منظور ماركسي لفلسفة التشريع


طلال الربيعي
الحوار المتمدن - العدد: 6564 - 2020 / 5 / 15 - 22:36
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات     

ادناه ترجمتي لاستعراض كتاب
Evgeny Pashukanis, A Critical Reappraisal
(إيفجيني باشوكانيس ، إعادة تقييم نقدي )
لمؤلفه Michael Head
(مايكل هيد أستاذ القانون بجامعة ويسترن سيدني في استراليا).
A Marxist perspective on jurisprudence
https://www.wsws.org/en/articles/2008/11/pash-n26.html?fbclid=IwAR0R2fPVlyXsAAWglJ0PMuv1utzM6CF6u8k5EVHYV9jEythiZVrNchGMRiU-
------------

لا يمكن فهم حالة فساد البورجوازية ، التي تتجلى بحدة في انحراف القانون الدستوري والتدمير المنهجي للحقوق الديمقراطية ، إلا من خلال تحليل القانون في تطوره التاريخي على أساس اجتماعي واقتصادي دائم التغير.

مثل هذا النهج غير موجود تقريبًا في الأوساط الأكاديمية القانونية. بدلاً من ذلك ، يهيمن على الأوساط الأكاديمية التوجه التجريبي المتعاظم والقائم على الممارسة والذي يتميز بالدراسة الدقيقة للحالات الفردية ، المنفصلة إلى حد كبير عن التاريخ والسياسة والواقع الاجتماعي الحالي وحتى القانون الدولي الذي يعالج نفس الموضوعات. في معظم مكتبات القانون الجامعي اليوم ، من الصعوبة بمكان على المرء العثور على أي معالجة جادة لأصول وتطور ما اعتبر عمليا "قواعد القانون".

في هذا الجو المغلق ، يسلط كتاب مايكل هيد "إيفجيني باشوكانيس، إعادة تقييم نقدية" الضوء على واحدة من أهم النظريات القانونية الناتجة من "التجربة الأكثر جرأة والأكثر تأثيرا في القرن العشرين" - ثورة أكتوبر 1917 الروسية . هيد هو رئيس قسم القانون بجامعة ويسترن سيدني في أستراليا ومساهم منتظم في موقع الاشتراكي العالمي على الإنترنت.

قبل الثورة ، كما هو الحال الآن ، وضعت "سيادة القانون" بشكل روتيني ختم موافقتها على الاستغلال الاقتصادي والقمع السياسي والقتل من قبل الدولة. عند الاستيلاء على السلطة ، تخلصت الحكومة السوفياتية من المحاكم السابقة والنظام القانوني ومهنة القانون في جهودها لإعادة تشكيل المجتمع جذريًا وتسهيل "ذبول" الدولة النهائي.

يلاحظ هيد ، في البداية ، دشنت التجربة القانونية السوفيتية توسعا كبيرا في الحقوق الأساسية في العموم ، ولا سيما في مجالات حماية العمل والرعاية الاجتماعية والعلاقات العائلية والمساواة بين الجنسين. تتميز هذه الفترة في القانون السوفيتي بإنجازات رائدة مثل يوم العمل لمدة ثماني ساعات ، وإدخال التأمين الاجتماعي ، وتحديد الإيجارات، والإسكان العام بدون إيجار. علاوة على ذلك ، كانت المرأة السوفييتية أول امرأة في العالم تتمتع بحقوق التصويت الكاملة - وفي الوقت الذي سمحت فيه بريطانيا بالطلاق للنساء فقط عند إثبات الزنا - اقر النظام القانوني السوفييتي الطلاق عند الطلب من قبل الطرفين.

وعلى نفس المنوال ، استبدل القانون الجنائي السوفياتي الأول المفاهيم القديمة للجريمة والعقاب بمفاهيم "الخطر الاجتماعي" وتدابير "الدفاع الاجتماعي" ، لأن المفاهيم السابقة ، المتأصلة في المفاهيم الدينية للشر والذنب الفردي ، خدمت فقط لإخفاء الجذور الاجتماعية للجريمة ، وبالتالي إحباط أي حلول حقيقية للسلوك المعادي للمجتمع.

