صفحات من تاريخ الحركة النقابية العربية الفلسطينية: في الذكرى ال 75 لتأسيس -اتحاد النقابات العالمي- (2)


جهاد عقل
الحوار المتمدن - العدد: 6565 - 2020 / 5 / 16 - 01:22
المحور: الحركة العمالية والنقابية     



شكل الاتحاد السوفييتي في عشرينيات القرن الماضي القوة الداعمة للطبقة العاملة في العالم، وبدأت تحدث نقاشات قوية في التجمعات النقابية، تطالب باتخاذ انتصار الطبقة العاملة السوفييتية على قوى رأس المال كمثال يجب أن تحتذي به النقابات في نضالها ضد قوى الاستبداد الرأسمالي، مثل هذا النقاش حدث أيضًا في صفوف النقابات الإنجليزية، واستطاع التيار اليساري في صفوف هذه النقابات تنفيذ مطلبه بضرورة التعاون مع النقابات السوفييتية، بل وتقديم الدعم لها في دولتها الاشتراكية الفتية.



على ضوء ذلك بدأت في عشرينيات القرن الماضي محادثات بين كل من النقابات الإنجليزية والمجلس المركزي لنقابات عموم الاتحاد السوفييتي، من أجل تشكيل قوة نقابية عمالية عالمية. انبثق عن هذه المحادثات اجتماع بين القيادتين عُقد في لندن أيام 6 و7و8 نيسان/ أبريل 1925، جرى خلاله بحث التعاون المشترك، في تقرير لمجلة "حيفا" اليسارية وبعددها السابع عشر الصادر بتاريخ 14/5/1925، كتبت تحت عنوان "خطوة كبيرة في سبيل اتحاد النقابات في العالم": ” إنّ في العالم هيئتين كبيرتين، تسعى كل واحدة منهما لجمع نقابات العمال في كل البلدان، في اتحاد دولي عام، تُدعى أحدهما اتحاد أمستردام والثانية الاتحاد الأحمر لنقابات العمال، فالعمال إذن منقسمون إلى فريقين كبيرين، وهم يعانون ألم هذا الانقسام عناءً شديدًا.”



- تشكيل اللجنة وبيان ضد الرأسمالية



تنقل المجلة تفاصيل الاجتماع ما بين الوفدين النقابيين لكل من "العمال الإنجليز والروس حيث تباحث المجتمعون في توحيد صفوف العمال في العالم". ومن المعروف أن كل جانب يتبع لقوة نقابية من القوتين أعلاه، وتنقل المجلة القرارات، وأهم ما انبثق عن الاجتماع، ألا وهو تشكيل "اللجنة النقابية الأنجلو – روسية"، كما وتم التأكيد في المادة الأولى من قرارات المؤتمر الثمانية ضرورة العمل على تشكيل اتحاد نقابات عالمي "لأن تشكيل هذا الإتحاد يمكن تنظيمات العمال من الثبات أمام هجمات أصحاب العمل".



كما نصت المادة الثانية من القرارات على "الحالة السياسية في جميع البلدان التي تمتاز بانتصار الرجعية وبازدياد قوى الرأسمالية المتحدة". وفي المادة الثالثة جاء: ”إن الرأسماليين يؤلفون في الأمور الاقتصادية جبهة واحدة متحدة في جميع البلدان وذلك لاستثمار عمال العالم، على أن العمال لا يزالون غير متحدين، بل منقسمون إلى فرق متعادية تقاوم الفرقة منهم الأخرى بدلًا من أن يتحدوا ليدافعوا عن أنفسهم ويقاوموا هجمات الرأسمال …”. كما تتناول القرارات 4-7 تشخيص أوضاع الطبقة العاملة وتراجع إنجازاتها بعد الحرب العالمية الاولى، وتدهور أوضاع العمال والتراجع في أجورهم وفقدان الأمل الذي زرعه الساسة في نفوس العمال أثناء الحرب (العالمية الاولى).





- ضد الحرب ومن أجل السلام وتنظيم الطبقة العاملة في العالم



أما المادة الثامنة من القرارات فقد تم التأكيد فيها: ”أنه توجد قوة واحدة في العالم يمكنها أن تخلص البشرية من العودة ثانية إلى نكبات الحرب المروعة، قوة واحدة يمكنها أن تنجي الطبقة العاملة من جميع البلدان من الضغط الاقتصادي والسياسي، قوة واحدة يمكنها أن تقود الإنسانية نحو الحرية والسعادة والسلامة، وهذه القوة هي الطبقة العاملة المُنَظّمة تَنظيمًا حسنًا، والمصمّمة على مقاومة من يعارض تحريرها… إن الطبقة العاملة المتحدة اتحادًا وطنيًا ودوليًا تؤلف قوة هائلة لمقاومة الضغط الرأسمالي وضمانًا كافيًا للسلام والاطمئنان الاقتصادي، ويمكن العمال أن يتغلبوا على كل من يزرع بذور الشقاق بينهم ”.





