ما هذا الحزن..الذي يلف العالم!؟


ماجدة منصور
الحوار المتمدن - العدد: 6531 - 2020 / 4 / 7 - 10:15
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات     

و واصل زرادشت سيره متفكرا و هو ينحدر أكثر فأكثر عبر الغابات، مارا بمستنقعات، لكن و كما يحدث لكل من يفكر باشياء عظيمة الأهمية، ها هو يدوس بغفلة منه على إنسان، و إذ وابل من صراخ ألم و بذاءتين و عشرين شتيمة تبصق كلها دفعة
واحدة في وجهه، مما جعلهخ في غمرة الذعر يرفع عصاه و يهوي بها على ذاك المداس، لكنه سرعان ما عاد الى رشده، و إذ قلبه يضحك من الحماقة التي إرتكبها للتو.
(( عفوا)) قال مخاطبا ذلك المداس الذي هبُ حانقا ثم جلس من جديد, ((عفوا)) ثم إليك بهذا المثل.
مثل مسافر منشغل بالتفكير في اشياء بعيدة ترتطم قدمه دون إنتباه منه بكلب نائم ، كلب كان مستلق في الشمس،.
و كيف يقفز كل منهما و يرتميان الواحد على الآخر مثل عدويين لدودين مذعورين كلاهما من الآخر، هكذا حدث لنا الآن نحن أيضا.
لكن!!! كيف وجدا نفسيهما على أهبة أن يعانق أحدهما الآخر!!! ذلك الكلب و ذاك المسافر وحيدا! إذ كان كلاهما وحيدين حقا.
( لتنظر إذا!! أنا الكلب!!)
(( هيهات ! أجابه زرادشت مشفقا و هو يمسك به من زيله: أنت مخطئ...أنت لست في موطنك هنا بل في مملكتي و لن أسمح أن يصاب أحد منها بأذى.))
و لتدعني بما يحلو لك من الأسماء على أية حال، إنني الذي يجب أن يكون. أما أنا فأدعو نفسي زرادشت.
هكذا تحدث زرادشت
البارحة خرجت من عزلتي الطويلة إذ كنت بحاجة ماسة لشراء عطر فأنا سيدة الورد و بالعطر أحيا.
قدت سيارتي و كانت الشوارع شبه فارغة من المارة...المحلات مقفلة و الحزن يخيم على المدينة!
فجأة...سألت نفسي: أتودين التعطر في زمن الكورونا؟؟
أجبتها ساخرة: نعم...ولن أموت إلا و أنا منتشية بعطوري فأنا لم أختار كيف سأحيا و لكني مصرة على إختيار طريقة موتي...فلن أموت إلا بعطر.
ولن أُدَفن إلا محترقة بالبخور.
أي حزن يبعث فينا الكورونا!
أي شفقة يثيرها هذا القاتل العادل!! تساءلت بدهشة حينما رأيت محل العطر و قد أغلق أبوابه...نظرت الى اليافطة المعلقة التي تقول: نأسف للإغلاق...فنحن في زمن الكورونا!
أي حزن فينا...يبعث الكورونا!!
أي شفقة فينا...يثيرها هذا القاتل العادل!!
تجولت في أنحاء المول الكبير و رأيت الرعب الصامت ينطق من أعين البشر...كانت أعين خائفة...مذعورة...تائهة...وكانوا يرتدون أقنعة واقية و كأننا في حرب بيولوجية!! اي و الله.
أحسست إنقباضا مفاجئا في قلبي...
و أدركت أي حزن يبعث فينا الوباء.
بالأمس فقط كنا نرقص على وتر الحياة و نهزأ منها.
بالأمس فقط كانت بيوتنا تعج بالصديقات و الأصدقاء.
بالأمس فقط كانت أعمالنا مزدهرة كورد الربيع.
بالأمس فقط كانت ضحكاتنا تهز الكون.
إنها قصة الأمس.
إنها قصة الحياة.
فنحن لم نعد كما كنا.
و حياتنا...لم تعد حياتنا.
هل يمكن للزمن أن يعود بنا...لتاريخ ما قبل كورونا؟
أبدا
لا يمكن
مستحيل
فهذا الوباء قد جعلنا أشد إنسانية و أرق إحساسا و أرهف شعورا و أكثر تعاطفا مع جميع هؤلاء المعذبين على الأرض.
ها هي كورونا قد صفعتنا صفعة قوية على وجوهنا و على قفانا.
ها هي كورونا و قد علمتنا الأدب...أي و حق عشتار.
يا لتفاهتي حين أحزن على عدم شرائي عطرا و في ذات الوقت تصفعني صفحات التواصل الإجتماعي بصورة بشر يتساقطون موتى و هم بحسرة لرؤية أحبائهم ..و للمرة الأخيرة!!!
هذا هو العبث.
إنه العبث بأجلى تجلياته.
تجليات العبث.
لقد تحولت العواصم الكبيرة لمقابر أموات ليس إلاُ.
و تحطم غرور القتلة على أعتاب فيروس مجهري.
لقد كسرت كورونا تيجان الملوك و إنتزعت مليارات الدولارات عنوة من خزائن ملوك الحرب و القتل و الدمار.
يكفي كورونا شرفا أنها أطاحت برؤوس الكبار قبل الصغار.
هاهو زمن العدالة الكورونية يطل علينا....مستهزئا بكل نذالتنا و حقارتنا و سفاهتنا و جبروتنا وعنجهيتنا.
لقد اسقطت كورونا ورقة التوت...التي تستر بها مستر آدم...و حرمه المصون حواء.
الحق الحق اقول لكم: ستسقط الكورونا الرأسمالية البغيضة لقعر جهنم غير مأسوف عليها و على أيامها السودا.
الحق الحق أقول لكم: ستقودنا كورونا - غصبا عن جميع الطغاة- لإنسانيتنا التي شوهها الدولار و اليورو و النفط الأسود اللعين.
فرب كورونا توقظ النائمين.
و رب كورونا لا تفرق بين أمير و غفير و حقير.
رب كورونا تصفع وجوهنا بسطل مياه باردة...عللنا نستفيق.
رب كورونا تجعلنا نسقط اسلحة حروبنا المقيتة.
رب كورونا تلدغنا لنستيقظ على بشاعة ما صنعت أيدينا.
رب كورونا تٌصرح لنا قائلة: ليس بالحرب يحيا الإنسان.
فيما مضى، كان العقل إلها، ثم تحول إنسانا ، بعد هذا غدا عقلنا أداة دمار شامل للأمم المستضعفة و الشعوب الفقيرة.
لقد بات الخطر تحت ذقون الطغاة ...يبدو أن قوانين الكون تعيش لحظة إنسجامها الآن.
فما نحن سوى أمواتا ندفن أمواتنا.
هذه هي الصورة الآن...و مافي غيرها.
إنها المحكمة الكورونية العظمى قد أقامت سياج عدالتها كي تقتلع حناجر كل القتلة و الطغاة و تجار الآنسان فليس بالسلاح يعيش الإنسان و إنما في طبيعة متناغمة متناسقة متآلفة تسمح لجميع البشر أن يحيوا فيها و بها.
لتنتحر الرأسمالية الهشة فقد باتت فضيحتها ( بجلاجل).
وها نحن نراها تختبئ مذعورة كفأر أجرب.
و لنا في ترامب و ملوك النفط و أيردوغان و خامنئي عبرة لمن...لا يعتبر.
لقد أتى علينا هذا التاريخ ______ما قبل كورونا
و ما بعد كورونا
و اللهم: لا شماتة.
و لا عزاء للطغاة.
هنا أقف...للحديث بقية