نظام الرأسمال:عنصرية فاشية في الداخل وحروب عدوانية بالخارج


سعيد مضيه
الحوار المتمدن - العدد: 6607 - 2020 / 7 / 1 - 11:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

نظام الراسمالية: عنصرية فاشية في الداخل وحروب عدوانية بالخارج
مثلما يستبد ترمب في العلاقات الدولية فإنه يطور نظاما استبداديا فاشيا داخل الولايات المتحدة. وكما انتهك القانون الدولي والقرارات الدولية بنقل السفارة الأميركية الى القدس وإهداء القدس لإسرائيل وكذلك إهدائها الجولان والموافقة المبدئية على ضم مناطق من الضفة الى دولة إسرائيل، فإنه ينتهك الدستور الأميركي مؤيدا من قبل المدعي العام الأميركي، وليام بار.
"ويليام بار، النائب العام في إدارة ترمب اعتبر مهمته الدفاع عن ترمب وسلطته التنفيذية المطلقة ، والتي حسب اعتقاده يجب إعفاؤها من أي مساءلة سياسية او أخلاقية. وقد أصاب جيمز رايزن إذ رأى التطابق بين بار وسيئ السمعة ، كارل شميت ، ذلك ‘القاضي الملكي’ للرايخ الثالث"[النازية، ومن ثم التطابق بين ترمب والفوهرر]. ذلك ما استخلصه العلامة هنري غيروكس، المختص في نقد ثقافة "فاشية الليبرالية الجديدة "، وذلك في مقالته المنشورة في 26 يونيو على موقع كاونتر بانش بعنوان "إزدراء القانون بالولايات المتحدة". في مقاربته المتعمقة يرى غيروكس أن "بار يضع ترمب فوق القانون، نوعا من السيادة المتفردة، وينصب هدفين اثنين لدونالد ترمب ووزارة العدل الخاضعة لبار: قمع اي تحقيق في سلوك الرئيس ترمب وأعوانه، وملاحقة منافسيه السياسيين بنهج عدواني". فماذا يتبقى من معالم ديمقراطية الليبرالية الكلاسيكية؟!
المدعي العام الأميركي يحث على الإرهاب، يواصل غيروكس تعداد مثالبه، ". بلا حياء عمم بار توجيهات على جنود الحرس الوطني والشرطة يدعوهم لمهاجمة المتظاهرين السلميين في ميدان لافاييت احتجاجا على قتل جورج فلويد، وذلك لكي يخلي طريق ترمب لدى التوجه الى الكنيسة لالتقاط صورة له وهو ممسك بالإنجيل. فإذا كانت سيادة القانون جوهر الحكم الديمقراطي، وازدراء القانون جوهر حكم الطغيان، فإن الإرهاب هو جوهر الحكم الاستبدادي ". التمسح بالقداسة وسيلة احتيال سياسي لدى الأنظمة الفاشية عموما؛ فقد زعم بوش الابن أن الله أمره في المنام بغزو العراق! وتعزو الأنظمة الأبوية العربية كل تصرفاتهم وكذلك تبعيتهم لدول الامبريالية الى التزام بالدين!
لا يقتصر الأمر على الرئيس ووزيره ، فالدولة بأكملها جهاز للقهر الطبقي ، توظف السيطرة السياسية والهيمنة الإيديولوجية لخدمة مصالح تحالف الطبقات المهيمنة وهي في الولايات المتحدة النخب الرأسمالية والاحتكارات الكبرى. إرهاب الشرطة والحرس الوطني وظيفتهما توفير الأمن لمصالح الشركات الكبرى والنخب المالية . يُجمل غيروكس هذه الحقيقة فيقول، "ترمب وبار من دعاة هيمنة البيض، ومغرمان بالتطهير العرقي، وازدراؤهما للقانون شهادة على إيمانهما بسياسات الفضلات البشرية. وما أثبته ترمب وبار بصراحة تامة وبقليل من الأسف ان ما من مؤسسة معصومة من تسلط السياسات الفاشية. وكما أشار ويليام روبنسون فمن اولى بوادر سياسات الفاشية بروز الدولة التسلطية والرجعية سياسيا. علاوة على ذلك فالدولة يعاد تشكيلها بحيث تلبي حاجات النخبة المالية والشركات الكبرى؛ وعلى جبهة الثقافة تبرز وتتبلور جماعات استعراضية فاشية مبتذلة (وانابي) مثل الحركات القومجية، النازيون الجدد، ميليشيات يمينية وجهاز ميديا يخضع لليمين المتطرف. جميع هذه العناصر تجد الدعم من جانب ترمب وبار" .
