مهام الشيوعيين في مواجهة فيروس كورونا


توما حميد
الحوار المتمدن - العدد: 6522 - 2020 / 3 / 24 - 23:42
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات     

يجب علي الشيوعيين ان يكونوا قادة في مواجهة فيروس كورونا والازمة الشاملة التي حلت على البشرية بسبب الفشل الذريع للنظام الرأسمالي. يجب ان لانقلل من اهمية توعية الجماهير حول خطورة الفيروس وما يجب القيام به من اجل الوقاية من الفيروس. من المهم ان لا نفترض بان الجماهير تفهم الخطر الذي يشكله هذا الفيروس واحتمال انهيار الكثير من جوانب حياة المجتمع. يجب ان لانشارك اليمين باي شكل من الاشكال في نشر العبثية في المجتع بل يجب ان نواجه اليمين بحزم اكبر من اي وقت مضى. ليس هناك شك بان هذا الفيروس خطير للغاية قد يؤدي بحياة مئات الالاف من البشر اذا لم يتم اتخاذ اجرأت صارمة للحجر الصحي ومنع التجمع على المستوى العالمي.
العزل الصحي والتباعد المكاني بين الاشخاص هي الوسيلة الوحيدة للحد من انتشار هذا المرض. ليس الشباب وصغار العمر بمنأى من هذا الفيروس وان كان اكثر خطورة بالنسبة لكبار السن والذين لهم مشاكل صحية. يجب ان لانكون وسيلة لنشر المرض، لان عدم الالتزام يؤدي الى وضع حياة الاخرين في خطر.الالتزام بالتعليمات الصادرة عن السلطات الصحية وليس لاي جهة غير موثوقة هو امر مهم للغاية. يجب ان تبقى منظمة الصحة العالمية مصدر مهم للمعلومات. الحصيلة النهائية لهذا الوباء سوف تعتمد بشكل كبير على الاجراءات الفعالة التي تتخذ بشكل سريع والتزام الافراد بالتعليمات والارشادات. يجب الدعوة الى القيام بكل ما بامكاننا القيام به وباسرع وقت وفي دفعة واحدة اذ ان مشكلة اساسية تواجه الكثير من المجتمعات هو قيام الحكومات باجراءات جزئية غير حاسمة وغير سريعة. يجب عدم اضاعة اي وقت في السيطرة على الفيروس لان الوقت هو حاسم في مواجهة هذه الكارثة.
علينا عدم الترويج لاي علاج زائف و اي ادعاء ليس له سند علمي في مجال علاج هذا المرض بل محاربة هذه الامور بقوة. من المهم جدا الاستماع الى المختصين والجهات الموثوقة فقط حول هذا الموضوع.
من جهة اخرى، بنظري من المهم جدا عدم الترويج لنظريات المؤامرة. في هذه الظروف يجب ان لا ننساق ونروج لاي افكار واخبار ليس لها دليل. لحد الان ليس هناك اي دليل يسند اي من النظريات التي يتم الترويج لها حول دور الحكومات واجهزتها في نشر هذا الفيروس. لم تعترف اي جهة لها مصداقية باي من هذه الروايات. رغم ان الكثير من الادعاءات قد تبدوا معقولة ظاهريا الا انها تبقى هي نظريات مؤامرة بدون دليل. نحن كشيوعين نؤمن بالعلم والبراهين والادلة، لذا يجب ان لانروج لاي شيئ لم يتم اثباته بشكل قطعي.
