للانحطاط الفاشي للرأسمالية في مواجهة وباء كورونا


سعيد مضيه
الحوار المتمدن - العدد: 6525 - 2020 / 3 / 28 - 18:54
المحور: ملف 1 ايار-ماي يوم العمال العالمي: العمال والكادحين بين وباء -الكورونا- و وباء -الرأسمالية- ودور الحركة العمالية والنقابية     

الانحطاط الفاشي للرأسمالية في مواجهة وباء كورونا
واضح أن الليبرالية الجديدة نجحت خلال عقود من نشاطها في تجهيل شعوب البلدان الرأسمالية المتقدمة وانحطاطها لمستوى المجتمعات التابعة التي تتخبط في وحول التجهيل والتخلف. وسبق أن رصد المفكر الأميركي ، نوعام تشومسكي، ما أسماه آلية إرباك التفكير في نشاط امبريالة الميديا . كما فضح الأكاديمي الأميركي ، هنري غيروكس تردي التعليم الجامعي بتدبير ممثلي الليبرالية الجديدة في مجالس الولايات وضغوطهم، عن طريق اختصار مناهجه وإفراغه من النزعة النقدية ومن مساقات الفلسفة والاهتمام بالصالح العام، لتقتصر المناهج على ما يخدم الرأسمال من خبرات تقانية
وتسهب دعاية الامبريالية في الوقت الراهن في التخويف من الركود الاقتصادي والكساد ورفع خطره على خطر وباء الكورونا. بدلا من الدعوة للتصدي للوباء عن طريق التزام البيوت تكثر الدعوات لإنقاذ الاقتصاد من خطر الركود القادم لامحالة. فقد أثار حاكم ولاية تكساس، دان باتريك، وهو من أتباع ترمب، جدلا سياسيا بدعوته للعمل من أجل "إنقاذ الاقتصاد". فضل إنهاض الاقتصاد على حياة البشر! ذهب إلى حد القول بأن الأجداد يجب أن يكونوا على استعداد للمخاطرة بحيواتهم من أجل إنقاذ أحفادهم. إنها نفس التحايل والالتفاف على خطر الوباء كما دعا بوريس جونسون في بريطانيا: دعوا المسنين والفقراء يموتون بالوباء ، فذلك توفير للمال العام! وذلك يعكس الزحف الفاشي العام الذي حدث منذ 11 سبتمبر والفعل الشوفيني لليمين الشعبوي، والاضطهاد اللاإنساني للمهاجرين والعنصرية تجاه غير البيض. يعكس خطاب الموت بدافع اقتصادي الانحطاط الفاشي للرأسمالية الأمريكية والبريطانية.
ترمب الذي اعتبره تشومسكي "اخطر إجرامي في التاريخ البشري"، استنجد بفضائية فوكس نيوز ، حليفته ، فاستضافت ستيف هيلتون، لمناقشة الخوف من كوفيد-19. حذر هيلتون من ان إغلاق المصانع سوف يتسبب في قتل مليون اميركي. ولدى سؤاله ألا يحمل "فتْح" الاقتصاد مخاطر على حيوات المواطنين الأميركيين، أجاب ان إبطاء الاقتصاد يهدد بقتل الناس.
الرأسماليون لا يراجعون سياسات فضلت طوال عقود متتالية صناعة الموت على إنعاش الحياة، فواجهت الحرب على الوباء عزلاء من ادوات "الحرب"؛ بل نراهم بين مرتبك امام الوباء او متحايل يفتش عن مهرب من المواجهة. والدعابة الامبريالية لا تعوزها الحجج والذرائع لتمرير مخططاتها.
أرباح الرأسماليين أولا
علق على موجة الدعاية الموالية للرئيس ترمب المحلل اليساري باول ستريت في مقالة عنوانها "لن أقتل امي"، نشرها يوم 27 آذار أورد فيها، "في يوم الأربعاء (25 آذار) واصل ترمب خطاب هيلتون اليميني بالدعوة لتشغيل الصناعات رغم تحذير منظمة الصحة العالمية من تحول الولايات المتحدة الى بؤرة فيروس كورونا، ورغم نداءات حاكم ولاية نيويورك ، اندرو كوومو، المحذرة من نقص الأسرة بالمشافي وأجهزة التنفس والملابس الواقية والأطباء الأخصائيين. يرفض ترمب ، رغم إشارته مرارا وتكرارا ل"الحرب ضد العدو المتخفي"، اتباع نداءات خبراء الصحة العامة ورؤساء البلديات وحكام الولايات من أجل "تفعيل قانون الإنتاج الدفاعي". فهذا القانون يمكّن البيت الأبيض من إصدار أوامر للشركات تحويل الإنتاج لصناعة معدات الحرب ضد الوباء: أقنعة، ملابس طبية، أجهزة تنفس، أجهزة الكشف عن الفيروس وأسرّة طبية وغيرها. إن تفعيل قانون الإنتاج الدفاعي وإصدار أمر الاستجابة لصحة الجمهور تعتبر شططا في نظر ترمب وأصدقائه المليارديريين،مثل الاشتراكية.
