ما بعد قدوم غودو الربيع المفترض


مازن كم الماز
الحوار المتمدن - العدد: 6528 - 2020 / 4 / 4 - 23:11
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية     

كم كان فلاديمير و إستراغون محظوظين و هما ينتظران غودو , كان بإمكانهما أن يتسكعان , يلعبان , يحلمان بلون معطف غودو , بأغنياته , لون عينيه , بزنابق كان سيأتي بها ذات ألوان تختلف تماما عن أي شيء سبق أن رأيناه , أشياء جديدة كل الجدة , أشياء لم يروها و لم يعرفوها من قبل , حتى لو كانا يدركان جيدا أنها غير موجودة و أنها لن تأتي .. بالنسبة لنا , من فاجأنا غودو بقدومه , بتفاهته و تفاهة كلماته , قاتلا كل أحلامنا , آخر أكاذيبنا الصغرى و الكبرى , لقد خسرنا كل شيء , اصبحنا عاجزين عن الانتظار , بلا زمان و بلا مكان , لنصبح و لأول مرة , بشرا حقيقيين , لا يكترثون لشيء في عالم لا يكترث … لقد جاء غودو و أصبحنا اليوم , من لم نتمكن من فقأ أعيننا و تعويد ألسنتنا على ترديد تفاهات القطيع في الوقت المناسب , أصبحنا مضطرين أن ندرك فجأة استحالة و تفاهة كل شيء .. تبا , كان من الأفضل ألا يأتي غودو : طوبى لمن ماتوا , أو استشهدوا كما تقول الكلمة الدارجة , قبل مجيئ غودو … انهيار عام , شامل , أصابنا , اصاب كل شيء , كل مكان : كل ما ( من ) كان يبدو حقيقيا , إنسانيا , طيبا , انكشف فجأة عن أسوأ هوس بالسلطة , تشبيح و غباء , تقديس للغباء , عبادة للسجون و رغبة عارمة في لعب دور العسس و الأمير و الخليفة و الجنرال … كيف صارت طرقات مطرقة نيتشه ترعبنا و تثير فينا الرغبة بالهروب إلى القطيع , و كيف صرنا نفر من أخلاق السادة إلى أخلاق العبيد , كيف بتنا نقدس السلاسل و السجون و الجدران التي بلا نوافذ , كيف أصبحنا سجناء و حراس سجوننا .. اليوم , ما عدا المهووسون بالسلطة حتى الثمالة و أصدقائهم الأغبياء , نضطر أن نفتح أعيننا كل صباح لنرقب أشعة شمس ميتة تطل على عالم بارد دون أن نملك الجرأة على انتظار أحد و لا الشجاعة على تصديق أكاذيب جديدة .. تبا لك يا غودو , ألهذا جمعتنا