أمة اليمين – قوة المحافظين في أمريكا


خليل اندراوس
الحوار المتمدن - العدد: 6514 - 2020 / 3 / 14 - 09:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


هل المواجهة النهائية في الانتخابات الامريكية عام 2020 ستكون بين اليساري ساندرز واليمين ترامب؟!
الولايات المتحدة الامريكية اكثر بلدان العالم المتقدم محافظة على مستويات مختلفة، ثقافية، اعلامية سياسية ومنها ايضا انشاء المشاعر الدينية المتطرفة والمرتبطة بالفكر والايديولوجية اليمينية الرأسمالية والصهيونية. وهذه تربة خصبة لصعود قوى اليمين المحافظ الامريكي وخاصة الآن في فترة رئاسة ترامب.

وفي امريكا هناك إعلام مشوّه للوعي الاجتماعي والسياسي يهدف الى عدم التفكير بالتراث التاريخي السياسي للولايات المتحدة، ومراجعته وانتقاده، خاصة وان هذا التاريخ مليء بممارسات غير انسانية، وابادة شعب لا بل شعوب في امريكا نفسها، وحروق خاصة حرب فيتنام وحروب امريكا وسياستها الاجرامية في امريكا الجنوبية ودعم سياسات اسرائيل العدوانية في الشرق الاوسط.

ففي الولايات المتحدة هناك عدد كبير من مراكز ابحاث ووسائل اعلام يمكن ان نسميها بالعقل المدبر لليمين الامريكي لها حجم كبير ونفوذ سياسي مؤثر، وهناك مؤسسات رأس المال المالي الكبير التي تمولها، وهذه المؤسسات هي سر صمود اليمين الامريكي خلال العقود الاخيرة.

ومن ينظر الى الصراع الايديولوجي والسياسي والاقتصادي والعسكري العالمي في عصرنا الحاضر خاصة بعد تفكك وانهيار الاتحاد السوفييتي يرى بان الولايات المتحدة واسرائيل تقعان في احضان أقصى اليمين السياسي العالمي.

وفي الولايات المتحدة الامريكية ابتداء من القرن الثامن عشر قامت وتقوم بها صحوات دينية يمينية متطرفة كبرى، لا بل نستطيع ان نقول بان هذه الصحوات الدينية اليمينية مستمرة حتى الآن ولا يمكن القول انه كانت هناك غفوة لتعقبها صحوة.

وهذه الايديولوجية اليمينية الصهيونية المسيحية مستمرة حتى الآن وخاصة في فترة حكومة ترامب، وتلعب دورا رئيسيا في تشكيل سياسات الولايات المتحدة ليس فقط داخل المجتمع الامريكي بل على كافة صعد السياسة الخارجية التي تمارسها الولايات المتحدة على الساحة الدولية.

وفي السنوات الاخيرة خاصة في فترة حكم ترامب تتجه امريكا اكثر فأكثر نحو اليمين، وبالنسبة لي ستكون مفاجئة كبيرة وسعيدة اذا نجح عضو الكونغرس الدمقراطي الامريكي ساندرز والذي وصف نتنياهو بالعنصري والرجعي، بالفوز برئاسة الولايات المتحدة لأن ذلك سيكون بداية انهيار اليمين المتطرف ليس فقط داخل الولايات المتحدة، بل على مستوى عالمي ونهاية دوره الارهابي العالمي، فالرئيس الامريكي الحالي ترامب يعتبر اهم محرك وداعم لمسيرة اليمين المتطرف داخل امريكا، وداعم لليمين الصهيوني الاسرائيلي وداعم لقوى اليمين على مستوى عالمي.

وعندما نذكر بان الرئيس الامريكي، كل رئيس امريكي يذهب كل اسبوع للكنيسة ويبدأ يومه بالصلاة ويتلو آيات من الكتاب المقدس قبل غذاءه الاسبوعي مع نائبه نتسائل حول مصداقية هؤلاء حتى من الناحية الدينية، بعد ارتكابهم باسم الولايات المتحدة وباسم الدين المسيحي الصهيوني الكثير من الحروب وأعمال الارهاب ضد شعوب ودول مختلفة حول العالم خاصة في منطقة الشرق الاوسط من خلال الدعم المطلق لاسرائيل كقاعدة امامية للامبريالية العالمية وطبقة رأس المال العالمية في المنطقة.

