الحور العين / 2


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 6526 - 2020 / 3 / 29 - 13:02
المحور: الادب والفن     

قاومته شزنة بقوّة ، و راحت تلاويه بعزم وهي تصرخ بأعلى صوتها طالبة النجدة . ثم عضّت ساعديه و نهده أشدً العض بأسنانها الطويلة المدببة الحادة ، فهاله شدّة مراسها ؛ فيما سارع طقعان بقرع باب دار الجار المقابل و استصرخ شبانهم الأربعة للإسراع لدار شزنة لإنقاذها من شخصٍ مجذوب اقتحم عليها الدار ليذبحها . و عندما استطاع داشر أخيراً - و هي ما تزال تلاويه وتفح بالصراخ – التخلص من عضتها الأخيرة و بطحها على الأرض و البدء بحز رقبتها بالسكين ، كان الشبان الأربعة قد أدركوه و أمسكوا بتلابيبه و سحبوا من كفّه السكين و هو يفحط . أمرهم طقعان بتكتيف داشر حالاً و منعه عن الحركة لحين وصول سيارة رجال الشرطة الذين استدعاهم هاتفياً لاعتقاله و ايداعه السجن ، و هكذا كان .
سيق داشر للمحكمة بتهمة الشروع بالقتل العمد الناقص و ذلك بعد ثلاثة شهور من التوقيف لم يزره خلالها أبوه و لا حتى مرة واحدة ، ولا وكّل له محامياً . بعد الاستماع لأقواله في جلسة المحكمة التي أكد فيها داشر أنه قد عزم على ذبح زوجة أبيه بالسكين المعروضة على المحكمة لزناها مع الشيخ طقعان تنفيذًاً منه لواجبه الشرعي المنصوص عليه في القرآن المجيد ، سأله القاضي :"هل رأيت بعينيك فعل الزنا ؟" فأجابه بأنه قد سمع تأوهات آتية من المطبخ و هو في غرفة الاستقبال ، و أنه عندما ولج المطبخ رأى شزنه تقوم من ركوعها و هي عارية . أما أبوه ، فقد شهد بكراهيته المؤكدة لشزنة التي ما فتئ يوبّخه عليها لأن شزنة حلّت محل المرحومة أمّه ، مؤكّداً للقاضي بأنه هو الذي طلب بنفسه من الشيخ التقي المحترم طقعان زيارة زوجته في يوم الواقعة ذاك لتفسير منامها . كما أكَّد الشهود الشباب الأربع للقاضي أن شزنة كانت ترتدي الدشداشة حينما اقتحموا الدار لتخليصها من الذبح المؤكد بالسكين بيد داشر و لم تكن عارية ، خلافاً لأقوال داشر . أما شزنة - التي كانت ما تزال تضع اللفاف الطبّي حول رقبتها - فقد اتهمته بالاستهتار و بمساوئ الأخلاق جرّاء الدلال المنفلت للأم ، لذا فقد أصبح مهووساً بقتلها قهرياً دون أيّما سبب انتقاماً منه لمقتل أمّه على يد المحتلين الأمريكان و حرمانه من ذلك الدلال . و في نهاية الجلسة التي لم يحضرها الشيخ طقعان ، حكم عليه القاضي بالسجن سبع سنوات و نصف السنة .
في عنبر السجن المركزي الكبير ، أحسَّ الشيخ عبد الباري - المحكوم بالمؤبد لحرقه شقيقتيه الطبيبتين بالبنزين جراء رفضهما أوامره بتكفين كل قامتيهما بالنقاب الأسود عند ذهابهن للدوام اليومي – بلسعة كهربائية مفاجئة لمرأى "الطير البكر الجديد" داشر ، فتلمظ و هو يهرش لحيته و صدره و بطنه و فخذيه و عجيزته كثيراً و طويلاً ، و راح يعد العدة لنصب شباكه و فخاخه الدنيوية و الأخروية معاً له . أول ما فعل بنفس اليوم هو رشوة مدير السجن بمبلغ ضخم لنقل منافسه في اصطياد طيور السجن الجديدة "الشيخ أبو مصعب" إلى عنبر ثان . بعدها ، دعا داشر لخلوته في المصلى ، و راح يسأله بترفق عن عائلته و أحواله و قضيته و يستمع له بأناة و تضامن و حدب و حنو و عيناه مسمّرات بشفتيه يحار أين سيتوجب عليه عضهما و امتصاص دمِّهما القاني . ثم أبدى تعاطفه الشديد مع مظلمته قائلاً له انه قد وقع - مثله - ضحية بريئة للقضاء الظالم في جاهلية دار الحرب هذه ، فبكي داشر . هنا سارع الشيخ بعناقه برقة و كفكفة دموعه و أوسعه لثماً دافئاً من يديه و خديه و هو يبكي على بكائه . ثم سأله عن عمله ، و تهللت أساريره عندما أعلمه داشر بأنه قصّاب ، واعداً إياه بالسعي لتشغيله في مطبخ السجن إذا ما تأكد لديه بأنه مجاهد بار و نجيب يستحق هذا الامتياز الكبير . ثم سأله عمّا لديه من النقود ، فصارحه داشر بخجل شديد بكونه لا يملك فلساً واحداً ، و بأنه لا يتوقع من والده زيارته في السجن في ضوء شهادته الدامغة ضدة في المحكمة . عندها أخرج له الشيخ رزمة دسمة من الأوراق النقدية و دسّها له في جيب قميصه . و عندما همّ داشر بالاعتراض ، أسكته بحركة من يده ضاغطاً برفق ، ثم قرصه بإغراء من صدره قائلاً :
