لم يُمكن للفيروس التاجي أن يشعل فتيل المُسْتَعِر الأعظم للرأسمالية / 1


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 6529 - 2020 / 4 / 5 - 14:50
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات     

ترجمة لمقالة عالم الاقتصاد البريطاني الدكتور جون سميث (Dr. John Smith)
ملاحظة المترجم
بعث الدكتور جون سميث هذه المقالة لي بالبريد الإلكتروني بعد سويعات من فراغه منها و ذلك قبل أيام ثلاثة ، و هذه هي ترجمتي لها [الكلمات بين أقواس كبيرة لي ]. و يستخدم المؤلف في مقالته هذه استعارة "المُسْتَعِرُ الأعظم" (Supernova سوبر نوفا) لوصف الانفجار الهائل الذي سيحصل للنظام الرأسمالي العالمي و الذي لاحت بوادره في الأفق مع انتشار جائحة الفيروس التاجي (كوفد – 19) في كل قارات العالم . و المُسْتَعِرُ الأعظم هو انفجار نجمي هائل يقذف فيهِ النجم بغلافهِ في الفضاء عند نهاية عمره مكوّناً سحابة كروية براقة للغاية من البلازما حوله ، أما مركز النجم فينهار على نفسه نحو المركز .
و لقد نشر المؤلف مقالته بعدئذ على الموقع الإلكتروني (opendemocracy) كجزء من الملف المعنون "إنهاء الاستعمار الاقتصادي" و نسختها الأصلية متوفرة على الرابط :
https://www.opendemocracy.net/en/oureconomy/why-coronavirus-could-spark-capitalist-supernova/

