القطاع العام، والقطاع الخاص: أية علاقة؟


محمد الحنفي
الحوار المتمدن - العدد: 6524 - 2020 / 3 / 27 - 10:03
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

عندما نتكلم عن القطاع العام، لا نتكلم عنه على أنه ملك للشعب المغربي، أو حتى للدولة المغربية، مهما كانت، وكيفما كانت، بقدر ما نتكلم عنه، على أنه مجال للنهب الممنهج، من قبل المسئولين، عديمي الضمير، سواء كانوا محليين، أو إقليميين، أو جهويين: جماعاتيين، أو إداريين، أو قضائيين، أو على المستوى الوطني: برلمانيين، وحكوميين، على حد سواء، من الذين بلغوا منتهى القربى من النظام المخزني، ليس إلا.

وعندما نتكلم عن القطاع الخاص، نتكلم عن المجال الذي يتم إبرازه، على أنه هو البديل المنتظر، القائم على أساس تسليع كل ما يخدم السير العادي للحياة: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لتتحول الدولة إلى مجرد دركي، يحرس ممتلكات الخواص، الذين يمتلكون المؤسسات الاقتصادية، والزراعية، والصناعية، والاستخراجية: الريعية، والاجتماعية، والثقافية، ولم لا السياسية، وعلى رأسها الدولة، والحكومة.

وهذا الفرق، يصير واضحا، حتى في ممارسة الحكومة نفسها، بين القطاع العام، الذي يتعرض للنهب، في كل وقت، وحين. والناهبون معروفون، والحكومة تعرفهم، ولا تحرك ساكنا، حتى لا تخالف اختياراتها القائمة على أساس تعريض القطاع العام للنهب، والسرقة، والتفويت بغير حق، وكأن القطاع العام، الذي هو ملك للشعب، صار جرثومة، يجب التخلص منها، بأي وسيلة من الوسائل، التي يمكن أن تجعل القطاع العام، في خبر كان، ليصير القطاع الخاص، يحرسه ملاكه، وتحرسه المؤسسات العمومية، وتحرسه الحكومة كمؤسسة عمومية، وتحرسه الدولة، حتى لا يضيع منه ولو مليم واحد، وحتى يستطيع تعميق الهوة، السحيقة أصلا، بين مالكي المؤسسات الزراعية، والصناعية، والخدماتية، والتجارية من جهة، وبين العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين من جهة أخرى.

ولذلك فموضوع:

((القطاع العام، والقطاع الخاص، أية علاقة؟)).

هو موضوع شائك، ويحتاج منا إلى الصراحة الكاملة، وليس إلى شيء منها، فقط.

وحتى نوفي الموضوع حقه، يجب أن نبدأ أولا بطرح الأسئلة، التي نسترشد بها في معالجة هذا الموضوع:

فماذا نقصد بالقطاع العام؟

وما ذا نقصد بالقطاع الخاص؟

وما هي العلاقة بينهما؟

هل هي علاقة جدلية ؟

هل هي علاقة عضوية؟

هل هي علاقة إيجابية؟

هل هي علاقة سلبية؟

هل تتجه العلاقة بينهما إلى تحقيق التوازن الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي؟

هل تتجه إلى تغليب ما هو عام، على ما هو خاص، لحسابات معينة؟

هل تتجه إلى تغليب ما هو خاص، على ما هو عام، لحسابات أخرى؟

ماذا تقتضي مصلحة الشعب؟

هل تقتضي تغليب الخاص على العام؟

هل تقتضي تغليب العام على الخاص، في جميع القطاعات؟

وماذا تقتضي مصلحة الطبقة الحاكمة؟

هل تقتضي تغليب الخاص على العام؟

هل تقتضي تغليب العام على الخاص، في جميع القطاعات؟

وما رأي حقوق الإنسان، في العلاقة بين القطاع العام، والقطاع الخاص؟

هل تسييد القطاع العام، ينتج لنا احترام الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية؟

وها تسييد القطاع الخاص، ينتج لنا نفس الاحترام؟

وهل تقبل النقابات تسييد القطاع العام، بدون الاستجابة للمطالب النقابية؟

هل تسييد القطاع الخاص، ينتج لنا الاستجابة للمطالب الشغلية: المادية، والمعنوية؟

وهل تمت ملاءمة قوانيننا المعمول بها، مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حتى نتحدث عن تسييد القطاع العام، أو القطاع الخاص؟

وهل تم تفعيل مطلب السلم المتحرك، حتى نطمئن على مستقبل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، سواء كان ذلك في ظل القطاع العام، أو القطاع الخاص؟

أليس الأمر متعلقا باحترام القوانين المعمول بها وطنيا، ودوليا؟

أليس متعلقا بقيام الدولة بفرض احترام حقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، كما هي متعارف عليها دوليا؟

أليس متعلقا بقيام الدولة المغربية، بفرض احترام السلامة الجسدية، والروحية، لكافة المواطنات، والمواطنين، على حد سواء، لا فرق بين فلان، وعلان؟

ألا يجب على الدولة، وعلى جميع أجهزتها، بما فيها جهاز القضاء، أن لا تتحرك إلا في إطار القوانين، وأن لا تنحاز إلى أي جهة كانت، وكيفما كانت؟

ألا يعتبر المواطنون، والمواطنات أنفسهم، وأنفسهن، سواء أمام القوانين المتلائمة مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، المعمول بها، وأمام الدولة؟

أليس من واجب كل مواطنة، وكل مواطن الحرص على حماية حقوق الإنسان، من الانتهاكات المختلفة؟

أليس من حقهم أن يعرفوا حقوقهم الإنسانية في المدرسة، كما يعرفون كل ما تريد الدولة معرفته؟

لماذا لا تتحمل الدولة مسؤوليتها في جعل كل مواطنة، وكل مواطن، مستعدا لحماية حقوقه، ولمواجهة كل من ينتهك تلك الحقوق؟

أليس الانتماء إلى الوطن انتماء للدولة، والانتماء للدولة انتماء للوطن؟

أليس من واجب الدولة التي تحكم الوطن، ومن يعيش على أرضه، أن تضمن له الحقوق الإنسانية، وحقوق الشغل، لكل أفراد الشعب، مهما كان لونهم، أو جنسهم، أو معتقدهم، أو لغتهم؟

ألا يعتبر قيام الدولة بواجبها، تجاه المواطنات، والمواطنين، من عوامل تقدم الشعب، وتطوره؟

أليس الشعب المغربي معنيا بما تكون عليه دولته؟

أليس احترام القوانين المعمول بها، تكريس للاحترام المتبادل بين الدولة، والشعب؟

إننا عندما نطرح الأسئلة، وفق ما يقتضيه سياق الموضوع، لا نسعى إلا إلى تقريب المفهومين إلى الأذهان، حتى لا نمارس التضليل، الذي يتناقض مع الوضوح المطلوب.

مفهوم القطاع العام، والقطاع الخاص:

وإذا كان لا بد من ممارسة الوضوح في الفكر، وفي الممارسة، فإن ذلك الوضوح يقتضي منا السعي المستمر، إلى تجسيد الوضوح في المفاهيم، التي نعتمدها في فكرنا، وفي ممارستنا، حتى نجعل كتابتنا أكثر قربا من ذهن المتلقي، وخاصة إذا كان هذا المتلقي يلتزم بالوضوح الفكري، والنظري، على الأقل، والذي قد يتطور إلى الالتزام به، على مستوى الممارسة.

ومن المفاهيم التي تحتاج إلى المزيد من الوضوح الفكري، والنظري، مفهوم ((القطاع العام))، ومفهوم ((القطاع الخاص))، انطلاقا من مفهوم ((العام))، و ((الخاص))، سعيا إلى جعل الرؤيا واضحة في أذهان المتلقين، مهما اتسعت دائرتهم.

وانطلاقا من السؤال المتعلق بالقطاع العام، فإنه يكون ملتبسا، باستمرار.

فما هو عام، هو ملك للجميع، وهو ملك كذلك للدولة، وتدبره مؤسسات الدولة، ولا يحق لأي فرد، أو جماعة، احتلاله، والتصرف فيه، إلا طبقا للقانون. إلا أن هناك من يتصرف في القطاع العام، كما يتصرف في ملكه الخاص، والملك العام الذي لا يحق لك التصرف فيه، بيعا، وكراء، لا يمكن أن يكون ملكا خاصا.

والقطاع العام، يحتمل أن يكون مؤسسة عمومية، مهمتها تقديم الخدمات العمومية، إلى جميع المواطنات، والمواطنين، بمقابل رمزي ما لم تصر تلك المؤسسة العمومية مؤسسة خاصة، إن قررت الدولة التي يتحكم فيها البورجوازيون، أو الإقطاعيون، أو التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، الإجهاز على القطاع العام، انطلاقا من الاختيارات الرأسمالية التبعية، اللا ديمقراطية، واللا شعبية، والتي تعصف بالقطاع العام، لصالح القطاع الخاص، حتى تزداد أرباح الطبقة الحاكمة، والمستغلين، والمستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي.

وإذا كانت المؤسسة العمومية، ملكا عاما للشعب، أو للدولة، التي يفترض فيها أنها تمثل الشعب، ونابعة منه، وبإرادته، فإن العاملين في تلك المؤسسات العمومية، التي تعتبر ملكا للشعب، وللدولة، يتصرفون في تلك المؤسسات، وكأنها ملك لهم، وكأنها تمت خوصصتها باسمهم، فتصبح عندهم كل خدمة بمقابل، يختلف حسب نوعية الخدمات، التي تقدمها كل مؤسسة عمومية على حدة، أو كل قسم من أقسام تلك المؤسسة. وهو ما يوصف، عادة، بالفساد الإداري، الذي يدر على ممارسيه آلاف الدراهم يوميا، ومنهم من تأتيه فرصة يجني منها ملايين الدراهم، ودون مطالبة هؤلاء بأداء الضرائب؛ لأن ما يتقاضونه من رشوة، ليس، في نهاية المطاف، إلا دخلا يوميا، سواء تعلق الأمر بالإدارات العمومية، التي تصير ملكا للشعب، أو بالإدارات الجماعية، أو بالقضاء، أو بالضابطة القضائية؛ لأن المسئولين من هذه المؤسسات المختلفة، يعرفون من أين تؤكل الكتف، ويدركون، جيدا، أن معرفة مداخل استغلال القانون، تكون مدرة للدخل، وأن ذلك الدخل الذي يقدر بعشرات الملايين، مع نهاية الشهر، إن لم تكن مآت الملايين، حتى يتم الوقوف على حقيقة الفساد، الذي يجري في المؤسسات التي يملكها الشعب، وتملكها الدولة، التي يفترض فيها أنها تمثل الشعب.

ومعلوم أن إطلاق يد الفساد، في الإدارات العمومية، وفي الإدارات الجماعية، وفي القضاء، ليس إلا إيجاد تبرير للتخلص من المؤسسات العمومية، ببيعها. وقد لا نستغرب إذا وجدنا أن دولة أجنبية، اشترت جميع المؤسسات العمومية، وفرضت رسوما باهظة مقابل الخدمات، التي تقدمها، بما في ذلك القضاء، والجماعات الترابية: الحضرية، والقروية، كما يمكن أن يكون القطاع العام ملكا مشتركا بين جميع الناس، يشغلونه بشكل مشترك، بين جميع المواطنين، مهما كان لونهم، أو جنسهم، أو معتقدهم، ما داموا ينتمون إلى نفس الوطن، ولا يمكن أن يصبح موضوع الاستغلال إلا بالقانون، الذي يجب أن يفعل إلى أقصى مدى، ولا يمكن أن تعترف الأحزاب التي تنهب ثروات الجماعات الترابية. فالسماح للفراشة، باحتلال الملك العمومي، في الجماعات الحضرية، بما في ذلك الطرق العمومية، التي تمر منها السيارات، مما يؤدي إلى قيام أزمة حادة، في التنقل بين أحياء المدينة، وأطرافها، وإغاثة من يستحق الإغاثة. وما ذلك إلا لكون الذين يشرفون على تدبير شؤون المدينة المغربية فاسدون، ويبنون، كل شيء، في تدبير شؤون المدينة على الفساد، الذي هو المبتدأ، والمنتهى.

والفساد، هو الذي يجعل القطاع العام، كمؤسسات اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية، وكملك مشترك بين جميع المواطنات، والمواطنين، محكوما بفساد المسئولين عنه، على جميع المستويات، سواء تعلق الأمر بالنهب، أو بالإرشاء، والارتشاء، أو بإرشاء المواطنين (الناخبين)، بالسماح لهم باستغلال الملك العمومي, وانطلاقا من هذا المعطى، فإن القطاع العام: جملة، وتفصيلا، صار في خدمة الفساد، إلى مالا نهاية، ما لم يخرج الشعب عن بكرة أبيه، في كل المدن، وفي كل القرى، لمحاربة الفساد، والمطالبة بمحاكمة الفاسدين، مهما كان جنسهم، أو لونهم، أو الطبقة التي ينتمون إليها، أو المركز المالي الذي يتمتع به، ومهما كان نفوذه في المجتمع؛ لأن الفاسد، لا يمكن أن يكون إلا فاسدا. والأحزاب التي تضم الفاسدين، لا يمكن أن تكون إلا فاسدة.

ولذلك، يمكن القول: بأن القطاع العام الذي نحرص على الدفاع عنه، ونعتبره ملكا للشعب، وللدولة، التي يفترض فيها أنها تمثل الشعب، الذي هو قطاع تهتم الدولة بإفساده، بقرار مدبر من الإدارة المخزنية، ومن الطبقة الحاكمة، والمستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي.

