التحرّر من ذهنيّة العبوديّة و من كافة الإضطهاد - لبوب أفاكيان


شادي الشماوي
الحوار المتمدن - العدد: 6581 - 2020 / 6 / 2 - 00:59
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

بوب أفاكيان ، جريدة " الثورة " عدد 646 ، 4 ماي 2020
https://revcom.us/a/646/bob-avakian-on-emancipation-from-mental-slavery-all-oppression-en.html

في 1863 ، أثناء الحرب الأهليّة ، أصدر أخيرا أبراهام لنكولن " إعلان تحرير العبيد " ، و نتيجة للحرب الأهليّة ، رسميّا وقع تحرير السود من العبوديّة التامة و الجسديّة . لكن السؤال اليوم هو : متى و كيف سيتحرّر السود في النهاية من كافة أشكال العبوديّة و الإضطهاد ؟ و هذا يثير سؤالا مباشرا كبيرا : متى سيحرّر السود بصفة نهائيّة أنفسهم من ذهنيّة عبوديّة الدين ؟
لقد رأينا إمكانيّة عالم دون إضطهاد وقع التعبير عنها بقوّة في الماضي غير البعيد جدّا ، إبّان النهوض الراديكالي الذى جدّ داخل هذه البلاد و عبر العالم خلال ستّينات القرن العشرين و بدايات سبعيناته . (1) صلب هذه البلاد ، كان نضال السود في مقدّمة كلّ هذا ، و مع تحوّل النضال إلى نضال أكثر راديكاليّة ى تعارض مع النظام نفسه ، و جماعات كحزب الفهود السود ، مدفوعة بنفاذ صبر و جرأة شباب السود ، نمت و كبست تأثيرا ، و مارست دورا متقدّما في نضال السود من اجل التحرّر ، دورا حتّى أكثر إيجابيّة و قوّة . و كجزء هام جدّأ من القناعة المنتشرة و القويّة بأنّه لم يكن من الضروري فقط بل أيضا من الممكن وضع نهاية للكابوس الذى ساد لفترة طويلة جدّا :
" في صفوف السود – الذين يُقال لنا على الدوام أنّهم مجرّد نوع من ورثة الدين – وُجد إبتعاد كبير عن الدين ، لا سيما ضمن الشباب . لماذا ؟ لأنّ الناس كانوا يزخرون أملا ، و لم يكونوا يعتقدون أنّه لا أمل في عالم أفضل . كانوا ممتلئين أملا في عالم أفضل يتمّ إنشاؤه في هذا العالم بالذات . و من ثمّة ، ضمن السود ، وُجد ، من جهة الشباب بوجه خاص ، إبتعاد كبير عن الدين و عن كافة التقاليد القديمة التي كانت تلازم الدين و كانت تأثيراتها محافظة تشدّ إلى الوراء . " (2)
الحقائق القاسية ، الحقائق التحريريّة
لكن الرجاء الكبير في النهوض الراديكالي لستّينات القرن الماضي ،و الآمال التي غذّاها ، لم تتحقّق – جوهريّا لأنّ الأمور لم تمض تماما نحو ثورة فعليّة . و طوال العقود مذّاك ، من خلال سياسة واعية شجّعت السلطات الحاكمة نموّ فئة أكثر برجوازيّة و برجوازيّة صغيرة ضمن السود ، بينما في الوقت نفسه ، جرى الحفاظ على و أسر جماهير السود في ظروف حرمان و إضطهاد و قمع خبيث فنجم عن ذلك هذا الواقع المرير :
" فى صفوف جماهير الشعب الأساسيّة ، بمن فيها السود ( ليس فئة الطبقة الوسطى الأكثر تطويرا جرّاء السياسة الواعية للطبقة الحاكمة ، بل جماهير المضطهَدين ) ، وُجد قدر كبير من اليأس و الشعور بالهزيمة كما تمّ إدخال ( بما في ذلك عبر السياسات و الأعمال المتعمّدة للطبقة الحاكمة ) لكمّيات ضخمة من المخدّرات ففاقم ظروف اليأس لدى الجماهير الأساسيّة و زاد في تعزيز الإحباط . كان الكثير من الناس يموتون أو يحوّلون إلى أشقياء منكسرين بفعل التوجّه إلى المخدّرات نتيجة اليأس ، و غياب الأمل ، أو الموت ، بالمعنى المباشر ، للأمل الذى ألهم عددا كبيرا جدّا من الناس ، على أساس واقعي ، طوال مسار تمرّد ستّينات القرن العشرين ، الذى تراجع الآن و تمّ تغييره . و صارت هذه الوضعيّة أكثر يأسا و إحباطا حتّى مع نموّ العصابات في غيتوات و أحياء