وهنا لا بد ان اذكر بان طبقة رأس المال المالي والعسكري والشركات العابرة للقارات خاصة شركات النفط تفرض نفسها على كلا الحزبين الدمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة، وحتى عندما يفوز بالرئاسة مرشح دمقراطي فسيضطر الى اتخاذ مواقف يمينية كما فعل كلينتون حين تخلى عن مشروع دولة الرفاهية.



استقطاب منذ عقود

الولايات المتحدة تخضع لحالة من الاستقطاب منذ عقود، والغلبة في العقود الاخيرة هي "لأمة اليمين" المحافظ – كهنة الحرب، خاصة الآن في فترة رئاسة المأفون ترامب، وتصوري بانه اذا حدث وانهزم وفشل هذا المأفون أي ترامب في الانتخابات القادمة فلن يكون ذلك نهاية كابوس أمة اليمين الامريكي، فالمجتمع الامريكي حتى الآن يأتي ويسير على الجانب المحافظ في عدة مجالات منها التهاون في مستويات انفاق الحكومة خاصة في مجال الصحة ومكافحة الفقر والبطالة، وكذلك بالنسبة للمستويات المرتفعة في عدم المساواة في الثروة.

وامريكا هي الدولة المتقدمة الوحيدة التي تفتقر الى نظام صحي متقدم تدعمه الحكومة وهي الدمقراطية الوحيدة التي لا توفر رعاية الطفل لكل الاسر، وهي الدولة الوحيدة في الغرب التي تبني جدار عازل مع دولة مجاورة، المكسيك، وهي الدولة الوحيدة التي تؤيد حق الافراد في حمل السلاح وتؤيد عقوبة الاعدام وقوانين فرض الاحكام الصارمة، فمعدل الاحكام بالسجن فيها يوازي خمسة امثاله في بريطانيا وهي الاقصىى في احكامها في اوروبا.

والولايات المتحدة الدولة اللأكثر استعدادا بكثير للجوء واستخدام القوة العسكرية والحروب الاقتصادية واكبر مثل على ذلك حربها الاقتصادية ضد الصين وروسيا وايران وسوريا وفنزويلا وكوبا، وأكثر الدول التي لا تلتزم بالمعاهدات والقوانين الدولية هي الولايات المتحدة مثلها مثل اسرائيل، ولعلها الدولة الوحيدة التي اعتادت نصف الأسر فيها على ترديد صلاة الشكر قبل كل وجبة طعام، في حين تستمر الولايات المتحدة في تجاهلها لاستراتيجيات مكافحة الارهاب، ليس فقط المحلية داخل الولايات المتحدة بل عالميا، ودعمها للحرب الاجرامية ضد الشعب اليمني ودعم داعش والمؤامرة على سوريا اكبر دليل على ذلك، وهكذا نرى في الفترة الاخيرة تنامي خطر اليمين المتطرف الامريكي وخطر جماعات القومية البيضاء والتي لا تختلف كثيرا عن الحركات العنصرية الشوفينية اليمينية في اوروبا ولا تختلف عن الايديولوجية اليمينية العنصرية الصهيونية، ولا تختلف عن الوهابية السعودية المتطرفة والداعمة للارهاب.

وكل هذه الحركات تستغل وتشوه الديانات لخدمة طبقة رأس المال، وفي الفترة الاخيرة تتمدد وتتعمق الاستثنائية الامريكية بما تحمله من ما يسمى بالرسالة الالهية الى العالم وهي تقوم على ثلاثة اركان: الشوفينية الامريكية – الدين – الرأسمالية. وهنا لا بد ان اذكر انتفاضة المسيح في الهيكل عندما "دخل يسوع الى هيكل الله وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل، وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام وقال لهم، "مكتوب، بيتي بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص" (انجيل متى 21).