- إسمع أيها المجاهد الصنديد ، إعلم أنني شيخ المجاهدين و أميرهم بدار الحرب في أرجاء هذا السجن كافة و حتى ما وراء أسواره ، فلا تعص لي أمراً و لا تجحد كي لا يتنزل عليك غضب الله الواحد القهّار الذي مَنَّ عليك بإكرامي لك و محبتك و رعايتك أفضل بكثير من أمك و أبيك و صاحبتك ، و كذلك يجزي الله عباده المجاهدين . هيا قم توضأ لنصلي معاً صلاة الظهر بالمجاهدين لكي تستمع بعدها لخطبة الجمعة و تمتثل لأوامر و نواهي الباري عز وجل فيرزقك بنعيم الجنة و تتزوج فيها كل يوم باثنتين من أجمل الحور العين الأبكار اللائي يخلبن ذوي الألباب مثلك أيها المجاهد الصنديد .
هال داشر رؤيته الغالبية العظمى من نزلاء العنبر و هم يتوضؤون للصلاة خلف الشيخ عبد الباري ، فكبُر هذا في عينيه كثيراً . بعد الصلاة ، خطب الشيخ بالمصلين ، فبسمَلَ و وحّد الله و صلى على نبيه و آله و صَحْبه المجاهدين ، ثم قال :
"أما بعد : فإن الجهاد في سبيل الله هو من أفضل القُربات ، و من أعظم الطاعات ؛ بل هو أفضل ما تقرَّبَ به المتقربون و تنافسَ فيه المتنافسون بعد الفرائض ، وما ذاك إلا لما يترتب عليه من نصر المؤمنين و إعلاء كلمة الدين ، و قمع الكافرين و المنافقين و تسهيل انتشار الدعوة الإسلامية بين العالمين ، و إخراج العباد من الظلمات إلى النور ، و نشر محاسن الإسلام و أحكامه العادلة بين الخلق أجمعين ، وغير ذلك من المصالح الكثيرة و العواقب الحميدة للمسلمين . و مما ورد في فضل الجهاد و المجاهدين في الكتاب المبين قوله تعالى بالآيات (41-45) من سورة التوبة : " انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ * لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ * إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ " . في هذه الآيات الكريمات الدلالة على أن ربَّنا عز وجل قد خصَّ الجهاد بالذكر لعظم شأنه ، و للترغيب فيه لما يترتب عليه من المصالح العظيمة و العواقب الحميدة . ثم ذكر سبحانه ما وعد الله به المؤمنين المجاهدين من المغفرة و المساكن الطيبة و الزواج بالحور العين في دار الكرامة ليعظم شوقهم إلى الجهاد و تشتد رغبتهم فيه ، و ليسّابقوا إليه و يسارعوا في مشاركة القائمين به .
و عليه ، فإن جهاد الكفار و المشركين و قتالهم في دار الحرب بعد البلاغ و الدعوة إلى الإسلام واجب عند إصرارهم على الكفر ، حتى يعبدوا الله وحده و يؤمنوا برسوله محمد و يتبعوا ما جاء به ؛ و أنه لا تحرّم دماؤهم و أموالهم إلا بذلك ، ولا يستثنى من ذلك إلا من التزم بالجزية بشروطها إذا كان من أهلها ، عملا بقول الله عز وجل في بالآية (29) من سورة التوبة : " قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ" . وثبت عن النبي أنه أخذ الجزية من مجوس هجر ، فهؤلاء الأصناف الثلاثة من الكفار وهم اليهود والنصارى والمجوس ثبت بالنص أخذ الجزية منهم فالواجب أن يُجاهَدوا ويُقاتَلوا مع القدرة حتى يدخلوا في الإسلام أو يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، أما غيرهم فالواجب قتالهم حتى يسلموا في أصح قول العلماء ؛ لأن النبي قاتل العرب حتى دخلوا في دين الله أفواجاً ، ولم يطلب منهم الجزية .
