الأخلاق بلا دين و التحرير الحقيقي


شادي الشماوي
الحوار المتمدن - العدد: 6588 - 2020 / 6 / 9 - 01:15
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

بوب أفاكيان – جريدة " الثورة " عدد 650 ، 1 جوان 2020
https://revcom.us/a/650/bob-avakian-morality-without-religion-en.html

لقد إنتهى إلى سمعى أنّه عندما جرى توزيع مقالي " التحرّر من ذهنيّة العبوديّة و من كافة الإضطهاد " في صوف أناس من غرب مدينة شيكاغو ، تساءل أحدهم : " من أين ستأتى أخلاقنا إن لم نكن متديّنين ؟ "
و هذه طريقة أخرى لقول : هل يمكننا أن نكون جيّدين دون إلاه ؟ و مثلما قلت في سابق كتاباتى و خطاباتى ، الإجابة على هذا هي : يجب أن نكون جيّدين دون إلاه ، لأنّه لا وجود لأي إلاه !
لكن دعونا نتعمّق قليلا في المسألة . بادئ ذي بدء ، الواقع هو أنّ الأخلاق في الإنجيل ليست أخلاقا جيّدة .إنّما هي أخلاق تدافع عن العبوديّة ن عن الإضطهاد و عن تعنيف النساء و عن كافة الفظائع الأخرى . و هذا يصحّ أيضا بالنسبة للقرآن و الكتب المقدّسة للديانات الكبرى الأخرى . ( و إن لم تصدّقوا هذا ، ألقوا نظرة على كتابي " لنتخلّص من كافة الآلهة ! تحرير العقل و تغيير العالم راديكاليّا " – ثمّ تمعّنوا في هذه الكتب المقدّسة نفسها ).
و مع ذلك ، ثمّة سؤال هام : " من أين ستأتى أخلاقنا إن لم نكن متديّنين ؟ " و الإجابة هي أنّ الأخلاق جميعا نابعة من البشر – من المجتمع و العالم الذين يعيش فيهما البشر . كافة الكتب المقدّسة كتبها أناس يعيشون في مجتمع معيّن ، في وقت معيّن و هذه الكتب المقدّسة نوع من مرآة المجتمعات . لهذا ، لذكر مثال هام ، الكتب المقدّسة و مفهوم الإلاه فيها ، في الديانات " التوحيديّة " ( إلاه واحد ) – اليهوديّة و المسيحيّة و الإسلام – بطرياركيّة / أبويّة و ذكوريّة ( و " الإلاه " يجرى الحديث عنه بكلمات ذكوريّة ، بطرياركيّة – " الإلاه ، الأب " و ما إلى ذلك ) . و العلاقات الموصوفة و التي يتمّ التأكيد عليها علاقات بطرياركيّة ، علاقات تفوّق ذكوري ، مع إبقاء النساء في وضع دوني ، و غالبا ما يحصل ذلك عبر العنف . و هذه الكتب المقدّسة كتبها بشر عاشوا ضمن مجتمعات بطرياركيّة و ذكوريّة ، و قد عكست ذلك . في كلّ زمن معطى ، الأخلاق المهيمنة داخل مجتمع معيّن هي الأخلاق التي تعكس الظروف القائمة و العلاقات صلب هذا المجتمع . و هذه الأخلاق سيتمّ التشجيع عليها بوجه خاص من قبل الذين يستفيدون من هذه الظروف و العلاقات القائمة .
نحتاج إلى رفع وعي و كسب الناس إلى أخلاق تتناغم مع المجتمع و العالم الذين هما ممكنين و ضروريّين بالنسبة إلى إزدهار الإنسانيّة ككلّ ، على نحو شامل ، في التحرّك نحو تجاوز كافة الأوضاع التي يكون فيها قسم من الناس واقفا على ظهر قسم آخر و يتحكّم فيه – عالم دون إستغلال و لامساواة و إضطهاد – عالم شيوعي .
