان قام به بورقيبة سنة 1974 حين أوشكت ولايته الثالثة والأخيرة على النهاية مع فارق في الشكل. فإذا كان بورقيبة أعلن نفسه صراحة رئيسا مدى الحياة فإن بن علي ومراعاة لاختلاف الظروف، أعلنها رئاسة مدى الحياة مقنـّـعة. وإذا كان الأول اكتفى بتمرير القرار عبر مجلس النواب فإن الثاني مرره عبر استفتاء صوري على أمل أن يكسبه في الظاهر قوة قانونية أكبر.
إن الشعب التونسي، لو كان يتمتع بالحرية السياسية ما كان ليسمح بإجراء مهزلة كهذه بل إن بن علي ذاته ما كان ليجرأ على استفتائه حول مسائل كهذه تضرب حقوقه في الصميم. إن الغياب التام للحرية السياسية وانعدام ممارسة الشعب لسيادته هما اللذان جعلا بن علي يقدم على تنظيم استفتاء 26 ماي 2002 المهزلة لأنه يعلم أن بوليسه وإدارته، لا الإرادة الشعبية، هما اللذان يحددان مسبقا نتيجته عبر التزوير المنهجي والشامل ومن البديهي أن مثل هذا التلاعب بالسيادة الشعبية لا يكسب ترشح بن علي لولاية رابعة وبقاءه في الحكم أية مشروعية.
II. 17 سنة من حكم بن علي: دكتاتورية، استغلال، فساد وعمالة
إن المبرر الثاني لتمكين بن علي من ولاية رابعة، وهو مبرر سياسي، مثله مثل المبرر الأول مردود. فحتى على فرض أن نتائج 17 سنة من حكم بن علي إيجابية فإن ذلك لا يمثل بأي حال من الأحوال سببا مشروعا للبقاء في الحكم مدى الحياة أو حتى للترشح لولاية رابعة أو لعدم الاحتكام للشعب عبر انتخابات حرة حقا لأنه لا يمكن ربط مصير شعب بأكمله بفرد لما في ذلك من احتقار لذكاء هذا الشعب وامتهان لقدرته على إنتاج قادة أكفاء يختارهم لتسيير شؤونه. هذا كما قلنا إذا كانت النتائج حقا إيجابية فما بالك إذا كانت سلبية في كافة المجالات!! إن بن علي هو الذي زعم أن الـ 17 سنة من حكمه "إيجابية"، وليس الشعب التونسي الذي لم يكن له فوق ذلك أي دور بحكم حرمانه من حقوقه الأساسية، لا في صياغة الاختيارات التي سار عليها بن علي ولا في الإشراف على تنفيذها ولا في تقييمها. إن ما يقوله بن علي على نفسه أو ما يقوله عنه المحيطون به والمصفقون له يناقض الواقع الذي يشهد على ضرورة رحيله لا بقائه.
أ -في المجال السياسي: تدعيم الحكم الفردي، تفاقم القمع، دوس السيادة الشعبية
ففي المجال السياسي لم يحقق بن علي لا الحرية ولا الديمقراطية للشعب التونسي بل إن الشيء الوحيد الذي نجح فيه بحكم تكوينه المخابراتي وتجربته الطويلة على رأس جهاز الأمن في نظام بورقيبة هو تحويل تونس إلى سجن كبير، إلى بلد يشار إليه بالإصبع في كافة أنحاء العالم باعتباره موطنا لإحدى الدكتاتوريات البوليسية الرهيبة التي لا تزال قائمة إلى اليوم. فقد عزّز بن علي الحكم الفردي المطلق. فجمّع بين يديه على غرار سلفه بل أكثر منه كافة السلطات مما جعله يتصرّف في تونس بجهاز بوليسي ضخم (136 ألف عون) لمراقبة المواطنين والاستبداد بهم وقمع كل خروج على الصف. ودعّم هيمنة الحزب الحاكم على الدولة وجعل من الانتماء إليه شرطا أساسيا للتمتع بأبسط الحقوق المدنية كالشغل والسكن والمنحة الدراسية والرّخص. وسخّر القضاء بشكل لا سابق له لحماية مصالحه ومصالح عائلته والأقلية الفاسدة التي يستند إليها في حكمه. وعزّز ترسانة القوانين الفاشستية لتكميم أفواه التونسيات والتونسيين في الداخل والخارج. وقد استغل الحملة الدولية التي تشنها الإدارة الأمريكية بعنوان "مكافحة الإرهاب" للغلوّ في تجريم كل معارضة لنظامه واعتبارها "عملا إرهابيا". كما أنه لم يتورع أخيرا عن إصدار قانون باسم "حماية المعطيات الشخصية" يسمح للإدارة بانتهاك ما يتعلق منها بالمواطن ولكنه يجرّم كل من يفضح أعمال الفساد والنهب والإثراء غير المشروع لـ"العائلة الحاكمة" والمقربين منها. واستمر في انتهاك مبدأ السيادة الشعبية جاعلا من الانتخابات مجرد عملية صورية معروفة النتائج مسبقا ومن المؤسسات الناجمة عنها أدوات طيعة بيده تنفّذ أوامره، وحوّل المعارضة الرسمية إلى مجرّد ديكور يضفي به على نظامه طابعا تعدّديا زائفا. وقمع الأحزاب والمنظمات والجمعيات التي حاولت بهذه الدرجة أو تلك الحفاظ على استقلاليتها، ودجّن الحركة النقابية وحوّل الاتحاد العام التونسي للشغل ومعظم المنظمات المهنية إلى هياكل فارغة تأتمر قياداتها بأوامره وتنفّذ سياسات نظامه لأنها مدينة بوجودها وبقائها له ولبوليسه وإدارته لا إلى قواعد التنظيمات التي تزعم تمثيلها. واحتكر وسائل الإعلام ووصل قمعه لحرية التعبير والصحافة إلى درجة أنه ما انفك منذ عام 1998 يُرَتـَّب ضمن العشرة رؤساء دول وحكومات الأوائل في العالم في مجال معاداة حرية الصحافة وتونس ضمن المجموعة الأخيرة من دول العالم التي تمثل المنطقة السوداء في خارطة أوضاع حرية الصحافة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ. فقد أُطردت جمعية مديري الصحف التونسية من "الجمعية العالمية لمديري الصحف" (جوان 1997) وجُمّدت عضوية الجمعية التونسية للصحفيين في الفدرالية الدولية للصحفيين (مارس 2004) لنفس السبب وهو الإخلال بواجب الدفاع عن حرية الصحافة وكرامة الصحفيين في تونس والتواطؤ مع الدكتاتورية في انتهاكهما. وملأ السجون بالمعارضين ناهيك أن ما بين 35 ألف و40 ألف مواطن اعتقلوا خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة لأسباب سياسية. وسبّب هجرة الآلاف من المعارضين للعيش في المنفى. وجعل من ممارسة التعذيب أسلوب حكم أودى بحياة العشرات من المعارضين وخلّف عاهات جسدية ومعنوية للآلاف منهم مما جعل الحديث عن تونس في تقارير المنظمات والهيئات الإنسانية مقرونا بشكل دائم بالحديث عن التعذيب فيها الذي كان سببا في حصول بن علي على إدانة في مناسبتين (1998-1999) من لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب. وإلى ذلك أصبح الاعتداء على النشطاء من النساء والرجال في كافة المجالات السياسية والحقوقية والنقابية والثقافية وتشويههم عبر حملات صحفية ممولة من وزارة الداخلية ظاهرة بارزة في عهد بن علي. وأخيرا وليس آخرا أخضع هذا الأخير كافة المواطنين للمراقبة البوليسية في مختلف مجالات حياتهم الخاصة والعامة. فالتنصّت على المكالمات الهاتفية ومراقبة المراسلات وشبكة الأنترنيت وجهاز الفاكس أصبحت أمرا يندرج ضمن الحياة العادية للتونسي.
وباختصار شديد فإن الشعب التونسي يجد نفسه بعد 17 سنة من حكم بن علي محروما من أبسط حقوقه الأساسية، مستثنى من المشاركة في الحياة السياسية، يعيش أفراده في وضع الرعية لا في وضع المواطنة يلازمهم الخوف على حريتهم وعلى حرمة أجسادهم وموارد رزقهم وخفايا حياتهم الخاصة فضلا على حرمة عائلاتهم ومصير بناتهم وأبنائهم. إن الحرية والديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات التي وعد بها بن علي لم تكن سوى وهم إذ الواقع عسف وتسلط وغطرسة.
ب – في المجال الاقتصادي: تبديد الممتلكات العمومية، تعميق الهشاشة والتبعية، سوء الإدارة والتصرّف
إن النتائج الاقتصادية لـ17 سنة من حكم بن علي لا تقل سوء عن النتائج السياسية رغم الدعاية المضلّلة التي يقوم بها النظام وبعض الأوساط السياسية والمالية الأجنبية المنتفعة من وجوده. فالتونسي يسمع باستمرار حديثا عن "المعجزة الاقتصادية التونسية" وعن نعت تونس بـ"القوة الاقتصادية الصاعدة" وبـ"نمر شمال إفريقيا". ومن بين الآراء الشائعة أيضا لدى تلك الأوساط ولدى صنف من الصحفيين والإعلاميين والمراقبين الأجانب أن بن علي إذا كانت "حصيلة حكمه في المجال السياسي قابلة للنقد لاتسامها بـ"إفراط غير مبرر في التشدد" فإن الحصيلة الاقتصادية إيجابية ونموذجية" ويخلصون إلى أن تونس لا تحتاج إلا إلى بعض الإصلاحات السياسية لتحقق التقدم المناسب لتقدمها الاقتصادي. ومثل هذا الكلام كان قيل عن بينوشي دكتاتور الشيلي الدموي (1973-1991) وكأنه توجد قطيعة بين الاقتصاد والسياسة، بل إن هذا الموقف الذي لا يخدم إلا مصالح الدول والشركات الاحتكارية الامبريالية وعملائهم في تونس يهدف إلى طمس حقيقة أن الدكتاتورية بما تعنيه من قمع للحريات وإلغاء لمبدأ السيادة الشعبية وانتهاك لحقوق الإنسان ما هي إلا إطار سياسي لتكثيف استغلال الشعب ونهب خيراته لفائدة أقلية من مصاصي الدماء دون أن تكون له إمكانية الدفاع عن حقوقه بأي وسيلة من الوسائل. فالنتائج الاقتصادية الإيجابية، إن وُجدت حقا، هي لفائدة من؟ وعلى حساب من تحققت؟ هذا هو السؤال الذي يقع يتجاهله. إن الحكم على أي سياسة اقتصادية لا يتم إلا من زاوية قدرتها على الاستجابة الفعلية لمقتضيات النهوض بالبلاد في مختلف المجالات وإخراجها من دائرة التبعية للدول والاحتكارات الامبريالية أوّلا وعلى تلبية حاجات الشعب الأساسية المادية والمعنوية ثانيا وليس من زاوية ما توفره من منافع لأصحاب رأس المال المحليين والأجانب.
لقد واصل بن علي منذ إزاحته لبورقيبة في نوفمبر 1987 تطبيق "برنامج الإصلاح الهيكلي" الذي تم الشروع في تنفيذه قبل عام بتوصية من البنك العالمي وصندوق النقد الدولي. كما أردف هذا البرنامج بآخر مملى من الاتحاد الأوروبي وهو "برنامج التأهيل الشامل" (1995) في إطار "اتفاقية الشراكة الأورومتوسطية" التي تهدف إلى خلق منطقة تبادل حر مع تونس، أي تحويلها إلى مجرد سوق للرساميل والبضائع الأوروبية وبالانخراط في منظمة التجارة العالمية التي تحددت توجهاتها وأهدافها حسب مصالح الدول والشركات الاحتكارية الامبريالية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. وقد كان لهذه الاختيارات الاقتصادية التي تندرج ضمن النهج الرأسمالي المتوحّش الذي يسود عالمنا نتائج وخيمة على الاقتصاد التونسي يمكن حوصلة الأساسي منها في النقاط التالية:
1) لقد تم تبديد الممتلكات العمومية بعنوان "الخوصصة" التي شملت كافة القطاعات بما فيها الاستراتيجية كالإسمنت والكهرباء والغاز والاتصال والنقل. ومن المنتظر أن تشمل قريبا الماء. وقد استأثر الرأسمال الأجنبي إلى حد الآن بـ75% من عائدات هذه الخوصصة وهي حصة قابلة للارتفاع مع خوصصة عدد جديد من المؤسسات وهو ما سيمكّن أصحاب الرأسمال الأجانب دولا وشركات وبنوكا من مزيد السيطرة على مصائر البلاد وتجريد الشعب التونسي من كل إمكانية للتحكم في خيرات بلاده وثرواتها للنهوض بأوضاعه وضمان مستقبل أبنائه وبناته وهو الهدف الحقيقي من سياسة الخوصصة التي أملتها مؤسسات النهب الدولي ويطبّقها صاغرا ذليلا نظام بن علي الذي خصته تلك المؤسسات بصفة "أنجب تلاميذها" في المنطقة.
2) وإلى ذلك فقد تفاقمت هشاشة الاقتصاد التونسي في عهد بن علي بسبب توجه النشاط الاقتصادي عامة إلى القطاعات غير المنتجة (الخدمات) على حساب القطاعات المنتجة بحثا عن الربح السهل والسريع. ناهيك أن مساهمة القطاع الفلاحي في الناتج الداخلي الخام تراجعت سنة 2002 إلى حدود 10,4 % ولم تتجاوز مساهمة قطاع الصناعة والمناجم 29,1 % بينما بلغت مساهمة قطاع الخدمات 60,5%. ومن النتائج الخطيرة لهذا التوجه هو أن الاقتصاد التونسي أصبح أكثر من أي وقت مضى اقتصاد خدمات والبلاد تعيش أكثر فأكثر من الاستيراد وهو ما يعمق تبعيتها ويرهن مستقبلها ومستقبل أبنائها وبناتها بمراكز القرار الأجنبية، دولا ومؤسسات وشركات استعمارية.
3) وخلافا لما زعمت السلطة فإن اعتماد "برنامج الإصلاح الهيكلي" لم يؤد إلى التخفيف من عبء المديونية الخارجية لتوفير ظروف أنسب لتطور الاقتصاد التونسي وحتى لا تبقى ثمرة مجهود البلاد مخصصة لتسديد الديون بل إن النتائج أكدت تفاقمها إذ أنها زادت في ما بين 1987 سنة وصول بن إلى الحكم، و2002 أي بعد 12 سنة من حكمه بنسبة 3,6 مرات. ومن الملاحظ أن نسق تطور خدمة المديونية الخارجية كان خلال العشر سنوات الأخيرة أهم من نسق تطور الناتج الداخلي الخام (62,2% مقابل 43,4%) وأن ما تقترضه بلادنا حاليا لا يغطي حتى فاتورة خدمة الدين المسددة سنويا فما بالك بتحقيق مشاريع تنموية. وهو ما يؤكد أن بلادنا تغرق في التداين وبالتالي في التبعية وهو ما يسمح بتكثيف نهبها واستغلال أبنائها وبناتها.
4) وفي نفس السّياق لم يسجل الميزان التجاري تحسنا ذا مغزى من شأنه أن يبرر اختيارات السلطة. فعجز الميزان التجاري متواصل. كما أن انخراط تونس في المنظمة العالمية للتجارة وإبرامها لاتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي من أجل خلق منطقة للتبادل الحر وما نتج عن ذلك من تحرير للمبادلات وإلغاء تدريجي للمعاليم الجمركية أدى إلى تدمير تدريجي للنسيج الصناعي المحلي لعدم قدرة المؤسسات التونسية التي تغلب عليها المؤسسات الصغرى والمتوسطة على المنافسة. وإلى ذلك فإن إنشاء الفضاءات التجارية الكبرى التي تمثل فروعا لاحتكارات تجارية عالمية أضر كثيرا بصغار التجار. وبشكل عام تتجه الحالة إلى التعكر مع اقتراب دخول تفكيك الاتفاقية المتعددة الألياف الخاصة بالنسيج حيز التطبيق في شهر جانفي القادم ودخول الصين إلى المنظمة العالمية للتجارة في مطلع السنة المقبلة والتحرير التام للمبادلات مع الاتحاد الأوروبي في سنة 2008.
5) ومما زاد الطين بلة غياب التسيير الرشيد للنشاط الاقتصادي. ويتجلى هذا الغياب في:
أولا: التسيير البيروقراطي للحياة الاقتصادية وما يعنيه من تغييب للشغالين وللشعب عامة في تقرير الاختيارات الاقتصادية ومراقبة تنفيذها وتقييم نتائجها وفي كيفية صرف الأموال العمومية حيث تنعدم الشفافية.
وثانيا: تفاقم ظاهرة الفساد التي أصبحت في عهد بن علي ركيزة من ركائز النظام يمثّل أفراد "العائلة المالكة" والمقربون منها الطرف الضالع فيها رئيسيا. وهي تتمثـّل في استغلال هؤلاء نفوذ بن علي للحصول على عمولات هامة من التوسّط في الصفقات العمومية واستغلال عملية الخوصصة للاستحواذ على مؤسسات وأراض عمومية بأثمان بخسة واحتكار بعض الأنشطة بتواطؤ من الإدارة والبوليس والقضاء ومشاركة قسرية في المشاريع الرابحة واستئثار بالتجارة الموازية وافتكاك الممتلكات الخاصة، والأهم من ذلك تخريب النظام البنكي التونسي بما يحصلون عليه من قروض دون ضمانات وبالتالي مشكوك في تسديدها. وتمثّل البنوك العمومية التي يمولها الشعب أكثر متضرر من ذلك. وبما أن "البلاد على قيادها" فقد تفشت ظاهرة الرشوة في كافة المستويات من إدارة وبوليس وقضاء إلى حد أنها أصبحت وسيلة أساسية لقضاء أبسط الأمور. وثالثا: فساد النظام الجبائي: فرغم أن هذا النظام صيغ لفائدة أصحاب رأس المال فإنهم لا يتوانون عن استنباط ألف طريقة وطريقة للتهرب من دفع الضرائب، إضافة إلى أن السلطة تستعملها وسيلة للضغط السياسي. فالذين يؤيدون الدكتاتورية النوفمبرية ويقدمون الرشاوي لرموزها يُغَضّ الطرف عنهم أما الذين ليس لهم "سند" أو يرفضون الخضوع للابتزاز فيتعرضون للعسف الجبائي بغية إرضاخهم أو تفليسهم. وما من شك في أن غياب الشفافية وسيادة منطق الجور والتعسف لا يساعد على تطوير النشاط الاقتصادي حتى في نطاق النظام الرأسمالي نفسه لانعدام الضمانات كما كان الحال زمن البايات.
وخلاصة القول إن السياسة الاقتصادية التي اتبعها بن علي، والتي هي كما ذكرنا مملاة عليه من الدوائر الامبريالية، لم تخرج البلاد من التخلف الهيكلي الذي يعاني منه اقتصادها بما يعنيه من تبعية وهشاشة وتفكك بل على العكس من ذلك فقد تعمقت هذه المظاهر مما سد الباب أمام إمكانية تحقيق تونس لنهوض شامل مستقل ومتماسك. ولا يوجد في الأفق ما يؤشر لإمكانية الخروج من هذا النفق بل إن كل الدلائل تشير إلى أن الاقتصاد التونسي تنتظره رجّات عنيفة رغم أن السلطات تحاول بكل الوسائل طمس هذه الحقيقة لتزوير الأرقام أو تجميلها كما هو الحال بالنسبة إلى معدلات النمو والعجز المسجل في ميزانية الدولة والتضخم إلخ.

ت – في المجال الاجتماعي: الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقرا
أما في المجال الاجتماعي فقد أدى النهج الاقتصادي الذي اختاره بن علي إلى نتائج خطيرة، ذلك أنه إن كان هذا النهج قد عاد بالنفع على أثرياء تونس وخاصة المقربين منهم من القصر وعلى أصحاب رؤوس الأموال الأجانب فإنه ألحق أضرارا فادحة بالشعب التونسي بكامل طبقاته وفئاته الكادحة.
فبعد 17 سنة من حكم بن علي أصبح أصحاب الملكية على قلتهم يستأثرون بـ56% من الناتج الداخلي الخام مقابل 40% في السبعينات. كما تعود إليهم نسبة 60% من مصاريف الاستهلاك الوطني وبالمقابل فإن مساهمتهم في الجباية لا تتعدى 11 أو 12%. أما الأجراء فإن نصيبهم من الناتج الداخلي الخام نزل من 54,9% عام 1970 إلى 29% في التسعينات رغم أن عددهم ازداد كثيرا. كما أن نصيب 80% من السكان من مصاريف الاستهلاك الوطني لا يتجاوز 20% ومع ذلك فهم يدفعون ما لا يقل عن 85% من معاليم الجباية. إذن فالأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقرا. هذه هي الحقيقة التي تتردد اليوم على أفواه كافة أبناء الشعب وبناته الذين دمر حياتهم:
أولا: الغلاء الجنوني للأسعار مقابل النسق الضعيف لتطور أجورهم ومداخيلهم ناهيك أن أصحاب الأجر الأدنى في القطاعين الصناعي والفلاحي مثلا خسروا ما بين 1983 و2003 على التوالي 23,04% و13,80% من مقدرتهم الشرائية وبالتالي فإنهم لم يحرموا فقط من تحسين معيشتهم بل حرموا حتى من الحفاظ على مستوى عيشهم السّابق وقد أصبح الأجر الأدنى على محدوديته حلم عشرات الآلاف من الشغالين الذين مكنت المراجعة المتتالية لقوانين الشغل أصحاب رأس المال من تكثيف استغلالهم مقابل أجور بؤس لا تتجاوز في الغالب حتى 80 أو 100 دينار. وقد دفع غلاء تكلفة العيش بأعداد كبيرة من الأجراء إلى العيش بالديون لدى البنوك والمؤسسات التي يعملون بها ومراكز البيع بالتقسيط بل إن الواحد منهم أصبح مضطرا إلى البحث عن شغل ثان وثالث على حساب راحته وصحته لتأمين عيش العائلة ومصاريف تعليم "الأولاد" وتسديد الديون المتراكمة. ومن البديهي أن المستفيد من هذا الوضع هم مصاصو دماء الشعب لأن الدينار الذي يخرج من جيب المواطن يذهب مباشرة إلى جيوبهم.