ان هذه النظريات تزيد من النزعات الرجعية والعنصرية في المجتمع وهي بذلك سوف تخدم اليمين. لننظر الى ردود وافكار القادة اليمينين مثل دونالد ترامب وبوريس جونسون وجائيير بولسنارو وخامنئي و خاصة في بداية ظهور الفيروس لنعرف كيف يستفاد اليمين من مثل تلك الافكار. سخر ترامب من خطورة الفيروس ووصفه بمؤامرة من قبل الديمقراطيين من اجل تقليص فرصته في الفوز بالانتخابات المقبلة. لحد الان يصف ترامب الفيروس بالفيروس الصيني .وباء انفلونزا الاسبانية لعام 1918 مثلا بدأ في كنساس- امريكا ولكن ما من احد يلوم امريكا على هذا الوباء. لقد سمي بالانفلونزا الاسبانية لانه قتل عدد كبير من الاسبانيين. يفيد فيروس كورونا، مثله مثل المهاجرين والاجانب البرجوازية وخاصة اليمين بالقاء اللوم على اي شيء يوجه الانظار عن مسؤولية النظام الرأسمالي نفسه.
من جهة اخرى، نظريات المؤامرة تساعد الحكومات على التخلي عن مسؤليتها وايران هي مثال جيد عن طريق القاء اللوم في فشلها على طرف اخر.
اكثر نظريات المؤامرة رواجا هي ان الجيش الامريكي قد نشر الفيروس لتحطيم الاقتصاد الصيني. الا ان اي شخص له ذرة اطلاع على الفيروس ودرجة العولمة ومقدار الحركة بين الدول سيعرف بان الفيروس الذي ينشر في ووهان الصينية سوف ينتقل الى نيويورك مثلا بعد ساعات. كما ان الطريقة التي تصرفت بها السلطات الامريكية وعدم التهيئة لهذا الوباء يستبعد اي دور لامريكا فيه. كما ان تاثير الفيروس على الاقتصاد الامريكي و مستقبل المجتمع الامريكي ومكانة امريكا العالمية قد يكون اكبر بمرات من تأثيره على الصين. في الحقيقة الفيروس يشكل خطر على مستقبل الرأسمالية كنظام والطبقة الحاكمة تعي هذه الحقيقة جيدا.
من جهة اخرى تبث نظريات المؤامرة العبثية بين الجماهير. تسود قناعة بين الجماهير بانة اذا كان الجيش الامريكي وراء الفيروس سيكون الدفاع عن انفسنا امرأ مستحيلا وحتى اذا تمكنا من احتواء هذا الفيروس، كيف نضمن ان لا يلجأ الجيش الامريكي الى نشر فيروس اكثر خطورة؟ في الحقيقة الشعوب التي قبلت الرواية الرسمية و التزمت بالتوصيات الرسمية مثل الصين وتايوان وكوريا الجنوبية وسنغافورة قد حققت نجاحا اكبر لحد الان في السيطرة على الفيروس.
ليس للشيوعيين اي مصلحة في تحويل كل هذه الازمة الى مشكلة متعلقة بالجيش الامريكي او ربطها بالصراع بين الصين وامريكا. مشكلتنا كشيوعيين الاساسية هي ليست مع دولة معينة او جيش معين بل مع كل النظام الرأسمالي.
من المفهوم في اوضاع كهذه ان تنتشر نظريات المؤامرة وحتى ان تقوم امريكا والصين في اشاعة مثل هذه النظريات في الصراع الدائر بينها.
ان الصراع بين امريكا كامبراطورية في مرحلة الافول والصين كقوة صاعدة هو صراع مرير وشامل. سوف يكون لهذا الصراع، تاثير على حياة البشرية على مستوى العالم وسوف يترك بصماته على كل اوجه الحياة بما في ذلك في طريقة التفكير وتفسير الاحداث. امريكا تشعر بخطر فقدان تفوقها من الناحية الاقتصادية، ففي فترة قصيرة من الناحية التاريخية قد يتفوق اقتصاد الصين على اقتصاد امريكا لان النمو الاقتصادي في الصين هو 6% بينما في امريكا هو اكثر من 2% بقليل. لقد تفوقت الصين بالفعل من الناحية التكنلوجية . لذا تقوم امريكا بمحاربة شركة هواوي بكل مالديها من وسائل ولكن لا يبدو انها لا تنجح في هذا المجال. امريكا بدات تفقد نفوذ وحلفاء لصالح الصين، الكثير من الدول الاوربية بما فيها حكومة بورس جونسن في بريطانيا قررت ان تعطي هواوي دور في بناء الجيل الخامس من خدمة الانترنيت الخ رغم ضغوطات امريكا.