و سأعود إلى هذه النقطة ، لكن بداية لنلقى نظرة أخرى على كيف تعكس الأخلاق المجتمع الذى نعيش فيه . و لنضرب على ذلك مثالا هاما ، عندما كانت العبوديّة قائمة في هذه البلاد ، و كانت تنهض بجزء كبير من خلق ثروة هذه البلاد ، أولئك الذين كانوا يستفيدون من العبوديّة كانوا يروّجون و يشجّعون فكرة أنّ العبوديّة كانت " أخلاقيّة " ، كانت شيئا جيّدا، ليس لمالكى العبيد و حسب بل للعبيد أيضا الذين يعتبرون في موقع دوني و في حاجة إلى " لليد المرشدة " لأسيادهم ل " جعلهم متحضّرين " و الحال أنّهميُستغلّون و يُضطهدون بوحشيّة . و قد وظّف ملاّكو العبيد الإنجيل و طريقة دفاعه عن العبوديّة ، كتبرير لما كانوا يفعلونه . لكن ، مع تطوّر الأمور ، في أجزاء من البلاد حيث العبوديّة قد تكون بعدُ قانونيّة إلاّ أنّها لم تلعب دورا كبيرا في تطوير الاقتصاد ، وُجد رأسماليّون كانت ثروتهم و سلطتهم قائمتين على أشكال أخرى من الإستغلال ( ليس الإمتلاك التام للبشر بل إستخدامهم كعمّال مأجورين – دفع أجور لهم ، بمن فيهم الأطفال ، أجور لا تسدّ الرمق مقابل عملهم لساعات طوال في ظلّ ظروف رهيبة ). و مع مرور الوقت ، أضحت مصالح هؤلاء الرأسماليين الذين كانوا متركّزين بالأساس في الشمال ، في نزاع أحدّ فأحدّ مع معظم ملاّكى العبيد الذين كانوا ستقرّين في الجنوبز و في النهاية ، امسى نزاع المصالح هذا من الشدّة و العمق إلى درجة أنّه أدّى إلى حرب أهليّة – و في خضمّ الحرب ضد كنفدراليّة ملاّكى العبيد في الجنوب ، وجد قادة الإتحاد ( في الشمال ) و على رأسهم أبراهام لينكولن ، أنّه ينبغي عليهم تحرير العبيد لكسب الحرب ،و عمليّا شجّعوا فكرة أنّ العبوديّة خاطئة – لا أخلاقيّة .
و صوصلنا هذا إلى نقطة هامة أخرى : الأخلاق تعكس الواقع – المجتمع و العالم – الذين يعيش فيهما البشر ، إلاّ أنّ هذا الواقع مليئ بالتناقضات . و لتقديم مثال آخر من تاريخ هذه البلاد ، في بداياتها الأولى ، وهي تسعى حثيثا للإستقلال عن أنجلترا ، أعلن مؤسّسو البلاد ( بكلمات إعلان الإستقلال ) أنّ " كافة الرجال متساوون ". لكن هنا وُجد تناقض حاد آخر : هذه الكلمات كتبها توماس جيفرسن وهو بنفسه مالك عبيد شجّع بنشاط مصالح ملاّكى العبيد و توسّع العبوديّة عبر الأراضي التي يجرى الإستيلاء عليها لتوسيع حدود الولايات المتّحدة . و مع ذلك هذا التناقض – بين إعلان أنّ كافة الرجال يخلقون متساوين و واقع العبوديّة – قد إعتَرف به و إستغلّه الذين عارضوا العبوديّة ليحاججوا و يقاتلوا من أجل إلغاء العبوديّة . و كذلك ، كان الأمر بالنسبة للقتال من أجل حقوق النساء : إذا أُعلن أنّ كافة الرجال يخلقون متساوين ، و يعزم أنّ هذا مبدأ نوعا ما " عالمي " ، صالح لكلّ الأوقات و كلّ الأوضاع ، عندئذ لماذا لا ينسحب أيضا على النساء؟
و اليوم ، تعيش الإنسانيّة في إطار النظام الرأسمالي – الإمبريالي . وهو نظام إستغلال ، على أنّه ليس نظام عبوديّة تامة ( بالرغم من تواصل عمليّ لوجود أشكال رهيبة من العبوديّة عبر العالم ، بما فيها التجارة الجنسيّة و العبوديّة الجنسيّة لملايين النساء و الفتيات ). لذا اليوم ، الأخلاق التي تروّج لها كافة المؤسّسات الكبرى للمجتمع و منها النظام التعليمي ، هي أخلاق تبرّر هذا النظام الإستغلالي و الإضطهادي ، مصرّحة ( مثلما فعل ملاّكو العبيد مع نظامهم زمنها ) بأنّ هذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي جيّد ، أفضل الأنظمة ، ليس بالنسبة لذوى الثراء الفاحش و حشب الذين يستفيدون منه و إنّما كذلك بالنسبة للجميع ، بمن فيهم كلّ الذين يقع إستغلالهم في ظروف حرمان و إهانة .