ومظاهر إفساد القطاع العام، تتمثل في عملية النهب الممنهج للثروات الشعبية، من طرف المسئولين عن مختلف الإدارات، والجماعات الترابية، والوزارات، ومختلف المصالح التابعة لها، على مستوى الأقاليم، والجهات، كما تتمثل في عمليتي الإرشاء، والارتشاء، في كل الإدارات العمومية، وفي الجماعات الترابية، والعمالات، والأقاليم، والولايات، وعلى المستوى الوطني. وتتمثل أيضا في سماح الجماعات الترابية، وخاصة في الحواضر، باحتلال الملك العمومي، واستغلاله من قبل أرباب المقاهي، والفراشة، مما يعرض المارة إلى فقدان الحق في السلامة البدنية، وسلامة الممتلكات، التي تصبح معرضة للنشل.

وهذه الوضعية، التي يعاني منها القطاع العام، تجعله أخطر على الشعب من القطاع الخاص، مما يجعل المواطنات، والمواطنين، يفضلن، ويفضلون اللجوء إلى القطاع الخاص، الذي أصبح غير مكلف نفس تكلفة القطاع العام، الذي أصبح مجالا لتسمين ديناصورات النهب، والإرشاء، والارتشاء، واستغلال الملك العمومي، بغرض التهرب الضريبي، وأمام أنظار السلطات المحلية، التي لا تخفى عليها خافية، مما يجري، خاصة، وأن مخبريها المبثوثين هنا، وهناك، يتتبعون كل شيء، ويراقبونه، وكأن القطاع العام، فيه إجماع على نهب ثروات الشعب، وعلى الإرشاء، والارتشاء، وعلى الاستغلال غير المشروع للملك العمومي، بغرض إفساد هذا القطاع، في أفق خوصصته، ليصير كل شيء في هذا الوطن، ملكا للخواص، وما سوى الخواص، يبقى العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين لا يملكون أي شيء، في انتظار استهلاك بعض ما ينتجه الخواص، الذين لا يملكون أي شيء، في انتظار استهلاك بعض ما تنتجه مؤسسات الخواص، الذي يمتصون بذلك الإنتاج، بعض ما يتبقى في الجيوب، التي توجد في ملابس الكادحين، لنصل إلى أن فساد الدولة، قاد إلى فساد أجهزتها المختلفة، وهذا الفساد، شروع في إفساد المجتمع، وفي جعل الفاسدين يتوالدون كالفطر، وفي جميع القطاعات العمومية، لإبراز أن الدولة لم تعد قادرة على تدبير الشأن العام؛ لأنها تعرضه إلى الفساد.

بالنسبة للقطاع الخاص، الذي يدرك، مسبقا، أن من يتحكم فيه، هم من أفسدوا القطاع العام، أو وقفوا وراء إفساد القطاع العام، بالنهب، والإرشاء، والارتشاء، والمحسوبية، والزبونية، والوصولية، والانتهازية، حتى صار القطاع العام مكلفا، أكثر من القطاع الخاص، ولكن ليس عيبا أن يمتلك المغاربة مؤسسات القطاع الخاص، بل إن العيب، كل العيب، أن تصير الأموال المنهوبة، والمستخلصة من الإرشاء، والارتشاء، التي وقفت وراء انتشار الفساد في المؤسسات العمومية. وهي أموال غير مشروعة، ووسيلة لامتلاك المؤسسات الخصوصية، التي توظف في استغلال العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، إلى درجة أن كل ما هو خاص، يصير محكوما في معظم الأحيان:

ــ إما بالأموال المنهوبة من المؤسسات العمومية، والتي تقدر، في بعض الأحيان، بعشرات الملايير، التي قد تكون مخصصة لبناء مؤسسات عمومية، في إقليم ما، في زمن ما، أو لمد الطرق بين الأقاليم، أو بين الجماعات الترابية، في إقليم ما، وقد تكون مخصصة لبناء ثانوية، أو مستشفى عمومي، ولكن المسئولين فضلوا النهب، على أن تصير الأموال المنهوبة في خدمة الشعب، اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، حتى تصير وسيلة لامتلاك المؤسسة الخصوصية، التي يمارس بها استغلال العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بعد أن تم إفساد الإدارة.

ــ وإما من الأموال التي يتم استخلاصها من الإرشاء، والارتشاء، لكنس جيوب المواطنين، والتي تقدر بعشرات الملايين، إن لم تكن عشرات الملايير، حتى يصير المرتشي، الذي لا يستحيي؛ لأنه يفقد، فقدا مطلقا، الحس الإنساني.

وهم المرتشي الذي يمارس الإدارة الفاسدة، في ظل الدولة الفاسدة، أن يكنس جيوب المواطنين، الذين يضطرون إلى تلقي الخدمة الإدارية من إدارة الدولة المغربية الفاسدة، والذين تقدر الأموال التي جمعوها من الإرشاء، والارتشاء، بعشرات الملايير، والتي يعتبرونها رزقا ساقه الله إليهم، ليصير وسيلة لامتلاك العديد من المؤسسات الخصوصية، التي يمارس بها الاستغلال على الشعب المغربي، والتي يذهبون منها إلى السعودية، (لأداء فريضتي الحج والعمرة)، أملا في التخلص من الذنوب العظمى، التي ارتكبوها في ممارسة الإدارة الفاسدة، معتقدين: أن الأموال التي خلفوها، أو جمعوها، أموال مشروعة. وهي، في الواقع، غير مشروعة؛ لأن أصل تكون الثروة، غير مشروع.

ــ وإما من احتكار البضائع الاستهلاكية، التي قد تصير فاسدة، وتباع وهي فاسدة، للمواطنات والمواطنين، لضمان إدرار أموال طائلة، من بيع الأمراض السرطانية للمواطنات، والمواطنين الذين قد يصابون بالأمراض الخبيثة، التي قد تأتي على حياتهم، جراء استهلاك مواد فاسدة، تذهب أموالها الطائلة لشراء المؤسسات الخاصة، التي قد يمارس فيها الغش في الإنتاج، لضمان المزيد من الأرباح، التي توسع ملكيتهم للمؤسسات التي يستغل بواسطتها العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

ــ الاتجار في المخدرات، وفي كل الممنوعات، من أجل جمع الملايير كل سنة، وفي كل لحظة، والتي تحتاج إلى عملية تبييض الأموال، من أجل العمل على شراء مؤسسات القطاع الخاص، والتي قد يقدر ثمنها بعشرات الملايير، التي قد لا تتوفر إلا لبارونات الاتجار في الممنوعات.

ومع ذلك، لا أحد يسأل: من أين لمبيض الأموال بكل تلك الملايير، مع العلم أن البارون يوزع الأموال يمينا، وشمالا على المسئولين.

وقد سبق أن نشرت موضوعا عن مصادر أموال البورجوازية المغربية، فوجدت أنها جميعا مصادر فاسدة.

ــ الاتجار بالدين الإسلامي، عن طريق أدلجته، والذي يجمع مؤدلجوه الكثير من الثروات، التي تصير في متناول المؤدلجين، والتي قد تقدر بالملايير، والتي تمكنهم من شراء مؤسسات القطاع الخاص، التي يستغلون بها العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، باسم الدين الإسلامي.

ومع ذلك، فلا بد أن توجد مؤسسات خصوصية، يملكها أشخاص طيبون، بأموالهم الطيبة، يراعون فيها أن تخدم مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين الذين تقدم لهم حقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والشغلية، وتحترم ما تنتجه من بضائع استهلاكية، كما تحترم نوعية الخدمات التي تقدمها إلى بنات وأبناء الشعب المغربي.

كما يجب أن نعرف أولا، وأخيرا، أن مصادر الثروات، لا تهمنا، بقدر ما يهمنا احترام المؤسسات الخاصة، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والشغلية.

إلا أننا يجب أن نشير، إلى أن ما بني على باطل، لا يكون إلا باطلا، والأموال التي بني عليها القطاع الخاص، هي في غالب الأحيان، من مصادر فاسدة، وما أتى من مصادر فاسدة، لا يمكن أن يكون إلا فاسدا.

ولهذا، فالمسئولون عن القطاع الخاص الفاسدون، لا يمكن أن يستجيبوا لمطالب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين؛ لأن الفاسدين، والفاسدات أيضا، لا يعرفن، ولا يعرفون شيئا اسمه حقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين. وفي مقابل ذلك، يمارسون، ويمارسن الاستغلال الهمجي على العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ويتهربون، ويتهربن من أداء الضرائب للدولة، التي يجري كل شيء أمام أعين مسئوليها.

فماذا نعني بالقطاع الخاص؟

إننا عندما نذكر القطاع الخاص، نذكر المحور الطبقي، ونذكر تركيز الثروات في أيدي فئة قليلة من المنتمين إلى الطبقات المهيمنة، والمسيطرة في المجتمع المغربي، والتي تعرف التهام كل الخيرات المادية، والمعنوية، من أجل الزيادة الصاروخية في ثرواته، التي لا يقابلها إلا التراجع الصاروخي، لما يمكن أن يتبقى في جيوب بنات، وأبناء الشعب المغربي، كما نذكر أن القطاع الخاص، هو مجرد وسيلة لجني المزيد من الثروات، التي تهرب إلى الأبناك الخارجية، ومن أجل شراء العقارات الرفيعة الثمن، في أوروبا، أو أمريكا، أو غيرها، حتى لا تقف وراء استفادة المغاربة من ترويجها بهذا القدر، أو ذاك.

وقديما قالوا: إن السفهاء هم الذين يبذرون الأموال، وفي الأمور التافهة، التي لا يستفيد منها لا السفهاء، ولا غيرهم من أفراد أسرهم، ولا قريب من أقاربهم، لتصير بذلك أموالا طائلة.

ونحن اليوم نقول: إن السفهاء الحقيقيين، هم الذين يصيرون متوفرين على ثروات هائلة، بطرق غير مشروعة، لا يدري أحد من أين لهم بها، ولا ندري: هل من حقهم أن يتصرفوا فيها؟ ولا أحد يسألهم من أين لهم بها؟ يملكون بواسطتها مؤسسات القطاع الخاص المختلفة، كما يملكون، ويملكن بها العقارات المختلفة، والمتنوعة، في الحواضر، وفي البوادي، ودونما حياء من غالبية السكان، والذين لا يملكون إلا، ولا ذمة، بممارستهم للسفاهة، في أبشع صورها، التي لا يسمونها سفاهة، بقدر ما يسمونها أي اسم يجعلها قدوة لمن يمتلكون الثروات، حتى يصيروا مالكين لكل أراضي الوطن، ولكل عقارات المدن، ويصير الشعب في القرى، وفي المدن، تحت رحمتهم، يعيش بإرادتهم، أو يسلطون عليهم عوامل الموت الاختياري، المتمثلة في الجوع، والمرض، والجهل، الذي لا زال يستهدف ما يقرب من خمسين في المائة من السكان، غالبيتهم من النساء القرويات.

والقطاع الخاص، الذي يعتبر ملكا للخواص، وليس للشعب، يصير وسيلة لتحقيق هدفين أساسيين:

الهدف الأول: هو تعميق الاستغلال الهمجي على العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وبدون حدود؛ لأن تعميق الاستغلال، يضاعف فائض القيمة. أما الجزء الذي يذهب كأجور للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، فيبقى ثابتا، لا يزيد، إذا لم ينقص بفعل الاقتطاعات الطارئة.

الهدف الثاني: هو مضاعفة الرأسمال، الذي لا يعرف التوقف أبدا، ليصير رأسمالا لا يعد بالملايير، بل بالبلايير، التي تصير وسيلة لإلغاء الإنسان، الذي يتحول، بالفعل، إلى وسيلة لخدمة مضاعفة نماء الرأسمال، ولا قيمة إنسانية له، إلا من خلال مساهمته في بناء الرأسمال.

وأهم ما يميز القطاع الخاص، يتمثل في:

1) في رسومات بيع الخدمات، مما يثقل كاهل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

2) هضم حقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين تضاف حقوقهم إلى مجمل الرأسمال، الذي يضر، ولا ينفع.

3) التهرب الضريبي، بحيث يقوم بإعداد تقارير كاذبة، تضاعف فيها المصاريف، والمداخيل، وبفواتير مزورة.

4) التمتع بامتيازات الريع المخزني / الدولتي، على شكل الدعم، الذي الذي يقدم عادة إلى القطاع الخاص.

5) التصرف في العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وكأنهم مجرد قطيع حيواني، يقرب من يشاء منهم، ويبعد من يشاء، ويرسم من يشاء، ويحرم من يشاء من الترسيم، ويوقف من يشاء، ويطرد من يشاء، بل ويتسبب في الكوارث لمن يشاء.

6) الرفع المستمر لقيمة البضائع الاستهلاكية، الذي يساهم في امتصاص جزء مهم، مما يمكن أن يتبقى في جيوب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

والقطاع الخاص، بالنسبة للشعب المغربي، ليس هو منتج البضائع، أو مقدم الخدمات، بمقابل تحدده المؤسسة؛ بل هو وسيلة السيطرة على المؤسسات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بواسطة الملكية الخاصة، ووسيلة أيضا للسيطرة على العقارات الحضرية، والقروية، وعلى وسائل النقل، وعلى الضيعات الزراعية، وعلى مؤسسات تربية المواشي، والدواجن،، لتتمكن في طريق تلك الملكية، من السيطرة على البشر، الذي يشغل القطاع الخاص، لخدمة مصالحها، ومضاعفة مداخيلها، حتى لا تتراجع إلى الوراء، ومن أجل أن تستمر في نهب الثروات، وفي تكريس حرمان العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من كل الحقوق الإنسانية، والشغلية.

