الوقوف في الغابة في مساء ثلجي، لروبرت فروست


محمد زكريا توفيق
الحوار المتمدن - العدد: 6571 - 2020 / 5 / 23 - 14:17
المحور: الادب والفن     

روبرت فروست(1987-1963م)، شاعر عميق الفكر وواضح سهل التعبير. لقد ذكرت شيئا عنه في مقال سابق بعنوان "الطريق الذي لم يسلك"، وفي هذا المقال سنناقش قصيدته بعنوان "الوقوف في الغابة في مساء ثلجي".

هذه هي القصيدة كما ترجمها الأستاذ نزار سرطاوي:

مالك هذه الغابة أظنني أعرفه.
لكن بيته في القرية،
لن يراني واقفا هنا
لأشاهد غابته وهي تمتلئ بالثلج.

لابد أن حصاني يستهجن
الوقوف دون وجود بيت مزرعة في الجوار
ما بين الغابة والبحيرة المتجمدة
أحلك مساء في العام.

يهز أجراس سرجه
ليسأل فيما إذا كان هناك التباس.
الصوت الآخر الوحيد هو كنس
الريح اللطيفة وندف الثلج الزغبي.

الغابة جميلة ومظلمة وعميقة،
لكن لدي وعودا علي أن أفي بها،
وأميالا أقطعها قبل أن أنام،
وأميالا أقطعها قبل أن أنام.

القصيدة باللغة الإنجليزية:

Whose woods these are I think I know.
His house is in the village, though:
He will not see me stopping here
To watch his woods fill up with snow

My little horse must think it queer
To stop without a farmhouse near
Between the woods and frozen lake
The darkest evening of the year.

He gives his harness bells a shake
To ask if there is some mistake.
The only other sound’s the sweep
Of easy wind and downy flake.

The woods are lovely, dark, and deep,
But I have promises to keep,
And miles to go before I .
And miles to go before I .




في مساء ليلة شتاء مظلمة، وقف الشاعر لكي يراقب الثلوج وهي تتساقط على غابة في طريق عودته لبيته. في البداية، خشي أن يكون وقوفه هذا، ووجوده على أطراف الغابة، قد يغضب صاحبها.

لكنه تذكر أن مالك الغابة يعيش بعيدا في المدينة، لذلك لا توجد مشكلة في الوقوف بعض الوقت للتمتع بمنظر الثلوج وهي تتساقط على الغابة.

لكن الحصان لم يفهم سلوك صاحبه الغريب، ولم يعجبه وقوفه المفاجئ في هذا المكان الموحش، ووسط تساقط تلك الثلوج. فقام بهز رأسه وشخلل أجراس سرجه للتعبير عن مدى امتعاضه واعتراضه ونفاذ صبره. بعد ذلك بمدة قصيرة، واصل الشاعر طريقة عائدا إلى بيته.

لن تجد أبسط من هذه الكلمات في الشعر كله. المقاطع الصوتية لكل كلمة إنجليزية مستخدمة لا تزيد عن مقطعين. والقصيدة رباعيات، أربعة أقسام، كل قسم أربعة أبيات. ثلاثة منها لها نفس القافية، مع صعوبة الالتزام بذلك في اللغة الإنجليزية.

الموضوع بسيط جدا، ليس به ذكر الحبيبة ورحيلها المفاجئ، أو البكاء على الأطلال والديار الخاوية إلا من بعر الآرام. كما أن القصيدة ليس بها فخر بالقبيلة أو ذم للأعادي والحساد. إنما مجرد وصف لعودة رجل راكبا فرسه، مارا بغابة في أمسية ليلة شتاء مثلجة.

لقد قال فروست يوما معقبا على بساطة كلمات شعره: "أي شئ أكثر من الحقيقة، سيبدو هزيلا." هذا يعني أن تدع الأحداث تتحدث عن نفسها. الروائي الجيد لا يصف أبطال رواياته ويقول هذا طيب وهذا شرير، إنما يجعل أفعالهم وسلوكهم تبين شخصياتهم.

هذه واحدة من أعمال فروست الأكثر شهرة. وغالبا ما يتم تحليل القصيدة إلى تفاصيل دقيقة، أبعد بكثير مما كان يعنيه فروست وقت كتابتها.

في إشارة إلى مثل هذه التحليلات، قال فروست ذات مرة إنه كان منزعجًا من أولئك الذين "يضغطون عليه لكي يفسر أكثر مما ينبغي." هو لا يعني هنا أن تكف عن تحليل الشعر واستخراج ما به من معان، ولكن، لا تسأله فهو لا يعرف.

إنما جاءه الشعر هكذا وسقط عليه من السماء. الشعر هو لغة العقل الباطن. كتب هذه القصيدة في أقل من 20 دقيقة بدون تفكير. لقد فعل ما يجب فعله وألقى بالحجر في البركة. وعلى النقاد والقراء تتبع ما يحدثه هذا الحجر من تموجات. ومن يدري متى تختفي آخر موجة.

استلهم فروست القصيدة من شتاء صعب بشكل خاص في نيو هامبشير أثاء عودته إلى المنزل بعد رحلة غير ناجحة في السوق. إدراكا ً أنه لم يكن لديه ما يكفي من نقود لشراء هدايا عيد الميلاد لأطفاله.

كان فروست مكتئبا للغاية، فأوقف حصانه عند منعطف في الطريق من أجل البكاء. بعد بضع دقائق، هز الحصان رأسه وشخلل أجراس سرجه لكي يحثه على مواصلة السير. بعد بكاء فروست، شعر براحة، فواصل المسير إلى بيته.

القصيدة لا تبين أعباء فروست المالية والعاطفية. لكن لا يزال بها الشعور بالمسئولية. إنه هنا يود مشاهدة تساقط الثلوج في الغابة، حتى مع نفاد صبر حصانه، لكن لديه "وعود بالوفاء" تجبره على مواصلة السير. وهي التزامات لا يستطيع الفكاك منها أو تجاهلها حتى لو أراد ذلك.

لكن، ما هي هذه الالتزامات المحددة؟ وهل الطريق الذي سلكه الشاعر، يمثل طريق الحياة؟ وعندما يقول "قبل أن أنام" فهل يعني هذا، قبل النوم الأبدي؟ أي الموت. وما معنى "الغابة جميلة ومظلمة وعميقة"؟ هل هي رغبة كامنة في الموت؟

تكرار البيت الأخير يمكن تفسيره بعدة طرق. من ناحية، هو يخبرنا بأن لديه مسؤوليات يود الوفاء بها. التكرار هنا بمثابة تذكير، أو تعويذة، تحميه من النسيان. كما لو أنه سيبقى في الغابة ما لم يجبر نفسه على تذكر مسؤولياته.

من ناحية أخرى، يمكن أن يكون البيت المتكرر إشارة إلى أن الشاعر بدأ يشعر بالنعاس وقرص البرد، مما جعله يكرر آخر بيت كألة الفونوغراف. أنه إن لم يترك الغابة في الحال سوف يتجمد من البرد. لكنه لا يريد أن يموت قبل أن يفي بمسؤولياته. قبل من؟ قبل عائلته أم وطنه أم الإنسانية؟ وهذه هي وظيفة الشعر الجيد.