وأمة اليمين الأمريكي وطبقة رأس المال الأمريكي حولت كنائس المسيحية الصهيونية والبيت الابيض الى مغارة لصوص وإجرام. يكفي ان نذكر الآن المؤامرة الارهابية ضد سوريا والذي يسميها بعض من زاروا سوريا سابقا وعانقوا الرئيس حافظ الأسد، ومن تركته اسرائيل يضع ذنبه بين رجليه ويهاجر الى قطر بالثورة.

وكذلك علينا ان نذكر الحرب العدوانية الاجرامية التي يقوم بها التحالف الرجعي الخليجي السعودي المدعوم امريكيا ومن اسرائيل ضد الشعب اليمني وقتل عشرات الاطفال في اليمن وسوريا متناسين هؤلاء الصهاينة المسيحيين أمة اليمين الأمريكي قول السيد المسيح: "دعوا الاطفال يأتون إلي، ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السماوات" (انجيل متى 19). وهنا نؤكد بأن قصور العائلات الحاكمة في السعودية ودول الخليج العربي بل الامريكي ايضا مغامرات لصوص، وهم أبناء الشيطان وخدمة لصوص الامبريالية والصهيونية. ليس معنى هذا ان الولايات المتحدة على وشك أن تتحول الى مجتمع يسيطر عليه بالكامل اليمين الامريكي – أمة اليمين كهنة الحرب – لأنه هناك الملايين من الامريكيين يسعون الى جذب امريكا الى الاتجاه المضاد وعلى رأس هؤلاء عضو الكونغرس الديمقراطي الامريكي ساندرز فهذا المرشح الوحيد الذي يدين سياسات اسرائيل العدوانية ويصف نتنياهو على الملأ باليميني العنصري الرجعي وهو القادر على إحداث تغييرات جذرية وجريئة واذا تكاتف الامريكان حوله فبإمكانها انتزاع السلطة من ايدي امة اليمين الامريكي واعادتها الى الشعب. في الستينيات من القرن الماضي ظن العديد من الليبراليين الامريكيين ان امامهم فرصة سانحة لجعل بلادهم امة اكثر ليبرالية ودولة الرفاه الاجتماعي فوضعت ادارة كنيدي (الذي اغتيل لاحقا والذي كان ضد تسلح اسرائيل بالسلاح النووي) على وجهها قناع الليبرالية وكان يروق للرئيس كنيدي في ذلك الوقت ان ينوه الى انه قضى سنة في كلية الاقتصاد بلندن وتتلمذ على يد الماركسي الشهير هارولد لاسكي.



بارونات النهب الرأسمالي

كتب جون كينيث جالبريث في سنة 1964 يقول: "هذا ولا شك ازهى عهود الليبرالية، الكل يعتبر نفسه الآن ليبراليا". وفي الستينيات سعى الليبراليون خاصة في الحزب الدمقراطي الامريكي لإقرار نظام رعاية اجتماعية – دولة الرفاهية على الطراز الاوروبي لا سيما من خلال "المجتمع العظيم" الذي تبناه ليندون جونسون (اسم المشروع مأخوذ من عنوان كتاب لكاتب اشتراكي بريطاني هو جراهام والاس).

وفرضوا قيودا مشددة على حمل الافراد للاسلحة، واعتلوا ظهور حملات تدعو لتحريم عقوبة الاعدام، وإقرار المساواة العرقية بل التمييز الايجابي ايضا لصالح الاقليات، وهذه الجهود اثمرت في السبعينيات من القرن الماضي وشعرت القوى والنخب التي تتبنى الدمقراطية الليبرالية وخاصة نخب بوسطن ونيويورك، ان امامها فرصة لاخفاء صبغة حضارية على من سماهم بعضهم "الاجلاف" (المقصود بالاجلاف قوى اليمين المتطرف في الولايات المتحدة في ذلك الوقت).

