اسكاتولوجيا الأمل بين ميتافيزيقا الشهادة وأنطولوجيا الإقرار


زهير الخويلدي
الحوار المتمدن - العدد: 6526 - 2020 / 3 / 30 - 10:23
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر     

استهلال:
" أحب أن أعرّف الأمل بواسطة استهداف تحرير الطيبة الأصلية" "1
وقع الفلاسفة الذين يشتغلون على مقولة الأمل espérance في الحقبة المعاصرة في سوء فهم وخلط كبير بين لفظي الشهادةtémoignage والإقرارattestation بالرغم من الفوارق في الحقل الرمزي وما تشير إليه التحديدات الاصطلاحية والاستعمال التداولي من فوارق وما تحيل إلى ظروف معينة للتوظيف والاختبار. من المعلوم أن الشهادة تفيد الحركة التي يقر بواسطتها فرد معين بمعرفته المباشرة بشيء أو بموضوع ويسجل عن طريق سرد يعيد من خلاله التذكير بهذه المعرفة. إذا انتقلنا من استعمال أكثر اتساعا فإن شهادة الحواس تشير إلى الاتصال المباشر بالعالم الخارجي والإدراك الحسي وتبدد ضبابية الخيال وأضغاث الأحلام وضعف الذاكرة والطباع المجرد للذهن. إذا كانت قيمة الشهادة تقتضي تحلي الشاهد بخصال الصدق والأمانة والإخلاص والوفاء والموضوعية والابتعاد عن الكذب والتغليط والخداع والتحيز والحكم الانطباعي فإن الصفات الأخلاقية للشاهد لا تتضمن بالضرورة صلاحية المعرفة المشهودة ولا تمنحها اليقين المطلق بل تحتاج إلى قرائن وتأييدات خارجي2 . بيد أن مفهوم الإقرار قد ارتبط عند مارتن هيدجر بقدر الكائن البشري من جهة وجوده الأصيل على الانوجاد ولكن جان نابرت قد ربط رغبة الإنسان في معرفة الله بميتافيزيقا الشهادة والإثبات الأصلي وهرمينوطيقا المطلق في حين أن لفيناس تناول المسألة من زاوية فلسفية طريفة وكشف عن أصالة الشهادة وتحدث عن انتصار اللانهائي وواجب تحمل الذات مسؤولية احترام الغيرية وحفظها من كل وضع مترد3 . لقد التقى ريكور مع لفيناس حينما استضافهما أنريكو كاستيلي في روما سنة 1972 في ملتقى الشهادة وحاول ريكور مقارنة أفكار عمونيال لفيناس في الصفحات التي خصصها لهذا الموضوع في الفصل الخامس من "الوجود مختلفا أو ماوراء الماهية" مع هيدجر في الفصل الثاني من القسم الثاني من "الوجود والزمان" وجان نابرت في "رغبة الله" في الجزء الثالث المعنون ميتافيزيقا الشهادة وهرمينوطيقا المطلق. فكيف أفضى هذا التقاطع الرباعي والتلاقي الافتراضي العجيب إلى التحضير لتأسيس فلسفة الشهادة ؟ وماهي المبادىء التوجيهية والعناصر التكوينية التي ارتكزت عليها هذه الفلسفة؟ وكيف تخلصت من المسلمات الضمنية الدينية ودشنت قولا أنطولوجيا وسردا ايتيقيا حول تجربة الشهادة وحالة الإقرار؟ وماهو دور العلو والخارجية والإثبات الأصلي في منح المجد إلى اللانهائي وفي بناء الشهادة الفلسفة وتحمل المسؤولية تجاه الغيرية الجذرية ؟ وماذا يمكن أن تكون الفلسفة حتى تجعل من الشهادة مشكلا ؟ وهل الشهادة هي مجرد الإعلان عن الإيمان أم هي حضور للفكر أمام المطلق وعلاقة تستدعي التأويل؟ وماذا يمنح الإقرار للبشرية من أمل؟
تفكير ريكور في مسألة الشهادة ليس مجرد تناول عرضي موضوع مطروح للبحث وانما محاولة بغية الامساك بالمفتاح الذي يمكن ان يقود القارئ الى الدخول الى المشروع الريكوري بأسره ، اذ تساعد فكرة الشهادة على تجاوز قطبية الوصف الفنومينولوجي والاسناد5 الهرمينوطيقي وتمكنه من العودة الى الواقع الموجود ، كما يبلغ المرء الى الحد الأقصى في التأويل ويلامس ما لا يمكن تأويله في صميم التأويل ذاته من خلال مناقشة القواعد النحوية الأربعة للشهادة وهي العرض6 والمصداقية7 والتوكيد8 والاستبدال9 ويتحرك في سياق التحاور مع التاريخ واللاهوت، ويشير الى ايجابية إيتيقا الإقرار ليس باعتبارها مصدر للفعل بل كأثر للتجربة التي لا يمكن الاستغناء عنها التي تبشر بالأمل والرجاء10 . ما نراهن عليه عند تناول هذه القضية هو الرد على بعض الأطروحات الكارثية التي تبشر بالنهايات وتقرع أجراس الفناء والتمسك بإمكانية البقاء والتحرر من الشقاء عبر التشبث بالأمل في حسن الوجود. فكيف يعيش المرء تجربة الشهادة؟ وهل يتغير المعنى بتغير الحال في الوضع والمراد من الفعل؟
1- تجربة الشهادة بين السيمونيطقا والهرمينوطيقا:
" لا تشير الشهادة إلى أي شيء آخر عدى نفسها "11
من المعلوم أن الشهادة témoignage في المعنى الديني هي حركة يثبت بها المعتقد إيمانه ويعلنه على العموم وأمام الملأ، أما الإقرار attestation فهو تجربة القول بصحة واقعة وبعبارة أخرى هو علاقة يقيمها شخص معين مع قضية من أجل إنارة العدالة وبالتالي تقديم علامة خارجية وحجة عند التحدث عن شيء معين12 . لقد جاء في المعجم الشامل للفلسفة ما يلي:"شهادة : testimony بالأنغليزية وtémoignage بالفرنسية وtestionium باللاتينية و Zeugis بالإغريقية . وتفيد الشهادة خبرا قاطعا وقيل إقرار مع علم وثبات يقين وقيل بيان الحق سواء كان عليه أو على غيه، ولهذا شبهت الدلالة في كمال وضوحها بالشهادة. وتقام باللفظ أي أن يقول المخبر الشهادة بلسانه وتكون قسما. ولا يؤمن بالشهادة إلا بعد التمحيص والعثور وفي في مجلس حكم وبقصد إصدار حكم وإذا لم تكن عن يقين تسمى إخبارا عن حسبان وتخمين.والشهودvision في التصوف ضد الجحود ويدل على رؤية الحق وشهود المفصل في المجمل هو رؤية الكثرة في الذات الأحدية وشهود المجمل في المفصل هو رؤية الأحدية في الكثرة"13 . فما الفرق بين الشهادة والشاهد؟ ومن يمنح الشاهد صفة الفاعل؟ وماهي العناصر المكونة لفعل الشهادة؟
والحق أن الشاهدTémoin هو أحد العناصر المكونة للعلامةsigne عند بيرس إضافة إلى الرمز symbole والأيقونةIcone ويمكن أن يكون فردا أو حدثا متعينا في الزمان والمكان ويتميز بمجاورة الموضوع ويقيم علاقة مباشرة معه ويعمل على تعيين شيء مخصوص إما عن طريق الإرشاد والإشارة إليه أو من خلال تقديم معلومات عنه بالاسم أو التوقيع وضمائر الوصل وإبراز الوجود. بيد أن الشاهد يظل يتراوح بين الحقيقة والخيال ويدل على موضوعه بطريقة بعيدة ويبقى يخص مجال التجربة الخارجية ويحتاج إلى توسط شواهد أخرى وبالتالي تنقسم الشواهد إلى منحدرة وثانوية مثل الشواهد اللغوية وأسماء العلم وأصيلة وجوهرية حينما تتصل مباشرة بموضوعها كما في علم التاريخ14 . على هذا النحو تكشف سيمونيطيقا الشهادة عن الدلالات المتنوعة للكلمة وتميط اللّثام عن السياقات المختلفة التي يستعمل فيها هذا المفهوم وتحلل إمكانيات اللّغة العادية في التعبير عن هذه التجربة 15 . إن الأطروحة التي يدافع عليها بول ريكور تتمثل في ما يلي: كل فلسفة تعطى معنى إلى تجربة المطلق وتجعل من فكرة المطلق هي شغلها الشاغل تسمى فلسفة شهادة وتفك الشفرة الرمزية لكثافة التجربة. في المستوى الأول يشير بول ريكور إلى المعنى الخبري للمصطلح ويتوقف عند فعل الشهادة بوصفه ضرب من التعلق بما رآه الإنسان واستمع إليه حيث يتحول الشاهد إلى فاعل للفعل وهو الذي رأى وسمع وربط صلة بالحدث. في المستوى الثاني يبحث ريكور في شروط ووضعيات الشهادة وينتهي إلى القول بوجود مسار قانوني خاص بالشهادة وليس مجرد عملية بسيطة ويقسم هذه التجربة إلى حدث وشخص وتشكل صلة حميمية بين الفاعل والوضعية ويشير إلى الدور الاجتماعي للشاهد في المحكمة من أجل تحقيق العدالة وحرصه على تقديم الحجج الكافية والقرائن الضرورية لإثبات صحة دعواه ووجاهة رأيه. في المستوى الثالث يوجد معنى ايتيقي للشهادة يتجلى في ترك الاستعمال المتداول للفظ الشهادة والبحث عن بعد آخر يظهر حينما يتوجه البحث من الحجة والوثيقة نحو الشاهد وفعله وتصبح إشكالية الشاهد مستقلة عن إشكالية الشهادة وتطرح مسألة التفريق بين الشاهد الكاذب والشاهد الحقيقي وبناء على ذلك لا يكون الشاهد من يعلن الشهادة بل من يسرد الأشياء التي رآها وسمع بها وكان وفيا لها ومناسبة لقول الحقيقة16 . في المجمل الشهادة بالمعنى المتداول هي فعل التشهد والشهود témoigner حيث يتم التعلق والارتباط بالموضوع المشهود من طرف الشاهد. غير أن الشهادة ليست الإدراك بل العلاقة السردية التي يقيمها الشاهد نفسها مع ماهو مدرك سواء كان حدثا أو موضوعا آخر والشاهد هو القائم بهذا الفعل. بعد ذلك تصبح الشهادة علاقة