إضافة إلى هذه القرارات التي تكاد تكون لغة الحركة النقابية في يومنا هذا، تم وضع آلية تثبيت العلاقات بين المجلس العام لاتحاد النقابات الإنجليزية والمجلس المركزي لنقابات عموم الاتحاد السوفييتي ضمن تشكيل "اللجنة النقابية الإنجليزية الروسية" مؤلفة من رئيس وسكرتير وثلاثة أعضاء عن كل فريق. وأن تجتمع بشكل دوري في كل من موسكو ولندن.

لقد نتج عن هذا الاجتماع فتح قنوات تعاون بين القطبين النقابيين، بهدف الوصول إلى تأسيس "اتحاد النقابات العالمي"، استمر نشاط هذه اللجنة والعلاقات الحميمة التي قام خلالها إتحاد نقابات إنجلترا بتقديم العديد من المساعدات لرفاقهم من الدولة الفتية الاتحاد السوفييتي، حتى تجمدت مع نهاية العام 1927، على ما يبدو بسبب ضغوط مارستها النقابات الإصلاحية المنضوية تحت كنف قوى رأس المال.





-الحرب العالمية الثانية وعودة جديدة للتعاون المشترك



لم تثن أحداث الحرب العالمية الثانية المجلس المركزي لنقابات عموم الاتحاد السوفييتي عن مواصلة نشاطه النقابي المحلي والدولي، وكما ذكرنا في الحلقة السابقة ووفق قرارات مؤتمرات كل من اتحاد النقابات الإنجليزية والسوفييتية، إلى إعادة نشاط "اللجنة النقابية الأنجلو – سوفييتية" باسمها الجديد، وذلك من أجل العودة إلى العمل المشترك والتعاون النقابي والعمالي بهدف تحقيق النصر على النازية خاصة، وترسيخ أسس التعاون الطبقي الأممي، بالرغم من أن عمال الإتحاد السوفييتي والطبقة العاملة بقيادتها البروليتارية كانوا يعيشون ظروف قاسية في مواجهة الهجوم الألماني وحلفائه، كما أثار موقف النقابات السوفييتية وصمودها في القيام بقيادة العمل في مختلف مناحي الحياة من أجل توفير متطلبات المعركة العسكرية والمدنية في الحرب الوطنية العظمى، استمرارًا للاتصالات التحضيرية عقد اجتماع نقابي للجنة النقابية الأنجلو – سوفييتية يوم 15 تشرين أول/ أكتوبر 1941 في موسكو وتم تحديد جدول اعمل لهذا الاجتماع كالتالي:

* تقديم بلاغ من الوفد الإنجليزي حول الأدوية التي أرسلها العمال الإنجليز إلى الاتحاد السوفييتي.

* وضع الأهداف لعمل اللجنة النقابية الأنجلو – سوفييتية (الروسية باسمها السابق).

* مناقشة تسمية اللجنة.



بعد افتتاح الاجتماع والترحيب من قبل المضيفين، قام رئيس الوفد الإنجليزي النقابي والتر سيترين (كان قد زار فلسطين) ورفاقه بالتعبير عن تقديرهم باسم الطبقة العاملة الإنجليزية للنضال الذي تخوضه شعوب الإتحاد السوفيتي ضد "الغزاة الهتلريين، وعن استعدادها لتقدم لها المساعدة المعنوية والمادية"، وأكّد على أن النقابات الإنجليزية تهدف في اقتراحها إعادة تشكيل لجنة نقابية انجليزية – سوفييتية، إلى إقامة "اتصالات أوثق مع النقابات السوفييتية في النضال المشترك من أجل إلحاق الهزيمة بألمانيا الهتلرية، وضمان التبادل المنتظم للمعلومات بينهما".