وبالإضافة إلى ما ذكرنا، فإن القطاع، يتم استغلاله من قبل مالكيه، من أجل السيطرة على الجماعات الترابية: الحضرية، والقروية، من أجل إيجاد مصدر لنهب الثروات، التي تعد بعشرات الملايير، التي تحول إلى الحسابات الخاصة داخل المغرب، وخارجه ،كما يتم استغلال القطاع الخاص، من أجل السيطرة على البرلمان بغرفتيه: (مجلس النواب، ومجلس المستشارين)، الذي يستغل لحماية المصالح الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بواسطة التشريعات، التي تتم المصادقة عليها في إطار البرلمان.

وفي العلاقة بين القطاع الخاص، والقطاع العام، فإننا نجد أن هذه العلاقة، وانطلاقا من الامتيازات الرأسمالية التبعية، اللا ديمقراطية، واللا شعبية، تسير في اتجاه جعل القطاع العام، في جميع المجالات، في خدمة القطاع الخاص، وليس العكس؛ لأن توجه الاختيارات القائمة، وفي ظل سيادة الفساد، على جميع المستويات، هو العمل على خوصصة القطاع العام، حتى لا يتبقى إلا القطاع الخاص، في السماء، وفي الأرض، وفي عمق السماء، وفي عمق الأرض، وما بينهما، حتى نقول: فأينما تولوا فتمة القطاع الخاص.

وما يميز القطاع الخاص، في بلد كالمغرب، هو أنه نما، وترعرع، في ظل سيادة الفساد، وتحت إشراف الدولة الفاسدة أصلا، وعن طريق مؤسسات فاسدة، وعلى أساس تشريعات، تتم المصادقة عليها، في إطار برلمان فاسد. ومعلوم أن الفساد، لا ينتج إلا الفساد.

وبناء عليه، فإن القطاع العام، يتكون من مؤسسات فاسدة، وقفت، ولا زالت، تنتج لنا قطاعا خاصا فاسدا، يستغل لجمع الثروات الهائلة، التي تهرب إلى أوروبا، وإلى أمريكا، لاستثمارها في شراء العقارات، أو لإقامة مشاريع اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، ولكن من أموال آتية من القطاع الخاص، في المغرب القائم على أساس الفساد.

فهل نستطيع، مستقبلا، التخلص من الفساد؟

وهل يتحول في بلادنا القطاع الخاص، إلى وسيلة لتمتيع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بالحقوق الإنسانية، والحقوق الشغلية؟

وهل نعتبر أن الحرص على تمتيع جميع الأفراد، بجميع الحقوق الإنسانية، وسيلة لتحقيق مجتمع خال من الفساد؟

العلاقة بين القطاع العام والقطاع الخاص:

في الصفحات السابقة حاولنا أن نقف بعض مظاهر العلاقة بين القطاع العام والقطاع الخاص، وكأننا نتعمق فيها، ودون أن نجيب على الأسئلة المطروحة حول هذه العلاقة، التي تتناول جميع الجوانب، بما فيها العلاقة الجدلية، والعلاقة العضوية، والعلاقة التبعية... إلخ؛ لأن تناول هذه الأشكال من العلاقة، يقودنا إلى العمق، ويجعلنا نقف على حقئق الأمور، في العلاقة بين القطاع العام، والقطاع الخاص.

فالعلاقة الجدلية، تقتضي قيام تفاعل معين، بين القطاع الخاص، والقطاع العام، أو العكس، بحيث يصير القطاع الخاص، متأثرا، ومؤثرا في القطاع العام، كما يصير القطاع العام، متأثرا، ومؤثرا في القطاع الخاص، كنتيجة للتفاعل بينهما، الذي يقود إلى النمو المتوازي بين القطاع الخاص، والقطاع العام.

وإن ما يجب أن نستحضره عندنا، أننا في دولة رأسمالية تبعية، لا ديمقراطية، ولا شعبية، تعتمد اختيارات تتناسب مع طبيعتها، مما يجعل جميع مخططاتها، محكومة بما تقتضيه تلك الاختيارات، التي تفرض تعميق الاستبداد، والاستغلال، والاستعباد، مما يجعل نضال الشعب المغربي، يهدف إلى التحرر من العبودية، وإلى تحقيق الديمقراطية، وإلى تحقيق العدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، سعيا إلى تمكين جميع أفراد المجتمع، من حقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والمدنية، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

أما العلاقة الجدلية القائمة بين القطاع العام، والقطاع الخاص فلا يتم التفكير فيها، إلا أن هذه العلاقة في ظل الواقع القائم: إما أنها غير قائمة أصلا، وإما أنها تقوم لصالح القطاع الخاص، على حساب القطاع العام، الذي يعرف تراجعا خطيرا لصالح القطاع الخاص، خاصة، وأن مسئولي الدولة، هم مجرد عصابة، لا يهمها إلا نهب الثروات، ثم نهب الجيوب، ونهب الصناديق السوداء، والبيضاء، على حد سواء، وصولا إلى خوصصة مؤسسات القطاع العام، التي قد يشتريها الريعيون، مما تكدس لديهم من ثروات امتيازات الريع، التي هي أموال الشعب المغربي، تم تفويتها عن طريق منح امتيازات الريع، إلى فلان، أو علان، مما يجعل مستقبل هذا الشعب، في خبر كان.

وفي مثل حالتنا، فإنه يصعب القول بأن العلاقة القائمة بين القطاع الخاص، والقطاع العام، هي علاقة متفاعلة، وإذا وجدت فإنها تكون شيئا آخر، لا علاقة له بالجدلية.

وإذا كانت العلاقة القائمة بين القطاع الخاص، والقطاع العام، غير جدلية:

فهل يصح أن تصير العلاقة عضوية؟

إن العلاقة القائمة بين القطاع الخاص، والقطاع العام، إذا انتفت منها الجدلية، فإنه يصعب أن تتحول إلى العلاقة العضوية، التي تقتضي أن يصير المتفاعلان في الكل، وفي الأجزاء، مهما كانت دقيقة. فإذا وقفنا في مناقشتنا للعلاقة الجدلية القائمة بين القطاع العام، والقطاع الخاص، أو العكس، فإننا قد وجدنا أن هذه العلاقة لا تكتسي طابع التفاعل، بين القطاع العام، والقطاع الخاص، بقدر ما تكتسي: إما طابع التنافي فيما بينهما ،نظرا لاختفاء الخصوصية، أو طابع احتواء القطاع الخاص للقطاع العام، بحكم السياسة اللا ديمقراطية، واللا شعبية، وبفعل الاختيارات القائمة، التي تقتضي خوصصة القطاع العام، بمؤسساته المختلفة، سواء كلنت صحية، أو تعليمية، أو أي شيء آخر.

وبناء عليه، فإن القطاع العام، عندما يصير مهددا بالخوصصة، فإنه يمكن أن نقول، وانطلاقا من انتفاء العلاقة الجدلية بين القطاع العام، والقطاع الخاص، بأن العلاقة بينهما، لا يمكن أن تصير عضوية، ولا يمكن أن يتحول فيها القطاع العام، إلى جزء لا يتجزأ من القطاع الخاص، كما لا يمكن أن يتحول القطاع الخاص، إلى جزء لا يتجزأ من القطاع العام، نظرا لحالة التنافي القائمة بينهما، ونظرا للاختيارات المتبعة الهادفة إلى خوصصة القطاع العام.

ولذلك، لا يمكن الحديث عن العلاقة العضوية، بين القطاع العام، والقطاع الخاص؛ لأن أصل رأسمال القطاع الخاص، هو الفساد، ولأن موطن الفساد، هو القطاع العام. والقطاع الخاص، بحكم فساده الأصلي، لا يحترم حقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين. أما القطاع العام الفاسد، فإنه قائم على أساس إهدار الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والمدنية.

وإذا كان القطاع الخاص، بهضمه لكافة الحقوق، يخدم النماء الرأسمالي، في بعديه: المحلي، والعالمي، فإن القطاع العام، بفساده، لا يخدم إلا جيوب الفاسدين، المشرفين عليه، ويلحق الكثير من الأضرار بالعاملين فيه، ممن لا يد لهم فيما يجري فيه، كما يلحق الكثير من الأضرار، بكل المواطنات، والمواطنين، وعلى المستوى الوطني. وهو ما يترتب عنه استحالة قيام العلاقة العضوية بين القطاع العام، والقطاع الخاص.

وإذا كانت العلاقة القائمة بين القطاع العام، والقطاع الخاص، ليست جدلية، ولا يمكن أن تكون عضوية:

فهل هي علاقة تبعية؟

وهل القطاع الخاص، هو الذي يتبع القطاع العام؟

أم أن القطاع العام، هو الذي يتبه القطاع الخاص؟

إننا، ونحن نناقش العلاقة بين القطاع العام، والقطاع الخاص، يجب أن نستحضر في أذهاننا: أن الجهة القوية، هي التي يجب أن تكون متبوعة، لأنها مهيمنة بقوتها، كما هو الشأن بالنسبة لأمريكا، التي تتبعها كل الدول الرأسمالية المستضعفة، الغارقة في ديون الصناديق الدولية، والأبناك الدولية، والجهوية، والقارية، وغيرها، مما يمكن اعتباره في ملك الرأسمالية العالمية، التي تتزعمها الدولة الرأسمالية العظمى: الولايات المتحدة الأمريكية.

وبالنسبة لحالتنا:

هل القطاع العام هو القوي؟

وهل القطاع الخاص هو الضعيف؟

أم أن العكس هو الصحيح؟

إن ما نعرفه، ويعرفه معنا الخاص، والعام، أن الدولة المغربية عملت عل خلق الإقطاع، بمفهومه الحديث، وسعت، مع مرور الأيام، إلى تحويل ذلك الإقطاع إلى بورجوازية، كما سعت إلى خلق بورجوازية مدينية، صناعية، وتجارية، وعقارية، وزراعية، تغمض عينيها عن الغش، الذي تمارسه في إنتاج البضائع الاستهلاكية، والذي يقف وراء النهب الممنهج، الذي يقف وراءه إغماض العينين، عما يجري من فساد في الإدارة العمومية، والإدارات الجماعية الترابية، وفي القطاعات شبه العمومية. ذلك الفساد الذي وقف وراء نمو سرطاني للبورجوازيات المغربية، والإقطاع المغربي، وللتحالف البورجوازي الإقطاعي المغربي. هذه الدولة التي سمحت باستشراء الفساد في القطاع العام، وشبه العام، لا يمكن أن تجعله إلا ضعيفا، ولا يمكن أن يكون قويا أبدا، وهو فاسد، الأمر الذي يترتب عنه: أن القطاع الخاص، باعتباره وليدا غير شرعي للقطاع العام الفاسد، وللدولة الفاسدة، يصير أقوى من القطاع العام. ونظرا لأن القطاع العام فاسد، والقطاع الخاص قوي، وبقرار سياسي، فإن الذي يكون متبوعا هو القطاع الخاص، والذي يكون تابعا هو القطاع العام.

ومعلوم أن علاقة من هذا النوع، لا يمكن أن تكون طبيعية في الأحوال العادية، حيث يصير القطاع الخاص تابعا للقطاع العام غير الفاسد أصلا، بخلاف ما عليه نحن. فالفساد جعل كل شيء ضعيفا عندنا في القطاع العام، وصير كل شيء عندنا في القطاع الخاص قويا، جعل القطاع العام تابعا للقطاع الخاص؛ لأن العلاقة بين القطاع العام، والقطاع الخاص، غير طبيعية، كما هو الشأن بالنسبة للدول التي يحترم فيها الحق والقانون، والتي لا نستطيع فيها التمييز بين القطاعين.

وإذا كانت العلاقة بين القطاعين غير جدلية، وغير عضوية، وانطلاقا من الاختيارات القائمة، تصير العلاقة قائمة على أساس تبعية القطاع العام الفاسد، القائم أصلا على الفساد المستشري في المجتمع المغربي، للقطاع الخاص:

ألا يمكن أن تتحول هذه العلاقة إلى علاقة احتواء؟

هل القطاع العام هو الذي يحتوي القطاع الخاص؟

أم أن القطاع الخاص هو الذي يحتوي القطاع العام؟

إننا لا نستطيع إلا أن نخضع جميع الاحتمالات للنقاش الهادئ، والهادف، في نفس الوقت، إلى تكريس الوضوح القائم على الوضوح المنهجي، في التفكير، وفي الممارسة النظرية، والعملية، في نفس الوقت.

وانطلاقا من الوضوح الذي اعتمدناه منذ البداية، فإننا نعرف أن الدولة المغربية فاسدة، وأن الإدارات المغربية المختلفة فاسدة، وأن المجتمع المغربي محتضن لذلك الفساد الدولتي، والإداري، إلى جانب احتضانه لأشكال الفساد الأخرى، التي يبني علاقاته بها، على أساس أنها فاسدة أصلا، وأنه يستغل ذلك الفساد بالمساهمة فيه.

وإذا كانت الدولة المغربية فاسدة، وكانت أجهزتها الإدارية فاسدة، وكان هذا الفساد واقفا وراء إيجاد تشكيلة اجتماعية إقطاعية، ووراء إيجاد تشكيلة اجتماعية رأسمالية، ووراء إيجاد تشكيلة اقتصادية / اجتماعية من التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، فإن نفس الفساد، هو الذي وقف وراء جعل القطاع العام الفاسد، تابعا للقطاع الخاص القائم على أساس الفساد.

وفي السياق المذكور أعلاه، فإن التابع لا يمكن أن يحتوي المتبوع، كما أن المتبوع يمكن أن يصير محتويا للتابع، يوجهه، ويوظفه في الشروط القائمة، لخدمة مصالح القطاع الخاص، حتى إن كان القطاع العام فاسدا، وكان القطاع الخاص قائما على الفساد.

فعملية الاحتماء الممكنة إذا، ليست من القطاع العام للقطاع الخاص، كما هو مفترض، بقدر ما هو من القطاع الخاص، للقطاع العام. وهذا الاحتواء القائم فعلا، منذ زمان، هو الذي يجعل الدولة الفاسدة، تخطط لتحويل القطاع العام، إلى القطاع الخاص، حتى تتخلص منه، ليصير القطاع العام في خدمة الرأسمال مباشرة.