ولكن ابى اجلاف أمة اليمين المتطرف الامريكي ان يخضعوا لترويض الاتجاه الليبرالي في السياسة الامريكية الداخلية بل استمرت قوى اليمين المتطرف الأمريكي العمل على اعادة تعريف "الجمهورية" كفلسفة معادية للحكومات والادارات "الليبرالية" داخل الولايات المتحدة وصرح في عام 1964 من كان مرشح للرئاسة والذي خسر أمام جونسون ما يلي: "ان خوفي من واشنطن والحكومة المركزية يفوق خوفي من موسكو"، وهي عبارة هائلة من أحد قادة الحرب الباردة الذي اقترح ذات مرة قصف حمام الرجال في الكرملين بقنبلة نووية.

ولكن الأفكار اليمينية المحافظة والمتطرفة – أمة اليمين - استطاعت الانتصار على التوجه الليبرالي خاصة بعد انتصار رونالد ريغن في انتخابات الرئاسة بدعم اليمين المتطرف – أمة اليمين – وكذلك دعم شرائح واسعة من المجتمع الأمريكي وحتى العمال الذين تم خداعهم وتجنيدهم ضد ميل الديمقراطيين نحو اليسار وايضا من خلال استغلال سياسات الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي. وهكذا أخفق مشروع "المجتمع العظيم" مما جعل ريغن يقول: "خاض الليبراليون حربا على الفقر، وكانت الغلبة للفقر". ولاحقا لم ينجح الحزب الديمقراطي إلا في فترة رئاسة بيل كلينتون والذي تبنى بعض مبادئ اليمين الأمريكي بحيث اصبح نفسه محافظا، ولم يكتف بإقرار تطبيق عقوبة الاعدام، بل انه عاد ايضا الى اركانسو ابان حملة 1992 الانتخابية ليرأس لجنة لإعدام أسود مختل عقليا هو ريكي راي ريكتر. وأعلن انجح سياسي دمقراطي منذ فرانكلين روزفلت (المقصود كلينتون)، "نهاية دولة الرفاهية كما نعرفها" و "نهاية الحكومة الكبيرة".

الولايات المتحدة الأمريكية في عصرنا الحالي هي دولة المحافظين الجدد – كهنة الحرب – امة اليمين، وهذا الاتجاه السياسي اليميني المحافظ يفسر سبب اختلاف امريكا ليس فقط مع الصين وروسيا وايران بل ايضا مع اوروبا الغربية حيث تنظر اليها "امة اليمين" الامريكي كأوروبا العجوز وبالوعة ينبغي تجنبها.

لقد ساعد التدين لا بل استغلال الدين على تعزيز المفاهيم اليمينية في الولايات المتحدة، فالجماعات الدينية التي فرت لامريكا كان لديها منذ البداية شعور قوي بأنها استفزت في مكان له دور كتبه الله في خطته – مدينة على التل، منارة للعالم ولطالما اعتبرت امريكا نفسها امة مخلِّصة. فيروى عن ليمان بيتشر أحد قساوسة القرن التاسع عشر انه قال: "أمة بعد أمة ستقتدي بنا وتتبع خطانا الى ان تتحرر الارض كلها"، فلدى الامريكان "الوطنية" و "التدين" يعزز كل منهما الآخر.

لذا تمكنت الجماعات الدينية إبان رئاسة ايزنهاور من إضافة عبارة "في رعاية الله" – (ووردت العبارة في خطاب لينكولن في جتسبرج) الى "يمين الولاء" الذي كتب نصه الاصلي المعلم الاشتراكي فرانس بيلامى، حسب قول المحافظين. واذا كان الرب قدر على امريكا النزعة المحافظة فكذلك قدر عليها سلطان المال.

