مِنَصَّةُ الأخلاق … في درس كورونا


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 6538 - 2020 / 4 / 15 - 12:46
المحور: المجتمع المدني     

فتِّشْ في جيبك. هل تجدُ خِنجرًا سوف تنحرُ به أخاك؟ أمْ وردةً تنوي إهداءها لأخيك في الإنسانية الذي قد لا تعرفه؟ ثمّ حدِّد موقفَكَ من الله، بناءً على ما تحملُ في جيبك للآخرين. ذاك هو المعيارُ الذي يجبُ أن تحكمَ به على أخلاق الناس من حولك.
والحقُّ أننا لو لم نخرج من أزمة جائِحة كورونا الكونية، أكثرَ أخلاقًا وتحضّرًا ورُقيًّا وطيبةً وجمالا، فيا خُسران بني الإنسان! النوازلُ الفاجعاتُ ليست إلا مُعلِّمًا تمنحُه الطبيعةُ للإنسان ليتّضِعَ ويتهذَّبَ ويتأدَّبَ ويزداد سموًّا وتأملاً لنفسه وللحياة، ليعرف كم هو صغيرٌ وكم هو بحاجة إلى أشقائه في الإنسانية، فلا يتعالى ولا يتنمَّرُ ولا يغترُّ بمال ولا بجبروت ولا بصحّة ولا بمكانة. وهذا المعلِّم الحاسمُ أتعابُه باهظةُ الثمن، بكل أسف. ليس تعليمًا مجانيًّا. لهذا وجب علينا التعلُّم بقدر ذلك الثمن الباهظ الذي ندفعه، لكيلا نكون جماعةً من الحمقى الأغبياء.
المِحَنُ والفواجعُ تُجمِّعُ ولا تفِّرق. تُرقِّق الأرواح وتمحو الغلاظةَ من قلوب القُساة. فإن لم تفعلُ الجوائحُ بنا هذا، فنحن نستحقُّها، ونحن أهلٌ لما تفعله بنا من أوجاع.
ما حدث مع شهيدة الواجب طبيبة الدقهلية من قِبل بعض الجهلاء الذين تجمهروا في المقابر كالحوشة لمنع دفنها؛ بعد تصديقهم شائعات الإخوان الرخيصة، كان كارثةً أخلاقية بكل المقاييس، تُخجلنا أمام منصّة الإخلاق والإنسانية، وأمام منصّة مصريتنا الشريفة. ولكن ردّة فعل الشعب المصري الكريم الغاضبة والرافضة لذلك الانحدار الخلقي، والمُطالبة بتكريمها، سِمةٌ جميلة غير مُستغربة من شعبنا الطيب. وما فعلته الدولة إزاء تلك الواقعة المخزية، أمرٌ كريم يؤكد أن مصرَ دولةٌ متحضرة كما يليق باسمها الشريف. وهنا نشكرُ المستشار "حماده الصاوي"، النائب العام، الذي أمر بالتحقيق العاجل في تلك الواقعة المشينة، وحبس المشاغبين الغلاظ في قرية "شبرا البهو" التابعة لمركز "أجا" الذين كشفوا عن عوراتهم الأخلاقية؛ بتحريضهم الأهالي على التجمهر وإشعال النيران لمنع دفن جثمان الطبيبة المتوفاة بكورونا. كما نقدّم تحية الاحترام للدكتور "أيمن مختار"، محافظ الدقهلية، لإطلاقه اسم الطبيبة الشهيدة (سونيا عبد العظيم عارف) على إحدى مدارس الدقهلية، وإن كنا نرجو أن يُطلق اسمُها على القرية بأكملها، تخليدًا لذكراها بعدما دفعت روحها ثمنًا لإسعاف المصابين بالفيروس الشرس. فهذا في الواقع تشريفٌ للقرية أكثر من كونه تشريفًا للشهيدة الجميلة. فأجرها عند الله تشريف لا مثيل له.
وفي مقابل تلك الخِّسّة المستغربة من شعبنا المصري، نجدُ آيات السموّ الأخلاقي كامنةً في شعبنا الطيب. هنا أقدّم التحية لصديقي الفنان الجميل (عمرو سعد) الذي أعلن استعداده لفتح مقابر عائلته لدفن ضحايا كورونا، بل وترحيبه بحمل صناديق النعوش بنفسه، غير عابئ إلا بالقيم الإنسانية النبيلة. وتلك لمحةٌ أخرى تؤكد أنه فنان كبير وصاحب مواقف مشرّفة طوال مشواره الفنيّ. ولمثل تلك المواقف الجميلة، وقع اختياري عليه ضيفَ الشرف في صالوني الفكري شهر ديسمبر 2018، حين ناقشنا قيمة (الإنسان عند السلف الصالح، الجد المصري القديم )؛ بعدما تبرّع بقيمة جائزته كأفضل ممثل في المهرجان القومي السينما، للطفلين (فادي، ومينا) نجلي شهيدة مذبحة دير الأنبا صموئيل بالمنيا. هكذا يكون "الإنسان".
كذلك نشكر قوّاتنا المسلحة والداخلية للمسة الجميلة التي قدّموها بالاحتفال بعيد ميلاد الطفلة "فرح" ابنة الشهيد عميد/ "هشام عزب"، الذي استشهد قبل أربعة سنوات أثناء تأدية واجبه في مكافحة الإرهاب. تلك اللمسات الطيبة تكرّس فينا قيم الخير والتحضّر.
في كتاب "نظرية المشاعر الأخلاقية" The theory of Moral Sentiments، يقول الفيلسوف الإسكتلندي "آدم سميث" إن الصالح العام لا ينفصلُ عن الصالح الخاص. فالخيرُ أوانٍ مستطرقة يصبُّ بعضُها في بعضِها. وما تفعله مع الآخر، سوف يعود عليك وإليك، عاجلا أو آجلا.
وفي القصة العظيمة: "البيضة"، للكاتب الأمريكي "آندي وير" نتعلّم الدرس الجميل التالي: في كلِّ مرَّة تعتدي فيها على أحدٍ، فإنما تعتدي على نفسك. وأن كلَّ خيرٍ تفعله لأحد، فإنما تفعله لنفسك. وكلُّ لحظة فرح أو حزن مرَّت على أيٍّ من البشر، أو ستمُرُّ، فأنت بالتالي اختبرتها، بشكلٍّ أو بآخر.
الإنسانُ السويُّ تتجلّى أفكارُه ومعتقداتُه وبيئته وأسرتُه وأخلاقُه في سلوكه وآدابه وطرائق تعامله مع البشر والحيوان والنبات. كلُّ إنسانٍ هو سفيرٌ جيدٌ، أو رديء، لعائلته وبيئته ومعتقده.
تحية احترام لجميع النبلاء العاملين في المجال الصحي من أطباء وممرضين ومُسعفين وسائقين، وتحية احترام لكل نبيل في هذا الكون، في هذه الأوقات العصيبة من حياة الكوكب المُمتحن بالويل والنوازل. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”

***