في الحقيقية، حتى وباء كورونا اصبح سبب في صعود مكانة الصين. بنظري ان فيروس كورونا والازمة الاقتصادية التي ترافقه سوف تعجل من اختلال موازين القوى لصالح الصين. طلبت ايطاليا مثلا المساعدة بشكل اساسي من الصين وليس امريكا. اعتبرت صربيا مثلا الصين املها الوحيد لمحاربة الوباء.
رغم اننا لانعرف بشكل دقيق كيف ظهر الفيروس، اي كيف انتقل من الحيوانات الى الانسان. الا اننا نعرف حقيقة معينة من الاوبئة المماثلة الاخرى مثل انفلونزا الخنازير وهي ان حدوث طفرة على الفيروس تمكنه من اصابة الانسان، تتطلب ان يعيش الحيوان في ظروف سيئة مما يؤدي الى ضعف جهاز مناعة الحيوان الذي يأوي الفيروس. وهذا يحدث بسبب ممارسات تتعقب الربح في تربية الحيوانات كان نضع عدد كبير من الحيوانات في مكان صغير او ان نجمع حيوانات، لاتعيش معا في الطبيعة في مكان واحد وهي عادة مايكون جهاز المناعة عندها غير مهيأ لمقاومة فيروسات الحيوانات الاخرى. هذه المسالة تحدث اما في مزارع تربية الحيوانات او من خلال المافيات التي تتاجر بالحيوانات على المستوى العالمي والتي تباع لاغراض مختلفة منها من اجل اللحم. مثل هذه الاسواق نشطة في اسيا بشكل ملفت للنظر.

الفيروس لايشكل فقط خطر بايولوجي جدي على حياة الجماهير بل يهدد بشكل خطير معيشة الملايين حول العالم وسوف يتم تدمير حياة الملايين من البشر من الناحية الاقتصادية اذا لم تقوم الحكومات حول العالم باجراءات ضخمة وغير مسبوقة وبشكل سريع.
لقد دخل الاقتصاد الرأسمالي بالفعل في ازمة عميقة. بنظري الازمة المرتقبة سوف تفوق ازمة 2008 وربما ستكون بشدة ازمة 1929 التي تسمى بالكساد الكبير والتي بدأت في سنة 1929 واستمرت الى 1941 ولم تنتهي الا بسبب التعبئة للحرب العالمية الثانية والمجهود الحربي والسياسات التي تبناها قادة الرأسمالية في تاسيس مايسمى بدولة رفاه. ففي امريكا مثلا قام الرئيس الامريكي حينها فرنكلين دي روزفلت في وقتها تحت ضغط مؤتمر اتحاد نقابات هائل وحزبين اشتراكيين وحزب شيوعي في خلق بين 12-15 مليون وظيفة في القطاع العام وضمان التقاعد وضمان البطالة والرعاية الصحية في اوج الازمة رغم قلة الموارد.