يلخص هيد على نحو ملائم المشروع القانوني السوفياتي: "بشكل عام ، سعت الحكومة السوفيتية إلى إجراء تحول أساسي من الملكية الخاصة وحقوق الأفراد إلى الملكية الاجتماعية والحقوق والمسؤوليات الجماعية ... مصحوبة بجهود بعيدة المدى لتطوير نهج أكثر إنسانية وحضارية لمشاكل اجتماعية."

المناقشات القانونية الثورية
على الرغم من أن أهداف الثورة كانت محددة بوضوح ، إلا أن التكتيكات لتحقيق هذه الأهداف - بالنظر إلى القيود المادية لمسار الثورة الروسية - لم يكن من الممكن تحديدها بدقة.

بعد استيلاء السوفييت أو المجالس العمالية على السلطة في عام 1917 ، ورث البلاشفة مجتمعًا مثقلًا بالعلاقات الإقطاعية المتخلفة ، منهكا بسنوات من الحرب الإمبريالية ، معزولا بشكل متزايد عن الاقتصادات الرأسمالية المتقدمة في أوروبا الغربية ومحاطا من جميع الجوانب بالحيوانات الإمبريالية. المفترسة. وتبع ذلك فترة من الحرب الأهلية سعت فيها النخبة الحاكمة الروسية التي تمت ازاحتها عن الجكم ، والمدعومة من القوى الإمبريالية ، إلى استعادة السلطة بالقوة.

من منتصف عام 1918 حتى عام 1921 ، كان بقاء الثورة هو القضية الأكثر إلحاحًا ، حيث استهلكت كل الوقت تقريبًا ، والطاقة ، وفي نهاية المطاف ، حياة جماهير الناس. كانت هذه فترة قاسية ، وكما يشير هيد ، "بالكاد تؤدي إلى التأمل النظري". ومع ذلك ، ظهرت العديد من المفاهيم والنزاعات القانونية التي ستظهر في شكل أكثر تطوراً في الفترة التالية لأول مرة في فترة زمنية قصيرة قبل الحرب الأهلية.

شهدت فترة ما بعد الحرب الأهلية من عام 1921 إلى عام 1924 ازدهار المناقشات القانونية التي تضم مجموعة من الفقهاء السوفييت ومن مجموعة متنوعة من المدارس - بما في ذلك ما تم وصفه بالوظيفة الاجتماعية والنفسية والاجتماعية والوظيفة المعيارية. يشير هيد إلى وصف أحد الباحثين للخطاب القانوني في عشرينيات القرن العشرين على أنه "فترة ديناميكية وغزيرة في تاريخ الفكر القانوني السوفييتي ... تتميز بالتخمر الفكري والتفاؤل ونفاد الصبر".

كان جميع المشاركين في المناقشات يبحثون عن الشكل الانتقالي للقانون الأنسب لإجراء التحول الاجتماعي الثوري ، مع ضمان الاستقرار الكافي للبقاء اليومي للثورة. في الوقت نفسه ، حاول المشاركون صياغة نظرية ماركسية شاملة للقانون. تمكن هيد من تحليل هذه المناقشات إلى ثلاثة موضوعات أساسية: "1) ما هو الطابع الطبقي ووظيفة الدولة السوفيتية والقوانين السوفيتية؟ 2) ما إذا كانت الدولة ستذبل في الشيوعية وبسرعة؟ و 3) ما هو في الأساس دور القانون في المجتمع الاشتراكي والشيوعي؟ "

في هذا السياق ، أثار عمل إيفجيني باشوكانيس Evgeny Pashukanis اهتمامًا أكبر من عمل أي شخصية أخرى. كما يشير هيد ، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى الاهتمام الدائم والمتزايد بالماركسية ، والثورة الروسية ، والأهمية المعاصرة لتحليل باشوكانيس للقانون.
( إيفجيني باشوكانيس (1891 - 1937) كان باحثًا قانونيًا سوفيتيًا ، اشتهر بعمله بخصوص النظرية العامة للقانون والماركسية. ط.ا)

ضمن هذا السياق ، أثار عمل باشوكانيس اهتمامًا أكبر من عمل أي شخصية أخرى. كما يشير هيد ، يرجع هذا إلى حد كبير إلى الاهتمام الدائم والمتزايد بالماركسية ، والثورة الروسية ، والأهمية المعاصرة لتحليل باشوكانيس للقانون.

