الكارثة الاجتماعية القادمة وكيف نواجهها. بقلم، سليم نعمان (كاتب بجريدة المناضل-ة الموقوفة)


المناضل-ة
الحوار المتمدن - العدد: 6579 - 2020 / 5 / 31 - 17:30
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

أثّرت حالة الطوارئ الصحية بصورة كبيرة على قسم عظيم من المقاولات، أزيد من نصف عددها الإجمالي، وقرابة مليون عامل-ة متوقف- ة عن العمل. إنه وضع غير مسبوق ينذر بارتفاع مهول للبطالة الجماهيرية القائمة، خاصة وسط الشباب والنساء. ملايين أخرى من عمال المغرب وعاملاته بالقطاع غير المهيكل لفظتهم المؤسسات حيت يشتغلون بلا حقوق وبأجور البؤس... وملايين أخرى تعيش باليومي لتدبر سبل العيش، من حرفيين، وباعة بالتجوال... صارت بلا دخل. اجمالا الكل بلا مدخرات ولا دخل... إنها كارثة اجتماعية هائلة ماثلة بالفعل أمامنا، والقادم أسوأ إن لم نتصَدَّ له.
اُلحِقت ملايين العمال-ات حاليا بجيش العاطلين-ات، وتَحَقَّقَ معنى القول "جماهير عريضة لم يعد لديها ما تخسره" وهي بين خيارين: إما الجوع أو كوفيد 19. وبما أن تفجر السخط العمالي والشعبي صعبُ التوقع عادة، فإن وجوده بات جليا، وسيجد لا محالة أسباب تفجره في أشكال جماهيرية تُحيِي ما شهدناه مؤخرا بالريف وجرادة واضرابات شغيلة التعليم وتظاهرات التلاميذ، ونضالات حركة العشرين من فبراير 2011، ويُحتمل أن تكون أوسع نطاقا وأشدّ قتالية بالنظر لهول الكارثة التي كشفها انتشار الفيروس وغياب مقومات أساسية للصمود بوجهه جرّاء سياسات نيوليبرالية تقشفية صارمة دامت عقودا دون أن تؤتي الوعود التي أطلقتها الدولة وأصرت على أنها تستدعي تضحيات، أكلها الموعود.
ساهمت الدولة، بسياساتها تلك، في تدمير مقومات الصمود أمام الوباء، كما انكشفت رداءة تدبيرها للأزمة وفساده، بوجود صندوق ب 35 مليار درهم. بدأت الجماهير بالتحرك ضد هذا التدبير السيئ، الوفي لكل أشكال المحسوبية والزبونية والخلل والفساد المألوفة. برزت احتجاجات هنا وهناك، ببعض القرى والمدن والضواحي، منددة بمنتخبين وأعوان سلطة وبالإقصاء من الاستفادة المقررة للمعوزين، وشهدنا كيف تعاملت السلطة بقسوة وبـ "مخزنية" مقيتة مع محتجين ومحتجات، ما أدى إلى وفاة مواطن مقهور بمنطقة الصهريح بسبب اقصائه من ذلك الفتات المسمى دعما.
وفي هذا السياق، يجري الحديث عن رفعٍ تدريجي للحجر. طبعا لن يستمر الحجر إلى ما لا نهاية، لكن مستلزماته وشروط رفعه لا تعتزم دولة أرباب العمل توفيرها، ما يؤكده بوضوح الظهور المتواتر لبؤر وبائية صناعية وعائلية... زد على ذلك أن الأزمة ستطول، إذ لا يكفي رفع الحجر لاستعادة الحياة العادية، فلن يتمكن قسم هام من العمال والعاملات الرسميين من استعادة مناصب شغلهم، وقسم أكثر أهمية ممن يعملون ويعملن بالقطاع غير المهيكل لن يستعيدوها أيضا، وجماهير واسعة من المفقرين أصلا سيجدون صعوبة في مواصلة البقاء على قيد الحياة.
تهدد الأزمة الاقتصادية التجارة الخارجية، وهي متوقفة إلى حد كبير، والسياحة العالمية أكبر المتضررين، وتحويلات المغتربين في تراجع حاد، والاستثمارات الأجنبية تشهد مراجعة نحو إعادة توطين بالبلدان الأصلية أو بأماكن مجزية، والغذاء مرجح ارتفاع أسعاره بالأسواق العالمية... إنه وضع يتضافر مع أزمة كوفيد لينتج كارثة عظمى تحل شيئا فشيا بجماهير عاملة ومنتجة تشكل الأغلبية الساحقة للمجتمع.
الدولة ومعها الباطرونا، تهيئان مخرجا لصالح الرأسمال، وستواصلان لبعض الوقت رمي الفتات للمتضررين، لكن الدولة تعوّل أكثر على الضبط القمعي المادي والتشريعي، وقد شهدنا بالفعل جولات من حملة قمعها لفرض الحجر وما نتج عن ذلك من اعتقال للآلاف ممن اضطروا للخروج لتدبر سبل عيشهم، كما أنها كانت على وشك تمرير قانون يقضي على مساحة الحرية المتبقية التي توفرها وسائط التواصل الاجتماعي على النت.
إنه وقت العمل، باستعجال، من أجل وضع خطط بديلة للخروج من الأزمة، والتقدم في بسط لبنات أشكال تنظيم ومقاومة للتصدي لما تعتزم الدولة فعله، وهي الحريصة بشدة على "هيبتها" واستمرار النظام القائم على الاستغلال والاضطهاد. مهمات جسام ملقاة على منظمات نضال الطبقة العاملة الموجودة بالفعل، والأخرى التي يلزم بناؤها، وعلى رأسها مباشرة مبادرات فعل مشترك يسهم في النهوض بمنظمات النضال الطبقي المتنوعة، وفي القلب منها حزب الطبقة العاملة الاشتراكي الثوري.
إنها معركة طبقية طويلة النفس من أجل ديمقراطية شاملة فعلية تسمح بأن يقرر الشعب مصيره بنفسه، ويقرر بسيادة تامة خياراته الاقتصادية والاجتماعية وفقا لحاجاته الأساسية في قطيعة كاملة مناهضة للرأسمالية التابعة والمتخلفة، ومع استبدادها السياسي المزمن. وستكون تلك مهام حكومة عمالية وشعبية حقيقية منتخبة من قبل مجلس تأسيسي سيادي.