ثنائية على المستوى التواصلي وقص الحدث على المستوى الوقائعي التاريخي. بهذا المعنى توجد الشهادة في منطقة وسطى بين قرار اتخذته ذات أولى وقبول من ذات أخرى لهذا القرار وإيمان به. على هذا النحو تضع الشهادة نفسها على ذمة الحكم وتظل موضوع تثبت وتحقيق ومجال برهنة وتأييد. اذا كانت شهادات الحواس تتحرك في العرضي والحادث فإن شهادة الوقائع تتحرك ضمن الحكم القضائي . من جهة ثانية المعنى الاصطلاحي يتعلق بالمؤسسة القضائية ويقوم بوظيفة اجتماعية وهي صيانة العدالة بتقديم المحامي أمام القاضي جملة من الحجج في شكل شهادات لرد الاتهام والدفاع عن براءة موكله. وبالتالي يجب أن تتوفر جملة من الشروط والوضعيات لكي تكون الشهادة التي نعطيها أو تمنح لنا وجيهة. ان فعل الشهادة في هذا الإطار هو فعل إقرار يعلنه الشاهد ويكون في شكل حجة نافية أو مثبتة للحدث وقد تتجسد في وثيقة أو تسجيل أو سرد قصد التحقق من علاقة شخصية مع المعني ومشاهدة عن كثب للقضية. والحق أن الشهادة تأتي من أجل التمييز بين الخطاب الوصفي والخطاب الإلزامي وذلك بالارتكاز على القرار الصائب والفعل الحسن والدفاع عن المتهم وتبرئة المذنب ومنح الحق للسلطة الشرعية على الردع. هكذا تمثل الشهادة مكونا من مكونات الحكم القضائي وتنتمي إلى قرار العدالة وتشكل جزء من الحجاج ولذلك يجمع منطق الشهادة بين البلاغة والجدل والخطابة والاستدلال والرد والتصور والتصديق والإقناع. غير أن الشهادة تتحرك في إطار خارجي عن الموضوع المشهود عليه وعن الحقيقة المشهود بها وتظل مجرد عنصر مكون للبنية الكلية ومسار عبور بين أمرين ووساطة هشة بين عالمين وهذه الخارجية تضعها في موقف صعب وتعرقل وتعطل إمكانية قيام هرمينوطيقا خاصة بها تسمى هرمينوطيقا الشهادة. لكن إذا حاولنا المرور من الشهادة الحجة إلى الشهادة الفعل والحركة فإننا نحصل على شيء جديد وهو الشاهد الفاعل الذي يتميز عن الشاهد الزور أو الشهادة الحية التي تختلف عن الشهادة الميتة أو المزورة. وبالتالي تكون الشهادة الخاطئة هي الكذب في قلب الشاهد خطئه في سرد الوقائع وتزييفه لحقائق التاريخ ويكون الشاهد الصادق هو العادل في روايته والملزم بجملة من الخصال الايتيقية منها الصدق والوفاء والأمانة والإخلاص والإنصات إلى نداء الضمير المنبعث من أعماق الماضي والوجود المدين للتقاليد.
قد يعيش الشاهد وضعية صعبة وقد تكون حياته ممتحنة بالعناء ولكنه يضحي بنفسه من أجل الحقيقة ويقول كلمته ولو على نفسه ويعلن ما يعتقده على الملأ ويشهد على...ويمنح الشهادة لغيره في كل حالة. بيد أن الشهادة ليست مجرد ممارسة قضائية وفعل قولي يلتزم بالصدق وتكون غايته العدالة بل هي معنى وجود والتزام ايتيقي يكون الغرض منه الارتقاء بالشاهد إلى درجة حارس الوجود وشهيدا من أجل الحق.فهل يجب التخلي عن المقاربة الأنطولوجية للشهادة والتعويل على المنظور الايتيقي للتجربة اللغوية؟ وكيف يمكن وضع هيرمينوطيقا الشهادة بين فكر تأملي لا يبلغ المعرفة المطلقة والإقرار الذاتي لإيتيقا لا تتأسس على أنطولوجيا معلومة؟
2- مفهوم الشهادة بين الأنطولوجيا والايتيقا:
" الشهادة الإيتيقية هي وحي révélation وهو ليس البتة معرفة"17
والحق أن فيلسوف الوجود والزمان هو أقل الفلاسفة بالمقارنة مع لفيناس ونابرت وفيخته الذي تصور الشهادة من منظور العلو والخارجية وآيته على ذلك أن العلاقة العامودية هي التي تميز بين فلاسفة الشهادة عن الفلاسفة الذين يجمعون بين شهادة الذات بواسطة الذات والوعي التفكيري أو صوت الضمير. إن سؤال من؟ الذي طرحه هيدجر في الوجود والزمان هو الضامن لقيام هرمينوطيقا الشهادة بالنسبة إلى الذات عن طريق ذاتها وذلك بالمرور عبر الوجودانياتexistentiaux ومن خلال التمييز بين عين الذاتSoi والهمOn وبعد ذلك بواسطة الجمع بين إشكالية الانشغالSouci وإشكالية عين الذاتSoi . لقد حسم هيدجر الأمر مع الفلسفة التفكيرية حينما تساءل عن المعرفة الضامنة لهذا التخصيص الأنطولوجي للدازاين من جهة كونها انشغالا عيانيا بالذات وتمثل تأويلا أصلانيا لهذا الموجود بناء على ذلك إن " الشهادة على اقتدار الوجود الأصيل يمنحها الوعي ". وان العلاقة العامودية هي التي تحول دون قيام صوت الوعي الأخلاقي بالنداء على الذات من الأعلى وتحدث الاضطراب في تطابق الذات مع ذاتها. بيد أن الإستراتيجية التي اتبعها هيدجر تتمثل في استخراج القوة العليا لأصالة الوعي الأخلاقي دون منحه منزلة التعالي والعمل على اختزال التعالي من جهة المضمون ومن جهة المنادى عليه أي الدازاين. وبالتالي لا يستعين الوجود بأي شيء من العلى لتحديد أصالته في حقيقة وجود الانسان وانما يغلب عليه طابع المحايثة. وتصل فلسفة هيدجر إلى مرتبة الوجود الأصيل لا عن طريق التحليل الفنومينولوجي المتعالي بل من خلال شهادة الدازاين على نفسها بوصفها ظاهرة واقعية لوجودها الأصيل ويحدث ذلك عن طريق نداء بلا صوت موجه مباشرة إليه بلا توسط وينبهه لامكانيات وجوده ويلقي به في العدم ويجعل الانشغال بالذات هذا النداء ممكنا ، غير أن نداء الضمير يكشف عن وجود الدازاين في الذنب وذلك نتيجة التناقض بين وجوده الفعلي المفروض عليه وعزمه على صناعة نمط وجوده بنفسه. يرفض هيدجر أن يكون هذا الذنب أخلاقيا أو دينيا ويمنحه خاصية وجودانية ويرى أن الدازاين هو المنادي والمنادى عليه وأن الضمير ينادي على الدازاين في غمرة ضياعه في العدم وعند وجوده الملقى به لكي يحثه على تحقيق إمكانية وجوده. هكذا لا يقول الوعي شيئا ولا ينبس بكلمة ولا يبعث بأية رسالة ولكنه نداء صامت وتكلم مع عين الذات. كما أن التعالي عند هيدجر ليس تعال عامودي بل تعال أفقي واتجاه مستمر نحو العالم والعدم والمستقبل ، ولقد فقد هذا التعالي المسلمات اللاهوتية والخاصية الدينية وتحول إلى حركة مستمرة نحو إمكانيات الذات في العالم وجعل من الكائن الإنساني بنية معقدة من الممكنات ذات طابع زمني تعمل من أجل شيء منشود. ما يقره الوعي ويشهد به عند هيدجر هو اقتدار الوجود على أن يصير عين ذاته وذلك بالتمييز بين الوجودي والوجوداني وذهاب الوعي إلى ماوراء الخير والشر والسماح للأنطولوجيا الأساسية بخلع الأخلاق عن الوعي وخوض الصراع ضد التفكير القيمي للكانطيين الجدد وخاصة عند ماكس شيلر. على هذا النحو يرفض هيدجر أن منح واقعة النداء قوة اتيقية ويفكر في أنطولوجيا بلا أخلاق ويناقش مسالة الوعي بين الجيد والردىء ويقر بأن الدازاين ينادي نفسه داخل الوعي وأن النداء ينبع من الأنا ولكنه يتجاوزه ويعترف بوجود العلو داخل المحايثة التامة للدازاين مع ذاته. بناء على ذلك الشهادة هي نوع من الفهم ولكنه لا يقبل الرد إلى معرفة بشيء معين وبالتالي هي دعوة مستفزة للوجود المدين بالقدوم وقرار يتخذه الدازاين بأهمية الانفتاح والتخلص من عبء الضياع وسط الحشود18 . من المعلوم أن هيدجر قد اعتبر الصمود résistibilité خاصية لوجود الموجود داخل العالم ويحدد تجارب المقاومة من خلال المنزلة والاتجاه الذي يتخذه الموجود في لقائه بالعالم وإعادة القيامle ré- de résistance عن طريق المواجهة والتضاد contreهي اكتشاف للكيان في العالم لإمكانياته الأنطولوجية ولا يتم التعبير عن المقاومة résistance في لحظة زمنية أو من خلال الكشف عن غريزة أو إرادة بالنسبة إلى عين الذات وإنما تحقق من قبل الدازاين من معنى التواجد في العالم . ما يتم البحث عنه في هذا المقام هو الإمكانية الوجودية المتاحة أمام الدازاين من أجل كينونة الاقتدار الخاص بها من خلال تجربة الشهادة20 . لكن ما يثير الاستغراب أن الشهادة تسمح للدازاين بمساءلة إمكانية وجود هذا الاقتدار على الكينونة وأن تسليط الضوء من قبل المنهج الفنومينولوجي على هذه التجربة يفضي إلى استخلاص أصلها من البناء الأنطولوجي للدازاين. كما أن الإقرار هو الاقتدار الخاص على أن يكون الإنسان عين ذاته وأن يحدد نمط وجوده وأن يطرح بنفسه سؤال المن؟ وأن يقوم بتحوير في الشروط الوجودية التي تتعلق ب الحشد وترك المجال للدازاين بأن يصغي إلى نداء الوعي وأن يرى بوضوح البنية الوجودانية للقرارrésolution . هكذا تنتمي الشهادة إلى إشكالية الحقيقة من حيث هي انفتاح ولاإحتجاب تعبر عن أصالة الدازاين ولكنها محرومة من اللقاء بالغير وفارغة من كل تحديد إيتيقي وتوجيه معياري وذلك نتيجة ضياع الذات في غمرة الهم وعدم اكتراث القرار الشخصي بالبنية الجدلية للتجربة الأنطولوجية التي تتكون من النداء والإصغاء. لقد تفطن كارل ياسبرس إلى هذا الخلل وحاول تدارك النقائص بالاشتغال على إظهار الإمكانيات الوجودية على ضوء الأنثربولوجيا الوجودانية وعبّر من جديد على هذه الإشكالية من وجهة نظر تصورات العالم. غير أن فلسفة الشهادة عند نابرت توجد في منطقة وسطى بين فلسفة الشهادة عند كل من ليفناس وهيدجر21 . فماهي الاضافات التي أدخلها نابرت في نظرة الذات والتي سمحت ببلورة مفهوم الشهادة؟