فلماذا تغامر بمصيرك مع الراديكاليين طالما امكنك ان تتحرك ببساطة غربا؟ لماذا تزعج نفسك بالثورة ما دمت في رغد في ظل النظام القائم؟ يعبر ويرنر سومبارت عن ذلك بقوله ان سفينة الاشتراكية الامريكية جنحت على "صخور الشواء وفطير التفاح" والشعب الذي تمتع بالوفرة اولى ثقته لا في الدولة بل في من امدوه بالوفرة، رجال الأعمال، فالرأسمالية جاءت الى امريكا مع المستوطنين الاوائل، والبلاد عمرتها الشركات اللاهثة وراء الربح، شركة فيرجينيا، شركة خليج ماساشوستس، والشركة الملكية الافريقية لتجارة الرقيق بما احدثته من تشويه لمستقبل البلاد (تسمت نيويورك على اسم رئيس هذه الشركة، جيمس دوق يورك). حتى البيوريتانز الذين جاءوا لاسباب دينية لا تجارية كانت لهم أطر ذهنية رأسمالية.

وبارونات النهب الرأسمالي امثال اندرو كارنيجي وجون روكفلر وهنري فورد وتوماس اديسون دمروا منافسيهم وحطموا النقابات العمالية. والمهاجرين دائما يعيدون امداد الحلم الرأسمالي الامريكي بدماء جديدة، وليس من قبيل المصادفة أن اكثر الجماعات ميلا لليسار في أمريكا هم السود وهم الفئة الوحيدة التي لم تأت الى البلاد طواعية.



تربة خصبة لصعود اليمين

هناك أسباب عديدة ومثيرة لازدياد قوة اليمين المحافظ في الولايات المتحدة خلال الفترة الحالية، لقد تحول المجتمع الأمريكي وكذلك الاسرائيلي الى مجتمع محافظ يميني لأسباب عديدة، منها هيمنة اعلام وايديولوجيا طبقة رأس المال، وكذلك لأن هذه الدول أي امريكا واسرائيل، تمارس على مدى عقود سياسات يمينية عنصرية شوفينية وتمارس سياسات الحروب والعدوان، فأمريكا كدولة وتجربة تاريخية وكذلك اسرائيل مثلتا دائما تربة خصبة لصعود اليمين، وقوى وتنظيمات التيارات المحافظة خاصة الدينية وأقصد التيار المسيحي الصهيوني.

قال السير لويس نامير مؤرخ السياسة الانجليزية الكبير في عهد الملك جورج الثالث: "ان التاريخ الانجليزي لا سيما البرلماني من صنع عائلات لا افراد" وهذا ينطبق على التاريخ السياسي الامريكي لا سيما في الفترة الاخيرة فترة حكم آل بوش والآن ترامب ومن حوله من صهاينة فبزوع نجم امة اليمين في السنوات الخمسين الاخيرة لم تكن سيرا مستقيما الى النور بل الى الظلام وسياسات الولايات المتحدة العدوانية في افغانستان والعراق وليبيا واليمن وسوريا وفي امريكا اللاتينية والحصار الاقتصادي ضد ايران لأكبر دليل على ان اليمين الامريكي يسير نحو الظلام وطرحه فكرة سباق التسلح النووي في الفترة الاخيرة، وامكانية المواجهة النووية هي طريق مسدود ومظلم ليس فقط للولايات المتحدة بل وللعالم أجمع.

في فترة الخمسينيات من القرن الماضي صرح السيناتور جوزيف مكارثي الذي جاء ليجسد عقدة الاضطهاد لدى اليمين "لو اردتم ان تعادوا مكارثي يا اولاد، فلا بد من ان تكونوا إما شيوعيون او شواذ". وكان أهم منابر الفكر المحافظ مجلة ناشيونال ريفيو، ومن خلالها نشر المدعو واتر ويليام إف بكلي العديد من المقالات اليمينية المحافظة وفي احدى مقالاته تساءل: أليست الشيوعية اكبر خطر يهدد التراث اليهودي المسيحي الغربي؟؟ وأليست السوق الحرة افضل من الحكومة في نشر التقاليد الاخلاقية؟؟ نشأ المحافظون الجدد من قلب امريكا الدمقراطية، وكان معظمهم يعيشون في نيويورك او بوسطن ويرتزقون من البحث العلمي، وكان معظمهم يهودا وكلهم تقريبا من ابناء المهاجرين، نشأ بعضهم في بيوت يتحدث اهلها لغة الييدش بقدر ما يتحدثون الانجليزية.

