الرأسمالية الإمبريالية و النضال الطبقي بسوس بالمغرب


امال الحسين
2007 / 6 / 14 - 13:15     

النضال الطبقي من أجل الحق في الأرض :
الحق في الأرض باعتبارها المهد الذي انبثقت منه الخيرات الطبيعية التي يرعاها الفلاحون الفقراء بأيديهم الطاهرة ، فكما يقول المثل المغربي " يد الفلاح نقية " خير تعبير عن صفاء الذات ذات الفلاح الفقير المرتبط بالأرض من أجل العطاء ، فهو لا ينتظر الأخذ منها فقط بل يعطيها من عرق جبينه بتفاعله مع الطبيعة ليمنحها إنتاجا ، يعمل على تخصيبها برعايتها بشجرها و عشبها طول السنة عبر تاريخ عريق عرف فيه العطاء المستمر بلا هوادة ، الأرض بالنسبة إليه هي كل شيء حتى يبدو لك عند زيارة بعض المناطق الأمازيغية بسوس أن أهلها يطهون التراب و يعصرون الحجر ، و هم الذين بنوا و يبنون اقتصاد البلاد في كل البوادي و الحواضر المغربية ، التي تعرف هجرة ملحوظة في كل المناسبات و الأعياد في رحلة دائمة من الجنوب إلى الشمال و من الشمال إلى الجنوب تشبثا بالأرض .
كان آخر جماعة بناها الأمازيغ في تاريخ المغرب المعاصر بسوس " جماعة تسراس " التي تعني بالأمازيغية "موقف القوافل" ، و هم في حقيقة الأمر حطوا الرحال هناك منذ تهجيرهم القسري من أراضيهم التي غمرتها مياه بحيرة سد أولوز في أواخر الثمانينات من القرن الماضي ، الذي تم بناؤه على حساب عرق و دم الفلاحين الفقراء من أجل روي مئات الضيعات الشاسعة لأهل اليسار بسوس القادمين من شمال المغرب ، إنها مفارقة غريبة أن يهاجر الشباب الأمازيغ إلى الحواضر لبناء اقتصادها لصالح الرأسمالية الإمبريالية بعد تحويلهم كأبناء الفلاحين الفقراء إلى طبقة عاملة بالمدن ، و تقتسم ثلة من البورجوازية الهجينة أراضي الفلاحين الفقراء بسوس خدمة للرأسمال المركزي ، إنها مفارقة كبير أن يتحول أبناء الفلاحين الفقراء إلى طبقة عاملة بحواضر الدول الغربية لبناء اقتصادها لتقتسم ثلة من البورجوازية الغربية المؤسسات الفلاحية الوطنية التي بناها أبناء الفلاحين الفقراء بسوس .
بعد احتلال أرضيهم منذ فجر الإستعمار الفرنسي و تحويل ملكيتهم الجماعية إلى ملكية فردية رأسمالية ، ويبقى أبناء مازيغ رغم كل شيء فلاحين فقراء متشبثين بالأرض في رحلة من الجنوب إلى الشمال و من الشمال إلى الجنوب ، تلك هي طبيعة الصراع الطبقي في ظل الرأسمالية الإمبريالية باعتبارها نظاما تناحريا تتصارع فيه الطبقة العاملة و الفلاحون الفقراء ضد استغلال الطبقة البورجوازية ، في ظل الرأسمالية في صيغتها الإمبريالية يتم استهداف كل شيء من أجل تبضيعه و تسويقه و جني الربح وراءه ، فبعد تفويت المناجم و البحار و السهول للرأسمال جاء دور الجبال ، فهل ستبقى جبال الأطلس حامية لحرية الأمازيغ ؟ سؤال مشروع يستمد مشروعيته من الصراع الطويل للأمازيغ بالمغرب ، يحكى أنهم عندما هاجم عليهم الفينيقيون و الرومان و من بعدهم أحرقوا سهول الزيتون باعتبارها في ذلك الوقت مصدر الطاقة الذي يتم النزاع حولها ، فلا غرابة أن يتم اشتقاق اسم تارودانت من المزج بين كلمتين أمازيغييتن هما " ترو" بمعنى ولدت و أخصبت و " دان " التي تعني زيت الزيتون ، و باعتبار تارودانت مركزا من مراكز الطرق التجارية الكبرى بالجنوب في العصر الوسيط كان التجار قبل القدوم إليها لشراء زيت الزيتون / الطاقة في ذلك العصر كانوا يتساءلون حول خصبها للقدوم لتسليعها و تبضيعها.
يقال أن الأمازيغ في أيامهم العصيبة ينزحون من السهل إلى الجبال وقاية من بطش الغزاة فقطنوا الجبال الوعرة تاركين الأراضي الشاسعة للإستعمار ، إنها استراتيجية الحرب الدائمة ضد الطغيان و الطبيعة فكان الهروب من السهل هروبين ، الأول للحماية من جور الإستعمار من أجل البقاء و الثاني حماية من فيضانات وادي سوس ، من فيضاناته العارمة التي تغمر كل شيء في حوض سوس ، و يقال أن كلمة تارودانت مزج بين كلمتين أمازيغيتين هما " تارو" بمعنى الأولاد و "دان" بمعنى ذهبوا ، و يرجع تاريخ هذه التسمية إلى حكاية امرأة أمازيغية فقدت أبناءها جراء فيضان وادي سوس و هي تصيح "تارو" "دان " بمعنى " الأبناء ذهبةا"، و اعتبار ذلك سندا تاريخيا في تسمية تارودانت ضعيف ، لكنها حكاية طريفة لها مدلولها التاريخي في إبراز أهمية فيضانات وادي سوس في نشر الخصب بحوض سوس ، و دلالة المرأة الأمازيغية باعتبارها دليل الخصب و العطاء ، فهي التي مازالت تعطي في جبال الأطلس الوعرة بسواعدها الطاهرة ، كيف لا و هي التي تنجب الشباب الأمازيغ من أجل الهجرة من الجنوب إلى الشمال و تبقى هي تكدح من أجل الشيوخ و الأطفال ، فلا غرابة أن تجد المرأة الأمازيغية في البيت و الحقل و الغابة و في كل مكان باستمرار دون إجازة إلا أثناء المخاض .
فهنيئا لك بالمناسبت و الأعياد التي تجمع شملكم أنت و الأبناء القادمين من رحلة الجنوب و الشمال و التي تستقبل فيها تارودانت زوارها من الديار الغربية من أحيائها الهامشية التي يقطنها أبناؤك المهاجرين ، و من الأحياء الراقية و خاصة " الإليزي " التي يقطنها السيد جاك شيراك الذي حل بالمدينة بعد مغادرة قصر الأليزي للتفرغ لأعماله الإستثمارية بسهل سوس الخصب ، يقال أنه كان يملك ضيعة بتارودانت عند دخوله قصر الأليزي و عند خروجه حضي بعطف النظام القائم بالمغرب الذي منحه كغيره من المحظوظين جملة من أراضي الفلاحين الفقراء الشاسعة لإقامة ضيعتين ، إنها مفارقة عظيمة أن يدخل الرجل الإليزي بضيعة و بخرجها بامتلاك ضيعات على حساب الفلاحين الفقراء بسوس ، و هكذا تكون الديمقراطية الغربية في عصر الرأسمالية الأمبريالية قد استوفت أعلى مراحلها من التطور في اتجاه استغلال العمال الزراعيين عن طريق رئيس سابق لدولة ديمقراطية كفرنسا ، و بمناسبة إقامة السيد جاك شيراك بتارودانت باعتبار أحد الملاكين العقاريين الكبار بسوس نقدم له أغلى ما قدمه النظام القائم بالمغرب للفلاحين الفقراء بإوزيون هدية لإقامته ، و هو الحكم الجائر على خمسة من مناضلي نقابة الفلاحي بأولوز بأربعة أشهر سجنا موقوفة التنفيذ و غرامة 2500 درهم ضريبة لدفاعهم عن الحق في الأرض للفلاحين الفقراء بسد المختار السوسي ، فهنيئا لمدينة الثورات باريس منذ الثورة البورجوازية في 1789 مرورا بثورة كومنة باريس سنة 1871 و صولا إلى ثورة ماي 1968 و انتفاضة الهوامش في 2006 ، فهل سيلتحق السيد جاك شيراك بقافلة الملاكين العقاريين الكبار بسوس و الذين يمارسون أبشع استغلال للعمال الزراعيين و خاصة المرأة العاملة ؟ و هل سيرضى الشعب الفرنسي بتحويل أحد رؤسائه إلى ملاك عقاري كبير بسوس يستبيح عرق و دم الفلاحين الفقراء بسوس ؟ و هل تحولت الديمقراطية الفرنسية العريقة إلى مصاص دماء في عصر الرأسمالية الأمبريالية بدل الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة ؟
في منصف الثمانينات من القرن الماضي أقدم النظام القائم بالمغرب على تنفيذ مشروعه الإستثماري التبعي الذي يعتبر امتدادا للمشروع الإستعماري الفرنسي ، و ذلك بالشروع في بناء سد أولوز من أجل الإستمرار المكثف في استغلال أراضي الفلاحين الفقراء بسهل سوس التي تم الشروع في احتلالها منذ منتصف الأربعينات من القرن الماضي ، عندما أقدم الإستعمار الفرنسي على تقسيم سهل سوس و توزيع بعض أراضي الفلاحين الفقراء على المعمرين الفرنسيين من أجل الإستثمار الرأسمالي ، في اتجاه تحويل ملكيتها الجماعية إلى الملكية الفردية الرأسمالية من أجل إنتاج البواكر و الحوامض في اتجاه تصديرها إلى الأسواق الأوربية ، و منذ ذلك الحين استمر استغلال هذه الأراضي بشكل مكثف حتى أصبحت مع ذلك الفرشة المائية بمنطقة سبت الكردان ناضبة ، باعتبارها من بين المناطق التي تعرضت للإستغلال المكثف منذ بداية الإستعمار المباشر الشيء الذي يصعب معه الحصول على المياه الجوفية.
فكان لا بد من البحث عن حلول لتدفق المياه على المشاريع الرأسمالية للملاكين العقاريين الكبار / المعمرين الجدد من مغاربة و أجانب ، من أجل تدفق المال على الرأسمال المركزي بتصدير المزيد من المنتوجات الفلاحية على حساب عرق و دم الفلاحين الفقراء و العمال و العاملات الزراعيين ، و كان لا بد من بناء سد أولوز بإوزيون الذي تم الشروع فيه في منتصف الثمانينات من القرن الماضي التي صادفت غليان سنوات القمع الأسود ، و ليس من الغريب أن يقوم النظام القائم بجميع الترتيبات التي تخول له حق احتلال أراضي الفلاحين الفقراء و استغلالها ، عبر ما خلف له الإستعمار المباشر من قوانين وضعها لتلك الغاية و على رأسها القنانون المشؤوم لسنة 1916 الخاص بما يسمى التحفيظ ، الذي عمل المستعمر على وضعه من أجل ضمان الشرعية القانونية لتملك أرض الفلاحين الفقراء و على رأسهم أراضي الأمازيغ بسوس ، و من أجل ضرب الملكية الجماعية و نمط الإنتاج الجماعي للأراضي و تركيز الملكية الفردية و نمط الإنتاج الرأسمالي .
كان الهدف من وضع هذه القوانين هو ضرب الشرعية التاريخية للوثائق التي أنجزها علماء سوس منذ التاريخ الطويل لبناء الحضارة الأمازيغية بتارودانت ، و التي تفاعلت عبرها الحركة الإجتماعية و المعرفية للأمازيغ بحوض سوس و أفرزت منظومة ثقافية عريقة في التاريخ الإنساني ، مستمدة أصولها من الحضارة الأمازيغية في تفاعل مستمر مع باقي الحضارات التي احتك بها الأمازيغ و خاصة العربية ، فأسسوا بذلك منظومة شرعية بسن قوانين استغلال الأراضي و حق التملك الجماعي الذي يؤسس للعلاقات الإجتماعية المرتكزة على التضامن و التعاون ، و لعبت منطقة راس الواد / سوس العليا دورا هاما في بناء الحضارة بحوض سوس عبر حركة الإنسان الأمازيغي بهذه المنطقة ، التي تعتبر فيه إوزيون مدخلا إلى باقي المناطق الجبلية الممتدة إلى واحة درعة و التي أنجبت علماء كبار أسسوا التشريعات و القوانين التي تحمي الملكية الجماعية للأرض .
فكان لا بد من ضرب هذه الثقافة التي أصبحت واقعا عنيدا أمام الإستعمار الفرنسي من أجل الوصول إلى الخيرات التي تحفل بها الجبال و السهل ، و كان لا بد من وضع قوانين استعمارية تفسح المجال أمام المعمرين الفرنسيين و المعمرين الجدد الذين خلفوهم ، فتم وضع قانون التحفيظ المشؤوم الذي أسست له مؤسسة قائمة بذاتها و التي كانت لمدة طويلة من الزمان تابعة لوزارة الفلاحة و ليس صدفة بل من أجل استهداف أراضي الفلاحين الفقراء ، هذه المؤسسة التي أصبحت اليوم وكالة من أجل احتلال هذه الأراضي و استباحة استغلالها ، و لا غرابة أن تعمل هذه الوكالة طيلة سنة 2005 من أجل تحفيظ الأراضي الجماعية التي تم تفويتها للملاكين العقاريين الكبار و التي احتلوها في زمن سنوات القمع الأسود ، فكان لا بد على النظام القائم أن يتمم المشروع الإستعماري و ذلك بشرعنة احتلال هذه الأراضي بتحرير وثائق رسمية محفظة للمعمرين الجدد مغاربة و أجانب ، و ذلك من أجل الدخول في المرحلة الثالثة و هي الإستعداد لتفويت هذه الأراضي مرة أخرى للمعمرين القادمين من جديد من جميع بقاع الأرض تحت ذريعة الإستثمار و تحرير التجارة .
فكان آخر مشوار احتلال سهل سوس هو احتلال الأراضي القريبة من سد أولوز من طرف الملاكين العقاريين الكبار ابتداء من بداية الألفية الثالثة فلم يبق شبر في حوض سوس لم يتم احتلاله اليوم ، و أصبح من المفروض الشروع في المرحلة الثالثة من الإحتلال ألا و هي احتلال الجبال بما تضمه من ثروات غابوية و طاقة متجددة ، فكان لا بد على النظام الحاكم من ابتداع قانون جديد قديم و هو قانون الملك الغابوي عبر محاولة تحديده في أفق تحفيظه لشرعنة احتلاله من أجل تفويته للمعمرين الجدد و المعمرين القادمين من جديد من بقاع العالم ، ذلك ما يعيشه الفلاحون الفقراء بأوزيوة اليوم في مواجهة هذا المخطط ، الذي تم الشروع فيه منذ انتهاء أشغال بناء سد أولوز في نهاية الثمانينات من القرن الماضي ، و يقول أحد الفلاحين الفقراء المناضل حسن إد عبد الله في هذا الصدد :
" لقد سلبوا منا كل شيء ورثناه أبا عن جد في واحة مدخل راس الواد بإوزيون ، كنا نسكن بلدتنا " تسدرمت" التي تعني باللغة الأمازيغية "الباب" بمعنى "مدخل" و هي في الحقيقة مدخل إلى وادي إوزيون ، الذي يعتبر امتدادا للروافد الأساسية لوادي سوس النابعة من جبل سروا و جبل توبقال و نملك منزلا جميلا في سفح جبل على الواحة مبني بالحجر و الإسمنت و مسقف بالحديد ، مكون من طابقين يحتوي على 12 غرفة و مطبخ و حمام و زريبة و يجاوره منزل قديم في ملكيتنا مبني بالطوب انتهت الأشغال بمنزلنا الجديد في سنة 1985 ، في نفس السنة التي بدأ فيها إحصاء ممتلكاتنا من أجل تهجيرنا بسبب سد أولوز ، كنت أرفض التخلي عن هذا المنزل و كانت الجرافة تقف أمام الباب بعد هدم جميع المنازل ب " تسدرمت " و كنت أطالب بإجراء خبرة لتحديد قيمته الحقيقية ، و التي تمت من طرف المحكمة الإبتدائية بتارودانت لكن دون جدوى حيث لم نتسلم ما يسمى بالتعويضات عن المباني قبل تهجيرنا ، فكانت الكارثة عندما تسلمت مبلغ 30 ألف درهم كتعويض عن المنزل الذي بنيناه أنا و أخي العامل المهاجر بفرنسا بما قدره 300 ألف درهم ، و كانت هذه بداية المحنة ".
إنها محنة حقيقية حيث أعرف حسن الفلاح الفقير منذ بداية التسعينات من القرن الماضي و كان شغله الشاغل هو كيفية استرجاع ما ضاع منه من ممتلكات ، و كان حديثه لا يخلو من الكلام عن المنزل الذي فقده و عن ممتلكاته بتسدرمت و ما كان أمامه إلا الإصرار على التشبث بما تبقى لهم من أراضي بورية ، التي يتوفرون على رسوم ملكيتها و التي يستهدفها النظام القائم عبر محاولة تحويلها إلى ملك غابوي ، فما كان أمامه إلا الوقوف في وجه مسؤولي ما يسمى بمؤسسة المياه و الغابات الذين حاولوا غرس أشجار الكليبتوس بأرضهم ، فما عليه إلا أن يقوم بقلع ما غرسه هؤلاء حيث يمشي خلفهم و يستأصل براعم الكلبيتوس بكل جرأة و يحطم الحدود التي يضعونها متحديا كل تهديداتهم .
و يضيف حسن قائلا : " لقد وضعت جميع تعرضاتي بالمحافظة العقارية و مؤسسة المياه و الغابات بتارودانت حول ما يسمى بالملك الغابوي دون جواب يذكر "، عمل جبار قام به هذا الفلاح الفقير البسيط في شكله و حاله و حياته و هو ينخره المرض و يعيش على عرق جبين والدته التي تكدح من أجل توفير لترين اثنين من " زيت أركان " الحر أسبوعيا ، لكن إصراره قوي من أجل كتابة التاريخ و للتاريخ فقط كما يقول ، عبرة للأجيال القادمة من أجل الأرض و للأرض .
و يواصل حديثه قائل : " كان ذلك بداية تأسيس جماعة تسراس كآخر جماعة أسسها الفلاحون الفقراء بسوس العليا/ راس الواد حيث خطط النظام القائم لجعل المنطقة ملكا غابويا مجردا من الإنسان ، و كان لهذا التأسيس في بداية التسعينات من القرن الماضي أثر كبير في فضح هذا المخطط بعد تنصيب السلطات بتارودانت لأحد أعوانها على رأس هذه الجماعة لمتابعة مشروعها الإستعماري ، و الذي لم يستمر طويلا عندما كشف عن أوراقه في سنة 2001 عند محاولة تحفيظ ما تبقى من أراضي الفلاحين الفقراء المهجرين من سد أولوز ، بواسطة رسم استمرار مزور إستغل موقعه بالجماعة و أنجزه بتعاون مع السلطات بتارودانت ، بتعاون مع أحد المسؤولين السابقين بالعمالة و الذي له يد طويلة في الخروقات بسد أولوز ، و الذي يملك بقدرة قادر بجوار أراضي الفلاحين الفقراء بقعة أرضية تبلغ 20 هكتارا و هو اليوم يعرضها للبيع ، و كان لجمعية إفغلن التي تم تأسيسها في أبريل 1997 دور هام في تنظيم الفلاحين الفقراء الذين هبوا للتصدي لتحفيظ أراضيهم ، و من أجل تقوية التنظيم تم تأسيس نقابة الفلاحين بأولوز في سنة 2001 للتصدي لمخطط السطو على الأراضي ، فبلغ الصراع ذروته حيث تمت معاقبة هذا الرئيس بالتصويت ضده في اتخابات سنة 2003 ".
ذلك هو حديث قليل عن محنة كبيرة يعانيها الفلاحون الفقراء بإوزيون بعد تقسيم الجماعة و خصم المنطقة السفلى منها عن المنطقة العليا ، و بالتالي فصل نضالات الفلاحين الفقراء بسد أولوز عن نضالات رفاقهم بسد المختار السوسي ، و كان لا بد من توحيد هذه النضالات مع تجديد مكتب جمعية إفغلن و نقابة فلاحي أولوز و تنظيم المسيرة الحمراء يوم 07 ماي 2006 ، و تقديم خمسة من نشطاء جمعيات الفلاحين الفقراء للمحاكمة و الحكم عليم بأربعة أشهر سجنا موقوفة التنفيذ و غرامة قدرها 2500 درهم مع صوائر الصندوق ، ليبدأ مشوار جديد من النضال المشترك من أجل الحقوق المشروعة و حماية الملك و المال العام من الهدر ، الذي يتعرض له من طرف رئيس جماعة إوزيون الذي تربع على رأس هذه الجماعة منذ أزيد من 30 سنة مضت من الإستغلال ، و هو المسؤول الأول و الأخير عن معاناة الفلاحين الفقراء بسدي أولوز و المختار السوسي .
و تعتبر إوزيون مدخل "راس الواد" الذي يمتد إلى حدود واحة درعة من بين المناطق التي لعبت دورا هاما في بناء الحضارة بسوس ، و بالتالي بناء الدول الإمازيغية التي مثلت فيها تارودانت يوما عاصمة باعتبارها حاضرة سوس كما يسميها المؤرخون ، وذلك نتيجة الحركة الإجتماعية و المعرفية المتقدمة للإنسان الأمازيغي بسوس ، و يعتبر التكامل بين الأطلس و الحوض و البحر شرطا أساسيا في البناء الحضاري بسوس بما تمثله الجبال في الجيوستراتيجية السياسية و العسكرية الضرورية في مقاومة الغزاة ، و بالتالي الدفاع عن نمط الإنتاج الجماعي الذي تمثل فيه الأرض العصب الأساسي في البنية الإقتصادية / البنية التحية الضرورية في الحركة المعرفية / البنية التحتية في كل حركة اجتماعية ، الأرض التي تمثل أحد أركان مفهوم الدولة التي لا بد لها من حدود جغرافية و موارد اقتصادية لن تتوفر إلا بالأرض ، فكان للتكامل بين السهل و الجبل و البحر أثر كبير في بناء الحضارة الأمازيغية بسوس ، هذا الثالوث الركيزة الأساسية في تناغم دائم و في جدلية متواترة عبر التاريخ الطويل لحركة الأمازيغ بسوس تعتبر فيه الأرض العماد الأساسي الذي بدونه لا يمكن أن يحدث هذا التكامل الحضاري .
فأصبحت أرض سوس محط جذب لكل الغزاة الطامعين في الإستيلاء عليها في صراع دائم مع السكان الأصليين المدافعين عن الحق في الأرض ، و لا غرابة أن يستمر هذا الصراع إلى يومنا هذا لكونها العامل الأساسي في كل تنمية اقتصادية و حركة اجتماعية ، وهي تغري المعمرين و المعمرين الجد على السواء بما توفره من امكانيات اقتصادية هائلة ، و إلا فكيف يأتي المستعمر و يخطط لشق حوض سوس و تقسيمه إلى شطرين ، باختراقه منذ أواخر الثلاثينات من القرن الماضي بواسطة الطرق الرئيسية رقم 32 من أكادير إلى ورزازات و التي تسمى رقم 10 حاليا بعد ، مرورا براس الواد الذي يمتد إلى حدود درعة التي تمثل فيه ورزازات القاعدة الخلفية التي لا بد من اختراقها من طرف المستعمر لما تخزنه أرضها من معادن ثمينة من بوزار بإزناكن إلى بوكافر بتنغير ليتكامل استغلال الأرض بسطحه و باطنه ، من أجل كسر شوكة تارودانت و بتحالف بين الإستعمار المباشر و الإقطاع تم فصل راس الواد عن حوض سوس .
و خلال مرحلة الإستقلال الشكلي استمر النظام القائم على نهج نفس السياسة الإستعمارية خاصة في مجال استغلال الأرض ، و ذلك بجعل منطقة راس الواد / سوس العليا تابعة إداريا إلى تارودانت و فلاحيا إلى ورزازات فعاش الفلاحون الفقراء بإوزيون إزدواجية التلاعب بمصالحهم بين وزارة الداخلية بتارودانت و وزارة الفلاحة بورزازت ، إنها مفارقة كبيرة لمن لم يطلع على تاريخ النظام القائم بسوس و شيء طبيعي ما دامت الأرض هي المستهدفة في كل مخطط مدروس ، كيف لا و بناء سدين عظيمين بأرض إوزيون و على أراضي الفلاحين الفقراء قد أحدث الإزدواجية المركبة في التعاطي مع قضايا الأرض بالمنطقة ، فكان لا بد من إحداث شرخ ثالث عند إحداث ما يسمى بوكالة الماء بسوس ماسة مقرها بأكادير ، فكان تقسيم الأرض اليوم ثلاثيا بين ورزازات و تارودانت و أكادير ، وما يعيشه الفلاحون الفقراء بسافلة سد المختار السوسي خير دليل على ذلك حيث يتم استهداف ما تبقى لهم من الأراضي بالجفاف المطبق ، من أجل أن تنعم ضيعات الملاكين العقاريين الكبار بالمياه الوافرة دون حسيب و لا رقيب ، في الوقت الذي يحرم فيه الفلاحون الفقراء بأوزيون من الحق في الماء حيث لم يحملوا في هذا الموسم محراثهم الخشبي مشيا وراء أبقارهم في اتجاه أراضيهم الخصبة المستهدفة بالجفاف المصطنع .
قد يسأل سائل لماذا هذا الحيف ؟ و الجواب بسيط لكون المنطقة مستهدفة بتجريدها من الإنسان بعد بناء حوضين اصطناعيين بسدي أولوز و المختار السوسي ، اللذان خطط لهما الإستعمار المباشر لجعل المناطق المحيطة بهما غابات قابلة للإستثمار الرأسمالي ، فلا غرابة من محاولة النظام القائم امتلاك كل شبر من الثروات الغابوية للفلاحين الفقراء التي ورثوها أبا عن جد ، و التي رعوها عبر التاريخ الطويل للأمازيغ بإوزيون ، و قد رأينا كيف حاول النظام القائم فرض ما يسمى بالملك الغابوي محاولا تهجير السكان الأصليين من أجل الإستيلاء على أراضيهم البورية التي يمتلكون رسوم الملكية لها منذ قرون ، و رأينا كيف استعمل قانون التحفيظ المشؤوم الذي وضعه المستعمر سنة 1916 من أجل خلق ما يسميه بالملك الغابوي ، و يقول الفلاح الفقير و المناضل النقابي إدريس عقيق في هذا الصدد :
" لا يوجد في إوزيون ما يسمى بالملك الغابوي فمن يدعي غير ذلك عليه أن يطلعنا عن كم من شجرة غرسها في إوزيون ؟ و في أي أرض تركها له أجداده ؟ إننا نملك رسوم الملكية لكل شبر في المنطقة ، و إذا كان النظام يملك قوة السلطة لفرض الواقع الذي يرغب فيه فإننا نملك قوة الصبر العنيد أمام المعاناة كما علمنا أجدادنا ، لقد زوروا كل شيء في هذه البلاد و لا يمكن لنا أن نصمت أكثر من اللازم ، وضعوا قانون ما يسمى بنزع الملكية لاحتلال أراضينا لبناء سد المختار السوسي و لم يكفيهم ذلك و اليوم يفرضون علينا الجفاف المصطنع ، و يعتقدون أنه من السهل عليهم إخضاعنا بقوة الضغط و التخويف و الترهيب ، تصور كيف يحاولون توزيعنا بين أربعة جهات ، بتارودانت مع وزارة الداخلية لضرب حقنا في الحرية ، و بورزازات مع وزارة الفلاحة لضرب حقنا في الأرض ، و بأكادير مع وكالة الماء بسوس ماسة لضرب حقنا في الماء ، و بالرباط مع وزارة التجهيز لضرب حقنا في التعويضات عن أملاكنا المصادرة ".
و يضيف إدريس قائلا : " تصور إلى حد الساعة و منذ سنة 2000 كيف أن بعض الفلاحين الفقراء المهجرون قسرا لم يتسلموا إلى حد الساعة تعويضاتهم عن ممتلكاتهم بسد المختار السوسي ، ناهيك عن التسويف و الحيف و فرض الرشاوى على الفلاحين الفقراء الذين ينتقلون من إوزيون إلى الرباط على بعد 700 كلم لتسليم حوالة بقيمة 1000 درهم ، لا يمكن تصور معاناة المهجرين قسرا و أنا لا أتصور كيف سمح النظام الحاكم لنفسه أن يتكلم عن الديمقراطية و حقوق الإنسان في الوقت الذي يتخلى حتى عن مسؤولياته البسيطة ، تصور منذ انتهاء الأشغال بالسد في سنة 2000 و إلى حد الساعة يتم فرض الجفاف عليها بدعوى أن وزارة الفلاحة بورزازات لم تقم بإنجاز الدراسة للمنطقة لتحديد مقدار المياه الذي يجب أن نستفيد منه ، هذا ما تدعيه وكالة الماء بأكادير التي تفرض علينا جفافا مصطنعا ذهب جراءه في سنة 2003 أزيد من 4000 شجرة زيتون جلها عمر أزيد من قرن من الزمان ، إن الفلاحين الفقراء بسد المختار السوسي عازمون على مواصلة النضال من أجل حقوقهم و المحاكمات الصورية لا تخيفنا ، فإذا نظمنا في 07 ماي 2006 المسيرة الحمراء كمجتمع مدني ضد الفساد و تعرضنا للقمع ، فإن الفلاحين الفقراء في المرة القادمة سيخرجون في مسيرة لا نهائية تاركين لهم المنطقة بحثا عمن يحتضننا و هذا ليس بالكلام العفوي و اللامسؤول ".
و يواصل إدريس قائلا : " نحن جادين فيما نقوله و ما نفعل حيث أننا نزولا عند رغبة المجتمع المدني بتارودانت الذي لبى دعوتنا في ماي الماضي من أجل التضامن معنا نظمنا مسيرة حضارية ، و لكن أن يتم محاكمتنا بهذا الشكل ذلك ما لا نقبله لأن الجناة بإوزيون و تارودانت ما زالوا يصولون و يجولون و قد قال لي أحد الموظفين بالمكتب الوطني للكهرباء هل ما زال الرئيس طليقا ؟ هذا شيء غريب ! و هو الذي يجب أن تفتح له محاضر المتابعة بالفساد بالجماعة و هو المتورط في 225 مليون سنتيم مع العامل السابق لتارودانت و ذلك بإنجاز محضر مزور لاستخلص هذه المبالغ المالية من الخزينة العامة ، لتصريفها على حساب المقاول الذي لم يتمم حتى الربع من أشغال كهربة 07 دوارير مهجرة من سد المختار السوسي ، فإذا انحازت وزارة العدل إلى جانب الرئيس و العامل السابق لقمعنا فإننا سنقدم على أشكال نضالية جد متطورة في المرحلة القادمة ، و ليكن في علمهم أن مرحلة السكوت التي فرضوها علينا بالقوة في مراحل سابقة قد ولت و نحن منظمين و جد منظمين ، و نحن مقبلون على طرح جميع ملفات الفساد بالجماعة منذ 1976 إلى الآن بل أكثر من ذلك إننا بصدد نبش التاريخ تاريخ المنطقة الحافل بالعطاء ، ليس فقط من الناحية النضالية بل كذلك من الناحية الثقافية و الحضارية التي أريد لها يوما أن تكون خارج التاريخ ، و إذا أزعج النظام القائم بأن يكون لنا أصدقاء بالخارج فإننا كمجتمع مدني من حقنا ربط علاقات صداقة و تضامن مع المجتمع الدولي ، كما أننا نملك مشروعا تنمويا موازيا يستهدف التنمية البشرية بالأساس و هكذا نكون بالفعل مجتمع مدني ليس كما يدعي النظام القائم الذي يريد تقزيم فعلنا ، لدينا ثلاثة مشاريع أساسية نضالية من أجل حقوقنا المشروعة و ثقافية من أجل الصراع الفكري و الحضاري و تنموية و هذا ليس بالغريب علينا لأن الفلاحين الفقراء يعتمدون على إمكانياتهم الذاتية ".
هكذا يمكن أن نكون قد أحطنا النظر بمشكل الأرض بسوس في صراع دائم بين الفلاحين الفقراء و العمال و العاملات الزراعيين و بين الإقطاع و الملاكين العقاريين الكبار ، و من أجل الأرض يتنامى هذا الصراع في ظل هجوم الرأسمالية الإمبريالية ، و يبقى التنظيم الوسيلة الكفيلة بقيادة هذا الصراع فكان لا بد من توسيع مفهوم التنظيم ليشمل كونية النضال بفتح مجالات التضامن بين التنظيمات على المستوى الدولي ، ذلك ما قمنا به خلال ثلاثة أشهر من الصراع لإبراز ملف الفلاحين الفقراء على المستوى الدولي ، و الذي تشكل فيه الأرض الركن الأول من بين أركانه الأربعة و هي الحق في الأرض و الماء و أركان و الأمازيغية ، ذلك ما أزعج النظام القائم حتى يصدر أحكامه القاسية ضد المجتمع المدني بإوزيون.

