قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح9


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 6634 - 2020 / 8 / 2 - 02:21
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

إالوردي ونظرية المعرفة- 2

نه هنا يدين العقل ولا يدين العقلانية المثالية بالحقيقة، فإن عجزت المثالية العقلانية عن معالجة وفهم وتصويب حركة الواقع والإنسان لتعاليها وترفعها عن الواقع، وبالحقيقة هو كسلها الترفي المتأتي من قواعد مقدماتها التي تجذرها الأنا بما يتراءى لها من منزلة أو موقع أجتماعي، فالعيب ليس في العقل بالتأكيد ولكن في قوة النفس وشخصنة الأنا فيها، وهذه الشخصنة ولدت تأريخيا ولعوامل كثيرة تتعلق بالمعرفة المجتمعية التي تطورت مع تطور حركة المجتمع وهي نتاجها ونتاج تجربتها في موضوعية وذاتية المجتمع نفسه، إذن المدان هنا المعرفة لا العقل وإن كان يتحمل جزء من هذه المسئولية لو أمنا كما يقول العقلانيون أن الحقيقة موضوعية خارجة عن العقل، أنا هنا أبرئ العقل من المثالية التي أدانها الوردي وأفترق معه في نسبتها له لأنها أصلا تتعلق بالنظام العقلي الذي نشأ من التجربة وعاد إليها بالنتائج.
وحتى أدافع عن رأي هذا نعود لتحليلاته هو حين يدين العقل الجمعي في قضية الإيمان والتدين، فهو مثلا يقول "فإذا وجدنا أفرادا يمارسون عادات وتقاليد باطلة فلا يكفي لإصلاحهم ان ندعوهم الى التفكير السليم، لأنهم يعتقدون بان ما اعتادوا عليه هو الصحيح وما يعتقده الآخرون هو خطأ، وغالبا ما لا يستسيغ البعض أن يروا واحداً يخالفهم في الرأي لأنهم يظنون بأنهم على صواب وغيرهم على خطأ"، هذه النتيجة التي أمن بها وخلص عندها تحتوي على عنصرين مهمين، أولا عنصر المعرفة وكيفية تولدها ورسوخها في المجتمع، فهي بالتأكيد ليست عقلية تامة أي ليست منطقية أكتشفها العقل ولكنها ولدت نتيجة تغييب العقل من خلال تغييب العاقل الفاعل، فهي تجربة مجتمع نشأ على ومع الفكرة ولا يستطيع أن يفارقها لأنها مبرهن عليها كما يظن، وبالتالي العقل لا يستطيع مواجهة تجربة يظن صاحبها أنها يقينية تماما حتى تثبت له بتجربة مضادة عكس ما يظن.
أما العنصر الأخر بالفكرة التي طرحها لوردي في كلامه السابق هي مسألة المعيار والمقياس الذي يفرق بين الصحية والبطلان، بين الحق والباطل بين العقلي والمثالي، هل يمكن لنا أن نستنجد بمقياس خارجي غير منحاز بين العقل وبين التجربة مثلا، بين العقلانية وبين الحسية، بالتأكيد لا يوجد مثل هذا المقياس خارج العقل وخارج رؤية المعرفة، أي لا يمكن أن نستعين بمقياس ومعيار لا موضوعي ولا ذاتي في الواقع، إذا تبقى قضية الحق والباطل قضية نسبية تعتمد على أساسيات الأفتراض وتوجهات المنهج، فقد نرى ما هو باطل بحسب المقياس العقلي حق عند الأخر المختلف والعكس صحيح، لذا نجد أحيانا أن بعض ما يجزم به أو يؤمن به الدكتور الوردي فيه الكثير من التناقضات كأحكام عامة، خاصة في ما نسبها للشخصية العراقية وتخصيصا في صورتها المثلى النخبوية الدينية والفكرية وإن كنا لا نزكيها ولا نؤيدها لكنها تحتاج إلى قراءة أخرى أعمق وأكثر تشعبا في البحث عن الجذور والشعيرات الجذرية التي تمدها بأسباب القوة والبقاء.