ثانيا: تفاقم البطالة والتهميش ومظاهر البؤس
إن 17 سنة من حكم بن علي لم تزد ظاهرة البطالة والتهميش إلا حدة واتساعا. فالشغل ليس حقا أساسيا من حقوق المواطنة يضمنه المجتمع وبالتالي الدولة لمواطنيها ومواطناتها لسد حاجاتهم وضمان كرامتهم بل هو "امتياز" كما جاء على لسان بن علي في مطلع التسعينات الذي يوافق انطلاق الهجمة الشرسة التي شنتها الدكتاتورية النوفمبرية على حقوق الشعب السياسية والاجتماعية ". ومن هذا المنطلق أصبحت مسؤولية البحث عن الشغل ملقاة على كاهل الفرد كما أصبح العاطل عن العمل مسؤولا على عطالته وهي طريقة لتبرير تخلي الدولة عن واجباتها خصوصا أنها قلصت الاستثمارات والنفقات العمومية وإطلاق يد أصحاب رأس المال المحليين والأجانب لتكثيف استغلالهم لليد العاملة والتصرف فيها كما يشاؤون بعنوان "مرونة التشغيل". وفي هذا السياق يسرت مراجعة قانون الشغل الطرد الجماعي للأجراء. كما ترك العمل القار تدريجيا مكانه لأنماط من العمل الهش كالعمل الوقتي والعمل الجزئي إضافة إلى العمل بالمناولة وما يعنيه من سمسرة فظيعة باليد العاملة. وإذا كانت الحكومة تقر بنسبة بطالة تتراوح بين 15 و16% (مقابل 13% سنة 1987) فإن أهل الاختصاص يقدرونها بحوالي 20 أو 25% تضاف إليها نسبة هامة من الذين يقومون بأنشطة هامشية وغير قارة. ولقد طالت البطالة لأول مرة في عهد بن علي حاملي الشهادات العليا الذين أصبحوا يمثلون حسب الأرقام الرسمية 6,3% من جملة العاطلين عن العمل بينما ترتفع نسبة ذوي مستوى التعليم العالي بشكل عام إلى 12,1% (2002). ولم يعد الذين يعملون في مأمن من البطالة إذ أصبح الطرد الجماعي ظاهرة مفزعة ناهيك أن عدد المطرودين سنويا منذ عام 1986/1987 لا يقل عن 10 آلاف حسب الحكومة و13 ألف حسب المصادر النقابية وتحديدا خلال السنوات الأخيرة. ولا يمكن الاعتقاد أن ظاهرة الطرد وبالتالي البطالة ستخف في القادم من الأيام لا لكون الظروف العالمية ستزيد سوءا (تفكيك الاتفاقية المتعددة الألياف في مطلع العام القادم وانعكاساته السلبية على قطاع النسيج، دخول الصين المنظمة العالمية للتجارة، إعادة توجيه الاستثمار الأوروبي نحو بلدان أوروبا الشرقية الملتحقة أخيرا بالاتحاد…) فحسب بل لإمعان بن علي في تطبيق نفس الاختيارات الرجعية المولدة للبطالة، ولعدم جدية الحلول التي يطرحها لمعالجة هذه الآفة الاجتماعية مثل صندوق 21/21 أو بنك التضامن التي لا تعدو أن تكون مسكنات ظرفية ناهيك أن بن علي عوض أن يوجه المساعدات والتشجيعات إلى العاطلين عن العمل فهو ممعن في توجيهها إلى أصحاب رأس المال بدعوى حثهم على خلق مواطن الشغل بينما هم يستخدمونها لمزيد الإثراء دون أن يغيروا شيئا من واقع البطالة.
وإلى جانب تكاثر عدد العاطلين عن العمل تجدر الإشارة إلى أن حوالي 1.048.000 نسمة، حسب إحصائيات للبنك الدولي لسنة 2000، في الفقر أو الخصاصة. وقد تفاقمت نتيجة ذلك مظاهر البؤس في المدن والأرياف حيث تكاثر عدد المتسولين والمشردين في الشوارع والأسواق وأمام المساجد والمستشفيات ومحطات النقل من بينهم أطفال ونساء وشيوخ وحتى شبان وكهول.

ثالثا: تدهور الخدمات الاجتماعية
إن تدمير الخدمات الاجتماعية هو إحدى النتائج الأساسية لسياسة بن علي الاقتصادية. فهو ما انفك، تطبيقا لتوصيات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي يقلص من حجم التمويل العمومي لقطاعات الصحة والتعليم والنقل والسكن. إن المنطق الرأسمالي الوحشي يعتبر النفقات المخصصة لهذه الخدمات أموالا "ضائعة" لأنها لا تذهب إلى جيوب أصحاب رأس المال. وبعبارة أخرى فهذه الخدمات لا ينظر إليها كحق أساسي من واجب المجتمع وبالتالي الدولة السهر على توفيرها لكل فرد تكريسا للمساواة وضمانا للمقومات الدنيا للعيش الكريم بل ينظر إليها كـ"عبء" على الدولة أن تتخلص منه لتلقي به على كاهل الفرد ولتوفر الفرصة لأصحاب رأس المال المحليين والأجانب كي يحوّلوا تلك الخدمات إلى مجال للاستثمار يعود عليهم بالربح الوفير. وهو ما أدى إلى تفاقم شتى أشكال الحيف والتمييز علاوة على ما في الأمر من مخاطر على مستقبل المجتمع بأسره.
ففي مجال الصحة خوصص بن علي القطاع وفتحه للاستثمار الرأسمالي فتكاثرت المصحات الخاصة ذات الطابع التجاري التي تتحكم فيها مافيا طبية لا يهمها إلا ما تجنيه من أرباح على حساب المرضى. كما أنه قلص مساهمة الدولة في ميزانية الصحة العمومية ناهيك أنها نزلت من 43% سنة 1987 إلى 32% سنة 1999 بينما ارتفعت مصاريف الأسر في نفس الفترة من 42% إلى 48% وهو ما كان له أسوأ الأثر على الخدمات التي تقدمها المستشفيات العمومية بسبب فقدانها للإطارات والتجهيزات والأدوية الضرورية مما أصبح يشكل ضغطا غير مباشر على المواطن كي يتوجه إلى القطاع الخاص مع العلم أن السلطات سعرت تلك الخدمات وحدت من عدد المنتفعين بها مجانا وأثقلت كاهل المؤمنين بالزيادة في مساهمتهم في التأمين على المرض. وإلى ذلك فقد ارتفعت أسعار عيادات الأطباء ناهيك أن أجرة الطبيب العام ارتفعت من 5 دنانير سنة 87 إلى 15 دينار سنة 2004. وخلال نفس الفترة ارتفعت أجرة الطبيب الاختصاصي من 15 دينار إلى ما بين 30 دينار و40 دينار حسب الاختصاص. كما ارتفعت تسعيرة الولادة من 150 دينار إلى 500 دينار والعمليات القيصرية من 500 دينار إلى 1000 دينار وشهدت الأدوية بدورها ارتفاعا مشطا. وليس أدل على ذلك من أن بعض الأدوية (غونادتروفين كوريونيك 5000) ارتفع سعره خلال 2004 فقط من 2650 مليم إلى 11644 مليم! كما ارتفع سعر التيتاغام من 7464 مليم إلى 11878مليم وسعر المونوتاست من 2500 مليم إلى 6232 مليم. وبطبيعة الحال فإن المتضرر من هذا الوضع هم الطبقات والفئات الكادحة والفقيرة مما خلق وضعا يتميز بوجود نوعين من العلاج: واحد للفقراء وآخر للأغنياء وهو ما عمّق عدم المساواة أمام المرض وبالتالي عدم المساواة في الحياة الذي أصبح مرهونا أكثر من أي وقت مضى بالثروة.
وفي مجال التعليم صفّى بن علي ما تبقـّـى من مكتسبات الشعب التونسي في هذا المجال على محدوديتها بدعوى "الإصلاح" الذي هو في الأساس مشروع رأسمالي ليبيرالي فرضته مؤسسات النهب الدولي ويتخذ اليوم من الأسماء اسم "مدرسة الغد". وليس لهذا المشروع من هدف غير إخضاع المؤسسة التربوية لمقتضيات المؤسسة الاقتصادية الرأسمالية، حتى توفر لها ما تتطلبه من إطارات وتهيّء كوادرها للحياة المهنية إن حصلوا على شغل بالطبع. وهو ما يعني ضرب مفهوم التربية باعتبارها مؤسسة اجتماعية محورها المعرفة والعلم وتطويرهما ضمن استراتيجية تهدف إلى توفير شروط النهوض بالبلاد وجعلها قادرة على التحكم في مصيرها والإسهام في إثراء الإرث الإنساني انطلاقا من خصوصياتها التاريخية والقومية وتعويضه بمفهوم المؤسسة الاقتصادية التي تنتج بضاعة حسب الطلب مما يؤدي إلى خضوعها هي ذاتها لمنطق الربح الرأسمالي فتتحول العلاقة بينها وبين التلميذ/الطالب إلى علاقة بين مؤسسة وحريف، وهو ما ينجر عنه، كما في الصحة بروز نمطين من التعليم: واحد للفقراء رديء وبدون آفاق وآخر للأغنياء راق وذو آفاق مما يعمّق التمييز أمام المعرفة ويجعل كسبها رهين الثروة. في هذا السياق خضع التعليم في تونس تدريجيا للخوصصة وهي خوصصة من المنتظر أن تتفاقم مستقبلا مع فتح سوق التعليم للمؤسسات الأجنبية. كما أن السلطة ما انفكت تسعى إلى القضاء على المجانية النسبية للتعليم العمومي بتحميل العائلات نفقات إضافية لتعليم أبنائهم وبناتهم، في شكل معاليم ترسيم وأسعار لوازم مدرسية تنزع إلى الغلاء باستمرار أو في شكل "إعانات" لبناء أقسام جديدة أو ترميم الموجود منها أو تأثيث المكتبات أو نفقات كراء وأكل بالنسبة إلى الطلبة الذين تضاءل عدد المنتفعين منهم بمنحة (35%) أو سكن (24,07%) مما جعل أغلبهم عرضة لاستغلال فاحش من قبل أصحاب المبيتات الخاصة حيث تكلفة السرير تتراوح بين 35 دينار و90 دينار أي ما بين 3 و9 مرات تكلفة الإقامة بالمبيت العمومي. أما المنحة فهي تراوح مكانها (50 دينار) منذ سنوات علما أنها لا تكفي أحيانا لتسديد نفقات السكن بالنسبة لغير المقيمين بالمبيتات العمومية.
ومن منطلق إخضاع التعليم لحاجات السوق وهي سوق تسيطر عليها المؤسسات المالية والشركات الامبريالية انتشرت بشكل عشوائي الشّعب القصيرة ( شُعب تكوين مهني ) التي تحتاجها هذه المؤسسات والشركات والتي يبقى معظم خرّيجيها عاطلين عن العمل لعجز السوق عن استيعابهم. كما تتجه السلطة إلى تهميش العلوم الإنسانية بدعوى أن العصر "عصر علم" وتتخلى عن مفهوم التكوين الشامل للتلميذ أو الطالب لتعويضه بمفهوم يرتكز على تلقينهما بعض المعلومات لـ"تدبير الراس" بعنوان "المقاربة بالكفايات". وفي هذا السياق ما انفكت الجامعة تفقد وظيفتها الأساسية كمركز للبحث وإنتاج المعرفة ليصبح الجامعي مجرد "مكوّن" أو "صنايعي" يعد الإطارات التي تتطلبها المؤسسة مستمدا قيمته من مدى حاجة هذه المؤسسة إلى البضاعة التي ينتجها. ومما زاد أزمة التعليم عمقا أن الدكتاتورية النوفمبرية تفرض هذه المشاريع فرضا على المعنيين ولا تسمح لهم بإبداء الرأي فيها. كما أنها استغلت الوضع لإفراغ برامج التعليم من كل ما يمكّن التلميذ/الطالب من تلقي تكوين فكري يربي عنده ملكة النقد ويهيئه للبحث وإنتاج المعرفة. وهي تخضع المدرسة وخاصة الجامعة للمراقبة البوليسية المباشرة لمنع أي نشاط فكري أو سياسي أو نقابي مما حوّل الكليات والمدارس العليا إلى ثكنات. وتمثل الجامعة التونسية من هذه الناحية حالة شاذة في العالم ناهيك أنه حتى في إيران الملالي سن البرلمان قانونا يحمي حرمة الجامعة ويمنع البوليس من دخولها. ولم تشهد الحريات الأكاديمية ما شهدته في عهد بن علي من دوس. ففي منشور بتاريخ 25 فيفري 1997 صادِرٍ عن وزير التعليم العالي "طُولب" العمداء ومديرو المعاهد العليا ومراكز البحث بإعلام وزارة الداخلية مسبقا بكل تظاهرة علمية ينظمونها مع مدها بقائمة المشاركين ونص مداخلاتهم. ومع ذلك لا يتورع بن علي عن الحديث عن "مجتمع المعرفة" وكأنه ممكن دون حرية ودون تكفل الدولة بالإنفاق عن التعليم والبحث. وأخيرا وليس آخرا لم ينفك بن علي يتلاعب بنتائج الامتحانات والمناظرات لأغراض سياسوية. فنسب النجاح تضخمت ليس ترجمة لتطور نوعي للتعليم وإنما لكسب التأييد السياسي. ورغم تضخم "النجاح" في كافة المستويات فإن ذلك لم يمكّن السلطة من طمس هشاشة النظام التعليمي، إذ يكفي ذكر تزايد المنقطعين عن الدراسة في كافة المستويات من سنة إلى أخرى. ففي سنة 2002 مثلا "لفظت" المدارس 116454 تلميذا وتلميذة، وفي العام الموالي ارتفع هذا الرقم إلى 126266. وفي الجامعة يذهب حسب البنك العالمي في تقرير نشر منذ سنوات، 43% من طلبة المرحلة الأولى ضحية نظام الخراطيش. وما من شك في أن الخيارات التربوية هذه التي اتبعها بن علي خطيرة على مستقبل بلادنا وشعبنا الذي لا يزال رغم كل الدعاية المضللة يعاني من نسبة أمية مرتفعة تبلغ 27% (منها 36,3% في صفوف الإناث و 17,7% للذكور) مع العلم أن بلدا مثل كوبا، استقل عام 1959 وكانت الأمية منتشرة فيه بنسبة مرتفعة جدا تمكّن منذ مدة من القضاء عليها حسب المصادر الدولية. وختاما ليس أدل على تدهور حالة التعليم من عدم ثقة مسؤولي النظام بمن فيهم بن علي وأفراد حاشيته بالمدرسة/الجامعة التي يروجونها وإلا ما الذي يجعلهم يبعثون أبناءهم وبناتهم إلى المدارس الفرنسية بتونس. ألم يكن الأجدر بهم إعطاء المثال في تكوين أبنائهم وبناتهم في المدارس العمومية التي تمثل وجه التعليم في البلاد.
وفي مجال السكن تحولت رغبة المواطن في كسب شقة أو منزل إلى فرصة للبنوك والشركات العقارية كي تنهبه وترهنه وهو ما يترجم عنه الارتفاع الجنوني لأسعار العقارات ومواد البناء وفائدة القروض الممنوحة للراغبين في بناء مسكن أو شرائه علاوة على ارتفاع الأكرية. ناهيك أن الكراء أصبح يمثّل أحيانا ثلث الراتب إن لم يكن نصفه أو أكثر. وكما في جميع المجالات فإن حفنة من المضاربين تحتكر الشركات العقارية، وكما في جميع المجالات فإن حفنة من الأثرياء، والمضاربين تحتكر أفخر القصور والمنازل والعمارات والشقق بينما يعيش قسم هام من العائلات التونسية بالمدينة والريف في ظروف سكنية قاسية بل مزرية مع ما ينجم عن ذلك من مشاكل صحية وأخلاقية وخلافات عائلية وإخفاق في الدراسة إلخ.. وليس أدل على هذا الواقع المتميز بالحيف من أن عدد المساكن في تونس قد بلغ 2.204.300 مسكنا في سنة 1999 لا يوجد من بينها سوى 1.835.700 مسكنا آهلا بالسكان بينما بقية المساكن ومجموعها 362 ألف مسكن غير آهلة بالسكان منها 128 ألف مسكن ثانوي و26 ألف مسكن شاغر معد للكراء و78 ألف مسكن شاغر لكنه غير معد للكراء والبقية بصدد البناء. وفي نفس الوقت توجد 264 ألف مسكن مكون من الأكواخ والخيم والبراكات وغرف "الوكايل" كما توجد 284.085 أسرة تسكن غرفة واحدة! وتفيد هذه الإحصائيات أيضا أن 104768 مسكنا تسكنه أسرتان أو ثلاث فما فوق ومعظم هذه المساكن توجد بالمناطق الحضرية. فلو لم يكن بن علي حاميا لمصالح الأثرياء والمضاربين العقاريين ما الذي يمنعه من توزيع المساكن الشاغرة على مستحقيها والتخفيض في أسعار الكراء ومنع المضاربات العقارية بشكل عام؟
وفي مجال النقل تمت خوصصة القطاع وهو ما أدى إلى بروز نوعين من النقل: الأول عمومي لا طاقة للمواطن على رداءته والثاني خاص لا طاقة للمواطن على ارتفاع أسعاره. مع العلم أن السلطات ما انفكت تستغل هذا الوضع للزيادة في معاليم النقل العمومي دون أن يطرأ عليه تحسن جوهري. فالغلاء وطول الانتظار والاكتظاظ هي العلامات الثلاث المميزة للنقل العمومي في بلادنا.
وفي مجال الكهرباء والغاز والماء والاتصال تمت خوصصة جملة من الخدمات. والحكومة ماضية في تدعيم هذه الخوصصة بما في ذلك خوصصة الماء الذي قد تفوز بخدماته إحدى الشركات الفرنسية التي تستغل إنتاج الماء في المغرب. وبطبيعة الحال فإن التفويت في هذه الخدمات الأساسية للخواص وتحويلها إلى مجال للاستثمار والربح قد أدى إلى ارتفاع أسعارها. كما أن دخول الرأسمال الأجنبي فيها مكنه من السيطرة تدريجيا على قطاعات حيوية واستراتيجية. وللتذكير فإنه في بلادنا وبعد حوالي النصف قرن من حكم الحزب الدستوري لا يزال حسب الأرقام الرسمية (إحصاء 1999 حول السكان والتشغيل) 238.643 مسكنا غير مرتبط بشبكة النور الكهربائي و659623 مسكنا غير مرتبط بشبكة توزيع المياه. وفي نفس الفترة لا يرتبط سوى 47,2% من المساكن بشبكة صرف المياه.
رابعا: تفاقم الاختلال بين الجهات وبين المدينة والريف وبين الأحياء الغنية والفقيرة
إن تفاقم الاختلال بين الجهات هو نتيجة أخرى من نتائج الـ17 سنة من حكم بن علي. إن التمييز بين الجهات وتحديدا بين المناطق الساحلية والمناطق الداخلية هو من ثوابت النظام الدستوري منذ حكم بورقيبة ويعود ذلك إلى أولا: عامل سياسي يتمثل في أن معطم قادة النظام من المناطق الأولى وهو ما يجعلهم يركزون اهتمامهم عليها لكسب دعمها السياسي فيعطونها الأولوية في الاستثمار وبعث المشاريع ومنح القروض وإيجاد مواطن الشغل ويعينون أبناءها في أهم المراكز والمسؤوليات السياسية والاقتصادية والثقافية ويمارسون عبرهم الهيمنة على الجهات والمناطق غير المحظوظة. وثانيا: عامل اقتصادي إذ أن أصحاب رأس المال المحليين والأجانب يوجهون استثماراتهم إلى المناطق الساحلية لأنها الأكثر تجهيزا والأيسر لتصدير منتوجهم والأضمن ربحا إضافة إلى ما يلقونه من تشجيع من السلطات للاستثمار فيها. وهو ما عمق الفوارق بين المناطق الساحلية والمناطق الداخلية في بلادنا خصوصا في ظل حكم بن علي. فقد ظلت المناطق الساحلية تستقطب معظم الاستثمارات العمومية والخاصة (أكثر من ¾ الاستثمارات) وتستأثر باهتمام السلطة في كافة المجالات. أما الجهات المتروكة والتي أصبحت تسمى في عهد بن علي "مناطق الظل" فهي تمركز أعلى نسب البطالة والتهميش والأمية والنزوح. إن مناطق الشمال الغربي والوسط الغربي والجنوب الغربي التي لا يتجاوز عدد سكانها في عام 1999 تاريخ آخر مسح حول السكان والتشغيل ثلث مجموع السكان بالبلاد تجمّع حوالي 60,1% من العاطلين عن العمل و 45% من الأميين (أعلى نسبة بالوسط الغربي 42,5% مقابل نسبة وطنية بـ27%). كما أنها تمثل أهم مصدر للنزوح في اتجاه العاصمة (40 ألف خلال الفترة بين 94 و1999) والوسط الشرقي (32 ألف). وقد بلغ صافي الهجرة في الوسط الغربي وحده خلال نفس الفترة 41,1 ألف نسمة مقابل 23,9 ألف نسمة خلال الفترة 89-94 وهو ما يؤكد ازدياد الفقر والتهميش بهذه المنطقة. وإلى ذلك فإنه لا يوجد سوى طبيب واحد لكل 2478 ساكنا بالشمال الغربي، و2848 ساكنا بالوسط الغربي و2027 ساكنا بالجنوب الغربي، مقابل طبيب واحد لكل 1248 ساكنا على المستوى الوطني، وطبيب واحد لكل 676 ساكنا بإقليم تونس. وإلى حدود عام 2001 تاريخ الخارطة الطبية التي اعتمدناها توجد مناطق غير مجهزة بآلة "سكانار" مثل سليانة وتوزر وقبلي وسيدي بوزيد. كما أنه لا توجد ببعض هذه المناطق (سليانة، سيدي بوزيد، القيروان، قبلي، …) قاعة سينما واحدة. وإلى ذلك تشكو هذه المناطق من رداءة الطرقات ووسائل النقل.
وعوض أن يعتني نظام بن علي بهذه الجهات خصوصا أنها لا تنقصها لا الثروات الطبيعية ولا البشرية ويخصص لها المشاريع فإنه لم يجد لها من حل سوى "تنظيم الصدقة" لها عن طريق صندوق 26/26 المستعمل للنهب من جهة وللإشهار السياسي من جهة ثانية. فالأموال التي تجمع له في شكل أداءات غير معلنة لا أحد يراقبها. كما أنها تقدم إلى بعض الفئات من المواطنين في شكل "هبات رئاسية". ولم تؤد هذه "الصدقات" إلى تغيير جوهري في واقع الجهات المحظوظة.
ولم تشهد العلاقة بين المدن والأرياف أي تحسن جوهري في عهد بن علي. فالمدينة لا تزال "تنهب" الريف. فهو يعطيها الحبوب والغلال والخضر والمياه وهي لا تعطيه أي شيء تقريبا. فمعظم المصانع الغذائية تقام في المدن وأبناء الريف وبناته محكوم على معظمهم بالبطالة. والقروض موجهة أساسا إلى دعم الفلاحين الكبار بينما الفقراء والصغار من الفلاحين يحصلون على قروض بؤس تستغلها البنوك لنهبهم. كما أن الاعتمادات المخصصة للأرياف سواء في مجال التعليم أو الصحة هي دون حاجاتهم بكثير. فأعلى نسب الأمية بالأرياف (40,6% مقابل 18,8% بالوسط الحضري) وأدنى نسب تواجد الأطباء والمصحات والمستشفيات بالأرياف ولا وجود لدور ثقافة أو قاعات سينما أو فضاءات مسرحية في أرياف تونس. وكذلك خدمات النقل والاتصال فهي شحيحة. ومن بين 238643 مسكنا غير مرتبط بالشبكة الكهربائية يوجد 158.553 بالريف. وعلى 659.623 مسكنا غير مرتبط بشبكة توزيع المياه يوجد 511.002 مسكنا بالريف ولا يوجد سوى 3109 من المساكن بالريف مرتبطة بشبكة التطهير. فأين ذهبت أموال الشعب خلال الخمسين سنة تقريبا من حكم حزب الدستور؟ ولا يجد أبناء الريف من مخرج سوى النزوح إلى المدن أو الهجرة إلى الخارج بحثا عن لقمة العيش. وقد تفاقمت هذه الظاهرة في عهد بن علي مما أصبح يهدد الأرياف التونسية بالانهيار.
ويمثل تعمق الاختلال بين الأحياء الغنية والأحياء الفقيرة في المدن إحدى نتائج اختيارات بن علي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومن لا يمكنه أن يلاحظ الاختلال المتفاقم بين هذين النوعين من الأحياء سواء كان ذلك في العاصمة أو في مدن تونس الأخرى؟ ويشمل هذا الاختلال كافة المجالات. فالعناية بالنظافة والتطهير والإنارة والمرافق الخاصة بالصحة والتعليم والرياضة والثقافة والأطفال لا تقارن. فأهم الاعتمادات على مستوى الحكومة والولايات والبلديات توجه إلى الأحياء الغنية على حساب الأحياء الفقيرة وهو ما زاد في تدهور ظروف سكانها الذين يعرفون أعلى نسب الأمية في المدن وكذلك الانقطاع عن الدراسة والبطالة والفقر والجريمة والمرض والهجرة إلى الخارج. ويكفي المرء أن يقارن الوضع بحي التضامن أو الملاسين أو الزهروني بالوضع بميتيال فيل أو قرطاج أو قمرت.