- الوفد السوفييتي: التعاون ضد قوى العدوان ومن أجل بناء اتحاد نقابي عالمي





في كلمته ركز القائد النقابي السوفييتي شفيرنك رئيس الوفد النقابي السوفيتي على مهام اللجنة النقابية الأنجلو – سوفييتية ومنها: "ضرورة توحيد جهود جميع البلدان الديمقراطية ضد الفاشية" وقدم العديد من الاقتراحات التي يجب أو يتوقع أن تقوم بها النقابات من أجل: "زيادة الإنتاج الحربي" و"تقوية المساعدة العسكرية للاتحاد السوفييتي" (كان هذا الاقتراح بمثابة توجيه انتقاد للنقابات الإنجليزية التي قامت بإعلان حملة إضرابات خلال الحرب الأمر الذي اعتبره الجانب النقابي السوفييتي ضربة للمجهود الحربي ضد النازية)، وتم صياغة الاقتراح السوفييتي في ثماني نقاط أيضًا، وافق عليها الوفد الإنجليزي، وأعيد تشكيل اللجنة باسم "اللجنة النقابية الأنجلو سوفييتية "وتم الاتفاق على تسمية أعضائها خمسة عن كل طرف، وفقًا للقرار من العام 1925.



في اجتماعها ضمن الدورة الثانية للجنة النقابية الأنجلو – سوفييتية الذي عقد في لندن، وانطلاقًا من إيمانه بضرورة تشكيل وحدة نقابية قوية، اقترح الوفد السوفييتي، ضرورة قيام اللجنة بفتح حوار مع "فيدرالية العمل الأمريكية"، التشكيل النقابي الأمريكي وضمّها إلى اللجنة وفقًا لقرارات دورة موسكو السابقة، والتي نصّت على ضرورة توسيع التحالف النقابي العالمي، من جانبه اقترح والتر سيترين رئيس النقابات الإنجليزية أنه سيقوم بالعمل "في هذا الاتجاه باسم اللجنة النقابية الانجلو – سوفييتية مع اللجنة التنفيذية لفيدرالية العمل الأمريكية"، وافق الوفد السوفييتي على الاقتراح، آخذًا بعين الاعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية تمنع دخول ممثلي النقابات السوفييتية إلى أراضيها، ضمن معاداتها وحربها ضد الشيوعية، انطلاقًا من هذا العداء وبعد توجه سيترين إلى الجانب الأمريكي، لم يوافق الأخير على الاقتراح، وقام الجانب الإنجليزي بتشكيل لجنة نقابية إنجليزية أمريكية. الأمر الذي يعتبر تراجعًا في الموقف الإنجليزي.



-مواصلة الجهود لتشكيل الاتحاد النقابي العالمي



دور النقابات السوفييتية على الصعيد المحلي في تقديم المجهود من أجل تحقيق النصر على ألمانيا النازية ودول المحور، كان قياديًا وبارزًا، كما أكدنا ذلك، من خلال قيام ممثلي النقابات والبروليتاريا السوفييتية بقيادة العمل في المصانع وغيرها، من أجل توفير كلّ ما يحتاجه الجيش الأحمر من عتاد ومؤن وغيرها من مستلزمات المعركة، حيث كان الممثل النقابي في المصانع وغيرها الدينامو المحرك وعليه تقع مسؤولية تطوير ورفع وتيرة الإنتاج لحاجات الجيش في المعركة، تظهر هذه المسؤولية في مختلف الأدبيات السوفييتية مثل رواية "آل جوربين" وغيرها. إلا أن هذا الدور المركزي الذي أدارته القيادة النقابية لم يوقف نشاط النقابات السوفييتية عن مواصلة العمل لتحقيق هدفها من أجل توحيد الحركة النقابية العالمية، أي الطبقة العاملة، لتصبح قوة ضاربه في وجه الرأسمالية.



ضمن هذه الجهود أصدرت النقابات السوفييتية في العام 1943 مجلة نقابية باسم "الحرب والطبقة العاملة" لتكون ناطقة باسمها، من أجل العمل والمساعدة على تحقيق بناء الوحدة النقابية الدولية، في عدد لهذه المجلة نشر مقال بعنوان "الحرب والنقابات" تطرّق كاتبه إلى موضوع "اللجنة النقابية الأنجلو – سوفييتية" طرح من خلاله آفاق جديدة، أي أن تجري عملية تنشيط للجنة "لكي تصبح مركز جاذبية للحركة النقابية، في جميع البلدان الديمقراطية"، وأن قضية توحيد الحركة النقابية ليس فقط في فترة الحرب من أجل تحقيق النصر على النازية ودول المحور، بل من أجل "حل مشاكل ما بعد الحرب" .



من أجل العمل على تحقيق الوحدة النقابية العالمية، فتحت المجلة صفحاتها أمام العديد من النقابيين من مختلف أنحاء العالم وفي مقدمتهم قادة إتحاد نقابات إنجلترا الذين ساهموا بنشر مقالات لهم حول هذا الموضوع وغيره.



(في الحلقة القادمة دورة الخلافات، وبدء العمل على تشكيل اتحاد النقابات العالمي، والاستعداد لعقد المؤتمر التحضيري)