وفي ستينيات القرن الماضي قام المحافظون الجدد بهجوم سياسي واعلامي ضد الأمم المتحدة بسبب قرارات هذه الهيئة بعد العدوان الاسرائيلي على الدول العربية عام 1967. من الاماكن التي كان المحافظون الجدد وسائر المحافظين يتجمعون فيها "معهد الاعمال الامريكي لويليام بارودي، ووجد المحافظون الجدد اكثر حلفائهم حماسا فيما اصبح يعرف بـ "اليمين المتدين"، وحتى اواسط السبعينيات كانت صلات المسيحيين الايفانجليكيين (وهم البروتستانت الذين يؤمنون بعظمة الكتاب المقدس ووجوب تفسيره حرفيا وهو المصدر الوحيد للمسيحية، وبان الخلاص بالايمان بان المسيح جاء لافتداء البشر بصلبه وقيامته من الاموات، وبوجوب التبشير بالانجيل داخل امريكا وخارجها وبالمجيء الثاني للمسيح، واغلبهم يرون ان ذلك سوف يحدث بعد معركة هار مجدون).

في عام 2003 ظهر جدول أعمال المحافظين الجدد جليا، فما كان مجرد كلام في قاعات "معهد الاعمال الامريكي" أضحى واقعا في شوارع كابُل بغداد، وتمت الاطاحة بصدام وبطالبان، ووضعت كل من سوريا وايران على قائمة الانتظار وتمت تنحية ياسر عرفات جانبا. وفي الجدل حول العراق، قرر بوش الابن في النهاية تجاهل البطتين العرجاويتين في نظر المحافظين الجدد، أي الامم المتحدة واوروبا "العجوز".

في فترة حكم بوش احدث المحافظون الجدد انقلابا في البيت الابيض، حيث قامت عصبة او عصابة منظمة تنظيما جيدا وعديمة الرحمة قضت سنوات تحلم بتغيير الانظمة الحاكمة في الشرق الاوسط، وانتهزت هذه العصبة او العصابة أي المحافظين الجدد – كهنة الحرب، فرصة كارثة "سبتمبر/ايلول لتدفع بالسياسة الخارجية الامريكية في اتجاه راديكالي جديد، وأبلغ اللورد جوبلنج الوزير البريطاني السابق مجلس اللوردات البريطاني في 18 آذار 2003 قائلا: "للمحافظين الجدد قوة خانقة في وزارة الدفاع الامريكية، ويبدو ان الرئيس مطاوع لهم"، وسعي ادارة ترامب الى العودة لسباق التسلح النووي دليل على سيطرة هؤلاء أي امة اليمين الامريكي على الرئيس ترامب وسياساته.

كما ابلغت في ذلك الوقت أي عام 2003 البارونة شيرلي ويليامز (التي كانت آنذاك متزوجة باستاذ العلوم السياسية البارز بجامعة هارفرد الراحل ريتشارد نويشتات) مجلس اللوردات بان سياسة ادارة بوش "يسيرها – الى حد ما – ما يمكنني ان اصفه بانه اصولية مسيحية واصولية يهودية لا تقل قوة عن الاصولية الاسلامية". والآن الذي يسير سياسة ترامب الاصولية المسيحية والاصولية الصهيونية والوهابية خادمة ترامب في منطقة الشرق الاوسط.