وبالتالي، فإن عملية الاحتواء، في نظرنا، لا تعني إلا إنضاج شروط عملية تحويل القطاع العام، إلى قطاع خاص، ليصير الرأسمال غير الأصيل عندنا، وغير النزيه، وغير الخالص، مستأسدا، ومتحكما في كل المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وموجها لسياسات الدولة العامة، والقطاعية، ومقررا في مصير المؤسسات القائمة، التي يعتبر مجرد وسيلة لتكديس الثروات الهائلة، التي يتم تهريبها بطريقة، أو بأخرى، إلى حسابات الأبناك الخارجية.

وهذه العلاقة القائمة بين القطاع الخاص، والقطاع العام، وبسبب تبعية القطاع العام للقطاع الخاص، لا يمكن أن تكون إلا سلبية، من منطلق أنهما معا، لا يخدمان لا مصلحة الشعب، ولا مصلحة كادحيه، ولا حتى مصلحة الطبقة الوسطى، التي تراهن على الاستفادة من القطاع العام ،في عملية إعادة إنتاج نفسها. فالمصلحة التي يخدمانها معا، هي مصلحة المؤسسة المخزنية، والدولة المخزنية الفاسدة، والأجهزة الإدارية الدولتية المخزنية، والإقطاع، والبورجوازية، والتحالف البورجوازي الإقطاعي، ونسبيا مصلحة الطبقة الوسطى. أما الكادحون، فإن القطاع العام بالنسبة إليهم فاسد، والقطاع الخاص تم استنباته من عمق الفساد، ولا يفيدان معا، لا العمال، ولا باقي الأجراء، ولا سائر الكادحين.

ولذلك، فإيجابية القطاع العام، والقطاع الخاص، لا تبرز واضحة، إلا عندما يتعلق الأمر بالنسبة للمؤسسة المخزنية، والدولة الفاسدة، والأجهزة الدولتية المخزنية، والإقطاع، والبورجوازية، والتحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، ونسبيا الطبقة الوسطى، وما سوى هؤلاء جميعا، من عمال، وأجراء، وسائر الكادحين. فالعلاقة لا تكون إلا سلبية، ولا يمكن أن تكون إيجابية أبدا.

والعلاقة عندما تكون سلبية، بالنسبة لغالبية الشعب المغربي، من العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، لا يمكن أن تتجه إلى تحقيق التوازن الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، بين جميع أفراد المجتمع، مهما كان جنسهمن أو لونهم، أو معتقدهم؛ لأن العلاقة التي تصير لصالح الجماعات المتحكمة في الاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، والسياسة، لا يمكن أن تحقق التوازن العام في المجتمع، وبالتالي، فإن الأمر يبقى على ما هو عليه، بالنسبة للكادحين، خاصة، وأن المتحكمين يريدون كل شيء، ولا يتركون أي شيء للشعب، ولكادحيه، الذين يبقون محرومين من كل شيء، بما في ذلك الحقوق الإنسانية المشروعة، وتلك المتعلقة بالعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

والعلاقات السلبية، لا يمكن أن تتجه إلا إلى تغليب ما هو خاص، على ما هو عام، حتى لا تصير في خدمة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين. وهو ما لا يروق المستفيدين من العلاقات السلبية القائمة بين القطاعين معا، وبين الكادحين، أنى كانت هويتهم.

لذلك فالاتجاه العادي، في مثل حالتنا، هو تغليب ما هو خاص، على ما هو عام، لخدمة مصالح المستفيدين من الإخلال بالتوازن، لحسابات لا يعلمها إلا المتحكمون في السياسة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

وعلى نفس النهج، فإن تغليب ما هو عام، على ما هو خاص، لا يخدم إلا مصالح المستفيدين من هذا الوضع المتردي، ومن الفساد المستشري على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وهو ما يترتب عنه: أن يصير العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، يعانون من الحرمان من كل الحقوق الإنسانية، ومن حقوق الشغل، كما هي منصوص عليها في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال.

وأفق العلاقة القائمة بين القطاع العام، والقطاع الخاص، لا يمكن في ظل الشروط القائمة، ومهما كانت هذه الشروط، أن تكون سليمة، وفي صالح جميع أفراد المجتمع، إلا إذا تغيرت الشروط المذكورة، وقام توازن اقتصادي، واجتماعي، وثقافي، وسياسي.

ومن الشروط الواجب إنضاجها نجد:

1) إحلال الدولة الديمقراطية العلمانية، باعتبارها دولة للحق والقانون، ولا وجود لأي شكل من أشكال الفساد في هياكلها الإدارية، وتحت إشرافها، سواء تعلق الأمر بالفساد الإداري، أو الفساد الاقتصادي، أو الفساد الاجتماعي، أو الفساد الثقافي، أو الفساد السياسي، حتى يصير المجتمع نظيفا، بخلوه من كل أشكال الفساد، التي تقف وراء وجود إقطاع متخلف، وبورجوازية هجينة، وتحالف بورجوازي إقطاعي متخلف، مهما كان جوهر وشكل تخلفه، وإعداد الشعب على دعم هذه الدولة، التي تفصل ما بين الدين، والسياسة، والمساهمة في بناء الهياكل الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بما ينسجم مع طبيعة الدولة، ومع الفصل بين الدين والسياسة. حتى ينطلق جميع أفراد المجتمع، في اتجاه المستقبل.

2) العمل على ملاءمة جميع القوانين المعمول بها، سواء تعلق الأمر بالقطاع الخاص، أو بالقطاع العام، مع الإعلانات والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، مهما كانوا، وكيفما كانوا، حتى يتمتع جميع ألأفراد، بجميع الحقوق العامة، والخاصة بقطاع معين، أو بفئة معينة، ومن أجل أن تزول جميع الفوارق، التي يتميز بها جميع أفراد المجتمع، في ظل عدم ملاءمة القوانين المعمول بها، بالإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المذكورة.

3) العمل على وضع القوانين، التي تقتضيها الشروط الطارئة، في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، بشرط أن توضع على أساس الملاءمة مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، التي يجب أن تصير من المرجعيات التي نستحضرها، كلما دعت الضرورة إلى إعداد قوانين معينة، بالإضافة إلى مرجعيات أخرى، تفرضها شروط معينة.

4) تحرير الاقتصاد من التبعية، والاجتماع من الغيبيات، والثقافة من الخرافة، والسياحة من التحكم المفرط، وترجمة ذلك التحرير إلى ممارسة يومية، في أفق التعود على التحرر من كل القيود، التي تحول دون التمكين المطلق في كل مفاصل الحياة الإنسانية، التي تصير في ظل الاستبداد القائم، مقيدة بمجموعة من الإملاءات، والأوامر التي تحول دون تحقيق التحرر المنشود.

5) الحرص على التحرر من العبودية، أنى كان مصدرها، وكيفما كان هذا المصدر، وفي أي مجال تمارس، ومهما كان المستهدفون بها، حتى تصير العبودية في خبر كان، ليصير جميع أفراد المجتمع أحرارا، لا فرق بين عربي، وعجمي، ولا بين أبيض، وأسود، إلا بالتقوى، التي لا تعني بالنسبة إلينا إلا احترام الآخر، والامتناع عن الإساءة إليه، وإنتاج الفكر والممارسة المقدسين لذلك الاحترام، مهما كان، وكيفما كان.

6) العمل على نفي الاستبداد، بكل مظاهره الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وتحقيق الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، سعيا إلى تمكين جميع ألأفراد، من المساهمة في التفعيل الإيجابي، للشأن العام، في جميع المجالات، وفي كل القطاعات، حتى تصير الممارسة الديمقراطية حاضرة في الفعل اليومي، واللحظي للشأن العام، كما هي حاضرة في فكر كل فرد، وفي ممارسته.

7) تحقيق العدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، في أفق تحقيق قيام الدولة الاشتراكية، التي يصير من مهامها، تدبير التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، وتراقب مدى التزام المؤسسات المشرفة على ذلك التوزيع، وتوقف أي إخلال يقع في هذا الشأن.

وهذه الشروط، عندما يتم إنضاجها، تصير العلاقة القائمة بين القطاع الخاص، والقطاع العام، علاقة جدلية / عضوية / تكاملية، مما يجعل القطاعين معا، يتفاعلان، في أفق تحقيق التقدم، والتطور في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي والسياسي، والثقافي، والسياسي، وبالتالي: فإن المجتمع المغربي سيعرف حياة أخرى، وتفاعلا آخر.

ومصلحة الشعب تقتضي تغليب القطاع العام، الخالي من الفساد الإداري، ومن المحسوبية، والزبونية، والوصولية، ومن كل أشكال الانتهازية، على القطاع الخاص، الذي لا يهم إلا مالكيه، الذين يدر عليهم المزيد من الثروات، التي لا يصرح بقيمتها إلى إدارة الضرائب، ولا يهم إلا طبقة الأثرياء في التجارة، وفي الصناعة، وفي الزراعة، وفي تربية المواشي، والدواجن، كما لا يهم إلا الوسطاء، وغير ذلك من مصادر الثراء، الذي لا يتوقف عند حدود معينة.

ذلك أن تغليب القطاع العام، على القطاع الخاص، يحقق أمرين أساسيين:

الأمر الأول: إعطاء الأهمية للقطاع العام، باعتباره هو القطاع الذي يخدم مصالح الشعب، ومصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

الأمر الثاني: فرض مواكبة القطاع الخاص لما عليه القطاع العام، حتى يرفع مستوى الأداء، وجودته، فيما يتعلق بالخدمات، التي يبيعها للمواطنين.

ويمكن أن يجعل القطاع العام، في المجتمع المغربي، القطاع الخاص، بصفة، أو بأخرى، في خدمة المجتمع المغربي، أو على الأقل، الفئات الشعبية، التي تتعامل معه.

ويمكن أن نعتبر، كذلك، تغليب القطاع العام، الخالي من الفساد، وسيلة لاستئصال كافة أشكال الفساد الأخرى، من المجتمع، حتى يصير المجتمع، بتغليب القطاع العام، النظيف، خاليا من كل أشكال الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، من أجل أن يتفرغ إلى البناء، والإبداع، في كل المجالات، وعلى نطاق واسع، لإيجاد فضاءات جميلة، فكريا، وعلميا، وثقافيا، وإنسانيا.

وعندما يتعلق الأمر برأي حقوق الإنسان، في العلاقة بين القطاع العام، والقطاع الخاص، فإن الذي يهم الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، هو احترام، وتفعيل حقوق الإنسان، وحقوق العمال، كما في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

وهذا الاحترام، والتفعيل، قد يكون في القطاع العام، وقد يكون في القطاع الخاص، وقد يلزمان معا بذلك، عندما تكون الدولة القائمة، دولة للحق، والقانون. أما في ظل الشروط القائمة، فإن احترام حقوق الإنسان، وتفعيلها، غير وارد، لا في القطاع العام، ولا في القطاع الخاص، مع فارق أساسي، وهو أن القطاع العام، يسمح بقيام التنظيمات المطالبة باحترام الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، سواء تعلق الأمر بالتنظيمات الحقوقية، أو بالتنظيمات النقابية، بينما نجد أن القطاع الخاص، أو شبه الخاص، لا يقبل بوجود المنتمين إلى مختلف التنظيمات الحقوقية، والنقابية، في صفوف العاملين فيه. وهو ما يؤكد ما ذهبنا إليه، من أن القطاع الخاص، يتحكم في القطاع العام، تبعا للاختيارات اللا ديمقراطية، واللا شعبية المتبعة، وأن القطاع العام، تابع للقطاع الخاص، انطلاقا من نفس الاختيارات القائمة.

وفي حالة خوض المعارك النضالية، من أجل تحقيق المطالب، المتعلقة بضرورة احترام تلك الحقوق، والعمل على تفعيلها، نجد أن القطاع العام، قد يستجيب لبعض المطالب المعنوية، لأن المطالب المادية، تكون مكلفة لميزانية الدولة. أما القطاع الخاص، فيواجه تلك المطالب الحقوقية، أو النقابية، بالطرد، والتوقيف عن العمل، في القطاع الخاص، كشكل من أشكال القمع الموجه إلى العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين قد يتملكهم الخوف على مستقبلهم، وقد يقاطعون، وبصفة نهائية، العمل الحقوقي، والعمل النقابي، في نفس الوقت.

وبناء على ما رأينا، وبعيدا عن قيام دولة الحق، والقانون، فإن الدولة المغربية القائمة، كانت في تاريخها، ولا زالت، هي أول من يقوم بالانتهاكات الجسيمة، للحقوق الإنسانية، ولحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

ولذلك، فلا داعي لأن نقول: بأن تسييد القطاع العام، ينتج لنا احترام حقوق الإنسان: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، كما ينتج لنا احترام حقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

لأن الذي يوضح ذلك، بما فيه الكفاية، هو طبيعة الاختيارات القائمة، باعتبارها اختيارات رأسمالية تبعية، لا ديمقراطية، ولا شعبية، وما دام الأمر كذلك، فإنه لا داعي إلى القول: بأن تغليب القطاع العام، يفضي إلى احترام حقوق الإنسان، وحقوق العمال.

أما تسييد القطاع الخاص، في مثل حالة الدولة المغربية، فلا يمكن أن ينتج إلا الخروقات الجسيمة لحقوق الإنسان، ولحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، إلى درجة أن النقابات أصبحت تتحاشى تنظيم العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين لهم علاقة بالقطاع الخاص، حتى لا يتحولوا إلى ضحايا، باسم الخروقات؛ لأن النقابات التي لا تتوفر على صندوق أسود، لمواجهة مثل هذه الحالات. وإذا توفرت عليه، فإنه يكون تحت تصرف القائد النقابي، غير الديمقراطي، وغير النزيه، وغير الأمين على أموال النقابة، التي يعتبرها ضيعته التي يتصرف فيها، كما يريد.