من الناحية التاريخية الفلسفية يَعُدُّ جان نابرت (1881-1960) ،الذي أشاد به بول ريكور كأحد الأساتذة الذين تأثر بهم كثيرا، أحد أعظم فلاسفة الإيتيقا في القرن العشرين وتحتوي مختلف أعماله على مفاهيم ومتطلبات فلسفية عالية ويمثل التوكيد الأخلاقي الذي يرتبط بطريقته الوجودية المصطلح المفاتح لنظريته. والحق أن جان نابرت ينتمي الى تيار الفلسفة التأملية الذي يشترك مع الكانطية الجديدة وخاصة أرنست كاسرر في مواصلته المقاربة الأنثربولوجية للذات ونصص على العلو وأولوية الإثبات الأصلي والتطابق بين الوعي التجريبي والحركة الروحية التي تكونه من الداخل وتعرف مسار تخليص الحرية من الأغلال22 . لقد أحدث نابرت قطيعة ايتيقية مع الأنطولوجيا في كتابه الأول " عناصر من أجل ايتيقا "1943 وقطيعة ابستيمولوجية في كتابه الثاني غير المكتمل "رغبة الإله" الذي دشن فيه الطريق نحو تشكيل فلسفة الشهادة وآمن بوجود العلاقة العامودية داخل عين الذات وعدم قابلية الخارجية للاختزال إلى المطلق الذي يتضمن المسافة التي تفصل بين الذوات وبين أشكال الوعي وفسح المجال لوظيفة المبادرة في إتمام تجربة الفعل23 . على هذا الأساس يبدو أن مفهوم الإثبات الأصلي affirmation originale يقود مباشرة الى عرض كامل لتجربة المطلق ويصف تجربة باطنية بشكل محض تعبر فيها الذات عن قدرتها على تحديدها ذاتها دون الحاجة إلى علامات خارجية وتنتقل بعد ذلك إلى بيان التجربة الايجابية عن المطلق بالشهادة على القوة النامية التي تغذيها . بناء على ذلك ترفض الفلسفة التفكيرية كل أنطولوجيا تهتم بالمطلق وتبرهن على وجود كائن متعال وتتعمق في الحركة المحايثة للوعي مع اصطدامها بعسر تبرير الشر وكشفها لبس التجارب الحدية. على هذا النحو يبحث نابرت عن منابع تبجيل المطلق في كل وعي ويعثر عليها في التفكير في اللاّمشروط التاريخي والروعة الأخلاقية التي تبرز حينما يتصدى المرء لوجود الشر ويندرج ضمن الدائرة الايتيقية25 . لقد برهن نابرت على أن منابت التفكير عديدة ومتنوعة لا تقبل الاختزال والرد إلى بعضها البعض وبرهن على حاجة الإنسان إلى الإيتيقا نتيجة فشل الإجراء المتعالي الذي قام به كانط في عقلنة تجارب الانفعالية والإحساس والإخفاق والذنب والإثم والثأر واستند إلى الاحتجاج على الأفعال القاسية والعنيفة واللاّمبررة واللاّمقاسة وفق معايير الوعي الأخلاقي والقيم الأكسيولوجية الثابتة لكي ينقد علو الوعي المطلق26 . لعل تضاعف الشر وفقدان العالم ينابيعه الروحية والحصول المجاني على البؤس والعذاب يعسر من قدرة الوعي على التخلص من الإثم والتخفيف من المعاناة ويعطل مشروع الإحياء والانبعاث والإثبات الأصلي . كما يمنع المرء من الشهادة أمام المطلق ويشل الإرادة ويحول دون الحصول على الراحة من العلو والخارجية وما يسمح للمرء هو قياس الفرق الكبير بين الوجود الخاص ووجود الشاهدين على المطلق. لقد سعى نابرت من خلال الاهتمام بمبحث اللاّمبرر injustifiable إلى تجذير الشهادة على المطلق ماوراء المعايير الأخلاقية وحيث يتعذر على المرء قياس درجات الحيرة التي سببها اكتساح الشر لعمق الطبيعة البشرية وتعثر مقاربات التبرير أمام انعدام اليقين بإمكانية البدء بالتجديد والانبعاث والإصلاح. في الواقع لا تتأسس الإيتيقا على قيم الروعة والجلالة بل على وظيفة العناية التي يتولى القيام بها الآخر وبالتواصل الفعلي والخاص مع الحركة المجانية لوعي آخر وشهادة حركات أشكال الوعي المتعددة على المطلق28 . من هذا المنظور يتحرك فيلسوف الشهادة ضمن الأسلوب الشرطي : لا شيء يمنع من التوكيد بأن... ويميز بين فكرة الإله وإشكالية الإلهي Divin وذلك بحذف تحديدات الإلهي عن كل ذات أصيلة تستند إلى محمولات إلهية وخاصة فكرة الوجود الضروري المستقل عن الحركة التي يتابع من خلالها الوعي فهمه لذاته ويعمل على الربط بين اللاأدرية النهائية والرغبة في الإله ويرفض التيولوجيا الطبيعية العاجزة عن المصالحة بين أحادية univocité الوجود بالنسبة للإله و ابهامية equivocitéأحواله المتنوعة والارتياب من تعدد محمولاته29 . من هذا المنطلق إن الإضافة التي قدمها نابرت للفلسفة التفكيرية هي أن الرغبة في الإله هي متحدة ومطابقة مع الرغبة في فهم عين الذات من خلال انبثاق وعي بالذات متدارك ماهو كائن وما كان ومبررا ذاته دون أن ينفذ صبره من إمكانية الخلاص30 . غير أن التناقض يظهر للعيان بين حركة التفكير وعجز الوعي عن التساوي مع ذاته والتخلي عن فكرة كائن في ذاته ولذلك ينفي نابرت وجود ثنائية هي الإثبات الأصلي وفكر اللاّمحدود ويرى أن الأمر يتعلق بتفكير الفكر في ذاته وارتقائه إلى مرتبة الوعي بالذات والتواصل مع اللاّمحدود31 . إن فكرة الرغبة في الإله تسمح بالإبقاء على مكان فارغ في الذهن عند بداية المسار والتقدم نحو الإله بدل الانطلاق منه وتسلم بإمكانية وجود الإلهي دون اله ولكنها تقر في النهاية باله غير متموضع وغير مفهوم. هذا الاله هو اللامحدود وهو ثمرة حصول تطابق بين ما يجنيه الله من الذات مع ما تجنيه الذات من الله. بعد ذلك إن معيارية الإلهي هي الاتجاه الثاني الذي يسلكه نابرت من أجل تطوير أفكاره حول الإلهي حيث يبين فيه أن الإلهي ليس محمولا لكائن وإنما خاصية أكسيولوجية ووظيفة قبلية وحركة لصيقة بالتفكير ترغب في الخلاص والتبرير وتمثل مكانا مفضلا للفاعلية المعيارية التي يحكم فيها التفكير التأملي على فكرة الإله32 . هكذا تكون مهمة معيارية الإلهي هي النظر في المسار التأملي والتطهير من الخرافات والأوهام التي أحاطت بفكرة الإله والتمييز بين الشهادات وتقوم بتقديم المعيار الذي يميز بين المطلق وظهور المطلق. لقد مثلت ميتافيزيقا الشهادة وهرمينوطيقا المطلق نواة الرحى في فلسفة نابرت33 وجعلها تتحرك ضمن معيارية الإلهي وغير مفصولة على العلو والخارجية وتفرق بين المطلقات الزائفة وتشهد على مطلقات حقيقية وتسمح للإنسان ليس بالحكم على الإله من خلال الأفكار التي يحملها البشر عن الآلهة وإنما من خلال المبدأ الإلهي الذي يخترق الحركة التأسيسية للوعي ويتجذر في الطبيعة البشرية كفطرة سليمة34 . إن الانطلاق من الإلهي والذهاب نحو الإله الذي لا يكون غير قابل للتبرير مثل الشر وكلي القدرة بل متوافق مع وجود العالم مثل الإله التراجدي عند الإغريق غير مطالب بالتنظيم العقلاني للقوى العنيفة والمتمردة. والحق أن الإلهي متضمن في الحركة التأسيسية للوعي التي تحكم على الأفكار التي يحملها الناس عن الله وترتكز هذه الوظيفة القبلية على اعتراف بالسببية الروحانية كحافز باطني لا يتم النفاذ إليها عبر التفكير وتسمح بالتخلص من الانشغالات الأنانية بالذات وتسمح بتدشين حركة لامتناهية من استعادة الحرية35 . إذا كانت فكرة الإله فكرة معيارية فأن التمييز بين الإله والإلهي يعود إلينا فنحن بواسطة الوعي نحكم عن الإلهي ونتقل من الأخلاق إلى مقاربات في التبرير توجد ما وراء المعايير وبالقرب من المعيارية الايتيقية. إن الغرض من ذلك هو محاولة دراسة اللاّمبرر والوعي المحض بالذات ومعالجة الشر الجذري وجعل معيارية الإلهي فكرا معياريا ماوراء المعايير يمنع التجربة الأخلاقية من تبرير اللجوء إلى حيلة العنف. ان التفكير في معيارية الإلهي يعني الدخول إلى منطقة بلا إحداثيات ولا تقبل التنسيق والتنظيم وتوجد فوق اللاّثوابت وتتخطى معايير الوعي وتسمح للتفكير الأخلاقي بأن يلتقي بالتفكير الجمالي والنظر من فوق.
