أوضاع المرأة اللاجئة و المهاجرة في ظل سياسات الدولة الدانماركية الصارمة ضد الأجانب


بيان صالح
الحوار المتمدن - العدد: 1788 - 2007 / 1 / 7 - 10:58
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات     

لاشك أن حالة التراجع عن المكتسبات الاجتماعية و السياسية المتحققة في أيّ مجتمع تؤثر بالدرجة الأولى على الطبقة العاملة و الشرائح الكادحة والفقيرة ,و الأقليات الأجنبية ,والمرأة بشكل خاص ، فهي التي تكون متضررة أكثر من غيرها من سياسات تراجع الرفاه الاجتماعي و الاقتصادي في ظل سياسة الأحزاب اليمينية الحاكمة في الدنمارك، و بدء عمليات التقشف وتقليل الخدمات الصحية و الاجتماعية في المجتمع الدنماركي و التي خلقت في الآونة الأخيرة ضجة كبيرة ن إذ انطلقت في مدن كثيرة موجة من الاحتجاجات والمظاهرات ضد سياسة دمج البلديات و تقليص خدمات المدارس و رياض الأطفال و طرد جزء من العاملين في قطاع التدريس و التعليم وتقليل الموازنات في القطاع العام بشكل عام . وانطلقت أكبر تظاهرة في العاصمة الدانمركية في 17-05-2006 ضد برامج التقشف والتوفير، و ضد السياسات الاقتصادية المطروحة من قبل الأحزاب الحاكمة في البرلمان .

لقد تصاعدت الحركات اليمينية و العنصرية وفرضت برامج و سياسات تهدف إلى تقليص المكتسبات الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية التي حصل عليها الشعب الدنماركي خلال نضاله الطويل. ومن أسوأ تلك البرامج هو الهجوم الشرس على الجاليات الأجنبية في الدانمارك و نشر و تصعيد روح العداء ضدهم خلال الصحافة و وسائل الإعلام ، وخلق أجواء الكراهية بين الجاليات الأجنبية و الدنماركيين و إرجاع سبب انخفاض الرفاه الاجتماعي إلى تواجد تلك الجاليات في البلد و اعتبارهم خلايا سرطانية (على حد قول احد أعضاء حزب الشعب الدانمركي وهو أكثر الأحزاب العنصرية واحد الداعمين الأساسيين للحكومة الدانماركية) .

تم تحديد و تقليص قبول اللاجئين الجدد بصورة كبيرة ، وتم تخفيض الدعم الاقتصادي لأسر الأجانب ، وحددت الفرص المتوفرة لهم للدراسة ولتنمية كفاءاتهم للحصول على أعمال ووظائف في القطاع العام و الخاص, كما ازداد الضغط على الأجانب للعمل الإجباري خارج ااختصاصاتهم العلمية و.. الخ، ما أدى إلى خلق جمهور كبير من العمال الغير حرفيين بين الجاليات الأجنبية. وعملت الحكومة بسياساتها المناهضة لأبناء الجاليات وبناتها ، على تحديد العمل في قطاع الخدمات، و ابعادهم عن العمل في مجال التكنولوجيا أو الوظائف الأكاديمية ...... وعززت هذه السياسات التمييز العنصري خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، و الحملة العالمية الأمريكية في مكافحة الإرهاب، وأدت إلى ازدياد الهوة بين السكان الأصلين و الأجانب و الهجوم الشرس على الحريات و الحقوق الشخصية والفردية عن طريق التدخل و المراقبة و خلق أجواء من الرعب و الخوف في نفوس الأفراد و النظر إلى الأجانب كارهابيين.

المرأة المهاجرة

ومن القرارات الصارمة الأخرى هو إعاقة وصعوبة الحصول على الجنسية الدانماركية و الإقامة الدائمة و التي أثرت بشكل سلبي و كبير على المرأة اللاجئة التي أتت إلى البلد عن طريق لم شمل العائلة. وخلال عملي في مشروع مؤقت - إرشاد المرأة من الأقليات الأجنبية- في احدى المنظمات النسائية الدانماركية، اطلعت على حجم مأساة الكثيرات من النساء الأجنبيات اللواتي حصلن على حق الإقامة عن طريق لم شمل العائلة (إي اختيار الزوجة من قبل الأهل من البلد الأم ) حيث تتعرض الكثير منهن يوميا إلى العنف الجسدي والنفسي و الأسري من قبل الأزواج، وهن مضطرات لقبوا هذا الوضع الماساوي و تحمل عنف الزوج داخل الأسرة ، إذ في حالة طلب الانفصال يتم طردهن من البلد قبل ان يحصلن على الإقامة الدائمة (التي يستغرق الحصول عليها 7 سنوات) و ليس هنالك قانون يحمي تلك النساء، بل يجب عليهن تحمل الاهانة والعنف اليومي، وإلا التعرض إلى التسفير إلى حيث القدر المأساوي في البلد الأصلي. و من الغريب ان تظل المرأة المهاجرة عرضة لأنواع من العنف في دولة أوربية متقدمة و موقّعةعلى اتفاقية السيداو و تناقش فيها حقوق و مساواة المرأة بشكل بارز.
يتم تجاهل طلب ا لكثير من النساء المهاجرات للمساعدة و الإغاثة بذريعة احترام اختلاف الثقافات ، أو اعتبار أنها مشاكل عائلية و شخصية لا يجوز التدخل فيها لحماية المرأة. و تتعرض النساء حتى للقتل بذريعة الشرف، بدون أن تتدخل السلطات المسؤولة بالشكل المطلوب، لأنها تعتبر هذا جزء من عادات وتقاليد العائلة الشرقية المسلمة. وقد حدثت جريمة قتل احدى الفتيات الأفغانيات في الصيف الماضي من قبل أسرتها ، وكل ما اقترفته المسكينة أنها اختارت شريك حياتها بدون موافقة الأهل، وقد أبلغت الفتاة الجهات المسؤولة مرات عديدة بالتهديدات التي تتعرض لها من قبل الأسرة بالقتل، لكن الشرطة اهملت تبليغاتها وتم قتلها بشكل مأساوي في وسط احدى المدن الدانماركية في وضح النهار. اقرأ المزيد عن الحادثة في المقال الآتي:
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=68853