يقدم ستريت السياسة الديمقراطية و الإنسانية الواضحة المستجيبة لمشاكل الهبوط الاقتصادي و الكساد. بدل قذف ملايين العمال ، بدون جريرة منهم، في أحضان البطالة (التامين على الصحة وتعويض لائق عن البطالة ) لا تتحقق من خلال إجبار العمال على العودة الى الأماكن الموبوءة ومراكز التسوق ، إنما بتطبيق نظام تأمين دخل أساسي شامل الى جانب ضمان صحي وطني شامل.
نقل ستريت عن المؤرخ والصحفي اليساري تيري ثوماس: "ترمب يؤمن بوجوب تمكين الأثرياء من مضاعفة ثرواتهم بينما العمال ‘ الأقل مخاطرة’- مفهوم صاغه الرأسماليون القلقون على ارباحهم - يجب تشجيعهم او إرغامهم على العودة الى العمل وإنتاج القيمة الزائدة. أولئك الرأسماليون لا يقصدون ‘ العمال الأقل مخاطرة’ بل الناس ممن يمكن الاستغناء عنهم. والمخيف ان الطبقة الحاكمة ، او على الأقل الشطر الأعظم منها ، تدعم ربما بصورة عامة إنهاض ‘أعظم اقتصاد عرفه التاريخ’ وجعله يعمل بنشاط بأسرع ما يمكن، وعقلنة الاقتصاد طبقا لتحليل الكلفة – الفائدة: كم من الوفيات مقارنة بمبلغ من المال. وليس بمقدورهم التفكير خلاف ذلك، ولا يفهموننا، نحن الذين نرى الأمور بطريقة مغايرة : ربما أن عجوزا مقعدا لم يعد ينتج القيمة المضافة له/ا الحق في البقاء على قيد الحياة براحة وامن ، ولا يتوجب إلقاء الصغار للذئاب لأن الأثرياء لا يراهنون بأنهم سوف لن يمرضوا قبل أن ينتجوا الأرباح للسادة . هذا مجتمع يدعو للرثاء! إنتاج القيمة المضافة.أناس يمكن الاستغناء عنهم ، تعيد للأذهان مفهوم "فضلات" و "فائض".
الفقر والحاجة هما خيار سياسي.. تنظموا كي لا تموتوا!
ينضم الى حملة إنقاذ الثقافة الإنسانية انثوني ديماغيو ، الأستاذ المشارك للعلوم السياسية بجامعة ليهاي الأميركية ومؤلف تسعة كتب آخرها "التمرد في أميركا"(2020) و"القوة السياسية في أميركا" (2019). كتب مقالة يوم 27 آذار " يكشف عن ثقافة سياسية لا عقلانية تسود في الولايات المتحدة تروجها وسائل الاتصال الاجتماعي، من شأنها ان تسهل عملية التضليل الإعلامي المتنكر في زي ‘ الرأي العام’ " .
يقول الكاتب ، "دافع ترمب ضد إجراء اختبارات لفيروس كورونا خشية منه على حظوظه الانتخابية جراء التوصل الى النسبة العالية للإصابة. هو يترك وسائل الاتصال الجماهيري تتخبط وتنشر الأخبار الزائفة وتروج للتجمع وعدم تصديق العلماء وخبراء الصحة والاستهزاء بالتحذيرات من خطر وباء كورونا. يجري استثمار أعراض تفشي اللاعقلانية التي ظلت تختمر عبر العقود في الولايات المتحدة وباتت حاليا في مرحلة النضج، لحقن الوعي الاجتماعي بالجهالات وتسخير ازدراء العامة للعلوم وللمنطق القائم على البينة لتعميق اللاعقلانية. لا يعي الجمهور الضحية ان التباين والتناقض في الآراء المعروضة من خلال وسائل الاتصال الاجتماعي هي نوع من شيزوفرينيا ودلالة التلاعب بالوعي. فعن طريق ملء الرؤوس بأكاذيب متناقضة يمكن للمسئولين صياغة أي حقيقة يريدون، والتلاعب ب" الحقائق" من يوم لآخر. وإذا بدا هذا كله نمطا من تآمر فهكذا يتعامل الرئيس ترمب بموضوع الكورونا". تلك هي آلية ارباك التفكير التي شرح عملها المفكر الأميركي، داعية التفكير العقلاني نوعام تشومسكي.
