ركلةٌ في أسنان البشر


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 6531 - 2020 / 4 / 7 - 13:03
المحور: المجتمع المدني     

يبدو أننا تمادينا في الركض المحموم سنواتٍ وآبادًا؛ حتى تقطّعت أنفاسُنا، ومزَّق لهاثُنا الظامئُ نياطَ رئاتِنا وقلوبنا. وكان لابد من شيء يُجبرنا على التوقّف، والتقاط الأنفاس، ثم النظر إلى الخلف؛ لنرى إن كُنّا خلال رحلة ركضنا قد دهسنا شيئًا ما: (مبدأ- قيمة)، أو شخصًا ما.
وبينما نحن في البيت، بأمر كورونا، دعونا نتسلّى بالنظر داخل أنفسنا؛ علّنا نرى أشياءَ لم نرها من قبل.
تُرى: ما ردَّةُ فعلنا حين نعملُ الحَسَنَ فنُقابل بالقبيح؟ حين نُقدّمُ الإحسانَ؛ فيردُّ الذين أحسنّا إليهم بالجحود والإساءة؟ هل نتوقفُ عن الإحسان، ونردُّ الإساءةَ بالإساءة، متّبعين ما أخبرنا اللهُ عمّا حكم به في التوراة، كما في سورة المائدة: “وكتبنا عليهم فيها أنَّ النَّفسَ بالنَّفسِ والعينَ بالعين والأنفَ بالأنفِ والأُذُنَ بالأُذُنِ والسِّنَّ بِالسِّنِّ والجُروحَ قِصَاصٌ،”؟ أم نتّبعُ ما ورد في خاتمة الآية نفسها من صفح ومغفرة: “فمَن تَصدَّقَ به فهو كفَّارةٌ لهُ.”، مثلما أوصانا السيدُ المسيح بأن نحبَّ أعداءنا ونباركَ مُبغضينا ونحسنَ للذين يسيئون إلينا؟
معادلةٌ صعبة وقضيةٌ إشكالية؛ ينقسمُ البشرُ حِيالها فريقين. فريقٌ يختارُ الإحسانَ في كل حال، وفريقٌ يختارُ ردَّ الصاع صاعًا وصاعين وصِيعانًا. ولكلِّ امرئ من بني الإنسان ما اختار من سبيل.
فيما يلي رسالةٌ ضدَّ العالم. ولكنها كذلك من أجل صلاح العالم. رسالةُ إدانةٍ، ومصالحة. رسالةُ توبيخ، وتهذيب. رسالةٌ راصدةٌ ورافضةٌ لكلّ ما في البشر من قبح وظلم وتمييز وعنصرية وطائفية وأنوية وغلظة وسخافة وفوضى. ولكنها، في ذات الوقت تسامحُ كلَّ ما سبق من شرور وضيْم، فتحنو على عالمٍ قاس، وتمنح الجاحدين القساةَ مزيدًا من الإحسان والحنوّ، وتهِبُ الباغضينَ مزيدًا من الحُّب. رسالةٌ كتبها طالبٌ في جامعة هارفارد؛ حين نظر حوله ورصد كلَّ ما في العالم من ظُلم وتناقضات. كتبها ليُدين العالم بيدٍ، ويمنحه غفرانَه باليد الأخرى. رفع إصبعَ الاتهام الغضوب في وجه البشر، ثم أشار بذات الإصبع نحو قلبه ليُخرج ما به من غفران وسلام.
وضع الفتى أفكارَه الغاضبة في قصيدة، ولم يدر أنها ستجوب الدنيا شرقًا وغربًا؛ وتتحول إلى منشورات تُعلّق على جدران المدارس والجامعات. والأهمُّ أن تُعلَّق على جدران القلوب الطيبة. وبعد عشرين عامًا، وجدها معلّقةً على جدران ملجأ "الأمّ تريزا للأطفال" في كالكتا بالهند، فقرِّر، وضعها في كتاب منحه عنوان: ("على كلِّ حال": الوصايا المتناقضة: البحث عن المعنى الذاتي في عالم مجنون).
Anyway: The Paradoxical Commandments: Finding Personal Meaning in a Crazy World.
هي الوصايا العشر، التي كتبها المفكر الأمريكي "كِنت م. كيث" Kent M. Keith. كلُّ وصية مكونة من قسمين: 1- حقيقةٌ مؤلمة، 2- وصية مناقضةٌ لتلك الحقيقة المؤلمة. وصايا تحمل تأملاتِ الصبيّ، وتحمل كذلك تجاربنا جميعًا. فكلُّ من يقرأها سيقول لنفسه: "نعم، حدث لي هذا!”؛ لكنه سيجد أن كلَّ حقيقة عدمية مؤلمة، مُذيّلةٌ بوصية تنقضُها؛ وتحمل فكرة طوباوية.
ترجمتُ لكم تلك الوصايا عن الإنجليزية. لكي نتأملها في ليالي الحظر التي نهجرُ فيها العالمَ ونُصاحب أنفسَنا. ومَن يبحثُ عن أصل الوصايا بالإنجليزية، سوف يلاحظ أن الكاتبَ قد لعب على أحابيل اللغة؛ فاستخدم الجِناسَ أحيانًا، كما في كلمتي: (underdogs – top dogs) وفي أحايين أخرى استخدم الكنايات الاصطلاحية كما في: (Kick the teeth)، وغيرها.

البشرُ غير منطقيين. لا عقلانيون ومتمركزون حول ذواتهم. أحببْهم، في كل حال.
حين تصنع الخيرَ، سوف يتهمك الناسُ بأنك تُخفي مصالحَ مُضمرَةً. اصنعِ الخيرَ، في كلّ حال.
إذا كنتَ ناجحًا، سوف تحصدُ أصدقاءَ زائفين، وأعداءَ حقيقين. كن ناجحًا في كل حال.
الإحسانُ الذي تُقدّمه اليومَ، سوف يُنسى مع الغد. قدِّمْ الإحسانَ في كل حال.
الأمانةُ والصدق، سيُعرّضانك للهجوم والانتقاد. كُن أمينًا وصادقًا، في كل حال.
الكبارُ ذوو الأفكار العظمى، معرّضون للاغتيال برصاص الصغار التافهين ذوي العقول الضحلة. كن عظيمًا متحضّرًا، في كل حال.
الناسُ يشفقون على الضعفاء، لكنهم يتبعون الجبابرةَ الطُغاة. كافحْ من أجل الضعافِ، على كل حال.
ما أنفقت سنواتٍ من عمرك في بنائه، قد ينهارُ بليلٍ. ابنِ وشيّدْ، على كل حال.
الناسُ يحتاجون مساعدتك دائمًا. لكنهم قد يهاجمونك إن ساعدتهم. ساعدِ الناسَ، على كل حال.
امنحِ العالمَ أفضلَ ما لديك، وسوف تنالُ ركلةً في أسنانك وتُقابَل بمنتهى الإساءة. امنحِ العالمَ أفضلَ ما لديك، على كل حال.
“الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”

***