يعود ريكور إلى نظام المحبة معتبر إياه من نظام مغاير وقصد معرفة كيفية تجاوز معيارية الإلهي للنزعة الأخلاقيةmoralisme دون السقوط في اللاّمقالineffable واثبات اللاّمثبتincoordonnable لكنه يتفادى إحداث وقيعة بين الوعي بالذات من جهة أولى وفكر اللاّمتناهيinconditionné من جهة ثانية36 . ان معيارية الإلهي وفهم الشهادات هما نفس الأمر إذ يمكن للتفكير أن يذهب إلى أبعد من الحركات والكائنات التي تشهد على الإلهي وتفصل بين العقل والإيمان وينخرط في تجربة بشرية تقوم بتطهير الوعي بالذات وتدمج التفكير في الذات ضمن تأويل العلامات والرموز والمؤشرات التي ظهرت على مسرح التاريخ البشري. بناء على ذلك لا يحرز التفكير الميتافيزيقي في البعد الإلهي أي تقدم في اتجاه الإله سوى بضمان ترابط دائم بين معيارية الإلهي والتمييز بين الشهادات وعبر شخصنة المطلق الإلهي والاختيار الحر الانساني عبر الوعي بما يوجد خارج القانون ويرمز إلى كل الكائنات الأخرى من غير أن يكون الكائن الكلي واللاّمتناهي للتيولوجيا التقليدية. حقيق بمعيارية الإلهي أن تنتبه إلى حياة الإله ونمو الوعي بالإله بدل الحديث عن فكرة الإله وتجليات الإلهي ويجدر بها أن تعطي معنى جديد وأكثر عمقا وانفتاحا للإلهي خارج إطار وصاية الأمثلة والرموز. غير أن ريكور يكشف عن وجود علاقة دائرية بين المعيارية والتمييز بين الشهادات اذ لكي يحكم الوعي على الإلهي يجب أن يترك المبادأة للحدث ولكي يميز بين أشكال الإلهي يجب أن يمارس التفكير الدقيق. ان تجربة تجلّي المقدس في التاريخ غير محددة وان ظهور الإلهي بالنسبة للوعي هو أمر غير متوقع وان شهادات عن المطلق هي من الأمور التي يتعذر إرجاعها إلى إحداثيات وان الإلهي هو ما لا يمكن تعييره. توجد علاقة قرابة بين ميل الوعي نحو تاليه المعلن عن الإلهي وبين خصائص السببية الروحانية التي تتقدم على الفكرة المحضة للإلهي ولكن تظهر صعوبة التأليف بين فكرة قبلية للإلهي وتجربة حادثة. بطبيعة الحال لا يبحث جان نابرت عن شهادات زائفة عن المطلق وإنما يقر بالتاريخية والحدثية الجذرية وينتصر إلى العلاقة التكاملية بين الشهادة والمعيارية ويفضل الاستعمال العملي للكلمة ويرفض الاستعمال الشائع لها. والحق أن "الشهادة هي من حركة إلى حركة بمعنى أنها لا تنفصل فيها الحركة الأولى عن الحركة الثانية، وليست البتة علاقة بين حركة منفصلة مع حركة منفصلة وإنما تتكون من العلاقة بين الحركتين"37. علاوة على ذلك تتحول الشهادة إلى واجب سري للوجود وحسن استقبال لأنواع من الفعال وأشكال من الحياة وأبعاد وجود تتحدث عن المطلق وتعبر عن تطابق رغبة الإله ورغبة فهم الذات والتضحية من أجل المطلق وعن تطابق الوعي التجريبي والإثبات الأصلي الذي يسكنه وتنهل من الأحكام المطبقة القادمة من تاريخ الفكر. وبالتالي ينتج عن ذلك أن كل شهادة هي الإعلان عن إقرار وتوكيد ورفع لاحتجاج وتولد الشهادة من حضور لدى المطلق من قبل الذات ولكنها تظل في وضعية مسار وتنمو حسب الأحوال. إذ يوجد شهود زور عن آلهة مزورة ويوجد شهود حقيقيون عن اله حقيقي ومطلق لا يحتاج إلى برهنة تثبت وجوده على الطريقة التقليدية عند ديكارت وهيجل وإنما يحتاج إلى رغبة وتضحية على طريقة فيخته38 . كما يختلف نابرت عن لفيناس في مستوى رفضه الإبقاء على العلو والخارجية ضمن إطار معرفة الغير ويقر بأن العلو يتحرك ضمن التفكير والخارجية ضمن الشهادة بالرغم من التعارض القائم بين التفكير واستقبال العلامات عن طريق المخيلة وبين الشهادة التي تغمر الحياة والمثال الذي يكتفي بتوضيح القانون الإلهي. في هذا الإطار يظهر التفكير كمبادأة باطنية وتعمق في الفهم يستعمل الفهم المطبق على الشهادات لكي يشهد على حضور الإلهي ويتفق تأويل العلامات مع فهم الذات ويحصل نمو وتقدم في مستوى التفكير39 . لا يقدر التفكير على بلوغ عمق الشهادات من حيث هي أحداث واقعية ولذلك يضطر نابرت إلى الاستنجاد مجددا بالشهادة على الشهادات خارج تجربة التفكير وبالتالي يحصل على شهادة مضاعفة أو مزدوجة وبالتالي يجب التمييز بين الشهادات الأولى على الأفعال الواقعية والشهادات الثانية على الشهادات الأولى. اللافت للنظر أن نابرت يسمي الشهادات الأولى شهادة مطلقة عن المطلق ويرى أن هذا المطلق ينتظر أن يكون مفهوما من قبل شاهد على أنه شهادة على الإلهي ويسمي هذه الإرادة برغبة الإله في شهادة الشاهد40 . بعد ذلك يظهر نابرت البنية الحوارية للشهادة ويفرق بين حركة الشهادة وسرد الشهادة ويشير إلى إعطاء أحد المتحاورين علامة على المطلق دون أن يرغب ودون أن يقدر على معرفته بشكل تام وواضح بينما يقوم المتحاور المقابل بتأويل الشهادة من جهة كونها علامة على المطلق دون التمكن من استيفائه41 . من المعلوم أن الله عند نابرت يرغب في فهم عين ذاته بشكل تام من خلال بلوغ الإنسان درجة شهادة مطلقة عن المطلق وذلك بأن يمنح الوعي التفكيري شهادة ثانية عن الشهادة الأولى وبذلك تتأثر معيارية الإلهي بميتافيزيقا الشهادة وعودتها إلى التفكير والسماح بولادة حركة محضة من الإثبات الأصليaffirmation originale وتجعل من التفكير درجة ثالثة من الشهادة الباطنية التي تنبثق من زرع الشهادة داخل تجربة الشهادة بالمطلق عن المطلق في معيارية الإلهيcritériologie du divin 42 . إذا كانت الشهادة متحركة من وضع إلى آخر فإن ما تشهد عليه وما تكتشفه ما تتثبت منه ليس يقينا اعتقاديا وماهية جوهرانية وإنما حركة الفكر وحدثان المعنى والتصديق الذي يرافق كل حكم ومشاهدة للحقيقة43 . هكذا تكشف الشهادة عن هرمينوطيقا المطلق التي تشتغل على الاعتقاد الواثق وتطرح الحجة التجريبية والمعرفة الاستدلالية وتحول الإيتيقا إلى حاضنة للتفكير ومحاولة تبرير حدوث الشر كظاهرة لاتبرر injustifiable والذهاب بالأحياء إلى أبعد من مجرد حصول التطابق بين الوعي التجريبي والإثبات الأصلي ومعاجلة السببية غير الطاهرة وفهم ظاهرة الخطيئة والإثم والذنب عبر تجديد جذري للذات44 . ان " هذا التقدم ، لو أردنا، هو تقدم بالنسبة للفلسفة في حد ذاتها بقيامها بنفي الكائن الضروري نحو معيارية الإلهي لكي تقود في تمييز الشهادة. لكن أثناء هذا التقدم لا يلغي التفكير أي واحدة من الخطوات السابقة إذ ترافق معيارية الإلهي خطوة بعد أخرى هذا الرجوع إلى الشهادة مثلما يرافق ضرب فلسفة الحركة التفكيرية في فلسفة الكائن الضروري خطوة بعد أخرى معيارية الإلهي"45 . هكذا تتكون الرغبة في الإله من حركة تذهب من الرغبة نحو التعلق بفهم الذات إلى معيارية الإلهي إلى شخصنة للمطلق بواسطة الشهادة. لكن ألسنا أمام انفعالية الوجود؟ هل تقدمت هرمينوطيقا الشهادة نابرت بشكل فعلي في اتجاه الخارجية؟ وهل حافظ الإقرار على منزلته الابستيمولوجية ؟ وألم ينقد مفاهيم القصدية والتمثيل والوعي الأخلاقي؟ أليست هرمينوطيقا الشهادة عند جان نابرت هي مجرد فلسفة تفكير تعطي الأولوية للإنية على الغيرية وتضع مقولات العلو والخارجية والعامودية ضمن دائرة الآخر؟ كيف استثمر لفيناس الجمع الذي قام به نابرت بين الإيتيقا وهرمينوطيقا الشهادة ؟ وهل يمكن أن تنفصل هرمينوطيقا الشهادة عن قضية التبرير؟ وما الداعي التي جعله يحاول التخلي عن فنومينولوجيا هوسرل؟