علينا كشوعيين ان نوكد بان فايروس كورونا ليس اساس الازمة الاقتصادية التي تضرب الاقتصاد العالمي. في الحقيقية الاقتصاد الرأسمالي كان على ابواب ازمة عميقة ولم يكن الفيروس الا عامل ساعد على تفجير الازمة. يجب ان تنذكر بان النظام الرأسمالي اينما اصبح النظام السائد منذ ولادته قبل 300 سنة تقريبا لحد الان يدخل في ازمة كل 4-7 سنوات كمعدل. احيانا قد تكون الفترة اطول واحيانا اقصر ولكن بشكل عام بقى هذا معدل الفترة التي تفصل بين ازمتين. فالازمة الاقتصادية الدورية هي من صلب النظام وهي خلل بنيوي لايمكن للنظام الرأسمالي التخلص منها رغم كل الجهود التي بذلت لمنعها. كانت اخر ازمة اقتصادية في 2008 لذا فان الازمة تاخرت بسبب الاجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومات لتاجيلها والمستندة على زيادة الدين. كان بالامكان ان يكون العامل الذي يفجر هذه الازمة الحرب على اسواق النفط، عمل ارهابي، حرب عسكرية، وباء اخر، ازمة سياسية في بلد كبير او اشتداد الحرب التجارية او حتى الخوف من احتمال حدوث ازمة.
السبب الاساسي للازمة هو ببساطة وصول عدم المساواة الى مستويات هائلة. لقد قلصت حصة الطبقة العاملة من ثروة المجتمع على شكل زيادة في الاجور وقلصت القوة الشرائية للطبقة العاملة التي هي محفز الرأسمالي للاستثمار في انتاج البضائع والخدمات. لقد تم التغلب على هذه المشكلة لفترة معينة عن طريق زج عدد اكبر من افراد العائلة في سوق العمل وزيادة عدد ساعات العمل. وعندما لم تحل هذه الحلول المشلكة، التجا العامل الى الاقتراض من قروض البيوت الى بطاقات الائتمان او ديون الدراسة من اجل المحافظة على المستوى المعاشي والاستهلاك. من جهة اخرى عندما لايكون هناك حافز امام الرأسمالي للاستثمار في الانتاج يتوجه الى اسواق الاوراق المالية والبروصات وخلق فقاعات في قطاعات معينة مثل اسعار الاسهم او اسعار البيوت. في هذه الاوضاع، مع ظهور اول مشكلة مثل فقدان عدد كبير من العمال لوظائفهم لاي سبب وتخلفهم عن دفع قروض البيوت وغيرها من القروض فينهار قطاع اقتصادي معين ومن ثم ينتقل التاثير الى القطاعات الاخرى ليشمل كل الاقتصاد، بسبب الترابط الوثيق بين كل القطاعات المختلفة. ان الحلول التي قدمت لازمة 2008 التي تركزت على ضخ كميات هائلة من الاموال الرخيصة في ايدي البنوك والشركات الاحتكارية قد فاقمت الازمة. لقد استخدمت هذه الاموال في اعادة شراء اسهم الشركات من قبل الشركات نفسها من اجل رفع سعر الاسهم و خلق فقاعة اكبرمما يهيأ الارضية لازمة اكبر. يجب ان نؤكد بان الفيروس كان الابرة التي فجرت الفقاعة و سبب الازمة هو ليس الفيروس.
تحاول البرجوازية ان تخلق تصور بان الازمة الخانقة التي تمسك بخناق البشرية هي بسبب وباء كرونا فقط. فمن مصلحة النظام الرأسمالي بان يخلق مثل هذه القناعة لدى الجماهير لان في هذه الحالة لايمكن لوم النظام . بشكل عام الغضب هو اقل تجاه النظام عندما يكون السبب الظاهر للازمة فيروس مما اذا كانت ممارسات هؤلاء الذين يتحكمون بالاقتصاد الرأسمالي في مسعى لتعقب الربح. فالفيروس هو مثله مثل اي كارثة طبيعية مثل الجفاف والفيضانات خارج سيطرة النظام، رغم ان اغلب موجات الجفاف والفيضانات والكوارث "الطبيعية" الاخرى في يومنا الحاضر هي بسبب النظام.