النقد الرئيسي الذي بنى عليه فكرته عن العقل تتمحور حول نقص في قدرة النظام العقلي في التعامل مع ما بين يديه من ظواهر سلوكية، دون أن يبين حقيقة هذا النقص هو عام كلي يمكن تعميمه على كل الشخصية العراقية/ أم أنه يخص النخبة التي عليها أن تتحرك وتحرك المعرفة من خلال دورها الوظيفي في المجتمع، هذا النقص وإن كان يسبب خلل في النتائج المعرفي دون أن يعني ذلك ذاتية العقل بالخاص، كذات موصوفه بالماهية والوظيفة والتكوين والتكييف على أنها قادرة على فهم وتفسير الظاهرة وكيفية تعقلها، في حين أن مجرد تحول الفكرة من تجريدها العام وتحويلها لسلوك وممارسة ينفي عن العقل مظهر وصفة النقص.
أي أن العقل العراقي تعامل مع الواقع واستجاب لنتائج هذا التعامل وما بني عليه فهو مارس التعقل بصورة فعلية وإن كما يقول الوردي أنها كانت بوجه واحد ومن زاوية واحدة حصرية وتمسك بوجهة نظره هذه، أي أن العقل العراقي لم يكن متكاسل ولا يشوبه عيب تكويني أساسي وإنما النقص كان في نظام التعقل، أي بالأدوات المتوفرة والتي صنعتها المعرفة التاريخية التجريبية وهي التي أنتجها عملي الجغرافية والتاريخ وما بينهما من تبدلات معرفية وفكرية حضارية بدأ من الدين وأنتهاء بالسياسة، وهذه الأدوات هي موضوع خارج العقل تؤثر على مساره في التعاطي مع الحقيقة ولكن لا تؤثر أصلا عن وجوده أو عدم وجوده، المشكلة في كيفية التفاعل لا بالفاعل، الفاعل موجود ولكن النقص في حاجة الفاعل لمنهج وطريقة تقديم وطريقة اعداد وما يتمخض منهما، وهذا ليس ذنب العقل، والدليل أن الوردي كعقل عراقي تجاوز هذا النقص من خلال توفر الوسائل الجيدة والصحيحة.
في دراسة العقل هناك شاخصتان مهمتان في بيان كونية العقل تتعلق أولا بمعنى العقل ونتيجته التعقل، الأولى الشاخصة الديكارتية التي تجعل من العقل هبة عادلة فطرية أسية فهو يرى اعتبار العقل ذو طبيعة فطرية، فكل الناس يولدون وهم مزودون بهذه الملكة ولهذا يعتبر ديكارت أن العقل هو أعدل قيمة بين الناس جميعا، وإنهم يتساوون فيه بالفطرة ولكن يختلفون في طريقة استخدامه، وأن التعقل ما هو إلا الوظيفة الأساسية للعقل التي تتمحور في إنتاج المعرفة من خلال ممارسة التأمل العقلي، بل أكثر من ذلك بل يعتبره المصدر الوحيد للمعرفة الحقة أما الحواس فلا دور لها في عملية المعرفة لأنها خداعة، ضد هذا التصور العقلاني الذي يجعل المعرفة من إنتاج العقل.
في المدرسة المقابلة التي تتخذ من الحواس المبدأ الأول في وجود التعقل والتي تعطي قيمة أكبر وأهم للحواس وأن لا وجود لشيء اسمه العقل بمعزل عن الحواس أو التجربة الحسية، فكل معارفنا تبتدئ بالحواس، بما في ذلك ما اعتبره ديكارت مبادئ فطرية وعلى هذا الأساس يصبح العقل متغيرا من شخص لآخر على اعتبار أن تجاربه تختلف في الشيء الذي ينتج عنه، وإن إمكانية تغير العقل من مجتمع لآخر ومن مرحلة تاريخية أخرى امر طبيعي وممكن وأعتيادي واحيانا ضروري، هذا الموقف الأخير يتبناه التجريبيون من لوك إلى دافيد هيوم، وهو يمثل الوجه الصارخ للحسية مقابل عقلية ومثالية ديكارت.