خامسا: تفاقم الجريمة والأمراض النفسية والعقلية وتأزم القيم
تفاقمت الجريمة في عهد بن علي بشكل مفزع. فالسرقة والنشل والاعتداء بالعنف والاغتصاب والاتجار بالمخدرات والتمعش من البغاء والقتل أصبحت ظواهر منتشرة في كافة أنحاء البلاد وخاصة في العاصمة وفي غيرها من المدن الكبرى. وهو ما جعل المواطن يفقد الأمن والأمان رغم العدد المهول من أعوان البوليس (واحد لكل 70 أو 80 مواطنا) المشغول بحماية حكم بن علي وحاشيته أكثر من حماية المواطن العادي. ولا تزال الحكومة تخفي الحقائق حول هذا الموضوع بعدم نشر الأرقام والإحصائيات للعموم. وتكفي الإشارة في هذا المجال إلى التطور المهول في عدد القضايا الواردة على المحاكم في السنوات الأخيرة. ففي السنة القضائية 1998-1999 مثلا بلغ عدد تلك القضايا 1.756.482 وقد ارتفع في السنة القضائية الأخيرة 2003-2004 إلى 2.158.492 قضية أي بزيادة 402.010 قضية. كما أنها ترفض الخوض في أسباب تفاقم الجريمة لإخفاء مسؤوليتها في ذلك وخاصة مسؤوليتها في انتشار البطالة والفقر والتهميش في نفس الوقت الذي تنتشر فيه قيم الربح السهل والسريع وتتفاقم العقلية الاستهلاكية وتختزل قيمة الفرد فيما يملك. وعوض البحث عن الحلول الجدية لمواجهة هذه الظاهرة المفزعة بمعالجة الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية اختارت السلطة حلا واحدا وهو الحل الأمني الذي فشل فشلا ذريعا في الحد من الجريمة فما بالك بالقضاء عليها. والأخطر من ذلك أن العديد من أعوان الأمن وجدوا في الجريمة مجالا للاستثراء سواء بالمشاركة المباشرة في العصابات أو في توفير الحماية لها مقابل أتاوات أو بالحصول على رشاو مقابل طمس آثار الجريمة.
ومن جهة أخرى تفاقمت الأمراض النفسية والعقلية في المجتمع التونسي خلال 17 سنة هذه من حكم بن علي. فقد تكاثر رواد المستشفيات والمصحات النفسية والعصبية. وفي هذا الشأن نشرت إحدى الجرائد (الصباح 26 جوان 1998) إحصاء يشير إلى أن مستشفى الرازي سجل خلال العشرية 88/98 توافد 7 آلاف حالة جديدة كل سنة. ولا نخال هذه النسبة إلا في ازدياد منذ ذلك الوقت. وقد كان من نتائج هذا الوضع تطور ظاهرة الانتحار في بلادنا. فلا يكاد يمر يوم دون أن تنشر إحدى الصحف خبر انتحار في هذه الجهة أو تلك لهذا السبب أو ذاك. وليس خافيا أن تفاقم الأمراض النفسية والعقلية يعود بالأساس إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية التي يواجهها التونسيون والتي تحرمهم من تحقيق التوازن في حياتهم ومن تحقيق طموحاتهم وهو ما يوقعهم في اليأس والإحباط.
ويواجه المجتمع التونسي أزمة قيمية لا سابق لها. إذ ما انفكت تتطور فيه قيم الفردانية و"تدبير الراس" على حساب قيم التضامن والتآزر التي دمرها المناخ الاقتصادي والاجتماعي من جهة والقمع السياسي من جهة أخرى. كما تطورت قيم العبودية بما تعنيه من خنوع وذل أمام الحاكم واستسلام لـ"الأقدار" وهي نتاج طبيعي لـ"ثقافة الرعية" التي تروجها الآلة الدعائية للدكتاتورية. كما تنتشر في المجتمع قيم الكذب والغش والوشاية والانتهازية في العلاقات بين الناس بما فيه في صلب العائلة وخارجها، وهذا أمر طبيعي في مجتمع تعد فيه الصراحة والجرأة والإصداع بالحق والحقيقة جريمة يعاقب عليها صاحبها وينكل به باعتباره "ناكرا للجميل" وهو أمر طبيعي أيضا في مجتمع أصبحت فيه مواصفات الشخص الناجح تكمن في مدى قدرته على التحيّل والنهب. ولا يختلف اثنان في ما أصاب السلوك العام من بذاءة لا نجد لها مثيلا في كافة الأقطار العربية إن لم نقل العالم. فلغة الشبان والكهول على حد السواء بل الأطفال أيضا تلوثت بشكل خطير حتى كاد يتعذر على أفراد العائلة الواحدة السير مع بعضهم في الشارع حيث تروج أوسخ لغة. إن هذا الواقع القيمي الأخلاقي المتدهور هو الابن الشرعي للمناخ الاقتصادي والاجتماعي الذي عمقه بن علي وهو مناخ الرأسمالية الليبيرالية المتوحشة المؤسسة على النهب وعلى مبدأ "حوت ياكل حوت وقليل الجهد يموت"، ولنمط الحكم الدكتاتوري البوليسي الذي أرساه إذ لا جدال في أن الحرية من جهة والعدالة الاجتماعية من جهة ثانية هما العاملان اللذان يغذيان لدى المجتمعات المتقدمة حقا القيم النبيلة التي تشجع أعضاء هذه المجتمعات ليس على الخلق والإبداع فحسب بل كذلك على الصدق والجرأة والنزاهة وروح المسؤولية واحترام الآخرين.
ومن الملاحظ أن نظام بن علي الذي لم يعد بإمكانه التغطية على ما بلغته العلاقات الاجتماعية من تعفن على المستوى القيمي والأخلاقي لم يجد من مخرج مرة أخرى سوى القمع إذ شن البوليس هذه السنة، بمناسبة صدور قانون بعنوان "حماية الأخلاق، حملة شرسة على الشبان خاصة وقع استغلالها لانتهاك الحرية الشخصية للعديد من الناس إذ أصبح تواجد رجل وامرأة في الشارع أو بالمقهى أو بالمطعم محل شبهة، بل الأنكى من ذلك أن هذه الحملة استغلت من قبل أعوان الأمن لابتزاز المواطنين.
سادسا: الشباب والنساء ضحايا نظام بن علي
- الشباب يكتوي بنار جحيم السابع من نوفمبر
يمثل الشباب ضحية أساسية من ضحايا نظام بن علي رغم كثرة الخطب حول "العناية الموصولة به" بل إن المرء ما أن يطلع على واقع الشباب التونسي حتى يدرك أن هذه الخطب ما هي إلا وسيلة ديماغوجية للتغطية على ذلك الواقع المأساوي. إن البطالة والجريمة والهجرة السرية (الحرقان) والتسكع هي الآفات الأساسية التي جناها الشباب التونسي من حكم بن علي. إن 70% من العاطلين عن العمل تتراوح أعمارهم بين 18 و29 سنة. ويمثل ذوو مستوى التعليم العالي 12,1% من مجموع أولئك العاطلين بينما يمثّل حاملو الشهادات العليا 6,3%. ولا يملك هؤلاء الشباب أية فرصة أخرى لتحقيق استقلاليتهم في أي مستوى من المستويات. وتعج السجون التونسية بالشباب (من الجنسين) الذي انخرط في الجريمة بمختلف أنواعها: السرقة والاتجار بالمخدرات واستهلاكها والاعتداء بالعنف والاغتصاب والقتل والبغاء. ولا يكاد يمر يوم في تونس دون أن تنشر وسائل الإعلام خبرا عن إيقاف أو غرق مجموعة من الشبان الفارين من جحيم "جنة بن علي" معرضين أنفسهم لشتى المخاطر بما فيها الموت عساهم يصلون إلى إحدى البلدان الأوروبية بحثا عن مورد رزق أضاعوا سنين في البحث عنه في بلدهم دون جدوى. ولا يجد الشباب أية إمكانية للتعبير عن آرائه بل إنه مرغم على الصمت وعلى استهلاك أنماط من الثقافة الهابطة. كما أنه محروم من تأسيس الجمعيات والمنظمات للدفاع عن حقوقه الأساسية وطموحاته المشروعة. وهو معرض باستمرار لعسف البوليس الذي يرى في الشاب خطرا دائما على النظام العام ينبغي تدجينه وإذلاله. وقد تعرّض الآلاف من الشبان من مختلف النزعات الفكرية والسياسية في عهد بن علي للاعتقال والتعذيب الوحشي والمحاكمات الجائرة بسبب انتمائهم إلى تنظيم سياسي أو بسبب قيامهم بأنشطة فكرية ونقابية أو سياسية. ولا يسهم الشباب التونسي بأي شكل من الأشكال في إدارة الشؤون العامة. وما دام الأمر يتعلق هذه المرة بالانتخابات فإن الغالبية العظمى ليست مسجلة بالقائمات الانتخابية ولا تحصل على "بطاقة ناخب".
- النساء: توظيف رخيص لطمس واقع مهين
منذ وصوله إلى السلطة في مطلع التسعينات، استخدم بن علي قضية المرأة وسيلة لتلميع صورة نظامه الدكتاتوري بالخارج وإظهاره بمظهر النظام "العصري" و"التقدمي". ولم تتورع الدعاية الرسمية عن الادعاء بأن "مكاسب المرأة التونسية تحسدها عليها حتى نساء الدول المتقدمة". وكما هو الحال في المجالات الأخرى فإن هذه الدعاية لا تعكس حقيقة واقع النساء في تونس اللواتي يمثلن أحد أهم ضحايا الدكتاتورية النوفمبرية في كافة الميادين. وليس أدل على ذلك من الأرقام والمعطيات. فوضع المرأة في الشغل لم يتغير جوهريا عما كان عليه في عهد بورقيبة. إن من بين كل 4 نساء في سن الشغل لا نجد سوى واحدة تعمل. وإن نسبة النشيطات إلى النشطاء من الرجال هي 1 مقابل 3 (24,6% للنساء مقابل 75,4% للرجال) أي أن الفجوة بين النساء والرجال في مجال الشغل تبلغ 50,8%. كما أن النساء العاملات لا يزلن يشتغلن في القطاعات التقليدية كالنسيج والفلاحة والتمريض وهن لا يشغلن سوى 19% من الخطط الوظيفية في الوظيفة العمومية. بل إن 3,8% منهن فقط لهن خطة مديرة عامة و8,91% خطة مديرة و 17,8% خطة رئيسة مصلحة. أي أن تونس لا تزال بعيدة كل البعد عن تحقيق المساواة في ميدان الشغل. ولم يتحذ نظام بن علي أي إجراءات لتحسين مكوقع النساء في مجال التسيير كما هو الحال في العديد من بلدان العالم التي أصبحت تتبع مبدأ التمييز الإيجابي. وتمثل المرأة العاملة في ظروف اليوم ضحية أساسية للطرد التعسفي بما في ذلك بسبب الحمل ولسوء المعاملة إذ أصبحت الاعتداءات الجنسية على العاملات، خاصة في قطاع النسيج أمرا معروفا لدى القاصي والداني. كما أنهنّ الأكثر عرضة للحرمان من ممارسة الحق النقابي. ولا تزال الأمية منتشرة كثيرا في صفوف النساء. فهي تشمل إلى حد عام 1999 تاريخ آخر مسح حول السكان والتشغيل 36,6% مقابل 17,7% للذكور ونسبة أمية وطنية بـ27%. وترتفع نسبة الأمية في صفوف النساء في الأرياف إلى 54,5% في الوسط الغربي و48,2% في الشمال الغربي ولا نعتقد أن في ذلك مفخرة للنظام الدستوري بعد حوالي نصف قرن من "الاستقلال". أما في الحياة العامة فإن للمرأة مكانة دونية شكلا ومضمونا. فحضورها في المؤسسات الرسمية التي يسيطر عليها الحزب الحاكم سيطرة مطلقة لا تتجاوز 11% في مجلس النواب بعد انتخابات 1999 مما يعني فجوة بين الجنسين بـ77%، و20,6% بالمجالس البلدية مقابل 79,4% للرجال أي بفجوة تقدر بـ59,2% و8,4% بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي أي بفجوة 83,2% و 13,3% بالمجلس الأعلى للقضاء أي بفجوة تبلغ 73,4%. أما بالنسبة إلى الحكومة فتوجد وزيرة واحدة (وزيرة المرأة). وينتمي كل الولاة إلى صنف الرجال. وفي خصوص المنظمات الوطنية لا يوجد أي عنصر نسائي بالمكاتب التنفيذية لاتحاد الصناعة والتجارة والاتحاد الوطني للفلاحين وهما المنظمتان الخاضعتان تماما للحزب الحاكم. ولا يوجد أي عنصر نسائي بالمكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل المتذيل للدكتاتورية النوفمبرية.
ومن المعلوم أن النساء الموجودات في المؤسسات "التمثيلية" أو الحكومة ليس لهن أي دور في صياغة السياسة العامة أو المتعلقة منها بالمرأة. فوجودهن صوري ولا يذكر أحد أن نائبة من الحزب الحاكم في البرلمان بادرت يوما ما بتقديم مشروع قانون لتحسين وضع النساء في تونس. إنهن يكرسن سياسة بن علي المعادية للشعب عامة وللنساء خصوصا. فما أبعد هذا الواقع عما يجري من إصلاحات في أكثر من بلد في العالم من أجل إقرار المساواة في التمثيلية عن طريق إقرار مبدأ التناصف. وتحرم السلطة باقي النساء من ممارسة حقوقهن وتقمع النشيطات منهن بشكل وحشي فتعرضهن للإيقاف والتعذيب والسجن كما تعرض أطفالهن للترهيب والتنكيل وممتلكاتهن أو مكاتبهن، إن كن يشغلن أعمالا حرة، للنهب والتخريب.
أما بالنسبة إلى المكاسب القانونية التي تقيم الدكتاتورية حولها الدنيا فإنها على محدوديتها بشكل عام لم تشهد تطورا ملحوظا في عهد بن علي. فإذا كانت مجلة الأحوال الشخصية الصادرة عام 1956 قد حسمت بعض المسائل لفائدة المرأة وهي أساسا منع تعدد الزوجات وإعطاء المرأة حق الطلاق وإقرار مبدأ التبني فإن بن علي عجز، بعد 38 سنة من صدور تلك المجلة من حسم ما تبقى من مسائل أساسية تكرس التمييز وهي تهم إدارة شؤون العائلة التي لا تزال في الأساس مسؤولية الرجل والإرث والولاية على الأطفال والأطفال من خارج الزواج. إن ما قام به بن علي من إصلاحات مزعومة في هذا المجال ظلت جزئية، بل شكلية وذات أغراض دعائية ليس إلا، مع العلم أن هذه الإصلاحات لم تشمل نص الدستور الذي لا يوجد فيه فصل ينص صراحة على المساواة بين الجنسين. وإلى ذلك فلا أحد يمكنه أن ينكر ما بلغته الأسرة في عهد بن علي من تفكك بسبب تفاقم المشاكل الاجتماعية والنفسية والقيمية التي زادت التوترات العائلية حدة مما فاقم ظاهرة الطلاق (10592 طلاقا في عام 2001 مقابل 9127 عام 97) والعنف العائلي وإهمال العيال. بل إننا أصبحنا نلاحظ تزايد عدد أرباب العائلات الذين يتركون منازلهم إلى وجهة غير معلومة. واحتدت ظاهرة العزوبية، ففيما بين 1984 و1994 مثلا ارتفعت العزوبية في صفوف البالغات ما بين 25 و29 سنة من 25% إلى 38%، والبالغات من 30 إلى 34 من 10% إلى 18%. أما في صفوف الرجال وخلال نفس الفترة ارتفعت العزوبية من 52% إلى 71% ومن 18% إلى 31%. كما تفاقمت ظاهرة البغاء بشكل مفزع لتشمل "حريفات" جددا من أوساط مختلفة. إن مناخ اقتصاد السوق وما نجم عنه من بطالة وفقر وتهميش من جهة ورغبة في التمتع بـ"نعيم مجتمع الاستهلاك" ومن فراغ روحي ونفسي واختلال من جهة ثانية قد أدى إلى تفاقم تبضيع جسد المرأة وخلق "سوق للذة" تستغلها وحوش آدمية للإثراء على حساب كرامة النساء. ولا تزال وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة تقدم صورة مهينة للمرأة سواء في الإعلانات الإشهارية أو المسلسلات أو المقالات.
هذه أوضاع النساء في ظل حكم بن علي. وهي تؤكد حقيقة أن المرأة لا يمكنها أن تكون حرة في مجتمع ليست فيه حرية لجميع المواطنين.

ث – في المجال الثقافي: تصحر لا سابق له
أما في المجال الثقافي فإن أصحّ ما وصفت به الحالة في تونس هو التصحر. فقد قضى بن علي خلال السبع عشرة سنة من حكمه على تلك النواتات التي أفرزتها في أواخر العهد البورقيبي نضالات الستينات والسبعينات، مبشرة بنهضة فكرية وثقافية واعدة. وقد تظافر عاملان اثنان للقضاء على تلك النواتات وإحداث التصحر المذكور. فالعامل الأول اقتصادي وهو هيمنة قيم السوق على الساحة الثقافية وهو ما حول النشاط الثقافي إلى نشاط سلعي – استهلاكي مفتوح لـ"مافيا الثقافة" الباحثة عن الربح على حساب حاجات المواطن. أما العامل الثاني فهو سياسي يتمثل في استعمال السلطة سلاحي القمع والإفساد المنهجي لضرب حرية الفكر والإبداع. وقد أدى تظافر هذين العاملين إلى هيمنة نمط من الثقافة-البضاعة الهابطة التي ليس لها من هدف سوى اغتيال العقل وتجريم الفكر الحر النقدي وقتل الذوق ومخاطبة البطن والنصف الأسفل ونشر روح الخنوع والتمسح على أقدام الدكتاتور. فما هي إلا بضع سنوات حتى فقدت تونس نواة مفكريها ومثقفيها المستقلين الذين إما أنهم قبلوا خدمة الأمير وتحولوا إلى أداة بيده لقمع حرية الفكر والثقافة أو أنهم لاذوا بالصمت وكفوا عن الاهتمام بالشأن العام وانغمسوا في مجالات لا صلة لها بواقع اليوم أو بواقع البلاد. فهيمنت على الساحة الفكرية فئة من المرتزقة المحليين والأجانب الذين سخّروا قلمهم للتسبيح بحمد الأمير وإبراز "مناقبه" وتعداد أفضاله على "البلاد والعباد". كما طغى على الساحة الأدبية، أدب بلا ألياف وبلا روح، يمتدح الأمير أو يغرق في الإسفاف والتقليد أو التصوّف السلبي. وفي هذا السياق تحول اتحاد الكتّاب التونسيين إلى أداة بيد الدكتاتورية يدعمها سياسيا ويؤيد قمعها لحرية الإبداع ويدافع عنها في الداخل والخارج ويراقب الكتّاب والمبدعين الأحرار ويشي بهم إلى السلطة. وهو ما أدّى بعدد من الكتاب والشعراء إلى تكوين رابطة الكتاب الأحرار التي ما انفكت تتعرض للحصار والقمع.
وفقدت حركة نوادي السينما والسينمائيين الهواة ذات التاريخ المجيد مكانتها بحكم القمع والضغوط المادية ناهيك أن وزير الثقافة الحالي مثلا لم يتورع عن إيقاف المنحة المخصصة لجامعة نوادي السينما لعامي 2003 و 2004 طالبا عزل رئيس الجامعة ليأذن بصرف تلك المنحة لا لشيء إلا لأنه ينتمي إلى الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وتجرأ على توجيه بعض النقد لنشاط الوزارة بصورة غير مباشرة (عن طريق أحد النواب!!). وقد استعملت السلطة مسألة الدعم أيضا لتسليط ضغوط شتى على المبدعين في مجالي المسرح والسينما في محاولة منها لإخضاعهم لتوجهاتها الرجعية وصرفهم عن معالجة قضايا مجتمعهم وقضايا الإنسانية عامة في إنتاجهم. كما أنها دجنت هياكلهم الممثلة وحرمتهم من أدوات تعبر عن مشاغلهم وتدافع عن مطالبهم وطموحاتهم.
وإلى ذلك اندثرت أو تكاد المجموعات الفنية الباحثة عن الجديد المرتبط بهموم الشعب وهيمن على الساحة الفنية الفن الهابط وليس أدل على هذا الواقع مما وصلت إليه المهرجانات الصيفية وعلى رأسها مهرجان قرطاج من إسفاف وضحالة خاصة بعد أن امتدت يد "المافيا" إليها لتكديس الربح على حساب المواطن المغبون.
وعلى صعيد آخر اشتدت الرقابة في عهد بن علي على حركة النشر بالداخل وعلى استيراد الكتب والمنشورات من الخارج مما أدى إلى وضع شاذ في تاريخ البلاد إذ أن البوليس هو الذي أصبح يحدد للتونسي ما يقرأ وما لا يقرأ. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن 31 كتابا تعرض للمنع في العشر سنوات الأخيرة. كما رفضت السلطات منح بعض المثقفين تأشيرة إصدار مجلات فكرية. وهي تضرب قيودا شديدة على دخول الكتب والمجلات إلى تونس. إن عون الديوانة أو عون البوليس بالموانئ البحرية والمطارات أصبح همه مراقبة ما يتسرب إلى البلاد من كتب ومنشورات قد تحمل نقدا لنظام بن علي أكثر من مراقبة ما يخرج منها من أموال مهربة أو يدخلها من مخدرات وممنوعات أخرى يحظى مهربوها بحماية ما في هذا المستوى أو ذاك من مستويات السلطة. وقد تحوّل معرض تونس الدولي للكتاب إلى مجرد تظاهرة فارغة يشرف عليها البوليس مباشرة وهو ما أفقده الإشعاع الذي كان يتمتع به في وقت من الأوقات.
وخلاصة القول أن النظام البوليسي لبن علي لم يطور في نهاية الأمر إلا الثقافة التي تناسبه، ثقافة المديح والولاء من جهة وثقافة الإسفاف التي تخاطب الغرائز من جهة ثانية. وبالطبع لا يمكن للمرء أن ينتظر من نظام كهذا أن يطور ثقافة تخاطب العقل وتنمي الملكات النقدية للناس وترتقي بأذواقهم وتحررهم من الجهل والظلام وعقلية القطيع.
ج – في المجال البيئي: تفاقم المخاطر على الإنسان والطبيعة
أما في المجال البيئي فقد تدهورت الحالة بشكل أصبح يهدد مصير التونسيين والتونسيات. إن مدنا ومناطق بأكملها مثل صفاقس وقابس وبنزرت وأحياء بأكملها مثل حي التضامن والملاسين وغيرهما بتونس أصبحت مرادفا للتلوث بما يعني ذلك من انعكاسات خطيرة على صحة البشر والحيوان والنبات لأنه يلوّث الماء والهواء والتربة. وتعود أسباب هذا التلوث إلى المصانع التي لا يراعي فيها إلا شروط الربح. وتكفي هنا الإشارة إلى بعض الأرقام المفزعة: إن الفليور الملوث التي تفرزها شركة السياب بصفاقس مثلا يتجاوز فيها تلوث الفليور النسبة المسموح بها بنحو 249 مرة والفسفور 12240 مرة، والكادينوم 620 مرة. أم عن تلوث الماء بمواد فليور الكالسيوم والبخارة والآمونياك وتحويل الفسفاط بقابس فحدّث ولا حرج. كما يعود إلى المياه المستعملة التي لا تشملها شبكة ديوان التطهير وتصب مباشرة في المائدة المائية، والفضلات الاستشفائية وفضلات عديد المصانع المتفرقة ومصبات الأوساخ البلدية، وغازات أسطول النقل المتقادم. وقد تولد عن كل هذه الأوضاع انتشار العديد من الأمراض. فحالات السرطان تتزايد في بلادنا وكذلك أمراض الجهاز التنفسي وغيرها.
ورغم خطورة هذه الأوضاع فإن السلطات لا تزال تتخفى عليها. ولا نخال سلوكها سيتغير مع الفوضى الاقتصادية السائدة حاليا وما يقدم من تسهيلات لأصحاب رأس المال وما يقدمه هؤلاء من رشاوي إلى المسؤولين للحصول على ما يريدونه من رخص.
