مصادفة الوباء لعالم يمر بأزمة مناعة ..


حمدى عبد العزيز
الحوار المتمدن - العدد: 6535 - 2020 / 4 / 12 - 15:27
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات     

ستبقي هناك ثمة قضية أساسية في تناول اللحظة الأليمة التي تمر بها البشرية الآن ، وهي أن وباء الكرونا جاء في وقت لم يكن النظام الرأسمالي العالمي المهيمن علي أسواق ودول العالم قد وصل بعد لحل يخرجه من فكاك تداعيات أزمة 2008 ..
وهذا شكل أثراً عميقاً علي مدي جاهزية دول العالم لمواجهة خطر هذا الوباء بشكل أكثر فاعلية ، وبما يرتقي لدرجة خطورته وشراسته وتهديده للبشرية ، في ظل سياسات التقشف التي اجتاحت العالم ، والتي تركزت فاعليتها في تقليص الإنفاق علي مجالات الرعاية الصحية ، وإطلاق يد القطاعات الخاصة في تولي هذا الأمر بمايعني خضوع برامج الرعاية الصحية لقوانين الربح الرأسمالي ، ومدي الملائمة للإستثمار الرأسمالي الخاص علي النحو الذي قلص المنشآت الصحية ، وجعل سياسات الإنشاء والتخصص والتوسع في هذه المجالات تقتصر رويداً رويداً لتكون ملائمة لاحتياجات أقلية السكان من الأغنياء والقادرين الذين يشكلون الطلب الذي يحقق الأرباح لأصحاب المؤسسات والمراكز الطبية ، وهذا نفسه ماشكل سياسات احتكارات الدواء العالمية ..
ومن ناحية أخري فقد دأبت المؤسسات المالية الدولية المقرضة إلي فرض هذه السياسات التقشفية علي دول العالم خارج المراكز الرأسمالية ، وبالقطع يمكن تصور أن هناك أمثلة لبعض الإستثناءات التي افلتت نسبياً من هذه السياسات ، واستطاعت أن توظف جوانب أكبر من الإنفاق الحكومي علي مجالات الصحة ، وهذا ماتبينه الأحداث الآن في تزايد القدرة النسبية علي مواجهة الوباء لبلاد مثل الصين ، وروسيا ، وكوبا ، وكوريا الشمالية ، وبعض دول الشمال الأوربي التي بقي لها - لحسن حظ شعوبها - رصيد من سياسات الضمان الإجتماعي التي راكمتها عبر عقود طويلة فيما سمي بدول الرفاه الاجتماعي الأوربية التي لم تكن قي توغلت كثيراً في سياسات التقشف بحيث لم تجهز بعد علي كامل ماأنجزته سياسات الرفاه الإجتماعي (الدول الإسكندنافية) ..
ولكن المحصلة النهائية لذلك هو أننا أمام لحظة اجتياح الوباء للعالم في وقت فشل فيه النظام العالمي في تجاوز أزمتة الإقتصادية التي انفجرت في 2008 نتيجة سيادة قطاعات رأس المال المالي وهيمنتها علي النظام العالمي ..
ولذلك فإن كل التوقعات تتجه إلي اعتبار أن محنة اجتياح وباء الكرونا لن تمر مرور الكرام علي النطام العالمي الحالي ، الذي كانت قد بدأت مؤشرات تداعيه ابتداء من العقد الثاني في هذا القرن ، ومن الطبيعي أن يتوقع المتابعون للمحنة الإنسانية المتمثلة في إتساع خطر الوباء في وتعمق خطره في أوربا وأمريكا ، وتوسع أعداد مصابيه وضحاياه من البشر ، وتأخر إكتشاف اللقاح الحاسم الذي يستطيع أن يوقف هذا العدو الغامض ، بما لذلك من تداعيات حادة علي الإقتصاد العالمي وأنظمته المالية والإئتمانية ، وما قد يترتب علي أزمات تضخم الديون العالمية من انهيارات إئتمانية وسياسية كبري ، وما يمكن توقعه بناء علي ذلك من أزمات إجتماعية حادة سيكون لها تأثيرها العميق علي سياسات الدول بما ينذر بأن تكون مرحلة مابعد وباء الكرونا هي مرحلة جديدة في الصرعات الدولية وحروب تكسير العظام اللازمة لتشكل نظام دولي بديل لنظام كان أصلاً يعاني من بدايات التداعي وجاء وباء الكوفيد - 19 ليعبر بدرجات التراكم الكمي لأزمات النظام الحالي إلي نقطة الدرجة المائة التي يبدأ عندها الماء في التحول إلي شكل آخر هو البخار ..
__