مسلسلات رمضان … في زمن الكورونا


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 6557 - 2020 / 5 / 7 - 14:44
المحور: الادب والفن     

Facebook: @NaootOfficial
Twitter: @FatimaNaoot
Instagram: @FatimaNaoot

شهر رمضان 2020 لا يشبه أيَّ رمضان آخر عرفه الإنسان. وكذلك مسلسلات هذا العام لا تشبه مسلسلات أيّ رمضان مضى منذ ميلاد التليفزيون المصري في مطلع ستينيات القرن الماضي.
رمضان زمن الكورونا، هو الأقلُّ حظًّا بين سابق الرمضانات؛ من حيث حرمانه من موائد الرحمن الدافئة، والأمسيات الرمضانية المبهجة التي يسهر فيها الناسُ خارج بيوتهم حتى مطلع الفجر، ولا يعودون إلا بعد تناول السحور حول مسجد سيدنا الحسين، أو مقاهي خان الخليلي الساهرة، أو مطاعم حي السيدة زينب، أو جوار مقام السيدة نفيسة، وغيرها من المعالم التي جعلت رمضانَ مصرَ له نكهةٌ يحجُّ إليها الناسُ من كل صوب. يفتقرُ رمضان هذا العام إلى التزاورات العائلية وأسمار الأصدقاء، وموائد "إفطار المحبة" التي تجمعنا بأشقائنا المسيحيين الذين يقيمون لنا كلَّ عام إفطارات وسحورات جميلة لسانُ حالها يقول: “الدينُ لله والمحبةُ للجميع". حتى الشوارع لم تكد تبتهج بالزينات والفوانيس التي اعتاد الأطفالُ تعليقها بين الشرفات حتى يبتهجَ رمضانُ مثلما يُبهجنا. وحُرمت نواصي مصرَ هذا العام، لحظة آذان المغرب، من شباب المسيحيين يمنحون المارّةَ حبّات التمر و الماء البارد ليكسروا صيامهم إذا باغتهم مدفعُ الإفطار قبل عودتهم إلى بيوتهم. ما أقلَّ حظّ رمضانَ في زمن الكورونا!
على النقيض من ذلك، فإن مسلسلات رمضان هذا العام هي الأوفرُ حظًّا من مثيلاتها على مدى الأعوام الماضية. فمكوثُ الناس في بيوتهم جعلهم يشاهدون تقريبًا جميع المسلسلات؛ الجيد وغير الجيد، من باب حرق الوقت وانعدام النشاط خارج البيت. لا أصدق أنني أتابعُ سبع مسلسلات يوميًّا! سابقةٌ في حياتي.
دعوني في عجالة أكتب لمحاتٍ عن بعض ما أتابع.
(الاختيار)
العمل "العمدة" هذا العام. جمع مسلسل "الاختيار" شملَ الأسرة المصرية حول أحداثه. فلا يكاد بيتٌ في مصر لا يشاهده. أحبَّ المصريون هذا المسلسلَ بقدر ما يحبون جيشَ مصرَ العظيم. وأظنُّ الحالَ لا يختلف في جميع أرجاء الوطن العربي، بالطبع ما عدا الدويلة التي تحقد على مصر وتكيدُ لها. في كلِّ عائلة مصرية ثمّة فردٌ أو أكثر كان جنديًّا أو ضابطا أو قائدًا في جيشنا الباسل، أو مازال. وكل حيّ أو قرية في مصر تعرف شهيدًا أو أكثر من شهداء جيشنا النبلاء. لهذا فإننا، نحن المصريين، نشاهد "مسلسل الاختيار" كأنما نشاهدُ أنفسنا وتاريخنا وحاضرنا بعيون وطنيتنا في مرآة الوطن. تُعلمنا الأحداثُ والسيناريو كيف نقارن بين الضابط النبيل، والإرهابي الخسيس. بين الجندي الشريف والارتزاقيّ الخائن. عملٌ ممتاز أتقن صانعوه أداءه. تحية احترام للفنان "أمير كرارة" على تجسيده شخصية رمز مصر: الشهيد/ "أحمد صابر المنسي"، قائد الكتيبة 103 صاعقة. وتحية احترام للفنان "أحمد العوضي" الذي جسد شخصية الإرهابي الخائن/ “هشام عشماوي".
(بـ 100 وش)
تثبت "نيللي كريم" في مسلسل "بـ 100 وش" أنها فنانة من طراز فريد. مرونةُ أدائها وتبدُّله بين مختلف الشخصيات، يشبه مرونة جسدها الرشيق وهي ترقصُ باليه جيزيل على خشبة الأوبرا. حين تشاهد أداءها في المسلسل، من العسير أن تصدق أن هذه "اللصة النصّابة" ابنةَ البيئة المتواضعة التي تصبغ شعرها على نحو بدائي وتتكلم بلغة حوشية ومفردات جليسات الأعتاب وتحاول محاكاة الطبقة الراقية على نحو كوميدي بائس، هي في الأصل باليرينا فاتنة تلقت تعليمها في روسيا وتتكلم عدة لغات، ورقصت فوق خشبات أوبرات عالمية. كذلك النجم "آسر ياسين" أتقن دور "ابن الذوات" الذي جار عليه الزمن، فضاع منه المالُ، ولم يتبق منه إلا أطلالُ ثراء قديم وتعليم رفيع ومسكن بالحي الراقي. ويلتقي النقيضان على مائدة السرقة والاحتيال في أجواء كوميدية مشوّقة؛ حتى يسترجع ابنُ الأصول سماتِ طبقته الأصيله ومجدها الضائع، وتقفزُ ابنةُ الفقر إلى الطبقة التي تحلمُ بها.
(لعبة النسيان)
تثبت الفنانة "دينا الشربيني" أنها منذورةٌ للأدوار المعقدة الصعبة. في مسلسل "لعبة النسيان" تلعبُ عدة شخصيات في شخصية واحدة؛ لترقصُ على حبال الشيء ونقيضه. هي الطيبة وهي الحاقدة، هي الزوجة العاشقة والخائنة المبتذلة، هي الأم الرؤوم وهي المستهترة، هي البسيطة والمتكبرة. عبر تيمة "فقدان الذاكرة الجزئي" تتجول البطلةُ على خط الزمان في أثواب كثيرة متباينة، في جو من التشويق الغامض يجعلنا ننتظر حل معضلة تلك التناقضات. وبشكل شخصي، أبهرني وأسرني الطفلُ الجميل "آدم وهدان" بأدائه الذكي والطبيعي الآسر في ذلك المسلسل.

وللحديث بقية. رمضان كريم و“الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”

***