اللجوء الى العنف دليل تضعضع النهج الطبقي وفقدان الطبقة المسيطرة هيمنتها الإيديولوجية. حينئذ، فإن مألوف العادة ان تجمد الطبقة المسيطرة نظم الحرية السياسية وتستبدلها بنظم فاشية. "إن مسيرات الآلاف عبر الشوارع وحركة حياة السود مهمة قد أكدت بقوة ان تغييب القانون لا يتجسد في عدوانية بعض ضباط الشرطة، مهما قويت شكيمتهم، أو في سياسيين فاسدين من طراز ترمب وبار، ولا حتى في الحزب الجمهوري الخاضع لهيمنة دعاة عنصرية البيض؛ فقد أوضحت المسيرات وحركة (حياة السود مهمة) أن النضال يدور من أجل الإطاحة بنظام جعل من العنف مبدأه الناظم ويعكس أصداء ماض من الرعب يجب أن لا يتكرر أو يغدو نمط حياة".
تنصب الرأسمالية مخدات اجتماعية تخفف وقع أزماتها على السواد الأعظم من الطبقة العاملة، وفي الولايات المتحدة تتجسد المخدة في السود والمهاجرين، حيث التمييز العنصري يخدم حاجة جوهرية للرأسمالية. إن موقع السود في الولايات المتحدة يتماثل مع موقف الفلسطينيين تحت نظام الأبارتهايد الإسرائيلي. ابتدعت الصهيونية في العقد الأول من القرن الماضي فكرة أن العرب أشباه متوحشين. كان الدافع لذلك رفض التعايش مع الفلسطينيين ؛ وبالنتيجة انتهاج سياسة عنصرية تفضي في نهاية الأمر الى اضطهاد الفلسطينيين وتنفيذ التطهير العرقي. وفي ثمانينات القرن الماضي ابتدع حكام إسرائيل العنصريون اكذوبة "الإرهاب " الفلسطيني قبل أن تنزل ثقافة الحرب على الإرهاب إثر تفجيرات نيويورك في بداية القرن الحالي. وفي حزيران 2018 أقر الكنيست بمبادرة من اليمين الفاشي قانون دولة إسرائيل ، وبموجبه حرم الفلسطينيون من المواطنة في وطنهم التاريخي . كل هذه مقدمات للسيطرة التامة على كامل الأراضي الفلسطينية وتحويلها الى دولة يهودية.
كشفت حركة الاحتجاج ضد العنف الممنهج من جانب الشرطة الأميركية أن أساليب العنف وأدواته تستورد من إسرائيل ، حيث يقوم تعاون تام بين الأمن الإسرائيلي والأمن الأميركي، وكلاهما تعمدا فرض العنصرية بيئة ملائمة لممارسة العنف المضطرد، لصالح مصالح استغلالية . العلاقة متبادلة بين نشاط الرأسمال المحلي والكوني وبين العنف والسجون في بلدان الرأسمال.
الرأسمالية بالولايات المتحدة وفرت شروط إعادة إنتاج العنصرية الممنهجة، والعكس صحيح، العنصرية ثبتت مواقع الرأسمالية . "رأسمالية الولايات المتحدة وجدت الحل لمشكلة اضطرابها عن طريق ابتكار تحويلة دورية هابطة توقع الأضرار بالأقلية السوداء من الطبقة العاملة. وعدت الرأسمالية أغلبية العمال الأمان النسبي للوظائف والمداخيل لأنها سلبت هذه الامتيازات من الأقلية؛ فقد موضعت تلك الأقلية كي تتحمل ضربات كل دورة ومكابدة الشطر الأعظم لما تحدثة من خراب".هذا ما أجمله عن عوامل الاستقرار النسبي بالولايات المتحدة ريتشارد وولف، الباحث الاقتصادي الأميركي ومؤلف كتب عدة منها " الأزمة الرأسمالية تتعمق". يحذر وولف من التركيز على إرهاب الشرطة وإغفال النظام المولد للعنصرية وقسوة الإرهاب. نتيجة لموضعتها الدونية، " لاحقت تلك الأقلية فواجعُ الفقر والاختلال الأسري وفقدان المساكن ونظم الرعاية الصحية والتعليم. غدا السود المخدة التي تمتص صدمات دورات البيزنيس. وليس أوضح في هذا السياق من منطق الائتلاف بين مناهضة العنصرية ومناهضة الرأسمالية." شريحة مهملة من الطبقة العاملة البيضاء في أميركا لم تكن بمنأى عن السود من حيث المكانة. وبذا برزت إمكانات التضامن الطبقي بين السود والبيض ؛ وقدم التاريخ الأميركي لحظات تجسد الاحتمال واقعا.