هذه البلاد ( و كذلك عالميّا ) مع إنجذاب الشباب إلى العصابات في ظروف الحرمان و القنوط المتناميين و ما كان بالنسبة للغالبيّة وهم التحوّل إلى أثرياء ، بتوجّه " إمّا أن تصبح ثريّا أو تمت و أنت تسعى إلى ذلك "، توجّه غذّاه نموّ تجارة المخدّرات و تأثير الثقافة الفاسدة التي تروّج عبر المجتمع و التي شجّعت و مدحت إستغلال الغير و إخضاعه كوسيلة للتحوّل إلى شيء كبير سواء في علاقة بوال ستريت أم على الصعيد العالمي ، أم في شوارع الجوار في المدن الداخليّة ." (3)
و إزاء كلّ هذا ، وسط اليأس القاتل ، وُجد ، من جانب أعداد كبيرة من السود ، تراجع نحو الدين . و غالبا ما يُزعم أنّ الدين هو الذى سمح للسود بالتحمّل و المثابرة عبر كلّ هذه التجارب و المحن ، - فظائع حقيقيّة جدّا – تعرّوا لها خلال حياتهم في أمريكا ،و يظلّ الحال اليوم على ما كان عليه . بيد أنّ هذا منطق إنهزامي يستند إلى الفرضيّة الكامنة ( المعلنة أو الضمنيّة ) بانّ النظام سيظلّ في الأساس كما كان و بأنّ السود سيظلّون مهانين وضحيّة التمييز العنصري و الإضطهاد و التعنيف و الترهيب ،و أفضل ما يمكن الأمل فيه هو نوعا من البقاء على قيد الحياة و الإجتهاد للنجاح عبر كلّ هذا – أو إذا عانيتم في هذه الحياة " ستنالون العدل مع الإلاه " أو سلّموا أمركم إلى الإلاه ، ستُجازون في " حياة لاحقة " .
و مرّة أخرى ، المسألة تُطرح بحدّة : كيف يمكن للسود التحرّر في النهاية و بكل تام من قرون من الإضطهاد ، و كيف يرتبط هذا بوضع نهاية لكافة الإضطهاد ، إضطهاد كافة الناس ، في كلّ مكان ؟
و الجواب هو انّ إمكانيّة تحقّق هذا إمكانيّة واقعيّة ، لكن لا يمكن تحويل الإمكانيّة إلى واقع إلاّ على أساس مقاربة علميّة لتغيير العالم و الفهم الراسخ علميّا بأنّ هذا الإضطهاد متجذّر في و ناجم عن النظام الرأسمالي – الإمبريالي – نفس النظام الذى يستغلّ بخبث و يضطهد إضطهادا مميتاا الشعوب ليس في هذه البلاد فحسب بل عبر العالم وهو يدمّر البيئة الطبيعيّة – و هذا النظام يجب و يمكن أن نطيح به بواسطة ثورة فعليّة و تعويضه بنظام مختلف راديكاليّا و أفضل بكثير : الإشتراكيّة و هدفها الأسمى عالم شيوعيّ ، دون أي إضطهاد و إستغلال لأيّ كان ، في أيّ مكان .
و مثلما وضعت ذلك ، معبّرا عن حقيقة بسيطة و أساسيّة :
" بالمعنى الجوهري ، أمامنا خياران : إمّا التعايش مع كلّ هذا - و الحكم على الأجيال القادمة بالشيء نفسه ، أو أسوأ منه، إن كان لها مستقبل أصلا ، و إمّا القيام بالثورة ! " (4)
و في إرتباط بهذا ، تحدّثت أيضا عن هذه الحقيقة العميقة :
" هناك إمكانيّة ظهور شيء جميل غير مسبوق من القبح الذى لا يوصف : أن ينهض السود بدور حيويّ في وضع نهاية أخيرا و بعد زمن طويل ، لهذا النظام الذى لوقت مديد لم يستغلّهم و حسب بل نزع منهم إنسانيّتهم و بثّ في قلوبهم الرعب و عذّبهم بالف طريقة و طريقة – وضع نهاية لهذا بالوسيلة الوحيدة الممكنة – بالقتال من أجل تحرير الإنسانيّة ، من أجل وضع نهاية لليل الطويل كان فيه المجتمع الإنساني منقسما إلى سادة و عبيد ، و كانت جماهير الإنسانيّة تُجلد بالسوط و تعنّف و تغتصب و تقتل و تسجن و تكبّل و تكفّن في الجهل و البؤس .(5)
لكن إليكم الأمر بطريقة أخرى ، بالمعنى الجوهري ، ثمّة خياران : إمّا التمسّك بالذهنيّة العبوديّة للدين والبقاء مضطهَدين، و إمّا التخلّص من سلاسل الذهنيّة الدينيّة – بينما يتمّ النهوض للقتال بفرصة حقيقيّة للتحرّر في النهاية و تماما ، بوضع حدّ لكافة الإضطهاد و الإستغلال .