في عام 1924 ، نشر باشوكانيس أهم أعماله ، النظرية العامة للماركسية والقانون. مع ذلك ، سعى إلى التحقيق بشكل أعمق من الفقهاء السوفييت الآخرين في تلك الفترة في جوهر القانون نفسه.
Evgeny Pashukanis)
The General Theory of Law and Marxism
(1924)
https://www.marxists.org/archive/pashukanis/1924/law/index.htm
ط .ا)

كانت اطروحة باشوكانيس باختصار هي أن القانون هو شكل محدود تاريخياً من أشكال التنظيم الخاصة بالمجتمعات الطبقية ، ويبلغ ذروته في ظل الرأسمالية ويتجه إلى التلاشي مع القضاء على الطبقات الاجتماعية والاقتصادية والصراع الطبقي - وبعبارة أخرى ، في مجتمع اشتراكي حقيقي. كان التأثير الضمني الأكثر أهمية لهذه النظرية هو أن استخدام الشكل القانوني التقليدي في روسيا ما بعد الثورة كان استمرارًا للقانون البرجوازي ، على الرغم من امتلاك البروليتاريا للسلطة.

تشتهر النظرية العامة بتفصيلها لـ "نظرية تبادل السلع القانونية" ، التي ترجع الشكل القانوني الحديث ليس مباشرة إلى المصالح الطبقية ، بل بالأحرى إلى المنطق الأساسي في الرأسمالية نفسها - وهي عملية تحدث "خلف ظهورهم" لكل من الطبقة السائدة والجماهير العاملة. يصف هيد النظرية بأنها "نواة النهج المادي التاريخي لظهور الشكل القانوني وتطوره".

نشأت نظرية تبادل السلع من مناقشات باشوكانيس مع القانونيين المهيمنين آنذاك - الذين يمثلهم بيوتر ستوتشكا - الذين اعتبروا القانون ليس أكثر من "أداة فظة" للسيطرة الطبقية ، التي اعتبرت وظيفتها الاجتماعية إما أيديولوجية بحتة أو ، على الأكثر ، مجرد شكل آخر من أشكال الإكراه في ترسانة النخبة الحاكمة.

على الرغم من أن باشوكانيس لم ينكر الوظيفة الطبقية والوظائف القسرية للقانون ، فقد اعتبرها ثانوية لطبيعة الشكل القانوني نفسه. وكتب: "بعد أن ثبتنا الطبيعة الأيديولوجية لمفاهيم معينة لا يعفينا هذا بأي حال من الالتزام بالبحث عن واقعها الموضوعي ... الخارجي وليس كونه مجرد حقيقة ذاتية". كان تحليله فريدًا من حيث أنه لم يقتصر على معالجة دور القانون في ظل الرأسمالية ، بل امتد إلى مفهوم القانون نفسه كأداة جوهرية وطويلة الأمد للتنظيم الاجتماعي.

نظرية تبادل السلع القانونية
من أجل تقديم أساسيات نظرية تبادل السلع لباشوكانيس ، من الضروري مراجعة بعض النقاط بإيجاز من الفصل الأول من رأس المال لماركس .