كان المناضلون المقاومون في صفوف المقاومة و جيش التحرير إبان مرحلة مقاومة الإستعمار المباشر يضعون أمام أعينهم استرجاع الأراضي التي استولى عليها تحالف الإستعمار المباشر و الإقطاع ، فضربوا بالحديد و النار مقرات هذا التحالف و ضربوا على أيدي كل أعوانهما في السهل و الجبال بسوس ، إلا أن تصفية جيش التحرير في نهاية الخمسينات من القرن الماضي و تمييع مفهوم المقاومة بعد إحداث مندوبية المقاومة ، و تفريغها من محتواها النضالي و التنكر للشهداء و تعويمها بإدماج أعوان تحالف الإستعمار المباشر و الإقطاع في لوائح المقاومين ، و بذلك أحبط مشروع المقاومين و أعضاء جيش التحرير في استرجاع هذه الأراضي إلى أصحابها الشرعيين الفلاحون الفقراء بسوس .

فأصبح بذلك أبناء أعوان الإقطاع و الإستعمار المباشر في مركز السلطة كاستمرارية تاريخية للمشروع الإستعماري في امتلاك هذه الأراضي ، و بالتالي إعطائهم الشرعية القانونية باستعمال مواقعهم في السلطة من أجل مزيد من ابتلاع أراضي الفلاحين الفقراء بسوس ، كما احتفظ بموقع شيوخ الزوايا الذين ترك لهم نصيبا من أراضي الوقف التي منحتها قبائل الأمازيغ لدعم المدارس العتيقة ، أما فيما يخص أراضي الفلاحين الفقراء التي استولى عليها الإستعمار المباشر بسوس و التي أسس عليها المعمرون مشاريعهم الرأسمالية ، فقد تمت وراثتها عبر تحويل بعضا إلى مؤسسات صوديا و التي سيتم تفويتها فيما بعد للملاكين العقاريين الكبار و المعمرين القادمين من جديد تحت ذريعة الإستثمار .
هكذا تم تركيز مفهوم الإقطاع من جديد في بنية النظام القائم لإرساء أسسه مشروعه الذي يتم فيه استبعاد الفلاحين الفقراء بسوس ، الذين هبوا لمقاومة الإستعمار المباشر و حلفائه الإقطاعيين ، و سقط مشروع المقاومة و جيش التحرير الذي يهدف إلى بناء دولة وطنية ديمقراطية شعبية تكون فيها الأرض للفلاحين الفقراء ، و استكمل النظام القائم بنيته بإدماج هذه الطبقات في منظومة سلطته و التي تأسست على قاعدة خدمة الرأسمالية افمبريالية ، و ذلك بتقوية الإقطاع و عصرنته بإدماج أبنائه في أسلاك السلطة و دعم الكومبرادور و تشجيعهما بامتلاك مزيد من أراضي الفلاحين الفقراء بسوس ، و ذلك بالإستيلاء على أراضي الجموع و تحويلها إلى ضيعات البواكر و الحوامض في اتجاه التصدير إلى الأسواق الأوربية ، و هكذا ظهرت طبقة الملاكين العقاريين الكبار بسوس على حساب ابتلاع أراضي الفلاحين الفقراء الذين تم تحويلهم إلى عمال و عاملات زراعيين ، يتم استغلالهم في الضيعات و معامل التلفيف في ظروف تنعدم فيه شروط العيش الكريم في ظل قوانين عنصرية .
و إلى جانب ابتلاع أراضي الجموع التي كانت في ملكية الفلاحين الفقراء فإن الفلاحين الصغار الذين يملكون ضيعاتهم الفلاحية ذات المساحات الصغيرة أصبحوا يفقدون أراضيهم ، التي يتم ابتلاعها من طرف الملاكين العقاريين الكبار الذين يستغلون الفرشة المائية بشكل مفرط بواسطة المضخات الكهربائية ، مما يساهم بشكل كبير في هبوط مستوى المياه الجوفية ، الشيء الذي يصعب على الفلاحين الصغار الحصول على مياه الري في ظل غياب دعم النظام لهم ، مما يضعهم في موقع الإفلاس و يدفعهم إلى بيع أراضيهم للملاكين العقاريين الكبار بأبخس الأثمان ، هكذا يتحول الفلاحون الصغار إلى فلاحين فقراء و بالتالي يتحول أبناؤهم في أحسن الظروف إلى عمال و عاملات زراعيين ، كما يتم طرد الفلاحين الصغار بالتعاونيات الفلاحية /المشاريع الفلاحية الملغومة من الأراضي التي منحت لهم من أجل استغلالها لتوفير بذور القمح لشركة سوناكوس و الحليب لتعاونية كوباك ، و ذلك لعجزهم عن أداء فواتير مياه الري في الوقت الذي يتملص الملاكين العقاريين الكبار من أداء ما عليهم من ديون مياه الري ، و طرد 10 عائلات من تعاونية أمل النجاح من أصل 60 عائلة خير دليل على ذلك ، و هكذا يتم تهييء أراضي الفلاحين الصغار بالمشاريع الفلاحية التي استغلوها أزيد من 25 سنة للتفويت على الضغط على الفلاحين الصغار بديون القرض الفلاحي و جمعيات السقي .
هكذا ظهرت طبقة العمال و العاملات الزراعيين بسوس في ظل الهجوم على أرضي الفلاحين الفقراء من طرف تحالف الإقطاع و الكومبرادور و الملاطين العقاريين الكبار بدعم من النظام الحاكم ، الذي عمل على سن جميع القوانين العنصرية ضد الفلاحين الفقراء من أجل ضرب الشرعية التاريخية لهم في ملكية أراضي السهل و الجبال بسوس ، فقام بتحفيظ ما يسمى بالأراضي المخزنية و الأوقاف و استغلالها لدعم سلطته ، و منح الشرعية القانونية لامتلاك أراضي الجموع من طرف الملاكين العقاريين الكبار الذين استولوا عليها منذ بداية الإستقلال الشكلي ، و ذلك بسن قوانين تمنح لهم الحق في الملكية في سنة 2005 و تم تحفيظها لحسابهم من أجل فتح المجال أمامهم لتفويتها للمعمرين القادمين من جديد بدعوى الإستثمار الرأسمالي ، و فتح المجال أمام رؤساء الجماعات المحلية و ممثلي الجماعات السلالية بتفويت ما يبقى من أراضي الفلاحين الفقراء قرب سد أولوز ، و التطلع إلى امتلاك أراضي الغابات الشاسعة بجبال الأطلس و المجاورة للسدود الخمسة التي بنيت على حساب أراضي الفلاحين الفقراء خاصة سدي أولوز و المختار السوسي .
إن الصراع حول الأرض بسوس ليس بالشيء الهين كما يمكن تصوره إنه صراع قائم عبر التاريخ باعتبار منطقة سوس فاعلا أساسيا في أي تغيير يمس السلطة المركزية ، و ذلك من خلال فعل القبائل الأمازيغية عبر التاريخ عبر بناء الدول الكبرى التي بناها الأمازيغ خاصة المرابطين و الموحدين و السعديين التي مثلت فيها تارودانت يوما عاصمة كبرى ، بحكم موقعها كمركز هام من بين المراكز الأساسية للطرق التجارية من الشمال إلى الجنوب و من الجنوب إلى الشمال ، فكان لمعطى الأرض بسوس موقعا أساسيا في البنية التحية للسلطة المركزية فكيف لا و هي مستهدفة من طرف المعمرين ، لدى فالصراع القائم على الأرض بسوس صراع مرير و تاريخي يصعب حسمه لصالح الفلاحين الفقراء بتلك السهولة التي يمكن تصورها ، فحسمه لصالحهم لن يكون إلا ب :

ـ أولا بتنظيم الفلاحين الفقراء في نقابات الفلاحين بجميع المناطق بسوس .
ـ ثانيا بتنظيم الفلاحين الصغار في نقابات الفلاحين بجميع المناطق بسوس .
ـ ثالثا بتنظيم جميع العمال و العاملات الزراعيين في نقابات العمال .
ـ رابعا ببناء التحالف بين الفلاحين الفقراء و الفلاحين الصغار و العمال و العاملات الزراعيين عبر نقاباتهم .
ـ خامسا ببناء التحالف بين هذه النقابات و الجمعيات الإجتماعية بسوس .
ـ سادسا ببناء التحالف على مستوى سوس ماسة أولا و جهة سوس ماسة درعة ثانيا .

