مفارقة المنهجية العلمية مكمن عجز المقاومة الفلسطينية


سعيد مضيه
الحوار المتمدن - العدد: 6556 - 2020 / 5 / 6 - 11:30
المحور: ملف 1 ايار-ماي يوم العمال العالمي: العمال والكادحين بين وباء -الكورونا- و وباء -الرأسمالية- ودور الحركة العمالية والنقابية     

كورونا ذكّر بأهمية الوعي العلمي-6
تشارف إسرائيل إنجاز مشروعها في فلسطين؛ بلغ توسعها الاستيطاني وتهويد القدس وضم المناطق حدا باتت التجمعات المدنية الفلسطينية حياله جزرا متناثرة ومحاصرة بالمستوطنات، لا قبل لها بالتطور وتلبية حاجات سكانها العرب. وأصدق رمز يختزل به الاحتلال الإسرائيلي في مرحلته الراهنة المياه العادمة لمجمع مستوطنات كفرعصيون تفيض على كروم العنب الخاصة ببلدة بيت امر، شمالي الخليل، شلت الأشجار وماتت واقفة.
يعلن قادة إسرائيل بلا مواربة إصرارهم على منع قيام دولة غربي نهر الأردن بجانب دولتهم، وعدم الإقرار بحق للفلسطينيين في وطنهم التاريخي؛ وتتردد على نطاق واسع دعوات التهجير حلا استراتيجيا للصراع حول فلسطين. في هذه الأثناء تستجير القيادة الفلسطينية بالمجتمع الدولي، وما من مجير؛ بينما تقوم الأنظمة الأبوية العربية بواجب الاستنكار لتواصل حياتها الرتيبة . تحظى سياسات إسرائيل ونظام الأبارتهايد، بدعم غير متحفظ من قبل الولايات المتحدة التي تضع كامل ثقلها بجانب إسرائيل ، وتمارس الضغوط على الدول العربية كي تطبع مع إسرائيل ، وهي في أوج عدوانيتها ضد الشعب الفلسطيني. نقل السفارة الأميركية الى القدس وصفقة القرن، ثم تأييد ضم الجولان لدولة إسرائيل وكذلك تأييد العدوان الإسرائيلي المتكرر على سوريا دلائل دعم توسيع النفوذ الإسرائيلي بالمنطقة ضمن الهيمنة الأميركية. مشروع إسرائيل الكبرى، التوسعية على حساب دول عربية مجاورة مكون عضوي في مخطط الولايات المتحدة الأميركية محوره برنامج القرن الأميركي، الذي وضعه المحافظون الجدد
لم تخف الامبرياللية ولا الحركة الصهيونية يوما تشابكهما في ائتلاف؛ لكنها النظم الأبوية العربية دست رؤوسها بالرمال مداراة لعجزها الناجم عن لاعقلانيتها. في إطار دورها الوظيفي إسرائيل إما أن تُدخِل مجتمعات عربية بيت الطاعة لتدور في فلكها، أو تؤجج الفتن الطائفية والعرقية سعيا لإبقاء الدول الأخرى مستنزفة مواردها ومشغولة بهمومها عاجزة عن التنمية وتطبيق قواعد الديمقراطية؛ ومثال لبنان صارخ في الحالتين. في هذه الأُثناء تستفرد إسرائيل بشعب فلسطين. يتوجب الإقرار بأن إسرائيل نجحت بامتياز حتى وقت قريب في أداء دورها الوظيفي. والامبريالية الأميركية لا تخفي إعجابها بخدمات إسرائيل وتغدق عليها المساعدات المالية وتمدها بما لا تزود به حلفاءها في الأطلسي من المعدات الحربية المتطورة ؛ ولا تتوانى في الدفاع بشراسة عن جرائمها في مجلس الأمن ومختلف المحافل الدولية.
هذا التلاحم العضوي بين إسرائيل والولايات المتحدة تتجاهله القيادة الفلسطينية، التي استمرت حتى وقت قريب تعول على وساطة أميركية تنتزع لها الحقوق الوطنية. فالرئيس ترمب، حين أمر بنقل السفارة الأميركية الى القدس، وعين صهاينة متعصبين لتقرير وتنفيذ سياسته بالمنطقة، إنما أزاح قناع التمويه عن السياسات الأميركية تجاه الصراع على فلسطين. السياسة الأميركية "خلال السنوات الخمس والثلاثين الماضية زعزعت أسس السلام في الشرق الأوسط بدل تسهيله او العمل على إقراره"؛ هذا ما توصل إليه المؤرخ رشيد الخالدي بعد الاطلاع على وثائق كانت مقيدة وأفرج عنها بتقادم الزمن، الى جانب معطيات جمعها طلبة الدراسات العليا التي أشرف عليها وأوردها في مؤلفه " عرابو الخداع: كيف قوضت الولايات المتحدة فرص السلام في الشرق الأوسط".