تعرضت الجهات المسؤولة لنقد كثير من قبل منظمات نسائية و إنسانية محلية وعالمية لعدم القيام بالاجرات اللازمة لحماية حياة النساء المهاجرات من تهديدات و ظلم الأسرة و هنالك المئات من حوادث القتل بذريعة الشرف تحصل في هذه الدول الغربية . و الأحزاب اليمينية تستغل تلك الحوادث في تعزيز الهجوم على الأجانب و المهاجرين، وتعتبرها أساسا لعدم الإستقرار في المجتمع الدنماركي ، وانفلات الأمن والسلم في الدنمارك، وإشاعة جرائم القتل فيها، ما يؤدي بالتالي إلى تصاعد خوف الدانماركيين من الأجانب و تزايد روح الكره والعنصرية عندهم .
بذريعة احترام العادات و التقاليد من قبل المجتمع الدانماركي تعزز ابتعاد المرأة الأجنبية من الحياة العامة. ومن المؤسف أن تعتبر منظمات نسوية، و في مقدمتها منظمات فمنستية معنية بالجنس النسائي وذات سياسات و برامج تهتم بحقوق المرأة ، أن قضية المرأة لا تخص إلا المرأة وحدها و أنها ليست بقضية المجتمع كله , و مؤسف أيضا أنها ( أي تلك المنظمات النسائية) تعتبر الرجل في ظل النظام الأبوي سبب كل ّ العنف و الاضطهاد الذي تعاني منه المرأة ، ناسية أو متناسية أن السبب الأساس هو النظام الرأسمالي الحاكم الذي يغذي التمييز و يعزز النظام الأبوي والتمييز الجنسي . وتعمل تلك المنظمات على إبعاد العنصر الرجالي في مسيرة تحرير المرأة , ونلاحظ عدم حضور الرجل في كثير من الأنشطة والندوات المخصصة لقضية المرأة و كأنها لا تخصهم . وهذا برأيي خلل منهجي كبير في سياسات أكثر المنظمات النسوية ,إذ يساعد ذلك على تشتت القوى الداعية والمناضلة من اجل المساواة داخل المجتمع نساءا و رجالا . وقد شاهدت مثالا صارخا على ذلك ، و هو قيام مجموعة من تلك المنظمات النسائية بتجمع وسط العاصمة الدانماركية كوبنهاكن في يوم 25 نوفمبر من العام الحالي ، وهو يوم الحملة العالمية لمكافحة العنف ضد المرأة، حيث منع زملاؤنا من المشاركة في التجمع باعتبارهم رجالا و القضية ليست قضيتهم.
حسب آخر تقرير للجنة" سيداو" التابعة للأمم المتحدة في شهر ايلول أن الدانمارك تم تقييمها إيجابيا نسبيا بالتزامها باتفاقية السيداو ، وعملها على ترسخ مبادئ مساواة المرأة . ولكن من جهة أخرى تعرضت دانمرك إلى نقد كبير من قبل اللجنة فيما يخص النساء المهاجرات و تعرضهن للتمييز العنصري و الجسدي و الجنسي . و النقد الثاني الحاد هو سوء وضع النساء المهاجرات القادمات من دول اوربا الشرقية ذات الاقتصاد السيئ واللواتي يبعن أحسادهن في بيوت الدعارة، إذ سلطت اللجنة الضوء على وضع هؤلاء النساء وما يعانين من العنف من قبل السماسرة التجاريين الذين يقومون بممارسة أبشع العنف بحقهن و استغلالهن و الاتجار بهن، حيت تعيش اولئك النساء في ظل شروط قاسية من قبيل عدم توفر الحماية و الوقاية الصحية والاجتماعية ,وعدم توفر الضمان لحمايتهن من عنف تلك العصابات المتاجرة بالبشر. .