يحدد رأس المال الازدواجية - التناقض الوشيك - داخل السلعة ، كوحدة فورية لكل من قيمة الاستخدام وقيمة التبادل. يجسد الأول ما هو خاص بالسلعة ، وفائدتها الفريدة ونوع العمل الفريد المطلوب لإنتاجها. إذا تم إنتاج شيء مفيد ، مثل مكنسة ، من قبل فرد لاستخدامه الخاص ، فسيكون مجرد منتج وليس سلعة. ومع ذلك ، عندما يتم إنتاج مثل هذا المنتج لغرض التبادل في السوق ويتم استبداله فعليًا بسلعة أخرى ، يتم الكشف عن قيمته وطبيعته الاجتماعية.

قيمة التبادل هي نسبة كمية للتبادل بين السلع المتجذرة في مقدار وقت العمل الضروري اجتماعيا الذي دخل في إنتاج السلع. على الرغم من أن وقت العمل المجرد هذا ينعكس في البداية في نسبة التبادل بين سلعتين معينتين - أي جالونين من الحليب مقابل مكنسة واحدة - يتم تمثيله في نهاية المطاف بسلعة ثالثة - المكافئ العام للنقود.

في هذه العملية ، يتم إخفاء الفروق المتأصلة بين السلع - أنواع العمالة المختلفة المطلوبة لإنتاجها واستخداماتها المميزة. تتحول الجودة إلى كمية والمضمون إلى شكل ، ويعبد المال على أنه المكافئ العام .

يجادل باشوكانيس بأن هذه العملية نفسها - تبادل السلع في السوق - لا تنتج فقط شكل القيمة ، ولكن أيضًا الشكل القانوني. في الشكل القانوني ، يتم تجريد الأفراد من واقعهم واحالتهم الى افراد معنويين -قانونيين أو شيء يشبه "الرجل المؤهل عقليا في القانون" ، و- بتجاهل الاختلافات الطبقية المتأصلة بين هؤلاء الأفراد - يعتبرون جميعًا متساوين رسميًا أمام القانون كأشخاص اعتباريين -قانونين .

وجد باشوكانيس أصل هذا التطور في ضرورات التبادل الفعال للسلع في السوق. كلهم يدخلون السوق على أنهم مختلفون بطبيعتهم عن بعضهم البعض ، على غرار استخدام القيم. ومع ذلك ، يجب على الجميع الدخول في علاقة محددة لأغراض التبادل.

في لحظة التبادل ، يحدد باشوكانيس ثلاثة أشكال تظهر في العملية: 1) يجب على كل تاجر او متاجر التعرف على الآخر على أنه متساوٍ لأغراض التبادل ، على الرغم من أي اختلافات متأصلة ؛ 2) يجب أن يتعرف كل تاجر على الإرادة الحرة للآخر لتبادل السلعة ؛ 3) يعترف كل تاجر بالآخر باعتباره المالك الشرعي للسلعة.

لذلك ، فإن التبادل المستمر للسلع في السوق يؤدي إلى ثلاثة أشكال استثنائية: المساواة والإرادة الحرة ومصلحة الملكية الخاصة ، التي تجد تعبيرًا قانونيًا مثاليًا في مفهوم الموضوع القانوني كحامل تجريدي لهذه الحقوق أمام القانون. وهكذا تم تحويل الفرد إلى موضوع قانوني.

يجادل باشوكانيس بأن هذا هو جوهر الشكل القانوني الذي نشأ أينما كان هناك تبادل للسلع - في البداية على هامش المجتمعات القديمة والإقطاعية ، وأخيرًا ساد في المجتمع الرأسمالي.

على الرغم من أن الشكل القانوني يجد أقصى تعبير عنه في قانون العقود ، لأنه متجذر في المتطلبات الملموسة لتبادل السلع ، تمكن الثوار البرجوازيون المنتصرون في أوروبا الغربية من رفع هذا الشكل القانوني "إلى السماوات" ، لتكرسها كمجموعة من " المبادئ الدستورية الممنوحة من الله: الحرية والملكية والمساواة أمام القانون ، وتتميز عن عدم المساواة القسري في النظام الإقطاعي السابق ، الذي قسم الأفراد إلى طبقات منفصلة منذ الولادة ، لكل منها حقوق ومسؤوليات متميزة.