الصهيونية وضعت لها استراتيجية وراحت تنفذها بتخطيط وتنظيم علميين على مراحل متدرجة تقربها باضطراد من الهدف الاستراتيجي؛ بينما المقاومة الفلسطينية تخبطت وبدلت الأهداف والخطط ضمن حركات اعتباطية وردود أفعال عفوية انفعالية، وشغلتها التناقضات البينية عن التناقض الرئيس والجوهري؛ فتورطت في مواجهات غير متكافئة وخاسرة بالنتيجة.
أنجز بن غوريون التطهير العرقي في الجزء الأكبر من فلسطين، ووضع هدف تحويل فلسطين بكاملها دولة يهودية قضية واجبة التنفيذ. استطاع تمويه مشروعه ، متوجسا من أن تنقض الأنظمة الأبوية على مشروعه؛ وانتقد مرارا جابوتينسكي وهو يُفصح في عشرينات القرن الماضي عن الهدف الصهيوني، و إرغام الفلسطينيين بالأمر الواقع على قبول دولته الإقتلاعية الإحلالية . في أواخر عقد الثلاثينات طفق بن غوريون يخطط ويعد، ثم شرع العمليات الإرهابية بتعاون تام بين منظمته العسكرية-هاغاناه- ومنظمتي شتيرن والإرغون . أتقن الصهاينة تكتيك الوحدة كضرورة رغم الاختلافات وتجاوزت المنظمات الصهيونية التناحرات البينية السابقة. دشنت الميليشيات الصهيونية إرهابها بتفجير سوق في حيفا علم 1938 ذهب ضحيته العشرات من الفلسطينيين، بقصد الاستفزاز وإثارة الصراعات المسلحة. طالت عمليات الاغتيال منذ الدورة الأولى للإرهاب الصهيوني عام 1938، العرب الى جانب جنود الجيش والبوليس البريطاني واليهود غير المؤازرين. دوّن بن غوريون في مذكراته عام 1941 ، " من الصعب تصور عملية ترحيل تامة بدون إكراه ، وإكراه وحشي من أجل ذلك".
كان التوحش الصهيوني ضرورة محتمة لإنجاز مشروع الدولة الصهيونية. لم يراع بن غوريون قرار التقسيم، وضع بالتعاون مع لجنة مصغرة من أعوانه المقربين، خطة دالت لتنفيذ الترحيل بالإكراه المتوحش. وفي إحدى جلسات اللجنة أعطي فايتس ، وكان يشغل منصب مدير الصندوق القومي اليهودي( الكيرن كاييميت) ، إذنا " بإنشاء زمرة تابعة له تحت الاسم ‘ لجنة الترانسفير’ ؛ واتي الى الاجتماع التالي وبيده خطة تنفيذ الترانسفير"[1/73]. في 18ديسمبر /كانون اول 1947، ولما يمض شهر على قرار التقسيم، ولم تتخذ إجراءات من جانب العرب، "هاجم إرهابيو البالماخ بقيادة ييغئال آلون، ، قرية "كانت من أجمل قرى فلسطين ، وهي قرية الخصاص التي يقطنها سكان مسيحيون ومسلمون، وتقع على هضبة تشرف على بحيرة الحولة. بدأ الهجوم الساعة التاسعة مساء، عندما قاد أفراد من الهاغاناة شاحنتهم عبر القرية ونسفوا المنازل على رؤوس النيام ‘حيث دفن الضحايا تحت الركام ، ولم تكتشف جثثهم إلا بعد بحث أجرته الشرطة’، كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في اليوم التالي"[2/ 279]. جرت مجزرة د ير ياسين والجيش البريطاني موجود بكثافة في فلسطين. في مظاهرة استعراضية تفاخر ميناحيم بيغن ، الذي قاد العملية، إنها "حسمت الصراع". "كان من بين الشهود الأوائل على المجزرة جاك دي رينيير، رئيس الوفد الدولي للصليب الأحمر، فسجل مشاهداته: ‘كانوا شبابا بل معظمهم في مرحلة المراهقة، ذكورا وإناثا ، مدججين بالسلاح ، وكان بعضهم ما يزال ملطخا بالدماء’... أصر رينيير على دخول بعض البيوت..‘نظرْتُ في كل اتجاه وقلبتُ الأجساد، فوجدت في آخر المطاف قدما صغيرة ما تزال حية .. المنظر نفسه يتكرر في كل مكان...المجزرة نفذت بدم بارد، ذلك ان هذه العصابة، كما لاحظتُ بنفسي، شديدة الانتظام ، ولا تعمل الا وفق ما تتلقاه من أوامر’. بعد أيام ثلاثة على الحادث ضمت الهاغانا عصابة إرغون تحت جناحها، وينسب للحاخام الأكبر، هيرتسوغ، فضل ترتيب التزاوج" [2/294] . نبهت تقارير المخابرات البريطانية والأميركية ان الصهاينة يضمرون عدم الالتزام بقرار التقسيم، وحيثما تصل ميليشياتهم ستكون حدود دولتهم، وهي حدود مؤقتة؛ فهي الوجبة الأولى .