عصبة محافظين جدد تتولى السلطة

استشهد احد اعضاء البرلمان الفرنسي بما قاله وزير خارجية بلاده دومينيك دوفيليبان: "ان الصقور في الادارة الامريكية بيد شارون". والآن الصقور في الادارة الامريكية من امثال كوشنر وفريدمان وغيرهم بيد نتنياهو واليمين العنصري الصهيونية الشوفيني، ويشير الروائي جون لوكاريه الى وجود عصبة من المحافظين الجدد تتولى السلطة في واشنطن وتحد من حقوق الإنسان الى درجة لا يمكن تصورها"، كما شبه نفسه بكاتب اليوميات اليهودي فيكتور كلميرد الذي اختبأ من النازي في قبو بمدينة درسدن في انتظار عودة الألمان الاخيار بقوله: "انا في انتظار عودة الامريكيين الحقيقيين"، ويطرح السؤال الآن هل الانتخابات القادمة ستكون نتيجتها بقاء مكملي طريق هتلر المحافظون الجدد – امة اليمين – وممثلها ترامب او سيفوز المرشح الدمقراطي وخاصة ساندرز لكي تعود الامة الامريكية الى طريق الحوار وتقبل الآخر ورفض سياسات سباق التسلح خاصة التسلح النووي التي تمارسها الادارة الحالية، وفي الولايات المتحدة هناك من يرى بأن أمة اليمين الامريكي تمارس سياسات تتناقض مع مصالح امريكا ويعملون على تقديم مصالح اسرائيل على مصالح امريكا.

وهنا يجب ان نذكر اول عناصر الحقيقة بأن امة اليمين الامريكي هي جماعة يعملون في منتديات فكر واحد ("معهد الاعمال الامريكي" هو الاثير عندهم) ويكتبون لمجلات واحدة (لا سيما "ويكلي ستاندارد")، وهم عادة مؤيدون لا لاسرائيل وحسب بل لحزب الليكود الصهيوني اليميني العنصري أي حزب نتنياهو، ففي عام 1996 صدر تقرير لأمة اليمين الامريكي اسموه "انفصال نظيف" لمنتدى فكر ليكودي اقترحوا فيه ان اسرائيل يجب ان تتخذ موقفا اكثر وقائية تجاه أمنها – "في الاطاحة بسلطة صدام حسين" مثلا و"احتواء سوريا وتنحية عرفات جانبا"، وهذا ما حصل على ارض الواقع.

ومن المعروف بان امة اليمين تلقت الدعم المادي من بارونات الاعلام من ذوي النفوذ: روبرت ميرودوخ وكونراد بلاك وشلدون ايدلسون وغيرهم، فسياسات اليمين الامريكي منحازة بالمطلق لسياسات اسرائيل اليمينية والرافضة للسلام العادل. فالمحافظون الجدد – امة اليمين هم مجموعة من المجانين والاشرار وخطرون. وهذه الامة لا ترى المسألة مسألة الرئاسة، فهم يحكمون سيطرتهم على الكونغرس بمجلسيه، ومن الطبيعي لشعب محافظ كالشعب الامريكي ان يصوت لصالح الاكثر محافظة من الحزبين، ويبقى السؤال ما اذا كان الجمهوريون وخاصة امة اليمين مواصلة اغتنام هذا التحيز ام ان الشعب الامريكي سيعرف ان يختار البديل.

لا شيء يجسد موقف امريكا المتميز افضل من سماحها باللا مساواة، فالعقود الاخيرة شهدت نموا فائقا في انعدام المساواة، فأمريكا اكثر الدول المتقدمة افتقادا للمساواة طبقا لمعظم المعايير في العالم. الاوروبيون يصف الامريكيين بأنهم "مجاذيب الكتاب المقدس المتعصبين"، لا ندعي بان الامريكان جميعا محافظون، فامريكا امة يسودها انقسام عميق.

فكما قال المرشح الدمقراطي للرئاسة ساندرز بان فوزه في انتخابات نيوهامبشر الاسبوع الماضي هو بداية النهاية لدونالد ترامب، ويطرح السؤال هل ستنجح "ثورة" بيرني ساندرز – التي تعتبر غير متوافقة مع توجهات مؤسسة الحزب الدمقراطي بقدر ما هي مناهضة لترامب ولليمين الامريكي – امة اليمين – وهل سيكون نجاح ساندرز مهد ونقطة انطلاق "الثورة" ضد اليمين، هذه "الثورة" والتي لا يزال امامها طريق طويلة.

لقد خسر ساندرز امام هيلاري كلينتون عام 2016 ولكنه يعود هذه المرة متعهدا بالقيام "بثورة سياسية" ويطرح السؤال هل سينجح في ذلك امام أمة اليمين؟