يجادل باشوكانيس أنه في تطبيقه على مجالات القانون الدستوري والقانون الجنائي ، يتم تجريد الشكل القانوني بشكل فعال ليخلو من أي محتوى ملموس. لذلك ، يؤكد ، "خارج العقد ... فكرة الانسان كواقع وارادة بحد ذاتها لن تكون موجودة إلا كتجريدات لا حياة لها بالمعنى القانوني".

وبالتالي ، فإن نظرية تبادل السلع تؤثر على مفاهيم الأخلاق والجريمة والعقاب في ظل الرأسمالية. يجادل باشوكانيس بأن أفكار الأخلاق كانت قائمة على المفاهيم المجردة للفرد العقلاني والمساواة المجردة أمام القانون. ويؤكد أنه "إذا كانت الشخصية المعنوية ليست هي سوى موضوع إنتاج السلع، فيجب أن يكشف القانون الأخلاقي عن نفسه كقاعدة للتبادل بين أصحاب السلع".

ولذا يجادل باشوكانيس بأن الفكرة الرأسمالية عن "العدالة" مشتقة أيضًا من عملية تبادل السلع ، مشيرًا إلى مفاهيم الجريمة والعقاب والشعور بالذنب كأمثلة على "الفردية البرجوازية الراديكالية". على عكس مفهوم المسؤولية الجماعية التي سيطرت على العالم القديم ، يوضح باشوكانيس أن متطلبات التبادل المكافئ تتجلى في مفهوم العقاب المتكافئ وتصبح في النهاية مهيمنة في ظل الرأسمالية.

على هذا الأساس ، "يضخ" القانون البرجوازي فكرة متطرفة عن المسؤولية الفردية في القانون الجنائي. يتم التعرف على هذا بسهولة أكبر في مفهوم "تسديد (الفاتورة ) كأنتقام. ط.ا" ، أو فكرة أن الشخص القانوني يجب أن يفقد قدرًا معينًا من الحرية الشخصية كتعويض لجريمة ، بغض النظر عن الأسباب الاجتماعية للسلوك المعادي للمجتمع أو أي حل حقيقي لهذه المشاكل الاجتماعية المتجذرة في النظام.

على عكس نظام الانتقام ، قدم باشوكانيس فكرة الدفاع الاجتماعي كرد على الجريمة. هذا النهج من شأنه أن يتخلى عن مبدأ التكافؤ المجرد القائم على السوق ، مع التركيز ليس على تناسب العقوبة مع الجريمة ، بل على التوافق بين التدابير المتخذة والهدف النهائي للدفاع الاجتماعي.

من خلال هذا النهج غير القانوني ، سيتحول الاهتمام من إثبات الذنب الفردي إلى التركيز الشامل على الأعراض الاجتماعية والنفسية. إن فحص البيئة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية المرتبطة بأشكال السلوك المعادي للمجتمع سيحل محل التركيز المعزول على "حقائق" حادثة واحدة كعامل حاسم في العملية.

ان نظرية تبادل السلع متجذرة بقوة في الافتراض القائل بأن البنية الفوقية القانونية تنمو بالضرورة من الفردية والمعارضة للمصالح المتأصلة في النمط الرأسمالي للإنتاج. في هذا السياق الاجتماعي الاقتصادي ، فإن الدعوى القانونية (أو الجدل) هي الطريقة الأساسية لحل المسائل القانونية ، في حين أن الوحدة الاجتماعية كهدف هي الأساس لتنظيم تقني بحت - على سبيل المثال ، إدارة نظام النقل الجماعي أو الإجراءات الطبية الموحدة. وبهذه الطريقة ، يرسم باشوكانيس تمييزًا جوهريًا بين القانون البرجوازي وما قد يظهر كنظام اشتراكي.