المسألة الأساسية في الايتيقا عند ليفيناس هو أنها تجد نقطة انطلاقاتها ومصدر تجذرها في فنومنولوجيا هوسرل ولكنها ما تلبث أن تغادرها وتقوم معها بقطيعة حاسمة وتعود الى الاقرار من حيث هو الفضاء الايتيقي الذي يسمح لها بنقد التراث الفلسفي الأخلاقوي وبلوغ الجذرية46 . الجدير بالملاحظة أن لفظ شهادةtémoignage غائب تماما عن نص لفيناس47 بل هو مهمش ومغطى أمام الحضور اللافت لمفاهيم أخرى على غرار الاستبدالsubstitution والوجه والغيرية والمجاورة والتكليفassignation ومجد اللاّنهائي والعلو والخارجية بالرغم من تعريفه للشهادة كوحدة العلو والخارجية. لقد كانت الضريبة التي دفعها لفيناس عند اقترابه من نزعة نابرت الإيتيقية هي القطيعة مع هيدجر وتأسيس الإيتيقا خارج الحقل الأنطولوجي والقول ببنائية الواحد من أجل الآخر عند تحمل الذات مسؤولية الآخر48 . لقد وضع عمونيال لفيناس مسألة نسيان الآخر مكان نسيان الوجود عند هيدجر ونقد الوعي القصدي والتثميل والإظهارmanifestation وجعل مفاهيم القربproximité وتحمل المسؤولية assignation à la responsabilité. ولقد بيّن أن الأنطولوجيا تمثل عقبة أمام فعل الظهور وأمام كل فعل يقوم بتنظيم الذات والعالم المتجلي وتقلل من شأن الوجه ومملكة الظهور وأوضح بأن الايتيقا تبدأ من ذاتها دون تحضير أنطولوجي49 . كما يقطع لفيناس مع فلسفة الوعي التي ظلت مقولة الهوية محور اهتمامها ويحرص على استكمال النظر في مسألة ثبت الهوية بواسطة طرح ما يعرضه الوعي حينما يطرح نفسه وما يضيع من فعل القول في المَقِيلdit ويقترح تشييد الهوية الهووية على تحميل الذات مسؤولية الآخر وعلى الأشخاص وليس بالوعي الأشياء50 . هذا التأكيد على تعريف الهوية بواسطة المقيل في فعل القول-dir-e يجمع بين فلاسفة الوعي وفلاسفة الوجود وذلك لتقاسمهم الحداثة في الفلسفة ونظرهم إلى الوعي كبداية المعنى ووسيلة الذات للسيطرة عليه. كما تساعد العلاقة الاتيقية مع الآخر على الخروج من عزلة الكائن والقبول بالاله كدلالة إيتيقية والتعامل بمسؤولية وعدالة مع الغير واحترام الوجه كشهادة على اللانهائي دون الوقوع في الحقيقة كتمثل أو إدراك للمطلق والاكتفاء بتوكيد مجد اللانهائي الذي يمجد نفسه. ان العلاقة مع اللاناهي ليست من قبيل إظهار المحتجب وكشف المطابق مع المعطى بل هي السماح بظهور الغير في تكتمه ولامرئيته والتخلي عن الفكر القصدي وكل تعامل بالمفاهيم والمواضيع والقضايا. لقد ترك لفيناس الفلسفة تتمفصل في مجال مغاير للوعي وطرح جانبا كل المزاعم كبرياء الوعي واتبع استراتيجيتين جديدتين تتعلق بالعزم على جعل فعل القول يكف عن الهيمنة على مجالات المقيل51 . على هذا النحو يجيب فعل القول وفق إستراتيجية أولى على ما تعرض له من هيمنة من طرف المقيل وبالتالي تتحرك الشهادة في النهاية ضمن اللاّأصل والأثر الذي لا أدري أين هو وضمن انتصار اللانهائي والتراجع إلى الكائن هنا en-deçà. أما الإستراتيجية الثانية فتقوم على تراكم التعبيرات التي تضلل الفكر المشترك والتي توقعنا في الخلط بين المسؤولية وخارجية المطالب الذي أتعهد بها تجاه خارجية الآخر. ان إنكار الذات يبرز عند ليفيناس في تأكيد الوجود من أجل الآخر وتحميل المسؤولية للذات تجاه الآخر وتحمل المعاناة التي يسببها لها خطأ الآخر واتهاماته والتحلي بالصبر على أشكال الأذى التي تصدر عنه52 . بناء على ذلك يؤدي تقاطع الاستراتيجيتين إلى الإقرار بأن الإنية في انفعاليتها وبلا هوية أصلية هي فارغة وأن المسؤولية تجاه الآخر هي مطب إيتيقي حاسم لإظهار العالم المشترك واحترام إنسانية الإنسان الآخر. إذا كانت عين الذات هي المكان الذي يتحمل فيه الأنا اللقاء بالآخرين ويلتقي هو نفسه بالحرية فإن الشهادة هي عكس اليقين وتتحقق ضمن نمط الحقيقة الذي يتم عرضه ذاتيا وذلك بتفادي كذب المبدأ ووهم الأصل. كما يثبت ليفيناس مسؤولية الذات أمام الآخر ويفند الذات المنصهرة في الوجود والذات الخادمة للنسق والذات المتكلمة التي يغطي فيها المقيل فعل القول ويرى أن الوساطات الداخلية تنقذ الذات من الذوبان في الوجود. يستعمل ليفيناس قاموس إيتيقي متكون من مصطلحات المسؤولية والفريد وما لا يقبل التعويض والاستحالة ويعمل على مواجهة فلسفة الحياد عن طريق تثمين الذاتية والفرد في ماوراء الكائن ويكشف عن تعارض الشهادة مع يقين التمثيل الذي يحتوي على اليقين الذاتي وظهور كل الموجودات 53 . اللافت للنظر أن التعويل على الشهادة يفقد الخطاب الفلسفي منزلته الإبستيمولوجية ويمنحه الاختلاط بعناصر دينية على غرار العلو والخارجية والسمع والإلهام والوفاء والاصطفاء والنبوة ومجد اللاّنهائي. أما عدم جدية تأسيس لاهوت سالب أو مثبت يضع لفيناس السرد واللاّاحتجاب جنبا إلى جنب ويقوم بالحبك ويقر بأن المرء يشهد علو مجد اللانهائي وخارجية الاندراج ضمن المسؤولية ويرسم حدا يتوقف فيه. هكذا يصبح الله ما لا يسكت ولا يبتلع فعل قوله ولذلك يجب نفيه بعدم قوله وتركه ضمن اللاّمسمى. وبالتالي لا توجد شهادة إلا حول اللانهائي بينما الحقيقة ليست تمثيلا وبداهة وإنما أثرtrace يسمى شهادة. وكان ضريبة مغادرة أرض الذاتية نقض مسألة الهوية ونقد الوعي القصدي والحقيقة كتمثيل وبداهة وان الإستراتيجية الجيدة التي يتحرك ضمنها لفيناس تدور حول فتح الباب إلى الكائن هنا وترك الخاطب للصوت الذي يتردد ويتكرر ، وبالتالي إن التكرار récurrence هو الصوت الذي يعاد في رجع صداه . هكذا تساعد الشهادةُ الإنسانَ على تحمل مسؤوليته إزاء ما لا يمكن قبولهinadmissible في إطار ايتيقا بلا أنطولوجيا وتسمح بتلاقي الإقرار الذاتيattestation de soi ومجد المطلقgloire de l’absolu وتعمل على تفحص الأنا عن طريق آلية النقض والشهادة بوجود أفعال أخرى وأشكال مغايرة للحياة55 . فماذا يحصل للشهادة عندما نقوم بعرضها على المخبر التحليلي الذي يشتغل عليه السرد التاريخي؟
3- تاريخ الشهادة بين السرد والإلزام:
" إن شهادة عين الذات هي دائما شهادة الذات القادرة على فعل الوعد"56
في إطار ابستيمولوجيا المعرفة التاريخية وضع ريكور الشهادة جنبا إلى جنب مع الأرشيف والوثيقة لكي يبين طبيعة المرحلة الوثائقية التي تمر بها الذاكرة المؤرشفة ويحدد مهمة المؤرخ في عملية كتابة التاريخ. بناء على ذلك يعتبر ريكور تقديم الشهادة من طرف الشاهد مرورا من المكان إلى الزمان ومن الشكل إلى المضمون ومن الماضي إلى الحاضر ومن حقل المشافهة والفرض والتخييل إلى حقل الكتابة والتدوين ويدعو الشاهد إلى الالتزام عند شهادته بالصراحة وقول الحقيقة كماهي ومحاكاة الأحداث الماضية 57 . لكي نتأكد بأنفسنا بأن شيئا معينا قد حدث بالفعل في مكان ما وفي زمن ما فإننا لا نملك أفضل من الشهادة ولا حيلة لنا سوى استدعاء أحد الذين كان من الحاضرين وشاهد بأم عيينه ما جرى قصد طلب الرواية منه. بعد ذلك يكشف ريكور عن النقص المبدئي في الوثوق بالشهادة ويحذر من اللجوء إلى شاهد وحيد وبشكل أساسي خاصة عندما تمتصها كتلة من الوثائق الأخرى ولما يتم العبور بها خارج دائرة الأرشيف ولا تخضع إلى تثبت علمي وتدخل المنطقة النقدية بإجراء مواجهة قاسية بين مختلف الشهادات والوثائق. هكذا تعتبر الشهادة منجم الذاكرة ومولدة للتاريخ وتقوم بتسجيل الزمان الكوني في التجربة الحية للزمان المعيش وتساعد على الاستعادة والاسترجاع والاستئناف والاستذكار والعلاج وتوسيع دائرة الفهم المتجدد. إن التعويل على شاهد العيان يتيح امكانية مقاومة التفسير والتمثيل المتعلق بكتابة التاريخ ومن تدارك النقص الذي يعاني منه عملية الوضع في الأرشيف وحالة الجمود وعملية الدفن التي تتعرض لها الأحداث الحية ومعرفة الظروف الاجتماعية والأحوال النفسية للإقرار الشخصي وتدوين التاريخ عبر التفكير المتأني. في الواقع الشهادة ليست تسجيلا إخباريا ولا أرشفة وثائقية ولكنها استشارة تجاه الماضي ورفع دعوى قصد التحري والتثبت وتمثيل للماضي عن طريق قصة وإدلاء برأي وفن للسرد عبر أساليب حجاجية وطرق بلاغية. لكن إلى أي يمكن الوثوق بالشهادة؟ وما الدليل الذي يمكن العودة إليه للإقرار بعدم أهلية شهادة بشكل عام؟ هل تتنزل الممارسة اليومية للشهادة في الحديث العادي في السياق الذي تتنزل فيه نظرية الفعل والهوية ؟
والحق أن علم التاريخ يعتمد على اختبار الشهادات قصد إصدار مجموعة من الأحكام واختيار النماذج والبت في النزعات ويستعمل هذه الأحكام في عمليات ثبت الهوية الثقافية لجماعة سياسية وبناء علاقات اجتماعية. كما تتكون الشهادة بماهي قصة ذاتية عن حدث وقع في الماضي من جملة من العناصر والشروط التالية:
- التأكيد على حقيقة وقوع الحدث موضع الرواية والمصادقة على الخبر بالوثوق في الشخص الشاهد.