لكن هذا النظام يزخر هو الآخر بالتناقضات الحادة و العميقة . تصريحه بأنّه يوفّر " فرصا متساوية للجميع " تبيّن أنّه كاذب فاللامساواة الهائلة موجودة في كلّ مكان – لامساواة في المكانة و أيضا في الفرص ، و ليس في الحصول على الثروة و حسب بل كذلك في الحصول على الرعاية الصحّية و التعليم و السكن ، وفى جميع مجالات المجتمع . و يتكشّف كذلك اليوم أنّ زعم أنّ " هناك عدالة للجميع " و تطبيق متساوى ل " حكم القانون " على الجميع ، خدعة فالسود و غيرهم من ذوى البشرة الملوّنة ليسوا عُرضة للتمييز العنصري عبر " النظام القضائي " فحسب بل يجرى بصورة متكرّرة تعنيفهم و قتلهم على يد الشرطة ( فارضو " القانون و النظام ") و لا وجود لشيء يجانب الحقيقة من إدّعاء أنّ شخص غنيّ و شخص فقير يمكنهما الحصول على " معاملة متساوية " من هذا " النظام القضائي " ( او المعاملة المتساوية في أيّ مجال آخر من مجالات المجتمع ). و على الصعيد العالمي ، حكّام النظام الرأسمالي ، مثل حكّام هذا النظام ، يدّعون أنّهم يعملون من أجل تطوير علاقات " سلام و إزدهار " عبر العالم كلّه – إلاّ أنّ هذا الإدّعاء يتناقض عميق التناقض مع واقع أنّ هذا النظام يقوم على الحفاظ على معظم العالم في ظروف يائسة حتّى توجد جماهير شعبيّة يمكن أن تُستغلّ إستغلالا فاحشا لمصلحة الرأسماليين الإمبرياليين ؛ و يقوم على التهديد و إستخدام القوّة و العنف الهائل كي تبقى البلدان و الشعوب ترزح تحت وطأة الهيمنة الإمبرياليّة و اليأس . ( و فضلا عن ذلك ، هناك نزاع بين مختلف البلدان الرأسماليّة و ضمنها الولايات المتّحدة و الصين و روسيا و آخرون ، من أجل موقع القرش الأكبر في عالم يحكمه قانون الغاب ، عالم تهيمن عليه الرأسماليّة - الإمبرياليّة .
و الإجابة على كلّ هذا ليست " جعل النظام يطبّق وعوده بالعدالة و المساواة " . فقد حاول الكثيرون القيام بذلك و منيوا جميعا بالفشل – ذلك أنّ هذه اللامساواة مبنيّة في أسس هذا النظام ، و بإستمرار تخلق ذات طبيعة سير إقتصاده الرأسمالي - الإمبريالي و تتطلّب فقرا كبيرا و لامساواة و إضطهاد – و حرب لفرض كلّ هذا عبر العالم .
و الإجابة هي الإطاحة بهذا النظام كخطوة كبرى أولى نحو القضاء على كافة العذابات غير الضروريّة التي يمليها هذا النظام على جماهير الإنسانيّة . الأساس متوفّر في التقنية و في معارف الناس عبر العالم قاطبة ، لوضع نهاية للوضع المخزى القائم الآن حيث هناك ثروات تفوق الخيال و وفرة عامة ، و في الوقت نفسه ينتشر الفقر في العالم ، بملايين الأطفال يموتون سنويّا من الجوع و الأمراض القابلة للوقاية منها ، و يتمّ الإبقاء على جماهير الإنسانيّة في ظروف فاقة و جهل و بؤس إعتمادا على عنف لا يوصف و ما يفرزه من دمار.
في تناقض بين ما هو ممكن الآن ، بمعنى تحرير و رقيّ جماهير الإنسانيّة ، من جهة و من الجهة الأخرى ، الظروف الرهيبة التي يفرضها هذا النظام على هذه الجماهير ،و كذلك ذات التهديد الحقيقي الذى يمثّله بالنسبة لمستقبل الإنسانيّة – في هذا التناقض يكمن أساس ثورة للإطاحة بهذا النظام و تجاوزه و الإطاحة بكافة الأنظمة و العلاقات التي تعامل البشر على أنّهم أقلّ من البشر ، كمجرّد وسائل لمراكمة الثروة و خدمة الآخرين . و الأخلاق التي نحتاج إليها هي الأخلاق التي تعترف بهذا التناقض العميق و تشجّع و تلهم النضال في سبيل القضاء عليه و تجاوزه بواسطة الثورة الشيوعيّة .
هذه هي أخلاق مستندة ليس على مفاهيم بعض الآلهة ( أو كائنات و قوى خياليّة ما فوق الطبيعة ) المفترض أنّه لا حدود لقوّتها وهي في الواقع غير موجودة و إنّما تستند على منهج و مقاربة علميّين و فهم معتمد على معرفة الحاجة إلى و إمكانيّة هذه الثورة الأكثر راديكاليّة و تحريريّة .
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------