الحركة الإجتماعية للفلاحين الفقراء بسوس :

يشكل إقليم تارودانت الجزء الأكبر من سهل سوس حيث يغطي ثلثي مساحة المنطقة و تتمركز جل تجمعاته السكنية على ضفتي وادي سوس و على ضفاف روافده المتعددة بالسهل و بالجبال ، و تشكل المناطق الجبلية للأطلس الصغير و الكبير و السهول المجاورة لهما مركزا هاما للتجمعات السكنية للقبائل الأمازيغية خاصة قبائل إسكتان و أونزين و إمديدن و زاكمزن و أسكاون و تيفنوت و إوزيون و أوناين و تفتكولت و تيزي نتاست و تالكجونت وإمنتاكن و إد عبد الله و إغرم و أيت سمك و أيت وكاز … و تتشكل جل القبائل بالسهل من القبائل العربية خاصة في أولاد تايمة و أولاد برحيل .
و يسود بالمنطقة نمط الإنتاج الفلاحي الذي ترتكز عليه حياة القبائل خاصة الإراضي المسقية ، التي تتمركز في المناطق القريبة من الوادي و روافده والعيون بالجبال و على الأراضي البورية في سهل سوس و المناطق الصالحة للزراعة بالجبال ، و يشكل النشاط الرعوي إلى جانب الزراعة الدعامة الثانية للإقتصاد في المناطق الجبلية كما هو الشأن بالسهل لكون تربية المواشي تشكل نشاطا حيويا موازيا للزراعة ، كما يشكل الصيد نشاطا لا يستهان به لما توفره الغابات من و طير في الجبال و السهول التي تشمل جميع أصناف الحيوانات ، و كان قادة القبائل يمارسون هواية الصيد و يقال أن قائد قبائل تالوين محند أو عبد الله كان يملك 60 كلب صيد ، و يضم وادي سوس و روافده المتدفقة طول السنة بالسهل و بالجبال ثروة سمكية هائلة .
و تشكل القبيلة العنصر الأساس في حياة الفرد و الجماعة لكونها المحدد الأساس للهوية الفردية و الجماعية التي بدونها لا يمكن للفرد أن يحيى خارج الجماعة ، و تعرف جل القبائل صراعات سياسية أثناء النزاعات القبلية خاصة حول الحدود و المناطق الرعوية و الأراضي الجماعية ، التي تعرف في أغلب الأحيان حروبا دائمة خاصة في مواسم المحصول الفلاحي ، كما تعرف القبائل فيما بينها تضامنا خاصة عندما يكون العدو مشتركا و قد تطور هذا التضامن إلى مستوى بناء تحالفات و يتجلى ذلك في حلفي "تاحكات" و "تاكوزولت" ، اللذان يمثلا ن شبه حزبين متصارعين حول السلطة السياسية بسوس .
و تتم السيطرة على السلطة السياسية من طرف القبيلة القوية على قاعدة مفادها أن القبيلة القوية تخضع لها جميع القبائل المجاورة ، التي تكن لها الولاء و ذلك بإنشاء سلطة مركزية تتجمع حولها القبائل لتشكل قوة يمثلها قائد القبيلة الزعيم ، و التي تطورت إلى حد بناء دول أمازيغية عظمى و امتداداتها كالمرابطين و الموحدين و السعديين ، التي شكلت فيها مدينة تارودانت يوما عاصمة لكونها من بين مراكز الطرق التجارية الهامة بين الشمال و الجنوب .
و تعتبر الزوايا في مرحلة متقدمة من المدنية بسوس القوة الثانية بعد القبائل التي عملت على تأسيسها و تمويلها ، بهدف نشر العلم و المعرفة / البنية الفوقية التي تكون خاضعة للسلطة السياسية لزعيم القبائل ، و كان لزاوية بن يعقوب و امتداداتها بتالوين و أولوز أثر كبير على حياة القبائل بسوس ، و خير دليل على سلطة القبيلة على الزاوية هو ما قام به الشيخ محند أو عبد الله في بداية القرن العشرين عندما استولى على السلطة بتالوين بعد إخضاع جميع القبائل هناك و بنى قلعة تالوين ، حيث قام بفرض ضريبة بقيمة 20% على أراضي زاوية تكركوست و طرد شيوخها و عين شيخا جديدا و غير مقرها في أواخر القرن 19 ، و استمر الحال كذلك حتى استولى الكلاوي على قصبة تالوين و ضم المنطقة إلى مثلث ورزازات مراكش تالوين في منتصف العقد العاشر من القرن 20 .
و تعتبر المدارس العتيقة الموازية للزوايا مركزا هاما للثقافة المرتبطة بالشرق العربي حيث تم تأسيس أول مدرسة بالمغرب بسوس في القرن الخامس الهجري ، و لعب العلماء الأمازيغ دورا هاما في نشر الثقافة العربية الإسلامية و إغنائها و طبعها بالثقافة الأمازيغية ، كما تألقوا في عدة مجالات علمية و تشريعية و ما وصلوا إلى في مستوى حقوق المرأة خير دليل على ذلك ، و كانت القبائل توليها اهتماما خاصا لما لها من دور في السلطة السياسية ، كما لعبت هذه المدارس جورا هاما في التوثيق من خلال تحرير العقود و كتابة التاريخ ، و تعتبر المعاهدات بين القبائل و رسوم الأراضي الجماعية خير دليل على تقدم السوسيين في مجال التوثيق ، و تشكل الخزانات المنتشرة على طول الجبال و السهل و المتضمنة لجميع أنواع الكتب في شتى المجالات دليل آخر للتفاعل الحضاري الذي ساهم فيه العلماء السوسيين .
و تتشكل الملكية بالدرجة الأولى إلى الملكية الجماعية للأراضي البورية و المناطق الغابوية و الرعوية التي تتوزع بين القبائل ، و التي تمت تسميتها و تحديدها بالوثائق المكتوبة و التي تتوفر إلى حد الساعة خاصة عند الجماعات السلالية ، و يعتبر العمل التضامني " تيويزي " سواء أثناء الحرث أو الحصاد أو جمع المحصول و تخزينه بمجمعات تسمى " إكودار " أو الرعي الركيزة الأساسية لحياة القبيلة .
و تشمل الملكية العائلية / الفردية الخاصة لبعض الأراضي المسقية و المواشي و المساكن و الورشات الحرفية الشكل الثاني للملكية بسوس ، و التي تستمد شرعيتها من كتابة العقود كثقافة متقدمة بمناطق سوس بالجبال و السهول حيث كتابة المعاهدات بين القبائل و رسوم الأراضي الجماعية و العائلية / الفردية ، و التي تلعب دورا أساسيا في رسم الحدود بين ملكيات الأفراد مما يحد من حدة الصراعات بينهم .
و تأتي أراضي الوقف في الدرجة الثالثة و التي يتم منحها للزوايا و المساجد و المدارس العتيقة من طرف القبائل لتأمين مواردها الإقتصادية ، و ذلك لدعم نشر العلم و المعرفة و التي تحول بعضها إلى ملكية خاصة لشيوخ الزوايا و جلها إلى ملكية وزارة الأوقاف .
و تعتبر الحرف من الموارد الثالثة بعد الزراعة و الرعي حيث يشكل الحرفيين الذين يملكون ورشاتهم الخاصة طبقة هامة في القبيلة خاصة بعد اكتشاف المعادن و البارود ، لما لها من دور في صناعة الأسلحة التي تعتبر الركيز الأساسية لدى القبائل الأمازيغية التي تهب لمساندة هذا القائد أو ذاك و الدفاع عن الثغور الأطلسية ، و تعتبر معلمة دار البارود بتارودانت خير شهيد على نشاط هذه الصناعة بالمدينة ، كما أن صناعة الزيوت التي تعتبر آنذاك مصدرا للطاقة و ظهور صناعة السكر قد لعبت دورا أساسيا في ظهور الأنوية الأولى للطبقة العاملة ، إلا أن نمط الإنتاج الفلاحي الذي يطغى على الحياة بسوس ، و سيطرة الإقطاع الذي شكله شيوخ القبائل و الزوايا ، و سقوط الدولة السعدية التي تأسست بتارودانت و دخول القبائل في صراع دائم مع السلطة المركزية للسلطان إسماعيل بمكناس ، و ظهور طبقة الجيوش الإقطاعية قد ساهم بشكل كبير في عدم تطور العمالة الحرفية إلى طبقة عاملة منظمة .
و يشكل الأمازيغ الغالبية العظمى من السكان بسوس يليهم العرب فالأفريقي و اليهودي ، و يختلف الموقع الإجتماعي للفرد حسب موقعه في هرم السلطة السياسية داخل القبيلة أو درجة الملكية الخاصة أو الحرفة أو الثقافة أو العرق أو النفوذ في القبيلة ، و كان لطغيان قادة القبائل و حاجتهم إلى الدعم المالي لبسط سلطتهم أثر كبير على ظهور الإقطاع و الفوارق الطبقية و الإجتماعية ، خاصة بعد السيطرة على بعض الأرتاضي الجماعية و اكتشاف المعادن و استغلالها و سك العملة ، و لعب اكتشاف البارود دورا هاما في في تحول حياة القبائل خاصة بعد غزو السودان و استعباد الأفارقة لخدمة الأرض و السلطة و شيوع تجارة العبيد ، إلا أن الصراعات بين القبائل غالبا ما تكون الحاسم في فصل هذا القائد أو ذاك و تنصيب الزعيم ، كما أن الزوايا و المدارس العتيقة بما تملكه من قوة العلم و الثقافة تلعب دورا أساسيا في الحد من سلطة قادة القبائل ، كما أن سيطرة شيوخ الزوايا على بعض أراضي الوقف ساهم في ظهور الإقطاع بعد تحويل ممتلكات الزوايا إلى ملكية خاصة يتصرف فيه الشيوخ و أحفادهم.
إلا أن سيادة القبيلة و الملكية الجماعية للأراضي هي السائدة في سوس قبل الإستعممار المباشر الذي تحالف مع القائدين الكلاوي الذي سيطر على قلعة تالوين و أخضع قبائلها ، و التحالف مع الكندافي بتزنيت بعد القضاء على ثورة أحمد الهيبة و تنصيب مجموعة من القياد على طول حوض سوس لإخضاع باقي لبقبائل ، و فتح الطريق أمام سيطرة الإستعمار المباشر على سهل سوس و القضاء على الملكية الجماعية للأراضي من طرف الفلاحين الفقراء و تركيز الملكية الخاصة الرأسمالية للأراضي بسوس.
كان لسقوط آخر الدول التي بناها الأمازي بالمغرب في القرن 17 أثر كبير في سقوط تارودانت في صراعات دائمة مع السلطة المركزية بمكناس ، و عرفت منذ تلك المرحلة التاريخية التي اتسمت بإخماد الثورات التي أشعلها الأمازيع خاصة في مرحلة السلطان إسماعيل ، التي استمرت 50 سنة من شن الحروب على الثوار الأمازيغ عرفت فيها تارودانت استقلالا نسبيا في المراحل الأولى من صراعها ضد السلطة المركزية ، و في مراحل لاحقة عرفت عدم الإستقرار الدائم لتشبثها بإعادة بناء الدولة السعدية ، و نشأ نزاع كبير بين علماء سوس المتشبثين بالدولة السعدية و علماء فاس الموالين للدولة المركزية بمكناس.
تعتبر تارودانت من بين الحواضر الأوائل التي ساهمت في تطور التكوينات الإجتماعية خلال المراحل التاريخية التي شهدها المغرب ، و ذلك نظرا إلى أن كل الدول التي بناها الأمازيغ قد تأسست في جنوب المغرب التذي تمثل فيه تارودانت مركزا هاما من مراكز الطرق التجارية ، و لا غرابة أن تلعب دورا هاما في مرحلة مقاومة المستعمر المباشر في بداية القرن 20 ، عبر المشاركة في ثورة الهبة و احتضانه في 1912 و 1913 بعد هزيمته من طرف الإستعمار الفرنسي بسيدي بوعثمان ، و لم يتم إخضاع المدينة إلا بعد تحالف الإقطاع و الإستعمار ضد مقاومة الفلاحين الفقراء ، و تم فصل المدينة عن البوادي و بالتالي فصل سوس العاليا/ منطقة تالوين بالأطلس الصغير و تفنوت بالأطلس الكبير شرق المدينة عن سوس السفلى / سهل سوس و الأطلس الكبير الشمالي الغربي و الجزء الجنوبي الغربي من الأطلس الصغير و توزيغ النفوذ بين الكلاوي بتالوين و الكندافي بتيزنيت .
و هكذا استطاع الإستعمار المباشر السيطرة على حوض سوس حيث تخلى عن المناطق الجبلية و بعض الأراضي في السهل لقادة الإقطاع ، و استولى على الأراضي الخصبة بحوض سوس ، و لبسط سيطرته على المنطقة أنشأ الطريق الرئيسية رقم 32 بين أكادير و ورزازات و التي تقسم السهل إلى شطرين أساسيين ، الأول بالمنطقة الجنوبية للوادي غرب تارودانت حيث منطقتي أولاد تايمة و سبت الكردان ، اللتان أقام بهما الضيعات الأولى الخاصة بالحوامض و البواكر على جانبي الطريق ، و الثانية بشمال الوادي بمنطقة أيت إيعزا و أولاد برحيل و أولوز شرق تارودانت ، التي لم يتم الإهتمام بها من طرف المستعمر و هي عبارة عن أراضي الجموع في أغلبها و التي توجد تحت سيطرة القائدين الإقطاعيين حيدة أميس بأولاد برحيل و الضرضوري بأولوز .
و بدأ المستعمر في السيطرة على أراضي الفلاحين الفقراء بمنطقتين سبت الكردان و أولاد تايمة و تحويل الملكية الجماعية للأراضي إلى ملكية فردية رأسمالية ، أقام عليها المعمرون الفرنسيون الضيعات الفلاحية و معامل التلفيف ، و بالتالي تحويل الفلاحين الفقراء إلى عمال زراعيين يتم استغلالهم و خاصة المرأة العاملة ، و ذلك قصد تصدير الحوامض و البواكر في اتجاه الأسواق الأوربية ، و تم بناء معمل فريماسوس إنتاج المواد الأساسية في تصنيع المشروبات الغازية و الكحولية و بذلك نشأت طبقة عاملة كعنصر جديد بالمنطقة في المعامل و الضيعات.
و بالموازاة إلى هذه المؤسسات الإنتاجية عمل المستعمر على إنشاء مركزين إداريين أساسيين هما مركز أولاد تايمة و سبت الكردان لإقامة سلطته الإدارية و السياسية ، أولا من أجل بسطة سيطرته و بلورة مفهوم الضبط الإجتماعي للتحكم في مصير المنطقة ، و ثانيا من أجل مراقبة المؤسسات الفلاحية و الصناعية التي أقامها على أراضي الفلاحين الفقراء لضمان تدفق المال على الرأسمال المركزي ، و لخلق إجماع حول مشروعه الإستعمار أقام أوراشا لبناء الإدارة الإستعمارية و ما تحتاجه من مرافق موازية بهذين المركزين ، مما ساهم في إحداث رواج ملحوظ بعد خلق فرص للشغل و بالتالي حركة اجتماعية تضم طبقة عاملة تقيم في التجمعات السكنية الجديدة بالمركزين ، و تتشكل هذه الطبقة من العمال في مجال البناء و التعمير و العمال الزراعيين و خاصة المرأة و الطفل و التجار و الحرفيين .
و عمل المستعمر على إقامة أسواق تجارية جديدة لترويج المنتوج الفلاحي بالضيعات التي أقامها ، و الذي يكون غير قابل للتصدير إما بعدم الحاجة إليه أو نظرا لسوء جودته ، و بذلك نشأت حركة تجارية خاصة بأولاد تايمة التي ما زالت تتوفر إلى يومنا هذا على سوق لتجارة الخضر و الفواكه له شأن كبير في منطقة سوس ، كما عمل المستعمر على دعم طبقة البرجوازية التجارية بمنح امتيازات لبعض أعوان الإقطاع بالترخيص لهم بما يسمى " البون " لتجارة بعض المواد الأساسية كالسكر و الشاي و القهوة و الدخان و البنزين و الكحول .
و هكذا تم إنشاء مركزين أساسية في الجهة الغربية الجنوبية لمدينة تارودانت التي عمل المستعمر على تهميشها و ذلك بتحويل مركز سلطتها إلى مدينة أكادير ، أولا لتوفرها على ميناء صالح لتصدير المنتوج الفلاحي الذي يتم إنتاجه بأولاد تايمة و سبت الكردان ، و ثانيا لإمكانية خلق مراكز صناعية و مالية خدمة للرأسمال المركزي ، و أصبحت مدينة تارودانت في المركز الثاني بعد هذين المركزين من حيث الأهمية الإقتصادية و بالتالي أصبحت تابعة لإدارة الإستعمار بأكادير.
و في باقي المناطق تم إنشاء مراكز أقل شأنا من الناحية الإقتصادية و أكثر أهمية من حيث الضبط الإجتماعي ، و هي أولاد برحيل و تفتكولت و أولوز و تالوين و إيغرم ، هذه المراكز التي عرفت إزداجية السلطة بين المستعمر و الإقطاع ، و خاصة بتالوين و المناطق التابعة لها ، حيث تم بسط سلطة الكلاوي بعد فصل المنطقة عن تارودانت و إلحاقها إلى سلطة الكلاوي و المستعمر بورزازات ، و فصلها عن أولوز و المناطق التابعة له حيث بسط سيطرة القائد الإقطاعي الضرضوري ، و منطقة أولاد برحيل حيث بسط سيطرة القائد الإقطاعي حيدة أميس .
و تحولت تارودانت إلى مدينة معزولة تراوح مكانها داخل سورها تراجع ذكرياتها التاريخية و لم يبق أمامها إلا الإنزواء و الزهد بين مساجدها و أضرحتها المتعددة ، و ذلك عبر التشبث بتراثها التاريخي الذي يمثل أنفة الإنسان الروداني ، الذي عكف على ممارسة الحركة الحرفية و التجارية البسيطة و استغلال الأراضي الفلاحية بالجنان المجاورة للمدينة و معاصر الزيتون و العرائس داخل المدينة ، دون أن ننسى الإهتمام بالثقافة العربية في المدارس العتيقة و المساجد الكثير بالمدينة إلى جانب الثقافات الشعبية و على رأسها الدقة الرودانية و الملحون .
و تعرف المآثر التاريخية بالمدينة تهميشا ملحوظا بل تفوية غريبا حيث تم تفويت دار البارود بما تمثله من معلمة تاريخية هائلة و ما فيها من جنان لأحد الإقطاعيين / الوزاء السابقين و تحويل معلمة تاريخية أخرى بالقصبة إلى فندق ، و يعرف سورها إهمالا خطيرا مما عرض بعض مناطقه أطرافه للسقوط و تشويه البعض الآخر بالبناء العشوائي ، و تبقى العائلات الرودانية العريقة ذات الأصول الأمازيغية و التي تم استعرابها تعيش على أمجاد تاريخ تارودانت في ظل حصار تحالف الإستعمار و الإقطاع ، و تحولت المدينة إلى مرتع للطبقة العاملة الرخيصة خاصة المرأة و الطفل.
و كان للحركة الفلاحية بالضيعات و الصناعية بالمعامل أثر كبير في بروز الطبقة العاملة الفلاحية بأولاد تايمة و سبة الكردان ، مما فتح المجال أمام مزيد من استغلال هذه الطبقة بعد توسيع مجال استغلال الأراضي و حاجة المعمرين الفرنسيين للعمالة الرخيصة ، فوفد على المنطقة جماهير العمال و العاملات من المدن المغربية للبحث عن العمل مما فتح المجال أمام الباطرونا للتملص من تطبيق قوانين الشغل الفرنسية ، و ذلك عبر انتشار العمل الموسمي و المؤقت الذي يزكيه ظهير 1936 التي يحرم على العمال المغاربة حق الإنتماء النقابي ، و ظهير 1938 الذي يجرم الإنتماء النقابي بالنسبة إلى الطبقة العاملة المغربية ، و هكذا تم تكبيل أيدي العمال و العاملات الزراعيين من طرف الدولة الفرنسية المستعمرة لتسخير الطبقة العاملة المغربية للباطرونا الفرنسية.
بالإضافة إلى ما تعرض له الفلاحون الفقراء ا من استغلال بشع من طرف الإستعمار الفرنسي فإن أراضيهم التي يتم مصادرتها تكون هي المستهدف الأساسي بهذا الإستغلال ، و ذلك عبر وضع قوانين تسهل الإستيلاء على خاصة قوانين التحفيظ و المياه و الغابات التي تستهدف شرعنة السطو على ممتلكات الفلاحين الفقراء ، من خلال محاولة ضرب مشروعية الوثائق التاريخية التي يمتلكون بواسطتها هذه الممتلكات ، سعيا وراء ذلك طمس تاريخ المنطقة العريق و تفريغه من مضمونه الثقافي و التشريعي و بالتالي نشر ثقافة المستعمر بقوة القوانين المجحفة ، فأصبحت الخصوصيات المحلية بدون معنى و لا موقع يصون كرامة الإنسان و احترام ثقافاته ، و كذلك طبيعة النظام الرأسمالي باعتباره نظاما تناحريا لا يسود إلا على أنقاض الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء ، كيف لا و مرحلة الرأسمالية الإمبريالية هي التي بواسطتها تم تركير نمط الإنتاج الرأسمالي بسوس .
و لم تسلم شجرة أركان باعتبارها من الخصوصيات المحلية من الإستغلال البشع للرأسمال المركزي الذي يقوده الإستعمار الفرنسي بسوس ، حيث تم القضاء على غابات شجرة أركان بحوض سوس من أجل إقامة الضيعات و المعامل ، دون اعتبار مكانة هذه الشجرة باعتبارها إرثا إنسانيا يجب احترامه بل حمايته و المحافظة على ظروف نموها الطبيعي ، إنها مفارقة كبيرة بين بلاد عصر الأنوار و المفاهيم البورجوازية الرنانة التي بشرت يوما بالحرية و الديمقراطية و العدالة و الرخاء ، و قاد اليوطي حفيد نابليون هذا تلك الحرب على الفلاحين الفقراء من أجل الإستيلاء على أراضيهم ، و القضاء على 200 ألف هكتار من شجرة أركان دون اعتبار مكانتها البيئية و التاريخية ، عذع الشجرة التي تعمر أزيد من قرنين و تقاوم الجفاف و تحافظ على الفرشة المائية و تمنح الإنسان الحياة بموادها التي تفرزها عبر زيوتها.
بعد سقوط جبل سغرو سنة 1934 ساد هدوء نسبي في سهل سوس ذلك هو الهدوء الذي يسود بعد عاصفة هوجاء ، تلك هي راحة المحارب الفلاح الفقير الذي هب في فجر الإستعمار للمقاومة كعادته لكن شراسة المستعمر كانت أظلم ، و لم يزل المستعمر يبسط نفوذه بالسهل حتى اندلعت شرارة المقاومة من جديد ليلتحم تنظيم الفلاحين الفقراء / جيش التحرير ، الذي كان من بين قياداته أبناء سوس مجموعة شيخ العرب و عمر دهكون ، و تنظيم الطبقة العاملة / المقاومة الفعلية بالمدن و على رأسهم أبناء سوس إبراهيم الروداني و رحال المسكيني ، و كان لتحالف الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء أثر كبير في هزم المستعمر في مرحلة تاريخية عرف فيها المغرب جدلية السياسي و النقابي في ظل دعم حركة التحرير الوطنية.
لم يستطع النطام القائم بالمغرب قبل الأستعمار المباشر بسط سيطرته على منطقة سوس التي تشكل فيها مدينة تارودانت مركز المقاومة الدائمة ، إنطلاقا من الصراع الدائم بين الدولة السعدية و الدولة العلوية ، الشيء الذي جعل المدينة خارج السيطرة المباشرة للدولة المركزية التي لم تستطع إخضاع المدينة إلا بعد تحالف الإقطاع و الإستعمار ، و رأينا كيف تم حصارها و تهميشها بعد سيطرة المستعمر على السهل بشكل مباشر و على الجبال بتعاون مع الإقطاع و تحويل مدينة أكادير إلى مركز للإدارة الإستعمارية بسوس ، و سنرى كيف عرفت المدينة تهميشا مكثفا بعد الإستقلال الشكلي بجعلها مقاطعة تابعة لإقليم أكادير بعد فصل تالوين و المناطق التابعة لها و إلحاقها بإقليم ورزازات .
إن استمرار السياسة التبعية للإستعمار المباشر من طرف النظام الحاكم بالمغرب خلال مرحلة الإستقلال الشكلي قد حول المدينة إلى مرتع للطبقة العاملة الزراعية ، و خاصة الأطفال بالورشات الحرفية و المرأة التي دفعتها الفقر إلى ولوج سوق الشغل بالضيعات الفلاحية و معامل التلفيف ، التي ورثها المعمرون الجدد عن الإستعمار الفرنسي و التي أقامها الملاكون العقاريون الكبار بسوس ، و هكذا نشأت بالمدينة طبقة عاملة زراعية تتكون أساسا من المرأة المنحدرة من الإحياء الشعبية بالمدية و الدواوير الفقيرة بالإقليم و من النساء المنحدرات من الأحياء الشعبية بالمدن المغربية كمراكش و الصويرة و آسفي و قلعة السراغنة و الدار البيضاء و ورزازات ... اللواتي يقمن بالأحياء الشعبية بتارودانت و أولاد تايمة و أولاد برحيل و سبت الكردان و أيت إيعزا و الدواوير الفقيرة بأحمر و الخنافيف و الكفيفات و أخيرا في أولوز ، و اللواتي يكدحن من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في ظروف تنعدم فيها أبسط قوانين الشغل التي رغم ما تلحقه من حيف بالعاملات و العمال بالمجال الزراعيين ، حيث انعدام تطبيق الحد الأدنى للأجور و التسجيل بصندوق الضمان الإجتماعي و جل العاملات موسميات أو مياومات .
و كان للعقلية ما قبل الرأسمالية للملاكين العقاريين الكبار الذين خلفوا الرأسماليين الفرنسيين بالضيعات و المعامل أثر كبير في ضياع حقوق الطبقة العاملة ، و التي اكتسبتها الطبقة العاملة بعد النضال المرير من أجل كسر قيود المستعمر التي حرمتهم من الحقوق النقابية منذ الثلاثينات من القرن 20 ، و ذلك بعد تأسيس فروع الإتحاد المغربي للشغل من طرف المناضلين العماليين الذين انتزعوا الحق في التنظيم النقابي أولا ثم الدفاع عن الحقوق العمالية ثانيا ، و كان لانخراط الطبقة العاملة بسوس في النضال السياسي عبر مقاومة المستعمر و تأسيس الإتحاد المغربي للشغل و الإنشقاق عن حزب الإستقلال و تأسيس الإتحاد الوطني للقوات الشعبية ، أثر كبير في إدماج تارودانت من جديد في المسرح السياسي من فجر الإستقلال الشكلي إلى منتصف الستينات من القرن 20 .
إلا أن ذلك لم يطل طويلا حيث بدأ حصار المدينة بعد زلزال أكادير و تصفية جيش التحرير الذي يشكل فيه مناضلو تارودانت العمود الفقري خاصة في مجموعة شيخ العرب و عمر دهكون ، و كان للقمع الشرس للنظام الحاكم منذ التصويت ضد الإستفتاء في 1962 و التصويت لصالح المعارضة في انتخابات 1963 ، مرورا بحركة مجموعة شيخ العرب بالدار البيضاء في سنة 1964 التي انخرظ فيها المناضلون السوسيون ، و دورهم الفعال في انتفاضة الدار البيضاء سنة 1965 و حركة مارس 1973 التي قادها عمر دهكون ، و هكذا أصبح للإتجاه الراديكالي المعارض السائد بسوس بصفة عامة و بالمدينة بصفة خاصة أثر كبير في تعرضها للتهميش المكثف من طرف النظام القائم بالمغرب.
و هكذا تشكلت مجموعة من الظواهر السلبية بالمدينة التي تم إخضاعها بقوة القمع و التي حولتها إلى مرتع للفساد الإداري و المالي ، من خلال أسلوب السلطة الفاسد الذي يسعى إلى إدلال الإنسان الروداني من أجل الوصول إلى السيطرة على الموارد الإقتصادية الفلاحية ، لفسح المجال أمام الكومبرادور و الملاكين العقاريين الكبار لمزيد من الإستغلال المكثف للطبقة العاملة و خاصة المرأة العاملة ، و في 18 دجنبر 1981 تم إحداث إقليم تارودانت الذي يضم من جديد تالوين و المناطق التابعة لها مع إبقاء قطاع الفلاحة بتالوين تابعا لإقليم ورزازات إلى اليوم ، و بعد عقدين من الزمن من التهميش المكثف بدأ الشوط الثاني من بسط السيطرة المخزنية بشكل مباشر عبر السلطة المباشرة بعمالة تارودانت ، التي تسهر على الضبط الإجتماعي المباشر من خلال تشكيل لوبي يتمثل في أعوان السلطة و المافيا المخزنية و الملاكين العقاريين و الكومبرادور كطبقة مسيطرة على خيرات حوض سوس .
و أصبحت الأراضي الجماعية للفلاحين الفقراء هدفا لتبييض ما تم نهبه من المال و الملك العام و ما تم ترويجه في المخدرات و الكحول و السلع المهربة ، و كانت قضية " الحاج ثابت " و " البولونجي " في بداية التسعينات من القرن 20 خير دليل على ذلك ، لما لهما من علاقة بعامل تارودانت و مدير ديوانه و بعض رؤساء الجماعات و ذوي النفوذ بالدولة آنذاك ، و هكذا نشأت طبقة بورجوازية كومبرادورية تستمد قوتها من النفوذ داخل البرلمان و الجماعات المحلية تحت حماية السلطة المركزية للنظام الحاكم بالمغرب ، و تم ابتلاع الأراضي الجماعية للفلاحين الفقراء و تدمير الفرشة المائية و غابة أركان بالسهل و نهب المال العام و الملك العام ، عبر الفساد بالجماعات المحلية و إنشاء السدود خاصة سدي أولوز و المختار السوسي على حساب ممتلكات الفلاحين الفقراء و تفقير الشرائح العريضة من الجماهير الشعبية بالإقليم .
و تحويل مدينة تارودانت إلى مرتع للفساد بجميع أشكاله لطمس دورها التاريخي و الحضاري و الثقافي ، و تخريب معالمها التاريخية و تشجيع البناء العشوائي على حساب العرائس و الجنان داخل السور ، و أصبحت المدينة داخل السور عبارة عن تجمعات سكنية عشوائية إستفاد منها المضاؤبون العقاريون ، إضافة إلى ما تعيشه الأحياء الشعبية القديمة من تهميش جعل جل بناياتها مهددة بالسقوط كما هو الشأن بالنسبة لسورها ، و نشأت بالأحياء الشعبية ظواهر اجتماعية خطيرة تتمثل أساسا في الدعارة و الأطفال المتخلى عنهم و ترويج المخدرات و الكحول المصنعة محليا و استغلال الأطفال في الورشات الحرفية خارج قوانين الشغل ، كما بدأت ظاهرة السياحة الجنسية التي تستهدف الأطفال الذكور من طرف الأجانب الذين يبتاعون الرياضات القديمة و يحولونها إلى مآوي لاستقبال رواد السياحة الجنسية .
وكان لسياسة التهميش الممنهج التي أقامها النظام الحاكم بهذه المدينة أقر كبير في فسح المجال أمام التهميش المكثف للبوادي ، و خاصة في المناطق النائية بالجبال التي يسكنها الإمازيغ بالإطلس الصغير و الكبير حيث انعدام التجهيزات الأساسية من كهرباء و ماء صالح للشرب و مستشفيات و مدارس ، فبالرغم من تأسيس المدارس الأولى منذ بداية الخمسينات بالمراكز التي أسسها الإستعمار المباشر إلا أن الأمية قد انتشرت بشكل فظيع خاصة في صفوف النساء بالبوادي ، و ذلك راجع إلى السياسة التعليمية الطبقية التي تجاهلت الخصوصيات المحلية بسوس و المرتكزة أساسا على الأمازيغية ، كما أن الحق في الصحة قد عرف انتهاكا خطيرا حيث انعدام التغطية الصحية خاصة بالبوادي التي تتهدد فيها حياة الطفل و المرأة ، أما بالنسبة للماء الصالح للشرب فباستثناء بحض المراكز التي أقامها المستعمر فإن حل البوادي تبقى دون هذه المادة الحيوية خاصة في جبال الأطلس الصغير الغربية ، أما الكهرباء فعلى الرغم من بداية ما يسمى ببرنامج كهربة القرى منذ بداية التسعينات من القرن 20 ، فأن جل البوادي لم تصلها الخطوط الوطنية بل أكثر من ذلك بتم تنفيذ ما يسمى بالبرنامج الخاص ، و الذي يستهدف استنزاف امكانيات الفلاحين الفقراء بتحميلهم ما لا طاقة لهم به ، بعد تملص النظام الحاكم من مسؤولياته خاصة في سد المختار السوسي الذي يعرف حركة الفلاحين الفقراء ضد 30 سنة من سياسة التهميش.
أمام السياسة الطبقية للنظام القائم نشأت حركة المجتمع المدني منذ أواسط التسعينات من القرن 20 بجل البوادي بتارودانت ، و كان الهدف من تأسيس جمعيات المجتمع المدني هو النهوض بالتنمية بالدواوير المهمشة بعد تملص النظام الحاكم من مسؤولياته ، و كان لضخامة الحاجيات المطروحة على جدول أعمال هذه الجمعيات التنموية أثر كبير في تحويل مسار هذه التنظيمات الذاتية للفلاحين الفقراء ، فبعد عجزها عن تحقيق أهذافها أصبحت في موقع المطالبة بالحقوق التي غالبا ما يكون رؤساء الجماعات و السلطات المحلية هم المسؤولون المباشرون عن معاناتهم ، و كان لتجربة الفلاحين الفقراء بسدي أولوز و المختار السوسي دور هام في إبراز التناقضات الطبقية بين رؤساء الجماعات و السلطات بتارودانت و بين المجتمع المدني بأوزيوة ، هذه التناقضات التي بدأت تكتسي طابعا دوليا بعد التضامن الذي حظي به ملف الفلاحين الفقراء من طرف النقابات بفرنسا و إسبانيا و بعد الجمعيات المناضلة ، و كان للمطالب الأساسية المطروحة و التي تهم جميع الفلاحين الفقراء بسوس ثقل كبير في أهمية الملف ، و هي بالأساس الحق في الأرض و الماء و أركان و تنمية الثقافة و اللغة الأمازيغية.