ومعلوم، أن تبعية القطاع العام، للقطاع الخاص، وتحكم القطاع الخاص، في القطاع العام، يجعل الدولة لا تقوم بأي إجراء في حق القطاع الخاص، كوليد غير شرعي لها، وعليها أن ترعاه، حتى يصير غولا، يلتهم الحجر، والشجر، ومن رعايتها له، أن لا تخضعه للمساءلة، والإحالة على القضاء، ما دامت الكلمة للدولة، التي ترعاه، حتى صار فوق القانون.

والنقابات لا تقبل تسييد القطاع العام، بدون أن يستجيب هذا القطاع للمطالب النقابية، وقد خاضت صراعات مريرة، منذ استقلال المغرب، من أجل الوصول إلى جعل القطاع العام يعترف بالنقابة، والعمل النقابي، ويتفاوض معها، ويستجيب لبعض مطالبها؛ إلا أن هذا الاعتراف، والتفاوض، تراجع عنهما القطاع العام، الذي رجع إلى عادته القديمة، التي أصبحت تنتج، من جديد، الانتهاكات الجسيمة، التي تحيلنا على سنوات الرصاص.

أما تسييد القطاع الخاص، فلا يترتب عنه إنتاج الاستجابة للمطالب النقابية؛ لأن من طبيعة القطاع الخاص، أن يصير مجالا لإنتاج الانتهاكات الجسيمة، في حق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وأمام أعين المسئولين عن القطاع العام، الذين لا يحركون ساكنا.

وحتى نتجاوز الانتهاكات الجسيمة، التي ينتجها القطاع الخاص، والقطاع العام على السواء، في هذه الظروف، لابد من ملاءمة جميع القوانين المعمول بها، في القطاع العام، وفي القطاع الخاص، وفي جميع القطاعات: الاجتماعية، والإدارية، وفي كل مناحي الحياة. وملاءمتها لا تكون إلا مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

ذلك أن الملاءمة مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، بجعل القوانين المعمول بها، وسيلة لتمتيع جميع أفراد المجتمع، بالحقوق الإنسانية، مهما كانت هذه الحقوق، بعيدة التحقق، تصير متحققة بفعل الحرص على تطبيق القوانين المختلفة، ووسيلة كذلك لتمتيع جميع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بكافة حقوق الشغل.

أما إذا لم تتلاءم القوانين المذكورة، مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، فإن المجال يبقى مفتوحا، أمام الاستمرار في إنتاج الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وفي حق كل فرد من أفراد الشعب المغربي الكادح وفي حق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، سواء تعلق الأمر بالقطاع الخاص، أو بالقطاع العام، كمجالين لمضاعفة الانتهاكات الجسيمة، نظرا لغياب الملاءمة المشار إليها، والتي يصر المسئولون على عدم القيام بها، حتى لا يتمكن المواطنون، والمواطنات، والعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من التمتع بالحقوق المختلفة، أثناء التطبيق الفعلي للقوانين المتلائمة مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

وكما هو الشأن بالنسبة للملاءمة المذكورة، التي ستجنب جميع أفراد المجتمع، الكثير من المشاكل، التي يصير المجتمع في غنى عنها، فإن إقرار السلم المتحرك، وتفعيل ذلك الإقرار، في شبكة العلاقات القائمة، في الواقع، بين المشغل، والعامل، والأجير، وكل الكادحين، سيجنبنا، كذلك، اللجوء إلى المطالبة، في كل مرة، بالزيادة في الأجور، التي تصير متلائمة مع ارتفاع، أو انخفاض مستوى الأسعار.

وما دام السلم المتحرك غير مأخوذ به، وما دام تفعيله غير وارد، في فكر، وممارسة الدولة المخزنية، وفي فكر، وممارسة المشغلين، أنى كانت هويتهم.

وانطلاقا مما رأينا، فإن عدم ملاءمة القوانين المعمول بها، وعدم الأخذ بالسلم المتحرك، سيجعل المجال مفتوحا على جميع الاحتمالات، وسيعرض الجماهير الشعبية الكادحة، ومنها العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، إلى الكثير من المخاطر، التي تنتظرهم، نظرا لاستشراء أمر الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي في المجتمع، الذي لا يتضرر منه بالدرجة الأولى، إلا عموم الكادحين.

فتسييد القطاع العام، أو القطاع الخاص، أو عدم تسييدهما سيان، مادام ذلك لا يؤدي إلى تمتيع جميع أفراد المجتمع، بحقوق الإنسان وحقوق العمال.

وعدم ملاءمة القوانين المعمول بها، وعدم الأخذ بالسلم المتحرك، كذلك، سيان، في فسح المجال أمام الاستمرار في إنتاج الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، هو الوارد، سواء تعلق الأمر بالقطاع الخاص، أو بالقطاع العام.

والفساد الذي يستشري في الواقع المغربي، يقف سدا منيعا ضد كل ما يصير في خدمة الشعب، وفي خدمة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

احترام القوانين المعمول بها أساس التمرس على الحق والقانون:

وبعد تناولنا لمفهومي القطاع العام، والقطاع الخاص، واستعراضنا لأوجه العلاقة بينهما، ننتقل إلى تناول احترام القوانين المعمول بها، باعتبارها هي الأساس، وهي المنطلق.

ونحن عندما نصير دولة للحق والقانون، يلتزم في إطارها أبناء، وبنات الشعب المغربي، بالحق، وبالقانون، ويعول المسؤولون، في مستوياتهم المختلفة، على فرض احترامه، وبقوة الحق، والقانون، ولأن تطبيق الحق، والقانون، في جميع القطاعات، يضع حدا للمحسوبية، والزبونية، والإرشاء، والارتشاء، ليصير المواطنون، والمواطنات، سواء أمام القانون، ويجعلهم يتمتعون، على الأقل، بحقوقهم القانونية، في أفق المطالبة بملاءمة كل القوانين المعمول بها، بالإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وفي حالة تحقق ذلك، فإن دولتنا، ستصبح، بتطبيقها للقوانين المعمول بها، دولة للحق، والقانون، سواء تعلق الأمر بالقطاع العام، أو بالقطاع الخاص.

فما هي المشكلة، التي يعاني منها الشعب المغربي؟

إن معاناة الشعب المغربي، التي لم تتوقف يوما، منذ الاستقلال الشكلي للمغرب، ناجمة عن أن:

1) المسؤولين، في مستوياتهم المختلفة، يرتشون، ويخترقون مختلف القوانين، لأن مصلحتهم ليست في ذلك، ولا يمكن أن تكون في ذلك؛ لأنهم، لو التزموا بنص القانون، وبما تقتضيه بنوده، في كل القطاعات، ما احتاجوا إلى المحسوبية، والزبونية، والإرشاء، والارتشاء، ولأن مصلحتهم الخاصة، في عدم الالتزام بالقانون، مما يجعل كل مواطنة، وكل مواطن، تعد نفسها، ويعد نفسه، على التعامل مع الإدارة، ومع مسؤوليها، على أساس المحسوبية، والزبونية، والإرشاء، والارتشاء، بعيدا عن الالتزام بما تقتضيه القوانين المختلفة.

ومعلوم أن عدم الالتزام بالقوانين، لا يكون إلا لخدمة مصلحة معينة، وإلا وجب العود إلى الالتزام بالقوانين المعمول بها، مهما كانت هذه القوانين متلائمة مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال.

2) المواطنين، والمواطنات، الذين، واللواتي، ليس من مصلحتهم، ومن مصلحتهن، تطبيق القوانين المعمول بها، يعملون على الاعتماد على المحسوبية، والوصولية، والزبونية، والإرشاء، والارتشاء.

ومعلوم أن المواطنين، والمواطنات، اللواتي، والذين، يلجأن، ويلجأون إلى اعتماد المحسوبية، والزبونية، والإرشاء، والارتشاء، تسعين، ويسعون إلى التمتع بالحقوق، التي ليست لهن، وليست لهم، والتي يحرم منها غيرهن، وغيرهم، الأمر الذي يترتب عنه: أن عدم الالتزام بالقوانين المعمول بها، هو العنوان المعبر عن الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والإداري، والسياسي، وكأن قدر الشعب المغربي، أن يقضي حياته في الفساد الذي يعيشه.

فالفساد، مهما كان، وكيفما ما كان، هو المدخل الرئيسي لعدم احترام الحقوق، والقوانين، المعمول بها في مختلف المجالات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

3) الواقع الفاسد، الذي أصبح يوجه الممارسة الفردية، في الاتجاه الذي يخدم مصالح الفاسدين في الإدارة، وفي السياسة، وفي المجتمع، الذي لا يعرف إلا الإدارة الفاسدة، والمؤسسات الجماعية، والوطنية الفاسدة، والمجتمع الفاسد، والأحزاب السياسية الفاسدة، والعلاقات الاجتماعية التي تصير قائمة على الفساد.

4 الطبقات الاجتماعية: الإقطاعية، والبورجوازية، والتحالف الطبقي الإقطاعي البورجوازي المتخلف، القائم على أساس الفساد، مهما كان مصدر هذا الفساد، ولأن كل طبقة تمارس الاستغلال المادي، والمعنوي للمجتمع، تراهن على ممارسة الفسا،د بمختلف أشكاله، في نمو ممتلكاتها، وفي اتساع نفوذها، وفي اتساع نفوذها، وفي ارتفاع مستوى شهرتها، حتى تصير سمعتها القائمة على الفساد، مصدرا لنمو نفوذها، الذي يتجاوز الوطن، ليصل إلى أوروبا، وأميريكا، ولكن في ظل الدولة الفاسدة، وفي ظل الممارسة القائمة على الفساد.

5) البورجوازية الصغرى، والمتوسطة، التي تراهن على الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، في تحقيق تطلعاتها الطبقية، حتى تلتحق بالإقطاع، وبالبورجوازية، وبالتحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف؛ لأن التطلعات الطبقية، لا تتحقق بطريقة مشروعة، بل لا بد من حالات الاستثناء، التي تنتفي فيها المشروعية. وحالات الاستثناء وحدها تنتفي فيها المشروعية. وانتشار الفساد يشكل بالنسبة إلينا حالة استثناء؛ إلا أن حالة الاستثناء هذه، طال أمدها، والمستفيدون من انعدام المشروعية، في حالة الاستثناء، يتوالدون كالفطر.

ونحن الذين نسعى إلى وضع حد لحالة الاستثناء، نتألم كثيرا، بتألم الكادحين من الشعب، بسبب هذا الأمد، الذي استغرقته حالة الاستثناء، التي لا تزيد إلا ترسيخا في الواقع، مهما كان هذا الواقع. ويظهر أن الألم، والأمل، في فكر، وفي وجدان العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، متناقضان، ومتصارعان، على أساس: أن الألم يجر إلى الإحباط، في خدمة الدولة المخزنية، وللطبقة الحاكمة، وسائر المستغلين، الذين طال استغلالهم للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وأن الأمل يعمل على الدفع في اتجاه القيام بالفعل الإيجابي، الهادف إلى وضع حد لحالة الاستثناء، التي طالت. غير أن الفعل أن الفعل الإيجابي المنتج، لا يرقى أبدا إلى مستوى نفي حالة الاستثناء، والدخول، مباشرة، في عملية كنس كافة أشكال الفساد: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، حتى يطمئن الشعب على مستقبله، ومستقبل أبنائه، وبناته، من كل أشكال الفساد، بعد أن يغادروا جميعا حالة الاستثناء.

وعندما يتعلق الأمر باحترام القوانين، في بعدها الوطني، والدولي، فإن احترام تلك القوانين، يقتضي، كذلك، أن تحضر في فكرنا، وفي ممارستنا، الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، باعتبارها قوانين دولية إنسانية، والقانون الدولي الإنساني، يمكن اعتباره من القوانين السامية، الأحق بالاحترام، من القوانين الوطنية، ما لم تتلاءم معها القوانين الوطنية، لتحظى بنفس الاحترام، الذي تحظى به القوانين الدولية الإنسانية. وبالتالي، فإن العلاقة، في حد ذاتها، كفيلة بأن تجعل دولتنا دولة للحق، والقانون، ما دام كنس الفساد شاملا، سواء تعلق الأمر بالقطاع العام، أو بالقطاع الخاص. وكنس الفساد، الذي يترتب عنه، اعتبار الدولة المغربية، دولة للحق، والقانون، يفرض التسريع بتقويم جميع المؤسسات، سواء كانت عامة، أو كانت خاصة، باعتبارها مؤهلة، أو في طريقها إلى التأهيل، لأن تصير مؤسسات للحق، والقانون.

ولذلك، فإن واجب الدولة، أن تعمل على فرض احترام حقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في القطاع الخاص، كما في القطاع العام، من أجل تجاوز الوضعية القائمة، التي أنتجها الفساد، وجعل القطاع العام، أو القطاع الخاص، على حد سواء، مجالا لاحترام حقوق الإنسان، والالتزام بتفعيلها في القطاع الخاص، والقطاع العام، ليصيرا معا، في خدمة دولة الحق، والقانون، وفي خدمة حقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، كما هي متعارف عليها دوليا.

وانطلاقا من ملاءمة القوانين المغربية، مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ومن التزام القطاع العام، والقطاع الخاص، على حد سواء، فإن على الدولة المغربية، باعتبارها دولة للحق، والقانون، أن تقوم بفرض احترام السلامة البدنية، والروحية، لجميع أفراد المجتمع، على أساس المساواة فيما بينهم: (لا فرق بين عربي، وعجمي، ولا بين أبيض وأسود)، إلا بالتمتع بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، أو عدم التمتع بها، مهما كان الجنس، أو اللون، أو العقيدة، أو اللغة.