و لقد أعد الله سبحانه وتعالى من النعيم لعباده المؤمنين و المجاهدين في الجنة خصوصاً ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، وإن مما أعده الله سبحانه وتعالى من الجوائز فيها لعباده المؤمنين "الحور العين" ؛ فقد قال الله تعالى محكم كتابه المبين : "كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ " . وقال تعالى : "مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ" . و كل واحدة من الحور العين في غاية الجمال حتى إن مخ ساقيها ليرى من تحت الثياب كالعروق في أعماق درر الياقوت الأحمر النفيس . وكل رجل يدخل الجنة له زوجتان من الحور العين ، قال تعالى في وصفهن : " فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ" . و في الآخرة يعطى الله المجاهد قوة مائة رجل في المطعم والمشرب والشهوة والجماع ليتمتع أتم التمتع بكل ما تشتهيه الأنفس بلا حساب .
أما في هذه الدنيا فقد خص الله فريضة الجهاد بنعمة نكاح المجاهد للمجاهد طالما كان المجاهد مضطراً بحكم الحاجة لتفريغ طاقته الجنسية في سوح الجهاد ، و للضرورة أحكامها المفروضة على كل المؤمنين و الواجبة الإتباع مثل كل أحكام الدين الحنيف . و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ."
كبرّ المجاهدون للشيخ خطبته ، و وجد داشر نفسه و هو يشاركهم في التكبير و يغبط الشيخ ما رآه تبحراً منه بالدين و من الفصاحة في اللسان .
بعد انفضاض المصلين ، طلب عبد الباري من داشر أن ينقل يطغه إلى الركن الخاص به عند المصلى ليفقهه بأمور دينه و دنياه . بعد الانتقال ، قال له عبد الباري :
- أنت تعلم يا ولدي الحبيب أننا نحيا الآن في دار الحرب ضد الكفّار من الجاهليين و المحتلين الأجانب . ألم يقتل الأمريكان ألمرحومة أمك العظيمة غدراً فذهب دمها هدراً ؟
- بلى و الله .
- ألم يحكموا عليك وأنت الشاب المتقي البريء بالسجن سبع سنوات و نصف السنة لغيرتك على الدين الحنيف و حرصك النبيل على إقامة حدود الله بقتل الزانية ، فيما أبقوا الزانية تسرح و تمرح بفجورها في أوساط العالمين ؟
- بلى و الله ، لقد ألحق هؤلاء الكفار أبشع الظلم بسجني دونما سبب فدمًّروا حياتي .
- و هذا هو حالي - أنا الأمير و شيخ المسلمين - و حالك و حال كل آلاف المحكومين هنا . إنه طغيان الجاهلية الجديدة ! طيّب ، فما هو الواجب الشرعي الذي أمرنا به الله عز وجل حيال كل أولئك الكفار المتغوّلين ، أليس هو الجهاد في سبيل الله لصون بيضة الدين من هذه الجاهلية الطاغية ، فنفوز فوزاً عظيماً بالسعادة الأبدية في الجنة لننكح بنات النور الحور العين و الولدان المخلدين كأنهم الدر المنثور ليل نهار بلا حساب ؟
- أكيد .
- فمن هي إذن الفرقة الناجية بالدنيا و الآخرة ؛ نحن المسلمون الجهاديون ، أم الطغاة الكفرة أصحاب الجاهلية هؤلاء ؟
- نحن طبعاً !
- بارك الله فيك يا ولدي الحبيب . إذن ، لبّي نداء ربَّ العزة بالالتحاق بحيش الإسلام للجهاد في سبيل الله ضد الكفّار فتلتحق بركب الفائزين و تربح دينك و دنياك تحت إمارتي الإسلامية الرشيدة هنا .
- قد لبّيت .
- قل : أبايعك على إمارة المسلمين و الطاعة لكل أوامرك .
- أبايعك على إمارة المسلمين و الطاعة لكل أوامرك .
- أحسنت أيها المجاهد الصنديد ، و بارك الله فيك يا ولدي الحبيب ، و أنعم و أكرم . يجب أن نتجامع حالاً لأعبر لك عن مدى حبي و تقديري و إكباري و حناني لك . لبّي و جَبّي لفريضة جهاد النكاح على بركة الرحمن !
- بشرط واحد : أن تأمر المجاهدين في مدينتنا بقتل الزانية شزنة شرَّ قتلة .
- لك من أميرك هذا وعد شرف .
و أطبق الشيخ كالأخطبوط على شفتيه و عنقه و صدره و فخذيه و عجيزته دفعة واحدة .

يتّبع ، لُطفاً .