الكانطية وحدها كمدرسة حاولت التوفيق والجمع بينهما واتخاذ المنهج الوسطي كحل نهائي لجدلية العقلانية بشقيها الموضوعية والمثالية وبين المادية الحسية والمادية التجريبية، لتنحاز في النهاية إلى ما يسمى العقل المتحسس الذي يرتبط بفعله ونظامه بسلسة معقدة ومركبة من العلاقات التشاركية البينية والتي تربط أيضا بين العقل كموضوع وبين التعقل كنظام، أي تربط الموضوعي والذاتي في وحدة عملية مفرقا بين العقل النظري التأملي وبين العقل العملي التجريبي، على أن الفارق يتعلق بالماهية الشكلية المضمونية التي يتعامل معها كل عقل وبموضوع مخصص لكل منهما.
العقل الذي أنتقده الدكتور الوردي هو العقل المثالي الواقعي الذي يحاول فرض رؤيته الفطرية والطبيعية على الواقع في محاولته للنظر لموضوع العلاقات الأجتماعية، مؤمنا بمقولات التجريبين الذين يستبعدون قدرة العقل البديهية في أكتشاف الحقيقة أو بناء المعرفة ومن ثم الهوية الشخصية والفردية وصعودا للهوية الجمعية، فهو ينتقد العقل بمفهومه حسي موضوعي موجها الأنتقاد للذاتية، أي أنه ينتقد الداخل الذاتي من خلال الشكل الخارجي دون أن يفتح الداخل الذاتي وينظر له بما يتناسب معه، لكنه في الجانب الأخر يجعل العلة في التأمل في العقل الديكارتي محملا إياه الفشل المعرفي وبالتالي الفشل الأجتماعي، أي أنه ينتقد موضوع محدد عازي السبب إلى نقيضه وهذا أيضا من المأخذ النقدية الشديدة التي صوبت سهامها لفكر الوردي، متجاوزا في دراسته للمجتمع العراقي والعقل العراقي التجربة الغربية التي أمن بها وبشر بصلاحيتها كحل وكمنهج لكنه ينتهي بمخارج معرفية تتناقض معها.
فهو مثلا تجاوز في دراسة أشكالية تعامل العقل مع ظاهرة التدين وفهم الدين وما نشأ عن تبلور الحداثة الغربية وكيفية سيرورتها التأريخية، الحداثة الأوروبية ليست كينونة ذات جوهر معزول عن سياق التاريخ بإحداثيات الزمان والمكان، ولكن هي نتاج صيرورة تاريخية ذات واقع مادي أولا تمتد بجذورها إلى استحقاق واستجابة لنتاج تطور ممتد عبر قرن أو أكثر من حركة بملامح التقنية والتصنيعية، ولذا لا يمكن فهم مشروع الحداثة الغربية إلا باستحضاره عبر جدله وتطوره منذ تأسيسه الفلسفي مع ديكارت، وتقعيده وربطه بمفهوم سياسي اجتماعي مع مونتيسكيو وروسو (مفهوم فصل السلطات ،والعقد الاجتماعي) مرورا بلحظة المراجعة النقدية لأداته المعرفية (العقل) مع كانط، وانتهاء بالثورة عليه مع فلسفة ما بعد الحداثة لدى نيتشه وفرويد وهيدغر.
إذن الدكتور الوردي في نقده للمحافظة والتخلف يرجع في الأسباب للعقل المثالي المتعالي عن الواقع والمغيب بتفاصيل الصراع والتناشز، قاطعا الصلة بالواقع ونتائجه ومؤدياته وأسبابه التي هي كما أصر أسبابا معرفية تتعلق بأزمة الهوية وماهية المعرفة وقوة التأثير التاريخي والجغرافي على المعرفة ومن ثم على الهوية من خلال تحكمها بتصنيع وصياغة الهوية الشخصية، مركزا على علة العقل أو ما يسميها مهزلة العقل الذي يراه مذنبا بمعزل عن الما حول المعرفي والأجتماعي والتأريخي، وأطن أن تأكيداته على ما سماه بمهزلة العقل البشري إنما يؤكد من حيث لا يريد على قيمة العقل ولكن يريده العقل السوبر العقل المطلق العقل الذي يعمل بديناميكية خاصة، وهذا ما لا يمكن في ظل تجربة تاريخية ومعرفية وفكرية متعثرة هي من سلبت الكثير من قوة العقل وأطاحت به، هذه المهزلة في رأي الفلاسفة والاجتماعيين ليست نتاج تقصير العقل بل هي نتاج الواقع التي يتعامل معه العقل، هي موضوع أخر منفصل عن العقل وإن كان متصلا بنتائج النظام العقلي.