ومن المشاكل البيئية المتزايدة التي أصبحت في السنوات الأخيرة حديث كل الناس المواد الكيمياوية التي تستخدم في إنتاج الحبوب والخضر والغلال. إن المواطن لا يعرف شيئا عن هذه المواد لأن الدولة لا تقدم له أية معلومات. ولكنه يعيش تأثيراتها في شكل أمراض مختلفة تصيب الصغار والكبار على حد السواء. وكما هو الأمر في كافة المجالات تمنع الدكتاتورية قيام جمعيات أو منظمات مستقلة تعنى بهذه الأمور وترشد المواطنين وتعبئهم ضد المخاطر التي تتهددهم وتقترح الحلول لمشاكلهم. لقد بينت الفياضانات التي حصلت في السنتين الأخيرتين وشملت مناطق من الشمال الغربي (بوسالم خاصة) وأخرى قريبة من تونس (الجديدة، طبربة…) غياب أي حماية للمواطنين بهذه المناطق من مثل تلك الكوارث رغم معرفة الدولة بإمكانية حدوثها. ولم تجرم الدولة في عدم توفير الحماية اللازمة للمواطنين فقط بل إنها أجرمت في حقهم أيضا عند حصول تلك الكوارث إذ أنها أولا: تكتمت عليها ومنعت وسائل الإعلام من نقل الحقيقة إلى المواطنين. وثانيا لم تعلن المناطق المتضررة مناطق منكوبة كما تجري به الحال في بلدان الدنيا لإخفاء الأضرار واجتناب أن يتساءل المواطن عن حقيقة الأسباب ويطالب بفتح تحقيقات وتحديد المسؤوليات. وثالثا: لم تتورع عن منع بعض هيئات المجتمع المدني المستقلة لا من الاطلاع على الأوضاع فحسب بل ومن التضامن مع المتضررين أيضا. رابعا: لم تتورع أيضا عن استخدام القمع لمواجهة احتجاج العائلات المنكوبة.
ح – في المجال الرياضي: استشراء الفساد والعنف والتوظيف السياسي الرخيص
وفي مجال الرياضة حصل ما حصل في كافة المجالات الأخرى من فساد وإفساد. فقد تحولت الرياضة أكثر من أي وقت مضى إلى امتياز لنخبة من العناصر ومصدر لكسب الربح ووسيلة للتخدير وتلهية الناس وخاصة الشبان منهم عن قضاياهم الأساسية وتغذية للنعرات الجهوية وروح "الهوليغانز" التي أدت في أكثر من مرة إلى سقوط موتى وجرحى (مثال باجة قبل 3 أو أربع سنوات) وللدعاية السياسية السخيفة. فالسلطة لا تتوانى عن صرف المليارات على بعض الرياضات النخبوية بحثا عن النتائج لتوظفها لتحسين صورة بن علي ونظامه البوليسي لدى عامة الناس. وقد تسللت المافيا إلى قيادات الجمعيات الرياضية التي أهملت الرياضة النسائية والرياضات الفردية وركزت نشاطها على كرة القدم فأصبحت تمارس النهب بعنوان "تجميع المساعدات" وتصفي الجمعيات والنوادي الصغيرة وتسد أمامها فرص النمو والتطور وتمارس التخويف والإرشاء لكسب النتائج. ونتيجة لكل ذلك ضمرت الرياضة المدرسية والجامعية والرياضة في المؤسسات وانحسرت تدريجيا الفرص المتاحة أمام عامة الناس لممارسة الرياضة إلا من كان منهم مستعدا لدفع المال لأصحاب القاعات والنوادي. وقد عمدت السلطة لتحقيق سيطرتها على الميدان الرياضي وخاصة على كرة القدم (اللعبة الأكثر شعبية) إلى استعمال المال العام لإخضاع الجمعيات والنوادي لنفوذ بن علي. كما أنها عمدت إلى القضاء على بدايات مقرطة الحياة الداخلية للجمعيات والنوادي والجامعات التي أخضعت بالكامل لسلطات الدولة والحزب الحاكم وألغي فيها مبدأ الانتخاب وأصبح التعيين هو المبدأ السائد حتى لا تفلت أي جمعية أو ناد أو جامعة رياضية من المراقبة وصار من واجبات مسؤولي النوادي التي تعلن السلطة "حرصها" على أن تبقى بعيدة عن "التوظيف السياسي" التسبيح بحمد بن علي في كل كبيرة وصغيرة وإهداء التتويجات له، وتزكية ترشحه في كل مرة. بما فيه هذه المرة التي يتهيّأ فيها لرئاسة مدى الحياة.
وقد زاغ كل هذا بالرياضة عن أهدافها النبيلة. فالمجتمعات الإنسانية المتقدمة تنظر إلى ممارسة الرياضة كحق أساسي من حقوق المواطن دون تمييز بسبب المال أوالجنس وهي تشجّعها باعتبارها وسيلة للحفاظ على صحة أفرادها الجسدية والعقلية (العقل السليم في الجسم السليم) وتمكينهم من قضاء حياة متوازنة فضلا على إنماء قدراتهم على العمل والإنتاج.
خ – في مجال الدين: توظيف المؤسسة الدينية لخدمة الدكتاتورية
لقد استمر بن علي في توظيف الدين والمؤسسة الدينية لخدمة نظامه بشكل سافر رغم كثرة حديثه عن "تحييد المساجد" و"حصر وظيفتها في التعبد" وتركها في منأى عن "التوظيف السياسي". وقد سن في أواخر الثمانينات قانونا في هذا المعنى ولكنه موجه في الأساس ضد الحركة الإسلامية وضد معارضي بن علي عامة حتى يتسنى له احتكار توظيف الدين ويقدم نفسه على أنه "حامي الحمى والدين". فقد استمرت وزارة الشؤون الدينية في تعيين الأئمة كما أنها هي التي تحدد لهم مضمون خطب الجمعة وهي خطب تمجد النظام وتدعو لبن علي وتؤيد بقاءه في الحكم وتشهر بمعارضيه وتكفرهم. كما أصدرت وزارة التربية المنشور المعروف بالمنشور 108 حرّمت فيه ارتداء الخمار في المدارس والكليات. ووقع توسيع تطبيقه إلى كافة المؤسسات العمومية ليتحول بعد ذلك إلى منع شامل في كافة الفضاءات. وقد مثّل ذلك ولا يزال فرصة للبوليس كي يشن حملات ينتهك فيها حرمة التلميذات والطالبات والشغيلات المرتديات للخمار. وفي نفس السياق استغل بن علي الحملة على "التطرف الديني" لإدخال تعديلات في قانون الصحافة وإدماج فقرات في قانون الإرهاب الجديد تنتهك حرية المعتقد وحرية الفكر.
د – في السياسة الخارجية: تبعية للامبريالية وتطبيع مع الكيان الصهيوني
أما على صعيد السياسة الخارجية فإن بن علي ولئن واصل سياسة سلفه الموالية للدول الامبريالية الغربية فقد عمّق هذه التبعية وجعل من تونس أداة من أدوات تنفيذ سياسة تلك الدول في المنطقة. فقد وجدت تونس لأول مرة في تاريخها تكرّس رسميا سياسة التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي سمح له بن علي في بداية التسعينات بفتح مكتب اتصال بالعاصمة. كما سمح بتبادل وفود تجارية وثقافية وغيرها. وقد فعل ذلك إذعانا لواشنطن التي جعلت من التطبيع ركيزة أساسية من ركائز سياستها الشرق أوسطية. ومن الملاحظ أن بن علي انخرط في سياسة التطبيع سرا إذ أن الاعتراف الرسمي بالكيان الصهيوني وتبادل نوع من التمثيل الديبلوماسي معه تم دون علم الرأي العام بل وحتى دون إثارة الموضوع في مجلس النواب رغم ولائه المطلق لبن علي. وقد ظلت وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية تتكتم على الموضوع لمدة طويلة. ولا يجب الاعتقاد أن العلاقة بالكيان الصهيوني انتهت بمجرد غلق مكتب الاتصال إلى سنة 2000 بسبب الضغط الداخلي والعربي جراء الجرائم التي ترتكبها حكومة هذا الكيان على حساب الشعب الفلسطيني منذ انطلاق الانتفاضة الثانية بل إنه متواصل بصورة خفية ويمكن أن يستعيد طابعه الرسمي في كل وقت. وليس أدل على ذلك مما تناقلته وسائل الإعلام أخيرا عن اللقاء "الحميمي" يوم الاثنين 20 سبتمبر وزير الخارجية التونسي بوزير الخارجية "الإسرائيلي" على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد تم التطرق في ذلك اللقاء حسب نفس المصادر إلى إمكانية "إحياء العلاقات الثنائية" و"تنشيط السياحة اليهودية بتونس".
كما ظهرت التبعية التي أغرق فيها بن علي تونس بمناسبة الحرب التي شنها التحالف الامبريالي الأمريكي على العراق في ربيع العام الماضي (2003). فقد كشف وزير الخارجية الأمريكي كولن باول بأن 15 نظاما عربيا وإسلاميا عبّروا لواشنطن عن تأييدهم لتلك الحرب مع طلب عدم ذكر أسمائهم. وقد كان من بينهم حسب الصحافة العالمية نظام بن علي الذي تصرف بوحشية تجاه تحركات التونسيين المناهضة لتلك الحرب والمساندة للشعبين العراقي والفلسطيني. ويعلم الرأي العام في تونس أن بن علي أيد ولا يزال السياسة الأمريكية المجرمة في العراق سواء بشكل مباشر أو من خلال الجامعة العربية التي أكد آخر قرار لمجلسها على ضرورة دعم حكومة العميل إياد علاوي على حساب استقلال الشعب العراقي ومقاومته الباسلة.
وقد أظهر اجتماع القمة العربية المنعقد في غضون هذه السنة في تونس مدى الدور الذي توكله واشنطن لبن علي في الدفاع عن سياساتها الشرق أوسطية ومحاولة فرضها من خلال الجامعة العربية بمعية بعض الأنظمة العميلة الأخرى (تأجيل القمة من جانب واحد، تقديم مشروع قرار يلخص مشروع واشنطن المسمى "مشروع الشرق الأوسط الكبير"…). وقد قبل بن علي أن تكون تونس مركزا إقليميا لمكتب الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية الذي افتتح منذ مدة نشاطه. كما سمح مبدئيا لإذاعة "سوا" الأمريكية بالبثّ من تونس في محاولة للتأثير في الرأي العام التونسي والعربي وكسب تأييده للسياسات الأمريكية الاستعمارية في المنطقة. وتتحدث بعض الصحف التي لها صلة بنظام بن علي على مشروع أمريكي يهدف إلى إقامة قواعد عسكرية في الجنوب التونسي بنية استخدامها للتدخل السريع في القارة الإفريقية. وتلازم السلطات الرسمية الصمت حيال هذا الخبر الذي نشر أكثر من مرة وهو ما يؤكد أنها إما قابلة بذلك المشروع أو هي لا تزال تدرسه.
ومن الواضح أن هدف بن علي من وراء هذه السياسة الموالية للامبريالية هو الحفاظ على نظامه وكسب الدعم السياسي الاقتصادي والأمني والعسكري له وبشكل مباشر أن تغض واشنطن الطرف عن بقائه في الحكم وأن لا تشن عليه الحملة التي شنتها على بعض الدكتاتوريين الآخرين الذين سعت إلى تعويضهم.
هذه نتائج 17 سنة من حكم بن علي: حكم فردي مطلق وتكريس لهيمنة الحزب الواحد (الحزب الدولة) ومصادرة تامة للحريات وإخضاع المواطنين للمراقبة المباشرة وقمع شامل لحقوقهم الأساسية وممارسة منهجية للتعذيب واستنزاف لخيرات البلاد وثرواتها من قبل أقلية مافيوزية محلية وأجنبية وتكثيف استغلال الكادحين ونهبهم ودعم للنفوذ الامبريالي على بلادنا وتواطؤ مع الامبرياليين في عدوانهم على الشعوب العربية وتطبيع مع الكيان الصهيوني. وبمثل هذه النتائج يريد بن علي الاستمرار في الحكم لا لولاية رابعة فحسب بل مدى الحياة.
III. مهزلة 24 أكتوبر تعمق أزمة شرعية النظام
لقد اندرجت انتخابات 24 أكتوبر 2004 في إطار هذا السعي المحموم إلى الحفاظ على نظام بن علي الدكتاتوري البوليسي ضمانا لمصالح الأقلية النهابة والفاسدة المنتفعة من وجوده ومن بقائه. وكما كنا نبهنا إلى ذلك عديد المرات فقد كانت هذه الانتخابات مجرد مهزلة تهدف إلى إضفاء شرعية زائفة على نظام الحكم. فقد افتقدت لأدنى الشروط التي تجعل منها انتخابات حرة تعكس إرادة الشعب وتكرّس سيادته. لقد جرت في إطار المصادرة التامة للحريات والحقوق ومنها بالخصوص حرية التعبير والإعلام وحرية التنظّم فضلا على حرية الترشّح والحق في الاقتراع وهي الحريات والحقوق التي تفقد من دونها العملية الانتخابية كل معنى. كما أنها جرت في نطاق الغياب التام لحياد الإدارة الذي يمثل ضمانة أساسية لنزاهتها ولاستقلالية القضاء التي تضفي عليها المصداقية المطلوبة. فالإدارة خاضعة تماما للحزب الحاكم الذي يسيطر على كافة المسؤوليات فيها مما جعل منه حزبا/دولة. والقضاء تابع تماما للسلطة التنفيذية ليس له من دور سوى إضفاء صبغة قضائية على قراراتها الجائرة. وحتى المجلس الدستوري الذي عهدت إليه مراقبة العملية الانتخابية فجميع أعضائه عيّنهم بن علي سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة ناهيك أن رئيس هذا المجلس، فتحي عبد الناظر، ليس هو إلا مستشار بن علي القانوني طيلة سنوات عُيّن بعدها مباشرة على رأس المجلس المذكور. أما "المرصد الوطني للانتخابات" فكافة أعضائه عينهم بن علي أيضا من بين العناصر الأكثر ولاء له. كما أن بن علي هو الذي اختار بنفسه المراقبين الأجانب الذين لا يوجد من بينهم شخص واحد معروف باستقلاليته ونزاهته ويحظى بحد أدنى من المصداقية. فهم إما من المرتزقة الذين يوزعون شهادات الزور مقابل "العطايا والهدايا" أو من العناصر الرجعية المعروفة بمساندتها للدكتاتوريات ومعاداتها السافرة للحرية والديمقراطية. وإنه لمن المهازل أن تكون الجامعة العربية التي لا يوجد من بين أعضائها دولة ديمقراطية واحدة، "مراقبا لانتخابات بن علي وشاهدا على نزاهتها".
"الانتخابات الرئاسية": ترشحات لـ"معاضدة" بن علي وحملة على القياس
وفي غياب هذه الشروط الدنيا لانتخابات حرة، جاءت العملية الانتخابية ونتائجها لتؤكد طابعها المهزلي الذي تحدثنا عنه. فـ"الانتخابات الرئاسية" التي جرت في إطار التعديل الدستوري الذي سمح لبن علي بالترشّح، بصورة غير شرعية وغير مشروعة، لولاية رابعة تفتح له باب الرئاسة مدى الحياة على مصراعيه، كما سمح له بتعيين "منافسيه" الذين أوكل لهم القيام بدور "التياس"، انحصر الترشّح لها في بن علي وفي محمد بوشيحة الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية ومنير الباجي الأمين العام للحزب التحرري الاجتماعي وكان كلاهما قد زكّى التعديل الدستوري المذكور ومحمد علي الحلواني رئيس المجلس الوطني لـ"حركة التجديد" الذي تقدم باسم "المبادرة الديمقراطية" التي ضمت الحركة المذكورة ومجموعة من العناصر المستقلة إضافة إلى جماعة "الشيوعيين الديمقراطيين". وقد خيرت حركة الديمقراطيين الاشتراكيين بزعامة إسماعيل بولحية "ترشيح الرئيس بن علي". كما قرر "الاتحاد الديمقراطي الوحدوي" من جهته "مساندة ترشح الرئيس بن علي". وفي ما عدا ذلك أغلق باب الترشّح أمام الشخصيات المستقلة حقا عن السلطة والمعارضة لها. فالقانون الانتخابي يشترط الحصول على توقيع 30 نائبا في البرلمان أو 30 رئيس بلدية للترشح للرئاسة. وبما أن كافة رؤساء البلديات من الحزب الحاكم وأعضاء مجلس النواب إما أنهم من الحزب الحاكم (80%) أو من أحزاب الديكور (20%) فإن أيا منهم لا يجرؤ على إعطاء توقيعه لمرشح لا ترضى عليه السلطة، وهو ما حصل للأمين العام للحزب الديمقراطي التقدمي مثلا الذي حاول الترشّح ولكنه لم يحصل على أي توقيع. فحتى النواب الخمسة لـ"حركة التجديد" المنخرطة في "المبادرة الديمقراطية" والتي نادت مبدئيا بحق الأحزاب الأخرى في تقديم مرشحين للرئاسة، رفضوا منحه توقيعاتهم. أما الفصل 40 من الدستور المعدّل في سنة 2003 فإن الفقرة التي أضيفت إليه بصورة استثنائية في علاقة بـ"انتخابات" 2004 لا تجيز الترشّح إلا لأحزاب المعارضة المتواجدة في البرلمان على أن يكون مرشحها إما الأمين العام أو أحد أعضاء المكتب السياسي شريطة أن تكون له أقدمية بخمس سنوات. وبما أن الأحزاب التي لها تمثيل في البرلمان مَدينة بذلك لبن علي وليس لصندوق الاقتراع فإن الترشّح للرئاسة انحصر في هذه الحالة أيضا في أحزاب الديكور وفي "حركة التجديد" التي كانت قبل أن تغير نسبيا سياستها في مؤتمر 2001 من بين تلك الأحزاب المؤيدة لبن علي والتي دخلت البرلمان في مهزلتي 1994 و 1999 مكافأة لها على ذلك التأييد وهو أمر يدركه جلّ مناضلي هذه الحركة إدراكا جيدا. وبعبارة أخرى فإن بن علي هو الذي ظل في كل الحالات يتحكم في الترشّح للرئاسة حتى يتلاعب به وفقا لما يخدم مصلحته.
إن حملة "الانتخابات" الرئاسية لم تخرج هي أيضا عن الإطار الذي حددته لها الدكتاتورية. إن الخيط الأساسي الذي قاد مخططي هذه الحملة في القصر وفي وزارة الداخلية هو الحفاظ على الصورة الزائفة لبن علي التي تقدمه عليها الدعاية الرسمية وهي أنه "المرشح الوحيد" الذي يحظى بـ"تأييد كافة فئات الشعب". وهذه الصورة ترمي إلى تحقيق هدفين، الأول تبرير انقلاب بن علي على الدستور وبقائه في الحكم مدى الحياة والثاني تبرير النتائج المزورة التي ستسفر عنها المهزلة الانتخابية. وهو ما يقتضي تجنيبه أي نقد وخاصة النقد الذي يشكك في شرعية ترشحه وفي مصداقية إنجازاته المزعومة كما يقتضي تقزيم منافسيه وإظهارهم إما في مظهر مهزلي أو في مظهر المؤيدين له أو العاجزين عن منافسته. ومن هذا المنطلق عملت السلطة على "تأطير" الحملة "الانتخابية" للرئاسية حتى لا تخرج عن الإطار الذي حدد لها. فخلافا لمقتضيات المجلة الانتخابية التي تنص على مبدأ "المساواة" بين المرشحين، سُخّرت كافة وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية لتمجيد بن علي والثناء عليه والتأكيد على مبايعة الشعب له مسبقا وتقزيم منافسيه. وتكفي هنا الإشارة إلى نتائج الدراسة التي قام بها فريق مختص محايد في إطار مرصد صحفي أشرفت عليه كفاءات دولية تستند إلى معايير علمية دقيقة للوقوف على مدى استهتار السلطات بنص القانون الانتخابي. فقد بينت هذه الدراسة أن بن علي استأثر بـ74% من تغطية شريط الأنباء للحملة الرئاسية. كما أن المرشحين الداعمين له أي محمد بوشيحة ومنير الباجي تمتعا على التوالي بـ12% و13% من تلك التغطية. أما محمد الحلواني الذي أعلن نفسه "المرشح المعارض الوحيد لبن علي" فلم يحظ إلا بـ1% من تلك التغطية (انظر تقرير الفريق)، مع العلم أن الإذاعة والتلفزة لا يتحدثان على مدار السنة في نشراتهما الإخبارية إلا عن بن علي.
وبما أن ما حصل لمحمد بوشيحة ومنير الباجي لا يعنينا كثيرا باعتبارهما قَبِلاَ من المنطلق القيام بدور "التياس" وهو ما جعلهما يشيدان بالظروف التي تمت فيها الحملة الرئاسية، فإننا سنكتفي بالتعرض لما حصل لمرشح "المبادرة الديمقراطية" باعتباره الأكثر دلالة على حقيقة سلوك السلطة. فقد منع محمد الحلواني من توزيع بيانه الانتخابي لأن محتواه لم يُرْضِ القصر. كما عُطِّل صدور المعلقات الحاملة لصورته لمدة ثلاثة أيام بدعوى أنها بالطول بينما المطلوب أن تكون بالعرض. ولم تبث كلمته في التلفزة والتي لم تدم سوى 20 دقيقة بينما دامت كلمة بن علي 75 دقيقة وأعيد بثها عدة مرات، إلا في اليوم الأخير للحملة (الجمعة 22 أكتوبر) وفي الساعة الثانية بعد الزوال أي في وقت لا يتواجد فيه الناس عادة أمام التلفزة. بينما بثت كلمة بقية المترشحين في نشرة الثامنة ليلا الإخبارية، مع العلم أن كلمة الحلواني لم تَحْوِ بحكم الرقابة أي نقد لترشح بن علي وللاستفتاء المزور الذي استند إليه. ولم يعقد الحلواني سوى أربعة اجتماعات بأربع دوائر من بين 26 دائرة وهي دوائر قفصة وصفاقس والمنستير وتونس. ولم تجلب هذه الاجتماعات المواطنين العاديين بل اقتصر فيها الحضور على الوجوه المعروفة بما فيها وجوه كثيرة، خاصة في اجتماع تونس، من أحزاب وتيارات نادت بمقاطعة الانتخابات. وقد حاول أنصار الحلواني الاحتجاج على التضييقات التي تعرض لها فخرج العشرات منهم يوم الخميس 20 أكتوبر إلى شارع بورقيبة وحاولوا التوجه إلى وزارة الداخلية ولكن البوليس الذي كان عدده يفوق عدد المتظاهرين منعهم من ذلك وأرغمهم على الاتجاه نحو مقر "حركة التجديد" بنهج لندرة مرورا بشارع باريس. ومن الملاحظ أنه لا البيان الانتخابي لمرشحي المبادرة في التشريعية ولا كلمات هؤلاء المرشحين في الإذاعة والتلفزة تمكنت من إثارة موضوع الانتخابات الرئاسية ونقد بن علي والطعن في ترشحه. ومن البديهي أن حملة رئاسية في مثل هذه الظروف وبمثل هذا الحجم المحدود جدا غير قادرة على التأثير في مجريات الأمور.