لقد فضحت هذه الازمة النظام الاقتصادي الرأسمالي في الكثير من النواحي. لقد برهنت بان القطاع الخاص والية السوق عديمة الجدوى في هذه الاوضاع رغم كل مايقال في الاعلام والجامعات والمنابر الاخرى عن قدسية القطاع الخاص والية السوق واهميتها وسحرها في تنظيم الحياة الاقتصادية وفي التطور. يجب علينا كشيوعيين توضيح هذه الحقيقة.
لقد تبين بشكل لا لبس فيه بان كل مانريد القيام به من اجل السيطرة على الفيروس والازمة الاقتصادية هو بالضد من قوانين و ممارسات وتقاليد واخلاق النظام الرأسمالي.
فجاة تطلب الحكومات وقادة الراسمالية التي عادة ماتقدس الجشع والمنافسة وعدم المساواة والفردانية وغيرها من الافكار من الرأسمالي ان لايتصرف بالطريقة التي يطلب منه النظام ان يتصرف وان يقوم بكل ماهو ضد الراسمالية، كأن لا يرفع اسعار البضائع عند الندرة وعندما يزداد الطلب عليها، مثلما ما حدث مع الكفوف والمعقمات والكمامات و المواد الغذائية وينادون بان نتبنى الاحساسات والممارسات الانسانية وتلك التي تعزز التعاون والتاخي. في وقت ان التلاعب بالاسعار وابتزاز اموال الناس والجشع والمنافسة هو سلوك طبيعي للسوق الراسمالي. فجأة يتبين بان علينا اللجوء الى اليات غير الية السوق لمواجهة الازمة.
يقولون لنا ان التعاون العالمي في مجال التكنلوجيا والافكار الخ هي افضل طريقة للتصدي للفيروس والازمة الاقتصادية. في وقت ان السلوك الطبيعي للشركات والحكومات الرأسمالية هو القيام بكل مايمكن القيام به من اجل المحافظة على افكارهم و ابداعاتهم وتكنلوجيتهم وعدم مشاركتها مع الاخرين لان هذا يحقق لهم ارباح اكبر.
كل الحلول التي تطرح وتلك التي يجب ان تطرح تفضح النظام. فمنطق الرأسمالية يقول تستثمر عندما يكون الاستثمار مربح. في حين ان هذا الوباء يوضح بشكل لالبس فيه بانه يجب ان تقوم الحكومة بالاستثمار الان سواءا كان مربحا ام لا. يجب ان تصرف على عدة الفحص وعلى اجهزة التنفس الاصطناعي وعلى صحة ومعيشة الافراد بما فيهم المشردين. في الحقيقة لقد وجد مناصري هذا النظام انفسهم في وضع يتوجب عليهم فيه التخلي عن كل قيم الرأسمالية من اجل حماية الرأسمالية. لقد كان هدف واولوية الرأسمالي هو ليس فقط الربح بل الربح الان. ولكن تبين بان الاقتصاد يحتاج الى الاسثمار ليس عندما يكون مربحا وعندما لايكون الربح آنيا. ولكن يجب ان نسأل انفسنا، لما لانتصرف بهذا الشكل في الاوقات العادية اي عندما لايكون هناك ازمة؟ يصعب على مدافعي النظام الجواب على هذا السؤال.
في البداية اغلب الحكومات ارادت ان تقوم باجراءات محدودة لمكافحة الوباء لاتضر بالاقتصاد. وكان التركيز والحديث حول القيام بنفس الاجراءات التي قاموا بها في ازمة 2008 وهي دعم البنوك والشركات العملاقة على امل ان الفائدة سوف تسري على المجتمع ككل، اي اتباع سياسة التساقط الاقتصادية.
ولكن هذه الاجراءات بينت حجم الفجوة التي تفصل النخبة البرجوازية وحكوماتها عن الواقع. لقد تبين في خلال ساعات وايام قصور تلك الاجراءات. فلكي يكون العامل قادرا على المساهمة في الحد من الوباء والالتزام بالحجر الصحي يجب ان يكون بامكانه عدم الذهاب الى العمل والتخلي عن الاجر ولكن عقود من السياسات النيوليبرالية ومارافقتها من اضعاف القوانين التي تحمي حقوق العمال والتشغيل بعقود يعني بان جزء كبير من العمال ليس لهم حق في اجازة مرضية وليس لهم مدخرات كافية.