اما الأنظمة الأبوية فقد أثمرتدخلها في الصراع عام 1948 بتعطيل إقامة الدولة الفلسطينية. وأول شاغل للقوات العسكرية المتدخلة لإنقاذ فلسطين كان وقف المقاومة الفلسطينية ومطاردة عناصر عصبة التحرر الوطني الفلسطينية.
لم يدر بخلد الحركة القومية الفلسطينية، ممثلة في الهيئة العربية العليا، ان تقيّم القوة العسكرية والاقتصادية التي راكمها الاستيطان اليهودي، وأغفلت العلاقة العضوية للصهيونية مع الامبريالية؛ فكان اشتباكها معها في صراع مسلح مغامرة ومقامرة. تسلحت بالتصريحات الطنانة تصب الماء في طاحونة بن غوريون؛ إذ أصرت، دون رصيد بالطبع، على طرد اليهود. وامتلكت الصهيونية قدرات طرد غالبية الفلسطينيين من ديارهم، ثم انهارت القيادة الفلسطينية وتبدد شملها مع انهيار المجتمع الفلسطينيّ! أقامت إسرائيل نظام أبارتهايد اضطهدت بموجبه العرب الباقين على أرض وطنهم.
تشكلت منظمة التحرير الفلسطينية خلفا للهيئة العربية العليا، وعلى مثال سابقتها عوضت بالعفوية وردود الأفعال الانفعالية والقيادة الأبوية الأوامرية غياب المنهجية العلمية: ربط السياسة بالفكر واعتماد التفكير الاستراتيجي والتخطيط والتقييم الموضوعي لتوازن القوى والمراجعة النقدية وترقية الوعي الشعبي بثقافة التحرر الديمقراطية والتنظيم المحكم .
الامبريالية الأميركية نسقت مع إسرائيل لتنفيذ عدوان حزيران؛ وباعتراف قادة إسرائيل العسكريين والمدنيين فمفهوم "الحرب الوقائية" بدعة إسرائيلية أفلحت في خداع أطراف عربية، منها قيادة منظمة التحرير. فضحت القيادة العسكرية والسياسية في إسرائيل، بتصريحات رئيس وضباط هيئة الأركان، إدراكها ان الجيش المصري في سيناء، من حيث الحجم والتشكيل، لم يتم إعداده لهجوم عسكري. إسرائيل والولايات المتحدة أرادوها حربا تضع مصير المنطقة بأسرها بأيدي التحالف الأميركي –الإسرائيلي. أحدث متتياهو بيلد ، ضابط هيئة الأركان، ضجة كبيرة حين استقال احتجاجا على أطماع إسرائيل بالأراضي العربية، ورفضها للسلام. لم تلفت تصريحاته ومواقفه انتباه القيادات الفلسطينية لأخذ العبر. حصلت تداعيات بالمنطقة لصالح العدوان الإسرائيلي؛ انفتح نظام السادات الأبوي على الرأسمالية بنسختها الليبرالية الجديدة، ما ولد تداعيات أخرجت مصر من جبهة المقاومة للعدوان الامبريالي- الإسرائيلي وقلص نفوذ القوى الوطنية واليسارية ؛ فعزل المقاومة الفلسطينية حيال تعاظم المد الاستيطاني. عولت منظمة التحرير الفلسطينية منذ تشكيلها، وعبر الكفاح المسلح ومفاوضات السلام، على تسوية مع إسرائيل بوساطة دولية. فالتنظيم المهلهل لفصائل المقاومة أفضى الى فلتان امني وصراعات بينية، الى جانب الانكشاف أمام إسرائيل، ما سهل عليها احتواء المقاومة، وإ‘حالتها عاجزة عن ردع التوسع الاستيطاني، و الاعتداء المتواصل على القرى والمقدسات والمصالح الاقتصادية للمواطنين الفلسطينيين؛ وقف الفصيل المتنفذ يراقب ويفسر ممارسات النهب والتدمير، قانعا بمنافع من غنائم السلطة. الشكل التنظيمي بلا انضباط ليس من مقومات نشاط ثوري يستهدف طرد الاحتلال وإجبار إسرائيل على التسليم بالحقوق الفلسطينية. امكن لحزب الله طرد الاحتلال بتنظيم حديدي من طراز جديد.