نص الترجمة :
"لا توجد شجرة سحرية تنتج المال . و كل ما تسمى بـ "حزم الإنقاذ" إنما تستهدف إنقاذ نظام متعفن ، و لن يُكتب لها النجاح .
لقد أنحدر العائد العالمي إلى أدنى مستوى له طوال 500 عام من التاريخ المسجل . لدينا الآن 10 تريليونات دولار من سندات الخزينة ذات الفائدة السلبية . و "هذا المُسْتَعِرُ الأعظم (سوبر نوفا) سوف ينفجر في يوم من الأيام " مثلما غرّد "بيل غروس" - المشهور بلقب "ملك سندات الخزينة" - في عام 2016 .
لقد حان محان هذا اليوم . تواجه الرأسمالية الآن أعمق أزمة لها طوال عدة قرون من وجودها ، فقد بدأ الركود العالمي القائم يدمر بالفعل حياة مئات الملايين من العاملين في جميع القارات . وستكون العواقب الوخيمة على العمال والفقراء في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية أشد من تلك التي ستصيب من يعيش منهم في أوروبا وأمريكا الشمالية ، سواء فيما يتعلق بالأرواح المفقودة بسبب فيروس كورونا أو التهديدات الوجودية لمليارات الأشخاص الذين يعيشون بالفعل في فقر مدقع . و سيتم الكشف بشكل أسطع من أي وقت مضى عن حقيقة كون الرأسمالية - النظام الاقتصادي القائم على الأنانية والجشع وقاعدة "الكلب يأكل الكلب"- إنما تتعارض مع الحضارة . إن التنافس بين القوى الرأسمالية القائمة من جهة و القوى الرأسمالية الصاعدة من جهة أخرى سيصبح غير قابل للاستمرار : فبدلاً من النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية ، دخلنا الآن في الفوضى العالمية قبل الحرب العالمية الثانية . إن الاشتراكية أو الهمجية هما الآن الخياران اللذان يواجهان العمال والشباب في جميع القارات .
لماذا يُعد "المُسْتَعِرُ الأعظم "(السوبر نوفا) هو الاستعارة الملائمة بشكل خاص لما هو على وشك أن يتكشَّف ؟ و كيف يمكن لكائن حي بقطر يقل 1000 مرة عن قطر شعرة الإنسان أن يحفز انفجار مثل هذه الكارثة ؟ وماذا يمكن للعمال والشباب والمحرومين في العالم أن يفعلوا للدفاع عن أنفسهم ، و "توليد عالم جديد من الرماد القديم" مثلما تقول ترنيمة العمل الأمريكية المعنونة : "التضامن إلى الأبد" ؟
للحصول على إجابات مفيدة لهذه الأسئلة ، نحتاج إلى فهم لماذا كانت "الأزمة المالية العالمية" التي بدأت في عام 2007 أكبر بكثير من مجرد أزمة مالية ، ولماذا كانت الإجراءات المتطرفة التي اتخذتها حكومات مجموعة السبع والبنوك المركزية لاستعادة قدر ضئيل من الاستقرار – على وجه الخصوص "سياسة تصفير سعر الفائدة" التي وصفها مصرف "مورغن ستانلي" بأنها "كوكايين الكراك للأسواق المالية" – هي التي هيأت الظروف لانفجار أزمة اليوم . [كوكايين الكراك هو الصنف النقي من مخدر الكوكايين الذي يؤثر على كيمياء مخ المستخدم فيسبب له النشوة وزيادة الثقة بالنفس وفقدان الشهية والأرق وزيادة الطاقة والشغف للمزيد من الكوكايين و جنون العظمة . ]
"القضايا الصحية الأساسية" للرأسمالية العالمية
اتسمت المرحلة الأولى من المستعر الأعظم للرأسمالية بانفجار داخلي مماثل للانخفاض طويل الأجل في أسعار الفائدة الذي حصل قبل بداية الأزمة البنيوية لعام 2007 ، والذي تسارع منذ ذلك الحين ، ثم سقط من الهاوية تمامًا عندما بدأ الفيروس التاجي بانتشاره في أوائل كانون الثاني ، 2020 . و لقد نجم انخفاض أسعار الفائدة بشكل أساسي عن عاملين هما : ميل معدل الربح إلى الانخفاض ، وتضخم رأس المال ، أي أن مؤشره بات ينمو بشكل أسرع من قدرة العمال والمزارعين على تلبية تعطش رأس المال للعمل المأجور غير المدفوع الأجر [فائض القيمة ] . "رأس المال هو عمل ميت ، و هو مثل مصاص الدماء ، يعيش فقط عن طريق امتصاص العمل الحي ، و هو يعيش أطول كلما زاد العمل الذي يمتصه" (ماركس ، رأس المال المجلد 1) .
و يتحد هذان العاملان لتشكيل حلقة جهنمية من القوة التدميرية الهائلة . دعونا نتفحص أهم روابطها.
هناك أشياء كثيرة من شأنها أن تحجب وتتعارض مع انخفاض معدل الربح الرأسمالي ، ومن أهمها تحول الإنتاج من أوروبا وأمريكا الشمالية للاستفادة من معدلات الاستغلال الأعلى المتوفرة في الدول ذات الأجور المنخفضة [ في الجنوب]. و يتجلى انخفاض معدل الربح في الإحجام المتزايد من طرف الرأسماليين عن الاستثمار في الأنشطة الانتاجية ، مقابل التزايد المضطرد في الاستثمار في العلامات التجارية والملكية الفكرية وغيرها من الأنشطة الطفيلية غير الإنتاجية . و لقد تضخم هذا الإضراب الاستثماري الرأسمالي الذي طال أمده من خلال التحول العالمي في الإنتاج جراء زيادة الأرباح عن طريق خفض الأجور بدلاً من بناء مصانع جديدة ونشر تطبيقات التقنيات الجديدة. ويتيح هذا الزيادة الكبيرة في الأسعار ، مما يدفع إلى تراكم الثروة الهائلة التي لا يستخدمها الرأسماليون بشكل منتج - وبالتالي إلى تضخم رأس المال . وينتج عن هذا بدوره انخفاض أسعار الفائدة - حيث يتنافس الرأسماليون مع بعضهم البعض لشراء الأصول المالية ، ويزايدون على أسعارهم ، فتنخفض نسبة تدفقات الإيرادات التي ولدوها - وبالتالي تتدنى أسعار الفائدة. و يفضي انخفاض أسعار الفائدة إلى نتيجتين أساسيتين : تضخم فقاعات الأصول وتراكم جبال الديون . و كلاهما يمثل في الواقع وجهين لعملة واحدة : فلكل دائن هناك مدين ؛ و كل دين هو الموجودات لشخص آخر. و يمكن أن تنكمش فقاعات الأصول إذا ما زادت الإنتاجية ، وإلا فإنها ستنفجر ؛ كما يمكن للنمو الاقتصادي ، مع مرور الوقت ، أن يؤدي إلى تآكل جبال الديون ، وإلا فسوف ينهار. ألا أن ركود الإنتاجية في جميع أنحاء العالم وانخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي منذ عام 2008 – حيث أصبح أقل مما كان عليه في أي عقد منذ الحرب العالمية الثانية - أدى إلى ما أسماه "نوريل روبيني" بنشوء "أم جميع فقاعات الأصول" ، لكون إجمالي الديون (إجمالي ديون الحكومات والشركات والأسر) المتفاقم أصلاً قبل الانهيار المالي لعام 2008 قد تضاعف حجمه . و برز نمو هذا الدين بشكل خاص في ما يسمى بالأسواق الناشئة ، حيث بلغ إجمالي ديون أكبر 30 شركة فيها 72.5 تريليون دولار في عام 2019 - بارتفاع بنسبة (168%) خلال السنوات العشر الماضية طبقاً لبيانات بنك التسويات الدولية. و تمثل حصة الصين 43 تريليون دولار من هذا ، مقارنة بـ 10 تريليون دولار فقط قبل عقد من الزمان . باختصار ، فقد كانت الرأسمالية العالمية تعاني من "مشاكل صحية أساسية" قبل فترة طويلة من الإصابة بالفيروس التاجي ، فدخلت فعلاً غرفة العناية المركزة .

يتبع ، لطفاً .