-عدم انفصال الشاهد عن الموضوع وتشابك التأكيد على حقيقة وقوع الحدث مع التسمية الذاتية للشخص الشاهد.
- البنية الحوارية للشهادة تبرز حينما الشاهد يقيم مع غيره وضعا حواريا ويطلب من شخص ثالث بأن يصدق بشهادته.
- الاشتباه في حقيقة الشهادة يفتح الباب أمام الظنون ويحول الأمر الى موضع جدل وفضاء للسجال بين العديد من الشهود وهو ما يطعم عملية نقد الشهادة.
- تقوية صدقية الشهادة والوثوق بها يحتاج إلى إضافة تطعيم أخلاقي الشخص الشاهد وذلك للمحافظة على الشهادة بواسطة الوفاء بالوعد باعتباره فعل خطاب يعين الذاتية ويستمر في الزمان ويحافظ على الكلمة.
- تساهم الشهادة بوصفها مؤسسة اجتماعية في تدعيم الأمن العام وذلك عبر نشر الثقة والصدق بين الفاعلين الاجتماعيين وعبر تثبيت الاستعداد للشهادة والانتقال من السرد إلى الالتزام أمام المحكمة.
إن " ما يجعل المؤسسة تقوم هو أولا استقرارية الشهادة الراضية بأن تتكرر ثم بعد ذلك مساهمة الوثوق بكل شهادة في تأكيد علاقة اجتماعية تقوم على الثقة بكلمة الغير وتمتد إلى كل التبادلات والعقود والتحالفات"58 . لكن لماذا يوجد شهود تاريخيين محل ثقة واتفاق ويساهم إقرارهم الشخصي في توطيد الأمن اللغوي للمجتمع ويوجد شهود معزولين ومحل إنكار دائم ولا يلاقون من يستمع إلى رواياتهم ويصغي إليهم؟ ألا يتم إحالة الشهادات غير المعترف بها إلى الأرشيف؟ وألا تتحول إلى مجرد وثائق تخبر عن الماضي ؟
والحق أن الشهادة عند بول ريكور هي تجربة سردية بالضرورة تعبر عن نهاية العنف وبداية الخطاب وتعمل على إيقاف مرض النسيان وتقوم بتشغيل الذاكرة خدمة للتاريخ ودعوة للذات للاندراج في العالم.اللافت للنظر أن لحظة الشهادة هي نقطة يتكثف فيها الرمز وتمثل لحظة تلاقي شعرية السرد مع الخطاب الديني ويخرج فيها الجديد من رحم القديم مثلما يولد الحي من الميت ويعلن السرد على أن الناس مازال لهم يقصونه على بعضهم ومازالت من التجارب ما يتقاسمونها ويطلعون غيرهم عليها ويطلبون آرائهم. إن تسمية الله بواسطة النصوص الدينية هي التي تميز العنصر الديني عن الشعري داخل التجربة الدينية وتحيل إلى السلطة الشعرية للتخيل وتحصر شيئية النص في رغبة الإصغاء إلى نداء الله والعيون مفتوحة. إن تسمية الله تكون عن طريق إسناد صفات العلم والمقدرة والحياة والخلق إليه والمماثلة بين ذاته والكينونة ولكن وضع الدين ضمن حدود العقل واعتماد المعرفة بواسطة المفاهيم كفيل بأن يجعل فكرة الله مجرد وهم متعالي ويدرج الألوهية والقداسة والخلاص من المغالطات والنقائض التي يصطدم بها نقد العقل. كما يعود ريكور إلى رامساي59 في "اللغة الدينية" وخاصة جمعه بين تجربتي الالتزام الكلي بتعاليم الدين والتخلي العبثي عنه ويقوم بتحليل الكلام الديني في بعده الإستعاري ويستخرج الأخروي من الإنجازي والأدبي. من هذا المنطلق تساعد اللغة الدينية على توجيه الفعل البشري نحو الأصلح وتحقق الخلاص بواسطة الآثار ومنح مقدرة هامة إلى عين الذات وتحطم كلية المشروع الإنساني الذي يرغب في قولبة التجارب القصوى و ويحاول دمج الوضعية الأنثربولوجية في نسق مغلق من الأحكام والمعايير المطلقة60 . من المعلوم أن اللغة الدينية تعيد وصف التجربة البشرية في كليتها وتكشف عن البعد المقدس للتجربة البشرية المشتركة وعن مظاهر الخلق والفرح والألم والكارثة التي تخترق النظر والعمل على السواء. علاوة على ذلك تؤمن اللغة الدينية فهما أصيلا للوجود الإنساني وتعيد توجيه الحياة بواسطة تعبيرات قصوى تطابق الوضعيات الحدية وتتخطى الهوة التي تفصل البعد العمودي عن البعد الأفقي وتنحت صورة جديدة عن الكلي الآخر الذي تمثله النزعة الأخروية ما بعد الطبيعية في العمارة الإنسانية المحررة. علاوة على ذلك يحمل المعنى الديني للشهادة بعدا جديدا لا يمكن التعامل معه إلا بالاستعمال الدنيوي للكلمة وينقسم الى أربع دلالات: الدلالة الأولى هي أن الشهادة تعطى للجميع والشاهد هو كل من يرسل وليس كل من يتم اختياره لذلك منذ البدء فحسب. أما الدلالة الثانية هي أن الشاهد لا يشهد على وقائع معزولة وحادثة وإنما على المعنى الجذري والشامل للتجربة البشرية وهذا ما أقرته شهادات الأنبياء جميعا منذ آدم إلى محمد عليهما السلام. في حين أن الدلالة الثالثة هي موجهة نحو الإعلان والتبليغ والانتشار والتحشيد وتتحول إلى رسالة تبشيرية لكل الناس ولذلك يعلن عن شعب معين عن الشهادة أمام الله من أجل خلاص جميع الشعوب الأخرى. الدلالة الرابعة للشهادة تتمثل في كونها شعيرة تتضمن التزاما كليا من قبل الشاهد لا فقط على مستوى الكلمات بإطلاق الوعود بل ترجمة الأقوال إلى أفعال ومواقف والتضحية بالنفس والقبول بالمخاطرة بالحياة والسير على الحدود61 . اللافت للنظر أن الوظيفة الدنيوية للشهادة هي تكملة ومواصلة للوظيفة الرسالية وذلك لأن الشاهد هو من يضع نفسه في خدمة الله ويعمل من أجل رضاه بإخلاص وتفاني ومن خلال العمل الصالح وأداء الفرائض. على خلاف ذلك لا يكتسي الطابع القانوني للشهادة أهمية بالغة أمام الشهادة بالمعنى التاريخي. فهل هذا يعني أن الحرص على توثيق الحقيقة التاريخية هو أهم من صيانة القضاء لمبدأ العدالة السياسية؟
خاتمة :
"الهرمينوطيقا دون شهادة هي مهددة بالتراجع إلى ما لانهاية ، داخل منظورية ليس لها بدء ولا إنتهاء"62 .