فقيام الدولة باحترام السلامة البدنية، والروحية، معناه: التزام الدولة باحترام جوهر حقوق الإنسان، وخاصة، عندما تسود السلامة البدنية، لجميع المواطنات، والمواطنين، وعندما تسود السلامة الروحية، التي تضمن حرية التعبير، وحرية المعتقد، وحرية التنقل، وكل الحريات الأساسية في المجتمع، حتى تصير حقوق الإنسان كالهواء، في متناول الجميع، ودور الدولة هو حماية الحقوق الإنسانية، في مستوياتها المختلفة، ووضع حد لجميع الانتهاكات، سواء كانت جسيمة، أو غير جسيمة، سواء تعلق الأمر بصدورها عن القطاع العام، أو القطاع الخاص، ومحاكمة كل من يقوم بتلك الانتهاكات، مهما كان مركزه، أو مركزها، أو جنسه، أو جنسها، أو الطبقة التي ينتمي، أو تنتمي إليها، أو المسؤولية التي يتحملها، أو تتحملها، ما دام لم يحترم، أو تحترم حقوق الإنسان، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

ويجب على الدولة المغربية، بجميع أجهزتها، بما فيها جهاز القضاء، أن لا تتحرك إلا في إطار القانون، الذي هو المبتدأ، وهو الخبر، في نفس الوقت، وقد كان من اللازم أن يصير القانون المتلائم مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، مادة دراسية، تعوض حصص ما تسميه الدولة، في برامجها الدراسية، ب (التربية الإسلامية)، التي يتلقى فيها تلاميذ، وتلميذات المؤسسات العمومية، أحكاما، لا يستفيدون منها إلا التشويش، الذي يصاب به التلاميذ، والتلميذات، عندما يتبين: أن الدولة تدرسهم شيئا، وتطبق في الحياة العامة، شيئا آخر. ولا بأس أن نقترح: أن الدرس الديني، يجب أن يقتصر على المستويات الدنيا، وعلى العبادات، وما له علاقة بالأخلاق العامة.

أما ما يمكن أن نعتبره أحكاما للشريعة، يجب إيقافه، حتى لا يقف وراء التشويش، الذي تصاب به الأجيال المتمدرسة بالتشويش، وأن يعوض بأحكام القانون المفعل في الواقع، ما كان مقررا من أحكام الشريعة الإسلامية.

وهذه الأحكام القانونية، التي يجب أن ترتبط، بالدرجة الأولى، بتدريس الأخلاق العامة، والخاصة، لإعداد ناشئتنا، لتحمل المسؤولية، كاملة، في واقعنا الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، في أفق إعادة صياغة المجتمع، على أسس جديدة، تتناسب مع مقتضيات التحول، الذي يعرفه المجتمع، على جميع الأصعدة، مما يعبر عن تطوره، الذي لا يتوقف أبدا، في اتجاه أن تصير الأجيال الصاعدة، مبدعة، بعيدا عن التخويف، والترهيب، الذي يبثه أساتذة التربية الإسلامية، في صفوف التلميذات، والتلاميذ، وبعيدا عن صناعة الإرهاب، الذي تقف وراءه دروس التربية الإسلامية، التي فرضتها الدولة.

والدولة المغربية، عندما يطلب منها، ومن أجهزتها المختلفة، أن لا تتحرك، إلا في إطار القانون، فلأنها، بذلك، تعد الأجيال الصاعدة على الالتزام بالقانون، الذي لا يدرس في المدارس المختلفة، مما يجعل الشعار الذي يرفعه الوكلاء العامون، والقضاة، وأساتذة كليات الحقوق، والذي يقول: (لا يعذر أحد بجهله للقانون)، فارغا من محتواه، فإذا أردنا أن لا نكون جاهلين بالقانون، علينا أن نقوم بتدريس القوانين المعتمدة في مختلف مجالات الحياة، وفي مختلف القطاعات، حتى يصير الجميع، على دراية، مما تقتضيه مختلف القوانين الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بمدونة الأسرة، المفعلة في الواقع، وبمدونة الشغل، المفعلة، أيضا، في الواقع، سواء تعلق الأمر بالقطاع العام، أو بالقطاع الخاص. والقانون الجنائي المفعل في الواقع، والقانون المدني، المفعل في الواقع، لجعل الأجيال بعيدة عن المتاهات، وحريصة على الاندماج في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، انطلاقا من المقتضيات، التي ينص عليها أي قانون، يستهدف تنظيم الواقع، ومحاصرة الأمراض المختلفة، التي ينتجها المنحرفون.

أما عندما تمسك الدولة المغربية، عن تدريس القوانين المختلفة، في المدارس المغربية المختلفة، فإنها تتحمل مسؤولية كبيرة، في:

1) جهل المواطنين بالقوانين المختلفة، مما يجعلهم غير مسؤولين عن أفعالهم، التي تصدر عنهم، والتي قد لا تكون لها علاقة بالمعرفة القانونية.

2) ارتكاب المواطنين لأفعال لا يدرون:

هل هي مطابقة للقانون؟ أم مخالفة له؟

مما يدخل المواطنين القائمين بتلك الأفعال، في دوامة المساءلة أمام الضابطة القضائية، وأمام الوكلاء العامين، وأمام المحكمة، وقد يحكم عليه بالسجن، وهو لا يدري أصلا:

لماذا يسجن؟

ولماذا يعتقل؟

ولماذا يحاكم؟

3) إشاعة الثقافة القانونية، عن طريق وسائل الإعلام السمعية / البصرية، والمقروءة، والإليكترونية، حتى يصير المواطن البسيط على بينة بمضامين القوانين المختلفة.

والدولة المغربية، عندما تتحمل مسؤوليتها كاملة، ستعمل على جعل القوانين المعمول بها وطنيا، موضوع الدرس، في المدارس المغربية، وستقف وراء إعداد أجيال، تحصل كل ما يقدم لها، من معرفة قانونية، لتصير ممسكة عن الفعل الضار، وقائمة بالفعل المفيد.

وحتى تقوم الدولة المغربية بدورها كاملا، يجب أن تتخذ طابع الحياد، في تطبيقها للقوانين المختلفة، وأن لا تنحاز، لا إلى القطاع العام، ولا إلى القطاع الخاص، ولا إلى أي طبقة، من الطبقات، ولا إلى أي مسؤول، كيفما كانت المسؤولية، التي يتحملها، حتى تشعر المجتمع، بأنها، فعلا، دولة للحق والقانون.

وإذا صار المواطنون على علم بالقانون، فإنهم، بدون شك، سيتصرفون طبقا للقانون، وسيعتبرون أنفسهم سواسية، أمام القانون، وأمام الدولة المشرفة على تطبيق القانون، وأمام المحكمة، مهما كان مستواها، ولكن بشرط أن تكون مختلف القوانين، المعمول بها، متلائمة مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

ونحن في دولتنا، لا نعرف أن المواطنات، والمواطنين، من حقهن، ومن حقهم، أن يصيروا متساويين أمام القانون، وأمام الدولة المشرفة على تطبيق القانون، وأمام المحكمة، مهما كان مستواها، وكيفما كان؛ لأن دولتنا فاسدة، ولأن أجهزتها فاسدة، جملة، وتفصيلا، ولأن علاقة المواطنات، والمواطنين بها، قائمة على المحسوبية، والزبونية، والوصولية، والإرشاء، والارتشاء، والعمل في أجهزتها، يعتبر أفضل وسيلة للتبرجز السريع، حتى يتأتى لأي عامل، في أجهزة الدولة، يضمن لنفسه أن يصير بورجوازيا صغيرا، أو متوسطا، أو كبيرا، فكأن الإدارة بمثابة ضيعة، يحرثها، ويتمتع بإنتاجها، بينما الأمر ليس كذلك. فأغلب الذين يملكون ثروة المغرب، ممن كانوا يعملون في الإدارة المغربية، وفي أجهزتها المختلفة، أو كانوا عملاء لها، فصاروا، بسبب تزوير الانتخابات، رؤساء المجالس الجماعية الترابية، وبرلمانيين، دون أن يكونوا أكفاء لذلك، فنهبوا الثروات التي مكنتهم من الإثراء غير المشروع، وصار لهم من النفوذ ما يجعلهم ينهبون الأراضي، ويملكون المعامل والضيعات الزراعية، وتربية المواشي، وغير ذلك.

فما العمل من أجل أن تصير المواطنات، والمواطنون، متساوين أمام الدولة، وأمام أجهزتها المختلفة، وأمام القانون، وأمام القضاء؟

إن من حق أي مواطنة، وأي مواطن، مهما كان، أن يتساوى مع غيرها، ومع غيره، أمام مؤسسات الدولة، وأمام القانون، وأمام القضاء، ولكن عندما يتعلق الأمر بشيوع الفساد، في مختلف أجهزة الدولة المغربية، بما فيها جهاز القضاء، فإن العلاقة بالإدارة الدولتية، وبالقضاء، يكون محكوما بالمحسوبية، والزبونية، والإرشاء، والارتشاء، وغيرها من أشكال الفساد الإداري، والقضائي. وهو ما يعني أن محاربة الفساد، أصبحت فرض عين، على كل المواطنات، والمواطنين، مهما كان جنسهم، أو لونهم، أو عقيدتهم، أو لغتهم، من خلال:

1) الامتناع عن ممارسة كل أشكال الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، مهما كان، وكيفما كان، ومهما كانت فوائد الفساد عظيمة، ومهما كانت الشروط مساعدة على تحقيق التطلعات الطبقية، التي يسعى كل عامل بالإدارة الدولتية الفاسدة، إلى تحقيق تطلعاته الطبقية.

ومعلوم، أن امتناع المواطنات، والمواطنين، عن إنتاج الفساد، أو العمل على عدم إنتاجه، أوالقيام بالوساطة، من أجل إنتاج الفساد، الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، في أجهزة الدولة المختلفة، فإن العاملين في الإدارة المغربية، سيصعب عليهم تحقيق تطلعاتهم الطبقية، وسيوقفون ممارسة الفساد، مهما كان نوعه.

2) إعلان الحرب على الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي نخر كيان المجتمع، وأفسده، وأفسد كل أجهزة الدولة الإدارية، وأفسد المؤسسات الجماعية، وأفسد المؤسسة البرلمانية، وذلك من خلال إنشاء منظمات خاصة، مهمتها فضح كل أشكال الفساد، ومحاربتها، في أفق القضاء عليها، باعتبارها عرقلة أمام التطور الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

3) الانخراط في الجمعيات الحقوقية، وفي النقابات المناضلة، من أجل مجتمع متقدم، ومتطور، خال من كل أشكال الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والإداري، سعيا إلى انخراط المجتمع المغربي، والدولة المغربية،في بناء الحضارة، التي تضاهي الحضارات الراقية، التي ترقى بالمجتمع المغربي، إلى مستوى المجتمعات الراقية، التي تتوفر لها شروط الإنماء الحضاري المتواصل، بعد أن صار الشعب متمتعا بحرياته الأساسية، وبعد أن تم استكمال البناء الديمقراطي، وبعد أن تحققت العدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية.

4) إعادة النظر في البرامج الدراسية، وبرامج تكوين الأساتذة، ومضامين ذلك التكوين، والمواد التي يمكن أن تكون أكثر فائدة من غيرها للتلاميذ، والعمل على استبعاد الغيبي، والخرافي، والأسطوري، من البرامج الدراسية، كلما أمكن ذلك، حتى يتأتى إعداد الأجيال إعدادا جيدا، وعلى أسس علمية، ومعرفية، تجعل تلك الأجيال، تعمل عقولها في الواقع، وتسعى إلى جعله قادرا على مواجهة مساهمة العلم، والمعرفة، في تطورهما، بالبحث، والتدقيق، في عملية الإغناء العلمي، والمعرفي، وفي التطور العلمي، والمعرفي، بعد التخلي عن كل ما يمكن أن يؤدي إلى إعداد النشء على ممارسة الإرهاب المادي، والمعنوي، وعن طريق المدرسة العمومية، التي يتم استغلالها، حاليا، استغلالا سيئا.

5) إعادة النظر في البرامج الإعلامية، وخاصة تلك التي تُقبل الأجيال الصاعدة على استهلاكها، حتى تصير تلك البرامج مساهمة في تقويم الشخصية الفردية، والجماعية، وفي تطور، وتطوير العقلية الفردية، والجماعية، وفي حفز الأجيال الصاعدة على التمرس على التضحية، من أجل الآخر، مهما كان الاختلاف، أو الخلاف معه، من أجل إقرار: أن الحياة قائمة على أساس التمايز بين الأفراد، وبين الجماعات، وفيما بين الأفراد، وفيما بين الجماعات؛ لأنه بدون ذلك التمايز، لا يمكن أن يكون الإنسان لا متقدما، ولا متطورا، وفي الاتجاه الصحيح.

ومعلوم، أن الدور الذي يقوم به الإعلام، في مستوياته المختلفة، في صياغة الرأي العام، وفي توجيهه، من أجل تحقيق أهداف معينة، قد تكون سلبية، وقد تكون إيجابية، ونحن نعرف جيدا، أن الإعلام الحالي القائم، لا يسعى إلا إلى تبييض وجه الفساد، بدل إعداد الرأي العام، على محاربته، في أفق التخلص منه، كما أنه لا يسيء إلا إلى جعل الفاسدين يحتلون صدارة المجتمع، بدل إعداد الرأي العام، على أساس التمسك بضرورة مساءلة الفاسدين، ومحاكمتهم، نظرا لما قاموا به من إشاعة الفساد، ومن جعل الفساد وسيلة لتحقيق التطلعات الطبقية، حتى ينالوا الجزاء الذي ينتظره الشعب، الذي فقد كرامته، بسبب ما يقوم به الفاسدون.