تقول النظرية أن الشكل القانوني سيختفي مع تبادل السلع والعلاقات لسوقية للإنتاج الاجتماعي والتوزيع. وقد صاغه باشوكانيس بشكل أفضل: "فقط عندما يحل النظام الإنتاجي والتوزيع الاجتماعي محل النظام الاقتصادي الفردي ، يتوقف هذا الإنفاق غير المنتج لطاقات الإنسان الفكرية (القانون والدعاوى القانونية)".

بعبارة أخرى ، نظرًا لاستبدال المصالح الخاصة بمصالح جماعية ، لن تتطلب إدارة المجتمع إجبارًا الأدوات القانونية الرسمية لإدارة النزاعات الفردية العديدة ، وسيأخذ التنظيم الاجتماعي بشكل متزايد شكل تنسيق فني بسيط وإدارته.

على الرغم من أن هيد يشير إلى أن هذا الاستنتاج هوجم بشكل روتيني من قبل الأكاديميين البرجوازيين باعتباره طوباويًا ، إلا أنه يشير إلى أنه "إذا كانت جماهير الناس تتحكم بالفعل في حياتها الخاصة وكذلك في الاتجاه الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي للمجتمع" فان"وحدة الهدف " يمكن تحقيقها بواسطة الثورة الاشتراكية - يمكن أن تكون حقيقة واقعة.


اضمحلال باشوكانيس وأهميته الدائمة
مثل الثورة نفسها ، تم انهاء التجربة القانونية السوفيتية التي أنتجت باشوكانيس من خلال تصلب عود البيروقراطية الستالينية وهجومها على الماركسية في شكل النظرية القومية "الاشتراكية في بلد واحد". كان المكمل القانوني لـ "الاشتراكية في بلد واحد" هو مفهوم "الشرعية الاشتراكية" - التخلي التام عن المنظور الماركسي الكلاسيكي لـ "اضمحلال" الدولة والقانون. في نهاية المطاف ، عزلت الطبقة البيروقراطية نفسها عن الجماهير وسيطرت عليها ، مما استلزم ليس فقط استمرارية الدولة و "سيادة القانون" ، ولكن تعزيزًا غير مسبوق لقوىها العدوانية والقمعية.

مع نشر نظريته العامة - في نفس العام كشف ستالين عن نظريته عن "الاشتراكية في بلد واحد" - أصبح باشوكانيس الفقيه السوفييتي البارز ، وكان كتابه مطلوبًا للقراءة في الجامعات في جميع أنحاء البلاد. ومع ذلك ، في غضون 12 عامًا ، وجد باشوكانيس نفسه تحت ضغط متزايد لتكييف أفكاره بشكل أكثر انفتاحًا مع احتياجات البيروقراطية الستالينية. في النهاية ، وُصِف باشوكانيس بـكونه "مُخرب تروستسكي" وأعدمه ستالين عام 1937. تم شطب كتاباته لاحقًا من الجامعات.

لم يكن باشوكانيس بأي حال من الأحوال مناهض للستالينية ، ولم يكن تروتسكيًا. يعالج هيد هذه الاكذوبة بنجاح من خلال توضيح السجل السياسي ، الذي يوضح أن باشوكانيس اصطف ضد المعارضة اليسارية, التي قادها تروتسكي ، من عام 1925 على الأقل. و يوضح كيف تم استخدامه كديكور ماركسي لسياسات البيروقراطية المضادة للثورة.

يسلط هيد الضوء على حقيقة أن النظرية العامة لباشوكانيس ظهرت لأول مرة في عام 1924 ، بعد تبني السياسة الاقتصادية الجديدة NEP- التي تم سنها في عام 1921 كسياسة مؤقتة تتطلبتها هزائم الثورة الأوروبية والعزلة القسرية للاقتصاد السوفياتي المتخلف. قدمت NEP تنازلات رئيسية لعلاقات السوق الرأسمالية ، وبالتالي تعزيز العودة إلى الأشكال القانونية التقليدية لحماية الملكية الخاصة في بعض وسائل الإنتاج.