نظرة تاريخية عن مدينة تارودانت :

تعتبر مدينة تارودانت من أقدم المدن التاريخية التي لعبت دورا هاما في تطور التكوينات الإجتماعية بالمغرب من خلال ما تشكله من امتداد تاريخي يضرب في أعماق تاريخ المغرب ، لكونها تقع في وسط سهل سوس على الضفة الشمالية للوادي بين جبال الأطلس الكبير و الصغير التي تحتوي على خزانين مائيين هامين هما جبل سيروا بالأطلس الصغير على ارتفاع : 3304 م و جبل توبقال بالأطلس الكبير على ارتفاع 4165 م ، و لا غرابة أن يطلق عليها المؤرخون "حاضرة سوس" لما لعبته من دور هام في بناء الحضارة المدنية في المنطقة منذ العصور الأمازيغية القديمة .
و هي تقع قرب مرتفع " سيدي بورجى " شمال وادي سوس و هو عبارة عن " كدية " تسمى بالأمازيغية " أرودان " ، و غالب الظن أنه من هنا جاء اشتقاق اسم تارودانت نسبة إلى " أرودان " أو تصغيرا أو تأنيثا له، و تتميز مدينة تارودانت بالجنان و العرائس الخضراء التي تمثل فيها شجرة الزيتون العنصر الأساس لما توفره من غلال نظرا لوفرة المياه و التي لعبت دورا هاما في مراحل تاريخية قديمة، و التي اعتبرت فيها زيت الزيتون طاقة باعتبارها وقودا يتم تصديرها و من هنا يرحع بعض الدارسين تسميتها إلى هذه المادة ، حيث تتكون تسميتها من كلمتين " ترو" أي ولدت بالأمازيعية و كلمة "دان" أي الزيت بالأمازيغية و تجمع على "ترودان" ، و كان التجار الوافدون من أفريقيا يسألون عن عطاء زيت الزيتون بتارودانت و مستوى إنتاجها من أحل التسويق و يتساءلون " ترو دان " هل ولدت شجرة الزيتون .
و تعتبر شجرة " أركان " التي تحظى باحترام الجميع لقدرتها على مقاومة الجفاف و المحافظة على الفرشة المائية ، من بين الخصوصية التي تميز حوض سوس باعتباره يحتوي على غابة " أركان " بالسهل ، حيث تستهلك من الماء أقل ما تستهلكه الحوامض ب 25 مرة لكون هكتار من الليمون يستهلك ما يستهلكه 25 هكتارا من شجر "أركان"، كما لها عدة فوائد صحية و بيئية و قد صنفت من بين الأغراس التي يجب أن تحظى بالحماية و الرعاية لكونها توجد بجنوب المغرب بكثافة و في المكسيك بنسبة قليلة ، و يوما عن يوم يتم اكتشاف فوائدها عبر تصنيعها خاصة مواد التجميل نظرا لما تتوفر عليه من مواد تحافظ على البشرة.
و قد لعبت حركة الإنسان الأمازيغي بتارودانت دورا هاما في بناء الحضارة ب"حاضرة سوس"
ـ أولا عبر تنظيم الري بالجنان المحيط بالمدينة و تنظيم الزراعة بالسهول المجاورة لها.
ـ ثانيا بإنشاء العرائس داخل المدينة التي تعبر عن مستوى عال من المدنية و الحضارة ، لما تعطيه من جمالية للعمارة الأصيلة ذي الطابع الأمازيغي و تعتبر فيها ساحة " أسراك " إحدى معالمها القائمة إلى اليوم ، و الرياضات القائمة و سور المدينة و دار البارود و القصبة خير شاهد على عظمة الحضارة التي مرت بالمدينة .
ـ ثالثا عبر بناء الحركة الحرفية التي لعبت دورا هاما في استثمار الموارد الفلاحية في أول الأمر و الموارد المعدنية بعد ذلك .
ـ رابعا عبر تأسيس الحركة التجارية التي لعبت فيها المدينة دورا أساسيا باعتبارها مركزا للطرق التجارية بين الشمال و الجنوب في أزمنة متقدمة من الحضارات الأمازيغية العريقة .
كل ذلك فتح المجال لبناء حضارة مدنية متقدمة جعلت من المدينة مركزا حضاريا هاما يلفت انتباه القادة العسكريين مما أهلها لتتبوأ مكانة عالية بين المدن العواصم المغربية القديمة في الدول التي بماها الأمازيغ.
و لا غرابة أن تكون مدينة تارودانت من أوائل العواصم بالدول التي بناها الأمازيغ في عهد المرابطين و الموحدين و السعديين ، و ما لعبته من دور في الصراع القائم بين السعديين و العلويين في القرنيين 17 و 18 ، إضافة إلى دورها التاريخي في الدفاع عن الثغور بالشواطيء الأطلسية ضد الغزو البرتغالي و خاصة ميناء أكادير، و دورها في القرن 20 من خلال مقاومة المستعمر الفرنسي بدءا من احتضان ثورة الهبة في 1912 و 1913 ، حيث التجأ إليها بعد هزيمته بسيدي بوعثمان و انتهاء بالحركة الوطنية الفعلية .
و لم يتم كسر شوكة المدينة إلا بعد بناء تحالف الإقطاع و الإستعمار و فصل سوس العليا / من تالوين بالأطلس الصغير إلى تفنوت بالأطلس الكبير شرق المدينة ، عن سوس السفلى بالسهل و جبال الأطلس الصغير في الجنوب الغربي و الأطلس الكبير في الشمال الغربي ، بعد القضاء على ثورة الشيخ محند أو عبد الله بتالوين من طرف الكلاوي سنة 1915 لتمهيد الطريق للإستعمار المباشر بالمنطقة ، و القضاء على ثورة الهبة بسوس السفلى و تنصيب القائد الإقطاعي الكوندافي بتزنيت و ملاحقة المقاومين بالمنطقة .
و لم تهدأ المقاومة إلا بعد عزل مدينة تارودانت عن البوادي و تقسيم سوس بين الكلاوي و الكوندافي بدعم من الإستعمار الفرنسي و بناء الدولة المخزنية ، و لا غرابة أن يلعب أبناؤها دورا هامة في الحركة الوطنية الفعلية في القرن 20 أمثال إبراهيم الروداني و رحال المسكيني و شيخ العرب و عمر دهكون و غيرهم كثيرون .
إلى جانب الحركة الإقتصادية و الإجتماعية لعبت تارودانت دورا هاما في بناء الحركة الثقافية بسوس من خلال بناء علاقات الإنتاج ، التي تعتبر حصيلة الحركة الإجتماعية الإقتصادية في مجال الفلاحة و الصناعة معا :
ـ أولا عبر تنظيم الري و استغلال الأراضي الجماعية و الثروات الغابوية و تنظيم القطاعات الحرفية و استغلال المعادن ، و ترويج الإنتاج الفلاحي و الصناعي بعد بناء معاصر الزيتون و معاصير السكر و صناعة البارود ، و استغلال مناجم الفضة بالأطلس الصغير و سك العملة و تنظيم العلاقات التجارية الداخلية و الخارجية ، و بالتالي بناء الدول العظمى التي أسسها الأمازيغ خاصة في العصر الذهبي في عهد السعديين ، الذي تم فيه إعادة بناء سور تارودانت و بناء دار القصبة و دار البارود و معاصير السكر بتازمورت و تيوت .
ـ ثانيا عبر تنشيط مجال الثقافة الشعبية الأمازيغية التي تتجلى في تعدد أنواع رقصات أحواش و نظم الشعر الأمازيغي بالأطلس الصغير و الكبير و بالسهول المجاورة لهما و إدماجها في الحياة الإقتصادية و الإجتماعية ، و الثقافة الشعبية العربية في مناطق هوارة و أولاد برحيل بالسهول المجاورة للمدينة في مراحل تاريخية لاحقة ، و لعبت المدينة دورا أساسيا في تطور الثقافة و اللغة العربية عبر المساهمة الفكرية في مختلف المجالات التاريخية و التشريعية و الأدبية واللغوية و غيرها ، و ذلك في المدارس العتيقة التي تم تأسيسها بالزوايا من طرف القبائل الأمازيغية و التي تم عصرنتها بعد تأسيس معهد تارودانت بعد الإستقلال الشكلي .