تبين بسرعة ان مثل هذه الاجراءات سوف تكون غير مجدية ولن تكون مقبولة من قبل المجتمع. فالكثر من الحكومات بدات تعي بان عليها اخذ اجراءات صارمة تشل الاقتصاد, وتخصيص مبالغ اكبر تصل الى الترليونات لدعم ليس فقط الشركات الاحتكارية والرأسماليين بل الطبقة العاملة ايضا. الكثير من الحكومات وعدت بانها ستدفع ضمان البطالة لاي شخص يفقد وظيفته في هذا الوقت، وستتكفل بمصاريف العلاج وسوف تسمح للعمال من تأجيل من دفع المستحقات الشهرية لقروض البيوت بدون اي عقوبة مالية من البنوك الخ. لقد ادركت الطبقة الحاكمة باننا في وضع لم يسبق له مثيل، فما من ازمة اقتصادية بما فيها الكساد الكبير في عام 1929 حدثت بهذا السرعة. لذا يقومون برمي بكل الاجراءات التي في حوزتهم لتحفيز الاقتصاد.
الاموال التي ضخت من اجل تحفيز الاقتصاد هي ضخمة. ولكن هل ستكون كافية لمعالجة الازمة حتى اذا لم تذهب معظم تلك الاموال في مساعدة الشركات والراسماليين؟ بنظري ليست كافية. الاقتصاد الرأسمالي مستند على الدين. لقد بلغ دين الحكومات والاحتكارات والافراد اعلى المستويات في تاريخ هذا النظام. هناك اموال هائلة وسيولة هائلة في الاقتصاد في وقت ان الانتاج قد تباطئ بشكل هائل بسبب الفيروس. هذه السياسة سوف لن تؤدي الى زيادة الانتاج الا في قطاعات محدودة. السيولة المالية ليست كافية. في وضع مثل هذا هناك خطر جدي من حدوث تضخم هائل في الاسعار بحيث يصبح ضمان البطالة التي توفره الدولة عديم الجدوى. ان غياب البضائع والخدمات مع وجود سيولة مالية قد تؤدي الى تضخم كبير في الاسعار الذي قد يجعل ضمان البطالة او التقاعد التي تدفعه الدولة قليل الفائدة.
كما ان الاقتصاد الراسمالي يعتمد على الاستهلاك الهائل ونمو مستمر لكي يعمل بشكل طبيعي، وهذا يتطلب انتاج هائل و استهلاك هائل وهو امر غائب مما يعني تفاقم ازمة النظام.
لذا يجب على الدولة ان تتدخل بشكل هائل في الاقتصاد من اجل تحفيز الاقتصاد و السيطرة على الوباء و بشكل يتم فيه اعادة ترتيب وهيكلة الاقتصاد الى حد كبير.يجب التخلي عن أليات السوق الذي يقدس في النظام الرأسمالي في الكثير من الميادين. يجب على الدولة ان تضمن معيشة العمال وضمان تكاليف الصحية فان كان ضمان البطالة غير كافيا يجب ان تلجأ الى تقنين البضائع والمواد الغذائية كما حدث في الحرب العالمية الثانية في امريكا مثلا.