يشير هيد إلى أنه على الرغم من أن النظرية العامة تم تشكيلها وفقًا لمتطلبات السياسة الاقتصادية الجديدة ، إلا أن العمل النظري ل باشوكانيس لا يشير إلا بايجاز عابر الى السياسة الجديدة. عندما أشار باشوكانيس إلى السياسة الاقتصادية الجديدة ، أكد فقط أنها تمثل مستوى غير كاف من التطور لبناء الاشتراكية. في هذا كان انصياعا من قبله للمخاوف المتزايدة من أن الفترة التي يجب ان تسبق تحقق الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي ستكون طويلة.

كانت فترة السياسة الاقتصادية الجديدة محملة بالضغوط السياسية التي تمارسها الطبقة البيروقراطية المتعاظمة ، وحريصة على تعزيز سلطتها على الساحة الوطنية من خلال التخلي عن النضال من أجل الثورة العالمية. يجد هيد الانعكاس النظري لهذه الضغوط في جوانب النظرية العامة التي جذبت بشكل طبيعي عداء الطبقة البيروقراطية - على وجه الخصوص ، وافتراضها أن النضال من أجل التغيير الاجتماعي الثوري يجب أن يتم تأجيله لفترة غير محددة وغياب الوضوح والتركيز بشكل عام على الدور القمعي للقانون والدولة.
(الحزب الشيوعي العراقي هو ايضا بيروقراطي ستاليني بتأكيده ان هدف الاشتراكية هو هدفه البعيد! ونحن لا نعلم ما هوتعريف البعيد؟ ونهجه الستاليني يتجسد ايضا في دخوله العملية السياسية بزعم اصلاحها , اي ابقاء الدور القمعي للقانون والدولة, وليس البقاء خارجها لتغييرها جذريا. ط.ا).

يوضح هيد ان المنطق السياسي وراء هذه الإخفاقات النظرية من خلال تتبع استسلام باشوكانيس المتزايد وغير المجدي في نهاية المطاف إلى البيروقراطية الستالينية ، التي كان قد ربطها بنفسه - من شجبه لـ "التروتسكية" في عام 1925 ، قبوله "الشرعية الاشتراكية" في عام 1927 ، إلى مراجعاته المتكررة لدولة لينين والثورة في عام 1936. في ذلك العام ، رفض باشوكانيس الجوهر النظري للنظرية العامة ولكن تم إعدامه في العام التالي.

قدم باشوكانيس مساهمة حقيقية في فهم طبيعة الشكل القانوني. ولكن ، كما يلاحظ هيد ، "من خلال الاصطفاف ضد المعارضة اليسارية ، ساعد في حرمان المناقشات من التحليل والبرنامج التي كان من الممكن أن تحارب الانحطاط السياسي والنظري". في نهاية المطاف ، أصبح باشوكانيس ضحية، ليس بسبب أي موقف سياسي مبدئي ضد الستالينيين ، بل لأنه لا يزال يمثل امتدادا للتراث الماركسي للثورة وبالتالي تهديدًا للبيروقراطية.

كما يصحح كتاب هيد ميلًا في أعمال أخرى لعزل النظرية العامة عن أسسها في الثورة الروسية وعقود من التطور الثقافي الماركسي في أوروبا في القرن التاسع عشر. على وجه الخصوص ، يحرص هيد على أن ينسب المفاهيم التأسيسية للنظرية الباشوكانية - "تلاشي" أدوات الحكومة القمعية والقانون باعتباره ثمرة التنمية الاقتصادية للمجتمع ، والتحليل المادي للدولة والقانون - إلى أعمال ماركس وإنجلز.

أبعد من ذلك ، يتتبع هيد العناصر الرئيسية للنظرية العامة لباشوكانيس - التمييز بين القانون والتنظيم ، ورفض القانون كشكل أبدي للتنظيم الاجتماعي ، والطابع المزدوج للقانون السوفياتي - إلى الأعمال السابقة الأقل شهرة ، ولكنها مهمة ، لعلماء القانون الماركسيين مثل Lunacharsky و Reisner و Magerovsky و Podvolotsky و Krylenko و Goikhbarg.