معطيات إحصائية بتارودانت :

تمثل مساحة تارودانت 16500 كلم2 بنسبة% 2 من مساحة المغرب منها %60 من السلاسل الجبلية و %40 من السهول .
موارد غابوية جد مهمة ب 570 ألف هكتار تضم في أغلبها غابات الأركان ب 456 ألف هكتار في الجبال والسهول و390 ألف هكتار من المراعي و200 ألف هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة من بينها 100 ألف هكتار مسقية.
موارد مهمة من المياه لوجود طبقة مائية جوفية ذات احتياطي يقدر ب 50 مليار متر مكعب منها 8 مليارات يمكن استغلالها بنيت عليها 5 سدود:

ـ سـد عبد المومن بحقينـــــــة : 216 ملون متر مكعب .
ـ سـد أولوز بحقينـــــــــــــــــة : 110 مليون متر مكعب .
ـ سـد إيمي نلخنك بحقينــــــــة : 12 مليون متر مكعب .
ـ سـد الداخلة بحقينـــــــــــــــة : 700 ألف متر مكعب .
ـ سـد المختار السوسي بحقينة : 50 مليون متر مكعب .

تساقطات مطرية تتراوح بين 275 و 400 مليمتر في السنة بالإضافة إلى الكتل الثلجية التي تغطي قمم جبال الأطلس الكبير و التي تغذي المياه الجوفية ، كما تتخلل الجبال و السهول مجموعة من الوديان التي تزود وادي سوس أهمها تقع بين جبل سيروا بالأطلس الصغير و جبل توبقال الذي يحتوي على بحيرة إيفني بالأطلس الكبير.

و تتوفر المنطقة على موارد معدنية هامة منها الفضة و النحاس و الحديد و البريتين و الجبس و غيرها.

كثافة سكانية متوسطة ب 48 نسمة في الكلم2 و نسبة المدنية % 24 و تغلب نسبة الشباب ب % 67 أقل من 25 سنة من مجموع سكان الإقليم الذي يبلغ 788 ألف نسمة منها % 76 في البوادي .

و يتوزع الإقليم إداريا إلى :

07 بلديات و 82 جماعة قروية و 05 دوائر و 15 قيادة.


السياسة الفلاحية الطبقية بسوس :

يمكن للمعطيات السالفة الذكر أن تسمح بتركز تنمية فلاحية مهمة بالإقليم يمكن معها تطوير حياة الفلاحين الفقراء بحوض سوس ، لكن إقامة نظام للري بالمضخات في اتجاه فلاحة ذات طابع مضارباتي من أجل التصدير الذي ابتدأ العمل به منذ الأربعينات من القرن الماضي في عهد الاستعمار المباشر ، و الذي تسارعت وثيرته في الستينات من القرن 20 خلال مرحلة الاستقلال الشلكي ، نتجت عنه اختلالات في تدبير المياه بالطبقات المائية الجوفية و يتضح لنا ذلك في الجدول التالي الخاص بالحوامض فقط :

1976 1960 1955 1950 1940 السنة
19.000 10600 5300 2200 100 مساحة الحوامض بالهكتار

و بلغ استغلال الإراضي حاليا مداه بمنطقة أولاد برحيل و أولوز ب : 12 ألف هكتار من الحوامض في طور الإنتاج منذ سنة 2002 ، بناء سيدي أولوز و المختار السوسي و نبض المياه الجوفية بسبت الكردان ، و كان لقرار وزير الفلاحة في حكومة ما يسمى بحكومة التناوب سنة 2000 الذي يقضي بالسماح باستغلال 10 آلاف هكتار بهذه المنطقة ، أثر كبير في تدمير غابة أركان و ابتلاع أراضي الفلاحين الفقراء من طرف الملاكين العقاريين الكبار الذين جادت عليهم هذه الحكومة بالقرون .
لقد تم إنشاء ضيعات الحوامض الموجهة للتصدير من طرف الملاكين العقارين الكبار على حساب الفلاحين الفقراء الذين تم الاستيلاء على أراضيهم ، وتحويلهم إلى عمال زراعيين بضيعات الحوامض و معامل التلفيف وطبقة عاملة بالمعامل بالمدن المغربية ، وتم تدمير غابات أركان من أجل إنشاء ضيعات الحوامض وبالتالي تدمير الطبقات المائية الجوفية ، كما هو الشأن بمنطقة سبت الكردان التي تعد من بين المناطق الأوائل التي أقيمت فيه مشاريع الاستثمار الفلاحي الرأسمالي في عهد الإستعمار المباشر ، الشيء الذي دفع النظام الحاكم باتخاذ قرار إنشاء ضيعات الحوامض بمنطقتي أولاد برحيل وأولوز في سنة 2000 ، نظرا لما تشتمل عليه المنطقة من الأراضي الخصبة وطبقات مائية جوفية مهمة لقربها من سدي أولوز و المختار السوسي .

خلال السبعينات من القرن الماضي وصل مجمل الأراضي المسقية بالمضخات إلى أكثر من 50 ألف هكتار ، ويتسابق الملاكون العقاريون الكبار وراء الربح السريع بواسطة إقامة مضخات ضخمة لضخ المياه من أعماق الطبقات المائية الجوفية التي وصل عمقها إلى أكثر من 50 مترا في تلك المرحلة ، الشيء الذي وضع الفلاحين الفقراء في وضعية صعبة للحصول على المياه مع تنامي سنوات الجفاف منذ الثمانينات وضخ المياه الجوفية بضيعات المعمرين الجدد ، و وصل هبوط مستوى الطبقات المائية الجوفية إلى أكثر من 200 متر في بعض المناطق ( سبت الكردان و أحمر الكلالشا ) ، مما تستحيل معه الحياة الطبيعية للفلاحين الفقراء الذين يعجزون عن الوصول إلى مياه الري مما يدفعهم إلى بيع أراضيهم إلى الملاكين العقاريين الكبار، و هكذا يتم ابتلاع أراضي الفلاحين الفقراء من طرف هؤلاء و بالتالي تدمير غابات أركان و الزيتون بإنشاء ضيعات الحوامض و تدمير الفرشة المائية .

وأمام هذه الكارثة التي بدأت في التشكل منذ مرحلة السبعينات من القرن 20 قام خبراء من برنامج الأمم المتحدة للتنمية PNUD و منظمة الفلاحة والتنمية FAO بدراسة وضعية حوض سوس ، و خلص الدارسون إلى إمكانية الاستمرار في الاستغلال المكثف للطبقات المائية الجوفية بسوس إلى حدود سنة 2007 ، وهو التاريخ المقرر لاستغلال سد أولوز لإعادة إمداد منطقة سبت الكردان بالمياه عبر السواقي ، و في إطار ما سمي بسياسة السدود شرع في بناء سد أولوز سنة 1985 لتأمين تزويد المشاريع الرأسمالية للملاكين العقاريين بسوس بمياه الري ، و كان لهذه السياسة أثر كبير على حياة الفلاحين الفقراء بأوزيوة خاصة منهم الذين تعرضوا للتهجير القسري بعد ما سمي بنزع ملكية ممتلكاتهم التي من المنتظر أن تخمرها مياه السد ، و قد شمل ذلك 10 دواوير تم ترحيلهم في ظروف قاسية حيث لم يتم التخطيط المحكم لإعادة إدماجهم في تجمعاتهم السكنية التي من المنتظر إقامتها بالقرب من السد .
و قد أثبتت الأحداث المأساوية التي تعرض لها الفلاحون الفقراء بأوزيو أن التخطيط الذي كان معدا للمنطقة هو تحويلها إلى مجال طبيعي يحيط حقينة السد ، يكون خاليا من الإنسان لفسح المجال لتحويله إلى محميات للإستثمار الرأسمالي في مراحل مقبلة ، إذ كيف يعقل التخطيط لترحيل السكان الأصليين من حقينة السد و تشجير ما تبقى من أراضيهم البورية ، ذلك ما عاناه سكان دوار تسدرمت الذين يمتلكون بالقرب من السد أراضي بورية خصبة حاولت مؤسسة المياه و الغابات السطو عليها بمحاولة تشجيرها بأشجار الكلبتوس ، لكن مقاومة الفلاحين الفقراء أرغمت هؤلاء على التراجع عن مخططاتهم مرحليا ، و بالمقابل مسؤولي المياه و الغابات الضغط عليهم بمحاولة محاصرتهم في تجمعاتهم السكنية ، و ذلك بإنزال الغرامات المالية الخيالية عليهم لمجرد إدعاء أن أغنامهم قد خرقت جدود ما يسمى زورا بالملك الغابوي ، هذا الملك الذي لا تملك الدولة أصلا عقاريا له ذلك أن السكان الأصليين يملكون وثائق مؤرخة منذ مئات السنين ، تثبت حقوقهم الشرعية في امتلاك هذه الأراضي بأشجار أركان الشجرة الضاربة في أعماق التاريخ .
إن سياسة النظام القائم التي تهدف إلى تشجير المنطقة بشجرة غريبة عن هذه البيئة الطبيعية و هي شجرة الكلبتوس التي نعرف جميعا الكمية الكبيرة التي تستهلكها من المياه مقارنة مع شجرة أركان التي تحافظ على الفرشة المائية ، يهدف من ورائها الملاكون العقاريون الكبار إلى احتلال المناطق الجبلية بعد الإستيلاء على أراضي الفلاحين الفقراء بالسهل ، و بعد فشل مخططاتهم هذه قام النظام الحاكم بتقسيم منطقة أوزيوة بإحداث جماعة تسراس سنة 1992 لتقسيم سكان المنطقة ليسهل ضرب نضالهم ، و بالتالي التهييء للمخطط الثاني الذي يهدف إلى بناء سد المختار السوس في المنطقة العليا لأوزيوة الذي سينتج عنه ترحيل 07 دواوير في سنة 1998 في ظروف مأساوية ، و استمرار لمحاولة السطو على ممتلكات الفلاحين الفقراء قام رئيس جماعة تسراس سنة 2001 بمحاولة تحفيظ 121 هكتارا من أراض السكان المهجرين من سد أولوز ، و اعتمد في طلب التحفيظ على وثيقة مزورة يدعي من خلالها ملكية هذه الأراضي التي يستغلها أصحابها ، كما ساهم في تفويت 20 هكتارا من الأراضي لأحد المسؤولين الكبار بعمالة تارودانت في مرحلة الثمانينات و التسعينات و المسؤول على جميع الخروقات بالإقليم و بسد أولوز خاصة ، و مازالت ثلاثة ملفات هذه الأراضي تروج بمحاكم النظام القائم و ما زال الفلاحون الفقراء يواجهون نفس السياسات التي تم التخطيط لها في سنوات القمع الأسود .
و لمواجهة هذه المخططات قام الفلاحون الفقراء بتأسيس جمعياتهم التنموية التي من خلالها يتم تنظيمهم للدفاع عن حقوقهم ، و كان أول هذه الجمعيات التي تدافع عن حقوق المهجرين من سد أولوز قد عانت من حيف السلطات بتارودانت بعد منعها من وصل الإيداع منذ تأسيسها في أبريل 1997 إلى مارس 2000 ، و هي اليوم تعاني من منع السلطات من تسليمها وصل التجديد منذ 23 أبريل 2006 كما تعرض أعضاء مكتبها للمحاكمة بعد تنظيم المسيرة الحمراء يوم 07 ماي 2006 ، و لتعزيز تنظيم الفلاحين الفقراء تأسست نقابة فلاحين أولوز و تنسيقية الجمعيات التنموية بأوزيوة للنضال من أجل الحق في الأرض و الماء و أركان و تنمية اللغة و الثقافة الأمازيغية ، و استطاع الفلاحون الفقراء المهجرين من سد أولوز محاكم رئيس الجماعة في انتخابات سنة 2003 بعدم التصويت علية و هم اليوم يسيرون شؤون الجماعة .

الآثار الكارثية لسياسة السدود على الفلاحين الفقراء بإوزيون :


تقع منطقة " إوزيون " بأولوز في ملتقى جبال الأطلس الصغير بالأطلس الكبير وتخترقها أربعة أودية تتدفق بالمياه طول السنة ، لكون مواردها المائية تنبع من خزانين مائيين هامين ـ جبل توبقال و جبل سيروا ـ الموردين الأساسيين لوادي سوس ، وأغلب سكانها الأصليين فلاحون فقراء أمازيغ يعيشون على منتوج الاراضي التي ورثوها أبا عن جد ، تم تهجير سكان 18 دوارا بعد نزع ملكية أراضيهم قسرا بسدي أولوز و المختار السوسي ، لتأمين مياه الري للمشاريع الرأسمالية للملاكين العقاريين الكبار التي أقيمت على أراضي الفلاحين الفقراء بالسهل ، كما تتوفر المنطقة على موارد غابوية جد مهمة وخاصة شجرة الزيتون وأركان .
ويعيش السكان المهجرين اليوم أوضاعا مزرية بتجمعاتهم السكنية بسبب التعويضات الهزيلة التي لم توفر لهم ظروف العيش الكريم ، حيث تعرضوا للتجهيز قسرا بعد أن داهمت الجرافات مساكنهم وممتلكاتهم لطمس حقائق أوضاعهم في مرحلة سنوات القمع الأسود في الثمانينات بالنسبة لسد أولوز و في أواخر التسعينات بالنسبة لسد المختار السوسي .

حركة الفلاحين الفقراء بأوزيوة :

لقد صمد الفلاحون الفقراء بإوزيون أمام هجوم النظام الحاكم بالمغرب على ممتلكاتهم وسلكوا جميع الطرق التي يخولها لهم القانون من أجل الدفاع عن حقوقهم ، بدءا بمطالبة الجهات المسؤولة بتعويضات معقولة وانتهاء برفع القضية ضد الدولة أمام المحكمة الإدارية بأكادير ، ورغم الأحكام الصادرة لصالحهم نسبيا إلا أن جلهم لم يتوصل بالمستحقات إلى حد الساعة نظرا لتماطل الجهات المسؤولة ، مع العلم أن أكثر من 2400 ملف بسد أولوز معروض على أنظار المحكمة الإدارية ، ومع مرور أكثر من عقد و نصف من الزمن على القضية ترتبت عنه عدة مشاكل خاصة وأن عددا من المطالبين بالحقوق قد توفوا ، و بالنسبة لسد المختار السوسي فمازال جل المتضررين يتنقلون بين تارودانت و الرباط للحصول على مستحقاتهم الهزيلة أصلا و هم يتعرضون للإبتزاز من طرف المسؤولين بصندوق الإيداع و التدبير بالرباط .

بعد استنفاد جميع الوسائل القانونية للحصول على حقوقهم وبتعاون مع مناضلي النهج الديمقراطي بتارودانت نشأت حركة جمعوية منذ أواسط التسعينات للدفاع عن حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية ، عملت على تنظيم الفلاحين الفقراء بسدي أولوز و المختار السوسي من أجل المطالبة بحقوقهم الضائعة أثناء التهجير و توفير ظروف العيش الكريم في تجمعاتهم السكنية الحالية ، و كان تأسيس جمعية إفغلن للدفاع عن مصالح المتضررين أول تنظيم للفلاحين الفقراء بإوزيون ، و التي تمت مواجهتها من طرف السلطات بتارودانت برفض تسليم وصل الإيداع إلا بعد نضال مرير إستمر ثلاث سنوات.
و في الندوة الصحفية ليوم 18 ماي 1997 التي نظمتها جمعية إفغلن بحضور مراسلي مجموعة من الجرائد الوطنية ، كشف رئيس الجمعية عن الظروف التي مر بها الفلاحون الفقراء المهجرون بسد أولوز ، بدءا بعملية إحصاء ممتلكاتهم التي عرفت خروقات صارخة ، وتوقف عند كارثتين طبيعتين ضربتا المنطقة في ذلك الحين ، وهما فيضانان الأول بعد أخذ الصورة الطوبوغرافية للمنطقة التي من المنتظر نزع ملكيتها والثاني بعد عملية الإحصاء ، مما عرض أراضي الفلاحين الفقراء للإتلاف في غياب إغاثة النظام الحاكم للفلاحين الفقراء ، الشيء الذي نتج عنه عدم احتساب الأراضي التي جرفتها المياه في حينه التي سيستفيد بعض المحظوظين و أعوان السلطة في إحصائها نظرا لأنها متضمنة بالصورة الطبوغرافية.
وأشار إلى ما شاب عملية الإحصاء من زبونية ومحسوبية استفاد منها أعوان السلطة وكبار الملاكين العقاريين ، و في هذا الصدد تحتفظ الجمعية ببعض الأسماء المعروفة باختلاساتها إلى حين المطالبة بالكشف عن حقيقة الإنتهاكات الجسيمة للحقوق الإقتصادية ، كما أوضح كيف تم استعمال الأغراس لتوزيع الأرقام على هؤلاء خاصة أشجار الزيتون وكذا الأراضي البورية ، كما أكد أحد المتضررين من سد المختار السوسي نفس الممارسات التي طالت الفلاحين الفقراء أثناء الإحصاء ، حيث عمل أحد الأعضاء بالمجلس القروي بإوزيون بتعاون مع رئيس الجماعة و السلطات بتارودانت على السطو على مجموعة من ممتلكاته ، خاصة الأرض التي بنى بها منزلا أثناء عملية الإحصاء من أجل السطو عليها و إحصائها كما هو الشأن بالنسبة للأغراس التي تعرض عليها و التي ما زالت قائمة بحوض السد إلى حد الأن.

ظروف عملية التعويض :

هذه العملية تمت عبر مراحل :
التعويض عن أشجار الزيتون .
التعويض عن الأراضي.
التعويض عن المباني .
وأشار إلى أن هذه العملية التي تمت عبر مراحل شابها تحايل السلطة على الفلاحين الفقراء ، من خلال إيهامهم بأن التعويض المهم سيكون عبر قيمة شجرة الزيتون التي تقدر ب 3000.00 درهم للشجرة الواحدة لإقناعهم بالرحيل قبل تعويضهم، لكن حقيقة الأمور كذبت مزاعم السلطات وادعاءات المسؤولين والجدول التالي يوضح ذلك :

قيمة التعويض بالدرهم حجمها نوع الشجر ر.ت
900.00 كبيرة الزيتون 01
600.00 متوسطة الزيتون 02
لا شيء صغيرة الزيتون 03
500.00 كبيرة مختلف الأنواع المثمرة 04
300.00 متوسطة مختلف الأنواع المثمرة 05


أما التعويض عن الأراضي فكان كارثيا كما يلي :
الأراضي المسقية :3 دراهم للمتر المربع.
الأراضي البورية : درهمان للمتر المربع .
الأراضي الحجرية : درهم واحد للمتر المربع .