وهناك دلائل على خطوات اولية في هذا الاتجاة فمثلا قامت اسبانيا بتامين المستشفيات لاستخدامها في محاربة الوباء و قامت ادارة دونالد ترامب بتفعيل قانون الانتاج الدفاعي وهو قانون اصدر في 1950 في بداية الحرب الكورية من اجل الحشد للحرب في اطار الحرب الباردة حيث يمكن القانون الرئيس من استخدام القاعدة الصناعية الامريكية والشركات الخاصة لتسريع وتوسيع انتاج البضائع والموارد التي تحتاج اليها الحكومة. كأن يوجه معمل معين بان يقوم بتصنيع بضاعة مثل الكمامات او المعقمات مثلا. وكان تقوم الحكومة باستخدام الفنادق والبنايات الفارغة التي لايستخدمها احد لكي تجعلها مسكنا للمشردين والمحجوز عليهم لاسباب صحية الخ.

لقد انفضح النموذج النيوليبرالي لادارة المجتمع من جراء هذا الوباء وهذه الازمة. لقد اصبح واضحا بان الهجمة النيوليبرالية على الخدمات الاجتماعية وحصة الطبقة العاملة من الثروة وعلى ظروف العمل وحتى على التضامن والوحدة في المجتمع قد جعلت المجتمع بشكل عام ضعيف في مواجهة مشاكل مثل جائحة كورونا. سوف يتجه المجتمع الى اليسار. سيتولد وعي في المجتمع لم نكن نتخيله حتى قبل قبل فترة وجيزة. سيكون هناك استعداد اكبر للنضال من اجل حياة افضل. ستطرح الكثير من الاسئلة. من الممكن ان تقوم الطبقة الحاكمة بطرح الاشتراكية الديمقراطية كحل.
ولكن على الشوعيين التاكيد بان العودة الى الاشتراكية الديمقراطية هي ليست الحل. يجب ان نثبت بان الحل هو ليس في زيادة تدخل الدولة في الاقتصاد وان كان هذا افضل من السياسات النيوليبرالية. يجب ان نثبت بان بناء دولة الرفاه سوف لن يكون الا انجاز وقتي. لقد تم بناء دولة الرفاه في خضم الكساد الكبير والحرب العالمية الثانية والفترة التي تلتها، الا انه تم مصادرة انجازات دولة الرفاه تحت هجمة اليمين البرجوازي. وهذا التذبذب بين المزيد من تدخل الدولة في الاقتصاد وبين تحديد دور الدولة في الاقتصاد هو صراع غير مجدي. استمر هذا الصراع منذ ولادة النظام الراسمالي ولحد هذا اليوم وهذا دليل على ان اي من تلك الحلول هي ليست الحل. يجب ان نناضل من اجل احداث تغير جذري في الاقتصاد وهو تغيير العلاقات في موقع الانتاج.
النظام الرأسمالي ليس مهيئا لمواجهة الازمات التي ستواجه البشرية بسبب سيادة نمط الانتاج الراسمالي.
حذر العلماء لسنين من ان مسالة انتشار وباء كبير هي مسالة وقت. لقد حدثت مثل تلك الاوبئة على نطاق اصغر من قبل، مثل سارس وميرس وانفلونزا الطيور. رغم ذلك لم يتم انتاج وتخزين الكميات المطلوبة من المواد اللازمة لايقاف الاوبئة و انتقال الفيروسات الخطيرة او المواد اللازمة لتشخيص وعلاج المرضى مثل عدة الفحص والادوية و اجهزة التنفس الصناعي. لم يتم القيام بهذه الاعمال لان القيام بها ليس مربحا للشركات والرساميل الخاصة.
لقد كشف كوفيد 19 عن ضعف القطاع الصحي العام وضعف البنى التحتية الصحية من مستشفيات واجهزة حتى في اغنى الدول. في اغلب الدول المتقدمة، الانظمة الصحية بالكاد تتمكن من تلبية الطلب على الخدمات الصحية في الاوقات العادية فكيف الحال بالنسبة لوضع مثل وضع اليوم. لقد كشف كوفيد 19 بان الوقت حان بان تفكر البشرية ببناء نظام اخر يختلف جذريا عن النظام الرأسمالي يكون هدفه هو الانسان ورفاهيته وليس الربح.