الفكر الماركسي هو البديل الوحيد لمحاربة العولمة الرأسمالية

موسى ناصيف
2003 / 8 / 21 - 05:09     

الاربعاء 2003-08-20
لا يختلف اثنان الآن ان نظام العولمة الرأسمالية الذي تقوده امريكا وتريد فرضه على العالم أجمع بعد انهيار الاتحاد السوفييتي الذي كان حارسًا ومدافعًا عن مصالح الدول والشعوب الفقيرة هو نظام يخدم فقط مصلحة الدول الغنية. وخاصة شركاتها العملاقة التي تريد اسواقًًا مفتوحة لسلعها وبالأخص اسواق الدول الفقيرة غير المصنّعة والتي باستطاعتها منافسة سلع الدول الصناعية المتطورة جدًا كامريكا واليابان واوروبا.
معارضو العولمة في اوروبا ينتمون الى عدة اتجاهات فكرية: منها منظمات الخضر للدفاع عن البيئة، والمنظمات النقابية التي تدافع عن المتضررين من العمال بعد تقليص ميزانيات الرفاه الاجتماعي، والمثقفون الذين يعارضون احتواء الشركات للثقافة وتسخيرها في سبيل نشرها "لاقناع" الشعوب بنظريتها الجديدة. ان اغلبية هذه التنظيمات والتجمعات المختلفة تشير الى ان ذئب هذه الكوارث هو نظام العولمة الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة، ولكن للاسف الشديد تفتقر تلك التنظيمات الى برنامج جذري لمواجهة تلك السياسة الموحدة، الامر الذي يبقي هذه الحركات المعارضة للعولمة مجرد حركات احتجاج.
اما في عالمنا العربي، واقولها بشيء من المرارة والانتقاد، وبسبب عدم الوعي الطبقي والاجتماعي تأخذ المعارضة للعولمة صبغة دينية متطرفة تقودها منظمات اسلامية سياسية تحت شعار "الاسلام هو الحل" وتسعى الى تجنيد الجماهير حول خطابها الديني "السلفي". وقد تحول الانتحار الى الوسيلة الوحيدة للانتصار على الغرب لان الفكر الاصولي لا يملك اسلحة اكثر تطورًا او بديلا حقيقيًا لاقناع العالم بأطروحة فكرية اجتماعية تقبلها الجماهير المسحوقة في العالم اجمع. ولا ترى الحركات الاحتجاجية الاصولية ضد العولمة بالحركات الاحتجاجية الاوروبية حليفًا لها بل بالعكس انها تعاديها وتعتبر الدمقراطية الغربية كفرًا وعدوًا يجب محاربته وهي تسعى لفرض الشريعة كنظام حكم وحيد لمناهضة العولمة وقسم منها يستعين بالتحليل الماركسي للرأسمالية الا انها لحد الآن تتمسك به كبرنامج ثوري لاسقاط النظام الرأسمالي الجائر والمستبد.
اعتقدت الرأسمالية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ان العالم دخل عهدًا جديدًُا بفضل التكنولوجيات المتطورة وأصبح من الممكن التغلب على ازماتها ولكن سرعان ما اتضح لها ان التكنولوجيا الحديثة عمقت الفوضى في الاسواق الرأسمالية وبدلاً من تسوية الازمات عممتها على نطاق عالمي.
ان القوانين الاقتصادية الاساسية لم تتغير رغم التكنولوجيا الحديثة ولا يزال التحليل الماركسي ساري المفعول في فهم جذور الازمات الاقتصادية التي يمر بها العالم اليوم ، فبينما الرأسمالية تسخّر كل طاقات المجتمع لمصلحة "النخبة" ولا تعطي الانسان امكانية التحكم في منع الازمات فان الماركسية تعتمد على التحليل العلمي وتطرح نظامًا اقتصاديًا بديلاً اساسه نقل وسائل الانتاج من ايدي "النخبة" .
النظام الرأسمالي الطبقي لا يمكنه التغلب على ازماته الاقتصادية الا بالحروب، فالحروب كانت وما زالت ميزته الاساسية للتغلب على ازماته اذا لم تكفِ القوة الاقتصادية لفرض الهيمنة المطلوبة على الشعوب التي يدعي انه يساعدها على النهوض الاقتصادي بينما هو ستار لاستعمارها واستغلالها بأسماء مختلفة كالقروض والبنك الدولي و"المساعدات" المشروطة وبفوائد عالية تنهك اقتصاد تلك الدول وتبقيها مستعبدة للدول الدائنة وشركاتها العملاقة.
لتحديد موقف الاشتراكيين الماركسيين من الحروب لا بد لنا الا ان نسأل: هل للطبقة العاملة مصلحة من تلك الحروب التي تشنها الرأسمالية؟ والجواب طبعًا: لا والف لا بل هي تصفية حسابات ومصالح بين برجوازيات العالم على حساب الطبقات الفقيرة تحت الشعارات الزائفة من قومية ووطنية وحتى دينية كما يفسرها الاسلاميون السياسيون بأنها حرب صليبية ضد الاسلام بينما يفسرها الماركسيون بانها صراع طبقات ومصالح اقتصادية. ألم يساعد "الصليبيون الامريكان" المسلمين في حرب البلقان ضد الصربيين النصارى والنتيجة كانت احتلالا للطرفين تحت ستار اسماء مختلفة كقوات دولية قوات طوارئ وقوات تعدد جنسيات.