ظروف تهجيرالفلاحين الفقراء :

كما تمت الإشارة إليه سابقا فإن النظام القائم بالمغرب عمل على فرض التهجير قسرا ، حيث تم الهجوم على ممتلكات الفلاحين الفقراء ومحاصيلهم الفلاحية وداهمتها الجرافات وهدمت منازلهم ، وقام هؤلاء بالتصدي لهذا الهجوم حيث تشبث أغلبهم بالبقاء بالمنطقة المجاورة للسد في الأراضي الجماعية للدواوير المهجرة خاصة أراضي تسدرمت ، و كان على رأسهم رئيس جمعية إفغلن و الذي ما زال يعاني مرار التهحير القسري ، بعد هدم منزله الذي بني على 360 متر مربع في طابقين و تحتوي على 12 حجرة مبنية بالحجر و الإسمنت و الحديد و تم تعويضه بمبلغ 30 ألف درهم ، و هذا خير دليل على الحيف الذي لحق الفلاحين الفقراء بسد أولوز إلا أن إصرارهم على التشبث بالأرض جعلهم يقيمون تجمعاتهم السكنية بما تبقى لهم من الأراضي الجماعية ، و ذلك بعد المقاومة المريرة لمخطط النظام الحاكم بالمغرب الذي يهدف إلى جعل المنطقة خالية من الإنسان و تحويلها إلى ملك غابوي يتم تفويته للملاكين العقاريين الكبار ، و هم اليوم يعيشون صراعا مريرا مع رئيس جماعة تسراس السابق الذي يحاول السطو على ما تبقى من أراضيهم الجماعية بتعاون مع السلطات بتارودانت ، و ذلك بعد تزوير عقد استمرار من أجل احتلال هذه الأراضي لتفويتها لأحد الملاكين العقاريين الكبار فيما بعد لكونها تقع بين سد أولوز و سد المختار السوسي .
و من أجل الدفاع عن حقوقهم بعدما تبين أن النظام القائم قد جدد هجومه بتسخير رئيس جماعة تسراس ، لتمرير ما تبقى من مخططاته التي تستهدف ما تبقى من أراضيهم ، قام الفلاحون الفقراء بتأسيس نقابة فلاحي أولوز كصيغة متطور من التنظيم ضد هجوم النظام القائم ، و تم تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر الجماعة يوم 26 يناير 2003 ، و في انتخابات نفس السنة حاكم الفلاحون الفقراء هذا الرئيس بالتصويت ضده عقابا على ممارساته ضدهم ، و ما زالت 3 ملفات هذه الأراضي تروج بمحاكم النظام الحاكم .
أما بالنسبة للفلاحين الفقراء بسد المختار السوسي فبالإضافة إلى ما لحقهم جراء الإنتهاكات الجسيمة لحقوقهم الإقتصادية فإنهم يعانون ويلات ثلاثة عقود من الحيف من طرف رئيس الجماعة ، و حياتهم الكارثية اليوم سواء بتجمعاتهم السكنية القديمة بالنسبة للذين لم يشملهم التهجير بعد أن فقدوا جزءا كبيرا من متلكاتهم أو في تجمعاتهم السكنية الجديدة بالنسبة للذين تعرضوا للتهجير القسري ، حياتهم الكارثية توضح مدى استهتار النظام الحاكم بحياة المواطنين خاصة منهم الفلاحين الفقراء ، حيث انعدام البنيات التحتية بالجماعة التي تعتبر من أغنى الجماعات ، خاصة بعد أن تم تشييد سدين هامين بالنسبة لحوض سوس على أراضيها ، و ذلك من أجل تأمين مياه الري للمشاريع الرأسمالية للملاكين العقاريين الكبار ، و على رأسهم رجال الدولة و البرلمانيين ذوي النفود في السلطة المغربية و عائلانهم .
و قد ضاق الفلاحون الفقراء باستمرار نفس سياسات التهميش و الإقصاء التي تمارس عليهم منذ نصف قرن من الزمن و لابد لهم من الإنتفاضة ، و كانت النقطة التي أفاضت الكأس هي مشكل الكهرباء ، و كان لابد من تأسيس حركة جمعوية مناضلة من أجل الدفاع عن حقوقهم المهضومة ، هذه الحركة التي تم تتويجها بالوقفة الإحتجاجية أمام جماعة إوزيون يوم 24 فبراير 2006 ضد رئيس الجماعة ، الذي رفض إدراج مشكل الكهرباء بجدول أعمال الدورة ، و كانت تلك هي البداية التي ستسارع في تناسل الحركة الإجتماعية بجماعة إوزيون بعد اللقاء التنسيقي التضامني بين حركة المجتمع المدني بتارودانت و الحركة الجمعوية بإوزيون في 26 مارس 2006 بدوار إدركان و إصدار البيان العام الذي يتضمن النقاط التالية :

1 ـ على مستوى مشكل الكهرباء :

ـ المطالبة بحل عادل لمشكل الاستفادة من الكهربة القروية .
ـ رفع الضرر الذي يطال دوار ادركان نتيجة مرور STHT فوق منازل السكان و ما يترتب عن ذلك من اضرار .

2 ـ على مستوى الثروات المائية :

ـ ضمان الحق الطبيعي في الاستفادة من ماء الري بسد المختار السوسي .
ـ رفع التلاعب بصبيب الماء الحالي الخاص بادركان و أسول .
ـ- ضمان الحق الطبيعي في الاستفادة من الماء الصالح للشرب بسد المختار السوسي .

3 ـ على مستوى الثروات الغابوية :

ـ ضمان الحق في الاستغلال الطبيعي للملك الغابوي.
ـ الاستفادة من التعويضات الخاصة برعاية الملك الغابوي .

4 ـ على مستوى الحقوق الأساسية :

ـ ضمان الحق في الصحة خاصة للمرأة و الطفل ة ذلك ببناء مستشفى يستجيب لشروط و المعايير الصحية المتعارف عليها .
ـ ضمان الحق في التعليم لجميع أطفال المنطقة و خاصة بالتجمعات السكنية للسكان المهجرين بسد المختار السوسي .

5 ـ على مستوى هدر المال العام :

ـ محاسبة رئيس الجماعة خلال المدة الزمنية التي قضاها على رأس الجماعة لأزيد من 30 سنة .
ـ محاسبة المستفيدين بشكل غير قانوني من سد المختار السوسي .
ـ ضمان حق تعويض المتضررين الذين طالهم الحيف .

و اسمر التنسيق من أجل بناء حركة احتجاجية للدفاع عن حقوق الفلاحين الفقراء و الذي تم تتويجه بالمسيرة الحمراء يوم 07 ماي 2006 ، التي تابع النظام الحاكم من أجلها 05 من مناضلي المجتمع المدني بإوزيون في الجلسة الأخيرة يوم 07 دجنبر 2006 التي تم تتويجها بالوقفة الإحتجاجية للفلاحين الفقراء أمام مقر عمالة تارودانت ، و من المنتظر أن يتم إصدار الحكم في حقهم يوم 21 دجنبر 2006 ، في الوقت الذي بقي فيه رئيس جماعة إوزيون حرا طليقا رغم اختلاساته المثبتة لميزانية كهربة التجمعات السكنية للفلاحين الفقراء المهجرين بسد المختار السوسي ، و ذلك معهود في ممارسات النظام القائم الذي لا يستطيع الزج بحلفائه في السجن في الوقت الذي كان يمرر بهم مخططاته ، و ما زال الفلاحون الفقراء مصرين على النضال المستمر من أجل الدفاع عن حقوقهم .

كوارث سياسة الإصلاح الزراعي الطبقية بسوس :

كان من بين المطالب الأساسية للحركة الوطنية الفعلية بعد الإستقلال الشكلي هو وضع سياسة فلاحية تستهدف تنمية حياة الفلاحين الفقراء ، و ذلك بالمطالبة بما كان يسمى آنذاك ب" الإصلاح الزراعي " من أجل تطوير الإمكانيات المتاحة في المجال الفلاحي خاصة في السهول الخصبة الشاسعة و التي يستولي عليها المعمرون الفرنسيون ، و التي يرى فيها المقاومون و أعضاء جيش التحرير و المناضلون السياسيون اليساريون مجالا لخدمة الفلاحين الفقراء ، حيث يعتقدون أنه من السهل على النظام الحاكم بعد الإستقلال الشكلي أن يتخلى عن حلفائه المعمرين بتلك السهولة و هو الذي يتطلع إلى تعويضهم في جميع المستويات .
و كان لابد من الدفاع عن مفهوم الإصلاح الزراعي الذي سيعرف فيما بعد وضع أسسه حسب رغبة المعمرين الجدد الذين يسعون إلى وراثة المشاريع الفلاحية الإستعمارية ، و تعتبر منظقة تارودانت من المناطق المستهدفة بهذه السياسة لما تشكله من مجال خصب يرى فيه أبناؤه المقاومون مجالا للتنمية ، لكن السياسة الفلاحية الطبقية للنظام الحاكم غيرت مطامحهم و ذلك ب :
أولاب تركيز مؤسسات " صوديا " الفلاحية و الصناعية التابعة للنظام لمنع أي محاولة للمطالبة لاسترجاع أراضي الفلاحين الفقراء التي أقام فيها المفمرون الفرنسيون مشاريعهم الرأسمالية ، حتى يتمكن أقطاب النظام الحاكم من استغلالها بشكل غير مباشر.
ثانيا بابتداع ما سمي زورا بالإصلاح الزراعي بمنطقة سوس في النصف الأخير من السبعينات من القرن 20 ، الذي استهدف تكبيل الفلاحين الفقراء و محاصرتهم من أجل فسح الطريق أمام مزيد من الإستيلاء على أراضي الجموع من طرف الملاكين العقاريين الكبار.
و لقد النظام الحاكم تغليط الفلاحين الفقراء محاولا إيهامهم بأنه بالفعل يرغب في تطوير حياة الفلاحين الفقراء ، إلا أن تجربتهم الطويلة معه كما تمت الإشارة إليه سابقا علمتهم كيف يكتشفون سوء نواياه فرفض هؤلاء الدخول فيما يسمى ب " التعاونيات / المشاريع " و المشاريع المغشوشة بالفعل ، و بعد إفشال محاولته استدراج الفلاحين الفقراء لمشروعه المغشوش قام باستقدام بعض الحرفيين و العمال الذين لا خبرة لهم في مجال الفلاحة ، و يعمل على تنظيمهم في تعاونيات فلاحية لأغراض زراعية تستهدف توفير بذور القمح لشركة " سوناكوس " .
و أول جريمة قام بها النظام القائم هي تدمير غلابات أركان من أجل توفير الأراضي لإقامة هذه المشاريع الملغومة بعد أن امتنع الفلاحون الفقراء عن تفويت أراضي الجموع لهذا الغرض .
و ثاني جريمة هي إثقال كاهل هؤلاء المساكين بالديون خدمة للمشرع الإستعماري الذي يستهدف إلى توفير بذور القمح بأقل التكاليف .
و ثالث جريمة هي ثقلهم بتربية الأبقار و ذلك بابتداع نوع آخر من "التعاونيات" المتمثلة في " تعاونية الحليب كوباك " لتزويدها بالحليب ، التي وصلت اليوم أوجها في تجارة الحليب و مشتقاته و بالتالي تصنيع عصير الفواكه ، و التي تم إنشاؤها على قاعدة استغلال الفلاحين الفقراء بالمشاريع الفلاحية المغشوشة و توريطهم في ديون القرض الفلاحي باقتناء الأبقار لتوفير الحليب .
فسقط هؤلاء المساكين في دوامة شراء البذور من شركة سوناكوس بأثمان باهظة و زرعها و سقيها و حصدها و نقلها إلى مقر الشركة ، التي تعمل على انتقائها و شراء الأجود منها بأبخس الأثمان ، واقتناء العلف تعاونية كوباك لتوفير الحليب للتعاونية ، و هكذا دواليك و الديون تتراكم عليهم فأصبحوا عبيدا بين أيدي شركة سوناكوس و تعاونية كوباك و ديون القرض الفلاحي المتراكمة عليهم ، و ثقل تكاليف السقي الذي يتم عبر شراء مياه الري من جمعيات السقي .
و تجربة الفلاحين الفقراء بمشروع أمل النجاح بتازمورت خير دليل على ذلك على السياسة الطبقية الفلاحية بسوس ، حيث تم نزع أراضي 10 عائلات من أصل 60 عائلة و ترحيلها من مساكنها بعد عجزها من أداء فواتير استهلاك مياه الري ، مع العلم أن الأراضي التي و المساكن التي منحت لهؤلاء الفلاحين لم يتم تفويتها لهم رغم أنهم استغلوها لمدد تتراوح بين 20 و 28 سنة .
و هكذا يتم استغلالهم كطبقة عاملة زراعية بدون حقوق حيث تعمل العائلة بالحقل التي تتيراوح مساحته بين 03 و 05 هكتارات لتوفير القمح و الحليب ، و خير دليل على استغلالهم المكثف هو :
أولا ما قام به مسؤولو تعاونية كوباك من حيف اتجاه الفلاحين الفقراء ، و ذلك بعد خفض سعر شراء الحليب منهم من 3,50 إلى 3,10 درهم للتر واحد مع خصم 0,10 درهم للتر واحد يقال لهم لحساب الجمعية الخيرية ؟
ثانية الكارثة التي حلت بالفلاحين الفقراء و هي ما يتم ادعاؤه من مرض الأبقار بالسل و إرغام هؤلاء ببيع أبقارهم بواسطة مسؤولي التعاونية بأثمان بخسة دون تعويض عن خسائرهم ، كما أن هناك بعضهم لم يتوصل بعد بمستحقات بيع أبقارهم .
رابعا الغموض الذي يشوب مداخيل التعاونيات/المشاريع الفلاحية المغشوشة و هو 5% من المحاصيل و دعم الدولة و المنظمات الدولية ، كل ذلك نتيجة الفساد الإداري الذي يقوده ممثلو وزارة الفلاحة في التعاونيات و أعضاء المكاتب و السلطات.
كما يقال أنهم تعرضوا للحيف و ذلك ببيع الأبقار سواء المريضة أو التي لا يرى فيها المالكون للتعاونية نفعا بثمن بخس ، من أجل تصنيع لحمها من طرف التعاونية التي تطمح في توسيع إنتاجها بتصنيع ماة " الكاشير".
و يبقى المستفيد الآول و الأخير هما شركة سوناكوس و تعاونية كوباك ، الأولى التي عرفت فضائح و اختلاسات مالية ما زالت النظام يتهرب من فتح ملفاتها ، و الثانية التي تلعب في ملايير الدراهم على حساب عرق و دم الفلاحين الفقراء الذين تم ثقل كاهلهم بالديون ، من أجل تراكم الأموال في أيدي أقلية من الملاكين العقاريين الكبار المعفيين من الضرائب و المتملصين من أداء فواتير الماء الصالح للري ، و الذين يتهافتون وراء الربح الوفير و تراكم الأموال التي يتصرفون فيها بدون حسيب و لا رقيب ، دون أن ننسى استغلال العاملات و العمال بمعمل تصنيع الحليب و مشتقاته ، و العمال الموزعين لمادة الحليب بالمدن المغربية و العاملات و العمال بالضيعات التابعة للتعاونية .
و قد عرفت التعاونية تحولا خطيرا منذ 2001 حيث تجاوز رأسمالها السقف المحدد للتعاونيات و تجاوزت أنشطتها الأهداف المسطرة لها كتعاونية فلاحية من المفروض أن تحترم حقوق المساهمين فيها خاصة الفلاحون الفقراء ، و كان لابد من تدخل باقي الملاكين العقاريين بتارودانت و ذوي النفوذ بالسلطة المركزية للنظام القائم ، من أجل تقرير مصيرها في اتجاه تحويلها إلى شركة صناعية ، الشيء الذي يحبك اليوم في الكواليس و دهاليز ذوي القرار السياسي و الإقتصادي بالمغرب .
و كان لسياسة التقويم الهيكلي في بداية الثمانينات أثر كبير في تركيز سياسة الخوصصة التي تستهدف في الدرجة الأولى المجال الفلاحي بسوس ، و كان للفساد الإداري و المالي للنظام الحاكم أثر كبير في نهب أموال مؤسسات صوديا بالضيعات و المعامل بسوس ، و قبلها بمعمل سوبليم للتلفيف الذي أغلق سنة 1994 و معمل فريما سوس في سنة 2003 و كلاهما تابعان للنظام الحاكم ، و نتيجة لذلك تم ابتداع شكل جديد من المغامرة في هذا المجال و هي التعاونيات في مجال التلفيف من أجل إضعاف مردود معامل التلفيف الوطنية لإغلاقها و طرد العاملات و العمال و تفويتها من جديد.
و كانت مقاومة العاملات و العمال بمعمل سوبليم البطولية منذ أواسط التسعينات من القرن 20 شكلا نضاليا رائعا و فريدا من نوعه في مواجهة هذه السياسة ، إلا أن تواطؤ النقابات بتعاون مع الأحزاب الموالية لها جعل العاملات و العمال الموسميين و المياومين بهذا المعمل يذوقون مرارة الطرد التعسفي للنظام القائم ، و مازال هؤلاء في تجمعاتهم السكنية قرب المعمل المسدود رغم جميع الضغوطات التي مورست ضدهم من أجل تهجيرهم لتفويت المعمل .
كما يعتبر تسريح / طرد العاملات و العمال من معملي أمكالة و العيون في 2003 التابعان لصوديا جناية أخرى تضاف إلى سجل الإنتهاكات الجسيمة الإقتصادية و الإجتماعية للنظام القائم ، و مازال ملف معمل فريما سوس يراوح مكانه بعد الحكم القضائي لصالح العمال منذ 2002 ، مع العلم أن هذه المعامل تم إعادة هيكلتها و تجديد آلياتها قبل إغلاقها و عرضها للتفويت للملاكين العقاريين الكبار بالإقليم كما هو الشأن بضيعات صوديا للحوامض التي تم تجديد جميع أغراسها و تفويتها .
إن سياسة ما يسمى بالإصلاح الزراعي كانت تستهدف ضرب مصالح الفلاحين الفقراء و ذلك :
أولا بابتلاع أراضي الجموع التي يتم الإستيلاء عليها عن طريق الجماعات المحلية و ممثلي الجماعات السلالية .
ثانيا بالقضاء على غابات أركان بالسهل و تعويضها بالحوامض و الخضر و الموز و الورود في اتجاه تصديرها إلى الخارج .
ثالثا بتفويت الموسسات الوطنية الفلاحية و الصناعية من ضيعات و معامل التلفيف و معمل فريما سوس بعد نهب أموالها .
فكان لهذه السياسة آثار كارثية على الفلاحين الفقراء بإقليم تارودانت و ذلك بابتلاع أراضيهم، التي تم تفويتها للملاكين العقاريين الكبار بصفة نهائية في 2005 بعد تحرير عقود الملكية لهم بتواطؤ مع النقابات ، و كان للإستغلال المفرط للفرشة المائية بالمضخات الكهربائية أثر كبير على هبوط مستوى المياه الجوفية إلى حد لا يمكن معه للفلاحين الفقراء الحصول على مياه الري ، الشيء الذي له تأثير كبير على عدم التوازن في الدورة المائية مما يساهم في تعميق آثار الجفاف نتيجة قلة التساقطات المطرية و نبض العيون و السواقي بالسهل و الجبال ، مما دفع الدولة إلى ابتداع مشروع ملغوم جديد سمي بجمعيات السقي التي استنزفت ما تبقى من عرق الفلاحين الفقراء ، و ذلك ببيع مياه السقي لهم و إغراقهم في وحل ديون القرض الفلاحي من جديد من أجل توفير المياه للملاكين العقاريين الذين يتملصون من أداء ديونهم المترتبة عن استغلال المياه و ذلك ببيع أبقارهم ، و خير مثال على ذلك هو وضعية عائلة تتكون من 07 أفراض يملكون 03 هكتارات و 07 أبقار ، و ينتجون شهريا 1800 لترا من الحليب و تستهلك أبقارهم 2400 درهم من العلف و 1000 درهم من الماء الصالح للري بالإضافة إلى القرض الفلاحي ، فماذا سيبقى لهم غير الكد و العرق اليومي ؟
و كما تمت الإشارة إليه في فصل سابق أنه لم يسلم الفلاحون الفقراء بالجبال من هذه السياسة ، خاصة بسدي أولوز و المختار السوسي و في منطقة تافنكولت ، الذين تم ابتلاع أراضيهم و تدمير شجرة أركان في المشاريع الجديدة للملاكين العقاريين الكبار، و يتم اليوم حبك مشروع ملغوم جديد قديم يسمى جمعيات الماء ":
أولا من أجل استغلال مياه سد أولوز من أجل بيعها مياه للفلاحين الفقراء بضفاف وادي سوس ، و ذلك لأنه من المنتظر أن يهبط مستوى المياه الجوفية بهذه المناطق بسبب المشاريع الجديد للملاكين العقاريين الكبار التي تم إنشاؤها قرب السد و المنتظرة تأسيسها في الضفة الجنوبية للوادي .
ثانيا من أجل توفير مياه الري لمشاريع المعمرين الجدد بسبت الكردان التي تم نبض المياه الجوفية بها.