و قد يبدو أنّ الدين يقدّم العزاء في وجه الإضطهاد و المعاناة الذين يضطرّون إلى تحمّلها ، أو يجعل الناس يشعرون بأنه مع الدين يبتعدون عن " الخطأ " – أو حتّى إن " أخطأوا " ، يظلّ لديهم بعض القيمة . و من الصحيح أنّه بالنسبة لبعض الناس ، وجهات نظرهم الدينيّة تحرّكهم لقتال أشكال متنوّعة من الإضطهاد ، و عديد الناس الذين يقاربون الأشياء من موقف ديني يملكون نظرات ثاقبة و معرفة من المهمّ بحثها و التعلّم منها . لكن كذلك صحيح ، كطريقة تفكير و مرشد عمل ، يقوم الدين على إختراع كائنات فوق الطبيعة ليست موجودة بل يُقال إنّها تشكّل في نهاية المطاف و تتحكّم في الواقع ، بما في ذلك مصير البشر . إنّ الدين يدعو الناس إلى الخضوع لكائنات فوق الطبيعة ( أو إلى سلطات إنسانيّة جدّا تتحدّث باسم هذه الكائنات فوق الطبيعة الخياليّة ) و إلى إتّباع كتب مقدّسة في الواقع لا تقود إلى وضع نهاية للإضطهاد بل تشجّع عمليّا و تعزّز كافة أنواع الإخضاع و الفظائع . ( و هذا شيء بيّنته إعتمادا على أمثلة ملموسة في كتاب " لنتخلّص من كافة الآلهة ! تحرير العقول و تغيير العالم تغييرا راديكاليّا " ، بوجه خاص في ما يتّصل بالأديان التوحيديّة الثلاثة : اليهوديّة و المسيحيّة و الإسلام (6). ) و على هذا النحو يقف الدين في تعارض مباشر مع تبنّى مقاربة علميّة صريحة لفهم الواقع و خوض قتال راسخ علميّا قصد وضع نهاية للإضطهاد كافة .
لهذا السلط القائمة ، التي يقوم وجودها و تقوم ثروتها و سلطاتها بالذات على الإضطهاد و الإستغلال ـ تشجّع بإستمرار الدين . و لهذا شجّع ملاّكو العبيد أنفسهم الذين منعوا السود من تعلّم القراءة ( وكانوا يعقبون بشدّة الذين يتعلّمون القراءة )، شجّعوا بنشاط عبيدهم على إتّباع الدين و الركوع في الصلاة . و لهذا ، اليوم ، تتمسّك السلط الحاكمة في هذه البلاد تمسّكا شديدا بتوفير أرضيّة و مجال للسود أيّا كانوا الذين لديهم نزعة نحو الإنخراط بحماس في " كلام اللّه " . و قد يكون من المؤلم سماع هذا ، لكن المسألة هي : هل هذا صحيح أم لا ؟ فكّروا مليّا في الأمر .
و لا يجوز و ليس مبدئيّا – و لا ينبغي أن يسعى أبدا أي إمرء إلى فعل ذلك – أن يُجبر الناس على التخلّى عن عقائدهم في أي وقت كان . بالمعنى الأكثر جوهريّة ، التحرّر – من أيّ شكل من أشكال العبوديّة و الإضطهاد – يجب أن يكون عملا طوعيّا و واعيا من طرف الناس . غير أنّه ثمّة حاجة وأهمّية لخوض صراع إيديولوجي، بطريقة مبدئيّة لكن بالحدّ اللازمة، لكسب الناس لتبنّى مقاربة علميّة لفهم العالم و تغييره و إحداث قطيعة مع طرق التفكير التي تساهم عمليّا في الإبقاء عليهم ، هم و غيرهم في وضع إضطهاد .