الانتخابات التشريعية: التجمع "يفصّل ويخيط" على مقاسه
أما "الانتخابات التشريعية" فقد أقصيت منها مسبقا الأحزاب غير المعترف بها وآلاف المواطنات والمواطنين المحرومين من حقوقهم المدنية والسياسية بسبب محاكمات الرأي التي تعرضوا لها خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة. كما أن القائمات المستقلة أقصيت مسبقا من قسمة الـ37 مقعدا المخصصة سلفا لـ"المعارضة". لأن هذه المقاعد مخصصة للأحزاب وليس لمثل هذه القائمات. وإلى ذلك فقد أسقطت السلطات خمسا من قائمات الحزب الديمقراطي التقدمي الذي أدرج مشاركته في إطار "احتجاجي". وتهم هذه القائمات دوائر أساسية (تونس 1 و 2 وبن عروس وصفاقس2 وباجة.). وقد استعملت الإدارة طرقا غاية في الخساسة لإسقاط هذه القائمات مما يؤكد أنها لا تتورع عن استعمال التحيل وسيلة للتعامل مع المواطنين دون أن تجد من يحاسبها. فالمجلس الدستوري الذي التجأ إليه الحزب المذكور أعطى الحق للإدارة‍!! كما أسقطت عددا من قائمات "المبادرة الديمقراطية" بالضغط على بعض المرشحين وعلى عائلاتهم وترهيب البعض الآخر وترغيبه (تونس2، نابل، منوبة) أو بتعلات واهية كعدم التنصيص في مطلب الترشّح على مهنة رئيس القائمة والحال أنه قدّم نسخة من بطاقة تعريفه القومية (توزر…) حسب ما جاء في تصريحات مرشحي "المبادرة". وبالمقابل قدمت السلطات كامل العون لأحزاب الديكور الخاضعة لها بالتمام (حركة الديمقراطيين الإشتراكيين، حزب الوحدة الشعبية، الاتحاد الديمقراطي الوحدوي، الحزب الاجتماعي التحرري…) حتى تظهر بمظهر الأحزاب الحاضرة في الساحة السياسية والجديرة بما سيمنح لها من مقاعد في البرلمان ناهيك أن حركة الديمقراطيين الاشتراكيين التي أصبحت ظلا لتلك الحركة التي يعرفها التونسيون والتونسيات في الثمانينات وحزب الوحدة الشعبية الذي يعرف القاصي والداني حقيقة حجمه تقدّما في كافة الدوائر (26 قائمة). كما تقدم الاتحاد الديمقراطي الوحدوي والحزب الاجتماعي التحرري في 23 دائرة!!! وقد استعملت هذه الأحزاب أساليب خسيسة لجمع أعضاء قائماتها الانتخابية وصلت حدّ شراء خدمات بعض المرشحين!
ولم تختلف الحملة الانتخابية للتشريعية عن الحملة الرئاسية فقد استأثر الحزب الحاكم بكافة الفضاءات الإعلامية وقاعات الاجتماعات والأماكن العمومية لترويج "بضاعته" دون أدنى احترام لما جاء في القانون الانتخابي، بينما حُشر "منافسوه" في زاوية ضيقة للقيام بدور الديكور عن وعي أو غير وعي. لقد بينت الدراسة التي أشرنا إليها سابقا أن الجهات الرسمية حزبا وحكومة حُظيت بـ80,45% من التغطية التي قامت بها الإذاعة والتلفزة للحملة الانتخابية وبـ84,62% من التغطية التي قامت بها "الصحافة الوطنية" بينما لم تحظ "المبادرة الديمقراطية" إلا بـ0,74% من التغطية الإذاعية والتلفزية و2,84% من التغطية الصحفية والحزب الديمقراطي التقدمي على التوالي بـ0,07% و1%. وهو ما يبين حقيقة "المعاملة المتساوية" التي ينص عليها القانون. وإلى ذلك فقد حرم الحزب الديمقراطي التقدمي من توزيع بيانه الانتخابي وسُلّطت عليه ضغوط لـ"تعديله" ورغم قبوله في مرة أولى هذا التعديل فقد رفضته وزارة الداخلية قبل الموافقة عليه لكن الحزب كان قرر وقتها العودة إلى الصيغة الأولى لبيانه والتمسك بها. وحرم بعض رؤساء قائماته من الدقائق الإذاعية والتلفزية الخمس التي يكفلها لهم القانون. ولم يكن بوسع مناضلي هذا الحزب عقد اجتماعاتهم الانتخابية بحرية. إن الاجتماعات القليلة التي عقدوها في بعض الجهات تمت تحت المراقبة البوليسية ولم يحضرها سوى عدد قليل من المناضلين المعروفين. وهو ما دفع الحزب إلى الانسحاب من الحملة حتى لا يكون "شاهد زور" على مهزلة معلومة النتائج مسبقا.
أما "المبادرة"/حركة التجديد فلئن سمح لها بتوزيع البيان الانتخابي للتشريعية، وهو بيان مختلف في لهجته ومضمونه عن بيان الرئاسية الذي حجز، فقد حرم أربعة من رؤساء قائماتها من بث كلمتهم في التلفزة (باجة، المنستير، سوسة، سليانة، …) كما أن العديد من هذه القائمات لم يتمكن أصحابها من عقد ولو اجتماع واحد بالمواطنين نتيجة للضغط البوليسي من جهة ولامبالاة المواطنين من جهة ثانية (بنزرت، قفصة، …). وما عقد من اجتماعات لم يضم في أفضل الحالات سوى بضع عشرات من الأنصار لا غير مع العلم أن بعض هذه الاجتماعات أفسده أعوان النظام (أريانة، سليانة، …).
وتجدر الإشارة إلى أنه طوال الحملة الانتخابية لم ينتظم لا بالإذاعة ولا بالتلفزة أي نقاش سياسي حول الانتخابات الرئاسية والتشريعية يواجه بين مختلف المواقف والأطراف. لقد كانت كل الحصص والملفات المقدمة تمجد بشكل وقح بن علي وحزبه "المؤمّن على التغيير". وقد كانت فرصة لبعض الوجوه المأجورة كي تتسابق في التملق و"التلحيس" ضمانا لبعض الامتيازات التي تتلقاها في شكل رشوة سياسية أو مادية. ولقد كان واضحا أيضا تواطؤ الأحزاب الإدارية مع القصر إذ أنها كانت راضية على "سير الحملة" و"حياد الإدارة"، قانعة بما توفر لها. وبطبيعة الحال فإن سلوكها هذا نابع من دور الديكور الموكول لها مقابل ما ستحصل عليه من مقاعد في البرلمان.
الاقتراع: "حاميها حراميها"
أما عملية الاقتراع التي تمت يوم 24 أكتوبر فحدّث ولا حرج. فقد أقصي منها مسبقا ما يزيد عن المليوني ناخبا لعدم تسجيل أسمائهم باعتبار أن الترسيم في القائمات الانتخابية في تونس ليس آليا. وكانت المكاتب التي يقارب عددها الـ13 ألف مكتبا تحت مراقبة أعوان الإدارة الموالين كما هو معلوم لبن علي وحزبه. وعلى ما يبدو فقد تكون بعض الأحزاب الإدارية تواطأت مع القصر حتى لا يحضر عنها أي مراقب. لقد أكد مَصْدر من أحد الأحزاب الإدارية أن المسؤول الأول عن الحزب أعطى تعليماته حتى لا تقدم قائمات المراقبين في الوقت القانوني لترفضها الإدارة فلا يحضر عن الحزب أي مراقب. كما أن المبادرة/التجديد أكدت أن السلطات رفضت قائمة الملاحظين التي قدمتها في "الآجال القانونية بدعوى أنها وصلت بعد إغلاق الإدارة في الساعة الثانية ظهرا. والحال أن نفس المصالح أعلمت عددا من رؤساء القائمات أن آخر أجل هو منتصف الليل تطبيقا للمجلة الانتخابية". وبطبيعة الحال فحتى لو قبلت قائمة الملاحظين هذه فإنها لن تكون قادرة إلا على تغطية النزر القليل من المكاتب لكثرتها. وبعبارة أخرى فقد كان الحزب الحاكم "اللاعب الوحيد" تقريبا في جل مكاتب الاقتراع. فقد كان الاقتراع يتم تحت عيون أعوان الإدارة من عمد وبوليس ومخبرين وأعضاء شعب. وفي حالة كهذه لم يكن من الضروري أخذ كافة الأوراق ودخول الخلوة. فقد كان الناخب العادي يأخذ الورقة الحمراء ويضعها في الصندوق خوفا من "العاقبة". كما تفاقمت هذه المرة ظاهرة التصويت بـ"النيابة". فقد كان البعض يصوّت نيابة عن أفراد عائلته وأقاربه وحتى جيرانه. ولكن أهم ما حصل هو بالطبع حشو صناديق الاقتراع في آخر وقت بالورقة الحمراء والتصويت نيابة عن ملايين المتغيبين. وقد تمت هذه العملية في بعض المكاتب بوقاحة لا توصف إذ لم يتورع المشرفون على هذه المكاتب عن حشو الصناديق بالورقة الحمراء أمام بعض مرشحي المعارضة (أريانة بحضور مرشح المبادرة). وفي حالات أخرى أخرج بعض الناخبين بالقوة لتتم العملية "في السر". وأخيرا وليس آخرا لم تتم عملية الفرز بصورة علنية وبحضور الملاحظين والمرشحين ومن يرغب من الناخبين كما ينص على ذلك القانون الانتخابي، بل تمت في السر لتتلاعب الإدارة بالأصوات وبالنسب كما يحلو لها. وقد كان التنافس على أشده بين أعوان السلطة لإظهار الولاء وفق لمبدأ "من يزور أكثر يحب بن علي وحزبه أكثر".
نتائج الانتخابات: إن لم تستح فافعل ما شئت!!
هذه فكرة عن الظروف التي تم فيها الفصل الأخير من المهزلة الانتخابية. وقد جاءت النتائج في حجم التزوير الذي رافق العملية الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها. فقد زعمت السلطة أن نسبة المشاركة في الرئاسية والتشريعية قاربت الـ92%. وهي نسبة مثيرة للسخرية بل للقرف ودليل قاطع على أن الوقاحة في زمن بن علي لا حدود لها. وكم من ملاحظ وكم من إعلامي تساءل: لماذا التزوير بهذا الشكل المفضوح والوقح؟ ألم يكن أجدر ببن علي أن يزوّر في حدود معقولة و"ذكية"؟ ولكن هؤلاء نسوا أن الطغاة المتغطرسين يتصرفون دائما بغباء دون أن يقيموا وزنا للرأي العام في مجتمعاتهم وفي العالم فما يهمهم في المقام الأول هو الظهور بمظهر "المُجمَعِ عليهم" لأنهم يعتبرون الخروج عليهم "كفرا" أو "جريمة". إن نسبة المشاركة بشهادة الملاحظين المستقلين من إعلاميين تونسيين وأجانب ومن نشطاء حقوقيين، وكذلك بشهادة أطراف شاركت في المهزلة لا يمكن أن تتعدى في أفضل الحالات الـ25% أو 30%. وفي بعض المناطق سجل تدني نسبة المشاركة أرقاما قياسية (من 5 إلى 10% كما هو الحال في بعض المناطق بقفصة). وهذا الأمر يجد تفسيره في اللامبالاة التامة التي واجه بها الشعب التونسي مهزلة 24 أكتوبر لما ترسّخ لديه من قناعة، عبر تجاربه السابقة في ظل حكم حزب الدستور، بصورية الانتخابات. لذلك يمكن القول إن الشعب التونسي قاطع المهزلة. وهذه المقاطعة إن كانت عفوية، ولم ترفق بأعمال احتجاجية فإنها تعكس نوعا من القطيعة مع نظام بن علي. ولا يمكن مقارنة تدني نسبة المشاركة في بلادنا بمثيلتها في الديمقراطيات البرجوازية الغربية حيث تنزل نسبة المشاركة أحيانا إلى ما دون الـ50%. ففي هذه الحالة يعبر تدني نسبة المشاركة عن قرف الناخب أو الناخبة من السياسيين البورجوازيين الذين يغدقون عليهما الوعود خلال الحملات الانتخابية ولا ينجزون منها شيئا عند مسكهم بزمام السلطة. أما في تونس فإن تدني النسبة يعكس موقفا من نظام بن علي الدكتاتوري البوليسي الذي يحرمه حتى من تلك الحرية الشكلية التي يتمتع بها الناخب في البلدان الديمقراطية البورجوازية وتسمح له بأن يختار مرشحه كما تسمح لمرشحه بتبليغ صوته وتجرم التزوير وتعاقب مرتكبيه. ومما يؤكد كلامنا أن ما من مرة شعر فيها الشعب التونسي بوجود فجوة، قد تمكنه من التعبير عن إرادته، إلا وهب إلى المشاركة بأعداد كبيرة كما حصل في انتخابات 1981 و1989 التشريعية التي اضطرت السلطة إلى تزوير نتائجها للحفاظ على هيمنة الحزب الحاكم. وبعبارة أخرى فإن عدم اكتراث جماهير الشعب التونسي، عدا القلة القليلة ممن يسمون بـ"الناخبين المجبورين أو الناخبين التابعين"، بحثا عن مصلحة أو امتياز أو خوفا من بطش السلطات، يمثل عقابا لنظام بن علي ومؤشرا مهما لتغير الحالة الذهنية لعامة الشعب يمكن أن يستثمر مستقبلا في المعارك من أجل الديمقراطية. وما من شك في أن ما وصل المواطن (ة) خلال السنوات الأخيرة من مواد إعلامية ودعائية سواء عبر الفضائيات أو الإذاعات أو الصحف والبيانات والمناشير حول الاستفتاء والرئاسة مدى الحياة وكل مخططات الدكتاتورية قد لعب دورا حتى ولو كان غير مباشر في إثناء عامة الناس عن المشاركة في المهزلة.
كما أعلنت السلطات "فوز بن علي الساحق" على "منافسيه" في الرئاسية بنسبة تقارب الـ95% (94,48%) وهي نسبة دون الـ99% المعهودة ولكنها تبقى فوق الـ90%. ولا أحد يتصور أن ذلك نابع عن صندوق الاقتراع. فالعدول عن تكرار نسبة الـ99% طبخ بلا شك في قصر قرطاج بعد أن أصبحت هذه النسبة مسْخَرَةً في العالم أجمع بل يضرب بها المثل حين يراد الإشارة إلى التزوير. ثم إن النسبة المتبقية التي تفصل بن علي عن الـ99% "ما مشاتش في كرش عدو" كما يقول المثل. فقد منحت لمحمد بوشيحة (3,78%) صديق القصر وقريب ليلى بن علي (الطرابلسي) التي ما انفك تدخّلها في الحياة العامة يبرز رغم فقدانها لأي صفة رسمية، ناهيك أنها ختمت الحملة الرئاسية أمام "الألوف" من النساء المجتمعات بقصر المؤتمرات بالكرم. كما منحت لمنير الباجي (0,79%) الذي أثار ترشّحه وخصوصا ظهوره على شاشة التلفزة في وضع لا يحسد عليه عديد الانتقادات بل كان شاهدا إضافيا على الطابع المهزلي للانتخابات الرئاسية. وبهذه الصورة يكون بن علي وتيّاساه الرسميان حصلوا على 99,05%. أما النسبة الباقية أي 0,95% فقد عادت لمحمد الحلواني الذي رفض الانضباط لقواعد "التّيَاسَة".
وقد أثارت النسبة المتدنية التي حصل عليها هذا الأخير تساؤلات خصوصا لدى بعض أنصاره، الذين يعتقدون أنه حصل على نسبة أكبر لكن السلطات قزّمته لتظهره في مظهر هامشي مع العلم أن الحلواني قدم طعنا في نتائج الرئاسية لدى المجلس الدستوري المنصب كما هو معلوم فرفض هذا الطعن وأعلن أن "الانتخابات كانت شفافة والنتائج سليمة". وفي اعتقادنا فإن أصحاب المبادرة يريدون من وراء طرحهم لمسألة "التزوير" و"التقزيم" بهذا الشكل المتسم بالتضخيم، تبرير المشاركة وإظهار جدواها والإيهام بأنها لفّت قطاعات واسعة من الشعب حول مرشحهم ولكن السلطة حرمتهم جني ثمار ذلك الالتفاف. وهذا الطرح غير سليم لا فقط لكون نسبة المشاركة ضعيفة للغاية بل أيضا لكون معظم المشاركين من الناخبين "التابعين" أي الذين يذهبون إلى صناديق الاقتراع للتصويت لبن علي خوفا من السلطات (عمدة، بوليس، رئيس شعبة، معتمد، إلخ…) أو طمعا في بعض المكافآت (شغل، رخصة، قرض، إلخ…). لقد كانت اللعبة مغشوشة في كامل مراحلها وليس في نتائجها فحسب، بل إن حجم الغش الذي اتسمت به ما كان ليعطي غير تلك النتائج. وإذا كان لـ"المبادرة" من لوم توجهه فإلى نفسها أولا لقبولها الدخول في تلك اللعبة المغشوشة التي لا قدرة لها على التأثير في مجرياتها. وهو أمر نبّهنا إليه أكثر من مرة خلال نقاش موضوع الانتخابات مع مناضلين من المبادرة.
أما نتائج الانتخابات التشريعية فإنها لم تحمل من حيث ملامحها العامة أية مفاجأة. فنسبة المشاركة المعلنة تجاوزت الـ90% (91,45%) وهي نسبة كما سبق أن قلنا مزوّرة مثلها مثل نسبة المشاركة في الرئاسية وليس لهذا التزوير من هدف سوى إضفاء مصداقية زائفة على نتائج المهزلة. وكالمعتاد استحوذ الحزب الحاكم، التجمع الدستوري، على كافة المقاعد المطروحة للمنافسة، حسب المنظومة الانتخابية الساري بها العمل والتي لا يوجد لها مثيل في العالم. وتمثل تلك المقاعد 80% من مجموع مقاعد مجلس النواب وهو ما يمكن بن علي من مواصلة ممارسة هيمنته المطلقة على السلطة التشريعية، باعتبار أنه هو الذي اختار مرشحي حزبه "للانتخابات". وقد زعمت وزارة الداخلية أن التجمع حصل على 87,59% من الأصوات في حين حصلت الأحزاب الأخرى الستة المشاركة والقائمات السبع "المستقلة" التي تقدمت في 7 دوائر على 12,40% من الأصوات. وهي نسبة تظهرها في حالة عجز تام عن منافسة الحزب الحاكم، وعن الحصول على أي مقعد عن طريق صندوق الاقتراع أي بفضل الناخبين، وهو ما يؤهلها لشيء واحد فقط وهو الطمع في نصيب من المقاعد الـ37 المخصصة سلفا لأحزاب الديكور والتي يوزعها عليها بن علي وفق معيار الولاء والخدمات المقدمة وهو ما يجعل نواب تلك الأحزاب الـ37 معينين لا غير وبالتالي مدينين بوجودهم في مجلس النواب لبن علي. وإن أول ما يلاحظ في توزيع تلك المقاعد هذه المرة أنّ نصيب بعض الأحزاب قد ارتفع بينما تراجع نصيب البعض الآخر أو استقر على ما كان عليه. فحركة الديمقراطيين الاشتراكيين كسبت ثلاثة مقاعد جديدة مقارنة بعام 1999 فأصبح لها 14 نائبا. كما كسب حزب بوشيحة أربعة مقاعد جديدة فأصبح له 11 نائبا. وحافظ الاتحاد الديمقراطي الوحدوي والحزب الاجتماعي التحرري على نفس عدد المقاعد (7 للأول و2 للثاني). أما "حركة التجديد" فقد خسرت مقعدين فأصبح لها ثلاثة نواب عوضا عن 5 في الفترة النيابية السابقة. وليس خافيا على أحد أن بن علي أراد معاقبة محمد حرمل وجماعته على احتضانهم "المبادرة الديمقراطية" وبلورتهم خطابا نقديا نسبيا خلال حملتهم الانتخابية. وقد أقصي من القسمة الجديدة العناصر الثلاثة التي أظهرت حماسا للمبادرة وهم محمد حرمل ونجيب الحلواني شقيق محمد علي الحلواني ونورالدين المطوي، وحافظ عادل الشاوش وثامر إدريس النائبان السابقان على مقعديهما وأضيف إليهما نورالدين الطرهوني عن دائرة بنزرت الذي لم يقم حتى بحملة انتخابية شكلية في جهته بشهادة كل الملاحظين. وإن ما يستغرب في هذا الشأن ما صدر عن الهيئة السياسية لـ"حركة التجديد" في بلاغها الصادر بتاريخ 1 نوفمبر من احتجاج على "إقصاء مرشحيها في التشريعية وخاصة منهم الأمين العام لحركة التجديد". فكيف تعلن هذه الحركة التحاقها بالمعارضة الديمقراطية من جهة وتطالب بالانتفاع بما هو مخصص لأحزاب الديكور كرشوة سياسية من جهة أخرى؟
أما الملاحظة الثانية بخصوص هذه النتائج فهي أن بن علي حرص هذه المرة بشكل خاص على أن يكون نواب "المعارضة" الذين يرجع إليه وإلى مصالحه الأمنية الفضل في تعيينهم، من أكثر العناصر ولاء له من بين المرشحين للفوز برضاه. فالمطلع على قائمة "الفائزين" أو بالأحرى المعينين يلاحظ أنه لا يوجد بينهم عنصر واحد يتمتع بحد أدنى من الاستقلالية أو الإشعاع أو المصداقية. ولا نعتقد أن هدف بن علي من ذلك ينحصر فقط في رغبته في تحقيق "إجماع تام" حوله في مجلس النواب يجنبه انفلات بعض الأصوات كما حصل في الفترتين النيابيتين السابقتين وإقدامها، نتيجة ظروف معينة (إيقاف محمد مواعدة عام 1995، ...) على نقد بعض سياساته خاصة في مجال الحريات، ولكنه يتجاوز ذلك إلى رغبته في ضمان أن أيًّا من النواب المختارين لن يقدم في عام 2009 على تزكية أي مرشح مستقل للرئاسة بما أن القانون الانتخابي الحالي يشترط الحصول على تزكية 30 نائبا في البرلمان وبالتالي فإن الـ37 "نائبا معارضا" في الفترة النيابية الحالية قادرون نظريا على مثل تلك التزكية وهو ما يريد بن علي ضمان عدم حصوله من الآن بتعيين عناصر يقدر على التحكم فيها بسلاحيه المعهودين: الإرشاء والتخويف أو الترغيب والترهيب.
نتائج "الانتخابات" تعمّق أزمة شرعية النظام
تلك هي نتائج "انتخابات" 24 أكتوبر التي أجمعت وسائل الإعلام المستقلة في العالم أجمع على طابعها المهزلي. فسواء في تونس أو في الخارج كان التعليق واحد وهو أن ما حصل لا هو انتخابات ولا هو حتى ما يشبه الانتخابات بل تزوير في تزوير. وإذا كان بن علي وحزبه قد خرجا فائزين على الورق من هذه المهزلة وبنسب شبه خيالية تعكس ضخامة التزوير فإنهما خرجا منها خاسرين على طول الخط من الناحية السياسية إذ أنها عمقت أزمة الشرعية التي يعاني منها حكمهما. فمن يجرؤ اليوم على القول بأن حكم بن علي وحزبه يستمد شرعيته من صندوق الاقتراع أي من الشعب دون أن يثير السخرية؟ لقد ازدادت الدكتاتورية النوفمبرية افتضاحا والهوة القائمة بينها وبين الشعب اتساعا. وسقطت كل الأوهام عن إمكانية "إصلاح" هذه الدكتاتورية و"مقرطتها". وإذا كان ثمة من منتفع مما وقع فليس الشعب بدون أدنى شك وإنما الأقلية الفاسدة والنهابة التي تسند بن علي وتطالبه بالبقاء في الحكم لأنها تدرك أن تغيير الحكم في تونس وإقرار مناخ من الحريات وخاصة منها حرية التعبير والصحافة وضمان استقلالية القضاء سيؤدي حتما إلى مساءلة أفرادها عن مصادر الثروة غير المشروعة التي جمعوها وعن الجرائم التي ارتكبوها على حساب تونس وشعبها. وهو ما يخشاه بن علي ذاته شأنه شأن كل الطغاة. فبقاؤه في الحكم عن طريق التزوير هو الضمان الوحيد لإفلاته من المحاسبة رغم أنه حوّر الدستور وأدخل فيه فصلا يمنحه الحصانة القضائية مدى الحياة ولكنه يعلم أن هذا الفصل لن يجديه نفعا إذا نهض الشعب وهبّ للتعبير عن إرادته. وتمثل الدول والشركات والمؤسسات المالية الامبريالية المنتفع الآخر من المهزلة الحاصلة لما تجده في نظام بن علي من ضمان لمصالحها الاقتصادية (نهب البلاد واستغلال شعبها) والسياسية والاستراتيجية (دعم المشاريع الامبريالية في المنطقة…). وهو ما يفسر صمت واشنطن وباريس وغيرهما من العواصم الغربية على تغيير بن علي الدستور في عام 2002 لتأمين بقائه في الحكم مدى الحياة في حين أنهما أقامتا الدنيا على تعديل البرلمان اللبناني الدستور لتمكين أمين لحود من نيابة جديدة بثلاث سنوات لأنهما لا يجدان فيه الأداة الطيعة المناسبة لخدمة مصالحهما ومصالح الكيان الصهيوني. كما أنه يفسر ابتهاج شيراك وحكومته والاتحاد الأوروبي عامة بنتائج "الانتخابات" وتوجيههم التهاني لبن علي في حين أن هذه الأطراف تحتج علنا على التزوير في أوكرانيا وترفض النتائج المعلنة مما يؤكد أن المصالح عندها هي المعيار للحكم على نزاهة الانتخابات في هذا البلد أو ذاك. أما النقود التي عبرت عنها الخارجية الأمريكية لسير الحملة ولنتائج المهزلة، فهي مجرد ذر للرماد في العيون. فإدارة بوش تسعى بتلك النقود المحتشمة إلى التغطية على المجازر التي ترتكبها في العراق للإيهام بأنها جادة في تكريس مشروع "إقامة الديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير".