ولذلك، نجد أن الامتناع عن ممارسة الفساد، وإعلان الحرب، على الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والإداري، والانخراط في الجمعيات الحقوقية، وفي النقابات، وفي الأحزاب اليسارية المناضلة، للنضال من أجل مجتمع متقدم، ومتطور، وإعادة النظر في البرامج الدراسية، وفي البرامج الإعلامية، من أجل إعداد الأجيال الصاعدة، على أسس سليمة، ومن أجل إعادة صياغة الرأي العام، وتوجيهه توجيها علميا سليما، لا بد أن تنتج لنا مجتمعا جديدا، قادرا على إنتاج الفعل الإيجابي المادي، والمعنوي، في أفق اكتساب القدرة على البناء الحضاري، الذي لا يمكن أن يتم إلا في ظل وضع حد للفساد القائم، الذي لا ينتج لنا إلا المزيد من الأمراض الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

وانطلاقا مما رأينا، يمكن القول: بأن الدولة الفاسدة، لا يمكن أن تنتج إلا الفساد، وأن دولة الحق والقانون، لا يمكن أن تنتج إلا الحضارة المتقدمة، والمتطورة، الساعية إلى إيجاد إنسان متحرر من كل الأمراض، وديمقراطي في فكره، وفي ممارسته، وعادل في كل علاقاته القائمة في المجتمع.

وإذا كانت انتهاكات حقوق الإنسان شائعة في القطاع الخاص، كما في القطاع العام، في هذه الدولة الفاسدة أصلا، فإن من واجب الشعب، ببناته، وأبنائه، باعتبارهم مواطنات، ومواطنين، أن يرفضوا رفضا قاطعا، أن تمارس في حقهم الانتهاكات التي تستهدف حقوق الإنسان، مهما كانت تلك الانتهاكات، ومهما كان مستواها، وأن يواجهوا كل من يقوم بها، فضحا، وإيقافا لممارسة تلك الانتهاكات، سعيا إلى قيام هياكل الدولة، بوضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان، مع احترامها في السراء، والضراء، ومهما كانت الشروط التي تحكم الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

ومدخل الشعب إلى مواجهة الانتهاكات المختلفة، التي تمارس في حق بناته، وأبنائه، هو الوعي بالحقوق الإنسانية، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حتى تتأتى المطالبة بها، إذا لم تتحقق على أرض الواقع، والدفاع عنها، في حالة تحققها، ومواجهة كل المنتهكين لها، مهما كانوا، حتى يتأتى العمل على احترامها من الجميع.

فدولة الحق، والقانون من جهة، والشعب الواعي بحقوقه من جهة أخرى، والمنظمات الحقوقية، والنقابات، والأحزاب اليسارية، تعمل على تنظيم المجتمع، وتسعى إلى فرض مقاومته للانتهاكات الجسيمة، وتعمل على تنظيم تلك المقامة، وتقود تفعيلها في القطاع الخاص، كما في القطاع العام.

وحتى يعي الشعب بكافة حقوقه الإنسانية، ومهما كانت، فإن على الدولة، أن تعمل على تدريسها في مختلف المستويات التعليمية، وأن تعمل على جعل الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في متناول جميع المواطنات، والمواطنين، كما أنها تعمل على على نشرها بين المواطنات، والمواطنين، في أي مكان يعشن، أو يعيشون فيه: في الجبال، والسهول، في المدن، والقرى، في البر، وفي البحر، وبجميع اللغات، التي تستعملها المواطنات، والمواطنين، الذين يجب عليهم أن يدركوا مدى أهميتهم، وأهمية حقوقهم، التي يجب أن يتمتعوا بها.

فتدريس حقوق الإنسان، وإشاعة الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وإشاعتها بين المواطنات، والمواطنين، عن طريق وسائل الإعلام، وبمختلف اللغات المستعملة بين المواطنات، والمواطنين، حتى تصير من الاهتمامات الحاضرة في الفكر، وفي الممارسة.

ومن حق المواطنات، والمواطنين، عندما يكنٌ، ويكونون، في سن التمدرس، أن يعرفوا حقوقهم الإنسانية، كما يعرفون كل ما تريد الدولة معرفته.

وبما أن دولتنا ليست دولة للحق، والقانون، فإنها لا تعير أي اهتمام لتدريس حقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في المدارس، والجامعات المغربية.

وما تهتم به دولتنا الفاسدة، هو ما يخدم مصلحتها كدولة مخزنية، وما يخدم مصلحة البورجوازية، والإقطاع، والتحالف البورجوازي / الإقطاعي، وما يخدم مصلحة أجهزة الدولة المخزنية الفاسدة، بأجهزتها، وبالبورجوازية المتخلفة، وما يخدم مصالح الفاسدين، وما ينتجونه من فساد.

ومعلوم أن الانتماء إلى الوطن، هو، في نفس الوقت، انتماء إلى الدولة، والانتماء إلى الدولة، هو انتماء إلى الوطن. وهذا الانتماء، عندما يتأكد، يقتضي التمتع بكل الحقوق الإنسانية، وبكل حقوق الشغل، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين؛ ولكن بالنسبة للدولة المغربية، يحرم فيها الشعب من معظم الحقوق الإنسانية، وحقوق الشغل، لأنها فاسدة، ولا ترعى إلا الفساد، المتمثل في البورجوازية، صنيعة النظام المخزني، والدولة المخزنية الفاسدة، والإقطاع، صنيع النظام المخزني، والدولة المخزنية الفاسدة، والتحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، صنيع النظام المخزني، والدولة المخزنية، والتحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، صنيع النظام المخزني، والدولة المخزنية الفاسدة، بالإضافة إلى رعاية دولتنا للريعيين، والمهربين، وتجار المخدرات، والناهبين، والراشين، والمرتشين، وكل من يمارس أي شكل من أشكال الفساد، التي تلحق الضرر الكبير بالمجتمع، مهما كان، وكيفما كان.

وإذا كان الأمر يقتضي التخلي عن رعاية الفاسدين، الذين يجب إخضاعهم للمساءلة، والمحاكمة، التي تقرر في حقهم ما يجب، بسبب ما مارسوه من فساد، في حق الشعب المغربي، عن طريق ممارسة حرمان العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وعن طريق ممارسة نهب ثروات الشعب المغربي، التي كان يجب أن تصير في خدمة مصالح الشعب المغربي، وعن طريق التمتع بامتيازات الريع المخزني، ومراكمة المزيد من الثروات الريعية، التي هي حق للشعب المغربي، وعن طريق تهريب البضائع من، وإلى المغرب، وبثمن بخس، من أجل بيع تلك البضائع، بأثمان خيالية، لكنس جيوب الشعب المغربي، مما يمكن أن يعلق بها، حتى لا يستطيع أبناء، وبنات الشعب المغربي، القدرة على العيش الكريم.

وما يصاب به الشعب المغربي من القدرة على العيش الكريم، وما يصاب به الشعب المغربي من أضرار من قبل الإقطاع، والبورجوازية، والريعيين، والمهربين شيء، وما يمارسه الراشون، والمرتشون، وتجار المخدرات شيء، آخر؛ لأن هؤلاء يخربون المجتمع، بمعنى الكلمة، من منطلق أن الراشين، والمرتشين، يخربون المجتمع، والعلاقات الاجتماعية العائلية، وغير العائلية، لأن الراشي، لا يدفع الرشوة، مهما كانت قيمتها، إلا إذا تم سطوه على مال الغير، ويعمل من أجل أن يصير له باسم القانون، وأن المرتشي الذي يتلقى الرشوة، لا يمكن أن يتلقاها، إلا إذا عمل على التلاعب بالقانون.

فالراشي ليس من حقه السطو على مال الغير، والمرتشي ليس من حقه تحريف القانون، والتلاعب به لصالح الراشي.

أما تجار المخدرات، في مستوياتهم المختلفة، فيخربون العقول، والأجساد، ويجمعون ثروات هائلة، على حساب المرضى عقليا، وجسديا، في كل مكان من التراب المغربي، يصله تجار المخدرات.

والعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ممن لا تسمح لهم شروط حياتهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بممارسة أي شكل من أشكال الفساد، هم وحدهم الذين يصيرون ضحايا الفساد، وهم الذين يستهدفهم مؤدلجو الدين الإسلامي، الذين يسعون إلى تكريس الفساد، المفضي إلى تأبيد الاستبداد القائم، أو الذين يسعون إلى إقامة استبداد بديل، من أجل استغراقهم في الظلامية، وسعيا إلى تكريس تضليل الشعب برمته، بالانشغال بما بعد الموت.

أما الواقع، فيتم تركه للفاسدين، الذين ترعى الدولة المغربية الفاسدة مصالحهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

وفي هذا الإطار، فإن من واجب الدولة التي تحكم الوطن، ومن يعيش على أرضه، أن تضمن له الحقوق الإنسانية، وحقوق الشغل، لكل أفراد الشعب، مهما كان لونهم، أو جنسهم، أو معتقدهم، أو لغتهم؛ لأن مهمة الدولة أن تضمن الحقوق الإنسانية، لكل من يعيش على أرض الوطن، وأن تحرص على تطبيق القوانين المعمول بها، في حدود الوطن، سعيا إلى أن تتحول الدولة، إلى دولة للحق والقانون، حتى يعيش أفراد الشعب، مطمئنين على مستقبلهم، ومستقبل بناتهم، وأبنائهم.

ومعلوم أن تفعيل دولة الحق، والقانون، يجعل الدولة مجرد منظمة لما يجري في الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، الذي يقرر فيه المواطنون بأنفسهم، ولا أحد يستطيع أن يبقى بعيدا عن تفعيل دينامية الاختيار الحر، والنزيه، لكل ما من شأنه أن يجعل الحياة سعيدة، وفي ظل دولة الحق، والقانون.

وإذا كانت الدولة فاسدة، ولا تقوم بواجبها، تجاه المواطنين، وتجاه الشعب، فإن من حق الإنسان، ومهما كان هذا الإنسان، من أفراد الشعب، أن يرفض فساد الدولة، وفساد الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والإدارية، ومن حقه أن يسعى إلى نفي الفساد من الواقع: واقع الشعب، وواقع الإنسان في هذه الحياة، حتى تصير حياة الفرد، وحياة الجماعة، مطمئنة على مصير الفرد، ومصير الجماعة، في نفس الوقت.

ومعلوم، أيضا، أن قيام الدولة بواجبها، تجاه المواطنات، والمواطنين، من عوامل تقدم الشعوب، وتطورها؛ لأن الشعب المحروم من كافة حقوقه الإنسانية، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ليس كالشعب الذي يتمتع بكافة حقوقه الإنسانية، وحقوق الشغل، في ظل دولة الحق، والقانون، فالشعب المقموع، الذي يعاني من العبودية، والاستبداد، والاستغلال، لا يستطيع القيام بأي شيء، مهما كان ذلك الشيء بسيطا، ولا يتجاوز المطالبة بالتمتع بالحقوق الإنسانية، وحقوق الشغل، بينما نجد أن الدولة التي ترعى الحق، والقانون، ولا تنحاز إلا للحق، والقانون، فإن الدولة التي تنجز ذلك، تطلق إمكانية التقدم، والتطور، والسعي إلى تحقيق مكانة الإنسان، ليس في دولة الحق، والقانون الخاصة، ولكن في الكون كله، إلى درجة أننا عندما نتوجه إلى تكريم الإنسان، فإننا نكرمه، على المستوى الكوني، حتى وإن حضرت خصوصية تكريم الإنسان، على مستوى دولة الحق، والقانون. فإذا عملت على امتهان كرامة الإنسان، فإننا نمتهنها، على المستوى الكوني، وليس في دولة اللا حق، واللا قانون، التي ترعى الفساد، الذي لا يستفيد منه إلا الفاسدون.

والشعب المغربي، كبقية الشعوب، معني بما تكون عليه دولته، فإذا كانت دولة للحق، والقانون، تكتفي بتدبير الشؤون العامة، ولا تنحاز إلى أية جهة، ولا يهمها إلا حفظ الحقوق الإنسانية، وحقوق الشغل، وتطبيق القوانين المعمول بها، والتي لا تكون إلا متلائمة، مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وإذا لم تكن دولة للحق، والقانون، فإنها تصير مجالا لانتشار الفساد، وتنحاز إلى الفاسدين، مهما كانت الأضرار، التي يلحقونها بالشعب المغربي، الذي لم يعد يبالي بما يعيشه، نظرا لصيرورة الفساد، جزءا لا يتجزأ من الحياة العامة، والخاصة. ولا شك أن (السيل قد يبلغ الزبى، ويجاوز الحزام الطبيين).

ومعلوم، أيضا، أن احترام القوانين المعمول بها، المتبادل بين الدولة، والشعب، وبين جميع أفراد الشعب، فيما بينهم، وبين جميع فئات الشعب، وجماعاته، وفيما بين الفئات، وفي ما بين الجماعات؛ لأن كل واحد يعرف ما له، وما عليه، فما له، يجب أن يتمتع به، وما عليه، يجب أن يقوم به، أو يؤديه، سعيا إلى تكريس الحق، والقانون، على جميع المستويات.

وبالنسبة لنا، كدولة، لا تحفظ الحق، ولا تطبق القانون كما يجب، وتعمل على نشر الفساد، وتنحاز إلى الفاسدين، فإن الاحترام بين الدولة، والشعب مفتقد، وبين الأفراد، فيما بينهم، مفتقد، وبين الإنسان، والإنسان، صار مفتقدا، وبين الجماعات، فيما بينها، مفتقد، وبين الفئات، فيما بينها، مفتقد، لأن عوامل تكريس الاحترام، صارت مفتقدة، وما هو حاضر، في مجتمعنا، يكاد يكون الاحترام فيه مفتقدا، سواء تعلق الأمر بالحق، والقانون، أم بالاحترام المتبادل.