وفي جبهة العدوان أسفر انتصار إسرائيل في حزيران 1967، عن ارتفاع مكانتها لدى الاستراتيجيين الأميركيين؛ وطفقـت المسيحية الأصولية ، العاملة تحت راية الليبرالية الجديدة، توسع تحالفاتها ضمن تيار المحافظين الجدد، تكتسح منابر الميديا وبنوك المعلومات ومراكز الأبحاث والجامعات ودور النشر ، وتغلغلت في حزبي السلطة وروجت ثقافة الكراهية والقسوة واستنفرت سلفيات ترفض القوانين الوضعية وتتنكر للقانون الدولي وميثاقي الأمم المتحدة وحقوق الإنسان. " في الولايات المتحدة لم يكن نفوذ الصهيونية كبيرا ، مجلة كومنتري مثلا لم تكن صهيونية ، وربما معارضة. نيويورك تايمز ملكية يهودية لم تكن صهيونية . ولدى تصفح مجلة ديسنت يندر ان تجد فيها ذكرا عن إسرائيل قبل العام 1967. كان محرر المجلة ، إيرفينغ هووي ينظر للصهيونية بازدراء ، شان حركة المتدينين القوميين . نورمان فينكلشتاين أشار الى ان بودوريتس ، المحرر في كومنتري نادرا ما ذكر إسرائيل في كتاب سيرة حياته، لكنه تحول الى متعاطف مع الصهيونية ثم متعصب لها بعد العام 1967"[3] .
اجتاحت القوات المسلحة الإسرائيلية لبنان عام 1982 وسيطرت على العاصمة وضربتها بالصواريخ أياما وأسابيع وشهور متتالية وسط صمت الموافقة من جانب الأنظمة الأبوية . وجدت منظمة التحرير الفلسطينية نفسها معزولة عن بعدها الاستراتيجي ورضخت لمطلب إسرائيل الخروج من لبنان مقابل تعهد أميركي بضمان أمن وسلامة الفلسطينيين في لبنان. أخلّت أميركا بتعهدها، حيث بإشراف شارون وزير حرب إسرائيل آنذاك، اقترفت مجزرة للفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا. وفي العام 1996 أعدت لجنة من المحافظين الجدد برئاسة ريتشارد بيرل تقريرا قدمته لنتنياهو تضمن توصية بإدراج بند في برنامجه الانتخابي يرفض الانسحاب من الأراضي المحتلة. أدرج البند وتم الإعلان عنه ، لكن تواصلت الأوهام بدور اميركي، انتهزها شمعون بيريز فرصة لإغراء المنظمة الدخول في مفاوضات سلام تستظل بها عمليات نهب الأراضي العربية وتوسيع الاستيطان. وهن العزيمة يغري بحسن الظن؛ تعددت الدلائل على مراوغة إسرائيل، خاصة بعد اغتيال رابين، وتواصلت أوهام التسوية السلمية. لم تأخذ القيادة الفلسطينية وغيرها من القيادات العربية بجدية ان الحركة الصهيونية، منذ نشأتها، تؤمن ان أرض إسرائيل التوراتية تمتد من النيل الى الفرات، وان إسرائيل وحليفتها ، في ضوء الوضع العربي المتهالك، تطمع في السيطرة التامة على منطقة الشرق الأوسط. وليست العلاقات المتنامية مع دول الخليج إلا مقدمات تكتيكية لاسترتيجة الهيمنة الشاملة.