المقاطعة أمِ المشاركة: أيهما كان أقرب من الذهنية العامة للشعب؟
ولكن السؤال التقليدي الذي يطرح نفسه بعد المهزلة التي عشناها بعد 24 أكتوبر هو "ما العمل؟" لتجاوز التحليل والتوصيف إلى الفعل للتأثير في مجرى الأحداث وخلق موازين قوى جديدة تمكّن من وضع حد للدكتاتورية ومهازلها ومن فرض إرادة الشعب وتكريس سيادته؟
قبل الرد على هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى أن القوى الديمقراطية واجهت مهزلة 24 أكتوبر 2004 بصفوف مشتتة. فقد انقسمت في مستوى أول بين مقاطعة ومشاركة. وقد شملت المقاطعة معظمم الأحزاب السياسية (حزب العمال والتكتل الديمقراطي وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية والتحق بها الحزب الديمقراطي التقدمي قبل انتهاء الحملة الانتخابية بيومين) ومختلف التيارات اليسارية من وطنيين ديمقراطيين ووطنيين ديمقراطيين بالجامعة وشيوعيين ثوريين وقوميين وبعثيين وقسما واسعا من المستقلين، مع العلم أن حركة النهضة الإسلامية كانت دعت بدورها إلى المقاطعة. وهذه أول مرة تقاطع فيها قوى وتيارات سياسية بمثل هذا العدد وبمثل هذا التنوع انتخابات رئاسية وتشريعية وهو ما يعكس نوعا من التجذر السياسي في الساحة هو نتيجة لما راكمته الحركة الديمقراطية من تجربة في النضال ضد الدكتاتورية خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة. ولم تشمل المشاركة في آخر المطاف سوى حركة التجديد ومجموعة "الشيوعيين الديمقراطيين" وقسما من العناصر المستقلة "اليسارية" و"الليبيرالية". ولكن لا المقاطعون ولا المشاركون (المبادرة والحزب الديمقراطي قبل انسحابه) تمكنوا من تكريس موقفهم في إطار جبهة موحدة. فالخلافات شقت كلا الفريقين لأسباب سياسية وفئوية. وقد أدى كل ذلك إلى عجز الحركة الديمقراطية بمختلف مكوناتها عن التأثير في مجرى الأحداث والبروز كقطب يعمل على أن يكون بديلا للنظام الدكتاتوري.
إن ما يمكن تأكيده بعد انتهاء المهزلة هو أن الحركة الديمقراطية كان بإمكانها أن تحتل موقعا أفضل في مجرى الأحداث لو أنها قاطعت هذه المهزلة بصفوف موحّدة. فقد بينت التجربة أن المقاطعة لم تمثل موقفا سياسيا سليما يبرره غياب أدنى شروط الانتخابات الحرّة فحسب ولكنها تمثل أيضا موقفا مناسبا للحالة الذهنية لعامة الشعب. فهذا الأخير قاطع المهزلة كما سبق أن بيّنا ذلك لأنه كان يدرك مسبقا أن نتائجها معلومة وأن صوته لا قيمة له وأن إرادته مداسة. وقد كان من شأن مقاطعة موحدة نشيطة أن تقرب القوى الديمقراطية من الشعب وتزيد في عزلة الدكتاتورية وتتركها تتحرك مع ديكورها الذي لا يتمتع بأية مصداقية. ولقد كنا نحن في حزب العمال بدأنا الدعوة إلى المقاطعة منذ أكثر من عام ونصف وسعينا بكل الوسائل (جريدة، بيانات، مناشير، تدخلات مباشرة، …) إلى إبلاغ موقفنا هذا إلى جماهير الشعب حتى نكون قريبين من اهتماماتها ومشاغلها. كما أننا عملنا كل ما في وسعنا لإقناع مختلف فصائل الحركة الديمقراطية بضبط خطة مشتركة للقيام بمقاطعة نشيطة واستغلال كل الفضاءات العلنية والقانونية لذلك الغرض لكن موقفنا هذا لم يجد الصدى الكافي لدى الأطراف المعنية.
كما بينت التجربة أن المشاركة في المهزلة لم تكن موقفا سليما بل موقفا غذته أوهام سياسية مؤسسة على تقديرات خاطئة للأوضاع وليس أدل على ذلك من أن الحزب الديمقراطي التقدمي الذي كان أول من دافع عن المشاركة من "موقع احتجاجي" وحدد لمشاركته هذه هدفا متواضعا يتمثل في محاولة تعبئة النخبة و"جرّها" إلى الاهتمام بالشأن العام، دون وهم عن نتائج المهزلة، قد اضطر إلى الانسحاب خلال "الحملة الانتخابية "حتى لا يكون "شاهد زور" كما جاء على لسان أمينه العام، بعد أن تيقن أن تحقيق ذلك الهدف على تواضعه غير ممكن نتيجة القيود التي فرضتها السلطة على حزبه. وما من شك في أن هذا الانسحاب أسهم في مزيد فضح اللعبة.
ولا نعتقد أن "المبادرة الديمقراطية" التي فضّلت المشاركة حتى النهاية قد قدرت على تعبئة الجماهير وإقناعها بـ"المشاركة" وبجدواها. صحيح أن أنصار "المبادرة" سعوا في بعض الدوائر إلى تخطي بعض القيود التي فرضتها عليهم السلطة: توزيع كمية من بيان محمد علي الحلواني الممنوع، تنظيم مسيرة بالعاصمة ضمت العشرات للاحتجاج على حجز البيان الخ… ولكن هذه التحركات بقيت جزئية للغاية ولم تغير شيئا من واقع الأمور بل إن مقابلها كان باهظا. فقد وظفت السلطة تلك المشاركة لإضفاء طابع تعددي زائف على مهزلة معلومة النتائج مسبقا. لقد ارتكب أنصار "المبادرة" خطأين. الأول يتمثل في دعوتهم إلى المشاركة في انتخابات رئاسية يعرفون مسبقا أنها مزورة. فقد قامت على تعديل دستوري غير شرعي وغير مشروع يسمح لبن علي بالترشّح لولاية رابعة تفتح له باب الرئاسة مدى الحياة. كما يسمح له بتعيين منافسيه في المهزلة. وهذا ما يجعل انتخابات أكتوبر 2004 مختلفة عن سابقاتها. فقد كانت المشكلة في 1994 و1999 تتمثل في غياب تعدد الترشّحات للرئاسة وكان المطلب: حرية الترشّح. أما هذه المرة فقد انضاف عنصر جديد خطير وهو انقلاب بن علي على الدستور من أجل الرئاسة مدى الحياة إضافة إلى مواصلة سدّه الباب أمام حرية الترشّح عدا لمن اختارهم لـ"منافسته"، وبهذه الصورة أصبح شرط الانتخابات الرئاسية الحرة مزدوجا: عدم ترشح بن علي وحرية الترشح للآخرين وهو الشرط الذي لم يتوفر مما يجعل من المقاطعة موقفا ضروريا لأن المشاركة في إطار الانقلاب المذكور ووفقا لمقتضياته تعني، أحب أصحابها أم كرهوا، تشريعه. وهذا ما لا يريد أن يفهمه دعاة المشاركة الذين لم يدركوا أن مشاركتهم إلى جانب بن علي وهم يعلمون مسبقا أنهم غير قادرين على سد الطريق أمام بقائه في الحكم أو على الأقل إحداث أزمة هي موضوعيا تشريع للتزوير مهما كان الخطاب المرافق لتلك المشاركة. وإذا كان موقف البعض منهم ليس مفاجئا بما أنه اعتاد على المشاركة في كل المهازل في نطاق "الوفاق" مع الدكتاتورية فإن مشاركة بعض الأطراف الأخرى التي كانت نددت علنا بالاستفتاء هو الباعث على الاستغراب.
وما قلناه عن الرئاسية يمكن أن ينسحب في وجه منه على التشريعية إذ أن الظروف التي جرت فيها هي نفس الظروف ولم تخرج نتائجها على ما كان متوقعا. لقد بررت "المبادرة" مشاركتها في هذه المهزلة بكونها اختارت نهج "العمل الميداني" و"الاتصال المباشر بالشعب" على "البقاء فوق الربوة". وعلاوة على كون هذا الخطاب سمعناه في كل المهازل الانتخابية السابقة حتى على لسان من كانوا يتواطأون مع الدكتاتورية ويدعمون سياساتها ويتلقون مكافآتها، فإن "العمل الميداني" و"الاتصال المباشر بالجماهير" لا يمكن أن يكون بالنسبة إلى أي حزب جدي، يدافع بحق عن مطالب الجماهير وطموحاتها نشاطا مناسباتيا، مرة كل خمس سنوات وفي إطار القيود التي تفرضها الدكتاتورية، بل هو نشاط يومي ودائم حتى وإن تكثف في بعض المناسبات. كما أنه نشاط لا يخضع لقيود الدكتاتورية بل يتجاوزها وفقا لمبدأ "حقوقنا نمارسها ولا ننتظر ترخيصا من وزارة الداخلية". ثم إنه لا يمكن للمرء أن يضحي بالهدف من أجل مكاسب جزئية ومحدودة ذات طابع دعائي، فالعمل الميداني والاتصال المباشر بالجماهير ينبغي أن يرتبط بهدف أو أهداف تخدم حقا مصلحة هذه الجماهير في نطاق موازين القوى الموجودة. إن مبدأ "الهدف لا شيء والحركة كل شيء" هو مبدأ انتهازي معروف، يضخم الحركة ليطمس طبيعة الإطار الذي تندرج فيه والأهداف التي تخدمها. فهل يعقل أن يشارك المرء في انتخابات يقول إنها مزورة ومعلومة النتائج مسبقا بدعوى استغلالها للقيام بشيء من الدعاية المقيّدة بحدود صارمة من الدكتاتورية وهو لا يملك القدرة، بسبب الظروف الموضوعية والذاتية لتكسير هذه القيود؟ لقد كان بالإمكان لو توحدت الحركة الديمقراطية حول موقف المقاطعة وجندت نفسها لتكريسه مستغلة كافة الإمكانات القانونية وغير القانونية أن تقوم بأضعاف أضعاف ما قام به هذا الطرف أو ذاك من الأطراف المشاركة وأن تكون النتائج أفضل في علاقة بالشعب.
أما الخطأ الثاني الذي ارتكبه أنصار موقف المشاركة فيتمثل في عدم تقدير موقف عامة الشعب من المهزلة التقدير الصحيح. لقد بينا أن الشعب لم يكترث بهذه المهزلة وقاطعها عمليا. وهذه المقاطعة حتى وإن كانت سلبية فهي تمثل عنصرا إيجابيا من زاوية كونها تعكس عدم ثقة بنظام بن علي ومهازله الانتخابية. وفي حالة كهذه فإن مهمة القوى الديمقراطية الحقيقية لا تتمثل في حث جماهير الشعب على المشاركة في مهزلة لا تثق بها وفي زرع الأوهام في صفوفها بل في تعميق عدم الثقة تلك لدى الجماهير ودعوتها إلى تجاوز سلبيتها بتحويل عدم رضاها والنقمة التي تستبطنها إلى فعل سياسي بهدف المطالبة بالحقوق المسلوبة.
إن جماهير الشعب لم تكن في حاجة خلال الانتخابات الأخيرة إلى من يقنعها بالتجاوزات التي ارتكبتها السلطة في كامل مراحل العملية الانتخابية أو بعدم جديتها في تنظيم انتخابات حرة ونزيهة لأنها كانت تدرك سلفا أن تلك الانتخابات مهزلة معلومة النتائج مسبقا وأن بن علي ليس له من هدف سوى البقاء في الحكم مدى الحياة، ولكنها كانت ولا تزال في حاجة إلى من ينظم صفوفها ويسلحها ببرنامج وتكتيك سليم ويقنعها بجدوى النضال ويعطيها المثال في التضحية من أجل مطالبها وطموحاتها. وهذا العمل لا يمكن أن يكون مناسباتيا ولا مقيدا بالحدود التي ترسمها الدكتاتورية. ولا نعتقد أن أنصار المبادرة ليسوا على بينة من أن دعواتهم إلى المشاركة لم يكن لها صدى في صفوف المواطنين. فهم أنفسهم يؤكدون تدني نسبة المشاركة.
النضال من أجل سلطة تستمد شرعيتها من الشعب
ومهما يكن من أمر فإننا ندرك تمام الإدراك أن الجدال حول المقاطعة والمشاركة لن ينتهي. لذلك علينا أن نركز الآن على ما بعد المهزلة الانتخابية للبحث في آفاق العمل المشترك خصوصا أن الاقتناع بالحاجة إليه أصبح أكثر حدة اليوم في صفوف المناضلين الديمقراطيين المنظمين والمستقلين على حد السواء. والتعامل مع هذه المسألة هو الذي سيبين اليوم إن كان الاختلاف حول المقاطعة أو المشاركة نابع من مجرد تقديرات مختلفة للظرف التكتيكي وللأشكال النضالية التي يقتضيها أم أنه أعمق من ذلك وله صلة بمفهوم النضال الديمقراطي وآفاقه. كما أنه سيبين من هي الأطراف الأشد حرصا على وحدة الحركة الديمقراطية وتقدمها.
ومن النافل أن الوحدة لا يمكن أن تكون هدفا في حد ذاتها بل هي وسيلة لتحقيق مهمة أو مهمات مشتركة تستجيب لمقتضيات المرحلة التي يمر بها الصراع بين قوى الحرية والتقدم من جهة والقوى الرجعية والفاشستية من جهة ثانية. فما هي المهمات التي تمليها إذن مرحلة ما بعد المهزلة الانتخابية التي عرفتها بلادنا في 24 أكتوبر الماضي؟
إن من يطلع على البيانات والتصريحات التي عقبت هذه المهزلة يلاحظ إجماع مختلف الأحزاب والتيارات الديمقراطية والمعارضة بشكل عام على إدانة ما حصل.فالأحزاب الأربعة التي قاطعت الانتخابات وهي حزب العمال والتكتل الديمقراطي وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية والحزب الديمقراطي التقدمي أصدرت بيانا بتاريخ 26 أكتوبر تطعن فيه "في نتائج هذه الانتخابات المزورة في كل مراحلها" وتدعو "كافة القوى الديمقراطية إلى رفضها" مذكرة بأن هذه النتائج "نتاج طبيعي" للتلاعب بالدستور وإرساء الرئاسة مدى الحياة وإقصاء القوى السياسية المعارضة من المنافسة وغياب مناخ من الحرية والاطمئنان" وهو ما يعني "فقدان الشروط الدنيا لانتخابات حرة". أما "المبادرة الديمقراطية" فإنها وإن لم تصدر بعد تقييما رسميا للانتخابات فقد تحدثت في تغطية الانتخابات في صحيفة "الطريق الجديد" عن "عملية تزوير واسعة النطاق نفذت على مراحل وأدت في النهاية إلى تزييف الانتخابات وإلى التصريح بنتائج ونسب تصويت خيالية لا تمت إلى الحقيقة بصلة" (الطريق الجديد، 1 نوفمبر 2004، ص6). واكتفت "حركة التجديد" في البلاغ الصادر عن الهيئة السياسية بتاريخ 31 أكتوبر بالإشارة إلى "الخطورة البالغة" التي اكتساها ما جرى في انتخابات 24 أكتوبر لما اتسم به "من خرق واضح للقوانين والشفافية واستخفاف صارخ بصندوق الاقتراع وأصوات الناخبين والناخبات". وسواء تعلق الأمر بالمبادرة بشكل عام أو بـ"حركة التجديد" بشكل خاص فإنه لم يصدر إلى حد الآن الموقف السيّاسي المناسب الذي يترتب عن توصيف الانتخابات بالتزوير والنتائج بالتزييف: فهل هما يقبلان بنتائج الرئاسية والتشريعية المزورة؟ وهل هما يطعنان في شرعية المنتفع بهذا التزوير؟ وهل أن رئاسة بن علي شرعية أم غير شرعية؟ وهل أن مجلس النواب الحالي شرعي أو غير شرعي؟ وما هو الموقف من تواجد ثلاثة ممثلين للمبادرة بهذا المجلس والحال أن الجميع يدرك أن تواجدهم هذا لم ينبع من صندوق الاقتراع بل من عملية التزوير الشاملة والمنهجية وعن تعيين القصر ووزارة الداخلية؟
وفي حقيقة الأمر فإن الإجابة عن هذه الأسئلة إما أنها ستقرّب طرفي المقاطعة والمشاركة في الحركة الديمقراطية وتُظهر أن الخلاف بينهما جزئي وظرفي نابع عن تقديرات مختلفة أو أنها ستبعدهما عن بعضهما وتظهر أن الخلاف بينهما هو فعلا خلاف عميق، يعكس نهجين مختلفين في النضال من أجل الديمقراطية في بلادنا، لأن المهمة المركزية للحركة الديمقراطية في المرحلة القادمة مرتبطة شديد الارتباط بالموقف من النتائج المترتبة عن التزوير المنهجي والشامل للعملية الانتخابية منذ استفتاء 2002 إلى اقتراع يوم 24 أكتوبر الماضي. فالمنطق السياسي السليم يقتضي بأن لا يتوقف المرء عند وصف ما حصل بالتزوير والتزييف بل من الضروري أن يخرج من ذلك بالاستنتاج الضروري وهو أن "ما بني على الباطل فهو باطل". وبعبارة أخرى فإن السلطة الناتجة عن التزوير والتزييف هي سلطة غير شرعية. فلا رئاسة بن علي المؤسسة على استفتاء صوري وانتخابات مزورة شرعية. ولا المؤسسات التي سيعينها شرعية. ولا مجلس النواب المؤسس على انتخابات مزورة شرعي. معنى ذلك أن هذه المؤسسات لا تعكس إرادة الشعب عبر انتخابات حرة ونزيهة. وعلى هذا الأساس فإن المهمة المركزية للحركة الديمقراطية في المرحلة القادمة تصبح واضحة وهي النضال من أجل إقامة سلطة تتمتع بالشرعية. وهذه الشرعية لن تتأتى إلا عن طريق صندوق الاقتراع أي عن طريق انتخابات حرة ونزيهة. وهذه الانتخابات لها شروطها الدنيا وهي حرية التنظم أي التعددية السياسية وحرية الدعاية أي التعددية الإعلامية وحرية الترشّح والانتخاب والإشراف المستقل على العملية الانتخابية فضلا على حياد الإدارة واستقلالية القضاء.
وبطبيعة الحال فإن تحقيق هذا الهدف المرحلي -لأن لا أحد يزعم اليوم أنه مطروح للإنجاز "الآن وهنا"- يمر عبر نضال يومي، مباشر، من أجل مطالب واضحة تتم حولها تعبئة أوسع جماهير الشعب وتكتيل واسع للقوى الديمقراطية، يسمح تدريجيا بخلق موازين القوى الضرورية لبلوغ ذلك الهدف. وهذه المطالب المباشرة تشمل العفو التشريعي العام وإلغاء كل ما يبيح الرئاسة مدى الحياة ويحصن رئيس الدولة من المحاسبة القضائية ويمنع حرية الترشّح للرئاسة. كما تشمل إلغاء ترسانة القوانين الفاشية وتحرير وسائل الإعلام من هيمنة الحزب الحاكم وإخضاع الإذاعة والتلفزة لإشراف مستقل والاعتراف بكافة الأحزاب والجمعيات الراغبة في ذلك وإلغاء المجلة الانتخابية الحالية ووضع أخرى جديدة تضمن حرية الترشّح والانتخاب، وتنص على نظام انتخابي جديد كفيل بإفراز مؤسسات ممثلة لإرادة الشعب (التمثيل النسبي، القائمات الإسمية…) وتعهد بمراقبة الانتخابات لهيئة مستقلة، وتجرّم التزوير واستقلالية القضاء وفصل الإدارة عن الحزب الحاكم إلخ.
إن هذا التمشي مهم للغاية لأنه مدخل أساسي للنضال ضد الدكتاتورية لزعزعة أسسها وتقويضها من أجل إقامة نظام ديمقراطي. وهو تمشٍّ يرتقي بالحركة الديمقراطية إلى مستوى طرح مسألة السلطة محورا لنضالها كما يسلح جماهير الشعب بهدف واضح وشعار مركزي تتعبأ حوله. ومن شأن ذلك أن يقود في صورة النجاح إلى حركة جماهيرية قوية قادرة على الانتصار سواء اتخذت هذه الحركة شكل انتفاضة أو عصيان مدني كما نرى ذلك في العديد من البلدان التي تمكنت شعوبها من إسقاط الدكتاتوريات التي تسلبها حريتها. أما أن يسجل المرء احتجاجه على التزوير والتزييف ثم ينصاع من جديد إلى الأمر الواقع ويقصر تحركاته على مطالب جزئية دون أفق واضح في انتظار المشاركة في مهزلة جديدة (بلديات 2005 أو رئاسية وتشريعية 2009) بدعوى أن موازين القوى لا تسمح بغير ذلك فهو سقوط في نهج إصلاحي انتهازي خبرته الحركة الديمقراطية في تونس وهو نهج لا يخدم سوى مصالح الدكتاتورية. إن اختلال موازين القوى في الظرف الراهن لا يمنع حركة ديمقراطية جديرة بهذا الاسم من رسم أهدافها المرحلية التي تسعى إلى تحقيقها وفق خطة تأخذ بعين الاعتبار حالة تلك الموازين وتعمل على تغييرها تدريجيا. وهنا تكمن في الحقيقة إحدى نقاط التباين الجوهرية بين ما يمكن أن يشكل خطين أساسيين في الحركة الديمقراطية: الخط الديمقراطي المتماسك والخط الانتهازي المهادن للدكتاتورية.
هذا رأينا في مرحلة ما بعد المهزلة الانتخابية وهو رأي تناولنا فيه الجانب السياسي بشكل خاص لمحوريته أولا ولأنه يجمع قوى عديدة ثانيا. ومن البديهي أن النضال على هذه الواجهة المحورية لن يؤتي أكله إلا إذا ارتبط ارتباطا وثيقا بالنضال على الواجهات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وأخذ فيه بعين الاعتبار البعدين الوطني والاجتماعي مع الدكتاتورية. فهذه المعركة ليست فقط من أجل الحرية والديمقراطية بل هي أيضا معركة ضد الفساد والاستغلال والتبعية وهي محاور تشغل بال الشعب التونسي وقادرة على تعبئته أيما تعبئة. ونحن نعتقد أن عقد ندوة وطنية للقوى الديمقراطية في أقرب الآجال لمناقشة آفاق النضال الديمقراطي في بلادنا بعد المهزلة أمر على غاية من الأهمية حتى لا تترك القوى الديمقراطية الحقيقية الفرصة للدكتاتورية لتلتف على ما خسرته سياسيا في مهزلة 24 أكتوبر الماضي. ومساهمة منا في دفع النقاش حول مضمون البديل الديمقراطي المنشود نقدم في ما يلي مقترحات حزب العمال بخصوص البرنامج المرحلي الأدنى الذي من شأن تحقيقه أن يعبد الطريق أمام مجتمعنا وبلادنا لكي يتخلصا من الدكتاتورية والاستغلال والنهب والتبعية.