ونحن، عندما يتعلق الأمر باعتبار احترام القوانين المعمول بها، هو الأساس، سواء كانت هذه القوانين وطنية، أو دولية.

والدولة هي التي تعطي المثال في احترام القوانين، المتلائمة مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، كوسيلة لتمتيع جميع أفراد المجتمع، بكافة حقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

والدولة المغربية، عندما تفرض احترام السلامة البدنية، والروحية، لعامة المواطنات، والمواطنين، على حد سواء، لا فرق في ذلك، بين فلان، وفلان. وفي هذا الإطار، فإن على الدولة المغربية، أن لا تتحرك بجميع أجهزتها، بما في ذلك، جهاز القضاء، إلا في إطار تطبيق القانون، وأن لا تنحاز إلى أي جهة كانت، وكيفما كانت، خاصة، وأن المواطنين المتشبعين بوطنيتهم، يتمسكون، أيضا، بضرورة تطبيق القانون، مهما كان هذا القانون مضرا بمصالحه ،ومفيدا في خدمة مصالح المواطنين، وخاصة، العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين؛ لأن التزام الدولة بتطبيق القانون، هو، في نفس الوقت، التزام بخدمة مصالح الشعب: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ولجميع المواطنات، والمواطنين، الذين، واللواتي، يتساوون، ويتساوين أمام القانون، وأمام الدولة، بإداراتها المختلفة، وأمام القضاء، الملتزم بروح القوانين، والمستقل، حتى تتأتى للمواطنات، والمواطنين، على حد سواء، المساواة فيما بينهم، أمام القانون، وأمام الدولة، وأمام القضاء. وإلا، فإن جميع المجهودات، ستذهب سدى، وكأن المساواة ما خلقت أبدا، وكأن الدولة ما وجدت إلا لتكون طبقية.

وفي هذا الإطار، فإن من واجب كل مواطنة، وكل مواطن، الحرص على حماية حقوق الإنسان، من الانتهاكات الجسيمة، وغير الجسيمة، التي تتعرض لها من قبل الطبقة الحاكمة، ومن يدور في فلكها، وفرض احترام الدولة، بأجهزتها المختلفة، لتلك الحقوق، كما من حقهم أن يعرفوا حقوقهم الإنسانية في المدرسة، كما يعرفون كل ما تريد الدولة معرفته.

وعلى الدولة أن تتحمل مسؤوليتها، في جعل كل مواطنة، وكل مواطن، مستعدا لحماية حقوقه، ولمواجهة كل من ينتهك تلك الحقوق، ما دام الانتماء إلى الوطن، انتماء إلى الدولة، ومادام الانتماء إلى الدولة، انتماء إلى الوطن. وهو ما يفرض ضرورة التزام الدولة، بأجهزتها المختلفة، بحماية حقوق الإنسان، من مختلف الانتهاكات، التي تتعرض لها، كما أن من واجب الدولة، التي تحكم الوطن، ومن يعيش على أرضه، أن تضمن الحقوق الإنسانية، وحقوق الشغل، لكل أفراد الشعب، مهما كان لونهم، أو جنسهم، أو معتقدهم، أو لغتهم؛ لأن قيام الدولة، بواجبها، تجاه المواطنات، والمواطنين، من عوامل تقدم الشعب، وتطوره، باعتباره معنيا، بما تكون عليه دولته، في ظل احترام القوانين المعمول بها، وبتكريس الاحترام المتبادل، من الدولة، ومن الشعب.

خلاصة عامة:

وما نستخلصه مما رأينا، أن القطاع العام ضروري، وأساسي، في مجتمع نام كالمغرب، وفي مجتمع متخلف، كالمجتمع المغربي، وأن القطاع الخاص، يعيش على الهامش، ولا يمكن أن يقوم إلا بدور ثانوي، بالنسبة إلى الدور الذي يقوم به القطاع العام، إلا أن ما هو قائم، بالفعل، في الواقع المغربي، الذي نعيشه، في ظل دولتنا الفاسدة، هو: أن القطاع العام، أصبح في خدمة القطاع الخاص، ودعمه، وإعداد المجتمع، من أجل اعتماد خدمات القطاع الخاص، وحتى تكون المفاهيم، وخاصة مفهوم القطاع العام، والقطاع الخاص، واضحة في الأذهان، فإننا نكون قد تناولنا، في هذه الأرضية، عن (القطاع العام)، و (القطاع الخاص)، والعلاقة بينهما.

وهل هي علاقة جدلية؟

أو علاقة عضوية؟

وهل هي علاقة إيجابية؟

أو علاقة سلبية؟

مع رصد اتجاه العلاقة بين القطاع العام، والقطاع الخاص، إلى تحقيق التوازن الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، أو رصد اتجاه تلك العلاقة، إلى تغليب ما هو عام، على ما هو خاص، لحسابات معينة، أو تغليب ما هو خاص، على ما هو عام، لحسابات أخرى، مع مراعاة ما تقتضيه مصلحة الشعب، أو ما يقتضيه تغليب العام، على الخاص، أو تغليب الخاص، على العام، في جميع القطاعات، أو ما تقتضيه مصلحة الطبقة الحاكمة، من تغليب العام على الخاص، أو تغليب الخاص على العام، في جميع القطاعات، مع الوقوف على رأي حقوق الإنسان، في العلاقة بين القطاع العام، والقطاع الخاص، مع رصد ما يقتضيه هذا الرأي، من أن تسييد القطاع العام، ينتج لنا احترام حقوق الإنسان: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، أو أن تسييد القطاع الخاص، ينتج لنا نفس الاحترام، أو أن القطاع العام، والقطاع الخاص، معا، لا ينتجان أي شكل من أشكال احترام حقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

ومعلوم أن النقابات، تناضل من أجل تسييد القطاع العام، من منطلق أنه يتوفر على إمكانية الاستجابة للمطالب النقابية، بخلاف القطاع الخاص، الذي يمتنع مسؤولوه عن الاستجابة للمطالب النقابية، ويعملون على توقيف كل عامل، أو أجير، ينخرط في نقابة ما، مهما كانت تحريفية، أو في النقابة المعروفة بنضاليتها، وإخلاصها للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وقد تعمل بعض النقابات، على تسييد القطاع الخاص، باعتباره هو الذي ينتج الاستجابة للمطالب الشغلية: المادية، والمعنوية.

وبعيدا عن النقابة، والعمل النقابي، والعمل على تسييد القطاع العام، على القطاع الخاص، أو العكس، نجد أنفسنا، أمام ملاءمة القوانين المعمول بها، مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حتى نتحدث عن تسييد القطاع العام، أو القطاع الخاص.

كما أن النقابات، يجب أن تناضل من أجل تفعيل السلم المتحرك، حتى تطمئن على مستقبل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، سواء كانت في ظل تسييد القطاع العام، أو في ظل تسييد القطاع الخاص.

إن الأمر، مهما كان، يتعلق باحترام القوانين المعمول بها وطنيا، ودوليا، كما أنه يتعلق بقيام الدولة بفرض احترام حقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها دوليا، بالإضافة إلى كونه متعلقا بقيام الدولة المغربية، بفرض احترام السلامة البدنية، والروحية، لكافة المواطنات، والمواطنين، على حد سواء، بدون تمييز فلان، عن علان، كما أنه يجب على الدولة، بجميع أجهزتها، بما فيها جهاز القضاء، أن لا تتحرك إلا في إطار القانون، وأن لا تنحاز إلى أي جهة كانت، وكيفما كانت، وأن يعتبر المواطنون أنفسهم سواء، أمام القوانين المعمول بها، وأمام الدولة، وأمام القضاء. وهو ما يعني: أن من واجب كل مواطنة، وكل مواطن، أن تحرص، وأن يحرص على حماية حقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من الانتهاكات الجسيمة، وغير الجسيمة. وما دام من واجبهم ذلك، فمن حقهم أن يعرفوا حقوقهم الإنسانية، وحقوق الشغل.

والدولة، يجب أن تتحمل مسؤوليتها، في جعل كل مواطنة، وكل مواطن، مستعدة، ومستعد لحماية الحقوق الإنسانية، والشغلية، ومواجهة كل من ينتهك تلك الحقوق، مهما كانت؛ لأن الانتماء إلى الوطن، انتماء إلى الدولة، والانتماء إلى الدولة، انتماء إلى الوطن، والانتماء إليهما معا، يقتضي التمتع بحقوق الإنسان، وحقوق الشغل.

والدولة، باعتبارها، هي التي تحكم الوطن، وتحكم الشعب، من واجبها أن تضمن الحقوق الإنسانية، والشغلية، لكل أفراد الشعب، مهما كان لونهم، أو جنسهم، أو معتقدهم، أو لغتهم، لأن قيام الدولة بواجبها، تجاه المواطنات، وتجاه المواطنين، من عوامل تقدم الشعب، وتطوره، والشعب المغربي، معني بما تكون عليه دولته. واحترام القوانين المعمول بها، تكريس للاحترام المتبادل بين الدولة، والشعب.

فهل نكون قد أتينا على تناول كل ما يتعلق بمفهوم القطاع الخاص، وبمفهوم القطاع العام، والعلاقة بينهما؟

أم أن تناولنا للمفهومين، معا، وللعلاقة بينهما، قد خالطه شيء من القصور؟

إننا عندما نطرح موضوعا للنقاش الواسع، والمتأني، والهادئ، كما هو الشأن بالنسبة لموضوع القطاع العام، والقطاع الخاص، فلأننا لا نطرحه من أجل ادعاء المعرفة به، إلى درجة الإحاطة؛ بل لأن درجة المعرفة، تبقى قاصرة، ونسبية، ودرجة قصورها، ونسبيتها، تحتاج إلى مساهمة الجميع في النقاش الواسع، وصولا إلى أن تكون الأمور واضحة، في مختلف مستويات الأذهان، حتى يساعد ذلك، على أن الشعب المغربي، المعني في علاقته بالقطاع الخاص، وبالقطاع العام، سعي إلى تحرير القطاع العام، من خدمة الحكام، بصيرورته وسيلة للإثراء السريع، عن طريق النهب الممنهج لثروات الشعب المغربي، وعن طريق الإرشاء، والارتشاء، اللذين يترتب عنهما إلحاق الأضرار بشرائح عريضة من المجتمع، مهما كان، وكيفما كان، بسبب ضياع حقوق تلك الشرائح، التي صارت ضحية التلاعب، والتحايل على القانون، الذي يمارسه الحكام المرتشون، الذين ينخدعون بما يدعيه الراشون، مما يؤدي، بالضرورة، إلى ضياع الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

فما تستفيده المواطنات، والمواطنون، من خدمات القطاع العام، يصير في ذمة التاريخ، بسبب نهب ثروات الشعب المغربي، من قبل المسؤولين عن القطاع العام، وبسبب سيادة الإرشاء، والارتشاء، في هذا القطاع، أو القطاع الخاص، الذي صار القطاع العام في خدمته، مهما كان، وكيفما كان، فلا يستفيد من تلك الخدمة المواطنون، وخاصة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، إلا الانتهاكات الجسيمة للحقوق الإنسانية، والشغلية، مما يقتضي إعادة النظر، في كيفية التعامل مع القطاعين معا، سعيا إلى جعل المواطنات، والمواطنين، يحددن، ويحددون الموقف منها، في أفق صياغة أسلوب جديد، للتعامل معهما، في أفق جعلهما في خدمة الإنسان، وبعد توقفهما، نهائيا، عن إنتاج الانتهاكات الجسيمة، وغير الجسيمة، للحقوق الإنسانية، والشغلية، في أفق صيرورة القطاع العام، متحررا من التبعية للقطاع الخاص، سواء تعلق الأمر بالتعليم، أو بالصحة، أو بالإدارة العمومية، أو بالمحكمة، أو غير ذلك، حتى يصير قولا، وعملا، في خدمة مصالح المواطنات، والمواطنين، وخاصة منه، ما يتعلق بالإدارة الجماعية، التي تلجأ إليها المواطنات، والمواطنون، في معظم الخدمات، بالإضافة إلى النضال المستميت، من أجل ممارسة الضغط اللازم، على القطاع الخاص، من أن يصير محترما للحق، والقانون، وأن لا يستغل شراء قوة العمل العضلي، أو الذهني، من العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حتى يستعبدهم جميعا، بسبب حاجتهم إلى بيع قوة عملهم العضلي، أو الذهني.

فهل عملنا على جعل مفهوم القطاع العام، واضحا في الأذهان؟

وهل عملنا على جعل مفهوم القطاع الخاص، واضحا كذلك؟

وهل وقفنا عل طبيعة العلاقة القائمة بينهما بالفعل؟

وهل استطعنا أن نضع تصورا لما يجب أن تكون عليه العلاقة بينهما؟

وهل وقفنا على أن القطاع العام، لم يوجد إلا من أجل أن يصير في خدمة المواطنات، والمواطنين؟

وهل عملنا على جعل القطاع الخاص، ملتزما بالقوانين المعمول بها، وبحقوق الإنسان الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وبالحقوق الشغلية؟

وهل وفقنا، في اقتراح جعل القطاع الخاص، في خدمة القطاع العام، وتحت وصايته، وفي ظل مراقبته؟

إننا، ونحن نطرح موضوع القطاع العام، والقطاع الخاص للنقاش العام، لا نسعى إلا إلى تسليط الضوء على القطاع العام، وعلى القطاع الخاص، على حد سواء، من أجل أن يصيرا معا، في خدمة الإنسان، مهما كان هذا الإنسان. وفي خدمة مصالح الشعب، فليتنافس القطاع العام، والقطاع الخاص.

ابن جرير في 24 / 06 / 2019