تجري عملية إشاعة الوعي الزائف والحط من التفكير لدى الجمهور من أجل تمرير المصالح الطبقية للأثرياء وإغراق الفقراء في لجج الفقر المهلك. وقد فضح الفنان والباحث في الاقتصاد السياسي، روب أوري، الزحف الفاشي تحت وابل من قذائف خطاب الموت، وذلك في مقاله المنشور على موقع الحوار المتمدن في 27 آذار. والملاحظ ان مقالات هذه النخب المفكرة والحريصة على السلامة العامة لا تلقى الترحيب في الميديا الرئيسة وتعبر عن ذاتها على المواقع الإليكترونية الكاشفة لتحيز الميديا الرسمية، بل المنددة برسالتها التي هي بالضبط رسالة منظومة الحكم في بلاد الرأسمالية المتقدمة، المسخرة لخدمة ائتلاف الواحد بالمائة.
كتب روب أوري، "يجب التضحية بالشعب من اجل إنقاذ‘النظام’، هكذا " أقدم باراك اوباما على إنقاذ الوول ستريت؛ فمنح الأثرياء من رجال البنوك مليارات غير مشروطة بينما تسعة ملايين ممن رهنوا بيوتهم مقابل قروض خسروا بيوتهم إذ عجزوا عن السداد" . ولم يجد الطلبة المدينون ما يمكنهم من سداد ديونهم نظرا الفشلهم في العثور على فرص العمل بعد التخرج.
وبواصل القول ، "الحكومة الفيدرالية تحت إشراف دونالد ترمب ونانسي بيلوسي وتشوك تشومر، من خلال حيل السحرة تجبي‘من الهواء’ خمسة تريليونات دولار كي تمول طبقة المضاربين الماليين وأصحاب الشركات الكبرى ؛ فأين تلك القدرة حين صرح المرشح الديمقراطي جو بايدن ‘أننا’ لا نستطيع توفير نظام رعاية صحية فعال؟" الإدارة سوف تصدر سندات دين على الخزينة، ما يعني أنها تسدد من جهود العمال.
يصل الباحث الى الاستنتاج أن "في اقتصاد يغنم الواحد بالمائة من أغنى الأثرياء جميع المكاسب ، بينما الفقراء والطبقة العاملة لم يشهدوا ارتفاعا في مداخيلهم منذ عقود، فان الأغنياء هم الذين يقطفون المنافع بينما العمال يمرضون ويموتون منذ خريف 2019. منذ تموز 2019 ، أي قبل بروز خطر الفيروس ، والبنك المركزي الأميركي (الاحتياطي الفيدرالي) يمد البنوك بعدة تريليونات الدولارات... يتحمل الديمقراطيون نفس مسئولية الجمهوريين والرئيس ترمب جريرة إرسال العمال الى الموت بالوباء كي يصب المزيد من الدولارات في خزائن الأغنياء. أين أجهزة فحص الفيروس ؟ أين أجهزة التنفس وأجهزة وقاية الصحة؟ يدمغ نيك تيرس على موقع انترسيبت الإليكتروني بالكذب الادعاء بأن الحاجة لهذه الأجهزة لم يكن بالإمكان التنبؤ يها . فلعدة عقود خلت والاخصائيون في الأمراض المعدية والرعاية الصحية يطلقون الصيحات حول ضرورة الإعداد لأوبئة تسببها الفيروسات المعدية. ترمب والأوليغارشية المحيطة هم بالذات من "أنقذتهم " إدارة اوباما بالمليارات عام 2008. ولذا فمن العدل القول ان العمال يخلقون الثروة وأصحاب البنوك في وول ستريت جاهزون لإعادة توزيعها. ينال العمال ما يحفظهم أسابيع من الجوع ، كي يعودوا للعمل والموت بوباء كورونا. وهنا تكمن الكوميديا السوداء، الفقر والحاجة هما خيار سياسي.
لاحظ الباحث ان اتساع نطاق الدعم المقدم عام 2020 يدل على تزايد هشاشة الرأسمال المالي. العمل أو الموت تحولت الى "إعمل ومتّ!". ان فكرة إقدام الديمقراطيين على إنقاذ أي كان غير أنفسهم قد فندتها أزمات عدة سبقت . والتضامن في هذه الظروف يعني التضامن الطبقي .انتظموا او تموتوا ! تلك هي الرسالة الواصلة من فوق .
الرأسمالية ولادة للفاشية؛ والدلائل تشير الى توجه حازم نحو الفاشية يسدد خطوات ممثلي الاحتكارات عابرة الحدود، وذلك لتجنب عواقب كارثة وباء كورونا، وحرمان الشعوب من الفوز بتنظيم اجتماعي يقدس الحياة . وكما حدث بعد الكساد الكبير ، الذي شمل قبل قرابة المائة عام كل بلدان الرأسمال، جرى التصدي للحركات الديمقراطية الإنسانية بأنظمة فاشية أغرقت طموحات الجماهير في بحور من دماء. وهذا يفرض على قوى التحرر والديمقراطية أن ترص الصفوف وتنهض للعمل المشترك . من جديدة ينتصب شعار المرحلة : الاشتراكية او فناء البشرية.