و مجدّدا ، من الصحيح أنّ عديد الناس المتديّنين يشاركون الآن في نضالات هامة ضد الإضطهاد ؛ و صحيح كذلك أنّ عديد الناس المتديّنين سيكونون ضمن الملايين التي تساهم في الثورة للتخلّص من كامل هذا النظام الإضطهادي . بيد أنّ هذه الثورة و هذا النضال المستمرّ لوضع نهاية لكافة الإضطهاد و تحقيق تحرير حقيقيّ و كامل ، يجب أن يقودهما أولئك الذين، من ضمن الأكثر إضطهادا ، و آخرون أيضا ، تبنّوا مقاربة علمية لتغيير العالم و تخلّصوا من الذهنيّة العبوديّة للدين ، و من كلّ الطرق الأخرى من التفكير التي تشجّع على أو على ألقلّ تعقلن و موضوعيّا تبرّر الإضطهاد .
و حقيقة مريرة هي :
" إنّ المضطهَدين الذين لا يقدرون أو لا يرغبون فى مواجهة الواقع كما هو فعليّا محكوم عليهم بأن يبقوا مستعبَدين و مضطهَدين . " (7)
لكن حقيقة تحريريّة ، حتّى أكثر من سابقتها ، هي :
" مفهوم الإلاه أو الآلهة خلقه البشر فى طفولتهم نتيجة الجهل . و قد أبّدته الطبقات الحاكمة لآلاف السنين مذّاك خدمة لمصالحها فى إستغلال غالبية الناس و السيطرة عليهم و إبقائهم عبيد الجهل و اللاعقلانية .
و إنشاء عالم و مستقبل جديدين و أفضل بكثير بالنسبة للإنسانية يعنى الإطاحة بهكذا طبقات مستغِلّة و التحرّر من مثل هذا الجهل و اللاعقلانية الإستعباديين و تجاوزهما . " (8)
-----------------------------------------------------------------
هوامش المقال :
1. In HOPE FOR HUMANITY ON A SCIENTIFIC BASIS, Breaking with Individualism, Parasitism and American Chauvinism (available at revcom.us), Bob Avakian speaks to this major change taking place during the 1960s:
In the 1960s, masses of people all over the world, including in this country, were filled with hope and determination about the prospect of bringing into being a radically different and better world. Throughout the Third World, there were liberation struggles aimed at throwing off the yoke of colonial oppression that had been imposed on them for decades, generations and even centuries. And in the imperialist countries themselves—including, in particular, the U.S.—the generation that came of age in the 1960s had both the understanding of the need and a real belief in the possibility of bringing a radically different and better world into being, and was not interested in hearing all the arguments about why things had to be the way they are.
2. HOPE FOR HUMANITY ON A SCIENTIFIC BASIS.
In Bob Avakian Responds to Mark Rudd on the Lessons of the 1960s and the Need for an Actual Revolution (available at revcom.us), this point is emphasized:
in moving from the-limit-ations of the civil rights movement to the more advanced position of demanding Black liberation and linking this with liberation struggles in the Third World, those Black revolutionaries exerted a powerful positive force in influencing the movements of those times, including among educated youth, toward a more revolutionary orientation, even as that orientation was (in the parlance of those times) a “mixed bag,” involving a complex of conflicting tendencies, including the revolutionary communism that was coming from China as well as various revolutionary nationalist and other contradictory trends.
3. HOPE FOR HUMANITY ON A SCIENTIFIC BASIS.
4. In the speech Why We Need An Actual Revolution And How We Can Really Make Revolution, from which this quote is drawn, Bob Avakian speaks to those crucial questions. The text and video of this speech are available at revcom.us. And in the Constitution for the New Socialist Republic in North America, authored by Bob Avakian, (available at revcom.us) there is a sweeping vision and a concrete blue-print- for a socialist society aiming for the final goal of communism throughout the world.
5. This statement, along with other works by Bob Avakian speaking to the oppression of Black people and the road to their full emancipation, is available at revcom.us.
6. Bob Avakian, Away With All Gods! Unchaining the Mind and Radically Changing the World, Insight Press, 2008.
7. BAsics 4:1 (BAsics, from the talks and writings of Bob Avakian).
8. BAsics 4:17, emphasis added.
------------------------------------------------------------------------------------------------------------