النتائج الكارثية للرأسمالية الإمبريالية على البيئة بسوس :

كل ما تم تحليله فيما سبق له تأثير كبير على البيئة بمنطقة سوس و بتارودانت خاصة و ذلك من خلال ما تتميز به من مناخ شبه صحراوي ، الشيء الذي يتطلب احترام مكوناتها الخصوصية في مجال البيئة و خاصة منها الغطاء النباتي من شجر و عشب عند إدخال أي تغيير أثناء استغلال الموارد الطبيعية :
أولا باحترام شجرة أركان باعتبارها من خصوصية المنطقة لتوفرها بكثافة بالسهل لما لها من دور هام في الحفاظ على التوازن الطبيعي للفرشة المائية ، لما تتمتع به من مقاومة لمواسم الجفاف بامتصاص المياه من أعماق الأرض مما يساعد على ارتفاع مستوى المياه الجوفية ، و بالتالي تلطيف الجو وتوفير الرطوبة و سهولة سقوط الأمطار بما توفره غابة أركان من بخار المياه و تطرحه من أوكسجين و امتصاص ثاني أكسيد الكربون ، دون أن ننسى أنها تساهم في المحافظة على المياه و تدبيرها حيث أن هكتارا واحدا من الحوامض يحتاج من الماء ما يحتاجه 25 هكتارا من شجرة أركان .
ثانيا باحترام معايير استغلال المياه الجوفية التي يتم تدميرها من طرف المشاريع الفلاحية الرأسمالية للملاكين العقاريين الكبار ، في الوقت الدي يعجز فيه صغار الفلاحين و الفلاحين الفقراء عن الوصول إلى المياه الجوفية بعد هبوطها نتيجة الأستغلال المفرط من طرف الملاكين العقاريين.
ثالثا باحترام مبدأ الأرض للفلاحين الفقراء الذين ورثوها أبا عن جد و هم اليوم يفتقدونها بعد هجوم الرأسمال عليها .
رابعا باحترام كرامة الفلاحين الفقراء أصحاب الأرض الذين يتم تهجيرهم يوما عن يوم و ابتلاع أراضيهم من طرف الملاكين العقاريين الكبار ، الذين يقومون مشاريعهم الرأسمالية على حساب عرق و دم الفلاحين الفقراء ، الذين تم تحويلهم إلى عمال و عاملات الزراعيين ، يتم استغلالهم بالضيعات و معامل التلفيف.
خامسا باحترام الخصوصيات الثقافية بسوس و التي تتجلى في اللغة و الثقافة الأمازيغية التي يتم الإستمرار في تهميشها رغم التشهير بسياسيات النظام القائم في هذا المجال ، و ذلك سعيا إلى فصل الإنسان / الفلاحين الفقراء عن هويتهم و ثقافتهم لتسهيل استغلالهم.

إنها مفارقة طبيعية حقا حيث حماقة الرأسمال و الرأسماليين التي استهدفت شجرة أركان كخصوصية وطنية منذ فجر الإستعمار المباشر ، و ذلك بتدميرها المباشر لتوفير الفحم للتدفئة خاصة خلال الحربين الأمبرياليتين الأولى و الثانية ، و تؤكد بعض الدراسان أن غابة أركان كانت تمثل في بداية القرن العشرين مليون هكتار و هي اليوم أقل من 800 ألف هكتار و آخذة في تراجع دائم بما قدره 300 هكتار في السنة ، كما تحاك ضدها مختلف المآمرات بدءا بابتداع ما يسمى ب"تعاونيات أركان" التي. كانت تمولها الشركات الألمانية :
أولا من أجل تجار زيت أركان و تصنيعها و استغلالها في تصنيع الأدوية و و مواد التجميل.
ثانيا من أجل الوصول إلى تصدير ثمارها اليوم لتصنيعها بالخارج و لا غرابة إن نجد اليوم في السوق الأوربية زيت أركان من صنع هذه الدولة أو تلك و هذا واقع معاش .
ثالثا و هو أخطر ما يهددها و هي التجارب التي تقيمها الشركات الإسرائيلية على إنتاج براعم شجرة أركان ، و لا ننسى ما لحق زراعة الطماطم التي أصبحت اليوم مرهونة باستيرادها من الشركات الإسرائيلية نتيجة زرع فيروس يحطم خصوبتها الطبيعية ، و يقال أن إحدى الشركات الإسرائيلية أنشأت معملا بإحدى الضيعات قرب أولوز لإجراء التجارب حول بعض أنواع الأغراس و لا يستبعد أن تشمل هذه التجارب شجرة أركان .
و ما يمارس ضد شجرة أركان نشاهده اليوم يجري على نبتة الزعفران بتالوين حيث تم إنشاء ضيعة للتجارب على هذه النبتة من طرف شركة إسبانية منذ 2001 ، و نفس الشيء بالنسبة لنهب نبتة الشيح التي يتم تدميرها لتصنيعها و تصديرها دون قيد و لا شرط يحفظ البيئة و يصون الحقوق الطبيعية للفلاحين الفقراء ، كما هو الشأن كذلك بالنسبة لشجرة العرعار التي تتعرض للنهب من طرف تجار الخشب و غيرها من الثروات الطبيعية كل ذلك بتواطؤ مع المسؤولين .
إذا كانت الأشجار و الأعشاب الطبيعية لم تسلم من الإستغلال الوحشي للرأسمال فإن الأرض كذلك لم تسلم من مخلفات المعمرين و المعمرين الجدد :
أولا بتدمير خصوبة الأراضي بسوس بقوة استغلالها التي استمرت لأزيد من 60 سنة خاصة في سبت الكردان التي تأثرت بفعل المواد الكيماوية للأسمدة ، و تعتبر مشاريع الموز من أخطر ما يهدد خصوبة الأراضي بسوس و التي نراها اليوم في تزايد مستمر في الوقت الذي يتم فيه التحذير من خطورتها.
ثانيا عبر المواد السامة التي تطرحها المعامل و التي تحول الأراضي التي تتعرض لنفاياتها إلى أراضي قاحلة و تلوث المياه الجوفية ، و يعتبر معمل فريما سوس من بين المعامل الأوائل بسبت الكردان التي حولت الأراضي الخصبة المجاورة لها إلى صحراء ، كما تعتبر اليوم معامل كوباك بأيت إيعزا من أخطر ما يهدد البيئة الطبيعية بتارودانت نتيجة طرح نفاياتها على سطح الأرض مما يهدد حياة السكان بالتجمعات السكنية القريبة منها كما يحرض المياه للتلوث ، كما أن جل معامل التلفيف المنتشرة بالإقليم لا تحترم مواصفات المحافظة على البيئة الطبيعية مما يهدد الأرض و المياه الجوفية و الإنسان .
إن بشاعة استغلال الأرض بسوس و تدمير الفرشة المائية و القضاء على شجرة أركان في السهل و الإستيلاء على منابع المياه ، و سن قوانين مجحفة تستهدف حرمان الحق الطبيعي للفلاحين الفقراء في الأرض و الماء و استغلال الثروات الطبيعية ، و تهميش ثقافتهم المحلية التي ترتكز إلى تاريخ عريق أسس خلاله الإنسان بسوس حضارة عريقة بكل المقاييس ، كل ذلك من أجل إذلال الإنسان و السطو على ممتلكات الفلاحين الفقراء ، و أمام الهجوم الشرس للرسمال لا بد من بناء حركة نضالية يتزعمها الفلاحون الفقراء و العمال الزراعيون تتشكل محاورها في الدفاع عن الحق في الأرض و الماء و أركان و تنمية اللغة و الثقافة الأمازيغية.

وضعية التشغيل بتارودانت :

بعض الإحصائيات الرسمية حسب مندوبية الشغل :

عدد الضيعات الكبيرة و المصرح بها : 750 ضيعة دون احتساب المشاريع الصغير المتراوحة بيت هكتار واحد و 10 هكتارات.
عدد المعامل : 13 معملا مشتغلة و 06 موقوفة عن التشغيل.
عدد المؤسسات التجارية المصرح بها : 266 مؤسسة.
عدد المؤسسات الصناعية المصرح بها: 137 مؤسسة .
عدد المؤسسات في قطاع الخدمات المصرح بها: 65 مؤسسة.
عدد العمال الزراعيين : ما بين 15 إلى 17 ألف عامل و عاملة حسب المواسم.
عدد العمال في القطاع الصناعي و التجاري : 04 آلاف عامل و عاملة.
دون احتساب الورشات الحرفية الصغيرة المنتشرة في المدينة و المراكز المهمة في الإقليم غير المصرح بها.

كما رأينا فيما سبق يشكل العاملات و العمال الزراعيين في الضيعات و المعامل الغالبية العظمى من الشغيلة بالإقليم ، و الذين يتعرضون للإستغلال المكثف من طرف الملاكين العقاريين الكبار الذين يركضون وراء الربح الوفير دون تطبيق أدنى بنود قوانين الشغل ، كما أن صغار الفلاحين الذين يطمحون إلى التسلق وراء كبار الملاكين العقاريين يمارسون نفس أساليب الإستغلال على العاملات و العمال الزراعيين ، و يمكن تصنيفهم إلى عمال زراعيين رسميين و هم القلة القليلة من الطبقة العاملة ، و العمال الموسميين و هم الذين يشكلون الغالبية العظمى ، و العمال المياومين و خاصة النساء العاملات اللواتي يخرجن إلى سوق الشغل " الموقف " صباحا بحثا عن فرصة شغل يوفرها صاحب ضيعة ، لكن جميع هؤلاء يجمع بينهم فعل الإستغلال الذي يتمثل في :
ـ عدم احترام الحد الأدنى للأجور حيث يتم استغلالهم طيلة يوم عمل يترواح بين 10 و 12 ساعة بأجر يتراوح بين 40 و 50 درهما.
ـ عدم التسجيل في صندوق الضمان الإجتماعي الشيء الذي يحرم العمال الزراعيين في المعامل من التعويضات العائلية .
ـ عدم توفرهم عن التأمين عن الصحة و التعاضدية و الحماية من حوادث الشغل.
ـ عدم منحهم بطاقة الأداء التي تبين وضعية في الشغل و شواهد العمل .
ـ عدم منحهم بطاقة الشغل التي تعتبر وسيلة للإعتراف بهم كعمال.
ـ عدم تمتعهم بالعطلة السنوية و الأعياد الدينية و الوطنية .
ـ عدم تعويضهم عن ساعات العمل الإضافية .
ـ حرمانه من التنظيم النقابي بتهديدهم بالطرد في حالة الإنتماء النقابي.
و ليست هناك إحصائيات محددة توضح وضعيتهم سواء لدى مندوبية صندوق الضمان الإجتماعي أو مندوبية الشغل ، نظرا لمشاركة هاتين المؤسستين في الخروقات التي تطال الحقوق الشغلية بسوس .
تأتي الطبق العاملة في مجال البناء و التعمير في الدرجة الثانية و التي تعرف هي الأخرى استغلال مكثفا من طرف المقاولين الكبار و الصغار ، و ذلك من خلال عدم تطبيق قوانين الشغل كما تمت الإشارة إليه سابقا بالإضافة إلى عدم تمتعهم بالتأمين من حوادث الشغل التي تهدد حياتهم يوميا ، سواء بمدينة تارودانت أو بالمراكز التي تتواجد بها البلديات و المجالس القروية ، أما في غيرها من الدواوير فيسود العمل غير المنظم في مجال البناء الذي ما زال تقليديا في أغلبه .
و يعتبر التشغيل في الجماعات المحلية ال89 بالإقليم مجالا مهما لتشغيل الشباب خاصة ذوي الشهادات ، و الذي يعتبر فضاء للزبونية و المحسوبية بين رؤساء الجماعات و السلطات بتارودانت ، حيث أن عدد التوظيفات التي منحت للجمعية الوطنية لملة الشهادات المعطلين بالمغرب لا تتعدى 07 توظيفات يتمة ، إثنتان في السلم 10 و واحدة في السلم 8 و أربعة السلم 01 ، و كانت فضيحة التوظيفات الموهومة بعمالة تارودانت في نهاية الثمانينات و بداية التسعينات ، التي بلغت أكثر من 36 توظيف موهوم بما قدره مليون سنتيم لكل توظيف خير دليل على فساد السلطة بتارودانت ، حيث كان أحد الضالعين في الإنتهاكات الجسيمة بالعمالة يتلاعب بالمواطنين الذين يوهم أبناءهم بتوظيفهم في مكاتب العمالة مقابل رشاوى .
و يأتي قطاع التجارة و الحرف في المرتبة الأخيرة خاصة في المقاهي و الفنادق و المحلات التجارية و الأوراش الحرفية ، و لا توجد إحصائيات دقيق تبين وضعية الشغل في هذا المجال ، و تجدر الإشارة هنا إلى أن المرأة بالبوادي تشكل طبقة عاملة خارج نطاق قوانين الشغل حيث تقوم بجميع الأعمال بالبيت و المزرعة دون مقابل يذكر.
و رغم الوضعية المزرية للطبقة العاملة بسوس فإن نسبة التنقيب ضعيفة جدا حيث لا تتعدى % 2 في أحسن الأحوال ، و ذلك نظرا لعوامل موضوعية منها اعتبار سوس مجالا لاستغلال الطبقة العاملة الزراعية من طرف الكومبرادور و الملاكين العقاريين الكبار و المافيا المخزنية ، التي تسعى للإستغلال المكثف للموارد الطبيعية من أجل الربح الوفير ، في مقابل يتم تسجيل تواطؤ النقابات و الأحزاب المهيمنة عليها مع الطبقات السائدة ضد مصالح الطبقة العاملة لعدم قدرتها على بلورة عمل نقابي كفاحي ، و عوامل ذاتية تتجلى في كون الطبقة العاملة الزراعية تعاني من الأمية و الجهل بحقوقها مما يجعلها قابلة للإستغلال من طرف القيادات النقابية البرجوازية بالإضافة إلى عامل الخوف و الترهيب الذي تتعرض له .
فبعد التجربة النقابية داخل الإتحاد المغربي للشغل منذ الخمسينات و التي شارك في تأسيسها مناضلو الحركة الوطنية الفعلية بتارودانت محليا و وطنيا ، فإن القمع الذي تعرض له المناضلون السياسيون و النقابيون بسوس في بداية الستينات و الإنشقاقات الحزبية و النقابية ، ساهم بشكل كبير في إضعاف الطبقة العاملة الزراعية بسوس ، فبعدها مرحلة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل منذ بداية الثمانينات التي قادت ما يسمى بالحركة النقابية التصحيحية ، التي سرعان ما تحولت إلى عملية انتهازية خاصة عندما وصلت القيادة الحزبية المسيطرة إلى المجلس البلدي و البرلمان في بداية التسعينات ، مما فتح المجال أمام الإتحاد العام للشغالين لتنظيم العاملات و العمال الزراعيين ، التي لم تستمر نظرا لأسلوب التعامل مع الملفات النقابية و هيمنة حزب الإستقلال عليها ذي الأفق البورجوازي .
و منذ سنة 2001 أخذ الإتحاد المغربي للشغل من جديد مشعل تنظيم الطبقة العاملة الزراعية بسوس و يعتبر اليوم أقوى النقابات ، و ذلك أولا نظرا لكون الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي من أقوى النقابي وطنيا في القطاع الفلاحي ، بالإضافة إلى دور مناضلي النهج الديمقراطي بتارودانت الذين يرجع لهم الفضل في إعادة هيكلة نقابة الإتحاد المغربي للشغل و تجربتهم الناجحة إلى حد الساعة في التعاطي مع الملفات النقابية ، إلا أن تجربة عاملات و عمال الضيعات و المعامل بأولاد تايمة و شتوكا أيت بها و ما تعرضوا له من قمع و محاكمات صورية في الآونة الأخيرة ، يطرح أكثر من سؤال حول مصير العمل النقابي في هذا القطاع ، و ذلك من أجل إعادة النظر في أسلوب العمل بالجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي بتارودانت و بسوس عامة ، خاصة و أن نقابة فلاحي أولوز التابعة للجامعة تعتبر رقما جديدا لا بد من وضعه في الحسبان في أفق النضال النقابي ، خاصة و أن حركة الفلاحين الفقراء بإوزيون برهنت على قدرتها على الصمود و النضال .
و هكذا نرى أن ضياع حقوق الطبقة العاملة و ضعفها أمام الباطرونا ناتج بالدرجة الأولى عن تواطؤ القيادة البرجوازية للنقابات مع الملاكين العقاريين ، و المطروح اليوم على المناضلين القياديين في الإتحاد المغربي للشغل بسوس هو وضع خطة عمل برنامجية للحفاظ على القوة النقابية ، خاصة بعد نجاح مسيرة فاتح ماي و المسيرة الحمراء للفلاحين الفقراء بإوزيون التي رفعت فيها لا فتة الجامعة الوطنية للقلاع الفلاحين و المسيرات الإحتجاجية للعاملات و العمال بأولاد تايمة ، و تحالف الفلاحات والفلاحين الفقراء و العاملات والعمال الزراعيين ليس بغريب في الصراع الطبقي ضد البورجوازية بالمغرب.
أما عن الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب فإن تارودانت تعتبر من بين المدن الأوائل التي انخرطت في هذا التنظيم منذ بداية التسعينات ، إلا أن التجربة الأولى سرعان ما تم إجهاضها و ذلك بتوظيف رئيس مكتبها ، و بالتالي تفكيك ما تبقى من الأعضاء نظرا لما تشكله من خطر على لوبي التوظيف بالجماعات المحلية ، و جاءت التجربة الثانية في 1995 التي هي الأخرى عانت من تدخل أحد الأحزاب الذي عمل على تلغيمها من الداخل ، و لم تستطع تحقيق إلا توظيف يتيم أمام ما تعرف الجماعات المحلية من زبونية و محسوبية في التوظيف ، و رغم نضالية بعض أعضائها إلا أن ملف تشغيل المعطلين ذوي الشهادات لم ير حلا نسبيا إلا مع توظيف أزيد من 500 معطل و معطلة في التعليم كمعلمين عرضيين في سنة 2000 ، و جاءت المرحلة الثالثة التي عرفت حركة نضالية نوعية تمثلت في الإعتصامات التي نظمها مكتب الجمعية منذ شهر نونبر 2001 إلى أن تم اعتقال 32 معطلا و معطلة في مارس 2002 و محاكمتهم و إدانتهم بالمحكمة الإبتدائية بتارودانت .
و رغم أن بعض الأحزاب حاولت تشتيت هذا التنظيم بتلغيمه من الداخل إلا أن مصداقية بعض مناضليه و استماتتهم و استمراريتهم ، ساهمت في تحقيق 5 توظيفات و وعدين بالتوظيف لم يتم الوفاء بهما من طرف عامل تارودانت إلى يومنا هذا ، و اليوم يعيش المعطلون ذوي الشهادات التجربة الرابعة بعد تأسيس مكتب الجمعية في نونبر 2005 لكن دون حركة تذكر ، و لا ننسى تجربة أولاد تايمة التي ما زالت في طور التأسيس و التي لم تعرف في المراحل السابقة حركة ملحوظة ، إلا في إصدار بعض البيانات و المشاركة في تظاهرة فاتح ماي في صفوف الإتحاد المغربي للشغل و دعم نضالاته.