العلة في نظري كدارس للظاهرة الأجتماعية للعقل تعود في أسباب أساسها إلى تخلف النتاج المتعقل من واقع المعرفة الموضوعية منسوبة لذات المجتمع، وإلى السيطرة القهرية على الإنسان كفرد ومجتمع من واقع بدأ في أساسه مغلوطا، أما لنتيجة تخلف الرؤية العامة التي نشأت في ظروف قاهرة وأحيانا عنيفة ومتشعبة في مصادرها وغريبة عنه، أو تخلف في أصول قراءتها وتبني نتائجها بالقهر والأستلاب والإلجاء بالقوة، حينما يوظف هذا الواقع قدرته وتسلطه في السيطرة على الإنسـان من خـلال تبرير عـلاقات الاستغـلال القائمة ويعتبرها جزء من الحقيقة أو أنها الحقيقة التي يتدخل الغيب الفوقي في فرضها، وبصفة عامة حينما يتحول الحال من (تقنية فهم) تحاول السيطرة على الطبيعة إلى (تقنية سيطرة) على الإنسان ذاته فإنها تستوجب تغيب العقل المنطقي وإبعاده عن محاور الصراع بعنوان الحرام أو القداسة أو العيب، عندها يتحول مجرى الصراع من هدف الغاية إلى شكلية وماهية الوسيلة وهنا لا يعد للعقل دور محوري بقدر ما للمديات الأجتماعية كأدوات الدور الهام والبارز.
بهذا يفقد العقل وجهه الإنساني ولهذا يتخذ كانط موقفا نقديا تجاه هذا الوجه السلبي لاستخدام العقل، فالعقل في نظره يمثل رمزا مشتركا ذا أوجه متعددة لحرية الإنسان ومسؤوليته ومن ثمة فهو يتنافى مع الوصاية ويرفض التبعية بكل مبرراتها وأشكالها معتمدا على منح العقل حدود تتسق مع الحرية ولا تخرقها خارج اطارها العام.
ولتجاوز ذلك يدعو كانط جميع الناس إلى استخدام عقولهم على قدم المساواة بأعتباره حق وجودي لا يمكن التفريط به، أي على الفرد ان يفعل العقل بتفعيل نظامه من خلال الحرية كما هو المطلوب من المجتمع من خلال العقل الجمعي، عادا أن السبب الذي يشرعن ويبسط التخلف والاستلاب يرجع إلى ظاهرة السيطرة والتسلط، فطالما انفردت فئة من الناس باستخدام العقل نيابة عن الآخرين فإن ذلك يولد الوصاية والتبعية التـي تعنـي الخضوع لمشيئة الغيـر، في حين أن العقـل في بعده الإنساني استقـلال و مسؤولية و كرامة.
هذه الإشكالية عينها التي روج لها د علي في أبحاثه وعموم خطوط نظريته في المعرفة، أي أنه أرجع الظاهرة إلى مبدأ التسلط والتفكير والتعقل نيابة عن الأخر بما سماه بمهزلة العقل البشري، هذه النتيجة تؤكد ما ذهبنا له من أن العيب ليس في العقل العراقي كذات نوعية وماهية خاصة شاذة أو مريضة او مدانة، بل تعود إلى ظاهرة التسلط والإستلاب من خلال حسية ومادية المعرفة وروافدها وعوامل تكونها بشكل عام، والتي تخذل النظام العقلي وتجعله قاصرا في أداء عمله وفرض شروطه وقوانينه على الواقع، وليس قصورا في مكونات العقل أو في شكليته وتكوينه الذاتي.
