طابور المساجين .. لفان جوخ


حمدى عبد العزيز
الحوار المتمدن - العدد: 6526 - 2020 / 3 / 29 - 21:55
المحور: الادب والفن     

لاأعرف لماذا يلح علي ويدفعني في هذا الوقت بالذات ، وفي تلك العزلة التي فرضها تفشي وباء الكرونا في العالم أن اتطلع لهذا العمل ، وان تكون تلك اللوحة البالغة التعبير والتأثير في النفس هي صورة غلاف صفحتي على موقع الفيسبوك ..

ضخامة وارتفاع لانهائي للجدران ، التي تصبح تفاصيلها البارزة عبر قوالب حجارتها المكونة لها ، تنوعات تتنقل بينها البصيرة مابين ألوان تعبر عن الحزن ، وألوان تعبر عن ألم العزلة ، وألوان تعبر عن تلك الظلال الخضراء التي تغطي رطوبة الجدران القاسية ..

التي تنطلق من أرض يبدو بلاطها في منتهي الخشونة والصلابة والقسوة ، علي نزلاء يوحد بينهم شحوب ألوان الملابس ، والوجوه المطرقة في الأرض أو المتطلعة إلي أربع نوافذ تبدو في ارتفاعها عن الأرض كأسئلة مشرعة علي الجدران أقرب منها إلي أن تؤدي وظيفة النوافذ الجالبة للحد الأدني من الهواء ، كل ألوان اللوحة التي شاحبة كالوجوه ، شحيحة كهواء المكان ، لاحظوا عبقرية فان جوخ عندما جعل اللون الأخضر الشاحب (لون رطابة الحوائط ودليل تعفن حجارتها) هو المهيمن علي حجارة الجدران علي يسار الناظر للوحة ، بينما تظهر تدرجات البني مع بعض الترجات الإرجوانية الشاحبة التي تشهد علي مقتل حرارة وانقضاء بقايا آثارها في المكان علي الجدران المقابل الذي يحتوي علي النوافذ يمين الناظر ، وكلما اقتربنا من الأرض في هيمنت تدرجات الأزرق البارد والإرجواني الباهت ، لنحس بمدي برودة وصقيع أرض هذا السجن الموحش الهائل ..

اللوحة هي إعادة رسم من فان جوخ للوحة شهيرة وبديعة للفنان الفرنسي جوستاف دوريه ، الذي رسمها بالأبيض والأسود معتمداً علي تدرجات الظلال ..

لكن لوحة فان جوخ هي عمل إبداعي أصيل ومغاير رغم أنه موضوعياً هو رسم لعمل إبداعي أصلي قديم ..

وهذا يذكرني بعبارة وردت في أحد الأفلام الأجنبية التي تتحدث عن حياة أحد تجار المقتنيات ، قال فيها تاجر المقتنيات ملخصاً خلاصة تجاربه مع مايقتني من أصيل ومقلد (هناك دائماً ماهو أصلي في كل عمل مقلد) ..

هو يقصد بالأصلي هنا الإبداع الذي يكمن في التقليد ..

لكن جزءاً من احتفائي شخصياً بعمل فان جوخ أنه رغم أنه رسم لوحة دوريه إلا أنه أبدع عملاً أصيلاً آخر ، يعطي روح مختلفة ، وأحاسيس وحساسية بصرية مختلفة رغم أنه لم يقم إلا بإعادة رسم لوحة جوستاف دوريه والتي تتخذ العنوان نفسه (طابور المساجين) ..

في الحقيقة لم يقم فان جوخ بإعادة رسم لوحة جوستاف دوريه ، بل هو أعاد قراءتها ، وهكذا تكون القراءة المغايرة ، هي خلق جديد لعمل مغاير يتمتع بكل عناصر التفرد والأصالة ..
________________
حمدى عبد العزيز​
29 مارس 2020