الوضعية الصحية بتارودانت :

يعرف قطاع الصحة بتارودانت تهميشا مضاعفا بل يكاد يكون فعله منعدما في جل المناطق النائية ، فباستثناء مستشفى المختار السوسي بالمدينة الذي يتوفر على جل الإختصاصات فإن المستشفيات المحلية الخمسة بأهم المراكز لا تستجيب لمقومات التطبيب ، و الإحصائيات التالية تبين مدى خطورة الوضعية الصحية بتارودانت :

ـ بعض الإحصائيات الرسمية في قطاع الصحة بتارودانت :

ـ مستشفى المختار السوسي : يتسع ل 285 سريرا موزعين كالتالي : الطب العام 77 ، الولادة 60 ، الأطفال 35 ، الجراحة 73 ، الأمراض العقلية 40 . و يحتوي 06 مختبرات و 03 قاعات للأشعة العادية ، 06 قاعات للجراحة ، 01 مركز لحقن الدم و ثلاث آلات للأشعة Echographie و لا وجود للفحص بالأشعة Scanner .
ـ عدد المستشفيات المحلية بالإقليم : 05 .
ـ عدد المراكز الصحية القروية المحتوية على أسرة للولادة : 07.
ـ عدد المراكز الصحية بدون أسرة : 69 .
ـ عدد المراكز الصحية الحضرية : 06 .
ـ عدد المستوصفات القروية : 22 .
ـ عدد أطباء الطب العام : 87 بنسبة طبيب واحد ل 9060 نسمة .
ـ عدد الأطباء المختصين : 22 بنسبة طبيب واحد ل 35820 نسمة .
ـ عدد الممرضين : 399 بنسبة ممرض واحد ل 1975 جلهم متمركز بالمدينة.
القطاع الخاص : الطب العام : 25 طبيبا ، المختصين : 08 أطباء ، جراحة الأسنان : 09 طبيبا ، مصحتين واحدة للولادة تضم 10 أسرة بالمدينة، مختبرين لبعض التحليلات جل التحليلات تتم بأكادير، 56 صيدلية و مستودعين للأدوية.
ـ توزيع السكان بالبوادي حسب البعد عن المراكز الصحية : %24 أقل من 3 كلم ، %22 من 3 إلى 6 كلم ، %24 من 6 إلى 10 ، %29 أكثر من 10 كلم .
عدد الولادات المنتظرة : 4548 بالمراكز الحضرية و 15332 بالبوادي.
عدد السكان : بالمجال الحضري 191 ألف نسمة ، بالمجال القروي : 597 ألف نسمة .
إن تحليل المعطيات السالفة الذكر تبين الوضعية الخطيرة على مستوى الحق في الصحة خاصة لدى المرأة و الطفل من خلال ما يلي :
جل المراكز الصحية القروية بدون أسرة للولادة 07 فقط مقابل 69 كما أن هذه المراكز لا تتوفر إلا على ممرض واحد في أحسن الظروف بدون تجهيزات و لا أدوية.
تمركز الأطباء الأخصائيين في المستشفى الإقليمي بتارودانت و الذين لا يتعدى عددهم اثنين في كل اختصاص بمعنى طبيب واحد أخصائي في مجال معين لكل 400 ألف نسمة ، و إذا علمنا أن % 75 من السكان من العالم القروي و أن % 60 من مناطق الإقليم تتشكل من المناطق الجبلية و أن أبعد نقطة عن المستشفى المركزي تصل إلى أكثر من 200 كلم ، فإننا نعلم مدى التناقض بين الشعارات المرفوعة من طرف النظام الحاكم حول التغطية الصحية و الواقع المعاش الذي يكذب كل الإدعاءات ، فمثلا الدائرة الطبية لتالوين ذات المناطق الجبلية الوعرة التي تشتمل على ما يناهز 100 ألف نسمة لا تتوفر إلا على 4 أطباء من الطب العام بمعنى طبيب واحد لكل 25 ألف نسمة .
بالإضافة إلى ما تمت الإشارة إليه من نقص في التجهيزات و الموارد البشرية فإن المستشفى الإقليمي بتارودانت لا يحتوي على آلات الفحص بالأشعة Scanner و Laser و لا على آليات Dialyse و بالتالي لا وجود للأطباء الأخصائيين في هذه المجالات .
و في حديث أجريناه مع بعض المسؤولين عن الصحة بتارودانت و الذين أكدوا لنا جميعا سوء الوضعية الصحية بالإقليم نتيجة ما يلي :
ـ على مستوى البنايات فالإقليم يتوفر على جميع البنايات الضرورية في جميع المناطق بالسهل و بالجبال ، إلا أن سياسة النظام الحاكم التي تستهدف خوصصة هذا القطاع الحيوي حال دون توفير الموارد البشرية الضرورية من أطباء و ممرضين و توفير الأدوية و التجهيزات .
ـ تمركز جل الأطباء المختصين في المثلث المعروف بين القنيطرة و البيضاء مما يؤكد السياسة الطبقية للنظام الحاكم و التي شملت جميع المستويات حتى في صفوف الأطباء :
أولا عبر الحد من عدد المقاعد بالكليات الطبية و الشروط المفروضة على التلاميذ لولوجها و عدد مقاعد التخصصات التي لا تتجاوز مقعدين اثنين لكل تخصص في السنة .
ثانيا في القيود المفروضة على أطباء الطب العام لولوج التخصصات من طرف المسؤولين بالرباط و البيضاء الذين يهيمنون على "سوق" التخصصات الطبية ، باعتبارها موردا ماليا هاما مما يفقد هذه المهنة بعدها الإنساني و يختزلها في البعد التجاري الرأسمالي ، الشيء الذي يشجع ركوض المهيمنين عليها وراء الربح الوفير .
ثالثا عبر المحسوبية و الزبونية في تعيينات الأطباء و الضغط في العمل الذي يعانون منه بسبب النقص في الموارد البشرية في مناطق مثل تارودانت ، و التهميش و ضعف الوسائل لاستكمال التكوين و تطوير الإمكانيات و القدرات المهنية .
كل ذلك و غيره من الأسباب تتولد عنها ممارسات غير لائقة تضر بسمعة هذه المهنة و بجودة التطبيب ، نتيجة الحيف الذي لحق الأطباء بالقطاع العام على مستوى الأجر و التعويضات.
ـ سياسة النظام الحاكم في مجال الصحة و التي اتبعها منذ البدء في مسلسل ضرب مفهوم الصحة العمومية ، مرورا بضعف الخدمات الصحية بالمستشفيات و وصولا إلى ما يسمى اليوم بالتغطية الصحية الإجبارية ، ذلك أن التأمين الإجباري في حد ذاته عملية محمودة إلا أن شروط تطبيقها على أرض الواقع تشكل عملا مستحيلا في الظروف التي تعيشها المستشفيات اليوم ، فبالنسبة للموظفين مثلا الذين يستفيدون من هذا النظام منذ مارس 2006 و الذي يقر بأن كل مأجور في حاجة إلى خدمة طبية ، يلج المستشفى الذي سيقدم له جميع الخدمات الطبية من عمليات جراحية و أدوية و تغذية و عيرها مجانا و دون مقابل بمجرد الإدلاء بوثائقه ، الشيء الذي يعتبر مستحيلا في الظروف التي يعيشها مستشفى المختار السوسي ، مما يفتح المجال أمام الخواص الذين يفتحون أبوابهم للمأجورين بمجرد دفع % 20 من المصاريف ، الشيء الذي يضع الطبقات الشعبية التي لا دخل قار لها موضع تساؤل حول وضعيتها الصحية المجهولة .
ـ إن المشاكل الحقيقية التي يعيشها قطاع الصحة ناتجة عن السياسة العامة التبعية للرأسمال المركز و التي تستهدف خوصصة كل شيء في هذا البلد ، و التي نتج عنها في أول الأمر ضرب مصداقية المستشفيات العمومية ، فنرى أن الميزانية المخصصة للصحة بالمغرب تشكل فقط % 05 من ميزانية الدولة بينما في الدول المتقدمة مثلا فرنسا تخصص لها % 12 من ميزانيتها بالإضافة إلى التأمين و غيرها من الحقوق الصحية ، بالإضافة إلى اعتماد خوصصة هذا القطاع بنسبة كبيرة فمثلا ميزانية تسيير مستشفى المختار السوسي بتارودانت تشكل 08 ملايين درهم في السنة تمول فيها الدولة فقط % 18 و الباقي من مداخيل المستشفى رغم الخدمات الناقصة التي يقدمها.
ـ مشكل النقص في الأخصائيين خاصة في طب النساء الذي يعيش ازدواجية طب الولادة حيث الطبيب المختص في هذا المجال يقوم بجميع العمليات حتى مراقبة المرأة أثناء الولادة ، مما يتناقض مع ما هو جاري به العمل في الدول المتقدمة حيث وجود طبيبات مختصاص في الولادة فقط مما يشكل خطرا على صحة المرأة و الطفل ، فمستشفى المختار السوسي بتارودانت يستقبل 5000 حالة ولادة في السنة بنسبة 12 إلى 20 ولادة في اليوم بينما في فرنسا مثلا الطبيبة المختصة تستقبل ولادتين إلى 03 ولادات في الأسبوع ، مما ينتج عن هذه الوضعية الخطيرة وفيات في صفوف النساء و الأطفال معا ، هذا بالنسبة للمستشفى الإقليمي فما بالنا بالمراكز الطبية الهشة التي يبقى فيها الطب التقليدي هو الملاذ الأول و الأخير.
بالإضافة إلى تم ذكره فإن الرسوم المفروضة اليوم على زيارات الأطباء و التحاليل و الفحص بالأشعة جعلت من مستشفى المختار السوسي بتارودانت عيادة طبية خاصة بامتياز ، الشيء الذي جعل جل المرضى اليوم يركنون بمنازلهم أو يتوجهون إلى الطب التقليدي و الشعودة ، و لا تلج الطبقات الشعبية المستشفى إلا عندما يستفحل المرض و لا يبقى أمامها إلا التوجه إلى المستعجلات ، أما الفحوصات التي يمكن تسميتها بالروتينية وقاية من الأمراض الفتاكة فلا مجال لها في القاموس الطبي للطبقات الشعبية ، فلا غرابة أن تجد اليوم جناح المستعجلات بمستشفى المختار السوسي فارغا ، إلا في بعض الحالات الخطيرة جدا في الوقت الذي كانت فيه الطبور تمتد إلى خارج الجناح قبل ارتفاع أسعار التحاليل و الزيارات ، و هكذا تجد المركزين الإستشفائيين بالمدينة مكتظين بالنساء و الأطفال في حالة من البؤس و الإملاق طالبين زيارة طبيب من أجل وصفة طبية.

السياسة التعليمية الطبقية بتارودانت :

قبل البدء لا بد من الإشارة إلى أن التعليم بسوس قد مر بعدة مراحل عبر التاريخ الطويل لبناء الحضارة بتارودانت ، حيت اعتبر موازيا لحركة الإنسان الأمازيغي بالمنطقة الذي ساهم بشكل كبير في بناء الحضارة بالمغرب ، و كان أولها التعليم بالمدارس العتيقة التي تم تأسيسها من طرف العلماء الأمازيغية منذ القرن 10 م قبل تأسيس الزوايا التي لعبت دورا أساسيا في تمويلها فيما بعد ، و قام علماء سوس و خاصة بتارودانت بالمساهمة الفعالة في جميع مناحي الحركة الثقافية في أوج إزدهار الدول الكبرى التي بناها الأمازيغ ، و لهذه المدارس دور هام في نشر الثقافة و اللغة العربية المطبوعة بالثقافة الأمازيغية.
و تم تطوير علم اللغة و الفقه و التشريع و القوانين والمنطق دون أن ننسى تأثير الثقافة الأمازيغية على الحركة الفكرية و الثقافية بسوس ، من خلال طبع أعمال أصحابها بالثقافة الأمازيغية مع الإحتفاظ بالحرف العربي و إدماج الثقافة الإسلامية في كتاباتهم ، و كان للحركة الإقتصادية و الإجتماعية العريقة للأمازيغ بسوس / البنية التحتية دور هام في فرز حركة فكرية و ثقافية متميزة / البنية الفوقية ، و الجدلية بين هذين البعدين الأساسيين في حياة الإنسان في تفاعل متواتر طبعت هوية الإنسان بسوس بالطابع الأمازيغي كبعد أساسي لا يمكن تجاهله ، و ذلك بفرز نمط إنتاج اجتماعي في أبعاده الأساسية الأربعة : الأرض و الماء و أركان و الثقافة و اللغة الأمازيغية.
و كان لدخول للإستعمار المباشر أثر كبير في تغيير معالم التعليم و الثقافة بسوس و بتارودانت خاصة و ذلك عبر نهج سياسة تعليمية تستهدف ثلاثة أبعاد أساسية :
أولا التعليم العتيق في اتجاه تطويره خدمة للأهداف الإستعمارية في محاولة لإدماجه في المنظومة الثقافية و الفكرية التي يرغب المستعمر في تركيزها خدمة للرأسمال المركزي ، و ذلك من خلال تهميش الثقافة و اللغة الأمازيغية و التي طبعت الثقافة واللغة العربية السائدة في المدارس العتيقة ، و فصلهما لتعميق الهوة بينهما لتسهيل استغلالهما في مشروعه الإستعماري .
ثانيا التعليم الفرنسي من خلال إنشاء مدارس التعليم العصري من أجل نشر الثقافة و اللغة الفرنسية بتارودانت و في باقي المراكز التي أنشأها ، باعتبارها لغة الإدارة و التسيير في المجالات الحيوية الإنتاجية و المالية و الجيش.
ثالثا المحافظة على الثقافة و اللغة اليهودية بالتجمعات السكنية اليهودية عبر ولوج أبنائهم للمدارس اليهودية بالمدن الكبرى المغربية ، و لا غرابة أن تتأسس مدرسة لليهود بتارودانت.
و كان للمدارس العصرية الفرنسية دور هام في نشر الثقافة الفرنسية في أوساط أبناء الطبقة الإقطاعية و البرجوازية الكومبرادورية ، الذين يملكون إمكانيات تأهلهم للمناصب العليا في البلاد خدمة للمشروع الإستعماري بعد الإستقلال الشكلي ، كما أن أبناء الطبقات الشعبية مستهدفة بالتعليم العصري الفرنسي من أجل توفير معلمين للغة الفرنسية لنشر الثقافة الفرنسية و توفير طبقة عاملة تملك مستوى ثقافي معين و تقنية معينة خدمة للمشروع الرأسمالي .
أما في مرحلة الإستقلال الشكلي فإن النظام القائم بالمغرب قد قام بنهج نفس السياسة الطبقية التي تهدف إلى تعميق الفوارق الطبقية و الإجتماعية ، من خلال السياسات التعليمية الممنهجة منذ خمسين سنة مضت و صلت فيه الوضعية التعليمية بتارودانت إلى أسوء ما يمكن تصوره في البال ، و يتجلى ذلك في مستوى الأمية الذي يبلغ في بعض المناطق النائية أكثر من % 90 خاصة في صفوف النساء ، إذا اعتبرنا أن الأمية هي عدم القدرة على الكتابة و القراءة ، و ذلك ناتج عن سياسيات التهميش المتبعة في بسوس و التي تم تحليلها في مواضيع سابقة من هذا الملف ، فبالإضافة إلى البعد الأمازيغي المهمش في السياسات التعليمية المتبعة منذ نصف قرن فإن هذه المناطق تعتبر حقلا للتجارب و تدريب الأطر التعليمية التي تعيش تناقضات مركبة في تلك المناطق النائية :
ـ أولا حيث أغلب نساء و رجال التعليم لا يتكلم اللغة الأمازيغية و هي اللغة السائدة في إقليم تارودانت.
ـ ثانيا لأنهم في طور التدريب و غالبا ما ينتظرون الإنتقال في السنة المقبلة قبل أن يركزوا معرفتهم المهنية و علاقاتهم الإجتماعية .
ـ ثالثا لأنهم لا يتلقون أجورهم أو أي دعم مادي من طرف الدولة لكون وضعيتهم المالية لا يتم تسويتها من طرف الوزارة المعنية إلا بعد سنة من العمل .
ـ رابعا لأنهم يعيشون حالة اغتراب داخل مجتمعات يصعب التفاعل معها بسرعة لكونهم يجهلون الثقافة و اللغة الأمازيغية .
ـ خامسا لأن هذه المناطق تفتقد لوسائل الراحة و الترفيه و التثقيف و حتى السكن اللائق في غالب الأحيان .
ـ سادسا لأن أشباه المؤسسات التعليمية المتناثرة في الجبال لا تتوفر أصلا على مقومات القاعات الدراسية في أغلبها ، و التي تعتبر كائنات غريبة عن المجتمعات الأمازيغية لكونها تتجاهل ثقافتها و لغتها .
ـ سابعا الضغط على نساء و رجال التعليم إما بالإكتظاظ بالمؤسسات العليمية بالمدينة التي يبلغ عدد التلاميذ بالقسم فيها من 40 إلى 50 تلميذا ، أو بتعدد المستويات بالبوادي التي تبلغ من 3 إلى 6 مستويات في التعليم الإبتدائي و بلغتين العربية و الفرنسية ، فأي تعليم بهذا المستوى ؟ و ما مكانة الأمازية هنا ؟
ـ ثامنا لإنها وضعت على أساس أن تكون آليات للضبط الإجتماعي كباقي مؤسسات النظام الحاكم و تعتبرها المجتمعات الأمازيغية غريبة عنها.
هكذا هو حال التعليم بتارودانت باستثناء المدينة و بعض المراكز مع اعتبار محدودية الفعل التعليمي ، الذي سطر له الأفق المحدود عبر السياسة التعليمية الطبقية التابعة لإملاءات المؤسسات المالية الدولية ، و تبقى المؤسسات التعليمية آليات للضبط الإجتماعي و إدارة السياسة التعليمية الطبقية في أحسن الأحوال ، ناهيك عن الزبونية و المحسوبية التي تقودها بعض النقابات و الأحزاب مع بعض المسؤولين على التعليم بتارودانت ، بدل التعاطي الإيجابي للمشاكل الحقيقية التي يتخبط فيها رجال نساء العليم و المتعلمين .
أما عن التعليم الأولي بتارودانت فلا يمكن اعتباره لأن مواصفات المؤسسات التعليمية في هذا المستوى غير متوفرة إلا جزئيا في ثلاث أو أربع مؤسسات خصوصية ، و دون ذلك لا يمكن تصنيفه إلا من باب الإفتراء و الكذب ، حيث نعلم جميعا أن التعليم الأولي بالمغرب غير منظم و هو المنتشر بكثافة بالأحياء الشعبية بالمدينة ، و مؤسساته عبارة عن أقفاص يتم فيها اعتقال الأطفال في ظروف لا تربوية خاصة إذا اعتبرنا مدى حساسية تربية الطفل في هذه السن من 4 إلى 6 سنوات ، بالإضافة إلى " المربيات " اللواتي لا يملكن أي مستوى بيداغوجي في مستوى تربية الطفل في هذه السن ، بالإضافة إلى استغلال هذه المربيات من طرف أرباب هذه " المؤسسات " .
إن ما تمت الإشارة إليه سابقا يعطينا صورة عن وضعية التعليم بتارودانت التي لا يمكن لها في أحسن الأحوال إلا أن تكون مجالا لمحاربة الأمية في حدود معرفة الكتابة و القراءة ، نظرا لعدة عوامل من بينها أولا لأن التعليم بالمناطق الأمازيغية التي تشكل الغالبية العظمى بتارودانت كائن غريب بفعل الأسس السياسية و النظرية التي تؤطره ، حيث لا يحترم الخصوصيات المحلية التي تفرض إدماج اللغة و الثقافة الأمازيغية كلغة الأم ، باعتبارها اللغة الأولى التي يجب الإهتمام بها في التعليم الأولي و في السنوات الأولى من التعليم الإبتدائي ، و يبقى ما يسمى زورا بإدماج الأمازيغية في التعليم سياسة للواجهة لا تغدو أن تكون أضحوكة يمارسها النظام الحاكم على الأمازيغ .
ثانيا لأن السياسة التعليمية بصفة عامة تستهدف الضبط الإجتماعي بالدرجة الأولى و تمرير الخطاب الأيديولوجي الرسمي ، و لا يمكن أن تتعدى حدود متطلبات تزويد الرأسمال بالطبقة العاملة التي تملك مستوى معينا من التقنية و الثقافة .
ثالثا لأن المناطق الأمازيغية تتعرض للتهميش المكثف حيث تفتقد للبنيات التحية مما يجعلها مناطق معزولة يعتمد فيها السكان على إمكانياتهم الذاتية ، باعتبارهم فلاحون فقراء يعتمدون على الموارد الفلاحية البسيطة ، مما ينتج عن هذه السياسة الطبقية توسيع دائرة الأمية خاصة في صفوف النساء ، اللواتي يتعرضن للإستغلال المكثف بالبيت و المزارع حيث يقمن بجميع الأعمال دون مقابل يذكر ، و يبقى الأطفال الذين يتلقون مستوى من التعليم الإبتدائي و الإعدادي في أحسن الظروف ينتظرون فرصة للهجرة إلى المدن المغربية بحثا عن عمل .
و لا غرابة أن نجد بمناطق سوس انتشار المدارس العتيقة التي ما زالت تستعمل أساليب تعليم القرون الوسطى ، ليس تشبثا بما يسمى بالخصوصيات المحلية كما يحلو للنظام القائم أن يقدم بها هذه المدارس ، و لكن الحاجة في الحصول عن مستوى من الثقافة بعد فشل المدرسة من وظيفتها ، يدفع الآباء إلى محاولة إدماج أبنائهم المغادرين للمدرسة لتهيئهم للهجرة إلى المدينة بعد ذلك ، و تبقى الفتات بالبيت و المزرعة عرضة للإستغلال.
أما عن محاربة الأمية التي يتم التطبيل و التزمير لها فلا يمكن إخراجها من إطار الضبط الإجتماعي ، و ذلك عن طريق إحتواء ما يسمى بالجمعيات التنموية ذات الأهداف المتعددة خاصة في المواسم الإنتخابية و ترويج إديولوجية النظام القائم في صفوف النساء ، و فسح المجال أمام نهب الأموال المرصودة لذلك من طرف المؤسسات المالية الدولية و ما يسمى بإعانات المنظمات الدولية ، و لا يخرج هذا العمل من نطاق السياسة الليبرالية التبعية للرأسمال المركزي التي تستهدف الإستغلال المباشر للثروات الطبيعية بتارودانت .