في بلدان الرأسمالية المتطورة الأخرى وجدت في أزمة المهاجرين وسيلة لامتصاص صدمات الأزمات الدورية . تبع ذلك توجيه العنصرية ضد المهاجرين: من شال إفريقيا في فرنسا ، الإيطاليون الشماليون في سويسرا، الأتراك في ألمانيا، وهكذا عمت العنصرية من خلال أحابيل الرأسمالية ، جميع دول الرأسمال. انتشرت مظاهر الفقر والاحباط وتحطم الأسر ونقص مرافق التعليم والرعاية الصحية بين المهاجرين والأقليات أكثر من انتشارها بين أغلبية الطبقات العاملة، حيث توالدت المرارات والحسد والقنوط والجريمة والعنف. وكان لابد للراسمالية أن تستغل ردود الأفعال فتسلط العنف البوليسي الرأسمالية خلقت عوامل الجريمة وخلقت معها أساليب ووسائل الردع - لسجون. وإرهاب الشرطة.
الشرطة والسجون غدت الضرورة "للإبقاء على الغطاء محكما"، او "الترويض" او" الحراسة والسيطرة" تجاه المجتمعات ممتصة الصدمات المترامية في أحياء الفقر والغيتوهات. بات الصدام مع الشرطة والسجن دورات منتظمة، هي الأساليب المختارة لمعالجة الخراب الجانبي لأزمات الرأسمالية. ولهذه الأساليب خراب جانبي: سجل تراجيدي طويل لعنف الشرطة ، القوة المفرطة من جانب الشرطة، ظروف القسوة والعنف داخل السجون ، وقتل الأميركيين من أصل إفريقي بوجه خاص. الاستغلال المفرط للسجناء ولأصحاب السوابق "الجرمية". أحد أسباب تكريس السود لدور ممتص الصدمات دورات الأزمة يكمن في ماضي العبودية. توارثت اجيال الأميركيين الاعتقاد أن السود إما أنهم ليسوا بشرا مكتملين او بشرا من نمط دوني. حتى بالدستور الأميركي اعتبر العبد، لأسباب إحصائية، مجرد ثلاثة أخماس الشخص الكامل (الأبيض). وتشكل لدى السادة والعبيد قبل الحرب الأهلية وعي عنصري يدعم نظام العبودية. العنصرية تطورت داخل الولايات المتحدة من خلال العبودية، إحدى تسهيلات الرأسمالية وتعززت بواسطة الرأسمالية سعيا لتكثير الأرباح. الربح هو الدينامو لنشاط الرأسمال.
أرباح الاحتكارات الرأسمالية الكبرى لا تقتصر على القيمة الزائدة؛ فقد ابتكر الراسمال المالي وسائل غير تطوير القوى المنتجة لزيادة الأرباح. وآية ذلك في فترة الانهيار الاقتصادي مع انتشار فيروس كوفيد 19 "خلال الأسابيع الثمانية الأخيرة ( 18 آذار حتى 14 مايو /أيار) أضاف كبار أثرياء الولايات المتحدة الى ثرواتهم 368,8 مليار دولار، كما أورد لي كامب ، وهو مقدم برامج كوميدية. يقول كامب، " وحتى قبل انتشار فيروس كورونا كان ثلاثة من أغنى أثرياء أميركا يملكون من الثروة ما يفوق ما يمتلكه النصف الأفقر بين الأميركيين؛ ومع هذا أرسلت إدارة ترمب شيكات كل بمبلغ 1200 دولار لمواطنين ، بينما قدمت 4.25 تريليون دولار للبنوك والشركات الكبرى. كما تلقّى الأكثر ثراء إعفاءات ضريبية ضخمة من دونالد ترمب. نقل الأثرياء مبالغ تقددر ب 32 تريليون دولار خارج اميركا ليخفوها في مناطق آمنة." بالمقابل نقل كامب عن ألان مكليود على موقع مينت بريس ان "36 مليون أميركي سجلوا أسماءهم على قائمة العاطلين عن العمل، كي يحصلوا على ضمانات بطالة، ومليون آخرين فقدوا الضمان الصحي المقدم من مستخدِميهم. الموجهون الحقيقيون للحكم بالولايات المتحدة او غيرها من بلدان الرأسمالية المتطورة هم القوة الدافعة والمستهلكة للنمو الاقتصادي". نضيف ان الطبقة السياسية في بلدان الامبريالية هم المتسببون لكوارث قاتلة في الخارج ، حيث يمدون خراطيمهم مع أذرعهم العسكرية لشفط ثروات الشعوب، مدمرين الاقتصادات الوطنية وتاركين الملايين بلا عمل وبلا مصدر رزق في بلدانهم..
