هل الضجة المثارة حول حجاب المرأة المسلمة في الدنمرك دفاع عن حقوق المرأة أم تصعيد عنصري ؟


بيان صالح
الحوار المتمدن - العدد: 1925 - 2007 / 5 / 24 - 13:16
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات     

عصفت في الآونة الأخيرة عاصفة صاخبة حول موضوع حجاب المرأة المسلمة كإحدى المشاكل العويصة في المجتمع الدانمركي، إثر اقتراح رئيسة حزب الشعب الدانمركي بيا كييرسبجارد وهو أحد الأحزاب اليمينية العنصرية بمنع ارتداء الفتيات دون السن 18 سنة الحجاب في المدارس الشعبية .
إن مسألة الهجرة والأجانب و الحجاب ليست بقضية جديدة، لا في الدانمرك و لا في الدول الغربية الأخرى، وقد كانت ولا تزال جزء من السياسة الأمريكية في محاربة الإرهاب الإسلامي المزعومة.

وأثيرت مجددا مسألة الحجاب في الدانمرك بعد ترشح الشابة الفلسطينية أسماء عبد الحميد، المسلمة
الدنمركية المحجبة ، إلى الانتخابات التشريعية المقبلة في الدنمرك عام 2009على قائمة أحد الأحزاب اليسارية. وقد أضحى موضوع ترشح أسماء كفتاة أجنبية محجبة بمثابة قنبلة في الصحافة و الإعلام و الأوساط السياسية و الشارع الدانمركي، إذ أدى ترشحها على قائمة أحد الأحزاب اليسارية إلى خلق أجواء من التوتر و السجال الحاد داخل هذا الحزب اليساري وعموم المجتمع الدنماركي ، بين مؤيدين لترشحها ، و معارضيعا .

فأنا شخصيا لست ُ ضد ترشيح هذه الفتاة الذكية و النشيطة ذات الطموح في المشاركة في العملية السياسية و الوصول إلى المناصب القيادية في دولة غربية تتميز بالعنصرية نتيجة ازدياد قوة ونفوذ أقطاب و أحزاب يمنية تلعب دورا كبيرا في حقن الأفكار العنصرية و كره الأجانب في المجتمع الدنمركي.

ولكنني لست ُ مع إبراز الرموز الدينية في المناصب السياسية، ولا مع تعريف الإنسان بهوية دينية وقومية وطائفية، بل يجب تعريف الإنسان بهويته الإنسانية في مجتمع مدني و حضاري. ولكن لا بد من توجيه انتقاد لاذع إلى هذا الحزب اليساري الذي يدعي الاشتراكية للمجتمع ، ويدعي العلمانية ، و يدعم في الوقت نفسه ترشيح أعضاء يؤكدون قبل كل شيئ على هويتهم الدينية دون الهوية الإنسانية.

ومن هنا سؤال يبرز وهو هل ستقوم المرشحة المحجبة " أسماء" بترويج السياسة التقدمية لهذا الحزب اليساري, الذي يدعي المدنية و العلمانية والمساواة و فصل الدين عن الدولة؟
و هل ستقوم أسماء بترويج لأفكار المساواة وهي تحرم ولاتقوم بمصافحة الذكور وفقا الشريعة الإسلامية ؟
و هل أن أسماء انتمت إلى حزب يساري يدعي الإلحاد لإيمانها بمبادئ هذا الحزب، أم لأغراض سياسية معينة؟

هل تطمح أسماء، كفتاة عربية الأصل، الوصول إلى موقع صنع القرار لتحقيق أهداف، من ضمنها، الدفاع عن الجالية الأجنبية المهاجرة، وعن حقوق المرأة اللاجئة ,أم تنوي تنفيذ أجندة جماعات و فئات سياسية أخرى وراء ستار مواقعها السياسية التي تطمح لتبوئها؟

لقد تعرضت الجالية الأجنبية و المهاجرين إلى هجوم كبير من قبل الحزب اليمني المذكور، إذ أن معظم الجالية الأجنبية مسلمين و يدافعون عن الإسلام , حتى وصل هجوم أحد نواب الحزب الشعبي الدانمركي اليميني المتطرف إلى حد وصف الحجاب كرمز استبدادي مثله مثل الصليب النازي المعقوف والرموز الشيوعية .
و ادعى هذا الحزب أن أسماء في حاجة إلى مراجعة اخصائيين نفسانيين لأنها_ حسب رأي الحزب_ تعاني من عقد نفسية ، وهذا بحد ذاته انتهاك سافر بحق تلك الفتاة .

واللافت للانتباه أن الجهات العنصرية اليمينية ، و الإسلامية المتطرفة ما فتئت تستعمل المرأة أداة ووسيلة في صراعاتها المعادية لمصالح الجماهير المتمدنة المسالمة ، و سياساتها الرجعية و المجحفة بحق المرأة و المزايدة بها وكذلك كما عهدنا القوى اليمينية في هجومها على الشيوعية , وذلك بفرض الحجاب على المرأة جسديا و عقليا و ذهنيا وذلك بسلبها هويتها الشخصية والإنسانية.


تدعي تلك الأحزاب و الجهات اليمنية بأن الإسلام يضطهد المرأة و يجب عدم فرض الحجاب عليها ، و لكن نفس تلك الأحزاب تصدر قوانين صارمة ضد المرأة اللاجئة، و منها قانون عدم منحها الإقامة الدائمة إلا بعد مضي سبع سنين على قدومها إلى الدانمرك عن طريق شمل العائلة..

وهنالك عدد من النساء اللواتي قدمن إلى الدانمرك عن طريق لم شمل العائلة ، وجب عليهن تحمل عنف الزوج، لأنه في حالة انفصالهن عن أزواجهن تقوم الدولة بتسفيرهن إلى البلد الأم حيث الحرب ,و الفقر ,و العادات، و التقاليد البالية الرجعية التي لا تتقبل المرأة المطلقة ولا تحترمها .
فأين، إذن دفاع هذه القوى السياسية عن حقوق المرأة الأجنبية المضطهدة ؟

و إن مسالة حجاب المرأة هي من عواقب السياسات العنصرية، و جزء منها، و التي تمارس ضد الشابات في تلك الدول الغربية. فبعد مقابلة عدد كبير من الفتيات الأجنبيات في إحدى الجرائد الدانمركية أكدن أن سبب ارتداء الحجاب هو لتثبيت هويتهن الشخصية نتيجة إحساسهن بأنهن مواطنات من الدرجة الثانية في المجتمع و أن الهوية الإسلامية _ حسب ما يرين_ تعطيهن الثقة بالنفس و تعيد لهن شخصياتهن المسلوبة .

هكذا نرى كيف أن سياسة محاربة الإرهاب المزعومة، أمست رصيدا لا ينضب للإسلام السياسي واليمين الدنماركي و كيف انقلبت هذه السياسة إلى عدوان على حقوق الأجانب و وسيلة لتحقيرهم و تهمشهم، بنفس الأساليب التي تتم بها محاربة اليسار وكل الفكر العلماني والتقدمي