يطرح البعض ممن أمنوا بفكر الدكتور الوردي دون تمحيص أو ربما لمجرد الإدعاء والأنحياز له سباب مختلفة، أن إشكالية التخلف وعدم القدرة على الفعل الإيجابي في مجمل منظومة التعقل الشرقي ومنه العقل العراقي، لعلية العجز الذاتي المزمن المرتبط بالعجز الجمعي، وعدم القدرة على الفعل والأبداع والتجديد وقبول التطور مقابل ضخامة الفعل والوعي والإدراك الجبار للمقولة الغربية، المقولة التي تركز على الحرية وصراع الأنا مع الأخر الذي يقود عملية استكشاف وانتقال من عالم المجهولية إلى عالم المعلومية، أي روح الصراع الذي يقود لمزيد من صناعة المعرفة وتجديدها، عكس مفهوم السلفية الروحية الكهنوتية القائم على تحييد العقل من اكتشاف أكثر من المقولة الإرثية السابقة أو تلمس التجديد من خارجها، والتي يعتقد أنها متواترة لديه وصالحة دوما زمانا ومكانا وحالا بالقوة حتى لو كان لا يؤمن بها كليا أو جزئيا لكنه يحافظ عليها من الأنتهاك والتدنيس، ولأنه أحاطها بقدسية لا يتصور أنه قادر على تجاوزها و التعدي على استحقاقاتها.
والحقيقة أن هذا الوصف ليس للعقل خارج الهوية المعرفية وخارج الواقع، فلو فصلنا بين الهوية المعرفية والعقل كما حصل مع الدكتور الوردي ذاته وعشرات الألاف من المتنورين العراقيين والعرب، لا نجد إلا رواسب بسيطة جدا قد لا تشكل أي ملمح ولا فعل داخل العقل العربي والعراقي، أن العقل عموما عليه أن يعيد النظر في تصوراته ومفاهيمه ومناهجه حينما تحدث أزمة معرفية أو أشكالية تاريخية تتعلق بالمعرفة وبالوجود العام، ليحاول تجاوزها من خلال إيجاد حلول جديدة ومن خلال الفلسفة تحديدا، لأن الإشكالية في جوهرها هي إشكالية سؤال وجواب، وأظن أن إلقاء الكلام المنمق لا يحل الإشكالية ولا يساهم بدفع عملية الارتقاء والمشاركة في الفعل الكوني ولا بد من تفعيل العقل وتنمية المقدرات لديه، ليتجاوز مسألة الوصف العام والملاحظة إلى نظام التحليل والفرز والنقد والابتكار بقواعد منهجية لا تفصل الظاهرة عن واقعها، ولا أن تحيلها دوما لأسباب خارج موضوعها الأساسي وهي ثلاثية الفكر (المعرفة) والمجتمع (الواقع) والصراع (حركة الزمن).
وهنا مثلا نجد المنظرون الاجتماعيون ودراس السياسة الأجتماعية عندما يتناولون المشكل الحضاري والاجتماعي يتناولونه من خلال نقد العقل لوحده، أي أنهم يطرحون الجدلية وفق النمط التالي (ان تشخيص حالة التناقض والتيه التي يعيشها الفكر الفلسفي العربي بأعتباره من أعلى درجات المعرفة ومن أشد أنساق الفكر قدرة على التجديد والتنظير الحداثي، عليه أن يفتح بصيرة الفرد على حقيقة وضعيته التي يعيش فيها غافلاً غائمًا عن قضايا اللغة والتاريخ والوجود بفعل تراجعه الدائم نحو الإرث والتاريخ وانكفائه داخل ذاته الجغرافية هروبًا من القهر والظلم والعدوان المسلح، وأيضا بكونه متهمًا بمغادرة أرض الكينونة وانتباذ منزلة بين المنزلتين (محاولة الخلاص والنجاة بأقل الخسائر) في أكبر عملية استقالة فكرية، فلا هو في منطقة التطلع نحو المنشود في الزمان والفعل المناسب، ولا هو في وضعية التمسك بالموجود وهو يعاني منه ويدينه ولكن لا يستطيع التخلص منه لأنه تابو، إذا السؤال هنا كيف نبدأ، هل نبدأ بتدوين صدمة الحضارة بمفهومها الجديد وبذلك نزيد من العبء السابق التاريخي والإرثي عليه في مواجهة من غير المحتمل أن ينجح بها على أقل تقدير في موضوع تجديد الصراع)، عليه يكون تحميل الفلسفة العربية وحدها حالة العجز ليس وصفا حقيقيا كمدان أول، دون أن نعلم ونتيقن من أسباب ذلك ونحلل بروح حيادية تلك الظاهرة ونربط العلات بالمعلولات والنتائج بالأسباب.