من أجل بديل ديمقراطي وشعبي
وضع حد للدكتاتورية لإرساء الديمقراطية السياسية
إذا كانت معضلات المجتمع التونسي كما بينا كثيرة ومتنوعة، اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية، فإن الدكتاتورية تبقى أشد هذه المعضلات وأخطرها على مصير المجتمع البلاد. فالشعب التونسي المستغل والمنهوب والمفقر والملجّم والمطعون في كرامته ليس له فوق ذلك الحق في أن يحتج أو يعارض بأي شكل من الأشكال سواء بإبداء رأي أو عقد اجتماع أو تنظيم إضراب أو مسيرة أو مظاهرة. كما ليس من حقه أن يطالب بعزل الرئيس أو الوزير أو الوالي أو أي مسؤول من المسؤولين أو بحل البرلمان وتنظيم انتخابات حرة وإنما هو مطالب في كل الحالات بأن يذعن ويخرس وإلا ناله ما ناله من القمع والاضطهاد.
إن الاستغلال الرأسمالي بكل ما يتبعه من مظاهر يشكل في عالم اليوم الذي تسيطر عليه حفنة من الدول والشركات الرأسمالية الكبرى (صناعية ومالية)، ظاهرة عامة. ولكن في معظم بلدان العالم يوجد هامش من الحرية السياسية أو قل من المدنية يمكـّن العمـّال والفلاحين والموظفين وسائقي سيارات الأجرة والشاحنات والطلاب والتلاميذ والمثقفين والمبدعين والشبان والنساء وكل فئات السكان بمن فيهم أحيانا الجنود وأعوان الشرطة وحراس السجون من أن يعبّروا عن رفضهم لهذه السياسة أو تلك ويحتجوا على هذا القرار الذي لا يعجبهم أو ذلك فيخرجون إلى الشوارع أو يضربون عن العمل أو الدراسة أو يسدّون الطرقات ويهاجمون أو يقتحمون مقر البرلمان أو يعلنون العصيان المدني ويطالبون بإقالة رئيس الدولة ووزرائه وحتى بمحاكمتهم ويشرحوا وجهة نظرهم عبر الإذاعة والتلفزة والجرائد وكل وسائل الإعلام الأخرى. وفي البرلمان يقوم نواب بالدفاع عن وجهة نظرهم لأن الترشح للبرلمان مسموح به لكل المواطنين، ولأن مرشحي العمال والفلاحين ومختلف فئات الشعب قادرون على دخوله. إن هذا الهامش من الحرية على محدوديته يتيح لهم، أي لأبناء وبنات الطبقات والفئات الفقيرة أن يتكتلوا للدفاع عن مصالحهم ويراكموا من القوة ما يجعلهم قادرين في يوم من الأيام على حسم الأمر مع مصاصي دمائهم.
أما في تونس فإن ذلك الهامش منعدم انعداما تاما. إن بلادنا لم تعرف في تاريخها أي شكل من أشكال الحرية والديمقراطية بما في ذلك الديمقراطية التمثيلية البورجوازية. لقد عاشت على الدوام في ظل التسلط والدكتاتورية والحكم الفردي المطلق بقطع النظر عن بعض الفترات التي شهدت فيها الأوضاع بعض الفجوات في مجال الإعلام خصوصا والتي كانت ناتجة عن موازين قوى وأوضاع ظرفية لا عن رغبة حقيقية من قبل السلطة مما جعلها تلتف عليها حالما تبدلت الموازين لصالحها. فالشعب التونسي ما زال يعامل معاملة القرون الوسطى. إن التونسي رعية في مفهوم السلطة وممارساتها وليس مواطنا يتمتع بحقوق مدنية وسياسية دنيا كما هو شائع ومقرّ به اليوم في معظم أنحاء المعمورة. ومفهوم الرعية هذا يتلازم مع مفهوم آخر يقوم عليه حكم بن علي وهو أن البلاد، بخيراتها وثرواتها، ملك مشاع له ولحاشيته. ومن هذا المنطلق فإن التونسي مدعو إلى أن يسبّح بحمد "سيده" و"منقذه" ويشكره صباح مساء عن "فضله" ويرضى بكل ما "يمن" به عليه. وإذا تجاسر وعبّر بشكل من الأشكال عن عدم رضاه فإنه يعرّض نفسه للاضطهاد والعقاب. ولبن علي ما يلزم لذلك من الوسائل: ترسانة من القوانين الفاشية وقضاء مأمور وبوليس غاشم وسجون مزروعة في كل أنحاء البلاد وإعلام يتكتم على كل صغيرة وكبيرة وحتى إذا تكلم تحت ضغط ظرف من الظروف، فلكي يدين ويشتم "ناكري الجميل" و"الخونة" و"المتطرفين" و"المنحرفين" و"الفاسْداتْ"… وهي العبارات التي تشكل كل ما في معجم "السابع" من كلام يتعامل به مع مخالفيه في الرأي ومعارضيه وخصومه. إن المجال الوحيد الذي أبقى فيه بن علي لـ"رعاياه" إمكانية للمنافسة هو مدح "سيادته" وتمجيده.
على هذا الأساس فإن مقاومة الدكتاتورية، تأتي في مقدمة المهمات التي يطرح على الشعب التونسي إنجازها لكي يحقق خلاصه ويحرر وطنه من كل هيمنة أجنبية. فالحرية السياسية ضرورة ملحة بالنسبة إلى الشعب. إنها وسيلته كي يفرض سيادته فيختار من يحكمه وكيف يحكمه ويحدد الطريقة التي يشارك بها بصورة مباشرة في إدارة الشأن العام ومراقبة سير دواليب الحكم. وعلى هذا الأساس يكون المسؤولون مسؤولي الشعب، هم في خدمته وليس هو في خدمتهم: الرئيس، إن ثمة رئيس، رئيس الشعب، والوزير وزير الشعب، وكذلك القاضي والموظف والشرطي والعسكري، كلهم في خدمة الشعب الذي يحق له أن يراقبهم ويحاسبهم ويعزلهم ويقاضيهم عند الضرورة على أفعالهم. وبهذه الصفة تكون الدولة بمعنى ما "دولة الشعب" أي نابعة منه وتحت مراقبته وفي خدمته، ولا يكون هو كما يقال "شعب الدولة"، يرزح تحت كلكلها، تقمعه وتفرض عليه الخضوع لاستغلال حفنة من النهابين والمرتشين واللصوص دون أن يكون له حتى الحق في الاحتجاج والمعارضة.
وإذا كانت الحرية السياسية ضرورية للشعب بشكل عام لكي يكون المحور الأساسي للحياة العامة ولنشاط الدولة فهي ضرورية أيضا لكل طبقة من طبقاته وفئة من فئاته لكي تذود عن مصالحها وتعبّر عنها بالإمكانيات والوسائل التي تتيحها تلك الحرية. وبعبارة أخرى فهي ضرورية للعامل والفلاح والموظف والأستاذ والمعلم والطالب والتلميذ والحرفي والعاطل عن العمل والمثقف والمبدع والطفل والشاب والمرأة لكي يتمكن كل منهم من التعبير عن مصالحه وطموحاته المشروعة ويدافع عنها في إطار التنظيم الذي يريد سياسيا كان أو نقابيا أو اجتماعيا أو ثقافيا، وبالكلمة أو بالصورة التي يختار عبر المجلات والصحف والكتب والإذاعة والتلفزيون والسينما وشبكة الأنترنيت، وبالأشكال التي يفضّل اجتماعا أو مسيرة أو تظاهرة أو
إضرابا، إلخ. لذلك فإن الدكتاتورية التي تحرم هؤلاء جميعا من التمتع بفضائل الحرية السياسية وتجرّم كل محاولة يقومون بها في اتجاه تغيير وضعهم البائس، إنما هي عدوّهم الألد.
إن الشعب التونسي بكل طبقاته وفئاته، وأحزابه وجمعياته ومنظماته وشخصياته التي لها مصلحة في الحرية السياسية، مدعو أكثر من أي وقت مضى إلى التخلص من الدكتاتورية. ومن نافل القول إن هذه الدكتاتورية لا يمكنها بأي شكل من الأشكال، ومهما وَهَمَ الواهمون، أن تتمقرط أو تتنحى من تلقاء نفسها. وهذه الحقيقة يؤكدها حوالي نصف قرن من حكم حزب الدستور بقيادة بورقيبة ثم بن علي. إن الديمقراطية لن تتحقق بواسطة هذه الدكتاتورية أو بالتعاون معها بل ضدها وعلى أنقاضها. وما من شك في أن الشعب التونسي الذي يحفل تاريخه بالنضال والتضحيات قادر على هزمها وبناء النظام الديمقراطي الذي ينشده.
وما دام التخلص من الدكتاتورية يقتضي التحرك حول مهمات محددة وملموسة فإن حزب العمال يرى أن هذه المهمات تتمحور على المستوى المرحلي حول القضايا التالية:
* إن الانتقال إلى النظام الديمقراطي لن يتحقق إلا عن طريق انتخابات حرة تسهر على تنظيمها هيئة أو حكومة مؤقتة تحظى بتأييد القوى الديمقراطية وتتمتع بكامل الصلاحيات خلال الفترة الانتقالية لإنجاز تلك المهمة. ويكون الهدف من تلك الانتخابات إقامة مجلس تأسيسي توكل له مهمة صياغة دستور جديد يرسي القواعد الأساسية للنظام الديمقراطي المنشود في نطاق الاستقلال التام للبلاد وتحررها من أي هيمنة خارجية.
* إن نظاما برلمانيا منتخبا على قاعدة مبدأ التمثيل النسبي هو النظام الأكثر ديمقراطية من النظام الرئاسي لما فيه من حد لمخاطر الحكم الفردي ولقدرته على عكس موازين القوى السياسية في المجتمع ولما يوفره من إمكانيات حقيقية وجدية للتداول الديمقراطي على السلطة. إن رئاسة الدولة في مثل هذا النظام تكون شرفية.
* إن إقامة حياة ديمقراطية حقيقية ومتطورة تقتضي توسيع مبدأ الانتخاب على قاعدة التمثيل النسبي ليكون القاعدة التي يستند إليها قيام كافة أجهزة الحكم الوطنية والجهوية والمحلية. كما تقتضي إقرار مبدأ مراقبة الناخبين للمنتخبين ومحاسبتهم وعزلهم عند الاقتضاء.
* وحتى تكون الهيئات المنتخبة والممثلة مباشرة للشعب هي صاحبة السلطة الفعلية يكون من الضروري إخضاع السلطات التنفيذية على المستويات الوطنية والجهوية والمحلية لمراقبة تلك الهيئات مع اعتماد التسلسل التالي في ترتيب السلطات: التشريعية فالقضائية فالتنفيذية.
* إن ضمان استقلالية القضاء في مرحلة انتقالية يمكن أن يتحقق بتولي مجلس أعلى للقضاء منتخب، إدارة شؤون القضاة وفق المبادئ التي تضمن لهم استقلاليتهم والتي تمثل القواعد الدولية الدنيا لاستقلالية القضاء وهي:
- تعيين القضاة من طرف المجلس الأعلى للقضاء المنتخب.
- عدم نقلة القضاة من مراكز عملهم إلا بطلب منهم.
- اعتماد مبدأ الترقية الآلية للقضاة حسب معايير موضوعية مضبوطة سلفا.
وتدعيما لاستقلالية القضاء يقترح حزب العمال أن تتولى السلطة التشريعية تحديد ميزانية السلطة القضائية مباشرة مع إيكال التصرف فيها للمجلس الأعلى للقضاء.
* إن ضمان هيئات منتخبة وممثلة تمثيلا حقيقيا تقتضي تمكين كل التونسيين والتونسيات من حق الانتخاب عن طريق ترسيمهم بصورة آلية في القائمات الانتخابية بداية من 18 سنة ومن حقهم في الترشّح نساء ورجالا بداية من 25 سنة.
* إن تعيين محكمة دستورية تتولى مراقبة دستورية القوانين ومراقبة صحة الانتخابات ينبغي أن يتم عن طريق نواب الشعب المنتخبين ضمانا لاستقلالية تلك المحكمة.
* إن إدراج مبدأ الاستفتاء في كافة المستويات الوطنية والجهوية والمحلية حتى يصبح تقليدا أمر هام لتكريس مشاركة الشعب مباشرة في إدارة الشأن العام والحد من بيروقراطية الدولة.
* إن ضمان الممارسة الديمقراطية داخل كافة المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية شرط أساسي من شروط إرساء حياة ديمقراطية حقيقية داخل المجتمع.
* إن إخضاع المؤسستين الأمنية والعسكرية لمراقبة المؤسسة التشريعية أمر ضروري حتى لا يفلتا عن كل مراقبة وحتى لا يقعا تحت السيطرة المطلقة للسلطة التنفيذية.
* إن ضمان الحريات الفردية والعامة واحترام حقوق الإنسان وتوفير الشروط المادية لممارستها لكافة المواطنين والمواطنات هو شرط أساسي لقيام النظام الديمقراطي. والمقصود بهذه الحريات هو: حرية الرأي والضمير والتعبير، حرية التنظم، حرية الاجتماع، حرية الإبداع، حرية الانتخاب والترشح للمسؤوليات العامة، ضمان الحرمة الذاتية وحرمة المسكن والمراسلة والاتصال وتجريم كل انتهاك لها.
* إن ضمان المساواة التامة في الحقوق بين المواطنين وخصوصا بين النساء والرجال في العائلة والمجتمع هو الشرط الأساسي الثاني بعد الحرية لإقامة النظام الديمقراطي.
* إن فصل الدين عن الدولة والسياسة وإيكال الشؤون الدينية إلى هيئة مستقلة تنظمها وتسهر عليها دون تدخل في الشأن العام هو ضمان أساسي لحرية ممارسة المواطنين والمواطنات لمعتقداتهم دون تدخل من أجهزة الدولة
* إن إلغاء حكم الإعدام مسألة أساسية في منظومة حقوق الإنسان لا يمكن للنظام الديمقراطي أن يتجاهلها.
* إن ضمان الحرية النقابية وخصوصا في ما يتعلق بالتنظم النقابي وبالإضراب هو حق غير قابل للتصرف في النظام الديمقراطي.
* وبما أنه لا ديمقراطية إلا في إطار الاستقلال التام عن كل هيمنة أجنبية فإن النظام الديمقراطي يلغي كافة أشكال الهيمنة المسلطة على بلادنا والتي تفقدها عمليا سلطة القرار المستقل في كل ما يتعلق بشؤونها الداخلية والخارجية.
إن تحقيق هذه الأهداف يقتضي النضال بصورة مباشرة من أجل المطالب الملحة التالية:
* رفض نتائج المهزلة الانتخابية والطعن في شرعية بقاء بن علي في الحكم واحتكار حزبه للحياة العامة والمطالبة بانتخابات حرة ونزيهة في كافة المستويات على قاعدة مبدأ التمثيل النسبي.
* إطلاق سراح كافة المساجين السياسيين والسماح للمغتربين بالعودة وإعلان العفو التشريعي العام والتعويض لكافة ضحايا القمع على ما لحقهم من أضرار مادية ومعنوية.
* حل جهاز البوليس السياسي وإلغاء سلك الأمن الجامعي
* ضمان استقلالية القضاء: انتخاب المجلس الأعلى للقضاء وعدم نقل القضاة إلا بطلب منهم وإقرار مبدأ الترقية الآلية.
* إلغاء ترسانة القوانين الفاشية وفرض احترام الحريات الفردية والعامة وحقوق الإنسان بالخصوص:
- حرية التعبير والصحافة: إلغاء قانون الصحافة وضمان حرية إصدار الصحف ورفع يد الحزب الحاكم عن وسائل الإعلام العمومية وإسناد مهمة الإشراف عليها إلى هيئة مستقلة.
- حرية التنظم: إلغاء قانوني الجمعيات والأحزاب والاعتراف بكافة الجمعيات والأحزاب الراغبة في ذلك واحترام استقلاليتها وحرية نشاطها.
- احترام حرية المعتقد وإلغاء المنشور رقم 108 وقانون المساجد ومنع توظيف الدين سياسيا على السلطة وكافة الأطراف الأخرى.
- القضاء على ممارسة التعذيب ومحاكمة المسؤولين عنها أمرا وتنفيذا والتعويض لضحاياها.
- احترام الحياة الخاصة للمواطنين بكل أبعادها (سكن، مراسلات، اتصالات، معطيات خاصة…) وتجريم انتهاكها.
- ضمان الحق النقابي بما فيه حق العمال والأجراء في بعث نقابات مستقلة.
- احترام حق صغار التجار والحرفيين والفلاحين بتنظيم أنفسهم باستقلالية عن اتحاد الصناعة والتجارة والاتحاد الوطني للفلاحين.
* إقرار المساواة بين الجنسين في كافة المجالات.
* حل الشعب المهنية بكافة الإدارات والمؤسسات.
* حل لجان الأحياء الحالية وتعويضها بلجان منتخبة من طرف المتساكنين.
* إعطاء البلديات الاستقلالية التي تمكنها من إدارة شؤون ناخبيها وفقا لمطالبهم.
* إلغاء حكم الإعدام
* فصل الحزب الحاكم عن الدولة.
* التحقيق في قضايا الفساد.
* وضع حد لكافة مظاهر الهيمنة الامبريالية:
- حل اللجان العسكرية المختلطة (اللجنة العسكرية الأمريكية التونسية المشتركة).
- عدم السماح للأساطيل الأجنبية باستعمال الموانئ التونسية.
- منع إقامة قواعد عسكرية أجنبية في تونس.
- مقاومة مشروع الشرق الأوسط الكبير بوصفه جزءا من الاستراتيجية الأمريكية للهيمنة على المنطقة.
- غلق المكتب الإقليمي للشراكة الأمريكية الشرق أوسطية.
* وضع حد كافة أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني.
سيادة الشعب على ثروات البلاد وخيراتها هي عنوان الديمقراطية الاقتصادية
وإذا كان النضال ضد الدكتاتورية ومن أجل الحرية السياسية هو المفتاح اليوم لينهض الشعب وتتقدم البلاد، فإن هذا النضال لا يمكن عزله عن النضال ضد القاعدة الاقتصادية والاجتماعية لتلك الدكتاتورية التي تمثل كما ذكرنا في البداية الإطار السياسي العام الذي يتم فيه استغلال الطبقات والفئات الشعبية الكادحة ونهب خيرات البلاد وثرواتها من قبل الرأسمال المحلي والأجنبي بل من قبل الأقلية المحلية الفاسدة وشركائها الأجانب من دول ومؤسسات مالية وشركات احتكارية امبريالية واستعمارية وهما الثنائي الذي يمتلك السلطة الاقتصادية ويمارس بالتالي دكتاتورية اقتصادية على عموم الشعب. وعلى هذا الأساس فإن النظام الديمقراطي المنشود سيكون نقيض الدكتاتورية النوفمبرية في اختياراتها الاقتصادية والاجتماعية إذ أنه سيشكل الإطار السياسي العام الذي يحقق فيه الشعب تحرره من الاستغلال والفقر والنهب. إن الديمقراطية في المجال الاقتصادي لا معنى لها إلا بتحقيق الشعب سيادته على ثروات البلاد وخيراتها من أجل بناء اقتصاد وطني يلبي حاجاته المادية والمعنوية ويضمن للبلاد استقلالها ويحررها من الهيمنة الامبريالية في شكلها الاستعماري الجديد ويفتح أمامها طريق النهضة الشاملة في كافة المجالات العلمية والتقنية والثقافية. ذاك هو "الإصلاح الهيكلي" الحقيقي الذي يتطلبه الواقع الاقتصادي في بلادنا حتى تنهض تونس ويحقق شعبها آماله وطموحاته. وإذا كان من غير الممكن لبلادنا أن تعيش منغلقة على نفسها، بمعزل عن العالم في مثل المناخ الاقتصادي العام اليوم، فإنه من الضروري التأكيد على أن "الانفتاح" على العالم الخارجي لا يعني بالضرورة السقوط في التبعية. إن التبعية هي خيار الأقلية البورجوازية العميلة التي تمثل جزءا لا يتجزأ من النظام الرأسمالي العالمي، والتي لا يمكنها أن تعيش وتحقق الأرباح إلا من خلال تلك التبعية بتسخير كادحي البلاد وخيراتها وثرواتها لاستغلال الرأسمال الأجنبي. أما الخيار الاقتصادي للنظام الديمقراطي الذي يدافع عنه حزب العمال فهو خيار وطني يخضع العلاقات الاقتصادية والتجارية بالخارج لمقتضيات تنمية البلاد وتسديد حاجات الشعب والنهوض بالمجتمع وليس العكس. مما يعني إخضاع تلك العلاقات لمبادئ الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة. فالخيار الديمقراطي في المجال الاقتصادي هو إذن خيار وطني وشعبي. وهو يقتضي كأهداف مرحلية ما يلي:
- تأميم المصالح الأجنبية ذات الطابع الهيمني الاستعماري.
- إلغاء كافة الاتفاقيات والمعاهدات المكرسة للتبعية والنهب والتي تمت دون استشارة الشعب التونسي.
- إلغاء المديونية الخارجية باعتبارها مصدرا للنهب والسيطرة على مصائر البلاد.
- تأميم القطاعات الاستراتيجية الأساسية لتشكل نواة الاقتصاد الوطني وإخضاعها للتسيير الديمقراطي للعاملين فيها.
- إخضاع القطاع الخاص لمقتضيات التنمية الوطنية وحاجات الشعب الأساسية.
- إعطاء الأولوية في الاستثمار والدعم للقطاعات المنتجة (الصناعة والفلاحة) وحماية الإنتاج الوطني.
- إجراء إصلاح زراعي جوهري لفائدة الفلاحين الصغار والفقراء لتأمين نهضة الريف التونسي.
- إعطاء الأبحاث العلمية والتكنولوجية مكانة أساسية في مسار التنمية الوطنية.
- مصادرة الثروات غير المشروعة التي راكمتها الأقلية الحاكمة عن طريق الاستغلال والنهب والابتزاز والسرقة ومطالبة البنوك الأجنبية بإرجاع ما أودع لديها من أموال والبلدان الأجنبية بإرجاع ما اشتروه أو بنوه على أرضها من عقارات وما أسسوه من شركات بأموال الشعب.
- إقامة نظام جبائي عادل يقوم على مبدأ الضريبة التصاعدية على الممتلكات والمداخيل.
وبشكل مباشر وملح:
- النضال من أجل إسقاط برنامج الإصلاح الهيكلي والمطالبة بإلغاء اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
- النضال من أجل تراجع الدولة في خوصصة القطاعات الاستراتيجية وإعادة تأميمها.
- النضال من أجل إلغاء المديونية الخارجية.
- مقاومة الفساد والتحقيق في الثروات غير المشروعة.
- المطالبة بإجراءات ملموسة لحماية الإنتاج المحلي وأصحاب المهن الصغرى.
- إلغاء ديون الفلاحين الصغار وتأمين الدعم المادي والتقني لهم لتطوير إنتاجهم وتسويقه وتصنيعه.