مقتضى الأمر أن فلسفة الشهادة عند بول ريكور هي تلك التي تجعل من قضية الشهادة مشكلا رئيسيا وتعالج مسألة المطلق بوصفها مسألة دالة وقضية ذات معنى وتربط بين البحث عن فكرة المطلق وتجربة المطلق في كثافته دون الاعتماد على وسائط ودون الاشتغال على أمثلة أو رموز وعلامات تشير إليه. لقد لم يكتفي ريكور بجعل الشهادة مشكلا تاريخيا أو قضية قانونية وإنما حولها إلى مشكل فلسفي واعترف بفضل جان نابرت عليه حينما بلور "ميتافيزيقا الشهادة وهرمينوطيقا المطلق" في كتابه " رغبة الإله"63 . لكن هل فلسفة الشهادة صارت ممكنة الآن؟ الى أي حد تقدر الهرمينوطيقا الفلسفية من فهم معنى الشهادة؟
لا يمكن لفلسفة الشهادة أن تكون في شكل ميتافيزيقا المطلق ولا في صورة فلسفة تفكيرية تبحث عن الثابت في اللاّمبرر والأحداث العرضية والوقائع الجزئية بل تتمثل فلسفة الشهادة في تلاقي الهرمينوطيقا والتأويل وتعمل على الجمع بين حركة الوعي بالذات في توجهه نحو ذاته وحركة الفهم التاريخي للعلامات التي يقدمها المطلق عن نفسه والتي هي الآثار الملموسة التي يتعرف بواسطتها الوعي على ذاته64 . ان الشهادة المطلقة هي التعرف على المطلق من خلال الظاهرة والانتباه إلى الإلهيDivin في الإنساني والبحث في الإلهي عن معنى العالم وإن هرمينوطيقا المطلق تعتمد على الخوض في التجارب مابعد الأخلاقية والميتافيزيقية والدينية للمطلق وتمر من الإلهي إلى الله وذلك بالتغلب على الشر وفهم التناهي. لقد تراوحت هرمينوطيقا الشهادة عند ريكور بين المجاهرة بالإيمان وسرد الوقائع التي تسذكر قصة الخلق والبدء الأول والثاني والخوض في الآثار والعلامات الأخرويةeschatologique وفق رؤية أبوكاليبسية. والحق أن هرمينوطيقا الشهادة يشقها اتجاهان : الأول هو التفسير التاريخي للمطلق والثاني هو تفسير الذات لذاته من خلال معيارية الالهي. يترتب عن ذلك أن مفهوم الشهادة من وجهة نظر تفسير الكتاب المقدس يمتلك معنيين: المعنى الأول هو منح شيئا معينا للتأويل عبر الإظهار والتجلي والبيان والتوضيح، والمعنى الثاني هو النداء التي توجهه الشهادة على التأويل وخاصة حينما يعلن المطلق عن نفسه الآن وهنا بشكل مباشر وفوري وراهن ويشكل تجربة حضور ويطلب أن يتم تأويله ، وبالتالي تكون هذه المباشراتية للمطلق الأصل الذي لا يمكن تجاوزه وتسمح بدوائر من التأويلات اللاّمتناهية ويتحول التأويل الى تفسير لعدة شهادات وتوقف الشهادة حركة التأويل ويظهر الظهور الذاتي للمطلق حدا للاتناهي التفكير. والحق أن جدل المعنى والحدث يخترق الشهادة وينتهي بانصهار قطب المجاهرة بالإيمان مع القطب السردي وتبرز التوترات بين نظام الحكم وطبيعة الحركة وبين الشفوي والمكتوب وبين البروز والتأثر وتعمل الجدلية وفق عدة ترددات بين الصدق والكذب وبين الوفاء والخيانة وبين النفي والإثبات. إذ ما يهم هنا هو الرجوع عند تأويل الشهادة إلى البنية الجدلية الأولية بين الشاهد والمشهود والاستفادة من الفاعلية النقدية للتخلص من الأوهام وتفادي الوقوع في وضعيات منتجة لأوهام جديدة واستثمار جدلية الأشياء المرئية والمقروءة واستعداد الشاهد للتضحية بنفسه في سبيل إنقاذ الآخر واختيار التضحية بالذات65 . بيد أن المسألة لا تتوقف عند سرد يقوم به الشاهد لما يراه ولا تقتصر على تطبيق عبر ممارسات وإقرار بالتجربة بل تتعدى ذلك إلى نوع من الإلهام والتصديق بالقلب والوجدان ولا يتوقف عند شهادة المطلق بل يتعدى ذلك نحو شهادة مطلقة عن المطلق وذلك بالسماح للمطلق بأن ينتج المعنى خارج إطار الحجج الأنطولوجية على وجود الله وبالصعود بالوعي بالذات عن طريق التفكير والأخلاق نحو الإثبات الأصلي. في الواقع لا تذهب الشهادة أبعد من الحركة الباطنية للفكر ولا تعبر عن نفسها في الخارج وإنما هي كل ما يفعله الأنا بنفسه في الداخل عبر تجربة محايثة وتأمل في اللاّمشروط ولقاء بالعلامات التي تسمح بتجلي المطلق. إن الشهادة هي مبدأ ايتيقي وتجربة تأملية تسمح بالحضور أمام الهائل وإبداء الإعجاب بالرائع وتعتمد على الخيال الخلاّق لإبراز المواءمة بين أنماط الوجود ومثل الفكر وإضفاء صفة المطلق على لحظة تاريخية. في الواقع يسعى ريكور من خلال تقاطع بين فنومينولوجيا هوسرل والنقد الكانطي إلى تجاوز التأويل المثالي للظواهر والأخذ بعين الاعتبار رُسُوَّهَا في عمق الوجود، ويهدف من خلال هذا المشروع إلى الكشف عن طريق ثالث لا يعيد كل الواقع إلى وعي مثالي ولا يحل الظواهر في فلسفة الوجود. وسيقوم ريكور استجواب مثل هذا النهج من العلاقة بين التفكير في الرد الفنومينولوجي منذ 1950 وتثمين مصطلح الاقرار منذ 1990 وسيسمح هذا الارتباط الحميم بين الفكر والوجود من الكشف عن القيمة الابستيمولوجية والانطولوجية للاقرار والتشكيك في الأساس الذي قامت عليه الفنومينولوجيا ورسم حدودها بعد المنعطف التحليلي66 . لقد أقام ريكور تمييزا بين المعنى المتداول لكلمة شهادة والمعنى الاصطلاحي الذي يوفره التحليل الدلالي وحاول تفسير الشهادة على ضوء التراث اللاهوتي والكتاب المقدس وايجاد تعريف نبوئي تبليغي وجعل من الهرمينوطيقا الفلسفية للشهادة تهتم الزوج المفهومي الإثبات الأصلي والشهادة من حيث هي تأويل. كما يوجد اختلاف كبير بين هرمينوطيقا الشهادة عند ريكور ونابرت والمعرفة المطلقة الموروثة عن هيجل وذلك للطابع النسبي المتغير للأولى ومنحها للمعنى والعلومية المثالية التي تدعيها الثانية وتعالي المعنى، ويصعب ايجاد تضايف ووحدة بين الحكم التاريخي والوعي بالذات في فلسفة تفكرية للإثبات الأصلي. حقيق بتأويل الشهادة عند ريكور أن يظل من جهة الحكم احتماليا ونسبيا والسبب هو أنه لا ينتمي إلى ميدان المعرفة بواسطة المواضيع وإنما يتحرك ضمن أروقة التفكير ويستمد معاييره من وظائف الوعي ويرتبط بالإثبات الأصلي ومعيارية الإلهي ويسمح بظهور المطلق عينه وقدرته عن التعبير على ذاته. في نهاية المطاف يقر ريكور بأن هرمينوطيقا الشهادة من طبيعة إشكالية تكون في ذات الوقت من كلية من جهة المعنى وتاريخية من جهة الحكم ويميزها عن المعرفة المطلقة وذلك لاندراجها ضمن الهرمينوطيقا الفلسفية واستحالة وضع معيارية الإلهي ضمن نسق مغلق وعدم قدرة الوعي على الإحاطة بالعلامات. ان ما يجمع بين الشهادات المتنوعة هو قرابة من جهة العائلة وليس هوية من حيث الماهية وذلك بسبب تغير المضمون الذي تنقله في كل مرة والحدث التاريخي للعلامات الدالة عليها وتغير الشهود في كل عصر. بيد أن هرمينوطيقا الشهادة تعاني من أزمة ناتجة عن تناهي الوعي البشري واستحالة بلوغ التفكير في الذات المطلق وعن الهوة التي تفصل بين نظام الحكم وطبيعة الحركة وبين التصورات الفلسفية للمفهوم والتمثلات الدينية للتجربة وبين العلاقة التي تمنح شيئا معينا للتأويل والعلاقة التي تقوم باستدعاء التأويل67 . في نهاية المطاف ليس الأمل مقولة هامشية في سياق الدين في حدود مجرد العقل عند كانط ولذلك عمل ريكور على ربطه بتحرير الطيبة الأصلية للإنسان في إطار ممكنات الاقتدار التي يسددها ضد أشكال الشر والعنف، وبذلك تظل هرمينوطيقا الشهادة متعلقة بمعالجة المفارقة التي يثرها تقبل الأمل وانتظار الرجاء والتي تصاغ كما يلي: كيف يمكن الجمع بين باطنية الإثبات الأصلي وخارجية الحركات والكائنات التي تشهد على المطلق؟ ماهي الشروط اللازمة للتكلم قصصيا عن الأمل؟ وكيف مكنته الفلسفة المعاصرة من إعادة النظر في كل شيء؟
الإحالات والهوامش:
[1] Ricœur (Paul), l’anthropologie philosophique, écrits et conférences 3, édition du seuil, Paris, 2013. p440
[2] Les Notions philosophiques, dictionnaire 2, éditions PUF, Paris, 1990.p.2565.