من السذاجة السياسية الظن أن توجه دول الخليج وكتابات بعض إعلامييها المعادية للشعب الفلسطيني وكذلك البرامج التلفزيونية مبادرات محلية لم تستوح توجيهات الدوائر الاستخبارية للامبريالية واوا مرها. مسلسل "أم هارون" الذي اختير شهر رمضان لبثه على الجمهور، ينطوي على سموم ثقافية لا يتقن تسريبها سوى خبرات رفيعة بالكيد مسخرا علوم النفس وعلم النفس الاجتماعي. المسلسل عينة من جهد فني يتم تحت إشراف اختصاصيين في الدعاية المروجة للوعي الزائف- إسرائيل كيان شاغله خير المنطقة ، بينما الفلسطينيون ناكرون للجميل مفرطون بوطنهم!! تجند أجهزة المخابرات الصهيونية والامبريالية خبراء الدعاية في التنافس على وعي الشعوب. إنها مظهر للغزو الثقافي، الذي يؤدي مهمات فرق عسكرية. أحيانا تخضع الحروب النفسية بما تعجز دونه الحروب العسكرية، وفي أحايين تصاحب الحملات العسكرية دعاية الحرب النفسية. وتلك رسالة ثقافة الليبرالية الجديدة ستكون موضوع المقال التالي.
البيروقراطية الأبوية في الخليج ، وقد تفلتت من انتمائها القومي، كحدث جرى مصادفة، لتعانق الانتماء الحداثوي الأسمى ضمن نخب العولمة، بينما شعوبها يلقى بها لمصيرها أسوة بشعب فلسطين فضلات زائدة عن الحاجة ، ضحية التوحش الصهيوني، كما وعاه دافيد بن غوريون. سوف تقدم البيروقراطية الأبوية بسخاء ثروات بلدانها للراسمالية الخنزيرية الإسرائيلية؛ هذه الرأسمالية لم يرحم جشعها للربح الاحتكاري الجمهور اليهودي في إسرائيل؛ وهي لم تقدم منفعة لمصر او الأردن بعد عقد اتفاقات مصالحة وتطبيع مع إسرائيل. بل إنها قدمت للأردن المياه العادمة بدل مياه الشرب، بموجب اتفاقية وادي عربة.
الى جانب بابيه وسواريز، اللذين كتبا عن محنة الفلسطينيين امام التوحش الصهيوني، كتب الصحفي الإيرلندي، ديفيد كرونين مستندا الى الوثائق البريطانية، مؤكدا كذب الجيش البريطاني، فلم يقدم أي "حماية للعرب في حيفا". جرت الحرب في عهد حزب العمال، وناقش إتلي رئيس الحكومة مع وزراء حكومته خطة "تطهير عرقي"، تطرد عشرات آلاف الفلسطينيين من ديارهم. وكذلك مندوبو الأمم المتحدة غضوا الأنظار عن وامواج البشر تغذ السير شمالا نحو الأراضي اللبنانية بينما كانت طائرات الأمم المتحدة تحلق في سماء الجليل.
وخلص الباحث الأميركي مات بيبيه، الى القول بان " قرار تقسيم فلسطين ترفضه محكمة العدل الدولية لو عرض عليها. فليس ديمقراطيا منح ثلث سكان فلسطين ممن يملكون سبعة بالمائة فقط من أراضيها يقيمون عليها دولتهم".
وأورد الصحفي البريطاني كريس ماكغريل، في تقرير نشره بصحيفة الغارديان، نتيجة مطالعاته أثناء الإقامة أربع سنوات بالقدس، التداخل الكبير بين العنصرية الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين ونظام الأبارتهايد المندثر في جنوب إفريقيا. نقل عن روني كاسرلز، رفيق مانديلا الذي عينه مسئول المخابرات، ان الشبه بين النظامين العنصريين يكمن في "استخدام القوة للاستيلاء على الأراضي".
ونشرت الحقوقية في إسرائيل ، ليندا براير، مقالا عنوانه "الحق الفلسطيني المطلق في المقاومة" ، كتبت فيه: "ان تدمير فلسطين وطرد غالبية سكانها وحملات الإبادة المدبرة ضد من تبقوا تحت الاحتلال الإسرائيلي، ليس من شأنها إلا أن تبرز لا مشروعية الوجود اليهودي واستمرارية عدوانه ضد الشعب الفلسطيني".
هل تنتصر الشرعية في نهاية المطاف؟ احد الاحتمالات التي تقبع في ثنايا مستقبل تتناوشه شتى المخاطر. فقد تستفيق الضحايا قبل فوات الأوان، وتنجو بوعيها؛ فالصراع على وعي الشعوب حرب ثقافية تدور رحاها على نطاق المعمورة.
يتبع
1-إيلان بابيه: التطهير العرقي في فلسطين
2-توماس سواريز: دولة الإرهاب كيف قامت دولة إسرائيل الحديثة على الإرهاب
3-نوعام تشومسكي:مقابلتان مع معين رباني في 4أياار2009 و21 نوفمبر 2010 –كا ونتربانش 29 تموز 2012.
Linda Brayer:The Absolute Right Of Palestinian Resistance --Counterpunch_Nov.21 ,20124-