هل من مصلحة الطبقة العاملة العربية دعم اسامة بن لادن وجماعته لانهم يقاتلون امريكا واوروبا؟ والجواب على ذلك هو كلا: لان بن لادن وجماعته يفتقرون لبرنامج اقتصادي اجتماعي علمي ويتمسكون ببرنامج سلفي منغلق وانعزالي ينادي بالعودة الى الماضي الغابر بدلاً من إحداث تغيير ثوري أممي يبني المستقبل للجميع ويقرب العمال من كل العالم من تحقيق برنامج تحرري قومي اجتماعي لمصلحة كل المتضررين من النظام الرأسمالي الطبقي. وعمليًا بن لادن ينتمي الى عائلة غنية جدًا يقال انها شريكة لشركات امريكية نفطية تعمل في السعودية. وهل نسينا ان بن لادن كان ربيب امريكا بالامس القريب وكان مجندًا من قبل مخابراتها بميزانية ضخمة لمحاربة "الكفار" السوفييت في افغانستان وكان "محترمًا جدًا" و"مسلمًا قديسًا" بالنسبة لامريكا آنذاك لانه وربما ما زال يخدم مصالحها الطبقية.
ان ازدياد قوة الحركات السلفية يساعد على نمو الحركات اليمينية المتطرفة في امريكا واوروبا ويساعد على سرعة نمو الفاشية التي قد تستخدمها الرأسمالية في محاربة الحركات الاسلامية والطبقة العاملة الاوروبية على حد سواء مثلما استعملها موسوليني وهتلر وفرانكو للقضاء على الاحزاب اليسارية والشيوعية التي هي اخطر على الطبقة الرأسمالية من "الحركات الاسلامية" التي تفتقر لبرنامج اجتماعي واضح.
كانت الحركة العمالية وعلى رأسها الاحزاب الشيوعية في طليعة النضال ضد الفاشية، والاتحاد السوفييتي هو الذي هزم المانيا النازية بينما وقفت الرأسمالية موقف المتفرج من صعود الحركات الفاشية في بلادها وامتنعت عن ضربها على امل ان تضرب عدوها الطبقي الاتحاد السوفييتي وتدمره. عندما هاجم هتلر فرنسا نجح باحتلالها دون مقاومة تذكر وانحاز قسم من حكام فرنسا الرأسمالية الى المانيا النازية "حكومة فيشي" بزعامة الماريشال "بيشان" ورئيس حكومته "لشغال".
إن ظاهرة نمو الفاشية تساعد على نمو النزعات القومية في العالم وخاصة في اوروبا بحجة تدفق العمال "غير الشرعيين" على اوروبا وفي ظل البطالة الآخذة في الاتساع والهجوم المركّز من قبل الرأسمالية الاوروبية على منجزات العمال في اوروبا والتي حصلوا عليها بنضال دؤوب، تحاول الرأسمالية ضرب عصفورين بحجر واحد: تهديد عمالها بالعمال الاجانب لتخفيض اجورهم وتخويفهم بالفاشية العدو اللدود للطبقة العاملة والمجتمع ككل. وتخويف العمال الاجانب بالفاشية وللموافقة على تقاضي اجور زهيدة بالكاد تسد رمقهم.
إن إضعاف الحركة الشيوعية في ايامنا احدث فراغًا عظيمًا امتلأ بكل انواع الحركات والايديولوجيات الغيبية والقومية المتطرفة والفاشية والدينية وكلها تتغذى من يأس قسم كبير من البشر من امكانية التغيير الثوري التقدمي الأممي.
وزادت هذه التيارات الفوضى وعمّقت البلبلة في صفوف العمال وادت الى ابتعادهم عن النشاط والتنظيم النقابي والسياسي.ان حركة التغيير يجب ان تكون مرتكزة على الطبقة العاملة ونقاباتها. فالماركسية ليست برنامجًا لحركة احتجاج لكنها علم وفكر وممارسة وبرنامج للطبقة العاملة لا بديل له وتسعى لنقل ادوات الانتاج لأيدي المنتجين اي للعمال الذين يمكنهم ان يتحدّوا وجود النظام الرأسمالي بالتنظيم والوعي الطبقي والسياسة الثورية لانه لا توجد حلول سحرية، ولا يمكن القفز عن هذه المهمة ويتم ذلك فقط اذا تمكن الماركسيون من تجنيد الأغلبية من عمال العالم. ولن يكون ذلك بعملية انقلابية ولا بعملية "عمليات ارهابية" ولا بعمليات استفزازية او تبجحية او اعلامية، بل سيكون بعملية بناء طويلة المدى تستوجب الصبر والثقة بالنهج الماركسي وبالطبقة العاملة. والايمان بان ثورة اكتوير لن تكون الأخيرة بل هي فاتحة الثورات وان الاتحاد السوفييتي تجربة غنية ويجب دراسة العبر من ايجابياته وسلبياته.

(حيفا)

نقلا عن موقع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
http://www.aljabha.org/