الديمقراطية لضمان العيش الكريم لأفراد الشعب
إن التنمية الاقتصادية لا معنى لها إذا لم يكن الهدف منها تأمين العيش الكريم لأفراد الشعب نساء ورجالا. فإذا كان النظام الاجتماعي للدكتاتورية النوفمبرية رديفا لتفاقم الفوارق الاجتماعية والبطالة والتهميش فإن النظام الديمقراطي الجديد يجب أن يكون رديفا للعدالة الاجتماعية مما يعني ضمان كافة الحقوق الاجتماعية لجميع المواطنات والمواطنين وتحويلها إلى مبادئ دستورية:
- توزيع الثروات بشكل عادل وإقرار مبدأ الضريبة التصاعدية على المداخيل.
- الحق في الشغل.
- الحق في التكوين.
- الحق في السكن.
- الحق في العلاج المجاني.
- الحق في تعليم إلزامي، مجاني، راق.
- ضمان اجتماعي موحد لكافة العاملين وتكفل الدولة والأعراف بتأمين نفقاته.
- ضمان خدمات راقية وبأسعار رمزية: نقل، كهرباء وغاز، اتصالات إلخ.
وبشكل مباشر وملح:
النضال من أجل:
- مراجعة التشريعات لحماية حقوق الشغالين وفي مقدمتها الحق في الشغل.
- منع الطرد الجماعي
- القضاء على أشكال العمل الهش وترسيم كافة العمال الوقتيين.
- تجريم السمسرة باليد العاملة وإقرار مبدأ: لا مناولة في مواطن الشغل القارة.
- توفير ضمان مالي من أصحاب الشركات لضمان حقوق أجرائهم عند تسريحهم.
- تكفل الدولة بالاستثمار في القطاعات المنتجة وإيجاد مواطن الشغل للعاطلين عن العمل.
- ضمان أجر أدنى صناعي وفلاحي موحد لا يقل عن 375 دينار لتعويض التدهور في المقدرة الشرائية ولتحسين ظروف عيش أصحاب الأجر الأدنى.
- مراجعة الأجور وفقا لتقييم جدي ومستقل لتدهور المقدرة الشرائية منذ عام 1983.
- منع الساعات الإضافية لتوفير الوقت الضروري لراحة الشغالين ومواطن شغل جديدة لطالبيها.
- الحد من الهوة الكبيرة بين المداخيل عن طريق مراجعة النظام الجبائي.
- الحد من الهوة الكبيرة بين الأجر الأدنى من جهة والأجر الأقصى من جهة أخرى التي تصل الآن إلى حوالي 30 مرة.
- تمكين العاطلين عن العمل من منحة بطالة أو من دخل قار مع تمكينهم من مساعدات وخدمات اجتماعية أخرى: مجانية النقل والتغطية الاجتماعية والسكن.
- إخضاع التقاعد لمعايير موضوعية تراعي مصلحة الشغالين: 37 سنة شغل، 55 سنة للتقاعد مع 75% من الأجر على الأقل.
- تأمين إدماج المعاقين والمعوزين والمسنين في الحياة الاجتماعية لضمان كرامتهم بعيدا عن التوظيف السياسي المهين.
- مقاومة تفكيك الخدمات العمومية وخوصصتها: لا لخوصصة الماء والكهرباء والغاز ووسائل النقل والاتصال ومراجعة أسعارها الحالية لتكون في متناول المواطنين وتحسين جودتها.
- تحمّل الدولة والأعراف لنفقات التأمين الاجتماعي على العجز والشيخوخة والحوادث والبطالة وضمان التصرف في التأمين للمؤمنين أنفسهم.
- ضبط خطة وطنية لمقاومة الأمراض الاجتماعية وفي مقدمتها المخدرات والكحولية، إلخ.
- مقاومة المضاربات العقارية وضبط سياسة سكنية عادلة.
- مراجعة السياسة الجهوية في اتجاه توجيه الاستثمار توجيها يخدم النمو العام والتوازن والتكامل بين الجهات وتوفير حاجات المناطق الداخلية في التعليم والتكوين والصحة والنقل والاتصال والماء والكهرباء وضبط خطة وطنية لسد الفجوات الموجودة حاليا على أمد متوسط.
- مراجعة السياسة البلدية مراجعة جوهرية لتحسين أوضاع الأحياء الفقيرة وضبط خطة متوسطة المدى لتقريب الفجوة بينها وبين الأحياء الغنية.
- لعناية بالمهاجرين والكف عن التعامل معهم كمجرد مصدر لتوفير العملة الصعبة. وفي هذا الإطار:
. الدفاع عن المهاجرين في ما يتعلق بإدماجهم في البلدان المضيفة وضمان حقوقهم المادية والمعنوية دون تمييز مع مواطني البلد الأصلي.
. تحمّل السلطات القنصلية مسؤوليتها في الدفاع عن كرامة المهاجرين والعناية بالموجودين منهم بالسجون الأجنبية.
. تمكين كافة التونسيين والتونسيات من كافة وثائقهم دون ميز بسبب الانتماء السياسي.
. تمكين المهاجرين من الحضور داخل المؤسسات التمثيلية لإسماع مشاكلهم ومطالبهم ومقترحاتهم.
ثقافة ديمقراطية لنشر العلم والمعرفة
إن تحقيق ثقافة ديمقراطية مشروط بتوفر عوامل أساسية ثلاثة أولها الحرية، أي حرية الإبداع في كافة المجالات الأدبية والفنية والعلمية. وثانيها: تكفّل الدولة بتمويل الثقافة حتى لا يتحول النشاط الثقافي إلى نشاط تجاري غايته الربح وحتى تتوفر نفس الحظوظ لكافة أفراد المجتمع سواء في الخلق والإبداع أو في التمتع بالمنتوج الثقافي. وثالثها: إعطاء الثقافة مضمونا وطنيا، تقدميا، علميا، إنسانيا ينهض بالوعي الجماعي لأفراد المجتمع وينمي معارفهم ويرتقي بأذواقهم ويقربهم من الثقافات الإنسانية الأخرى. وعلى هذا الأساس فإن النظام الديمقراطي المنشود يضمن:
- حرية الإبداع والبحث العلمي.
- التمويل العمومي للنشاط الثقافي.
- بعث هيئات منتخبة في مختلف القطاعات الثقافية تتولى توزيع الدعم المالي.
- تطوير الفضاءات الثقافية (مسارح، قاعات سينما، إلخ…) وتوزيعها بشكل عادل على كافة مناطق البلاد.
وبصورة مباشرة النضال من أجل:
- إلغاء لجان الرقابة على الإنتاج الأدبي والفني.
- إلغاء كافة القيود القانونية والعملية على حرية التعبير والإبداع.
- ضمان حق كافة المبدعين والمشتغلين في كافة القطاعات الثقافية في حرية التنظم وفي هذا الإطار الاعتراف برابطة الكتاب الأحرار ورفع السلطة وصايتها على الهياكل والمنظمات الثقافية.
- بعث مجلس وطني للثقافة ومجالس قطاعية منتخبة تتولى توزيع الدعم وفق معايير موضوعية.
- ضمان حق كافة المبدعين في استغلال الوسائل السمعية البصرية وخاصة منها الإذاعة والتلفزة لتقديم إنتاجهم.
- ضمان حرية النشر وتسريح كل الكتب الممنوعة.
الديمقراطية لنشر العلم والمعرفة
إن حزب العمال لا يرى من ديمقراطية إلا إذا كان أحد أهدافها الأساسية نشر التعليم والقضاء نهائيا على آفة الأمية وخلق مواطن متعلم، مثقف، مكتسب لإنجازات الإنسانية في مجال المعرفة. ولا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا إذا التزمت الدولة بواجباتها تجاه أفراد المجتمع ووفرت لهم المستلزمات الضرورية لذلك من إطارات وتجهيزات ومناخ من الحرية والديمقراطية.
فالتعليم مثله مثل الصحة حق أساسي من حقوق المواطنة، لا هو قابل للتصرف ولا هو يحتمل التمييز بسبب الجنس أو المال والثروة أو الانتماء السياسي. فلا خوصصة للتعليم، ولا مجال لتعليم للفقراء وآخر للأغنياء بل تعليم عمومي للجميع، إلزامي، مجاني في كافة مراحله راق، محوره العلم والمعرفة وأداته اللغة العربية ومنهجه الربط بين النظرية والتطبيق وآفاقه إنسانية.وتسييره راجع إلى المعنيين به مباشرة من إطار للتعليم وتلاميذ وطلبة وأولياء وهياكل ممثلة لهم. ومثل هذا التعليم هو الأساس لتنمية متينة وشرطها الذي لا غنى عنه. وهو ما يقتضي بصورة مباشرة:
- النضال ضد خوصصة التعليم في كافة مراحله ومن أجل استرجاع التعليم لطابعه العمومي في كافة مراحله.
- مجانية التعليم في كافة مراحله.
- إلغاء نظام المقاربة بالكفايات في التعليم الأساسي والثانوي.
- الزيادة في نفقات التعليم بما يوفر الإطار الكافي للتدريس والتجهيزات الضرورية (أقسام، مخابر، مكتبات، …).
- تشريك المدرسين والأولياء والتلاميذ (الثانوي) في تقرير السياسة التعليمية وفي سير المؤسسات التربوية.
- انتخاب الإطار الإداري من قبل المعلمين والأساتذة والعاملين بالمدارس والمعاهد.
- إخلاء المدارس والمعاهد الثانوية من أعوان البوليس.
- إلغاء كافة مظاهر الولاء الإجبارية لبن علي ونظامه.
- ضمان حرية النشاط الفكري والثقافي والفني داخل المدارس والمعاهد.
أما في الجامعة، النضال من أجل:
- الحق في الالتحاق بالتعليم العالي بمختلف أشكاله لمن ينهي بنجاح التعليم الثانوي أو ما يعادله أو لمن تتوفر لديه المؤهلات اللازمة للقبول في التعليم العالي في أي عمر.
- اعتبار الطلبة محور اهتمام التعليم العالي وأحد الأطراف المعنية به وبالتالي تشريكهم في إصلاح المناهج الدراسية وأساليب التدريس وفي اتخاذ القرار بشأن السياسة العامة للتعليم في الجامعة.
- إلغاء خوصصة التعليم العالي وتحمّل الدولة لنفقات دراسة الطالب ومسكنه ومأكله وتنقله طوال فترة تعليمه العالي: تعميم المنحة مع الرفع في قيمتها، تمتيع كافة الطلبة بالسكن وتحسين الأكل وظروف النقل.
- وقف تفتيت الجامعة وفتح حوار وطني بمشاركة الطلاب والأساتذة وكافة قوى المجتمع المدني لمراجعة دورها وأهدافها.
- اتباع طريقة الانتخاب في تعيين العمداء ومدراء المدارس العليا وكافة إطارات الكليات والمدارس العليا.
- توفير وتأمين الظروف اللازمة لممارسة النشاط الأكاديمي واستقلالية المؤسسات الجامعية حتى تتمكن ويتمكن العاملون بها في حقل التعليم والبحث من الوفاء بالتزاماتهم تجاه المجتمع. وفي هذا الإطار إلغاء منشور فيفري 1997 الذي يخضع النشاط الأكاديمي لوزارة الداخلية.
- الترفيع في ميزانية البحث العلمي والتكنولوجي بما يساعد على تحقيق مستلزمات التنمية وتشجع الكفاءات التونسية على البقاء بالبلاد أو العودة إليها بالنسبة إلي الكفاءات المهاجرة.
- حل جهاز الأمن الجامعي وإخلاء الكليات والمدارس العليا من كافة الفرق الأمنية.
- احترام حرمة الجامعة وإصدار قانون يجرم انتهاكها.
- احترام حق الطلبة في النشاط الفكري والسياسي والثقافي والنقابي بما في ذلك حقهم في الاجتماع والتعليق والتوزيع والنشر والإضراب.
وفي خصوص تشغيل أصحاب الشهادات العليا:
- إلغاء مناظرة الكاباس وما شابهها من مناظرات وتعويضها بمعايير موضوعية تراعي الأقدمية والسن والوضعية الاجتماعية وتشريك ممثلين عن المعنيين في تطبيق تلك المعايير، واتخاذ الإجراءات التالية لخلق مواطن شغل لأصحاب الشهادات العليا.
- النزول بسن التقاعد في التعليم الثانوي إلى 55 سنة
- إلغاء الساعات الزائدة في التعليم الثانوي والعالي.
- التخفيض في ساعات التدريس.
- وضع حد للاكتظاظ داخل الأقسام.
- بعث مدارس ومعاهد جديدة في الجهات والمناطق المحتاجة.

لا ديمقراطية دون مساواة بين الجنسين
لا ديمقراطية إذا لم يكن كل المواطنين يتمتعون بحقوقهم على قدم المساواة. ويمثل القضاء على التمييز بين الجنسين محورا أساسيا للمعركة من أجل المساواة في مجتمعنا:
- جعل المساواة بين الجنسين مبدأ دستوريا ينسحب على كافة القوانين.
- إقرار مبدأ الإدارة المشتركة للعائلة مع ما ينجر عن ذلك من مساواة في الولاية على الأطفال وفي الإرث وفي اختيار مقر سكنى العائلة ولقبها.
- المساواة في الشغل مع اتباع سياسة التمييز الإيجابي لتحقيق المساواة في تولي الخطط الوظيفية.
- إقرار المساواة في تولي كافة الوظائف العامة مع تكريس مبدأ التناصف في كافة الهيئات التمثيلية.
- تكفل الدولة بنفقات الأمومة خلال فترة الحمل وعند الوضع وبعده ومنح المرأة الحامل عطلة خالصة الأجر بشهرين قبل الولادة وبشهرين بعدها.
- اتباع سياسة أسرية تشجع على تحمل الزوجين أعباء شؤون العائلة.
- تكفل الدولة بتوفير المحاضن ورياض الأطفال.
- احترام حقوق الطفل في صلب العائلة والمجتمع: صيانة حرمته الجسدية والمعنوية وحقه في العيش بأمان مع والديه وفي ممارسة كافة الأنشطة التي تنمي مواهبه.
بصورة مباشرة:
- النضال من أجل إلغاء كافة مظاهر التمييز في التشريعات التونسية.
- حماية حق المرأة في الشغل وتجريم طرد المرأة بسبب الحمل أو الولادة.
- منع عمل النساء في الليل وفي الصناعات المضرة بصحتهن.
- تحسين الأجور وظروف العمل في المهن التي تشغل غالبيتها النساء (النسيج، الفلاحة، الصحة، التعليم...).
- الاعتراف بالأمومة كوظيفة اجتماعية وعلى هذا الأساس:
. العلاج المجاني للمرأة عند الحمل والوضع وبعده.
. منح المرأة الحامل عطلة خالصة الأجر بشهرين قبل الولادة وبشهرين بعدها.
. توفير المحاضن ورياض الأطفال بكافة المؤسسات.
- صيانة كرامة المرأة بـ:
. إلغاء كافة مظاهر التمييز ومنع الصور المهينة للمرأة في الكتب المدرسية ووسائل الإعلام والمنتوجات الثقافية والنضال بشكل عام ضد الأفكار والتقاليد التي تستعبد النساء.
. تجريم الاعتداء على العاملات والتحرش بهن.
. مقاومة شبكات البغاء.
- احترام حق النساء في التنظم (رفع التضييقات المضروبة على أنشطة كافة الجمعيات واللجان التي تعنى بالنهوض بواقع النساء التونسيات).
لا نهوض لتونس بدون شباب حر ومتوازن وطموح
إن العناية بالشباب تنطلق من إعادة الاعتبار لهذه المرحلة من حياة الإنسان والتعامل معها باعتبارها مرحلة حساسة وحاسمة تتبلور فيها شخصيته وتتحدد أهدافه وخياراته في الحياة. وهو ما يقتضي توفر شرطين أساسيين ليحقق الشاب ذاته وتتوفر له أنسب الظروف لبناء شخصيته والمساهمة في تطور مجتمعه وبلاده. وهذان الشرطان هما: الحرية والإمكانيات المادية، فالحرية ليمارس الشاب حقوقه الأساسية ويسهم بصورة نشيطة في الشأن العام وبالتالي في تحديد اختيارات البلاد وخاصة منها التي تهمه بصورة مباشرة والإمكانيات المادية ليتمكن الشاب من التعلم وكسب المعرفة والحصول على الشغل عند التخرج وعلى مسكن لائق وبناء عائلة وبشكل عام ضمان استقلاليته.

وبصورة مباشرة النضال من أجل:
- حق الشباب في التعليم المجاني وفي التعبير عن آرائه وفي التنظم.
- حق الشباب في العمل والتكوين وفي هذا الإطار إيجاد الحلول المباشرة لاستيعاب بطالة الشباب والحد من ظاهرة الهجرة السرية (الحرقان).
- تقليص ساعات العمل إلى ست ساعات فقط في اليوم مقابل أجر كامل بالنسبة إلى الشبان البالغين من العمر ما بين 18 و25 سنة لتوفير الوقت لهم لمواصلة تعليمهم وتكوينهم إلخ.
- منع عمل الأطفال.
- حق الشباب في السكن: تخصيص نسبة من المساكن للشباب بأسعار في متناولهم.
الرياضة حق للجميع
إن المبدأ الديمقراطي الذي ينبغي أن يقود السياسة الرياضية هو: الرياضة حق للجميع باعتبارها عنصرا أساسيا في تحقيق السلامة الجسدية والعقلية للمواطن وعاملا مهما لتطوير قدراته على النشاط والعمل. وعلى هذا الأساس تتكفل الدولة الديمقراطية بتوفير الظروف الملائمة للمواطنين في المدن والأرياف وفي الأحياء والمدارس والمؤسسات لممارسة النشاط الرياضي.
وبصورة مباشرة النضال من أجل:
- مراجعة السياسة الرياضية الحالية القائمة على النخبة والمال والتوظيف السياسي وعدم التوازن بين الجهات وبين الأحياء الفقيرة والأحياء الغنية والعمل على توفير فرص متساوية لممارسة الرياضة.
- إشاعة حياة ديمقراطية داخل المؤسسات والهياكل الرياضية: انتخاب الهيئات والمكاتب، تشريك الرياضيين وممثليهم في صياغة التصورات والبرامج.
- مقاومة الفساد في الجمعيات والهياكل الرياضية: إخضاع المالية للمراقبة، ضبط معايير موضوعية لدعم الجمعيات.
- نشر قيم الروح الرياضية من خلال المدارس والجمعيات ووسائل الإعلام.
البيئة
إن توفير بيئة سليمة للتونسيين يقتضي النظر إلى التونسي من الجنسين على أنه هو رأس المال الحقيقي للبلاد. وعلى هذا الأساس ينبغي إعطاء الأولوية لحمايته وليس للربح على حساب أمنه وصحته وحياته. وهو ما يقتضي اتباع سياسة تعتمد على المبادئ التالية:
- الدراسة عند إقامة أي مشروع لتبيّن المخاطر البيئية.
- تشريك الشغالين وهيئاتهم التمثيلية في مراقبة الإنتاج في المؤسسات.
- تشريك السكان على المستوى الجهوي والمحلي في القرارات المتعلقة لحماية المحيط.
- تجريم تلويث المحيط.
- حماية الغابات والثروة الحيوانية والمناطق الخضراء ومقاومة ظاهرة زحف المباني عليها.
- حماية المائدة المائية وضبط خطة وطنية لاستغلالها.
وبصورة مباشرة:
- إيجاد الحلول للمناطق الملوثة (بنزرت، صفاقس، قابس، …) وتشريك الشغالين والسكان في ذلك.
- إجراء مراجعة شاملة للأوضاع البيئية وضبط خطة لمقاومة التعفن وما ينجم من انتشار للحشرات وخاصة الناموس والذباب. ووضع حد للسياسة التمييزية التي تتبعها البلديات لفائدة الأحياء الغنية.
- فتح تحقيق شامل ومستقل حول استعمال المواد الكيمياوية في الإنتاج الفلاحي.
- مساعدة أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على التخلص من المنتوجات الملوثة.
- تجريم صيد بعض الطيور والحيوانات النادرة أو المتاجرة بها.
سياسة خارجية مستقلة، معادية للامبريالية والصهيونية
إن النظام الديمقراطي يتبع سياسة خارجية، معادية للامبريالية والاستعمار والصهيونية والحروب العدوانية، مناصرة لقضايا الشعوب العادلة، على المستويين القومي والأممي كما يعمل على توثيق الروابط بين الشعب التونسي وباقي الشعوب العربية التي يجمعها طموح مشترك إلى التحرر والوحدة. وتكريسا لهذا التوجه العام يطرح حزب العمال بشكل مباشر:
- النضال ضد السياسة الخارجية لنظام بن علي الموالية للامبريالية وعلى رأسها الامبريالية الأمريكية.
- دعم نضال الشعبين الفلسطيني والعراقي من أجل حقهما في دحر الاحتلال وتقرير المصير: فرض حق الشعب التونسي في التعبير عن تضامنه عن طريق تنظيم الاجتماعات والمسيرات وتجميع المال والأدوية إلخ.
- دعم حقوق الشعبين اللبناني والسوري في استرجاع أرضهما التي يحتلها الكيان الصهيوني.
- دعم نضالات الشعوب العربية من أجل حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومن أجل التخلص من الهيمنة الامبريالية والأجنبية.
- دعم نضالات الشغيلة في العالم والشّعوب والأمم المضطهدة ضد الاستغلال النيولبرالي الوحشي للدول والشركات الاحتكارية الكبرى وضد الحرب وتخريب البيئة الكونية.
حزب العمال الشيوعي التونسي / ديسمبر 2004



#حزب_العمال_التونسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنتخابات المجالس العلمية
- 1 نوفمبر 1994 – 1 نوفمبر 2004: الذكرى العاشرة لأحداث القيروا ...
- مهزلة 24 أكتوبر تعمق أزمة شرعية النظام
- إثر إطلاق سراح عدد من المساجين السياسيين المحاكمين في قضايا ...
- بــيـــــــان
- لا للدكتاتورية مدى الحياة!
- بيــان - حول الاعتداء الذي تعرّض له السّيد حمّة الهمّامي الن ...
- اليوم الأول من حملة انتخابية باهتة: كفى تزويرا! كفى اغتصابا ...
- بيان على هامش أيّام قرطاج السينمائية:ضد التصحّر الثقافي، ضد ...
- الانتخابات في المنظمات الجماهيرية
- الدكتاتورية تشدد حملتها على الحريات قبل مهزلة أكتوبر القادم
- البيروقراطية تزج بالاتحاد العام التونسي للشغل في مستنقع جديد ...
- حزب العمال يجدد نداءه بمقاطعة المهزلة الانتخابية
- ما لم يُنشر حول اعتصام وإضراب الجوع لعمال -صوطاباكس- بسوسة
- الحركة الديمقراطية تدعو إلى تحويل الانتخابات القادمة إلى معر ...
- بين -حماية الأخلاق- و-مكافحة الإرهاب- ضاعت حقوق الناس!
- المعارضة الديمقراطية قادرة على أن تكون فاعلة
- بيان
- انتفاضة الخبز 3 جانفي 1984: الوقائع والاستتباعات
- قفصة : القوى الديمقراطية تنهض


المزيد.....




- روسيا تدعي أن منفذي -هجوم موسكو- مدعومون من أوكرانيا دون مشا ...
- إخراج -ثعبان بحر- بطول 30 سم من أحشاء رجل فيتنامي دخل من منط ...
- سلسلة حرائق متتالية في مصر تثير غضب وتحليلات المواطنين
- عباس يمنح الحكومة الجديدة الثقة في ظل غياب المجلس التشريعي
- -البركان والكاتيوشا-.. صواريخ -حزب الله- تضرب مستوطنتين إسرا ...
- أولمرت: حكومة نتنياهو تقفز في الظلام ومسكونة بفكرة -حرب نهاي ...
- لافروف: أرمينيا تسعى عمدا إلى تدمير العلاقات مع روسيا
- فنلندا: معاهدة الدفاع مع الولايات المتحدة من شأنها أن تقوض س ...
- هجوم موسكو: بوتين لا يعتزم لقاء عائلات الضحايا وواشنطن تندد ...
- الجيش السوداني يعلن السيطرة على جسر يربط أمبدة وأم درمان


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - حزب العمال التونسي - مشروع وثيقة من أجل بديل ديمقراطي وشعبي