الشيوعي العراقي – ستة وثمانون عاما على التأسيس – الجزء الثاني


صوت الانتفاضة
الحوار المتمدن - العدد: 6524 - 2020 / 3 / 27 - 23:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تمثل الذكرى السادسة بعد الثمانين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي مناسبة لمعرفة الأسباب التي أبعدت الحزب عن المنهج الماركسي اللينيني، المؤمن بالصراع الطبقي والمدافع عن العمال والفئات الكادحة والمهشمة عن طريق العمل الثوري، وتحوله إلى واجهة تحمل اسم الشيوعيين، لكن هذا الحزب عمل على الإساءة لهذا الفكر والمنهج اشد الإساءة، وصنع صورة مشوهة للماركسية لدى عامة الناس.

إن تبني المنهج الماركسي في تفسير الواقع وبالتالي العمل على تغييره، تحتم على الأحزاب الماركسية، دراسة ومعرفة الواقع وفق الصراع الطبقي الذي يحصل داخل المجتمع، وما ينتج عن هذا الصراع من ظواهر سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وعلاقة هذا الصراع بالقوى الرأسمالية والظروف الموضوعية التي تؤثر في الواقع، وعلى مدار تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، لم يستطع في اغلب الأحيان ان يقود هذا الصراع باعتباره القوة الرئيسية الممثلة للتيار الشيوعي في العراق.

لماذا لم تتغير مواقف الحزب وسياسته تجاه التحولات التي حصلت على الساحة السياسية في العراق؟ ولماذا لم يستلم السلطة رغم القاعدة الجماهيرية الكبيرة وحجم التأييد الشعبي الواسع في مراحل تاريخية معينة؟ وما هو السر في تحالفات الحزب المشبوهة والانتهازية مع البعثيين والقوميين ومن بعدهم الإسلاميين؟ ولماذا لم يستطع الحزب وكوادره من إفراز قيادات تعود بالحزب إلى المنهج الماركسي اللينيني؟ كل هذه التساؤلات بحاجة إلى إجابة حتى تصبح الصورة واضحة ومكتملة عن واقع الحزب في ذكرى تأسيسه السادسة والثمانين.

إن غياب النقد الموضوعي داخل أية حركة سياسية واحدة من الأسباب التي تجعل الجمود في التعاطي مع الأزمات والمشكلات التي تواجه هذه الحركة هو النتيجة الحتمية لسياسة الحزب وقدرته على التأثير، ورغم تحاور الحزب وتحالفاته في عدة فترات مع قوى مختلفة اختلافا جذريا عن توجهاته وسياساته، الا انه ابتعد عن النقد الديالكتيكي بين أعضاءه وقياداته وتجمعاته حول مختلف القضايا، ونحن نشاهد اليوم الكثير من المنتمين للحزب معترضين على سياساته وعلاقاته، الا إن هذا الاعتراض لا يصل إلى القياديين في الحزب او لا يؤخذ به.

لا يمكن تفسير مواقف الحزب دون معرفة الدوافع الانتهازية للكثير من قياداته، وعملهم بالدرجة الأولى على مصالحهم الشخصية، وتحولهم لشخصيات ورموز بعيدة عن الانتقاد، وكل من يحاول أن يصحح، أو ينتقد سياسات الحزب أو تحالفاته، أو موقفه من قادة الحزب يتعرض للطرد.

وحول عدم تسلم الحزب للسلطة في فترات زمنية مهيأة للقيام بذلك، فأن تبعية الحزب العمياء للحزب الشيوعي السوفيتي وسياساته المبنية على المصالح مع القوى الرأسمالية في النظر إلى المنطقة ومنها العراق، جعل من الشيوعي العراقي أداة مطيعة بيد السلطة السوفيتية، دون أي موقف حقيقي من قبل كوادر الحزب وقادته، ما افقده فرصة تاريخية لاستلام السلطة، كذلك فأن مواقف الحزب التبعية والذيلية، تجاه ما حصل في العراق بعد احداث 2003 جعل منهم حلفاء لرجعية الإسلام السياسي وشركاؤه، وهو دليل على أن الحزب لا يفكر مطلقا باستلام أية سلطة، بل فقط المشاركة الانتهازية التي تضفي مشروعية على جرائم السرقة والقتل التي تتعرض لها الجماهير.

لم يستطع الشيوعي العراقي خصوصا ما بعد 2003 أن يكون حزبا اجتماعيا بسبب تخليه عن تبني قضايا العمال والكادحين والمعطلين عن العمل، رغم شعاراته التي تتغنى بذلك، فقد انفصل عن جماهير هذه الطبقة بشكل فعلي، وحتى النقابات والمنظمات التابعة له، دائما ما تكون في صف السلطة واستراتيجياتها في الخصخصة والتعامل مع صندوق النقد والبنك الدوليين، وهذه السياسة تكشف لنا فشل الشيوعي العراقي وابتعاده التام عن الشيوعية، بل ان الحزب قد تحول إلى حزب مجموعة من المثقفين المنعزلين عن المجتمع وهمومه.

لم يعد الشيوعي العراقي حزبا شيوعيا، بل انه منذ بداياته يعد حزبا إصلاحيا، يدعوا إلى تحسين ظروف الجماهير عن طريق ذات الأساليب التي تدعوا لها مختلف التيارات والأحزاب الليبرالية، وهذه الرؤية الإصلاحية أوقعت الحزب، بتناقضات صارخة وجعلته يفقد البوصلة وكيفية التعاطي مع الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.

إن الغرق في القضايا المحلية وما يسميه الشيوعي العراقي بالوطنية مبتعدا عن تأثير القوى الرأسمالية العالمية وعملها في الهيمنة على البلدان، جعل تفسيراته تتماثل مع قوى إسلامية وقومية وليبرالية في الرؤية للمشكلات التي يعاني منها المجتمع العراقي، كالنظر الى مشاكل البلاد على انها الطائفية والقومية والعشائرية وغيرها من الأمراض التي ساهم الشيوعي العراقي في ترسيخها، باشتراكه ودفاعه عن هذه المنظومة بعد 2003، متناسيا ان القوى البرجوازية التي جاءت مع الاحتلال عملت على هذه المفاهيم وتعميقها ودعمها من اجل مزيد من السيطرة، ومحاولة تحويل الصراع من طبقي إلى صراع قومي أو طائفي أو ما شابه.

إن أعضاء وجماهير الشيوعي العراقي مدعوين لمراجعة نقدية موضوعية، يطرح عن طريقها أسئلة جوهرية وتجرى خلالها نقاشات جدية تتعلق بإخفاق الشيوعي العراقي بتمثيل الشيوعية والمنهج الماركسي الحقيقي، والتي كان من نتائجها تشكيل عائق حقيقي أمام تطور الحركة النضالية الثورية في العراق.