[3] Ricœur (Paul), lecture 3, aux frontières de la philosophie, Le Seuil, Paris, 1993.pp.83.139.
[4] Voir Lévinas (E), Autrement qu’être ou Au-delà de l’essence, édition Martinus Nijhoff, 1974.
[5] a-script-ion
[6] présentification
[7] créance
[8] assertion
[9] substituabilité
[10] Voir Kayombo Bernard Ilungua, Paul Ricœur : de l’attestation de soi, édition L’Harmattan, Paris, 2005, 398p.
[11] Nabert (Jean), le désir de dieu, préface de Paul Ricœur, avertissement de Paule Levert, édition Aubier Montaigne, Paris, 1966.p.274.
[12] Godin ( Christian ) , Dictionnaire de philosophie, Fayard / éditions du temps, Paris, 2004.p.1313.
[13] الحنفي ( عبد المنعم) ، المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة، مكتبة مدبولى، القاهرة، طبعة ثالثة، 2000.ص.446.
[14] فاخوري ( عادل ) ، مصطلح : شاهد ، الموسوعة الفلسفية العربية ، إشراف معن زيادة ، معهد الإنماء العربي، المجلد الأول ، الاصطلاحات والمفاهيم ، ، الطبعة الأولى، 1986. ص.506.
[15] Ricœur ( Paul ), lecture 3, op.cit, p.110.
[16] Ricœur ( Paul ), lecture 3, op.cit, p.116.
[17] Lévinas ( Emmanuel ), éthique et infini, dialogue avec Philippe Nemo, librairie Arthème Fayard et Radio-France, 1982.p.104.
[18] Voir Heidegger (Martin), Etre et Temps, Traduit par François Vezin, éditions Gallimard, Paris, 1986.
[19] Heidegger (Martin), Etre et Temps, op.cit, pp.261-262.
[20] Heidegger (Martin), Etre et Temps, op.cit, p.323.
[21] Voir Yasihuko Sugimura, pour une philosophie de temoignage : Ricœur et Heidegger autour de l’idée de l’attestation (Bezeugung), in Etudes théologiques et religieuses, 2005, N°4, Tome 80, pages 483 à 498.
[22] Voir Pierron Jean Philipe, De la fondation à l’attestation en morale : Paul Ricœur et l’éthique de témoignage, in Recherches des sciences religieuses, année 2003-3, Tome 91, pages 435 à 459.
[23] Voir Nabert (Jean), éléments pour une éthique, édition PUF, Paris, 1943. Réédition Aubier Montaigne, Paris, 1962.
[24] Voir Etienne Jaques, Affirmation Absolue et vie morale chez Jean Nabert, in Revue Théologique du Louvain, année 1978,9-2,pp166-175.
[25] Voir Nabert (Jean), l’expérience intérieure de la liberté, et autres essais de la philosophie morale, édition PUF, Paris, 1994.
[26] Ricœur (Paul), lecture 3, op.cit, p.90.
[27] Voir Nabert (Jean), essai sur le mal, chapitre premier : l’injustifiable, édition PUF, Paris, 1955.
[28] Paul Ricœur, préface de livre de Nabert ( Jean ), le désir de dieu, op.cit.p.9.
[29] Paul Ricœur, préface de livre de Nabert ( Jean ), le désir de dieu, op.cit.p.9.
[30] Paul Ricœur, préface de livre de Nabert ( Jean ), le désir de dieu, op.cit.p.10.
[31] Paul Ricœur, préface de livre de Nabert ( Jean ), le désir de dieu, op.cit.p.11.
[32] Paul Ricœur, préface de livre de Nabert ( Jean ), le désir de dieu, op.cit.p.11.
[33] Nabert ( Jean ), le désir de dieu, op.cit.pp.7-15.
[34] Nabert ( Jean ), le désir de dieu, op.cit .pp.263-380.
[35] Paul Ricœur, préface de livre de Nabert ( Jean ), le désir de dieu, op.cit.p.12.
[36] Paul Ricœur, préface de livre de Nabert ( Jean ), le désir de dieu, op.cit.p.13.
[37] Nabert (Jean), le désir de dieu, op.cit .p.274.
[38] Ricœur (Paul), lecture 3, op.cit, p.93.
[39] Paul Ricœur, préface de livre de Nabert (Jean), le désir de dieu, op.cit.p.14.
[40] Ricœur (Paul), lecture 3, op.cit, p.95.
[41] Nabert ( Jean), le désir de dieu, op.cit .pp.323-324.
[42] Ricœur (Paul), lecture 3, op.cit, p.94.
[43] Voir Jean Nabert : l’affirmation éthique, sous la -dir-ection de Stéphane Robillard et Frédéric Worm, édition Beauchesne, Paris, 2010.370p.
[44] Nabert (Jean), essai sur le mal, chapitre premier : l’injustifiable, édition PUF, Paris, 1955.pp.1-40
[45] Nabert (Jean), essai sur le mal, chapitre premier : l’injustifiable, édition PUF, Paris, 1955.pp.1-40
[46] Voir Plante Maxime, les sources phénoménologiques de l’éthique lévinassienne, in Revue philosophique de Louvain, Tome 113, N°4, novembre 2015, pages599 à 618
[47] Voir Lévinas ( Emmanuel), Autrement qu’être ou Au-delà de l’essence, édition Martinus Nijhoff, 1974.
[48] Ricœur ( Paul ), lecture 3, op.cit, p.97.
[49] Ricœur ( Paul ), lecture 3, op.cit, p.97.
[50] Ricœur ( Paul ), lecture 3, op.cit, p.98.
[51] Voir Levinas (Emmanuel), Totalité et Infini, essai sur l’extériorité, troisième édition Nijhoff, La haye, 1968.
[52] Ricœur ( Paul ), lecture 3, op.cit, p.100.
[53] Voir Lévinas ( Emmanuel ), éthique et infini, dialogue avec Philippe Nemo, op. cit .pp.99-107.
[54] Ricœur ( Paul ), lecture 3, op.cit, p.103.
[55] Ricœur ( Paul ), lecture 3, op.cit, p.105.
[56] Kayombo (Bernard Ilunga), Paul Ricœur : de l’attestation du soi, éditions L’Harmattan, Paris, 2004, p.359 .
[57] ريكور (بول)، الذاكرة ، التاريخ، النسيان، ترجمة جورج زيناتي، الدار الكتاب الجديد المتحدة ، بيروت، طبعة أولى، 2009.صص.223-224.
[58] ريكور (بول)، الذاكرة ، التاريخ، النسيان،مصدر مذكور، ص.250.
[59] Voir Ramsey (a.I.), Religious Language. An Empirical Placing of Theological Phrases, Londres, 1957.
[60] Ricœur ( Paul ), l’Herméneutique biblique, « Paraboles et prédications », édition du Cerf, Paris, 2000, p.234.
[61] Ricœur ( Paul ), lecture 3, op.cit,pp.118.119.
[62] Ricœur ( Paul ), lecture 3, op.cit,p.130.
[63] Nabert ( Jean), le désir de dieu, op.cit .pp.313-327.
[64] Ricœur ( Paul ), lecture 3, op.cit,p.129.
[65] Ricœur ( Paul ), lecture 3, op.cit,p.130.
[66] Voir Chiara Pavan, la réduction qui mène à l’ontologie, les implications de l’attestation chez Paul Ricoeur, in Revue philosophique du Louvain, Tome 113, N°1, février 2015,pages 105 à 143.
[67] Ricœur ( Paul ), lecture 3, op.cit,p.138.

المصادر والمراجع:
باللسان العربي:
ريكور (بول)، الذاكرة ، التاريخ، النسيان، ترجمة جورج زيناتي، الدار الكتاب الجديد المتحدة ، بيروت، طبعة أولى، 2009.
الحنفي ( عبد المنعم) ، المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة ، مكتبة مدبولى ، القاهرة ، الطبعة الثالثة ، 2000.
فاخوري ( عادل ) ، مصطلح : شاهد ، الموسوعة الفلسفية العربية ، إشراف معن زيادة ، معهد الإنماء العربي، المجلد الأول ، الاصطلاحات والمفاهيم ، ، الطبعة الأولى، 1986.

باللسان الفرنسي:
Ricœur (Paul), l’anthropologie philosophique, écrits et conférences 3, édition du seuil, Paris, 2013.

Ricœur ( Paul ), lecture 3, aux frontières de la philosophie, Le Seuil, Paris, 1993.
Ricœur ( Paul ), l’Herméneutique biblique, « Paraboles et prédications », édition du Cerf, Paris, 2000,
Kayombo (Bernard Ilunga), Paul Ricœur : de l’attestation du soi, éditions L’Harmattan, Paris, 2005,
Heidegger (Martin), Etre et Temps, Traduit par François Vezin, éditions Gallimard, Paris, 1986.
Godin ( Christian ) , Dictionnaire de philosophie, Fayard / editions du temps, Paris, 2004.
Levinas (Emmanuel), Totalité et Infini, édition Nijhoff, La haye, 1961.
Lévinas (E), Autrement qu’être ou Au-delà de l’essence, édition Martinus Nijhoff, 1974.
Nabert ( Jean), essai sur le mal, édition PUF, Paris, 1955.
Nabert ( Jean ), le désir de dieu, préface de Paul Ricœur, avertissement de Paule Levert, édition Aubier Montaigne, Paris, 1966.
Les Notions philosophiques, dictionnaire 2, éditions PUF, Paris, 1990.
Ramsey (a.I.), Religious Language. An Empirical Placing of Theological Phrases, Londres, 1957.
Etudes théologiques et religieuses, 2005, N°4, Tome 80,
Revue Théologique du Louvain, Année 1978,9-2,
Revue philosophique du Louvain, Tome 113, N°1, février 2015.
Recherches des sciences religieuses, année 2003-3, Tome 91,

كاتب فلسفي