ينهي هيد الكتاب من خلال مناقشة أهمية باشوكانيس المعاصرة. ويدرس الاعتداء الحالي على الحريات المدنية كجزء مكوّن من "الحرب على الإرهاب" ، وأزمة العدالة الجنائية وانفجارات السجن (مستشهداً بإحصاءات تظهر أنه اعتبارًا من عام 2005 ، كان واحد من كل 136 أمريكيً تحت سيطرة النظام الجنائي) ، من وجهة نظر باشوكانيس النظرية.

في الفصل الأخير ، يوضح هيد كيف توفر النظرية العامة إطارًا للتحليل المادي لنظام العدالة الجنائية الأمريكية ، الذي قطع كل الصلة تقريبًا بهدفه المعلن المتمثل في حماية المجتمع والحفاظ على السلام ، وأصبح بسرعة أداة التخويف والقمع السياسي ووسيلة لتجريد الحقوق الأساسية للجماهير بشكل منهجي. (ويجب الاضافة ان وباء الكورونا يستخدم الآن بشكل متزايد لتحديد الحقوق الاساسية وقمع الحريات الفردية .ط. ا).

في سياق "الحرب العالمية على الإرهاب" ، يأتي فحص هيد في الوقت المناسب بشكل خاص. توضح النظرية العامة أن الأشكال التقليدية للديمقراطية البرجوازية والقانون الدستوري تتعارض بشكل متزايد مع المصالح الطبقية والسياسات الاجتماعية للبرجوازية في أوقات الأزمات. وبالتالي يتم التخلي عنها بشكل متزايد ، مما يسمح للقضاة الذين تم فحصهم سياسياً بالتمتع بسلطة تقديرية غير محدودة تقريبًا في التفسير الدستوري ، وفي النهاية حرية التخلي عن المعايير الديمقراطية القديمة تمامًا ، أو وضع ختم قضائي للموافقة على جهود السلطة التنفيذية للقيام بذلك (المدعي العام شخص تعينه السلطة التنفيذية وخاضع لاملائاتها. وافراد المحكمة الدستورية العليا الاميكية يعينهم الرئيس والمؤسسة. ط.ا)

حول هذا الموضوع ، يقتبس هيد باشوكانيس : "لأن البرجوازية لم يغب عن بالها أبدًا ، من أجل نقاء النظرية ، حقيقة أن المجتمع الطبقي ليس فقط سوقًا يلتقي فيه أصحاب السلع المستقلون ذاتيا ، ولكنه في نفس الوقت ساحة حرب حرب طبقية مريرة ، حيث تمثل آلية قمع الدولة سلاحًا قويًا جدًا ... الدولة كعامل قوة في السياسة الداخلية والخارجية - هذا هو التصحيح الذي اضطر البرجوازيين إلى إجرائه لنظرية وممارسة وضعها الدستوري. كلما تحطمت هيمنة البرجوازية ، أصبحت هذه التصحيحات أكثر عرضة للمساومة ، وسرعان ما تحولت الدولة الدستورية إلى ظل لنفسها، وأخيراً ، أجبر الطابع الاستثنائي للصراع الطبقي البرجوازية على التخلي عن قناع الدولة الدستورية كليا, لتكشف عن طبيعة سلطة الدولة كسلطة منظمة لطبقة على أخرى ".

وقد اكتسبت هذه الكلمات اهمية خاصة في نهاية عام 2008. أدت الأزمة الاقتصادية للرأسمالية العالمية وانفجار العسكرية الإمبريالية في جميع أنحاء العالم ، والتي تجلى سياسياً في "الحرب العالمية على الإرهاب" أو "الحرب الطويلة" ، إلى قيادة الإمبريالية الأمريكية وجميع النخب الحاكمة الوطنية لوضع الأساس القانوني لمثل هذا "التخلي عن القناع ". وبالتالي تمهد المجال لان تحل الرأسمالية الاستبدادية محل الديمقراطية البرجوازية و "سيادة القانون".