يتناول الظاهرة باتريك كوكبيرن، المحلل السياسي المختص بالشرق الأوسط، مقدما ليبيا مثالا ، حيث حولتها بريطانيا وإيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة الى دولة تعيث فيها الملشيات الدموية. بين تقرير صادر عن لجنة الشئون الخارجية لمجلس العموم البريطاني أن الاعتقاد بأن القذافي كان "سيقترف مجزرة ضد المدنيين في بنغازي لم تجد سندا يدعمها". الطبقة السياسية في الغرب لم تدفع ثمن خطاياها القاتلة وناخبوها لم يدركوا العلاقة بين حروب الخارج وبين سيل الهجرة من قارتي آسيا وإفريقا، أو الأعمال الإرهابية في شوارعهم.
"لم يحدث قط أن القادة في الغرب تعرضوا لضرر سياسي جراء أخطاء لم يضطروا اليها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ دوما كنت أعتقد أن ما ينافي العدالة، ولكن من المحتم، أن يفلت القادة الجهلاء عديمو الكفاءة، خاصة في بريطانيا، من جرائر قرا راتهم دون أن يدفعوا الثمن. لكن تبين أنني مخطئ؛ فاولئك الذين اقترفوا الخطايا و تسببوا في الحروب ما بين البصرة وبنغازي بات عليهم مواجهة وباء كوفيد 19. ...مصدر واحد يكمن خلف كل من العدد المحدود نسبيا لخسائر بريطانيا في حروبها بالشرق الأوسط والخسائر البشرية المروعة من وباء كوفيد 19 : طبقة سياسية مفرغة لم يعد بمقدورها المواجهة الناجحة للأزمات الحقيقية. ربما أن الطبقة السياسية البريطانية اعتادت الاتكاء على القدرات العسكرية والسياسية الأميركية، لدرجة انهم لم يعرفوا كيف يتصرفون عندما تعثرت تلك القدرة خلال العشرين عاما الماضية او تفجرت أخيرا تحت إدارة ترمب.
نعود الى إحصاءات لي كامب ومفارقاته : " أحدث التقديرات تقول أن 20 بالمائة من الناس يملكون 85 بالمائة من ثروات البلاد. وطالما الحكومة تقدم الخدمات للعشرين بالمائة الأكثر ثراءًا فبمقدور هؤلاء تجاهل ال 80 بالمائة الباقين". في هذا الواقع تمد جذورها ظاهرة الفضلات البشرية، ثمانون بالمائة من البشر يعتبرون فائضين عن الحاجة يشكلون عبئا على الاقتصاد العالمي، وتخطط الرأسمالية للخلاص منهم!
ترون، إذن، يواصل لي كامب، " ان حربا طبقية تدور منذ سنوات – يخوضها الأكثر ثراءًا ضد جميع الآخرين. وفي دراسة أجرتها أكاديمية العلوم الوطنية ، وجد الباحثون ان الطبقة الاجتماعية العليا تنبأت بتعاظم السلوك غير الأخلاقي. أظهر الباحثون أن الأثرياء هم الأكثر قابلية للإقدام على قرارات منافية للأخلاق، يسرقون من الآخرين، ينتهكون القوانين ضمن خداع متبادل. ومع هذا فالأثرياء هم من يدير الحكومة والاقتصاد".
يديرون الاقتصاد ويرعون العنصرية في الداخل والخارج ويرعون القوة المسلحة ويدمرون البيئة ويشيعون الاختلالات الاجتماعية. امور وعتها الشعوب واستخلصت النتائج . ليس امام الشعوب سوى توحيد الجهود والنضال المشترك لحمل الرأسمالية على الإقلاع عن خيار القوة الغاشمة . الشعوب بحاجة الى تكريس الإنتاج المادي والعقلي لخير الناس ومن أجل العيش بسلام . إثر كل ازمة تؤكد الحياة شعار النجاة للبشر من الكوارث المحدقة، رفعه الراحل سمير امين: الاشتراكية أو فناء البشرية!
.